ملخّص:
نحاول في هذا البحث تفسير ظاهرة الحضور المحتشم للشّعر التّونسيّ الحديث، في أغلب المؤلّفات المدرسيّة، في المرحلتين الابتدائيّة والثّانويّة، وغيابه الكلّي عن بعضها. وقد اعتمدنا في ذلك مقاربة استقرائيّة/ تأويليّة، تدرّجنا فيها من استقراء المدوّنة المدروسة (وهي هنا المؤلّفات المدرسيّة الخاصّة بمادّة اللّغة العربيّة/ الأدب العربيّ من السّنة الخامسة من التّعليم الابتدائيّ إلى السنة الرّابعة من التّعليم الثّانويّ)، إلى محاولة تأويل هامشيّة ذلك الحضور في تلك المؤلّفات، من خلال ربطها بالسّياقات التّربويّة والجماليّة والأكاديميّة والسياسيّة الّتي أحاطت بتأليفها. وانتهينا من تلك المقاربة إلى تبيّن مجموعة من العوامل يمكن أن تفسّر، ولو بشكل جزئيّ، تلك الظّاهرة. يتعلّق جانب منها بواقع المدرسة واختياراتها البيداغوجيّة، فيما يرتبط جانب آخر باعتبارات جماليّة/ نقديّة ذات صلة بمواقف المؤسّسة النّقدية والأكاديميّة من الحداثة عموما ومن الحداثة الشّعريّة على وجه الخصوص، بينما يعود بعضها إلى وضع شاعر الحداثة في المنظومة السّياسيّة وعلاقته المعقّدة بالسّلطة في دولة الاستقلال بمراحلها المختلفة. وعملنا من هذه النّاحية محاولة في تفكيك وضع المدرسة التّونسيّة عبر نقد اختياراتها في مادّة اللّغة العربيّة، وهو بذلك مساهمة متواضعة في مجهود إصلاحها.
الكلمات المفاتيح: الشعر التونسي الحديث- المؤلفات المدرسية – تأويل – نقد- سلطة.
Abstract:
The aim of this research is to determine the reasons behind the lack of presence of modern Tunisian poetry in most educational curriculums, in both primary and secondary levels, and its absolute absence in others. We have implemented an inductive/interpretive approach, starting by studying said curriculum (namely the Arabic language textbooks/ Arabic literature from the fifth year of primary education to the fourth year of secondary teaching), subsequently attempting to interpret the marginality of that presence in these works, by linking it to the educational, aesthetic, academic and political contexts that surrounded its authorship. From this approach, we concluded that a number of factors could explain, even partially, this phenomenon. One of its aspects is related to the condition of the educational system and its pedagogical choices, while another aspect is related to aesthetic/critical considerations related to the academic institutions’ positions on modernity in general and on poetic modernity in particular, whereas other aspects go back to the position of the modern poet in the political system and his complex relationship with power in the various stages of an independent state. In this respect, we attempted to dismantle the status of the Tunisian school by criticizing its choices on the subject of the Arabic language, which therefore is a modest contribution to the effort to reform it.
Keywords: modern Tunisian poetry- school textbooks- interpretation-criticism- authority.
1- مقدّمة:
لا يمكن، في رأينا، فهم منزلة الأدب التّونسيّ الحديث والشّعر التونسيّ الحديث على وجه الخصوص، في المؤلّفات المدرسيّة، دون الانتباه إلى الوضع الإشكاليّ للمدرسة التّونسيّة وللبرامج التّعليميّة. فهي تبدو محكومة بعدد من المفارقات يعسر التوفيق بين أطرافها، من أهمّها أنّها تهدف إلى تحصيل المعرفة وامتلاك المهارات المتّصلة بها، ولكنّها في الآن نفسه تسعى إلى تحقيق رهانات أخرى بعضها صريح وبعضها الآخر ضمنىّ/ مسكوت عنه. ويعود هذا التّأرجح إلى طبيعة المدرسة، فهي مؤسّسة تعليميّة ومعرفيّة، ولكنّها بالتّزامن مع ذلك مؤسّسة إيديولوجيّة بمعنى من المعاني. ولعلّ ذلك ما يفسّر ميل واضعي البرامج إلى “تسييج” المقرّراتِ والكتبِ المدرسيّة، والعمليّةَ التّعليميّة برمّتها بأهدافٍ، تُخضِع القائمين بها إلى معاييرَ يُعدّ الخروج عنها خطأ فادحا في العديد من الأحيان.
ومن تلك المفارقات أيضا أنّ المدرسة حريصة على مراعاة التّقاليد لكونها محكومة بالنّزعة السكولائيّة (scolastique) الّتي تنزع إلى المحافظة وتتمسّك بالتّقاليد، في حين أنّ المعرفة والعلوم والفنون والآداب ميّالة دوما إلى الإبداع والتّجديد، وهو ما يخلق نوعا من الفجوة بين التّقاليد المدرسيّة وحركيّة الإبداع الّتي لا تتوقّف. وقد انتبه بارت (Barthes) (1915-1980)[1] إلى تلك المفارقة في درسه المشهور الّذي ألقاه في افتتاح كرسي السّيميولوجيا (sémiologie) في “معهد فرنسا” (collège de France)، فقال إنّ «تدريس الآداب بات ممزّقا –إلى درجة الإنهاك- بين ضغوط المتطلّبات التّكنوقراطيّة وبين الرّغبات الثوريّة [للتلاميذ] والطّلبة»[2].
ومن الطبيعيّ أن تشمل هذه الازدواجيّة البرامج الخاصّة بتدريس الأدب عموما والشّعر على وجه الخصوص. فواضعو المؤلّفات المدرسيّة يجدون أنفسهم في حرج بين طبيعة الأدب، بوصفه حدثا لا يعبأ بالمؤسّسات والقيم السّائدة، وبين طبيعة المدرسة بوصفها مؤسّسة تجمع بين التّكوين والتّربية. وهنا يثور الإشكال: ماذا سندرّس هذا التّلميذ/ الطّفل أو المراهق أو اليافع؟ هل سندرّسه نصوصا كلاسيكيّة تجمع بين المنفعة والجمال، أم ندرّبه على معاشرة نصوص تتجرّأ على القيم وتخترق السّنن؟ وكيف السّبيل إلى التّوفيق بين الأهداف المرسومة للعمليّة التّدريسيّة، وهي أهداف متعدّدة ومتباينة في بعض الأحيان، وقد ينقض بعضها بعضا، دون الإجحاف في حقّ المدرسة والأدب معا؟
وفي هذا السّياق بالذّات يمكن أن ننزّل معضلة تدريس الشّعر التّونسيّ الحديث في المدارس والمعاهد وحتّى الجامعات التّونسيّة. فالغالب على هذا الشّعر، وخصوصا ابتداء من أواخر ستّينيات القرن الماضي وبداية سبعينيّاته، نزعتُه الطلائعيّة وثورتُه على العمود الشّعريّ وخروجُه عن المعايير الشّعريّة السّائدة، واجتراؤه على اللّغة العربية في بعض الأحيان[3]. فكيف يمكن لِشِعرٍ يقوم على الانتهاك والانشقاق أن يكون مادّة للتّربية؟ وكيف للقبيح (من زاوية التقاليد البيداغوجيّة) أن يُسهم في ترسيخ القيم الجماليّة؟
ولا شكّ في أنّ هذا الإشكال كان حاسما، إضافة إلى عوامل أخرى، سنشير إلى أهمّها في هذا العمل، في تجاهل برامج الأدب والكتب المدرسيّة للشّعر الحديث وللشّعر التّونسيّ الحديث على وجه الخصوص، مقارنة بالأدب الكلاسيكيّ شعرا ونثرا أو بأنواع أدبيّة حديثة أخرى كالرّواية والقصّة والمسرح.
