فهم الظّواهر السوسّيولوجيّة العربيّة بين الفلسفة والعلم

فهم الظّواهر السّوسيولوجيّة العربيّة

ملخص:

الإنسان والمجتمع هما موضوعا العلوم الاجتماعيّة، بل ويمكن التّفصيل أكثر بذكر العلاقات الاجتماعيّة وتحوّلاتها، والمؤسّسات والتّقاليد والثّقافة والأعراف والأفكار وغيرها. وتتميّز الظّواهر الاجتماعيّة عموما بأنّها أنواع السّلوك المختلفة الّتي يحدثها المجتمع، فهي ليست من صنع الفرد؛ بل إنّه يتلقاها من المجتمع الّذي نشأ فيه، وهي تفرض نفسها عليه بالقوّة ، دون شعور منه بذلك. وبعد ما ينيف على قرن من التّمايز بين مختلف العلوم الاجتماعيّة، مع تطوّرها حتّى التّوصّل إلى مناهج خاصّة بها، مع تشعّب تلك المناهج ذاتها عبر التّفاعل مع الفلسفة من جهة، ومع العلوم من جهة أخرى؛ وفي ظلّ تغيّر المجتمعات وتطوّرها ، ظهرت محاولات متباينة في مناهج بحثها، لدارسة الظّواهر الاجتماعيّة في المجتمع العربيّ الحديث لفهم فكر هذا المجتمع وثقافته .

كلمات مفتاحيّة :  الظّواهر الاجتماعيّة ، المجتمع العربيّ الحديث، العلوم الاجتماعيّة، بحث السّلوك ، التّقاليد.

Abstract:

Man, and society are the subject of social sciences, and it can be more detailed by mentioning social relations and their transformations, institutions, traditions, culture, customs, ideas, and others. Social phenomena are generally distinguished as the different types of behavior that society causes, as they are not made by the individual; Rather, he receives it from the society in which he grew up, and it imposes itself by force, without feeling it. And after what he detests to a century of differentiation between the various social sciences, with its development until it reached its own curricula, with the great approaches of these curricula by interacting with philosophy on the one hand, and with the sciences on the other hand; In light of the changes and development of societies, different attempts appeared in the curricula of their research, to study social phenomena in modern Arab society to understand the thought and culture of this society.

key words: Social phenomena, modern Arab society, social sciences, behavior research, traditions.


1- مقدّمة لازمة لازبة:

استخدم ابن خلدون لفظ الإنسانيات حين كتب قائلا:” اعلم أنّه لمّا كانت حقيقة التاريخ أنّه خبر عن الاجتماع الإنسانيّ، الّذي هو عُمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران، من الأحوال مثل التّوحّش والتّأنّس ، والعصبيات وأصناف التّغلّبات للبشر بعضهم على بعضٍ، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدّول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصّنائع وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من الأحوال…”([1]) كما استخدم أفلاطون وأرسطو([2]) ومفكّرو عصر النّهضة وفلاسفتها لفظ الإنسانيات، لوصف الدّراسات المتعلّقة بالإنسان فردا ومجتمعا، ووصف إنتاجه ونشاطه في مقابل لفظ: اللاّهوت الّذي يُعنى بالمسائل الميتافيزيقية الميتافيزيقيّة أو الإلهيّات؛ ومن ثمّة انشقّت العلوم الاجتماعيّة الواحدة منها تلو الآخر عن الفلسفة. ويمكن القول إنّ القرن الثّامن عشر شهد إنتاجًا فكريًّا تمثّل في دراسات متعلّقة بالإنسان مثل: الاقتصاد والمجتمع وبنية النّفس البشريّة… لكنّ علم الاجتماع بوصفه تخصّصًا، نشأ نهاية القرن التّاسع عشر، وقد سبقه علم الاقتصاد، وتلاه علم النّفس… وهكذا بقية علوم الإنسان؛ أي أنّ تقسيم العلوم الاجتماعيّة إلى تخصّصات في حدّ ذاته، لم يكن حتميّة علميّة رياضيّة؛ بل هو نتاج ثقافيّ تاريخيّ حضاريّ ولن يتّسع المجال في هذا المقام لإيراد الأمثلة. وهذه صيرورة مستمرّة في تطوّر العلوم الاجتماعيّة من جهة؛ ومن جهة أخرى فإنّ العلم قادر على نقد ذاته، وهذا من عناصر تميّزه عن الأسطورة أيضًا. وثمّة عنصر بنيويّ توفّره العلوم الاجتماعيّة قد لا يزيل الهوّة النّظريّة السّحيقة بين الأحكام العلميّة والقيم المعياريّة. وليس هذا التّوجّه أو المنحى النّقديّ منهجًا محدّدًا؛ بل هو مثابرة علميّة بأدوات نظريّة، ويمكن أن تتوافر في كلّ منهج في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، إذا مضى لأقصى تحليل في المهمّات النّقديّة من دون أن يتخلّى عن النّظريّة .([3]) ولئلاّ يحيد النّقد عن المنهج العلميّ، ومن ثمّ يبقى في إطار العلم، لكنّه يؤدّي دورًا مزعجًا للقوى المسيطرة ومضادًّا لأدواتها في تزوير الواقع وتزويقه وتنميقه، بل وتمويه الظّلم وتضليل النّاس به؛ فثمّة وظيفة نقديّة مزعجة بالمعنى الإيجابيّ، تضطلع بها العلوم الاجتماعيّة الإنسانيّة إنْ أدرك طلّابها البعدَ النّقديّ في النّظريّة ، والنّظريّة في هذه الحالة في حدّ ذاتها، أداة نقد للبنى والأيديولوجيّات السّائدة قبل الحكم الأخلاقيّ. فما أبرز العوائق والتّحدّيات أمام دراسة الظّواهر الاجتماعيّة العربيّة؟

2- خصائص الظّاهرة الاجتماعيّة:

اختلف علماء الاجتماع في تعريف الظّاهرة الاجتماعيّة ، تبعاً لاختلاف نظراتهم للمجتمع، واختلاف مدارسهم وتوجّهاتهم الفكريّة والأيديولوجيّة ، فمنهم من عرّفها على أنّها سلوك اجتماعيّ يمارسه النّاس في المجتمع، يتعلّق بطبيعة القيم الاجتماعيّة في المجتمع، ويشتمل على سلوكيات الأفراد الّتي من شأنها أن تؤثّر في الأفراد الآخرين وعرّفها غيرهم على أنّها التّفاعل القائم بين النّاس في زمان ومكان معيّنين، ومجموع الخبرات والمعارف الّتي يكتسبها المرء منذ نعومة أظافره، فمجموع القواعد والاتّجاهات العامّة الّتي يتّبعها أفراد المجتمع، فتنظّم حياتهم وتنسّق العلاقات الّتي تربطهم، وتعبّر عن مظاهر حياتهم الاجتماعيّة ، هي ظواهر اجتماعيّة . لكنّ أكثر تعريف للظّاهرة الاجتماعيّة شهرة وشيوعاً هو تعريف دوركايم، بأنّها أنواع السّلوك المختلفة وأنماط التّفكير الّتي تتميز بأنّها خارجة عن إرادة المرء ولأنّها تتمتّع بالقوّة ، فهي ليست من صنع الفرد بل إنّه يتلقاها من المجتمع الّذي نشأ به، فهي من صنع المجتمع، وتفرض ذاتها على الفرد

دون أن يشعر بذلك.([4]) وتتميّز الظّواهر الاجتماعيّة عن غيرها بمجموعة خصائص منها:

– أنّها مترابطة ومتداخلة ومعقّدة ، فلا يمكن دراسة كل ظاهرة بشكل منفصل عن الظّاهرة الأخرى. كما توصف بأنّها تاريخيّة، أي أنّها وُجدت قبل الوجود الفرديّ بل وتوجد الظّاهرة الاجتماعيّة خارج شعور الفرد، دراستها لا تكون على أساس شعور الفرد وإنّما تكون دراسة جماعيّة موضوعيّة. وهي عموميّة، وإن كانت تمثّل جانباً مهمّا من جوانب حياة الأفراد، لأنّ طبيعة الفرد الاجتماعيّة تحتّم عليه أن يعيش داخل المجتمع، ويتعامل مع أفراده ويخضع لجميع متغيّراته السّياسيّة والاقتصاديّة والفكريّة والثّقافيّة… ليشارك معظم أفراد هذا المجتمع في وجود الظّاهرة الاجتماعيّة.

3- أبرز التحدّيات في دراسة قضايا المجتمع العربيّ:

يحتل البحث العلميّ في الوقت الرّاهن مكانة بارزة في التّقدّم العلميّ ، حيث يعتبر من ضرورات العصر، فهو المحرّك لكلّ تقدّم في كافّة المجالات الاقتصاديّة والثّقافيّة والاجتماعيّة… ومن المسلّم به أنّ كلّ دولة من دول العالم المختلفة تسعى إلى إحداث قفزة نوعيّة ، نحو بلوغ التّطوّر العلميّ والمعرفيّ بجميع أبعاده، ويأتي في مقدّمة أولويات كلّ دولة إمكانيّة تطوير البحث العلميّ وجعله مواكبا لاهتماماتها وتطلّعاتها . واذا كان البحث العلميّ وسيلة وليس غاية بحدّ ذاته، فهو محاولة لاكتشاف المعرفة، والتّنقيب عنها وتطويرها، وفحصها وتحقيقها، ومن ثمّة عرضها عرضا متكاملا بذكاء وإدراك، والتّعرّف عليها وعلى العوامل الّتي أدّت إلى وقوعها، ثمّ الخروج بنتيجة أو الوصول إلى حلّ أو علاج. لكنّ الباحث في العلوم الاجتماعيّة في العالم العربيّ، ونتيجة غياب كثير من الأدلّة والبراهين القاطعة لحلّ مشكلة معيّنة ، سواء أ كانت سياسيّة أم اقتصاديّة ة أم اجتماعيّة أم تاريخيّة أم نفسيّة ، يجد نفسه متسرّعا في إصدار أحكام مرتجلة، وهذا ما يؤثّر في نهاية المطاف في الموضوعيّة العلميّة، والّتي بدورها تؤثّر في البحث العلميّ ومصداقيته في العالم العربيّ.([5]) ثمّ إنّ الشّكوى من غياب الاهتمام اللّازم بالفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النّفس في الدّول العربيّة، وعدم الاستثمار في هذه العلوم؛ الّتي لا يُكترث لها ولا تحظى بدعم ولا يُستثمر فيها، في حين يُشجّع بعض المتخصّصين في علم السّياسة والتّاريخ، لأغراض خاصّة، مثل إعداد تاريخ انتقائيّ للدّولة الوطنيّة، كأنّ التّاريخ يقود بطبيعة الأمور إلى النّظام الحاكم حاليًّا، أو لتبرير سياسة هذا النّظام وصراعاته مع خصومه محلّيًّا وإقليميًا، ولكي يعدّد لنا مضارّ الحرّيّة والعدالة، وخطرها على الصّحّة ، ويشرحوا لنا الكوارث الّتي سوف تحلّ بنا لو فكّرنا في حياة بلا طغيان، أو تجرّأنا على التّفكير في المساواة أمام القانون. والأمثلة على ذلك أكثر من أن يتّسع لها المقال. وغالبا ما تكتفي الجامعات العربيّة بعامّة بتدريس علوم نظريّة، ومنها العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة في نطاق محدود، فهي لا تنتج فكرا ولا تقدّم نتائج ملموسة ومعالجة لقضايا اجتماعيّة عربيّة ما، ولا إضافة منتوج لدراسات سابقة؛ بل غالبًا ما يؤمّ أقسامها وكلّيّاتها طلّاب لم يجدوا ما يدرسونه سواها؛ ولذا فهي أشبه بكلّيّات تدريس وقراءة لنظريّات تالدة بالية، وهي مجرّد بحوث مكرّرة مرارا وتكرارا دون جمع لمعطيات أو تقديم تحليل أو استنتاجات جديدة أو إنتاج للأوراق البحثيّة.