2- أبواب المدرسة موصدة أمام الشّعراء:
لا يحتاج الباحث المتفحّص للمقرّرات المدرسيّة في المرحلتين الابتدائيّة والمتوسّطة بمرحلتيها الإعداديّة والثانويّة مجهودا كبيرا لينتبه إلى الحقيقة المفزعة (بالنّسبة إلى الشّعراء التونسيّين والمهتمّين بالشّعر التونسيّ وأنصاره)، الّتي تتمثّل في الحضور المحتشم للشّعر الحديث وخصوصا للمدوّنة الشّعريّة التونسيّة في الكتب المدرسيّة. فعدد النّصوص الشّعريّة في المرحلة الابتدائيّة لا يكاد يُذكر. ومن يُلقِ نظرة سريعة على كتاب القراءة المخصّص لتلاميذ السنة الخامسة من التّعليم الابتدائيّ على سبيل المثال[4]، ينتبه بيسرٍ إلى ندرة النّصوص الشّعريّة مقارنة بالنّصوص السّرديّة، فهي لا تتجاوز ثمانية نصوص من مجموع 154 نصّا، ولا يتجاوز عدد النّصوص الشّعريّة التونسيّة منها الثلاثة[5]. ولا أثر للنّصوص الشّعريّة عموما وللشّعر التّونسيّ في كتاب التّمارين لنفس المستوى[6].
أمّا النّصوص الشّعريّة المعتمدة في كتاب القراءة للسّنة السّادسة من التّعليم الابتدائيّ[7] فلا تتجاوز النّصوص الستّة من مجموع 52 نصّا، أحدها لشاعر مصريّ هو محمود غنيم (1901-1972)[8]، ونصّان معرّبان للشّاعر الفرنسيّ لافونتان (la fontaine) (1661-1695)[9]، ولا تتجاوز النّصوص الشّعرية التّونسيّة الثلاثة نصوص: أوّلها لأحمد اللّغمانيّ (1923-2015)[10]، ويحمل عنوان “حضن الواحة”، أمّا النصّ الثاني فهو لجعفر ماجد (1940-2009)[11]، ويحمل عنوان “الرّبيع”، أمّا ثالث النّصوص فهو لمصطفى عزوز (1921- 2003)[12]، ويحمل عنوان “إلى أبناء المدارس”. ويقتصر الأمر في كتاب التّمارين المخصّص لنفس المستوى على نصّ يتيم لمصطفى عزّوز[13].
وإذا كان حجم المدوّنة الشّعريّة عموما والتونسيّة خصوصا قد شهد اتّساعا نسبيّا في برامج المرحلة الثّانية من التّعليم الأساسيّ (أي السنوات السّابعة والثّامنة والتّاسعة) بفعل تنوّع الموادّ الّتي تهتمّ بالشّعر جزئيّا أو كليّا كالقراءة والمحفوظات والإلقاء والمطالعة، فإنّ عدد النّصوص الشّعريّة ظلّ هامشيّا مقارنة بالأجناس والأنواع الأخرى وخصوصا بالنّثر والسّرد. وهو ما يبدو جليّا من خلال الجداول التّالية[14]:
الجدول الأوّل: مادّة شرح النّصوص
المستوى |
عدد النّصوص |
عدد النّصوص الشّعريّة |
عدد النصوص الشعرية التونسيّة |
السّابعة أساسيّا |
73 |
6 |
4 |
الثامنة أساسيّا |
60 |
7 |
4 |
التّاسعة أساسيّا |
79 |
12 |
03 |
الجدول الثّاني: المحفوظات
المستوى |
عدد النّصوص |
عدد النّصوص الشّعريّة |
عدد النصوص الشعرية التونسيّة |
السّابعة أساسيّا |
00 |
00 |
00 |
الثامنة أساسيّا |
17 |
6 |
3 |
التّاسعة أساسيّا |
08 |
06 |
00 |
الجدول الثّالث: التواصل الشّفويّ والمطالعة
المستوى |
عدد النّصوص |
عدد النّصوص الشّعريّة |
عدد النصوص الشعرية التونسيّة |
السّابعة أساسيّا |
17 |
12 |
6 |
الثامنة أساسيّا |
09 |
02 |
00 |
التّاسعة أساسيّا |
00 |
00 |
00 |
وإذا كان حضور الشّعر القديم في برامج اللّغة العربيّة بالتّعليم الثّانويّ محترما نسبيّا، ويمسّ مراحل تطوّر النصّ الشّعريّ من الجاهليّة إلى القرن الخامس، ويحيط بأهمّ أنواعه كالقصيدة والموشّح والأرجوزة، ويعرّف بأغلب أعلامه، فإنّ حجم الشّعر الحديث والشّعر التّونسيّ الحديث على وجه الخصوص يبقي محتشما ويغيب تماما عن بعض المستويات الدّراسيّة كالسنة الرّابعة آدابا (الباكالوريا). فعدد النّصوص الشّعريّة التونسيّة في كتاب النّصوص للسنة الأولى من التّعليم الثّانويّ لا يتجاوز 7 نصوص من بينها أربعة نصوص للشّابيّ[15]، ولا يزيد عددها في كتاب النّصوص للسنة الثّانية على ستّة نصوص للشابّي كلّها[16]، بينما يقتصر عدد النّصوص في كتاب النّصوص للسّنة الثّالثة آدابا على نصّ يتيم لمنصف الوهايبي (1949-)[17] ضمن محور الشّعر الحديث[18]، ولا أثر للنّصوص الشعريّة التونسيّة في كتابَيْ النّصوص لتلامذة السنوات الثّالثة من الشّعب العلميّة وشعبة الرّياضة. وإذا اقتصر حضور الشّعر التونسيّ في كتاب النّصوص للسنة الرّابعة من شعبة الرّياضة على نصّ يتيم[19] فإنّه يغيب غيابا كليّا في كتابي النّصوص للسّنة الرّابعة آدابا والسّنة الرّابعة شُعبًا علميّة.
ونخرج من هذا الوصف السّريع للمدونة الشّعريّة التّونسيّة الحديثة في المتون المدرسيّة بملاحظات ثلاث:
- ضمور تلك المدوّنة واقتصارها في الغالب على أسماء شعريّة لاحظنا تواتر حضورها في مستويات التّحصيل المختلفة كالشّابّي، ومصطفى عزوز على سبيل المثال.
- عدم تمثيلها لاتجاهات الشّعر التّونسيّ الحديث المختلفة من بدايات الإحياء الشّعريّ إلى اليوم، فلا نجد نصّا شعريّا واحدا لشعراء الطّليعة[20]، على الرّغم من سيطرة الاتّجاه الطّليعيّ على السّاحة الشّعريّة التونسيّة نهاية ستينيات القرن المنصرم والنّصف الأوّل من سبعينيات القرن نفسه، والدّور الّذي لعبه في تطوير موسيقى الشّعر العربيّ وتثوير بُنى القصيدة فضلا عن محاولاته توطين لغة الشّعر في البيئة المحليّة[21].
- غلبة التّقليد عليها ونزعتها إلى المحافظة نستثني من ذلك طبعا نصوص الشابّي وشعراء آخرين عرفوا باتّجاهاتهم الحداثية كمنصف الوهايبي وآدم فتحي (1957- )[22].