لكن مع ذلك لم تغب في بعض الجامعات العربيّة من جهود، يقوم بها أفراد ومؤسّسات. ومن مهمّاتنا في أيّ مشروع نهضويّ الاعتراف بقيمة هذا الجهد والبناء عليه، والتّعامل باحترام مع الأبحاث العربيّة النّوعيّة الّتي صدرت، وتصدر في مثل هذه الظّروف ، ومنح من ينجزها ما يستحقّ من تقدير. وعليه يمكن طرح إشكالية البحث الرّئيسيّة: ما الصّعوبات والعوائق الّتي تعترض الباحث العلميّ في مجال العلوم الاجتماعيّة ؟ وما أبرز التّحدّيات الّتي تواجه العلوم الاجتماعيّة في دراسة قضايا المجتمع العربيّ في ظلّ العولمة؟

4- ضرورة إنتاج معرفة اجتماعيّة عربيّة:

 إنّ ما تقوم به العلوم الاجتماعيّة يُعدّ من أكبر القضايا الّتي تداولتها البشريّة عبر تاريخها، إنّها حقّا أبرز قضايا العصر، بل إنّها قد تكون أحيانا أهمّ من العلوم الطّبيعيّة والرّياضيّة ، لأنّ فهم الإنسان فردا ومجتمعا أضحى أولوية الأولويات في عصرنا الحالي.([6]) لذلك فإنّ أحد المآزق الكبرى للعلوم الاجتماعيّة في الدّول الّتي ليس لديها مشروع واضح، أو أنّها خاضعة لقوى ما داخليّة أو خارجيّة ، تصرفها عن دراسة علميّة للإنسان العربيّ فردا ومجتمعا، حيث تكتفي جامعاتها عامّة بتدريس العلوم النّظريّة ، ومنها العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّات في نطاق محدود، لكنّها لا تنتجها ولا تضيف لها شيئا؛ خاصّة مع تزايد الحسّ النّقديّ بين المشتغلين في العلوم الاجتماعيّة ، وانتشار الحذر من احتمال التّبعيّة الفكريّة للنّظريات الغربيّة، والكشف عن تحيّز الدّراسات الغربيّة، وتحاملها الواضح فيما يتعلّق بتاريخنا وتراثنا. وليس عيباً أن يبدأ الكشف عبر شكّ مبدئيّ في صحّة النّتائج الغربيّة ، ناشئ عن انتماء عميق لأمّتنا، وعن ثقة متوارثة في إنجازاتها، لكن من المؤكّد أنّ هذا الشّكّ قد يتحوّل إلي يقين بعد عدد من الدّراسات . وإذا كان هدفنا إنتاج المعرفة؛ بل والإسهام في فهم مجتمعاتنا العربيّة، فإنّ التّحدّي أن نتّخذ موقفًا ضدّ القوى الّتي تمارس التّجنّي على مجتمعاتنا العربيّة، وأن نكشف بمنهج نقديّ علميّ صارم عن تأثيرها الإيديولوجيّ ، وأثر أحكامها القيميّة في العلوم الاجتماعيّة.

وبناء على حاجات المجتمع العربيّ، فإنّنا نبحث في المجتمع والدّولة والقبيلة وإعادة إنتاجها، وفي الطّبقة والاندماج الاجتماعيّ، والهجرة وأصول الاستبداد، وفي من يقف وراء تعثّر التّحوّل الاجتماعيّ العربيّ … وغيرها، مدركين أنّنا نعمل للنّهوض في زمن الأفول. وفي مرحلة فشل الأنظمة العربيّة الدّيكتاتوريّة ونضوب مصادر شرعيّتها، ونهوض الشّعوب العربيّة في كلّ مكان خلف شعارات العدالة والكرامة والحرّيّة، وردّة فعل القوى القديمة بلغة العنف ضدّها، وتبيّن مثالب العفويّة المميتة في انتكاسة الانتفاضات ضدّ الطغيان، وفي مرحلة تفكّك بعض المجتمعات إلى عناصرها الأوّليّة حال اصطدامها بالنّظم الحاكمة، المتشابكة مع البنى الاجتماعيّة. ولعلّ من أبرز أطروحات المفكّر الاجتماعيّ عبد الوهّاب المسيري([7]) ما طرحه حول “المجتمع التّراحميّ ” و”المجتمع التّعاقديّ ” وإسقاطه لهذه الأطروحة على حياته كعربيّ، ابتداءً من نشأته في مصر ثمّ انتقاله إلى أمريكا. حيث ذكر أنّ المجتمع التّراحميّ باختصار هو المجتمع الّذي تقوم علاقاته على التّراحم والتّعاطف بين أفراده، على النّقيض من المجتمع التّعاقديّ الذّي تقوم العلاقات فيه على أساس تعاقديّ ومصلحيّ.

 فنستطيع أن نرى المجتمع التّراحميّ في المجتمعات التّقليديّة. حيث يذكر المسيري مثالاً على ذلك، نظام مساعدة العريس في الأفراح المصريّة، حيث يتمّ دسّ المال في يد العروس للمساعدة، من حيث لا يراه أحد، وفي إطار هذه العمليّة التّبادليّة يتمّ توزيع الثّروة بين المجتمع، فعطاء الأثرياء يكون عادة أكثر من عطاء الفقراء. ويضرب لنا مثالا آخر عن علاقته بعامله المصريّ حينما كان يدرّس السّعوديّة ، فقد كان عامله الذّي ينظّف منزله كلّ أسبوع يصرّ على أن يقول عند لحظة تقاضي الأجر: ” بلاش يا بيه، خليها عليّ هذه المرة “. وكأنّه في واقع الأمر برأي المسيري يقول: برغم أنّني أعمل خادماً عندك، وأدخل معك في علاقة تعاقديّة، فإنّنا من النّاحية الإنسانيّة متساويان ولا بدّ أن ندخل في علاقة تراحميّة ، تتجاوز عمليّات التّبادل الاقتصاديّة: (خدمات مقابل نقود) لهذا فلا داعي لأن تدفع لي هذه ا المرّة . لذا يقوم المسيري بإخباره -عمداً- عن عدم وجود نقود، وتأجيل دفع الأجرة للأسبوع التّالي ، لإعطاء العامل فرصة أن يكون دائناً، وبذلك يتمّ تحقيق التّساوي الإنسانيّ الترّاحميّ. بل وفي نظر المسيري، حتّى فضّ غلاف الهديّة يمكن أن يوضّح مفهومي: التّراحم والتّعاقد، ففي مصر حينما يحصل الإنسان على هديّة فإنّه لا يفضّ غلافها، فهي قيمة إنسانيّة بذاتها ولا يهمّ محتواها، لكن في أمريكا أشار عليه النّاس بضرورة فضّ غلاف الهديّة، وإظهار الإعجاب بها مباشرة أمام المُهدي، وهذا يجعل الهديّة تتحوّل من قيمة إنسانيّة بذاتها إلى ثمن محدّد- كمّ-، أي من إطار تراحميّ إلى إطار تعاقديّ ، ففي المجتمع التّعاقديّ ، ثمنها وكمّيّتها وقدرها كلّها عوامل محدّدة لقيمة الهديّة ، عكس ما يحصل في المجتمع التّراحميّ حيث لا يوجد إلاّ القيمة الإنسانيّة للهديّة كهديّة وليست كمحتوى أو كمّيّة وثمن.([8])

5- العلوم الاجتماعيّة نتاج لمدراس غربيّة وليست علوماً عالميّة:

 إنّ التّوجّه الغربيّ نحو توحيد نمطيّ للعلوم، والادّعاء بقيام علوم اجتماعيّة موحّدة ، توجّه غير بريء، ومشروعيّة الزّعم بأنّ هذه العلوم تركيز قريب على الموضوعيّة لمجمل معارفنا الاجتماعيّة ، ومشروعيّة المطالبة بالتّالي باعتراف عالميّ بمصداقيّة وعمليّة النّتائج الّتي توصّلت إليها هذه العلوم… ومن زاوية أخرى فإنّ مشروعيّة هذا الزّعم له مقاصد خفيّة ، فهذه المطالبة تتطلّب استناداً إلي قاعدة كافية من المعلومات عن سائر المجتمعات البشريّة من جهة، وبعمق تاريخها الطّويل والمعقّد من جهة أخرى . لذلك نتساءل عن المجال الجغرافيّ وعن العمق التّاريخيّ اللّذين تستند إليهما هذه العمليّة في تعميماتها أو في بنيتها النّظريّة.. إنّ واقع الحال يقول إنّ ما يسمّى علوما اجتماعيّة لا يستند إلاّ إلى معرفة فلاسفة الغرب وعلمائه بشأن مجتمعاتهم في العصر الحديث، أي أنّ بقعة الضّوء تركّزت على شريحة محدّدة من المجتمعات وفي زمان ومكان محدّدين أيضا، وعلى مساحة محدّدة من الأرض، وصيغت الأبنية النّظريّة كافّة وفقًا للأسئلة المطروحة في هذا النّطاق المحدود؛ ثم جاءت الإجابات عن هذه الأسئلة بداية من عصر التّنوير الغربيّ ، وقدّمت في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر الأنساق النّظريّة ، والّتي انقسمت أساسًا إلى اتّجاهين ، ودارت رحى الصّراع بين قطبيّه الاجتماعيّين في أوروبا آنذاك : الرّأسماليّة والاشتراكيّة. وفي هذه المرحلة تحوّلت النّظريّات الاجتماعيّة إلى رموز وعقائد مقدّسة ، ثمّ خفتت حدّتها وأزيحت عن الصّراع هالته الإيديولوجيّة، وألقه العقديّ والفكريّ بكلّ ما مثّلته في الحقبة الماضية من تعصّب مقيت للجنس الغربيّ الأصفر المتألّه على غيره من الاجناس. يقول محمد قطب:« وغنيّ عن البيان أنّ العلوم الاجتماعيّة قد نمت وتأصّلت في أوروبا، في ظلّ أجواء نفسيّة وفكريّة معيّنة ، أثّرت في توجيهها، وهي أجواء الصّراع بين الكنيسة والعلم، أو بين الدّين والحياة بصفة عامّة … وترك هذا الصّراع بصماته الواضحة على المنهج العلميّ والبحوث العلميّة»([9].