فما تفسير هذه المنزلة الّتي يحتلّها الشّعر التونسيّ الحديث؟ هل يعكس ذلك أزمة المدرسة التونسيّة أم أنّه يعود إلى الخيارات الّتي انتهجها المشرفون على البرامج وواضعو المؤلّفات المدرسيّة؟ ما دور النّقد في ما آل إليه وضع الشّعراء في المدرسة؟ وهل تتحمّل السّلطة السياسيّة والثقافيّة جانبا من المسؤوليّة في وضع الشّاعر في تونس عموما وفي الكتب المدرسيّة على وجه الخصوص؟
3- أزمة مدرسة أم أزمة خيارات؟:
تُثار الأسئلة، كلّما فُتح الباب أمام تقييم المدرسة التّونسيّة، حول إخفاقات مزعومة للمنظومة التّربويّة التّونسيّة لعلّ أهمّها تأرجحها بين النّزعة التّحديثيّة والقيم التّقليديّة. فعلى الرّغم من أنّ رهان مؤسّسي المدرسة الحديثة منذ قيامها كان تأسيسَ فضاءٍ حاضنٍ لقيم الحداثة والتّنوير يُيَسِّرُ عمليّة الانخراط في الحداثة الكونيّة، فإنّها ظلّت محكومة بالقيم الثقافيّة والدّينيّة التّقليديّة. فإلغاء التّعليم الدّينيّ في تونس[23] مثلا لم يَحُلْ دون تسرّب مضامينه إلى التّعليم المدنيّ، في مختلف موادّ الدّراسة، لأسباب سياسيّة على الأرجح[24]، ويبدو أنّ الموادّ الّتي تهتمّ بتدريس الأدب لم تسلم منه. ولذلك اتّجهت تلك المدرسة تدريجيّا نحو الجمود والانكفاء وخصوصا في مجال تدريس الآداب والفنون والعلوم الإنسانيّة والفلسفة. فإضافة إلى تراجع مكانة تلك التّعلّميات تراجعا مذهلا، نَزَعَتْ المدرسة في مستوى البرامج التّعليميّة في مجال اللّغة والآداب العربيّة إلى إعطاء الأولويّة إلى النّصوص الكلاسيكيّة، وَبَدَتْ حَذِرَةً من النّصوص الجديدة، وفي مقدّمتها تلك الّتي تنحو منحى حداثيّا صريحا وتُجاهر بعدائها للقيم الجماليّة والفكريّة القديمة. ولعلّ إلقاء نظرة على النّصوص الشّعريّة التونسيّة الّتي “تسرّبت” إلى برامج اللّغة العربيّة يكشف بِيُسْرٍ انتماءَها، في الغالب، إلى التّقاليد الشّعريّة. فإذا ما استثنينا نصوص الشابّي، وبعض النّصوص القليلة الّتي تنتمي بشكل صريح إلى الحداثة الشّعريّة التونسيّة كنصّ منصف الوهايبي: تمثال السيّاب[25]، أو نصّ لآدم فتحي مقتطع من كتابه الشعريّ “نافخ الزّجاج الأعمى: أيامه وأعماله”[26]، فإنّ أغلب النّصوص لشعراء كلاسيكيين كمصطفى عزوز وأحمد اللّغماني، ونور الدّين صمّود (1932-2022)[27] ومحي الدّين خريف(1932-2011)[28] وجعفر ماجد. وفي المقابل تغيب نصوص صالح القرمادي (1933-1982)[29] ومنصف الوهايبي ومنور صمادح (1931-1998)[30] ومحـمد الصّغير أولاد أحمد (1955-2016)[31] وشعراء الطّليعة وغيرهم.
وإذا كان غياب شعر شعراء كصالح القرمادي وجماعة الطّليعة وأولاد أحمد متوقّعا من وجهة نظر السّلطة السياسيّة والبيداغوجيّة، لكونه شعرَ انتهاكٍ يخلخل الأساسات ويهزأ بالثوابت بناءً ولغة ورؤيةً وقضايا، فإنّ غياب نصوص شعراء كالوهايبي ومحمّد الغزّي (1949- )[32] يبدو مثيرا للحيرة لكون مدوّنتهم لا تجافي خصوصيّات المؤسّسة التّعليميّة التّربويّة والجماليّة، ولا تحمل مواقف صريحة من السّلطة. فهل يعني ذلك حذر المدرسة من الحداثة الشّعريّة؟ وهل من صلة بين هذه الظّاهرة المحيّرة وفلسفة المدرسة التونسيّة وخيارتها وطبيعة القائمين على وضع المؤلّفات المدرسيّة؟
لا مناص من الإقرار، جوابا عن هذه الأسئلة، بوجاهة الفرضيّة الّتي تزعم تَرَدُّدَ المؤسّسة التربويّة التونسيّة تجاه شعر الحداثة عموما، وتدعمُ هذه الفرضيّةَ ندرةُ النّصوص الشّعريّة الحديثة بما فيها العربيّة في برامج التّعليم الثّانويّ. فهناك محور واحد مخصّص للشّعر الحديث (السّنة الثّالثة آدابا) يتناول نماذج من شعر آباء الحداثة الشعرية العربية كعبد الوهاب البيّاتي (1926-1999)[33] وبدر شاكر السّياب (1926-1964)[34] ومحمود درويش (1941-2008)[35] ونزار قبّاني (1923-1998)[36]، في حين يحظى الشّعر القديم بأكثر من محور ويتواتر بشكل ملحوظ في المستويات المختلفة، وينطبق ذلك أيضا على أشكال القصّ التراثيّ.
ويبدو أنّ موقف المدرسة التّونسيّة من الشّعر الحديث يعود إلى عدّة أسباب يمكن أن نركّز منها على عاملين رئيسيّين:
- وطأة التّقاليد وإكراهات المدرسة: فالمدرسة التّونسيّة وإن كانت مدرسة عصريّة أفادت من حركة الإصلاح والفكر التنويريّ التّونسيّ، لم تنجح في التّحرّر من سلطة التّقاليد. فقد كانت محكومة بخصائص حركة التّحديث التّونسيّة بوصفها حركة تتأرجح بين الحداثي والدّيني: أي بين حركة تنويريّة دافعت عنها النّخب وقَاَدَتْهَا، وبنية اجتماعية وثقافية معادية للحداثة عموما. ومن الطّبيعيّ أن يُلقي تَلَعْثُمُ المشروعِ التّنويريّ/ الحداثي التّونسيّ[37] بوطأته على المدرسة. فقد ظلّت متردّدة ولم تحسم موقفها من الحداثة ومن الحداثة الشّعريّة على وجه الخصوص. ومن الطّبيعيّ أن تتجاهل مدرسةٌ مثلُ هذه المدرسة المتلعثمة النّزعاتِ التّجديديّةَ/ التحديثيّةَ وخصوصا القُصووية منها، هذا ما يفسّر تجاهلها لأدونيس (1930- )[38]، ومحمّد الماغوط (1934-2006)[39] ومحمّد بنيس (1948- )[40] وسعدي يوسف (1934-2021)[41] (وهم من أعلام الحداثة الشّعريّة) في محور الشّعر الحديث في السّنة الثّالثة آدابا.
يضاف إلى ذلك دورانُ الخطاب التّربويّ، في الغالب، في فلك السّلطة السّياسيّة والثقافيّة، فالمدرسة بوصفها مؤسّسة من مؤسّسات الدّولة، تخضع إلى الاختيارات العامّة والسّياسات الّتي تنتهجها السّلطة. وإذا كانت عمليّة التّدريس كما يرى “بارت” (Barthes) لا تخلو مبدئيّا من كلّ سلطة، لكون السّلطة كامنة في كلّ خطاب[42]، فقد كان من قبيل المجازفة أن تتمرّد المدرسة على التّقاليد بشكل جذريّ.
- طبيعة القائمين على تأليف كُتب الأدب: فإلقاءُ نظرةٍ سريعة على مؤلّفي الكتب المدرسيّة في التّعليم الأساسيّ والثّانويّ، يكشف عن هيمنة المتفقّدين العامّين والمتفقّدين على لجان التّأليف، وهذا يعني سيطرة العقل التّكنوقراطي/ التّقني على التّأليف المدرسيّ، ومن الطبيعيّ أن يقود ذلك إلى أولويّة الاعتبارات البيداغوجيّة و “التّربويّة” على الاعتبارات الجماليّة والإبداعيّة. يضاف إلى ذلك أنّ القائمين على تأليف الكتب المدرسيّة ليسوا في الغالب من الممارسين للعمليّة التّدريسيّة، وعدد منهم (وخصوصا في التّعليم الابتدائيّ) يفتقرون إلى تكوين أصليٍّ في مجال الأدب، فكثير منهم تلقّوا تكوينا بيداغوجيّا ولكنّهم لم يتلقّوا تكوينا علميّا في هذا المجال. ومن الطّبيعيّ في هذه الحالة أن يكون إلمامهم بالحركة الأدبيّة وبالشّعر محدودا، خصوصا إذا تعلّق الأمر بالاتّجاهات الحداثية والما- بعد حداثيّة. وبالتّوازي مع ذلك يتمّ تهميش دور المختصّين (من أساتذة مباشرين وأكادميين مختصّين في الآداب العربيّة) وتغييبهم جزئيّا أو كليّا عن نشاط تأليف الكتب المدرسيّة. وهكذا يتحوّل التّأليف المدرسيّ إلى عمليّة مغلقة مقصورة على “مجموعات” تقوم العلاقة بينها على نوع من “الزّبونيّة” البيداغوجيّة. وإذا أضفنا إلى ذلك عدم انفتاح المدرسة التّونسيّة على السّاحة الإبداعيّة والشّعريّة، اكتملت عناصر مشهد لا يتيح لواضعي الكتب المدرسيّة مجالا واسعا لاختيار نصوص تجمع بين الجودة والحداثة. ولذلك يلجئون في الغالب إلى القديم فيرجّحون كفّة النّصوص الكلاسيكيّة أو النّصوص “الحديثة” الّتي تحقّق الأهداف المرجوّة من المحاور، ولو كان ذلك على حساب جماليّة النّصوص وحظّها من الإبداع. ولا شكّ في أنّ ذلك يعدّ لونا من ألوان تهميش الشّعر التّونسي الحديث يلقي به خارج أسوار المدرسة، ويحوّله إلى جنس هامشيّ في الأدب التّونسيّ الحديث، وبذلك يلفّ النّسيان عددا لا يستهان به من الشّعراء التّونسيّين ليجدوا أنفسهم خارج ذاكرة أجيال من الأطفال والمراهقين وطالبي العلم.
4- جناية النّقد:
هل يمكن فصل موقف المدرسة التّونسيّة من الشّعر التّونسيّ عن مواقف النقّاد والباحثين التونسيين في الأدب والفنون من الشّعر الحديث وبالشّعر التّونسيّ على وجه الخصوص؟
تقتضي الإجابة عن هذا السّؤال البحث في علاقة المدرسة بالنّقد الأدبيّ. فإذا كان النّقد في أبسط تعريفاته وسيطا بين منتج النصّ الأدبيّ ومتلقّيه/ قارئه، لكونه لا يكتفي بوظيفة معالجة النّصوص الأدبيّة وتحليلها وتأويلها، بل يتجاوز ذلك، إلى تبليغ القيم الأدبيّة والجماليّة، من خلال تقييم الآثار الأدبيّة والتّعريف بالجديد منها. وهو من هذه النّاحية طرفٌ رئيس في النّجاح الماديّ والرّمزيّ للأعمال الأدبيّة، ونيل الاعتراف بالمبدعين والكتّاب مؤسّساتيّا، خصوصا إذا كان النّاقد أكاديميّا أو عضوا في لجنة من لجان الجوائز الأدبيّة[43]. والنّقد من وجهة نظر الفهم المعياريّ في التّعامل مع الأدب، مؤسّسةٌ معياريّة تصنّف النّصوص وتقيّمُها وتميّزُ بينها من حيث القيمة الجماليّة والمعرفيّة والفنيّة، وهو بذلك يُعَدُّ فنّ الحكم في الآثار الأدبيّة[44].
وإذا كان النّقد الأدبيّ مؤسّسة معياريّة تحكم في النّصوص وتقوم وسيطا بين منتج النّصوص الأدبيّة ومتذوّقيها، فلا يمكن أن تجد النّصوص سبيلها إلى التّداول الثقافيّ والإبداعيّ، وولوج مؤسّسات المجتمع، إذا تخلّى النّقد عن الوظيفة المنوطة بعهدته. ولا مراء، متى تعلّق الأمر بالمدرسة، وبالبرامج التّعليميّة، في أنّ فُرَصَ دخول الأدب إلى مجال التّداول، وتحوّله إلى درس، تكون محدودة، لكون علاقة المدرسة بالأدب معقّدة وشائكة أحيانا. فليس بمستطاع البرامج التّعليميّة والقائمين عليها اختراق الوعي الجماليّ السائد أو الخروج عن المعايير الفنيّة الرّاسخة، ولذلك يميل واضعو المؤلّفات المدرسيّة إلى النّصوص الكلاسيكيّة أي تلك الّتي نالت اعتراف “المؤسّسة” النّقديّة، ولكنّ الحاجة إلى المدرسة حيويّة بل وجوديّة بالنّسبة إلى الإبداع والأدب عموما. فالأدب كما يرى “بارت” هو ما يُدَرَّسُ وكَفَى. إنّه مَوْضُوعُ تَدْرِيسٍ. وهو لذلك ذكرى طفولةٍ[45]. وغياب الشّعر التّونسيّ عن المدرسة، إذا ما استندنا إلى هذا التّعريف، يعني ببساطة غيابه عن الذّاكرة الجماعية، وهي ذاكرة تتشكّل في الطّفولة كما يؤكّد صاحب “النّقد والحقيقة”.
وإذا ما استثنينا بعض نصوص الشّابي الّتي رسخت في التّداول المدرسيّ فإنّنا لا نجد نصوصا شعريّة تونسيّة حديثة تهجع في الذّاكرة الجماعية. وتنوب عنها في الغالب نصوصٌ مشرقيّة أو تراثيّة، وهو ما يرسّخ سلطة التّقاليد ويسهم في تعثّر مسارات التّحديث في المجتمع، ويحكم على الحركة الشّعريّة الحديثة بالانكفاء والتّراجع.
ويمكن، إذا وضعنا في الحسبان هذا الدّور الخَطِرَ الّذي يضطلع به النّقد، أن نعيد جانبا من تجاهل المدرسة التّونسيّة للشّعر التونسيّ إلى تراخي مؤسّسة النّقد في العناية بالمدوّنة الشعريّة التّونسيّة الحديثة. ويبدو ذلك جليّا خاصّة مع الجيل المؤسّس للنّقد الأدبيّ في تونس وفي مقدّمته النّقد الجامعيّ، فهو لم يَعْتَنِ بالشّعر التوّنسيّ قدر عنايته بالشّعر القديم أو بالشّعر العربيّ الحديث، أو بالأجناس والأنواع السرديّة قديمها وحديثها. وإذا كان من باب الإنصاف الإشادةُ بالدّور الّذي لعبته بعض المجلاّت الثقافيّة كمجلّة “الفكر”[46] و“قَصص”[47] و“الحياة الثقافيّة”[48] في التّعريف بالأدب التونسيّ الحديث، والتّنبيهُ على المجهود الّذي بذله بعض الدّارسين في دراسة أجناسه المختلفة، فإنّ الجانب الأوفر من ذلك المجهود توجّه نحو القصّة والرّواية، ولم يسلم النّقد الجامعيّ من الظّاهرة نفسها. ويعود ذلك التّجاهل في رأينا إلى تفسيرات كثيرة من أهمّها وقوع النقّاد في فخّ التّمركز المشرقيّ نتيجة هيمنة الأدب المشرقيّ، وخصوصا المصريّ منه، على الحياة الأدبيّة والنقديّة والأكاديميّة، والاتّجاه إلى العناية بالنّصوص التراثيّة على حساب النّصوص الحديثة نتيجة هيمنة المنهج “الفيلولوجي”[49] الّذي يهتمّ بدراسة النّصوص القديمة وتحقيقها في مرحلة أولى، ثمّ انتشار الدّراسات البنيويّة، وهي دراسات وجّهت عنايتها في الغالب إلى النّصوص السّرديّة، لشيوع مقولاتها ويسر تطبيقها على النّصوص الحديثة والتّراثيّة معا.
إنّه لمن المستغرب حقّا أن تغضّ المؤسّسة الأكاديميّة الطّرف على تجربة شعريّة كتجربة “محمّد الصّغير أولاد أحمد” على سبيل المثال، وألاّ تعيرها أدنى اهتمام، حتّى أن المرحوم ناصب تلك المؤسّسة العداء، وسخر من توجّهاتها المحافظة ونزعتها “الأصوليّة” وخطابها النّقديّ/ التّقنيّ، ومدرسيّتها المفرطة، وتهميشها للشّعر والشّعراء[50]. ولم تجد تجربة الطّليعة كذلك اهتماما من النّقد الأكاديمي رغم أهميّتها في خريطة الشّعر التونسيّ الحديث، ولولا دور بعض أعلامها كالطّاهر الهمّامي، ومحمّد الصّالح بن عمر[51] خصوصا لظلّت طيّ النّسيان.
5- دور السّلطة: تهميش الشّاعر في “المدينة”:
مثّل الشّعر دوما مصدر قلق بالنّسبة إلى السّلطة، ولذلك كانت علاقة السّلطان بالشّعراء معقّدة وملتبسة، فقد كانت حاجته إلى الشّعر وجوديّة وخصوصا في فترات الصّراع السياسيّ، ولكنّ الشّعراء مثّلوا مع ذلك مصدر إزعاج للسّلطة في العديد من الأحيان ، نظرا إلى امتلاكهم القدرة على اللّعب بالكلام ومهارتهم في الإيقاع بجمهورهم في لعبة الغواية والافتتان الّتي يقوم عليها الشّعر، ولكونهم يشكّلون خطرا على الأسس الإيديولوجيّة للسّلطة ومرتكزاتها الدّينيّة والأخلاقيّة والسّياسيّة. وتراثنا العربيّ وحَاضِرُنَا يَشْهَدَان على ما لاقاه الشّعراء قديما وحديثا من عنف رمزي ومادّي بلغ حدّ الاغتيال والسّجن.