 إنّ هذا التّوجّه كنّا نراه منعكسًا في الدّراسات الإنسانيّة والاجتماعيّة الغربيّة، بل ولا يزال بعضها إلى حدّ السّاعة ، فالهموم والتّحدّيات الّتي تواجهها الحضارة الغربيّة المعاصرة لم تعد تجد الحلول على المستوى الاقتصاديّ والاجتماعيّ في المقام الأوّل بعد ما تحقّق على هذا المستوى، فهي تمتدّ بجذورها إلى المستوى الإيديولوجيّ الأعلى إلي سيادة الدّنيويّة ، أي إلي أساس الحضارة الغربيّة الحديثة الّذي لم يخضع بعد للبحث والمراجعة الجادّة، وهنا تكمن ذروة الأزمة النّظريّة والعلميّة. فالأسئلة والإجابات كافّة نشأت عن المجتمع الغربيّ في مرحلة ما، ونحن من موقع التّاريخ الخاصّ لأمّتنا ، ومن واقع التّبعيّة والتّخلّف بمختلف أوجهه الّتي يتّسم بها مجتمعنا، نواجه أسئلة غير أسئلة المجتمع الغربيّ ، ويتطلّب هذا أن ننشئ مدارس تختلف عن مدارسه، لنفهم مجتمعنا ومساره في الحاضر والمستقبل على ضوء المبادئ والقيم العربيّة الإسلاميّة. فالقيم النّبيلة في عصرنا هذا تتحلّل بسرعة متزايدة، وقد وصلت النّفعيّة أو البراغماتيّة والفرديّة… إلى حدّ أنّ النّاس فقدوا شهيّتها الطّبيعيّة الفطريّة ، كمثل إنجاب الأطفال حتّى لا يقاسموهم رزقهم، وليستمتعوا بمتع الحياة… فالإحساس بالاختناق والاغتراب قائم ويزيد، والإحساس بالخطر رهيب، فآفاق الثّورة العلميّة والتّقنيّة لا تحمل وعودًا بالرّخاء فقط، ولكن تحمل نذيرًا بالدّمار الشّامل للبيئة، وكلّ هذا لا يحلّه أيّ تصوّر نظريّ في التّرسانة الغربيّة، لكونه مأزقا خاصّا بعلومهم الاجتماعيّة ، وأمر آخر يجب التّصريح به دون مواربة، وهو أنّ المدارس الغربيّة معادية لنا. وهذا ما نلمح بعضا منه في تحليلات المسيري:” الجماعات الوظيفيّة هي جماعة يستجلبها المجتمع من خارجه أو يجنّدها من داخله – من بين الأقليّات الدّينيّة والإثنيّة ، أو حتّى من بعض القرى أو العائلات، ويوكل إليها وظائف شتّى لا يمكن لغالبيّة أعضاء المجتمع الاضطلاع بها لأسباب مختلفة، من بينها رغبة المجتمع في الحفاظ على تراحمه وقداسته. فقد تكون هذه الوظائف مشينة: (-البغاء- الرّبا – الرّقص…) أو متميزة وتتطلّب خبرة خاصّة : (- الطّبّ – التّرجمة ) أو أمنيّة وعسكريّة: ( الخصيان -المماليك) أو لأنّها تتطلّب الحياد الكامل:( التّجارة وجمع الضرائب)… وقد يلجأ المجتمع إلى استخدام العنصر البشريّ الوظيفيّ لملء فجوة أو ثغرة تنشأ بين رغباته وحاجاته من ناحية، ومقدرته على إشباع هذه الرّغبات والوفاء بها من ناحية أخرى ( الحاجة إلى مستوطنين جدد لتوطينهم في مناطق نائية أو الحاجة إلى فتيات يقمن بوظائف جديدة لا يعدّها المجتمع محترمة كالعمل في السّينما والملاهي اللّيليّة ). كما أنّ المهاجرين عادة ما يتحوّلون إلى جماعات وظيفيّة في المراحل الأولى من استقرارهم في وطنهم الجديد، ذلك لأنّ الوظائف الأساسيّة في الزّراعة والصّناعة ، في وطنهم الجديد عادة ما يكون قد تمّ شغلها من قبل أعضاء الأغلبيّة . ويتّسم أعضاء الجماعة الوظيفيّة بأنّ علاقتهم بالمجتمع علاقة نفعيّة تعاقديّة ، إذ ينظر إليهم باعتبارهم وسيلة لا غاية، بل دور يُؤدّى أو وظيفة تُؤدّى ؛ وهم يُعرّفُون في ضوء الوظيفة الّتي يضطلعون بها، لا في ضوء إنسانيّتهم المتكاملة؛ فلا ارتباط لها ولا انتماء، بل إنّها تعيش على هامش المجتمع، بل ويقوم المجتمع في الوقت نفسه بعزلهم عنه ليحتفظ بمتانة نسيجه ا المجتمعيّ “([10]).

6- التّحيُّز العلميّ للنّموذج الغربيّ:

إذا كان الوجه الأوّل لتأثّر المدارس الاجتماعيّة الغربيّة بالعقيدة السّائدة يتمثّل في خضوعها للدّنيويّة ، فإنّ الوجه الثّاني للتّأثير العَقَديّ يتمثّل في قبول مسلّمة تفوُق الغرب ومشروعيّة سيطرته على العالم -أي علينا-. والوجهان مرتبطان تمامًا، فهما وجهان لعملة واحدة. فإذا كان الغرب سيّدًا متفوّقًا، فإنّ مجمل نظريّاته المشتقّة من الدّنيويّة هي العلم، وينبغي أن تسود، وكلّ ما عداها غير علميّ ؛ وينبغي أن يختفي. إنّ الوجه الثّاني للتّأثير الإيديولوجيّ: التّفوّق والسّيطرة ، نراه مبثوثًا في سائر أنحاء الفكر العلميّ الاجتماعيّ الغربيّ ؛ فمثلا في دراسات التّاريخ العامّ نجد أنّ الحقائق تُلوى ليّا ، خدمة للنّتيجة الّتي تقول صراحة أو ضمنًا، صدفة أو لأسباب إثنيّة أو أنثروبولوجيّة إنّ مسيرة التّقدّم هي رسالة الغرب التّاريخيّة؛ نجد هذا في دراسات التّاريخ العامّ ، وما نشأت عليه من نظريّات وفلسفات، وما تفرّع عنه في أعمال المستشرقين مثلاً، أو في تاريخ الفلسفة وتاريخ العلوم. فطوال القرون الأخيرة كانت المقولة الثّابتة أنّ العلم الكلاسيكيّ أوروبيّ أساسًا، وأنّ أصوله ترجع مباشرة إلى الفلسفة وعلوم اليونان. وقد يحدث اعتراف ببعض الإنجاز الفلسفيّ ، أو بنشأة علوم معيّنة في هذه الحضارة أو تلك، لكن يظلّ هذا الاعتراف في إطار أنّها مجرّد إسهامات ثانويّة ، تستمدّ قيمتها من انضمامها إلى التّرسانة الأمّ ، والعلوم الاجتماعيّة كافّة تدرس المجتمع الغربيّ الحديث في ارتباط مع هذا المنظور التّاريخيّ ، وتأكيداً لنتائجه في العصر الحالي.

7- العولمة: المفهوم، الآليات، الفاعلون:

أصبحت العولمة في القرن الحادي والعشرين أكبر قضيّة تداولتها البشريّة على الصعيد العالميّ تنظيرا وتفسيرا، قبولا ورفضا . إنّها حقّا قضيّة القضايا المثيرة للجدل، والعولمة الثّقافيّة المتّجهة نحو سيادة تقاليد وعادات وسلوك ولغة واستهلاك وعلاقات موحّدة على الصّعيد العالميّ ، سيادة ثقافة الاستهلاك والفردانيّة، والاتّجاه نحو إلغاء الخصوصيّات الحضاريّة والثّقافيّة للمجتمعات الفقيرة والضّعيفة والمتغلّب عليها. ومن الحقائق الجليّة في راهننا الاجتماعيّ والحضاريّ أنّ هذه التحوُّلات المجتمعيّة في العالم الكونيّ اليوم ككلّ لها علاقة وثيقة بالقيم الدّينيّة والخلقيّة ، ومن المعلوم أن كافة المذاهب الأخلاقيّة الحديثة كالنّفعيّة واللّذّيّة وأخلاق القوّة وأخلاق السّعادة المادّيّة ، وغيرها… قد خرجت من رحم المادّيّة الغربيّة ، ولم تدر هذه المذاهب أنّه لا يمكن كما يقول أفلاطون لناقص الكمال أي الإنسان، أن يكون معيارا للكمال، لأنّ البشر تعلّموا تبرير سلوكاتهم، لا بالمقاصد أو الغايات وإنّما بالنَّجاحات أو الإخفاقات الّتي يحصلون عليها، في حين أنّ النّجاحات والإخفاقات متصارعة و أُحاديّة النّظرة، ممّا ينتج عنه فقدان شبكة العلاقات الاجتماعيّة لتماسكها واطّرادها، والاندراج في دوّامة عبادة الأنا الفرديّة المنفصلة عن منظوريّة القيم الدّينيّة والخلقيّة ، لتتّجه صوب دروب العبثيّة والعدميّة ، فلا قيمة لأيّة أحكام خلقيّة إلاّ ضمن نسق اجتماعيّ ما. وفي أفق العولمة وانعكاساتها على الواقع الثّقافيّ الاجتماعيّ لا مسلك يتبدّى أمامنا اليوم من أجل التّصدّي لقيم العولمة، سوى تفعيل منظومة قيم الإيمان، وتحويل وظيفة هذه الأدوات التّقنيّة إلى وظيفة بنائيّة تربويّة ، تعمل على مخاطبة البعد الأخلاقيّ الكامن في الإنسان الّذي همّشته عولمة اللّذّة الحسّيّة ، وعطّلت مفعوله التّربويّ والتّوجيهيّ. لتتكامل في المُكوّنات المفاهيميّة والتّكامل المعرفيّ والأداء الوظيفيّ ، كالجامع والجماعة، لأنّ الجامعة والجامع يؤشّران على وحدة المؤسّستين في إطار دينيّ إسلاميّ ، بخلاف النّظرة العلمانيّة الغربيّة المُهيمنة الّتي فصلت بين مؤسّسات البحث وبين مؤسّسات العبادة، فهذه الثّنائيّة نبتة غربيّة خالصة لا صلة لها بدوائر المعرفة في الثّقافة والحضارة الإسلاميّتين ، في حين نجحت الجامعة في التّاريخ الإسلاميّ لأنّها كانت في صلة مع الرّؤية الدّينيّة الإسلاميّة ، وفي صلة مع الجماعة الإسلاميّة، وحاجات المجتمع، وخادمة لقيم المجتمع الإسلاميّ ولأنساقه الرّوحيّة. «… إنّ العالم الغربيّ يتوهّم في نفسه التّجرّد العلميّ والدّقّة والموضوعيّة في تناوله لهذه العلوم، ولا ينتبه إلى أنّه دخل السّاحة بمقرّرات مسبقة، تؤثّر بوعي أو عن غير وعي في طريقة تناوله للموضوع، وفي النّتائج الّتي يستخلصها في بحثه… تلك المقرّرات هي وجوب إبعاد الدّين ، وكلّ ما يستوحى منه إبعادا كاملا من نطاق البحث… إنّ الظّروف الّتي مرّ بها الغرب وأنشأت له معاييره الخاصّة، ليست هي ظروفنا… فلا عجب أن تكون معاييرنا مختلفة عن معايير الغرب، وأن يكون تناولنا للعلوم الاجتماعيّة وغيرها، مختلفا عن التّناول الغربيّ في أسسه وقواعده، وإن التقى معه في بعض الجزئيات…»([11]).

7- 1- عائق اللغة:

في حالة ما يُسمّى العلوم الاجتماعيّة العربيّة ، هل تكفي ترجمة النّظريّات والدّراسات والأبحاث الاجتماعيّة الغربيّة ؟ لا يمكن أصلًا التّفكير في النّهوض بها من دون نهضة اللّغة، فهل يعقل أن ننهض بالعلوم الاجتماعيّة في وطننا العربيّ من دون لغة عربيّة ؟ لا شكّ في أنّ التّرجمة ضروريّة بوصفها نقلًا لنصوص، وإنتاجًا ثقافيًّا وعلميًا في آن معًا، ولكن ربّما يفيد هنا التّنبيه إلى أنّ التّرجمة الحرفيّة لمصطلحات العلوم الاجتماعيّة المستنبتة في سياق ثقافيّ اجتماعيّ لا تكفي، ولا تقدّم ما يلزم لفهم البنى الاجتماعيّة والثّقافيّة لمجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة ، وأنّ امتحان نشوء علوم اجتماعيّة عربيّة، وتحدّي تقديم مساهمة في هذه العلوم على النّطاق العالميّ، متعلّق بمدى القدرة على استنبات مصطلحات ومفاهيم واستحداثها في واقعنا العربيّ، وليس فقط تَبْيِئَة مفاهيم من سياقات أخرى فيه، على أهمّيّة هذا الجهد لأنّ اللّغة أصلًا هي جزء من الإنسانيّات بتعريفها القديم. أمّا في العلوم الاجتماعيّة، فيكتسب الأمر أهمّيّة يصعب الإحاطة بها. فباحثو القضايا الاجتماعيّة إن لم يتقنوا لغة المجتمع والإنسان الّذي يقومون بدراسته، وكانوا عاجزين عن صياغة النّتائج بها، فإنّهم يفقدون جزءًا كبيرًا وهامّا من أدواتهم البحثيّة. فثمّة اختلاف جوهريّ بين المجتمعات العربيّة والغربيّة ، وشتّان بينهما، وإنّ استخدام كثير من الأدوات الرّئيسيّة لا ينطبق على مجتمعنا العربيّ، صحيح أنّه من الضروريّ أن نطّلع على إنجازات العلوم الاجتماعيّة في كلّ مكان وزمان، وأن نتقن لغاتها الرّئيسيّة ، لكنّ النّهوض بالعلوم الاجتماعيّة يتمّ بلغة مجتمعها، متجاوزا التّرقية إلى الغايات الّتي تحدّثت عنها، ومن الضّروريّ واللاّزب واللاّزم ، استخدام اللّغة العربيّة في دراسة الظّواهر الاجتماعيّة العربيّة، لتكون قادرة على التّحاور مع مجتمعها؛ وأن تخاطب مثقّفيها على الأقلّ. وهذا يعني تجاوز بضع مئات من المشاركين في دوريّة متخصّصة بعيدة عن متناول المثقّف العربيّ، والإصرار على الكتابة فقط بلغة لا يقرؤها، أو بلغة عربيّة لا يفهمها. قرأت مؤخّرًا أبحاثًا عربيّة في الأخلاق لم أفهمها أنا شخصيًّا، وفكّرت في الإنسان العربيّ المثقّف المتوسّط الّذي نريده أن يفهم ما نكتبه، تحديدًا في مجال مثل علم الأخلاق، لأنّنا نعيش أزمة من أهمّ نتائجها فوضى المعايير الأخلاقيّة، والّتي أصبحت من أهمّ عوامل إنتاجها.