وفي تونس كان موقف سلطة الاستقلال من الشّعراء حذرا دوما، فقد سعت إلى مُصانعة الشّعراء وجَعْلِ بعضهم ينضوون تحت لوائها ويدخلون “بيت الطّاعة الشّعريّ” متذرّعين في الغالب بنزعتهم الوطنيّة وبنشوة التحرّر من المستعمر (وينطبق ذلك خصوصا على جيل الاستقلال)، ويعدّ أحمد اللّغمانيّ خير ممثّل لهذه الفئة[52]، ويعتبره بعض المختصّين أكثر الشّعراء إجادة في تمجيد السّلطة وزعيمها الحبيب بورقيبة[53]. ولم تتوقّف عن سعيها إلى تدجين شعر الشابّي ومحاولة احتوائه وإدراجه ضمن دائرة السّلطة، بالتّركيز على ما عُدَّ شعرا وطنيّا أو سياسيّا، متجنيّة بذلك على الشّعر والشّاعر، فاستباحت الشّعر بإفقار منجزه الفنيّ ونهبت الشّاعر بإلحاقه بغيره (السّياسيّ هنا)[54]، ولم يكن ذلك حبّا في الشابّي أو إيمانا بشاعريّته بقدر ما كان شكلا من أشكال التّوظيف الإيديولوجيّ لنصّ يمتلك قيمة رمزيّة وجمالية كالّتي يمتلكها نصّ الشابّي. ولكنّها في المقابل لم تتسامح مع خصومها من الشّعراء، وتجاهلت مَن لم يَسِرْ في ركابها جزئيّا أو كليّا. ولا غرابة أن يتباهي الزّعيم بورقيبة بمعرفته للشّعر الفرنسيّ، وأن يتجاهل عددا من الشّعراء التونسيّين الّذين ناكفوه أو ناصبوه العداء أو اختلفوا معه، وإن كانوا من رفاق الأمس مثل منوّر صمادح، بل إنّه وجدَ في الشّعر الشّعبيّ، البديل عن الشّعر التونسيّ الحديث الفصيح “العاقّ” والمتمرّد، فكان وراء تصدّره المشهد الثقافيّ والإعلاميّ بتشجيعه العكاظيّات الشّعريّة حتّى باتت ملمحا من ملامح الحياة الثقافيّة والإعلاميّة والسياسيّة الرّسميّة، وانسحب بذلك الشّعر الفصيح إلى هامش الحياة الثقافيّة ليحلّ محلّة الشّعر الشّعبيّ.
ولم يكن شأن الرّئيس زين العابدين بن علي مختلفا عن شأن سلفه في التّعامل مع الشّعراء، ومثلما عانى منوّر صمادح في عهد بورقيبة التتبّعات الأمنيّة والملاحقة، وعاش الفقر والتّهميش والنّفي الطّوعيّ، وآل به الأمر إلى المرض النّفسيّ، عانى “أولاد أحمد” من السّجن والملاحقة والمنع في زمن بورقيبة والأنظمة المتلاحقة. وإذا أغلقت الأبواب أمام نصوص “المعارضة الشّعريّة” في عهد الأوّل[55] فإن الرّقابة والمنع بلغا الذروة في عهد الثّاني، وجاء الإسلاميّون فأسبغوا على كلّ ذلك غطاء دينيّا بات معه المقدّس أداة إيديولوجيّة للتّخلّص من “المدنّس الشّعريّ” الّذي يرهق كاهل رجل الدّين المتحفّز للسّلطة[56].
ولا شكّ في أنّ هذا العرض الموجز لعلاقة السّلطة بالشّاعر التّونسيّ وبالشّعر الحديث يضيء لنا جانبا من الإشكاليّة الّتي نتعرّض لها بالبحث في هذا العمل، فالمتأمّل في النّصوص الواردة في الكتب المدرسيّة التّونسيّة يمكن أن يصنّفها إلى ثلاثة أنواع:
- نصوص للشّاعر أبي القاسم الشّابّي وهي متواترة نسبيّا في أغلب المستويات، وترتفع نسبة تواترها في برامج التّعليم الثّانويّ. وجانب كبير منها يدخل في باب الشّعر الوطنيّ، والتوظيف الإيديولوجيّ غالب عليها.
- نصوص أكثر توترا وهي إمّا لشعراء كلاسيكيين كمصطفى عزوز أو شعراء كلاسيكيين ممالئين للسّلطة كأحمد اللّغمانيّ، وبعضها الآخر لشعراء لم يبدوا معارضة للسّلطة كجعفر ماجد أو محي الدّين خريف وغيرهما.
- نصوص قليلة جدّا لشعراء ينتمون إلى الحداثة الشّعريّة ولا تعبّر عن مواقف سياسيّة ولا تتجاوز عدد أصابع اليد، منها نص للوهايبي وآخر لآدم فتحي وثالث لمحمّد الغزّي.
أمّا الشّعراء الّذين عبّروا عن مواقف صريحة من السّلطة فلا نجد لهم حضورا في برامج التّعليم الابتدائيّ والثّانويّ، ومنهم صالح القرمادي وأولاد أحمد وشعراء الطّليعة وغيرهم كثير.
6- خاتمة:
حاولنا في هذا البحث الإجابة عن سؤال طالما خامر أذهان قطاعات واسعة من المهتمّين بقضايا الشّعر التونسيّ والمدرسة التونسيّة معا، وهو: لماذا كان الاهتمام بالشّعر التونسيّ محتشما في المتون المدرسيّة وخصوصا في المرحلتين الأساسيّة والثّانويّة؟ وقد عَرَضْنا، في سياق تلك الإجابة، مجموعة من الفرضيّات/ الإمكانات الّتي يمكن أن تعين الباحثين على فهم تلك الظّاهرة واستجلاء أسبابها وعللها، على نحو يمكن أن يعين القائمين على إصلاح المدرسة التّونسيّة على معالجة الخلل وتدارك الخطّأ (إذا كان ذلك متيسّرا).
ومن تلك الفرضيّات ما يتعلّق بوضع المدرسة نفسها والخيارات المعتمدة فيها، وبطبيعة القائمين على تنفيذها، ومنها ما هو متعلّق بمسؤوليّة المؤسّسة النّقديّة وعلى رأسها المؤسّسة الأكاديميّة، ومنها كذلك ما يتّصل بمسؤوليّة السُّلط المتعاقبة في غمط شعراء الحداثة التّونسيّة حقّهم، وتجاهل دورهم في المجتمع وصقل الأذهان بحرمانهم من حقّهم المشروع في “لعبة الذّاكرة”.
على أنّ هذه الفرضيّات وغيرها لا تمنع الباحث من التّنبيه على أنّ وضع الشّعر التّونسيّ الحديث وخصوصا التّجريبيّ منه، في المنظومة التّربويّة، عنوان من عناوين أزمته، ودليل على حدوده مشروعا جماليّا ورؤية وأشكالا فنيّة، فهو إذ سعي إلى تجاوز الموروث الشّعريّ، بما فيه منجزات حداثة خمسينيّات وستّينيات القرن المنصرم، كشف في الغالب عن نوع من العجز في بناء الجديد، فبقي أسير الإشكاليات المتعلّقة بالموقف من الوزن والتّفعيلة، ولغة الشّعر (الفصحى/ العاميّة/ اللغة الثّالثة)، غافلا بذلك عن تطوّر مفهوم الإيقاع، ومتجاهلا الجوانب الأهمّ في الشّعر كالصّورة الشّعريّة وتشكيل المعنى[57]. ولعلّ تردّد المدرسة في احتضانه راجع في جانب منه إلى تلعثم مشروع الحداثة الشّعريّة ومحدوديته. وقد يحتاج ذلك نظرا وتحقيقا.
المصادر والمراجع:
المصادر:
- بلعيد (محرز) (وآخرون)، عالم القراءة: كتاب النّصوص لتلامذة السنة السّادسة من التّعليم الأساسيّ، م. و. ب، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة (د ت).
- بلعيد )محرز( (وآخرون)، عالم الكتابة: كتاب التّمارين لتلامذة السنة السّادسة من التّعليم الأساسيّ، م. و. ب، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة (د ت).
- زروان (ناجية) (وآخرون)، كتاب العربيّة لتلاميذ السنة الرّابعة من التعليم الثّانويّ: شعبة الرّياضة، المركز الوطني البيداغوجيّ، وزارة التّربية، الجمهوريّة التونسيّة (د ت).