7- 2- إشكاليّة التّحيّز البحثيّ:

 إنّ جملة التّحوّلات ومتابعة مختلف الإرهاصات الّتي شهدتها المجتمعات العربيّة الإسلاميّة في العقود الأخيرة، تعدّ حافزًا أساسيًّا لمراجعات نقديّة لمفاهيمنا ومواقفنا التّقليديّة ، ومن ناحية أخرى يجب أن يحدث نقد وتقييم وتقويم داخل النّظريّات والدّراسات الاجتماعيّة العربيّة نفسها، كمجال معرفيّ لتجاوز الاعتماد على النّظريّات الجاهزة الّتي تجمّعت لدى باحثينا عبر الممارسات والدّراسات الّتي أنجزها ، لإبداء الملاحظات النّقديّة اللاّزمة عليها. ويلاحظ أنّ هذه اللّحظة عندنا تتوافق مع لحظة أزمة ومراجعة داخل الفكر الغربيّ نفسه، في محاولة لتجاوز أزمته، إذ ينبغي أن نتنبه إلى أنّنا نشعر بالأزمة لأسباب نستخفّ بها ، وفي ضوء ممارستنا الخاصّة لتجاوز الواقع الّذي يقول إنّنا بُرمجنا لنكون تابعين ومتأثّرين بالمتغلّبين علينا علميّا وفكريّا ، وهي مقولة صحيحة، لكن يجب أن نستعين بقدرتنا على الثّورة على ذلك، لا سيّما في المجال العلميّ الموضوعيّ الّذي من الممكن أن يبتعد عن المنهج العلميّ قليلًا لأنّ الباحثين هم في النّهاية بشر. ويُطلق على هذا الاتّجاه في الأوساط العلميّة أيضًا، اسمُ : التّحيُّز البحثيّ أو التّحيٌّز المختبريّ ، وهو العمليّة الّتي يؤثّر بها العلماء الّذين يقدّمون البحث على النّتائج ، من أجل الحصول على نتيجة مُعيّنة. ويظهر التّحُّيز أحيانًا كنتيجةٍ لخطإ في تجربة أو فشل العلماء في أخذ كلّ المتغيّرات الممكنة بعين الاعتبار ، ويحدث بعضه الآخر عندما يختار العلماء عيّنات أكثر ملائمة لتُظهر النّتائج المرغوبة عند القيام بالتّجربة، وهذا معاكس تمامًا لمبادئ الاختيار العشوائيّ وهي ضروريّة في أيّة عيّنة إحصائيّة. فالتّحيُّز هو العامل الوحيد الّذي يجعل البحث الكَيفيّ، يعتمد على الخبرة والحكمة أكثر من اعتماده على البحث الكيفيّ نفسه. وإنّ أيّ خلل خلل أو خطإ في أيّة خطوة من خطوات المنهج العلميّ سيؤدّي إلى التّحيّز وانعدام الحياد والموضوعيّة في البحث، ومن الأمور الّتي تؤدّي إلى ذلك ، ويتهدّد هذا الفخّ المراحلَ الأولى من البحث؛ حيث يركّز الباحثون أو المحقّقون أبصارهم على جمع الأدلّة الّتي تدعم فرضيّة ما، متجاهلين البحث عن أدلّة تعارضها؛ ويفشلون في التّفكير جدّيًّا بالتّفسيرات الأخرى. يقول عالم النّفس في جامعة بنسلفانيا:” جوناثان بارون”« اعتاد النّاس على طرح أسئلة تعطي جواب: “نعم” في حال كانت فرضيّتهم المفضّلة صحيحة.» لذلك ، فإنّ الباحثين يجربّون عدّة طرق إبداعيّة لعدم تحيُّز تحليل البيانات. ومن ثمّة فإنّ ضرورة العلم في مجتمعنا وأهميّته في كلّ شيء يضعان على عاتق العلماء عبئا كبيرًا، فأيّ تحيُّز بعيد عن الموضوعيّة ، من الممكن أن يُضيع الحقيقة العلميّة ويجعل الطريق الّذي يوصل إلى تقدّم مجتمعنا العربيّ طويلا وشاقّا؛ لهذا اعتمدت مراكز البحث العلميّ العالميّة ، الكثير من الأساليب لتجنّب الوقوع في هذه الأشكال من التّحيّز.

7- 3- عدم دقة ومفاهيم مصطلحات الظواهر الاجتماعية:

 من المسلّم به أنّ الظّاهرة الاجتماعيّة غير ثابتة وغير مستقرّة ما دامت تتّصل بالإنسان، وأحواله تتغيّر من زمان ومن مكان لآخر ، لذلك من المنطقيّ أن تتعقّد هذه الظّواهر ما دامت غير مستقرّة على حال، كما أنّ تشابهها سوف يؤدّي إلى صعوبة تحديد الموقف منها، والحكم عليها، ممّا يضفي في الكثير من الأحيان إلى نتائج سلبيّة جدّا لا يمكن الاعتماد عليها في تصنيف الظّواهر وضبطها، كما أنّ الظّواهر الاجتماعيّة تتغيّر بشكل سريع نسبيّا ، فالثّبات نسبيّ ، وهذا يقلّل من فرصة تكرار التّجربة في ظروف مماثلة تماما. ويعود تعقّد الظّواهر الإنسانيّة والاجتماعيّة إلى الإنسان في حدّ ذاته، فهو محور دراساتها، وهو أكثر الكائنات تعقيدا كفرد أو كعضو في الجماعة، فالسّلوك الإنسانيّ يتأثّر بعوامل عدّة : مزاجيّة ونفسيّة وعقليّة لدرجة تربك الباحث الاجتماعيّ . وتتحدّد مشكلة البحث حول ميزة من المميزات الرّئيسيّة للبحث العلميّ وتتعلّق أساسا بمدى الالتزام بالموضوعيّة العلميّة الّتي تعدّ رأس تقييم النّتائج المتوصّل إليها في كلّ علم ، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بالوصول إلى نتائج يفتر ض أن تكون قابلة للتّعميم . وعلى الرّغم من أنّنا قد نستطيع أن نصدر بعض التّعميمات عن الحياة الاجتماعيّة والسّلوك الإنسانيّ ، فإنّ الظّواهر الإنسانيّة منفردة وغير متكرّرة ، ولا نستطيع أن نفرط في تجريد العوامل المشتركة في عدد من الأحداث الاجتماعيّة ، لكي نصوغ تعميما أو قانونا عامّا حيث نلاحظ الفرق الشّاسع في استخدام المفاهيم في العلوم الاجتماعيّة والمفاهيم في العلوم الطّبيعيّة ، فالمفاهيم في العلوم الطّبيعيّة تتميّز بالمرونة وبكونها أكثر دقّة وثباتا من نظيرتها الاجتماعيّة.

7- 4- وجود تباين بين العلوم الاجتماعيّة والعلوم الطّبيعيّة:

 إنّ الاهتمام بما يسمّى العلوم الاجتماعيّة نشأ عن الاهتمام بأهميّة فهم المجتمع، بهدف تحسين إدارته وتطويرها ، لينعكس هذا التّحسين في التّحليل الأخير في زيادة درجة التّوازن والرّضا الّتي يشعر بها أفراد المجتمع ، وفي تكامل العلاقات داخل هذا المركَب، ويتطلّب هذا نوعاً ما ودرجة ما من الصّراع ، وكافّة ما نتوصّل إليه من أساليب بحثيّة أو مفاهيم وتركيبات نظريّة مسخّرة لهذه الغاية، وينبغي أن نعدّل ونصحّح في أساليبنا ومفاهيمنا كلّما تطلّبت المعرفة الصحيحة ذلك. وهذه المهمّة لم تتوقّف المجتمعات البشريّة عن أدائها منذ وجدت، وفي هذه العمليّة استخدم المنهج العلميّ صراحة أو ضمنيّا لاستخلاص نتائج من التّجارب التّاريخيّة السّابقة ، ثمّ تمَ تركيب مفاهيم وتصوّرات نظريّة من هذه التّجارب ، وقليل من هذا التّراث مكتوب في جمهوريّة أفلاطون والسّياسة لأرسطو وغيرهما مثلاً، وكثير منه لم يُحفظ لأنّه كان يُتداول شفويَاً، باعتباره من أسرار الحكم الّتي تتلقّاها الخاصّة، وما زال مضمون هذا التّقليد ساريًا بشكل أو بآخر حتّى يومنا هذا، لكنّ الآثار العمليّة لهذه الأعمال النّظريّة لا تخطئها عين على أيّة حال، وإلاّ كيف نشأت المؤسّسات وكيف قامت الحضارات، وكيف تطوّرات علاقاتها وتحدّدت غاياتها ؟. ولا ريب عندي أنّ ذلك تمّ للمجتمعات البشريّة بعد أن حصلت على معرفة اجتماعيّة متطوّرة.

إنّ المعرفة الاجتماعيّة لا ترتقي إلى مستوى المعرفة الطّبيعيّة، ففي مجال المعرفة الاجتماعيّة مرّ المسار بمسالك مختلفة: الدّين والسّياسة والاقتصاد، بل وحتّى في الدّين وفي الاقتصاد هناك الكلاسيكيّ والنّيوكلاسيكيّ ، وثمّة الوضعيّة في علم الاجتماع، وما تفرّع عن ذلك في علم السّياسة من اختلاف المدارس، وهذا يرجع إلي حداثة هذه العلوم الاجتماعيّة . ومع ذلك نعلم أنّ المشكلة لم تُحلّ ، إذ ظلّت العلوم الاجتماعيّة غير منضبطة بالقدر الّذي نلحظه في العلوم الطّبيعيّة ، ويرجع ذلك إلي طبيعة الظّواهر محلّ الدّراسة ، فظاهرة المجتمع الحيّ العاقل، تختلف عن طبيعة المادّة الجامدة والحيّة غير العاقلة، والقوى الفاعلة في المجتمع الحيّ لا تخضع في ظروفها وفي قياس إمكانيّات دورها واتّجاهها لوحدات نمطيّة ولا لعلاقات نمطيّة بين هذه الوحدات، وفي المجتمع فارق كبير بين أن نكتشف قواعد اللّعبة وبين أن نتكهّن بنتائج المباراة أو أن نتحكّم فيها. ولا أحد ينكر أنّ هناك اختلافا في البحث العلميّ في العلوم التّجريبيّة عنه في العلوم الإنسانيّة الاجتماعيّة ، ممّا انجرّ عنه صعوبات وعراقيل تواجه الباحث في مجال العلوم الاجتماعيّة ، لا سيّما أنّها تتأثّر بالسّلوك الإنسانيّ المعقّد. ([12]) فالظّاهرة الاجتماعيّة الّتي هي محور موضوع العلوم الاجتماعيّة صادرة عن الإنسان العاقل، وتتأثّر كثيرا بإرادة الإنسان وقراراته، ويصعب دراسة الظّواهر الاجتماعيّة دراسة موضوعيّة بعيدة عن الأهواء والعواطف الشّخصيّة ، بينما الظّواهر الجامدة والحيّة الّتي هي موضوع العلوم الطّبيعيّة موادّ يمكن دراستها وتحليلها بدون تحيّز ، والمنهج العلميّ المطبّق في العلوم الاجتماعيّة يختلف حتما عن ذاك المطبّق في العلوم الطّبيعيّة ، بسبب الاختلاف في طبيعة كلّ منهما وفي طبيعة الدّارس أيضا.([13]) فإذا كانت العلوم الطّبيعيّة تشتغل بدراسة الظّواهر الطّبيعيّة المادّيّة ، متّخذة إيّاها مواضيع يمكن إخضاعها للملاحظة والقياس والتّجريب ، فإنّ مجال العلوم الاجتماعيّة يتناول البحث في كلّ الظّواهر الاجتماعيّة الّتي مصدرها الإنسان العاقل الحرّ المتغيّر ، فهل يمكن حقّا أن تُدرس الظّواهر الإنسانيّة على الرّغم من كونها ذاتا واعية وحرّة ، كما تدرس الظّواهر الطّبيعيّة الجامدة والحيّة ؟.