- الزّايدي (زهير) (وآخرون)، مسالك القراءة: كتاب النّصوص لتلامذة السنة الخامسة من التّعليم الأساسيّ، م. و. ب، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة (د ت).
- الزّايدي (زهير) (وآخرون)، مسالك الكتابة: كتاب التّمارين لتلامذة السنة الخامسة من التّعليم الأساسيّ، م. و. ب، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة (د ت).
- ابن صالح (إبراهيم) (وآخرون)، آفاق أدبيّة لتلاميذ السنة الأولى من التّعليم الثّانويّ، المركز الوطني البيداغوجيّ، وزارة التّربية، الجمهوريّة التونسيّة (د ت).
- ابن عمران (الصّادق) (وآخرون)، كتاب النّصوص لتلاميذ السّنة الثّالثة من التّعليم الثّانويّ آداب (كذا)، المركز الوطني البيداغوجيّ، وزارة التّربية، الجمهوريّة التونسيّة (د ت).
المراجع:
- أولاد أحمد (محمّد الصّغير)، كتاب التّوانسة (كذا)، الدّار العربيّة للكتاب، تونس (د ت).
- بارط (رولان)، تأمّلات في كتاب مدرسيّ، ضمن: درس السّيميولوجيا، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، تقديم عبد الفتّاح كيليطو، ط2، دار توبقال للنّشر، الدّار البيضاء- المغرب1986.
- تومريل (فابريس)، النقد الأدبيّ، تعريب الهادي الجطلاوي، ط1، دار التنوير للطباعة والنّشر، تونس- لبنان- مصر 2017.
- الجعيديّ (محمّد العفيف)، حضور السياسيّ في المعطى التّربويّ: التّعليم الدّينيّ بتونس نموذجا، صحيفة المفكّرة القانونيّة، تونس، ع18، جوان 2020، ص 6-7.
- الحامّي (نائلة)، منوّر صمادح شاعر الحريّة الّذي ظلمته دولة الاستقلال، موقع ultra تونس (UT)، 24 ديسمبر 2018.
- ابن عمر (محمّد الصّالح)، اتّجاهات القصّة الطلائعيّة في تونس (1968-1972)، دار إشراق للنّشر، سلسلة دراساتي، تونس 2008.
- العمري (علي)، داعش الّتي تنام بيننا: الإسلاميون والأصوليّة وأفق التّنوير: مقالات في تفكيك الإسلام السياسيّ، ط1، دار آفاق- برسبيكتيف للنّشر، تونس 2021.
- الكيلاني (مصطفي)، مرايا العتمة: قصيدة النّثر ومستقبل الشّعر العربيّ، ط1، دار نقوش عربيّة، تونس 2009
- مجموعة من الباحثين (إعداد)، تاريخ الأدب التّونسيّ، المجمع التّونسيّ للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، تونس 1993.
- الهمّامي (الطّاهر)، تجربتي الشّعرية(1): بيانات وتقييمات (2004-1969)، ط1، مطبعة فنّ الطّباعة، تونس 2004.
- الهمّامي (الطّاهر)، حفيف الكتابة فحيح القراءة: قضايا ونصوص تونسية، ط1 ، مطبعة فنّ الطباعة، تونس 2006.
- اليوسفي (محمّد لطفي)، الشابّي منشقّا: الكتابة بالذّات بجراحاتها، سراس للنشر، تونس 1996.
- Barthes (Roland), Leçon : leçon inaugurale de la chaire de sémiologie littéraire du Collège de France prononcée le 7 Janvier 1977, éditions du Seuil, coll. Points, 1978.
[1]– بارت (رولان): فيلسوف وناقد أدبي وسيميائي فرنسي، عمل مدير دراسات في مدرسة الدّراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة، وشغل كرسيّ السيميولوجيا الأدبيّة في معهد باريس (Collège de France )، ويعتبر أحد أهمّ أعلام السيميولوجيا اللّسانيّة، ومرحلة ما بعد البنيويّة في فرنسا. له مؤلّفات عديدة في النّقد الأدبيّ وسيميولوجيا الأدب والسّينما وفنّ التّصوير الشّمسيّ، واهتم كذلك بالمسرح والأساطير وغيرهما.
[2]– راجع قوله في: Roland Barthes, Leçon :leçon inaugurale de la chaire de sémiologie littéraire du Collège de France prononcée le 7 Janvier 1977 ,éditions du Seuil, coll. Points, 1978, p10. ، وانظر كذلك: تأمّلات في كتاب مدرسيّ، ضمن: رولان بارط، درس السّيميولوجيا، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، تقديم عبد الفتّاح كيليطو، ط2، دار توبقال للنّشر، الدّار البيضاء- المغرب1986، ص10.
[3]– نحن نشير هنا خصوصا إلى تجربة “الطّليعة” (انظر الهامش عدد 20) الّتي ظهرت في نهاية ستينيات القرن المنصرم، وتميّزت خصوصا بنزعتها التّجريبيّة، وثورتها على المقاييس الإيقاعيّة التّقليديّة عبّر عنها سيرها في طريق “غير العموديّ والحرّ”، وخروجها عن التّقاليد الشّعريّة عموما، وانفتاحها على لغة جديدة مستمدّة من المعيش واليوميّ، ولا تجد حرجا في استخدام اللّفظ العاميّ بالتجاور مع الفصيح والتّفاعل معه، فضلا عن دورانها، من النّاحية الدّلالية، على عوالم جديدة تتّصل بالهامشيّ والمغمور والمنسيّ والمتروك، إلى جانب تفاصيل الحياة اليوميّة. اظر تفصيلا لكلّ ذلك في: الطّاهر الهمّامي، حفيف الكتابة فحيح القراءة: قضايا ونصوص تونسية، ط1 ، مطبعة فنّ الطباعة، تونس 2006، ص ص 15-17.
[4]– زهير الزّايدي (وآخرون)، مسالك القراءة: كتاب النّصوص لتلامذة السنة الخامسة من التّعليم الأساسيّ، م. و. ب، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة (د ت).
[5]– هي على التّوالي: “نصيحة أب” لمصطفى عزوز، المصدر السابق، ص36، و“العنزة وابنها” لنفس الشّاعر، ص57 من المصدر نفسه، و“زهرة اللّوز” لأحمد اللّغماني، ن.م، ص99. أمّا النّصوص المتبقّية فهي لشعراء مشارقة كأحمد شوقي وإيليا أبي ماضي ومعروف الرّصافي.
[6]– زهير الزّايدي (وآخرون)، مسالك الكتابة: كتاب التّمارين لتلامذة السنة الخامسة من التّعليم الأساسيّ، م. و. ب، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة (د ت).
[7]– محرز بلعيد (وآخرون)، عالم القراءة: كتاب النّصوص لتلامذة السنة السّادسة من التّعليم الأساسيّ، م. و. ب، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة (د ت).
[8]– محمود غنيم: شاعر مصري يغلب على شعره الرّوح التّقليديّ في الشّكل الشّعريّ كما في الموضوعات والمعاني. وانظر نصّه في المصدر السّابق ص157.
[9]– جون دي لا فونتان (Jean de la fontaine): شاعر فرنسي مشهور عاش في النّصف الثّاني من القرن السّابع عشر، ارتبط اسمه خصوصا بأمثولاته المعروفة: les fables. وانظر نصّيه في: مسالك القراءة: كتاب النّصوص لتلامذة السنة الخامسة من التّعليم الأساسيّ، م. س، ص9 و 108.
[10]– أحمد اللغمانيّ: شاعر تونسيّ عرف بشعره الاجتماعيّ والوطنيّ، ويميل في شعره إلى مراعاة التّقاليد الشّعريّة، وكان مقرّبا من السّلطة ومعجبا بشخصيّة الزّعيم التونسيّ الرّاحل الحبيب بورقيبة. انظر نصّه في المصدر السابق، ص48.
[11]– جعفر ماجد: شاعر وأكاديمي تونسيّ له أعمال شعريّة وعلميّة عديدة. وانظر نصّه في المصدر المذكور سابقا ص42.
[12]– مصطفى عزوز: شاعر تونس غلب على شعره البعد التّعليميّ والأخلاقيّ، وعرف بكتاباته الموجّهة للأطفال. وانظر نصّه في المصدر المذكور، ص191.
[13]– انظر: محرز بلعيد (وآخرون)، عالم الكتابة: كتاب التّمارين لتلامذة السنة السّادسة من التّعليم الأساسيّ، م. و. ب، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة (د ت)، ص188.
[14]– استثنينا النّصوص الشّعريّة القديمة وكذلك بعض النتف الشّعريّة الّتي لا تدخل في الموادّ المذكورة في الجدول، واكتفينا بكتب شرح النصّ في مادّة العربيّة دون غيرها.
[15]– إبراهيم بن صالح (وآخرون)، آفاق أدبيّة لتلاميذ السنة الأولى من التّعليم الثّانويّ، المركز الوطني البيداغوجيّ، وزارة التّربية، الجمهوريّة التونسيّة (د ت)، والنّصوص هي: يا ابن أمّي (ص 160) وإرادة الحياة (ص 165) وإلى طغاة العالم ( ص169) وتونس الجميلة ( ص173) وهي للشابّي، وفي عيد الجلاء عن بنزرت لأحمد اللّغمانيّ ( ص177-178) وأنا إنسان جديد لمحي الدّين خريف (ص182-183).
[16]– انظر تلك النّصوص في: عيون الأدب لتلاميذ السّنة الثانية من التّعليم الثّانويّ، المركز الوطني البيداغوجيّ، وزارة التّربية، الجمهوريّة التونسيّة (د ت)، ج2، الصفحات: 28 و45-46 و59-60 و70-71 و76-77 و86-87.
[17]– منصف الوهايبي : شاعر وروائي وأكاديمي تونسيّ، من أعلام الشّعر التونسيّ الحديث، وأحد رموز مدرسة القيروان الشّعريّة، تحصّل على جوائز كثيرة محليّة ووطنيّة ودوليّة.
[18]– انظر : الصّادق بن عمران (وآخرون)، كتاب النّصوص لتلاميذ السّنة الثّالثة من التّعليم الثّانويّ آداب (كذا!)، المركز الوطني البيداغوجيّ، وزارة التّربية، الجمهوريّة التونسيّة (د ت)، ص110، والنصّ يحمل عنوان “تمثال السيّاب”.
[19] – انظر : ناجية زروان (وآخرون)، كتاب العربيّة لتلاميذ السنة الرّابعة من التعليم الثّانويّ: شعبة الرّياضة، المركز الوطني البيداغوجيّ، وزارة التّربية، الجمهوريّة التونسيّة (د ت)، ص32-33، والنصّ لآدم فتحي من مجموعته: نافخ الزّجاج الأعمى أيامه وأعماله، دار الجمل 2013، ص60-63.
[20] – المقصود بالطّليعة الحركة الأدبية والنّقدية التّونسية الّتي ظهرت في أواخر ستينيات القرن الماضي، وعرفت ازدهارها بين سنتي 1968 و1972 ، من أبرز رموزها من الشّعراء الطاهر الهمّامي ومحـمد الحبيب الزناد وسمير العيادي وفضيلة الشابّي وصالح القرمادي ومحمّد المصمولي وغيرهم. آمنت هذه الحركة بالأدب التجريبيّ وثارت على المعايير الجمالية السائدة كالموازين التقليدية بشقيها “العمودي والحر”، واستعملت اللّغة اليومية في الكتابة، وغلب على أعمال أصحابها النّسغ الواقعيّ والاتّجاه إلى التّونسة …إلخ. راجع حول تلك المدرسة على سبيل المثال:
– الطّاهر الهمّامي، تجربتي الشّعرية (1): بيانات وتقييمات (2004-1969)، ط1، مطبعة فنّ الطّباعة، تونس 2004.
– الطّاهر الهمّامي، حفيف الكتابة فحيح القراءة: قضايا ونصوص تونسية، مرجع مذكور سابقا.
[21] – راجع حول ذلك : مجموعة من الباحثين (إعداد)، تاريخ الأدب التّونسيّ، المجمع التّونسيّ للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، تونس 1993، ص 185.
[22] – شاعر ومترجم وشاعر غنائي تونسيّ، له أعمال شعريّة وغنائيّة كثيرة. اشتهر كذلك بدوره في بروز فرقة البحث الموسيقيّ التونسيّة الملتزمة، وبالأغاني الكثيرة التي كتبها للطفي بوشناق الفنان التونسي المعروف.
[23]– لم يتردّد الزّعيم الحبيب بورقيبة (1903-2000) بعد الاستقلال مباشرة في إعلان نهاية التّعليم الدّينيّ فقال يوم 25 جوان 1958 إنّ التّعليم الدّينيّ رغم دوره في الحركة الوطنيّة «بقي متمسّكا بالماضي وانتهى زمانه. ولم يعد منسجما مع الحياة الحاضرة». راجع ذلك في: محمّد العفيف الجعيديّ، حضور السياسيّ في المعطى التّربويّ: التّعليم الدّينيّ بتونس نموذجا، صحيفة المفكّرة القانونيّة، تونس، ع18، جوان 2020، ص 7.
[24]– شكّل تراجع الهيمنة الإيديولوجيّة للحزب الاشتراكي الدّستوريّ في سبعينيات القرن الماضي في الأوساط الشبابيّة (التّلميذيّة والطلّابيّة) وانتشار الفكر اليساري في تلك الأوساط الشبابيّة، خصوصا بعد ثورة الطلّاب في فرنسا سنة 1968، حافزا لمراجعة السّلطة مواقفها من التّعليم الدّينيّ ولو بشكل جزئيّ فوظّفت مادّة التّربية الإسلاميّة ل«حماية الشّباب من الانجذاب للماركسيّة…وتكوين مواطن يكون لبنة نظيفة في هيكل مجتمعه الإسلاميّ الصّالح ويحافظ على الدّين كعنصر من كيان مجتمعه التّونسيّ». انظر المرجع السّابق، ص7. وقد ظهر ذلك التوجّه خصوصا في تخصيص محور في التّربية الإسلاميّة في السنة السّابعة ثانويّ «لدراسة إسلاميّة للاتّجاهات الإلحاديّة وردّها بالدّليل الشّرعيّ وبيان خطرها على المجتمع المسلم، وموقف الإسلام ممّن يتبنّاها» (نفس المرجع. ن ص). وباتت مادّة التّربية الإسلاميّة بذلك وسيلة للحدّ من تأثيرات موادّ أخرى في مقدّمتها الفلسفة على الشباب التّونسي المندفع نحو تجديد القيم والسلوكيات والأفكار.
[25]– انظر الهامش 17.
[26]– انظر الهامش 18.
[27]– نور الدين صمود: شاعر وجامعي تونسيّ عرف بدفاعه عن منظومة الوزن التّقليديّة وبمعاداته لقصيدة النّثر.
[28]– محي الدّين خريف: شاعر تونسيّ عرف بإنتاجه الغزير في الشعر والقصّة والدّراسات الأدبيّة.
[29]– صالح القرمادي: شاعر وأكاديمي وباحث في اللّسانيات، يعتبر من روّاد التّفكير اللسانيّ في تونس والعالم العربيّ، وهو إضافة إلى ذلك صاحب طريقة جديدة في الأدب والشّعر.
[30]– منوّر صمادح: شاعر تونسيّ مخضرم ومُجيد، عرف بمناصرته للحركة الوطنيّة وزعيمها الحبيب بورقيبة قبل الاستقلال، ثمّ بمعارضته له بعد ذلك، وقال فيه قصائد هجائيّة ممّا عرّضه لمضايقات تعرّض بعدها لأزمة نفسيّة دفعته إلى الهجرة إلى الجزائر. عانى المرض والتّجاهل وتدهور وضعه الاجتماعيّ إلى حين وفاته.
[31]– محمّد الصغير أولاد أحمد : شاعر وناثر تونسيّ، عرف بمعارضته للأنظمة المتعاقبة وبصراعه مع الإسلاميين، ولم يخرج شعره في الغالب عن مواقفه السياسيّة والاجتماعيّة.
[32]– محمّد الغزّي: شاعر وكاتب وناقد وأكاديميّ تونسي معروف بشعره ذي الصبغة الصوفية.
[33]– عبد الوهاب البياتي: شاعر عراقي يعدّ أحد أعمدة مدرسة الشعر العربي الجديد في العراق، ومن روّاد الشعر الحرّ إضافة إلى السيّاب ونازك الملائكة.