 وإنّ عدم القدرة على استعمال الطّريقة المخبريّة في العلوم الاجتماعيّة ، ناتج أساسا عن صعوبة وضع الظّواهر الاجتماعيّة ، تحت ظروف قابلة للضّبط والرّقابة كما في العلوم الطّبيعيّة ، فالباحث الاجتماعيّ يجب أن يدرس ويلاحظ الظّاهرة قيد البحث في العالم الواسع، وأن ينتظر حدوثها، إذ ليس بإمكانه إيجاد ظروف حصولها، وضبط تلك الظّروف بشكل مطابق تماما. كما يعود السّبب إلى أنّ العلوم الطّبيعيّة تتعامل مع موادّ جامدة يمكن دراستها وتحليلها بدون تحيّز ، ويمكن إجراء التّجارب عليها وتكرارها. واستخدام أقصى درجات الضّبط والتّقنين ؛ مع الخروج بنتائج دقيقة ومؤكّدة ترتقي إلى مستوى القانون، أمّا العلوم الاجتماعيّة فمواضيع بحثها هو الإنسان ونشاطاته في كلّ المجالات، وهو ما يثير إشكاليّات وصعوبات في مجال البحث نذكر منها:

– الإنسان كائن حيّ بالغ التّعقيد ، ولا يمكن للباحث أن يلتزم بالموضوعيّة التّامّة عند دراسة نشاطاته، ومن الصّعب جدّا دراسته، لأنّه سيغيّر مواقفه وردود أفعاله حالما يشعر أنّه تحت الملاحظة في ظروف اصطناعيّة ؛ ومن هنا لا يمكن وضع الظّواهر الاجتماعيّة تحت الملاحظة والتّجربة للأسباب التّالية :

– صعوبة الضّبط التّجريبيّ وعدم القدرة على عزل المتغيّرات المتداخلة للظّاهرة الاجتماعيّة الإنسانيّة.

– تأثّر الوضع التّجريبيّ بالمراقبة والملاحظة الّتي يقوم بها الباحث، ممّا يؤدّي أحيانا إلى تغيير في سلوك الأفراد والمجتمعات الّتي هي موضوع الدّراسة والبحث.

– تغيّر الظّواهر الاجتماعيّة بشكل سريع ممّا يقلّل من فرصة تكرار التّجربة في ظروف مماثلة تماما.

– الطّبيعة المجرّدة لبعض المفاهيم الاجتماعيّة ، وعدم الاتّفاق على تعريفات محدّدة لها، وخضوع بعض المشكلات الاجتماعيّة لمعايير أخلاقيّة أو دينيّة.

 – صعوبة القياس بشكل دقيق للظّواهر الاجتماعيّة. فالمادّة التّاريخيّة مثلا لا تخضع للملاحظة والتّجريب ، فيصعب إثبات الفرضيّات وتحقيقها تجريبيا، وتكون المصادر التّاريخيّة عرضة للخطإ، لاعتمادها ملاحظات الآخرين وأقوالهم، والباحث لا يتمكّن من الاتّصال المباشر بالمادّة التّاريخيّة.

 والنّتيجة هي أنّ الصّعوبات الّتي تواجه الباحث في مجال العلوم الاجتماعيّة يمكن أن تؤثّر سلبا في البحث العلمي وفي الموضوعيّة العلميّة المنشودة ([14]).

7- 5- صعوبة الوصول إلى نتائج هادفة وقابلة للتّعميم:

 يتميّز البحث العلميّ عن غيره من الدّراسات بعدّة خصائص ، ولتكون الدّراسة المعيّنة بحثا علميّا أكاديميّا لا بدّ من الوصول إلى نتائج هادفة وقابلة للتّعميم ؛ وهذه الخاصيّة نجدها بشكل كبير في العلوم الطّبيعيّة ، بينما توجد بشكل ضعيف في مجال الدّراسات الاجتماعيّة، وبذلك تبقى المعرفة الاجتماعيّة معرفة جزئيّة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يصعب الوصول إلى نتائج قابلة للتّعميم في الأبحاث العلميّة الاجتماعيّة على اختلاف أنواعها، وذلك لارتباط الظّاهرة الاجتماعيّة بظروف زمنيّة ومكانيّة معيّنة ، والاختلاف يكمن في دقّة النّتائج ، خاصّة أنّه يعود إلى طبيعة المشكلات الّتي تواجه الباحث في العلوم الإنسانيّة الاجتماعيّة. ويتجلّى ذلك من خلال صعوبة الوصول إلى قوانين واضحة وثابتة، نظرا لتغيّر الظّاهرة الاجتماعيّة باستمرار. كما أنّ النّظريّات المتوصّل إليها تبقى نسبيّة، ولا تتّسم بالدّقّة والصّرامة العلميّة الّتي تميّز العلوم الطّبيعيّة، والأمر ذاته ينسحب على جلّ الأبحاث الاجتماعيّة، حيث تتميّز المفاهيم الاجتماعيّة بالغموض وعدم الوضوح وتعدّد الاستعمال، ولا يمكن تحقيق أعلى درجات الضّبط في البحوث الاجتماعيّة، ولا التّوصّل إلى قوانين([15]) إضافة إلى وجود فروق أخرى تميّز الظّاهرة الطّبيعيّة عن الظّاهرة الاجتماعيّة نكتفي بذكر بعضها:

– مع سهولة تحديد وحصر العلّة أو العلل الّتي تكون وراء نشوء الظّواهر الطّبيعيّة، إلا أنّه يصعب تحديد وحصر كلّ أسباب الظّاهرة الاجتماعيّة، فقد يصل الدّارس إلى معرفة بعض الأسباب، لكن دون أن يتمكّن من الوقوف على كلّ الأسباب لأنّها متعدّدة ومتداخلة ومتشابكة.

– تتميّز الظّاهرة الطّبيعيّة بغياب المكوّن الشّخصيّ أو الثّقافيّ ، فهي بلا شخصيّة ولا ثقافة ولا تراث، كما أنّها مجرّدة من الزّمان والمكان، مثل تجرّدها من الوعي والإرادة والذّاكرة، وبالمقابل نجد أنّ هذه المكوّنات الشّخصيّة والثّقافيّة والتّراثيّة أساسيّة في بناء بنية الظّاهرة الاجتماعيّة، هذا مع حضور الوعي والإرادة الحرّة والشّعور والذّاكرة ، حيث يصعب الوصول إلى نتائج صالحة للتّعميم ، لارتباط الظّاهرة الاجتماعيّة بظروف زمانيّة ومكانيّة يصعب تكرارها بنفس الدّرجة من الدّقّة([16]).

7- 6- انتفاء الموضوعيّة:

 وذلك بتغليب النّزعة الذّاتيّة والميول الشّخصيّة على البحوث الاجتماعيّة، وتتجلّى ذاتيّة الباحث في العلوم الاجتماعيّة، من خلال تأثّره بالموضوع الّذي يدرسه لكونه جزءا منه، ويصعب عليه أن يدرسه بحياد وموضوعيّة. كما أنّ الباحث الاجتماعيّ قد يؤثّر في الظّاهرة المدروسة، فيغيّر من طبيعتها ويفهمها فهما خاصّا، حيث يتداخل الموضوع في العلوم الاجتماعيّة مع الذّات ، ويصعب الفصل بينهما، وهذا بخلاف العلوم الطّبيعيّة الّتي يمكن فيها فصل الذّات عن الموضوع، ممّا يجعل النّتائج تختلف من باحث لآخر ويجعل إمكانيّة التّعميم متعذّرة. بل إنّ الباحث في العلوم الاجتماعيّة قد يتمركز حول ذاته، أي أنّه يقدّم رؤيته للظّاهرة المدروسة، انطلاقا ممّا يحمله في ذاته من مشاعر وأفكار ومعتقدات ترتبط بالتزامه بمواقف فلسفيّة ، أو مذاهب إيديولوجيّة وعقائديّة ، وهذا ما يجعله يسقط تصوّراته الذّاتيّة على الظّاهرة ، ويجعل بلوغ الموضوعيّة مسألة غاية في الصّعوبة . إنّ انخراط الذّات في الموضوع يجعلها تعتقد نوعا من المعرفة الحدسيّة به، وهذا مخالف للمناهج العلميّة الّتي من شأنها أن تحقّق الموضوعيّة المتوخّاة ([17]).

7-7- نتيجة:

و لماذا هذا الإصرار إذن على أن تكون العلوم الاجتماعيّة مثل العلوم الطّبيعيّة؟ وماذا يعني هذا الهدف عمليًا على افتراض إمكانيّة تحقّقه؟ إنّ هذه المحاولات إلغاء لحيويّة المجتمع المتجدّدة ، وتحويل للمجتمع إلى آلة كبيرة محكومة الحركة ومضبوطة بالأزرار. إنّه تسريع لقيام الدّولة الشّموليّة في أبشع صورها، وتكثيف لوظائفها، هل سيسعدنا هذا الفتح العلميّ العقلانيّ وهذا النّجاح المفروض فرضًا ؟ هل نصفه بأنّه اكتشاف لقوانين الحركة الاجتماعيّة الموضوعيّة، أم أنّه محاولة لفرض قواعد وقوالب من إنشائنا وتخرّصاتنا على الحركة الاجتماعيّة؟ لكن رغم دلالة هذا الفشل الّذي يترى ويتتالي، ومع التّأثّر الشّديد للكثير منّا بالفكر الغربيّ الّذي انتقل إلينا بالتّبعيّة حينا، وبالقابليّة حينا آخر، إلاّ أنّه لا يزال هناك إصرار على حلّ سؤال هذه المعادلة: ألا تصلح التّجربة التّاريخيّة شاهداً على أنّ السّؤال المعروض علينا خاطئ في أصله وجوهره ؟

8- كيفيّة تذليل الصّعوبات والعراقيل:

أعتقد أنّه قد تزايد الاعتراف بمفاهيم العلوم الاجتماعيّة ومصطلحاتها ونظريّاتها يوما بعد يوم، ومع تعدّد مراكز البحث الاجتماعيّة ، وهذا كلّه إنجاز إيجابيّ في هذا الاتّجاه المستهدف، أصبحت تلقي بدورها قبولاً متزايداً، لتذليل الصّعوبات والعراقيل أمام الدّراسات الاجتماعيّة ، ولا ينبغي أن يدفعنا هذا إلى التّردّد في اقتحام الميدان، لكن لا ينبغي الوقوع في المحظور، فنخدع أنفسنا بأن نلجأ إلى التّلفيقيّة ، وأقصد بخداع النّفس أن نستخدم المفاهيم الغربيّة ذاتها، مع تغيير في بعض المصطلحات أو محاولة التّعنّت لإثبات أنّ كلّ مفهوم من هذه المفاهيم له أصل في تراثنا ويجد ما يبرّره للأخذ به. وإنّ هذا المنهج قد يؤدّي بطبيعة الحال إلى العودة لاستخدام الأنساق الغربيّة الغريبة عن مجتمعاتنا العربيّة ذات الهويّة المختلفة، وإن تغيّرت المصطلحات والأسماء أو حيثيّات القبول، والخطر من التّلفيقيّة الّتي يمار سها البعض قصدا أو عن غير قصد، يعني أنّنا نضيف إلي ترسانة المفاهيم والأنساق الغربيّة مفاهيم تتعلّق بالإيمان بالله مثلاً، أو بالأسرة ذات القيم الأخلاقيّة المتميّزة ، ونتصوّر أنّنا قد حللنا بهذا الإشكاليّة الصّعبة ، متناسين أو متجاهلين أنّ المفاهيم الدّنيويّة تتولّد عنها في الأنساق الفكريّة الغربيّة مفاهيم فرعيّة، في كلّ مناحي المعرفة الاجتماعيّة، تتعارض تماماً مع المفاهيم الفرعيّة المتولّدة عن المتغيّرات الّتي أدخلناها، وحصاد مثل هذه المحاولة التّلفيقيّة يفتقد أيّ قدر من الاتّساق الواقعيّ والمنطقيّ والعقلانيّ ، ويفتقد بالتّالي مشروعيّة الادّعاء بإقامة بناء نظريّة اجتماعيّة فعّالة ، تعالج واقع المجتمع العربيّ المتميّز بخصوصيّاته وإنّيته المتفرّدة عن غيره.

9- إمكانيّة تجاوز العوائق في العلوم الاجتماعيّة:

 إنّ تطوّر العلوم الطّبيعيّة والتّجريبيّة ساعد العلوم الإنسانيّة الاجتماعيّة من أجل تطوير ذاتها، وبالتّالي البحث عن مناهج تتميّز عن المنهج التّجريبيّ، وتكون مكيّفة حسب خصوصيّات كلّ ظاهرة، وهكذا تظلّ الإشكاليّات المطروحة ليست بالضّرورة تشكيكا في القيمة العلميّة لهذه العلوم، وإنّما يتعلّق الأمر بنقاش إيبستيمولوجيّ من شأنه أن يغني العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة ، ويدفع بها إلى توخّي الدّقّة ، لأنّ جميع الصّعوبات تتمثّل في طبيعة الظّاهرة الإنسانيّة باعتبارها ظاهرة معقّدة متغيّرة ، وأنّ الإنسان يكون هو الدّارس والمدروس في الوقت نفسه. ولقد حدّد دوركايم([18]) خمسة خصائص للظّاهرة الاجتماعيّة ، نأخذها كمسلّمات من أجل تفسيرها تفسيرا موضوعيّا وعلميّا وهي:

– أنّها توجد خارج شعور الأفراد، أي خاضعة للعادات والتّقاليد والمعتقدات الّتي هي موجودة قبل أن يولد الإنسان وتوجّه كسلوكات.

– وثانيا: تعتبر قوانين المجتمع، القوّة الآمرة والقاهرة، ممّا يجعل الظّاهرة الاجتماعيّة تتميّز بالإلزام والإكراه، لذلك تفرض نفسها على الفرد داخل المجتمع.

– وثالثا: تتّسم بكونها صفة جماعيّة ، أي تتمثّل فيما يسمّيه دوركايم بالضّمير الجمعيّ، فعندما يتكلّم الفرد، فإنّ الضّمير الجمعيّ هو الّذي يتكلّم فينا، أي إنّها لا تنسب إلى فرد ولا إلى أفراد، إنّما هي من صنع المجتمع

– وهي عامّة يشترك فيها جميع أفراد المجتمع.

 – وهي أخيرا تظهر في شكل واحد، وتتكرّر لفترات طويلة من الزّمن ، رغم أنّ الفضل في نشوئها يعود إلى الأفراد.

 فالظّواهر الاجتماعيّة يؤثّر بعضها في بعض، ويفسّر بعضها البعض الآخر، مثل الأسرة الّتي هي مرآة المجتمع، وبينهما تأثير متبادل، كما أنّها حادثة تاريخيّة ، أي أنّها تعبّر عن لحظة من لحظات تاريخ الاجتماع البشريّ ، حيث أنّ هذا التحديد للظّاهرة الاجتماعيّة صحّح بعض طرق التّعارف الفاسدة، ممّا أدّى بالدّراسات الاجتماعيّة إلى التّقدّم في مجال العلم، والاتّصاف بالموضوعيّة ، بعدما كانت عبارة عن مجرّد تصوّرات. وهذا ما أوصل دوركايم إلى اعتبار نطاق الظّواهر الاجتماعيّة أوسع ممّا يعتقد، وأنّه ما من حادثة إنسانيّة إلاّ ويمكن أن نطلق عليها اسم ظاهرة اجتماعيّة ، معتبرا أنّ الظّاهرة الاجتماعيّة مثلها مثل بقيّة الظّواهر القابلة للدّراسة ، وفق المنهج العلميّ التّجريبيّ من أجل صياغة القانون، ويجب أن تعالج الظّواهر الاجتماعيّة على أنّها أشياء، أي أنّه بنفس المنهج الّذي يدرس به عالم الفيزياء الظّواهر الطّبيعيّة ، يمكن لعلماء الاجتماع دراسة الظّواهر الاجتماعيّة ، واعتماد المقارنة بين الحالات واستنتاج قوانين، ومن جملة القوانين الّتي توصّل إليها الاجتماعيّون قانون وارد الّذي يقول:” إنّ الأفراد يبحثون عن أكبر كسب بأقل” مجهود”، وقانون دوركايم حول الانتحار:” الميل الشّخصيّ إلى الانتحار يزداد مع قلّة الرّوابط الّتي تربط الفرد بالمجتمع.” ([19]) فابن خلدون مثلا قد ارتكز في دراسته للظّواهر الاجتماعيّة على ركيزتين أساسيّتين:

أولاهما: إخضاع تلك الظّواهر لملاحظات حسّيّة وتاريخيّة… معتمدا على مشاهداته واستقراءاته لما في بطن في التّاريخ ، علاوة على معايشته الذّاتيّة للعديد من تلك الظّواهر ، والرّكيزة الثّانية : تتمثّل في العمليّات العقليّة الّتي كان يكشف بها عن حقيقة تلك الظّواهر لمعرفة ما يسيّرها من قوانين، أي تعليلها بعد سبر غورها… ([20])

كما يمكن يمكن تجاوز العقبات الّتي تعترض الباحث في مجال العلوم الاجتماعيّة على النّحو الآتي:

9- 1- اعتماد قانون السّببيّة:

فما من حادثة تقع إلاّ ولها أسباب طبيعيّة أدّت إلى وقوعها، والمقصود بالأسباب الطّبيعيّة ما تعلّق بحالة المجتمع السّياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة ، فابن خلدون مثلا يربط بين حركة التّاريخ وما يفرزه العمران البشريّ من أحوال:” التّاريخ خبر عن الاجتماع الإنسانيّ الّذي هو العمران وما يعرض لطبيعته من الأحوال مثل التّوحّش والتّأنّس والعصبيّات.”([21])

9- 2- اعتماد قانون التّشابه والمقارنة:

 إنّ الأحداث التّاريخيّة تتشابه في عللها ونتائجها، فالحضارات تنمو على عصبيّة معيّنة، ولمّا تصل إلى قمّة الهرم يغلب على أفرادها التّرف فيبدأ التّقهقر والانحطاط، لتبدأ حضارة أخرى في النّموّ وفق العمليّة نفسها ، فالتّاريخ يخضع لمبدأ الحتميّة . وهو في هذا المنهج الّذي يمكن إخضاع الإنسانيّات له، لَا يختلف كثيرا عن منهج الطّبيعيّات , وإنْ لم يتمّ استخدام ذات المصطلحات الحديثة والمعاصرة؛ لكنّ طريقة تطبيقها على المادّة الاجتماعيّة والتّاريخيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة، بل الإنسانيّة بمختلف صورها أمر ممكن جدّا ، قام به علماؤنا السّابقون على مختلف الظّواهر الاجتماعيّة الّتي كانت بين أيديهم؛ خاصّة وأنّهم كانوا من أئمّة الجرح والتّعديل , حيث طبّقوا قانون الجرح والتّعديل في دراساتهم لمختلف الأخبار والنّصوص ، وعلى أشكال المِلل والنِّحل الّتي تعرّضوا لدراستها.([22]) فابن حزم مثلا، استعان في سبيل تحقيق ذلك بالجمع بين المنطق والإحصاء والمقارنة, للتّثبّت من صحّة الأخبار والوقائع؛ وكان المنهج عنده يقوم على ضرورة فهم الخبر التّاريخيّ ، ونقده لتخليصه من الشّوائب والأوهام. لذلك أكّد بعض الباحثين المعاصرين على أنّ ابن حزم امتلك كلّ صفات الباحث، بمحاولته تفسير التّاريخ واستخلاص القوانين الّتي تحكُم حركة التاريخ والمجتمع، والتّنبّؤ العقليّ بحدوث وقائع تاريخيّة واجتماعيّة مستقبلا.([23])

9- 3- قانون التّطوّر:

 إنّ الوقائع الاجتماعيّة والعمران البشريّ في تطوّر مستمرّ ، وأحوال النّاس في تغيّر وتنوّع ، ورغم قانون التّشابه إلاّ أنّ تغيّر الأعراض والمظاهر كتغيّر الشّخصيّات والوسائل، لا يغيّر العلل وقوانينها، فالوقائع لا تتكرّر بذاتها بل بكيفيّات مختلفة، ومن ثمّة يمكن دراسة الظّواهر الاجتماعيّة وضبط حركة تطوّرها ؛ ذلك أنّ الدّراسة العلميّة ينبغي أن تمرّ بمراحل متتالية ومتتابعة منها:

– مرحلة التّجميع ، وهي مرحلة أولى يتوجّب فيها على الباحث تناول الحادثة الاجتماعيّة من خلال ملاحظتها على أرض الواقع، أو من الآثار الدّالّة عليها، مع تتبّع مصادرها الإراديّة وغير الإراديّة الّتي أحدثتها ، مرحلة النّقد والتّحقّق من أجل معرفة علل وقوعها وما ينجرّ عنها ومقارنتها بمثيلاتها الماضية والحاضرة، وتفكيك عناصرها الدّاعمة وحصر مكوّناتها وأسبابها في أضيق نطاق ممكن، وأخيرا إعادة بناء الحادثة الاجتماعيّة ، وذلك للتّأليف بين أجزائها وترتيبها بعيدا عن جميع الأحكام الذّاتيّة ، والخروج بتفسيرات وأحكام تبيّن ما يتعلّق بها بناء على متطلّبات الدّراسة. ([24])