[34]– السيّاب: أحد أهمّ روّاد شعر التحديث في العراق والعالم العربيّ، عرف خصوصا بتوظيفه للرّموز والأساطير في شعره، من أشهر أعماله أنشودة المطر وشناشيل ابنة الجلبي وقيثارة الرّيح وغيرها.
[35]– محمود درويش: شاعر وناثر فلسطين، من أعلام شعر المقاومة الفلسطينيّة، ولكنّ شعره ذو أفق إنسانيّ وذاتي، من أهمّ شعراء الحداثة الشعريّة العربيّة.
[36]– نزار قبّاني: شاعر سوري، دار جانب كبير من شعره حول الحبّ والمرأة. يعتبر من أهمّ الشعراء العرب المعاصرين.
[37]– للتوسّع في ذلك يمكن العودة إلى: علي العمري، داعش الّتي تنام بيننا: الإسلاميون والأصوليّة وأفق التّنوير: مقالات في تفكيك الإسلام السياسيّ، ط1، دار آفاق- برسبيكتيف للنّشر، تونس 2021، ص97-101 وص107-112.
[38]– أدونيس (علي أحمد سعيد أسبر)، أحد أهمّ أعلام الحداثة الشّعريّة العربيّة، انضمّ إلى مجلّة شعر الّتي قادت معركة الجيل الجديد من الشعراء على أباء الحداثة الشعريّة. ويمكن عدّ أدونيس واحدا من أهمّ المفكّرين العرب في النّصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن 21، وله دور كبير في تطوير الدّراسات الشّعريّة.
[39]– محمّد الماغوط: شاعر وأديب سوريّ، من أشهر روّاد قصيدة النّثر. عرف بكتاباته السّاخرة وجرأته في النّقد الاجتماعيّ والسياسيّ.
[40]– محمّد بنيس: شاعر وباحث وأكاديميّ مغربيّ، من أهمّ أعلام الحداثة الشّعريّة العربيّة وأحد منظّريها الكبار إلى جانب أدونيس.
[41]– سعدي يوسف: شاعر عراقي يعتبر أحد أهمّ شعراء قصيدة النّثر العربيّة، وله أعمال في المسرح والتّرجمة.
[42]– Roland Barthes, Leçon, op. cit. p10.
– وانظر: بارت، درس السيميولوجيا،مرجع سابق، ص10-11.
[43]– راجع حول أهميّة النّقد ودوره في التعريف بالكتّاب: فابريس تومريل، النقد الأدبيّ، تعريب الهادي الجطلاوي، ط1، دار التنوير للطباعة والنّشر، تونس- لبنان- مصر 2017. ص 23 وما يليها.
[44]– نفس المرجع، ص25.
[45]– راجع قوله في: تأمّلات في كتاب مدرسيّ، ضمن: رولان بارط، درس السّيميولوجيا، م. س، ص71-72.
[46]– مجلّة الفكر: مجلة شهرية أدبية وفكرية تونسية صدر عددها الأول في أكتوبر 1955 وتوقفت عن الصدور عام 1986، أسّس هذه المجلة محـمد مزالي وساعده في مواصلة صدورها البشير بن سلامة، وكلاهما تقلد الوزارة في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة. وقد فتحت هذه المجلة صفحاتها أمام الأدباء والشعراء والمثقفين من مختلف المشارب الفكريّة. ورفعت في سبعينيّات القرن الماضي لواء الدّفاع عن العربيّة والتّعريب.
[47]– مجلّة قصص : هي مجلة تونسية تصدر كل ثلاثة أشهر عن نادي القصة النادي الثقافي أبو القاسم الشّابي الذي يوجد مقره بحي الوردية بتونس العاصمة. صدر العدد الأول منها في شهر سبتمبر 1966، ولم تنقطع عن الصّدور إلى يوم النّاس هذا.
[48]– الحياة الثقافية : من أهمّ المجلاّت الثقافية التونسيّة تصدر عن وزارة الثقافة التّونسيّة، يعود تأسيسها إلى محمود المسعدي وزير الثقافة سنة 1957، وكان لها دور كبير في التّعريف بالأدب التونسيّ وتطوير النّقد الأدبيّ، لعبت دورا مهمّا على جانب مجلّتي الفكر وقصص في إثراء السّاحة الأدبيّة والثقافيّة عموما.
[49]– المنهج الفيلولوجي أو الفيلولوجيا: من الكلمة الإغريقيّة القديمة: phĭlŏlŏgĭa، وهو منهج يهدف إلى دراسة لغة ما وآدابها باعتماد الوثائق المكتوبة، ويجمع بين النّقد الأدبيّ والتّاريخ واللّغويّات، ويهدف إلى التثبّت في أصول النّصوص من خلال تحقيقها ومقارنتها. وقد اعتمد من قبل المستشرقين ومن نحا نحوهم من العرب وغيرهم في تحقيق النّصوص الكلاسيكيّة.
[50]– انظر بعض تلك المواقف في: أولاد أحمد، كتاب التوانسة، الدّار العربيّة للكتاب، تونس (د ت)، ص 83 وما يليها.
[51]– خصّ الأوّل تجربة الطّليعة الأدبيّة بمجموعة من البحوث والدّراسات مركّزا على تجربته فيها، ونشر نصوصها وبياناتها في كتب ومقالات عديدة. انظر بعضها في الهامش عدد 18، بينما كتب الثّاني كتبا وفصولا حولها، نذكر من الكتب كتابه: محمّد الصّالح بن عمر، اتّجاهات القصّة الطلائعيّة في تونس (1968-1972)، دار إشراق للنّشر، سلسلة دراساتي، تونس 2008، ومن الفصول فصل مهمّ خصّ به شعر مدرسة الطّليعة في كتاب جماعيّ: راجع: مجموعة من الباحثين (إعداد)، تاريخ الأدب التّونسيّ، م. س، ص ص181-195.
ومن الدّراسات الهامّة الّتي اهتمّت بشعر الطّليعة: مصطفي الكيلاني، مرايا العتمة: قصيدة النّثر ومستقبل الشّعر العربيّ، ط1، دار نقوش عربيّة، تونس 2009، وخصوصا الفصل الأوّل من الباب الثّاني الّذي يحمل عنوان: القصيدة المضادّة وغير العموديّ والحرّ: بدايات التّجريب الشّعريّ في تونس، ص ص203-295.
[52]– تبلور بعد الاستقلال تيّار شعري كلاسيكيّ وكلاسيكيّ جديد، شكّل المنتمون إليه نوعا من الانتيليجنسيا الرّسميّة سيطرت على الساحة الشّعريّة في البلاد سيطرة كليّة حتّى نهاية الستينيات، وقد دارت أشعارهم حول محاور ثلاث رئيسيّة هي الحزب والدّين والوجدانيات، وكان جانب من شعر ذلك الاتّجاه في تمجيد نضال الحزب الدّستوريّ، ومدح قائده الزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة. راجع حول ذلك: مجموعة من الباحثين (إعداد)، تاريخ الأدب التّونسيّ، م. س، ص104-105.
[53]– المرجع نفسه، ص105.
[54]– راجع حول ذلك: محمّد لطفي اليوسفي، الشابّي منشقّا: الكتابة بالذّات بجراحاتها، سراس للنشر، تونس 1996، ص11.
[55]– هناك شواهد تدلّ على أنّ فترة صراعه مع بورقيبة شهدت محاصرة شعره وحذفه من برامج التّعليم الثّانويّ، فالصحفية التونسيّة نائلة الحامّي تنقل شهادات عن بعض أفراد عائلة منوّر صمادح تفيد بكون النّظام البورقيبي حذف نصوصا للشّاعر من برامج التّعليم الثّانويّ. راجع ذلك في: نائلة الحامّي، منوّر صمادح شاعر الحريّة الّذي ظلمته دولة الاستقلال، موقع ultra تونس (UT)، 24 ديسمبر 2018.
[56]– راجع حول ذلك: علي العمري، محنة الشّعر في زمن الشّرع، ضمن: داعش الّتي تنام بيننا: الإسلاميون والأصوليّة وأفق التّنوير: مقالات في تفكيك الإسلام السياسيّ، م. س، ص75-78.
[57]– راجع حول حدود شعر الحداثة التّونسيّ، وخصوصا تجرِبَتَيْ “في غير العموديّ والحرّ” و“قصيدة النّثر” التّونسيّة: مصطفي الكيلاني، مرايا العتمة: قصيدة النّثر ومستقبل الشّعر العربيّ، م. س، ص ص 201- 349.