وينبغي أن يتوسّع الباحث في التّقصّي والتّحرّي وذلك برصد العوامل الّتي أدّت إلى وقوع الحادثة الاجتماعيّة وتحليلها… وأن يركّز على أهمّ العوامل ذات الصّلة المباشرة بموقف المجتمع منها، وبالمراحل المختلفة لتطوّرها، وفي هذا الإطار يمكن التّركيز على إيجاد وتطوير نظام بحث جادّ متخصص يمكّن الباحثين من التّعرّف على المشكلات وتعقّبها وتحليلها بدقّة، وإيجاد الحلول لها بالتّعاون والتّنسيق مع الكفاءات المتخصّصة. مع العمل على إيجاد جهة مركزيّة مزوّدة بأساليب وتجهيزات حديثة للمعلومات، لتدوينها ومنع الازدواجيّة والتّضارب والتّشتيت في إحصاء الظّواهر الاجتماعيّة أو ما نتج عنها، وبالتّالي توفير المعلومات الصّحيحة واللاّزمة والضّروريّة ، لاتّخاذ القرارات المناسبة والقيام بالعمليّات الواجبة للتّقليص من الأضرار النّاجمة عنها إن ثبت ضررها، أو تفتيت هذه الأزمة الاجتماعيّة باستقطاب عناصر القوّة فيها، والسّيطرة عليها بشكل أو بآخر، أو باتّخاذ إجراءات وقائيّة لمنع تكرار حدوثها إن كانت تشكّل خطرا على المجتمع مثلا. فأيّة أزمة اجتماعيّة مهما تكن طبيعتها ومجالاتها تؤثّر يقينا في أفراد المجتمع ككلّ، فقد تحدث أزمة في قرية بعيدة لكنّها ستؤثّر حتما في المجتمع بأكمله، مثلها مثل الأزمة الماليّة لا تؤثّر في النّظام الاقتصاديّ فقط، بل يمتدّ تأثيرها إلى المجتمع كلّه . فينبغي بالتّالي التّعامل مع أيّة أزمة إعلاميّا من منظور مجتمعيّ شامل، وثمّة اتّفاق بين الخبراء والباحثين على هذا المنظور. فالظّواهر الاجتماعيّة تمرّ بعدّة مراحل، ولا تنشأ من فراغ أبدا، وإنّما هي نتيجة لمشكلة ما لم تتمّ معالجتها بالشّكل الملائم، ثم تأتي مرحلة نموّها واتّساعها، نتيجة عدم معالجة المرحلة الأولى منها في الوقت المناسب، حيث تأخذ الظّاهرة الاجتماعيّة في النّموّ والاتّساع من خلال شكلين من المحفّزات هما: المغذّيات والمحفّزات الذّاتيّة الدّاخليّة ، والمستمدّة من ذات الظّاهرة والّتي تكوّنت معها في مرحلة الميلاد. وهناك مغذّيات ومحفّزات خارجيّة أو موضوعيّة استقطبتها الظّاهرة وتفاعلت معها وبها، وأضافت إليها قوّة دفع جديدة، وقدرة على التّطوّر ، وأخيرا مرحلة النّضج، وهي تُعدّ من أخطر مراحل الظّاهرة الاجتماعيّة وأهمّها، وتحدث عندما يكون منتجوها ومنشئوها وموجدوها على درجة كبيرة إمّا من الوعي بها وبقيمتها وحقيقتها، وبما ينجرّ عنها، أو على النّقيض من ذلك، يكون منتجوها ومنشئوها على درجة كبيرة من الجهل والتّخلّف والاستبداد بالرّأي ، والانغلاق على الذّات، أو إحاطة هذه الذّات بالقدسيّة والتّأليه ، ولنا في قصص الأنبياء والرّسل – عليهم الصّلاة والسّلام – مع مجتمعاتهم وأقوامهم وخصومهم من الحكّام الطّغاة المتجبّرين الأمثلة البيّنة الواضحة الغرّاء. وبذلك تصل الظّاهرة الاجتماعيّة إلى أقصى قوّتها وعنفوانها، وتصبح السّيطرة عليها مستحيلة، بل وهنا تصبح هذه الظّاهرة الاجتماعيّة بالغة الخطر ، شديدة القوّة ، مفرطة الحدّة، ولا مفرّ حينئذ من الصّدام العنيف معها؛ لكنّها حتما ستطيح بدول وبمؤسّسات وبقادة وحكّام… وعلى هذا فإنّ الظّاهرة الاجتماعيّة إنّما هي تعبير عن لحظة حرجة وخطيرة، تتّسم بالحسم تواجه كيان مجتمع ما فتحدّد مصيره، وتمثّل في الوقت ذاته صعوبة حادّة أمام متّخذي القرار من الأفراد والجماعات، فتضعهم في مأزق الاختيار بين ما يمكن أن يتّخذ من قرارات في ظلّ الشّعور السّائد بعدم التّأكّد، واختلاط الأمور بعضها مع البعض الآخر، بحيث تتداعى الأحداث، ويلوح المجهول لما يمكن أن تؤول إليه أمور هذه الظّاهرة، وما تتمخّض عنه النّتائج، وبخاصّة في ظلّ انعدام التّنبّؤ بمآلاتها؛ وأمّا إن استطعنا فهمها وتفسيرها، وإدراك كنهها وماهيّتها وحقيقتها، فسنعرف كيفيّة التّعامل معها، ذلك أنّ أيّ تغيير يحدث في المجتمع، إنّما هو حادث وفق قوانين ونواميس اجتماعيّة غالبا ما تعاد وتتكرّر. إنّها السّنن الاجتماعيّة المشابهة قطعا لما يجري في الطّبيعة، أي وفق القوانين أو السّنن الطّبيعيّة. ممّا يظهر لنا أوجه التّشابه مع الظّواهر الاجتماعيّة ، ويكشف لنا سرّ التّداخل بين نوعي الظّواهر ، بل والآثار النّاجمة عن حدوثها. ويتطلّب هذا كلّه إنشاء قاعدة شاملة ودقيقة من المعلومات والبيانات الخاصّة بكافّة أنشطة المنظّمة، وبكافّة آثارها وتداعياتها على مجمل أنشطتها الاجتماعيّة، فمن المؤكّد أنّ المعلومات الكافية هي المدخل الطّبيعيّ لعملية فهم الظّواهر الاجتماعيّة، كما تعني إزالة الغموض واللّبس، وإتمام النّقص في المعلومات، ومن ثمّة فإنّ وجود قاعدة أساسيّة من البيانات والمعلومات، تكون متّسمة بالدّقّة والتّصنيف المنضبط، يساعد كثيرا في وضع أسس قويّة لفهم حقيقة ما يحدث من ظواهر اجتماعيّة . وبطريقة تراكميّة تجعل من الدّراسات الاجتماعيّة اللاّحقة تتغذّى على السّابقة.

وعلى الرّغم من تشعّبات العلوم الإنسانيّة الاجتماعيّة المانعة من الوصول إلى تحليل دقيق لصحّة المجتمع، ومع تعميق إدراكنا لخطورة التّبعيّة في مجال العلوم الاجتماعيّة، نظراً لما تحمله في مفاهيمها وأسسها من تحيّز ، وإرساء قبول مبدئيّ بمشروعيّة الاستقلال النّظريّ في هذا المجال، إلاّ أنّ إسهامات الباحثين الاجتماعيّين العرب تعدّ مفتاحًا أساسيّا في مجال هذه الدّراسات الاجتماعيّة ، كما تعتبر أمراً حيويًّا، في عمليّة البناء النّظريّ الموجّه للتّجدّد الذّاتيّ ، وتطوير الدّراسات الاجتماعيّة العربيّة. وهذا لا يمنعنا من التّأكيد على أنّنا لا نرفض استخدام بعض مكوّنات النّظريّة الاجتماعيّة الغربيّة ، لكنّ ذلك يتطلّب فرز محتويات التّرسانة الغربيّة، وعزل ما هو غربيّ عمّا يصلح لأن يكون عامّا أو عالميّا ؛ كما يتطلّب الأمر فحصاً للمفاهيم وكشف علاقتها الصّريحة والضّمنيّة والمستترة مع عقيدتهم، وبالتّالي مدى اتّساق ذلك مع مفاهيم عقيدتنا السّائدة . فمفاهيم مثل الإنسان الاجتماعيّ والقيمة والعمل والاشتراكيّة ومصطلحات لا حصر لها، ذات ارتباط بالعقيدة الدّنيويّة ، ليست بريئة أو عفويّة أو اعتباطيّة ، بل تُفضي إلى تحليلات وتركيبات يحكمها هذا التّحيّز العَقِائديّ أو ذاك. فلم يكن من الصّدفة أن يصل ابن خلدون أو مالك بن نبي أو المسيري أو غيرهم، إلى تصوّر مختلف للقيم الاجتماعيّة الغربيّة، فتنظيراتهم تعكس مفاهيم عقيدتهم الإسلاميّة والتّصوّر الإسلاميّ لعلم الاجتماع ولطرق العلاقات الاجتماعيّة، وبيانه لكيفيّة الحياة المشتركة بين النّاس، وسبل التّعايش والتّفاعل والتّكافل واضحة. ([25]) ومفكّرو العرب والإسلام عموماً ووفقاً لأصول عقيدتهم يرون أنّ الفرد جزء من المجتمع في إطار التّكامل معه وإثرائه، بحيث لا يكون السّعي إلى الصّراع معه إلاّ بغرض الإصلاح، ولم يكن يتّسق مع الفكر الإسلاميّ موقف عدم المبالاة من تخريب البيئة الاجتماعيّة لأيّ سبب، فهناك احترام لقدرات الإنسان ودوره في المجتمع في إطار ا الكلّ الأشمل الخاضع لله تعالى. وعلى ضوء هذه التّحفّظات يمكن أن نصل إلى قبول بعض المفاهيم أو الوحدات التّحليليّة والمصطلحات الاجتماعيّة الغربيّة للضّرورة ، وبما لا يتعارض والعقيدة الإسلاميّة، مثل: الطّبقة، النّخب الاجتماعيّة، التّراتب الاجتماعيّ، التّوازن الاجتماعيّ ، تَمَفْصُل الممارسات الاجتماعيّة، التّخطيط… الخ.([26]) ويلاحظ أنّ مثل هذه الأمثلة ، من المصطلحات والمفاهيم أو المكوّنات إذا استخدمناها باعتبارها عالميّة، أي عند مستوي عال من التّجريد، ستتّخذ مضامين خاصّة بنا وفق شروط نسقنا النّظريّ المستقلّ، المتأثّر بمناخ واقعنا الاجتماعيّ الموضوعيّ. ويجب أن تتمحور الدّراسات الاجتماعيّة حول هموم المجتمع العربيّ ، والّتي تتضمّن الصّحّة العقليّة والنّفسيّة والجسديّة لأفراده، والضّغط والإدمان وأمراض العصر الاجتماعيّة، والعنصريّة والهجرة والإثنيّة والهويّة ، والحياة الجنسيّة والبيئة والجريمة، والانحراف والجنوح والمشاكل الأسريّة، والكفاءة الاجتماعيّة والفقر والتّشرّد، وجوانب اجتماعيّة أخرى.

10- الخاتمة:

مع تزايد اهتمام الباحثين بمشكلات المجتمع العربيّ المعاصر، مثل التّعرّف على عادات وتقاليد وقيم المجتمع، والتّعرّض لدراسة النّظم الحكوميّة ، وقوانين الهيئات والمؤسّسات الاجتماعيّة، والّتي تساعد على فهم الضّوابط الاجتماعيّة وتنمية الحاسّة الاجتماعيّة والسّلوك الاجتماعيّ السّليم ، والمشاركة في تحمّل المسؤوليّة ، والاتّجاه نحو المشاركة الواعية فيما يواجه المجتمع العربيّ المعاصر من مشكلات وتحدّيات. وعلى الرّغم من الصّعوبات والعراقيل الّتي تواجه الباحث العربيّ في مجال العلوم الإنسانيّة الاجتماعيّة ، إلاّ أنّه يمكن القول إنّه لا مناص لنا عند التّأصيل لأبحاثنا ودراساتنا، خاصّة المتعلّقة بمجتمعنا العربيّ الإسلاميّ، من الرّجوع إلى مصادرنا الثّابتة: القرآن والسّنّة، الّتي احتوت نظريّات ما زلنا بحاجة للاستفادة منها، ثمّ إلى ما كتبه علماؤنا ومفكّرونا القدامى والمعاصرون لاستلهام نظراتهم الثّاقبة في معالجتهم لقضايا لا تختلف كثيرا عن واقعنا المعيش، لتكون اساس أبحاثنا، والاحتكام إليها وإلى تاريخنا وواقعنا. ولتكون منطلقا لتجاربنا ودراساتنا، ولا بأس بعدئذ من الاستفادة من دراسات المجتمعات الأخرى غير العربيّة ، لذلك تعتبر الدّراسات الاجتماعيّة منبع التّعلّم الاجتماعيّ والتّربية الاجتماعيّة والّتي يمكن من خلالها فهم الحياة الاجتماعيّة العربيّة. والأمل أن يكون بحثنا دافعاً لإعادة البناء، بناء المجتمع العربيّ السّليم ، وليس لإعادة التّكيّف ، أي التّكيّف وفق واقع المجتمع الغربيّ الّذي يحلم بالعيش فيه جلّ أبناء مجتمعنا اليوم، فالتّكيّف يصبح أمراً مرفوضاً وغير مقبول؛ لأنّه سيبقي على آثار ونتائج الأزمة بعد انحسارها، أمّا إعادة البناء فيتّصل أساساً بعلاج هذه الآثار السّلبيّة، ومن ثمّة استعادة فاعليّة الكيان العربيّ وأدائه، وإكسابه مناعة في التّعامل مع أسباب وعلل الحاضر والقادم من الأزمات الاجتماعيّة. ودراستنا الحاضر في ماضيه القريب والبعيد بقصد تلمّس مؤشّرات وإسهامات الماضي في تشكيل الحاضر، والسّعي للاستفادة من الماضي والحاضر معا في استشراف مستقبل زاهر ومتطوّر لمجتمعنا العربيّ الإسلاميّ.

مسرد المراجع :

  • ابن خلدون: “المقدّمة دار الفكر، بيروت، ط 2010.
  • أرسطوطاليس: “علم الأخلاق إلى نيقوماخوس”، ترجمة: أحمد لطفي السّيّد ، الهيئة المصريّة العامّة، القاهرة 2008.
  • أفلاطون: “الجمهوريّة”، الكتاب:1، الجزء:3، ترجمة فؤاد زكريّا القاهرة: دار الكاتب العربيّ، القاهرة د.ت.ط.
  • أحمد إبراهيم الشلبي: “تدريس الدّراسات الاجتماعيّة بين النّظريّة والتّطبيق” المركز المصريّ للكتاب، القاهرة، 1998.
  • أحمد اللقائي، ويونس رضوان: “تدريس الموادّ الاجتماعيّة” عالم الكتب، 1974.
  • أحمد عبد الرحمن النجدي، وآخرون: “الدّراسات الاجتماعيّة ومواجهة قضايا البيئة”، دار القاهرة ، القاهرة ، 2002.
  • حامد طاهر: “منهج البحث بين التّنظير والتّطبيق” دار نهضة مصر، القاهرة، ط.2007.
  • سميح قاسم: “موسوعة مصطلحات العلوم الاجتماعيّة والسّياسيّة في الفكر العربيّ الإسلاميّ”، لبنان ناشرون ط1 2000.
  • شكري حامد نزال: “مناهج الدّراسات الاجتماعيّة وأصول تدريسها”، دار الكتاب الجامعيّ العين، إ ع م، 2003.
  • عبد اللطيف فؤاد إبراهيم، سعد مرسي أحمد: “الموادّ الاجتماعيّة وتدريسها النّاجح”، مكتبة النّهضة، القاهرة، ط 1979.
  • عبد الحليم عويس: “تفسير التّاريخ علم إسلاميّ”، وزارة الشّؤون الدّينيّة والأوقاف، الدّوحة ، قطر ط1، 1996.
  • عبد الوهّاب المسيري: “الفلسفة المادّيّة وتفكيك الإنسان”، دار الفكر، دمشق ط، 2002.
  • عبد الوهّاب المسيري: “رحلتي الفكريّة في البذور والجذور والثّمار ، سيرة غير ذاتيّة غير موضوعيّة”، الهيئة العامّة لقصور الثقافة، القاهرة 2001.
  • عمّار بوحوش، محمّد محمود الذنيبات: “مناهج البحث العلميّ وطرق إعداد البحوث”، ديوان المطبوعات الجامعيّة، بن عكنون، الجزائر، ط2001.
  • عمّار عوابدي: “مناهج البحث العلميّ وتطبيقاتها في ميدان العلوم القانونيّة والإداريّة”، ديوان المطبوعات الجامعيّة بن عكنون الجزائر.د.ت.ط.
  • فوزي غرايبية، ونعيم دهمش: “أساليب البحث العلميّ في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة”، دار وائل، الأردن، ط3 2002.
  • محمّد قطب: “حول التّأصيل الإسلاميّ للعلوم الاجتماعيّة”، دار الشّروق القاهرة، ط 1998م.
  • محمود البستاني: “الإسلام وعلم الاجتماع”، دار مجمع البحوث الإسلاميّة، بيروت، ط 1994م.
  • جابر الحديثي، مقال: “أزمة العلوم الإنسانيّة في الفكر العربيّ”، مجلّة الإنماء العربيّ للعلوم الإنسانيّة ، معهد الإنماء العربيّ ، بيروت، ع: 38/37، س6، 1985.
  • صلاح الدّين شاروخ: “منهجيّة البحث العلميّ”، دار العلوم، عنابة، الجزائر ، د ت ط.
  • طالب عبد الكريم، مقال: “الظاهرة الاجتماعيّة عند إميل دوركايم” مجلّة : دراسات إسلاميّة معاصرة، العراق، عدد: 6، السنة 3، 2012م.
  • محمّد أحمد الزعبي، مقال: “إشكالات البحث العلميّ للظّواهر الاجتماعيّة العامّة وللظّواهر الاجتماعيّة في البلدان النّامية خاصّة”، مجلّة : دراسات عربيّة، دار الطّليعة ، بيروت، ع: 2/1 ، س: 34 ، 1997.

 

[1]– ابن خلدون: “المقدّمة”، دار الفكر، بيروت، ط 2010.(ص.46) وصلاح الفوال: “المدخل لعلم اجتماع إسلاميّ ” دار غريب، الإسكندرية، ط 2000 ( ص.182).

[2]– أرسطو: “الأخلاق إلى نيقوماخوس” ترجمة: أحمد لطفي السيّد القاهرة، الهيئة المصريّة للكتاب، 2008 (2/122-154) وأفلاطون: “الجمهوريّة” ترجمة: فؤاد زكريّا، دار الكاتب العربيّ، القاهرة. ( الكتاب:1، الجزء:3، ص.17–24).

[3]– تعود أصول الفصل الفكريّة بين حكم العقل المحض وحكم العقل العمليّ إلى الفيلسوف كانط(1724- 1804).

[4]– طالب عبد الكريم، مقال:”  الظّاهرة الاجتماعيّة عند إميل دوركايم”  مجلّة :” دراسات إسلاميّة معاصرة” العراق ، العدد السّادس، السّنة الثّالثة ، 2012م (ص331-332).

[5]– صلاح الدّين شاروخ:” منهجيّة البحث العلميّ” دار العلوم، عنّابة، الجزائر، د.ت.ط (ص.53.) وعمّار عوابدي: “مناهج البحث العلميّ وتطبيقاتها في ميدان العلوم القانونيّة والإداريّة ” ديوان المطبوعات الجامعيّة، بن عكنون، الجزائر، ص 43.

[6]– ينظر كتاب:” الإنسان ذلك المجهول” لألكسيس كاريل.

[7]– عبد الوهّاب المسيري (19382008) مفكّر وعالم اجتماع مصريّ :”الفلسفة المادّيّة وتفكيك الإنسان” دار الفكر، دمشق 2002.

[8]– المسيري:” رحلتي الفكريّة : في البذور والجذور  والثّمار ، سيرة غير ذاتيّة غير موضوعيّة” ص.445، الهيئة العامة للثقافة، 2001.

[9]– محمّد قطب:” حول التّأصيل الإسلاميّ للعلوم الاجتماعيّة ” دار الشّروق ، ط 1998م ،القاهرة، ص6.

[10]– المسيري: “رحلتي الفكريّة: في البذور والجذور  والثّمار ، سيرة غير ذاتيّة غير موضوعيّة”، ص447-448.

[11]– محمّد قطب: “حول التّأصيل الإسلاميّ للعلوم الاجتماعيّة”، مرجع سابق، ص6-7.

[12]– فوزي غرايبية، و د. نعيم دهمش: “أساليب البحث العلميّ في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة “، ط 2002، ص102.

[13]– أحمد حسين اللقائي، ويونس أحمد رضوان:” تدريس الموادّ الاجتماعيّة ” عالم الكتب، 1974، ص56. وأحمد إبراهيم الشلبي: “تدريس الدّراسات الاجتماعيّة بين النّظريّة والتّطبيق” المركز المصريّ للكتاب، القاهرة، 1998، ص123.

[14]– أحمد عبد الرّحمان النّجدي :” الدّراسات الاجتماعيّة ومواجهة قضايا البيئة” دار القاهرة، 2002، ص75. وجابر الحديثي، مقال: “أزمة العلوم الإنسانيّة ” مجلة: “الإنماء العربيّ للعلوم الإنسانيّة ، معهد الإنماء العربيّ ، بيروت، (ع: 38/37، س6، 1985 ص16.

[15]– عبد اللّطيف فؤاد إبراهيم، سعد مرسي أحمد:” الموادّ الاجتماعيّة وتدريسها النّاجح” مكتبة النّهضة، القاهرة، ط 1979، ص22. وشكري نزال:” مناهج الدّراسات الاجتماعيّة وأصول تدريسها” دار الكتاب الجامعيّ، العين، ا. ع. م، ط 2003، ص140.

[16]– المسيري:” الفلسفة المادّيّة وتفكيك الإنسان” دار الفكر، ط 2002، ص15-16.

[17]– محمد أحمد الزعبي:” إشكالات البحث العلمي للظّواهر الاجتماعيّة العامّة وللظّواهر الاجتماعيّة في البلدان النّامية ” مجلّة :”دراسات عربيّة” دار الطّليعة، بيروت، ع:2/1، س: 34، 1997 ص: 93. وشكري حامد نزال، مرجع سابق، ص 152.

[18]– يعدّ عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم أكثر العلماء اهتماما بدراسة الظّاهرة الاجتماعيّة بناء على أسس منهجيّة محدّدة، وتمثّل هذا الاهتمام خاصّة في مؤلفه: “قواعد المنهج في علم الاجتماع”.

[19]– جهينة العيسى:” علم الاجتماع ، دار الأهالي، دمشق، 2000، ص 15-17.

[20]– صلاح الفوال: “المدخل لعلم اجتماع إسلاميّ”، دار غريب، الإسكندرية، ط 2000،ص187.

[21]– ابن خلدون: “المقدّمة”، دار الهيثم، الطبعة 1 ، القاهرة ، ط 2005، ص72 .

[22]– حامد طاهر: “منهج البحث بين التّنظير والتّطبيق”، دار نهضة مصر،  القاهرة، ط.2007م،ص92.

[23]– عبد الحليم عويس: “تفسير التّاريخ علم إسلاميّ” وزارة الشّؤون الدّينيّة والأوقاف، الدّوحة ، قطر، ط 1996، ص15-17.

[24]– عمار بوحوش، محمّد الذنيبات:” مناهج البحث العلميّ وطرق إعداد البحوث” ديوان المطبوعات الجامعيّة ، الجزائر، 2001 ص37.

[25]– صلاح الفوال: “المدخل لعلم اجتماع إسلاميّ” ومحمود البستاني: “الإسلام وعلم الاجتماع” محمّد قطب: “حول التّأصيل الإسلاميّ للعلوم الاجتماعيّة”.

[26]– عن المصطلحات الاجتماعية العربية، بنظر: سميح قاسم: “موسوعة مصطلحات العلوم الاجتماعية والسياسية في الفكر العربي الإسلامي” مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط 2000.

مقالات أخرى

الأَيديُولوجِيا الوَظِيفِيَّةِ فِي سُوسْيُولُوجِيا بارْسونز

المناظرة، مقام خطابي/جنس كلاميّ

الرّواية السّياسية المعاصرة: أثرها النقدي وخصوصيّتها الفنّية

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد