عليّ بن أبي طالب في السّير السّنّيّة والشّيعيّة الحديثة

عليّ بن أبي طالب

ملخّص:

يقوم هذا العمل على البحث في الصّورة التي بنتها كتب السّير الحديثة السّنّيّة والشّيعيّة لعليّ بن أبي طالب(كرّم الله وجهه). وذلك ما يجعله عمل مقارنة أساسا. وهي مقارنة برأسين: بين صورة عليّ (كرّم الله وجهه) عند السّنّة والشّيعة من جهة، وبين الصّورة التي بنتها المصادر القديمة ومثيلاتها التي صاغتها الكتب الحديثة –عند الفرقتين- من أخرى. ويهدف المقال إلى تحديد نقاط الائتلاف والاختلاف بين الفرقتين ماضيا وحاضرا، مع التّبرير، وقد اخترنا مقاربة المتخيّل إطارا نظريّا لكلّ ذلك. 

Abstract:

     This work is based on researching the image of of ϲAlī ʙ. abī Ṭālib built by the modern Sunni and Shiite biographical books. that’s what makes it essentially a comparison work. It is a two-headed comparison: between the image of ϲAlī according to the Sunnis and Shiites on the one hand, and between the image built by ancient sources and the image formulated by modern books – according to the two sects – on the other hand. The article aims to identify the points of alliance and difference between the two groups, in the past and in the present, with justification, and we have chosen the imaginary approach as a theoretical framework for all of this.

Keywords:  image, ϲAlī ʙ. abī Ṭālib, biographical books, sects, imaginary.


1- المقدّمة:

يتأكّد للنّاظر في تاريخ الحضارات أنّ كلّ حضارة تحتفي برموزها، لا يقتصر ذلك على الحضارات الكبرى، فحتّى المجموعات الصّغيرة، كالقبائل مثلا، تضع تاريخا لها كثيرا ما يمتدّ إلى رجل واحد يُنسب إليه فضل التّأسيس. وحين يتعلّق الأمر بالدّين يتجلّى الأمر أكثر، فالأديان تُنسبُ إلى رجل تمكّن بفضل قدراته “الخارقة” وصبر الرّجال الذين صحبوه، من تأسيس الدّين الجديد الذي يجُبّ ما قبله -في الظّاهر على الأقلّ- بمنطق النّسخ شكلا من أشكال التّأويل، ويعلن نفسه دينا جديدا يقلب الموازين.

هذه هي الطّريق التي سلكها الدّين الإسلاميّ، فبعد الحركات التّوسّعيّة الكبرى التي انطلقت في عهد الرّسول وبلغت عهد بني العبّاس بدأت معالم الحضارة الجديدة تتّضح وصارت الحاجة ملحّة إلى كتابة تاريخها وتدوين علومها.

ولمّا كان الدّين أسّ هذه الحضارة، فإنّ هِمم المصنّفين انصرفت إلى جمع أخبار الرّسالة والرّسول ومساعديه، نقصد القرآن ومحمّدا ومَن صحبه وساعده في التّبليغ. وقد قاد ذلك إلى بناء صور عبّرت عن الحنين المزمن إلى اللّحظة التّأسيسيّة وإلى المؤسّسين. ونظرا إلى وقع تلك الصّور في القلوب، فإنّ التّصنيف في سير هؤلاء الرّجال لم ينقطع بعد قرابة ألف وخمسمائة عام. وقد اخترنا في هذا العمل النّظر في الصّورة التي بنتها المصنّفات الحديثة السّنّيّة والشّيعيّة لعليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) ومقارنتها بمثيلاتها من السّير القديمة.

إنّ اختيارنا سيرةَ عليّ (كرّم الله وجهه) يعود إلى ما يميّزه وذرّيتَه ومَن حولَه من الرّجال والنّساء عن غيرهم من أصحاب محمّد. فإذا كان عليّ (كرّم الله وجهه) وآله أهل فضل باتّفاق جلّ الفرق الإسلاميّة، فإنّ الأصحاب الآخرين، لاسيّما الخلفاء الثّلاثة الذين سبقوه، كانوا محلّ افتراق الفرق، فبعض الشّيعة كفّرهم، ومال السّنّة إلى الكفّ عمّا شجر بينهم فَتقديسهم. زد على ذلك أنّ عليّا (كرّم الله وجهه) عايش الدّعوة من لحظاتها الأولى وعمّر قرابة ثلاثين عاما بعد موت النّبيّ ، وهو ما يجعله شاهدا على الوحي من جهة، وعلى التّجارب السّياسيّة الثّلاث الأولى بعد النّبيّ.

يقوم عملنا على تبيّن الخطوط العريضة لصورتَيْ عليّ (كرّم الله وجهه) عند السّنّة والشّيعة في السّير الحديثة مع المقارنة بينهما من جهة، وبين ما ورد في كتب السّير السّنّيّة والشّيعيّة القديمة من أخرى[1]. وقد اخترنا المتخيّل (L’imaginaire)  خلفيّة نظريّة[2]. ومطلبنا تقليب النّظر في المؤتلف والمختلف في صورة عليّ (كرّم الله وجهه) بين الماضي والحاضر داخل الفرقة الواحدة من جهة وبين السّنّة والشّيعة من أخرى. ولمّا كانت الإحاطة بكلّ جوانب هذه الصّورة أمرا محالا في هذا العمل رأينا اختيار بعض مكوّناتها: الولادة من جهة والوصيّة والخوارق التي صحبت الموت من أخرى. وقد رأينا الجمع بين الموضوعين الأخيريْن لورودهما معا في المصادر.

2- في الولادة:   

بالنّظر في كتابَيْ خالد محمّد خالد[3] وعلي الصّلابي[4] لاحظنا أنّ موضوع ولادة عليّ (كرّم الله وجهه) موضوع هامشيّ، فالأوّل لم يخصّص له شيئا في الكتاب، أمّا الثّاني فقد جعل له –رغم حجم الكتاب الكبير- نصف صفحة أورد فيها خبرين خاليين من التّفاصيل يثبتان مولده في جوف الكعبة ولا يخصّانه بذلك: “وذكر الفاكهيّ أنّ عليّا (كرّم الله وجهه) أوّل من ولد من بني هاشم في جوف الكعبة، وأمّا الحاكم فقال: إنّ الأخبار تواترت أنّ عليّا (كرّم الله وجهه) ولد في جوف الكعبة”[5]

في مقابل هامشيّة موضوع الولادة في الكتابين السّنّيّين لاحظنا أنّ هذا الموضوع مركزيّ في السّير الشّيعيّة الحديثة عموما، فقد خصّص صاحب كتاب الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد خمس صفحات لولادة عليّ (كرّم الله وجهه) قدّم فيها أخبارا متنوّعة تبرز اختصاص عليّ (كرّم الله وجهه) بالولادة في الكعبة نقلها عن بعض المصادر الشّيعيّة كـ بحار الأنوار للمجلسيّ[6] وكتاب الأمالي للطّوسي[7]. كما خصّص محمّد أكبر حسين أربع صفحات للموضوع وسمها بـ “وليد الكعبة (قصّة الولادة والمولود)”[8] ويلاحظ النّاظر في الخبرين تركيزا على ما يلي:

– انشقاق جدار الكعبة لتدخل منه فاطمة، رغم أنّ للكعبة بابا يدخل الزّائرون منه، وقد اشتهر الأمر في مكّة حتّى تحدّث به النّاس[9].

– المقارنة بين عليّ (كرّم الله وجهه) والمسيح (عليه السلام) من جهة، وبين فاطمة بنت أسد ومريم وآسيا بنت عمران من أخرى، مع تأكيدِ تفضيل أمّ عليّ على “المختارات ممّن مضى قبلها”[10] آسيا بنت مزاحم ومريم بنت عمران[11]، وقياسِ كلام عليّ (كرّم الله وجهه) في المهد على كلام المسيح (عليه السلام)[12]، والحرصِ على تبرير ما يبدو في الخبر من التّناقض في القول بقراءة عليّ (كرّم الله وجهه) سورة “المؤمنون” قبل البعثة بالقول إنّ “القرآن أنزل إلى السّماء الدّنيا جملة واحدة ومن السّماء الدّنيا نزل تدريجيّا ومن هنا يستفاد أنّ القرآن كان موجودا في السّماء قبل نبوّة محمّد . فالطّفل الذي اختار له الله الكعبة مولدا وأنطق لسانه يوم ولادته لا مانع عند العقل أن يلهمه الله شيئا من كتابه المخلوق الموجود في السّماء”[13].

– إبراز القدرات الخارقة للمولود: جاء في كتاب القزوينيّ أنّ عليّا (كرّم الله وجهه) أُتيَ به إلى الرّسول قبل البعثة، “فلمّا رآه عليّ (كرّم الله وجهه) جعل يهشّ ويضحك كأنّه ابن سنة، من حيث المشاعر والإدراك”[14]، وبعد أن أعلم النّبيّ عليّا (كرّم الله وجهه) أنّه سيكون وزيره ووصيّه وناشر دينه، “سلّم عليّ (كرّم الله وجهه) على رسول الله ثمّ قرأ هذه الآيات: بسم الله الرّحمان الرّحيم. ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ إلى آخر الآيات. فقال رسول الله : قد أفلحوا بك. وقرأ تمام الآيات إلى قوله ﴿أُولَئِكَ هُمْ الوَارِثُونَ الذينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[15]. وأورد محمّد أكبر حسين خبرا طويلا فيه أنّ فاطمة قمّطت عليّا (كرّم الله وجهه) فبتر القماط، فكانت في كلّ مرّة تزيد قماطا وكان المولود يبتره حتّى بلغت ستّة أقمطة جعلتها من الدّيباج لصلابته وقماطا “من الأدم فتمطّى فيها فقطعها كلّها بإذن الله، ثمّ قال بعد ذلك: يا أمه لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص لربّي بأصبعي”[16].

– الرّبط بين الخوارق التي أتاها عليّ (كرّم الله وجهه) أو التي أحاطت بمولده وبين كونه خليفة النّبيّ ووصيّه: “فإذا أمكن أن يتكلّم عيسى (عليه السلام) في المهد صبيّا فما المانع أن يتكلّم عليّ (كرّم الله وجهه) وهو طفل فإذا كان عيسى (عليه السلام) نبيّا فعليّ  (كرّم الله وجهه)خليفة نبيّ ووصيّه وليس ذلك على الله بعزيز”[17].

– إثبات حضور النّبيّ لـ “مباركة” عليّ(كرّم الله وجهه)  مولودا وإعلان إمارته في النّاس والرّبط بين ذلك وبين عقائد الشّيعة الاثني عشريّة في الأئمّة، فبعد أن تلا عليّ (كرّم الله وجهه) سورة “المؤمنون”، قال النّبيّ: “أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون”[18]. وجاء في كتاب محمّد أكبر حسين أنّ النّبيّ “وضع […] لسانه في فيه فانفجرت منه اثنا عشرة عينا”[19].

– إثبات حضور أبي طالب -وبعض بني هاشم كحمزة- وسروره بالمولود الجديد الذي حيّاه بتحيّة الإسلام”: “فلمّا رآه أبو طالب سرّ وقال عليّ (كرّم الله وجهه): السّلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته”[20].  ولا يقتصر دور أبي طالب على مجرّد الحضور، بل إنّه علم أنّ المولود سيكون له شأن[21]، لذلك “أذّن[…] في النّاس آذانا جامعا وقال: هلمّوا إلى وليمة ابني عليّ […] ونحر ثلاثمائة [كذا] من الإبل وألف رأس من البقر والغنم، واتّخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر النّاس ألا من أراد من طعام عليّ ولدي فهلمّوا وطوفوا بالبيت سبعا سبعا، وادخلوا وسلّموا على ولدي عليّ، فإنّ الله شرّفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النّحر”[22]

ولا تكتفي الأخبار بذكر جوف الكعبة مكانا للولادة، بل جاء فيها أنّ الأمر تمّ “يوم الجمعة في الثّالث عشر من شهر رجب”[23].

إنّ الاختلافات بين ولادتَي عليّ (كرّم الله وجهه) في السّير السّنّيّة والسّير الشّيعيّة كبيرة، فهي موضوع هامشيّ في كتب السّنّة، ورد ذكره عاريا من التّفاصيل. على العكس من ذلك، رأينا اهتماما مخصوصا بالولادة في السّير الشّيعيّة تجلّى في أخبار غزتها التّفاصيل. وهي ليست مجرّد إضافات لوصف الحدث وإنّما لكلّ إضافة علاقة مباشرة بالعقائد الشّيعيّة وبالمعارك الكلاميّة التي دارت بين الشّيعة والسّنّة. لذلك ليس غريبا أن نلاحظ الفروق نفسها في السّير القديمة: لاحظنا أنّ جلّ المصادر السّنّيّة القديمة لا تتوسّع في ذكر ولادة عليّ (كرّم الله وجهه)، فكثير من المصنّفات لا تذكرها أصلا لاسيّما في القرن الثّالث زمن بداية تخصيص سير تخصّ الصّحابة بعد أن كانت سيرهم تُعرض في سياق عرض سيرة النّبيّ [24]. وقد نظرنا في ما أمكننا من الكتب السّنّيّة إلى حدود القرن السّادس فلم نجد غير خبر واحد في كتاب ابن المغازليّ[25]، رغم أنّ ما كَتَب السّنّة حول عليّ (كرّم الله وجهه) بعد القرن الرّابع فيه توسّع فيه فضائله[26]. وهو ما يفيد أنّ الولادة من المواضيع الخطيرة في الفكر الإسلاميّ لذلك يحذَر المصنّفون عند ذكرها.

تعتبر ولادة عليّ (كرّم الله وجهه) من أهمّ الفضائل الخلافيّة بين السّنّة والشّيعة[27]، ونؤكّد في هذا المضمار أنّ الخلافات في الفضائل ليست عفويّة، بل إنّها محسوبة بعناية، ذلك أنّ سيرة عليّ (كرّم الله وجهه)، وسير غيره، لم تكتب “وحدها”، وإنّما كتبت كلّ سيرة باستحضار السّير الأخرى في سياق صراع مرّكب بين الفرق الإسلاميّة يتراوح بين صناعة الأخبار والحرب. ولمّا كانت الولادة حدثا بارز الأهميّة في الثّقافة الإسلاميّة خصوصا وفي الثّقافة الإنسانيّة عموما، فإنّ المصنّفين القدامى من السّنّة كانوا حذرين في نسبة الولادة “المقدّسة” إلى الرّموز الإسلاميّة، على عكس الشّيعة الذين توسّعوا في وصفها.

غرست الأخبار ولادة عليّ (كرّم الله وجهه) في المقدّس، وذلك عبر تحديد مكانها وزمانها والشّهود عليها واستحضار النّبيّ لتحنيك المولود.

إنّ اختيار الكعبة مكانا لولادة عليّ (كرّم الله وجهه) مقصود لغرس الحدث في المقدّس ذلك أنّها في المتخيّل الإسلامي أقدس الأماكن على الأرض، وهي أوّل ما خلق، خلقها اللّه قبل “أن يخلق […] السّماوات والأرضين بأربعين سنة ومنها دحيت الأرض[28]، وقد خلق الله “موضع [..] البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة وإنّ قواعده لفي الأرض السّابعة”[29]، وهي “خير بلدة على وجه الأرض وأحبّها إلى الله”[30]، كما أنّها مقبرة الأنبياء، حولها ثلاثمائة من قبور الأنبياء كإسماعيل ونوح وهود وشعيب وصالح[31]، وليست العبادة  فيها كالعبادة في غيرها من بقاع الأرض، ذلك أنّ مَن حجّ إليها ولم يرفث ولم يفسق  “خرج من ذنوبه كيوم خلقته أمّه”[32]، وهي أرض الشّفاعة[33] مَن مات فيها يُبعث مِن الآمِنين[34].

ليست الأماكن في الفكر الدّينيّ والأسطوريّ متجانسة من حيث قيمتها، بل يُنظر إليها نظرة تراتبيّة، وذلك نموذج أصليّ (Archétype) حسب ميرسيا إلياد(Mireca Eliade) [35] الذي يرى في السّياق عينه أنّ فكرة البيت الذي يتمركز في وسط العالم لإسكان المقدّس استعادة لفكرة الجبل الكونيّ القديمة[36]، وهي فكرة فاشيَة في الجماعات البشريّة قديمها وحديثها، لذلك يظنّ أتباع كلّ ديانة أنّ معبدهم مركز الأرض[37].

ولا يقلّ زمان ولادة عليّ (كرّم الله وجهه) قدسيّة عن مكانها، فقد ورد في الأخبار التي سبق أن قدّمنا أنّه ولد يوم الجمعة، وهو أفضل الأيّام في المتخيّل الإسلاميّ، ذلك أنّه يوم خلق آدم ويوم إدخاله الجنّة ويوم قيام السّاعة. جاء في صحيح مسلم: “خير يوم طلعت عليه الشّمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنّة وفيه أخرج منها ولا تقوم السّاعة إلّا يوم الجمعة”[38].

إنّ الرّبط بين مكان ولادة عليّ (كرّم الله وجهه) وزمانها[39] يفضي إلى تبيّن دلالات تقديسيّة تأسيسيّة، فالمكان يمثّل مركز القداسة في الأرض، ويمثّل الزّمان منطلقا لأحداث كبرى في الوجود الإنسانيّ، وهو ما يفيد أن ولادة عليّ (كرّم الله وجهه) تبشّر بتأسيس فترة مقدّسة جديدة، وذلك ينسجم مع العقائد الشّيعيّة التي تعتبر أنّ الصّلة بين السّماء والإنسان لم تنته بموت النّبيّ وانقطاع الوحي، بل تواصلت، ذلك أنّ انغلاق دور النّبوّة متبوع بفتح دور الولاية الذي لن ينغلق إلّا بقيام القائم معلنا نهاية الدّنيا. وذلك ما يجعلنا نقدّر أنّ أخبار الولادة المقدّسة صيغت في سياق التّنظير للإمامة في القرن الثّالث. 

يعزّز الشّهود الذين حضروا الولادة عظمة الحدث وقدسيّته، فالنّبيّ محمّد يمثّل مركز الدّيانة الإسلاميّة، ورغم اختلاف الفرق الإسلاميّة في مسائل كثيرة فيها ما يخصّ الذّات الإلهيّة، فإنّ اختلافهم في النّبيّ يبقى محدودا مقارنة بالاختلافات الأخرى. زد على ذلك حضور مريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم، أمّ عيسى و “أمّ” موسى “الثّانية” عند المسلمين، والمعنى هنا مفهوم: إنّه المقارنة بين النّبوّة والولاية، والإعلان عن انغلاق زمن الأولى واستمرار الثّانية. ونشير في هذا المضمار إلى أنّ السّكوت عن ولادة عليّ (كرّم الله وجهه) في المصادر السّنّيّة لا يخلو من الجدال، ذلك أنّه شكل من أشكال نزع القداسة عنها، وهو ما يفيد أنّ الجدال لا يكون بذكر الفضائل وحدها، بل إنّ السّكوت بدوره يعبّر عن مواقف جداليّة.

يعتبر حضور أبي طالب في الخبر شكلا آخر من أشكال الجدل ذلك أنّ إيمانه من أهمّ المسائل الخلافيّة بين السّنّة والشّيعة[40]. يتبيّن هذا الأمر بالنّظر في الكتب السّنّيّة والشّيعيّة القديمة، فقد لاحظنا فيها النّزوع ذاته: تكفّر السّنّة أبا طالب دون أن تنفي فضله في كفالة الرّسول [41]، وتصرّ الشّيعة على إسلامه وتنفي إمكانيّة استمرار الرّسالة لولاه[42].

مهما يكن من أمر ولادة عليّ (كرّم الله وجهه) يجدر التّنبيه إلى أنّ للولادة أهميّة مخصوصة في السّير المشحونة بالمقدّس، وعادة ما تُسبق بالتّبشير عن طريق الرّؤى[43]. يرى توفيق فهد في هذا الصّدد أنّ رؤى البشارات تندرج ضمن ما يسمّيه “رؤى النّور”، كرؤى الصّعود إلى السّماء، ورؤى النّجوم، وهي تنتمي إلى ما يسمّيه “التّقليد القديم”[44]. وعادة ما تنبئ بولادة رجل عظيم أو مجيئه[45]. وبالنّظر في كتب التّراث الساميّ عموما والعربيّ خصوصا يتأكّد هذا الأمر، فأخبار الرّؤى التي تسبق الولادة كثيرة جدّا لا يحصيها عدّ، والأهمّ هو ورودها في مختلف الكتب التّراثيّة، كالتّوراة والأناجيل والقرآن والحديث وعلوم القرآن والتّفسير والفقه والبلدان والتّاريخ والطّبقات والأدب[46].   

استنادا إلى هذا التّحليل يمكن اعتبار أخبار الولادة المقدسّة إخبارا بما سيأتي في التّاريخ الإسلاميّ، فهي إذن إعلان عن مجئ الوصيّ، لكن ينبغي التّنبيه إلى أنّ هذا الإعلان جاء في شكل قراءة بعديّة للتّاريخ. وهي قراءة مذهبيّة تحديدا ترى أنّ الولادة المقدّسة تمثّل تحوّلا جذريّا في التّاريخ الإسلاميّ، إنّها ولادة الوصيّ الذي سيستمرّ من خلاله الوحي بعد موت النّبيّ ﷺ[47].

لا يقتصر التّوظيف المذهبيّ على الولادة فحسب، بل إنّ الفترة التي تمتدّ بين ضرب عليّ (كرّم الله وجهه) وموته من أكثر الفترات التي تمّ بناؤها من الفرقتين وتوظيفها في المعارك الكلاميّة. ونظرا إلى قصر الحيّز المخصّص لهذه الفترة رأينا التّركيز على الوصيّة التي نطق بها عليّ (كرّم الله وجهه) عند الفرقتين.  

3- في الوصيّة والخوارق التي صحبت الموت:

رغم تخصيص قسم في كلّ من كتابَي خالد محمّد خالد وعلي الصّلابي لمقتل عليّ (كرّم الله وجهه)، ورغم اختلاف المؤلّفين في كيفيّة الاغتيال[48]، فإنّ ما يلفت الانتباه فيهما هو اتّفاقهما في طبيعة الوصيّة التي صدرت عن عليّ (كرّم الله وجهه) وهو يحتضر. وهي وصيّة تبدو خالية من المضامين السّياسيّة، لكنّها ليست كذلك في الحقيقة.

تمّ التّركيز في الكتابين على ما نطق به عليّ (كرّم الله وجهه) في الفترة الممتدّة بين الضّربة وإسلام الرّوح. وقد لاحظنا فيهما تأكيدا ونفيا. يشمل التّأكيد المعاني الأخلاقيّة والدّينيّة في الوصيّة مهما يكن اختلاف الصّيغ التي وردت فيها: تمّ التّركيز في كتاب خالد محمّد خالد على دعوة عليّ (كرّم الله وجهه) إلى حفظ الصّلاة[49]، وإلى تجنّب الثّأر من ابن ملجم: “أحسنوا نزوله… وأكرموا مثواه. فإن أعش فأنا أولى بدمه قصاصا أو عفوا.. وإن أمت فالحقوه بي أخاصمه عند ربّ العالمين ولا تقتلوا بي سواه إنّ الله لا يحبّ المعتدين”[50]. زد على ذلك الدّعوة إلى الاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر[51]، مع التّأكيد أنّ أصحاب عليّ (كرّم الله وجهه) وفدوا عليه يسألونه أن يستخلف الحسن عليهم فأجاب: “لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر”[52]. وحين ألحّوا عليه وذكّروه بلقاء الله دون أن يستخلف عليهم أجابهم: “أقول له: تركتهم دون أن أستخلف عليهم. كما ترك رسولك المسلمين دون أن يستخلف عليهم”[53].

لا مراء في أنّ المساحة المخصّصة لمقتل عليّ (كرّم الله وجهه) أكبر في كتاب علي الصّلابي أكبر، لكن ذلك لا ينفي التقاء الكتابين التقاءً كاملا في التّركيز على البعدين الأخلاقي والتّعبّديّ في الوصيّة، وعلى وحدة الصّفّ[54]، فضلا عن الإلحاح على أنّ عليّا (كرّم الله وجهه) لم يستخلف أحدا، فبعد أن أورد علي الصّلابي الوصيّة، أثبت أنّ عليّا (كرّم الله وجهه) “لم ينطق إلّا (بلا إله إلّا الله) حتّى قبض”[55].

تختلف وصيّة عليّ (كرّم الله وجهه) قبيل موته في المصنّفات الشّيعيّة اختلافا جذريّا، ويمكن القول على وجه الإجمال إنّها نقيض الوصيّة الواردة في السّير السّنّيّة في جوانب جوهريّة. ويمكن بنظرة تأليفيّة حصر الاختلافات في ما يلي:

  • تأكيد حضور كلّ أبناء عليّ (كرّم الله وجهه) عوضا عن ذكر الحسن والحسين وابن الحنفيّة وزينب فحسب في جلّ الرّوايات السّنّيّة: “ثمّ نادى أبناءه كلّهم بأسمائهم واحدا بعد واحد وجعل يودّعهم وهم يبكون”[56].
  • تجريم خصوم عليّ (كرّم الله وجهه) والدّعاء عليهم بطلب من الرّسول في رؤيا لعليّ (كرّم الله وجهه) على خلاف السّير السّنّيّة التي يبدو فيها ميل إلى جمع الشّتات رغم الاعتراف بشناعة الجرم[57]: “يا بنيّ[عليّ (كرّم الله وجهه) يخاطب الحسن] إنّي رأيت جدّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منامي قبل هذه الكائنة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التّذلّل والأذى من هذه الأمّة فقال لي: ادع عليهم فقلت: اللّهمّ أبدلهم بي شرّا منّي وأبدلني خيرا منهم. فقال لي رسول الله: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث”[58].
  • التّمييز الواضح بين أبناء عليّ (كرّم الله وجهه) من فاطمة وبين بقيّة بنِيه: عليّ (كرّم الله وجهه) مخاطبا الحسن والحين ثم بقيّة بنيه: “يا أبا محمّد أوصيك ويا أبا عبد الله خيرا، فأنتما منّي وأنا منكما، ثمّ التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة عليها السّلام وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن والحسين”[59].
  • استحضار موت النّبيّﷺ في سياق الأخبار وتوريث الحسن فالحُسين فبقيّة الأئمّة عند الاثني عشريّة ما أورث النّبيّ ﷺ عليّا (كرّم الله وجهه) وشهود كلّ أولاد عليّ ذلك: “روى الصّدوق في الفقيه عن سليم بن قيس الهلاليّ قال: شهدت وصيّة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيّته الحسين عليه السّلام ومحمّد وجميع ولده ورؤساء أهل بيته وشيعته ثمّ دفع إليه الكتب والسّلاح”[60]. وجاء في بقيّة الخبر أنّه على كلّ إمام أن يدفع الكتب والسّلاح إلى من يخلفه[61].
  • تحذير الحسن والحسين من فتن ستأتي بعد موته: “[…] يا أبا محمّد ويا أبا عبد الله كأنّي بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ههنا وههنا فاصبرا حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين”[62].
  • لا تكتفي أخبار الموت بذكر ملابسات الاغتيال والوصيّة، بل توسّعت في ذكر “الطقوس” التي ينبغي أن تصحب دفن الإمام، وفي إبراز أثر موت عليّ (كرّم الله وجهه) في الكون: يقول خبر عن ابن الحنفيّة إنّ عليّا كلّف الحسن بأن يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ببقيّة حنوط جدّه محمّد النّبيّ ، ثمّ يضعه على سريره من دون يَشِيله أحد أو يتقدّم عليه، فإذا تحرّك مقدّم السّرير فإنّ على النّاس أن يَشِيلوا مؤخّره وأن يتبعوه حتّى يستقرّ مقدَّمه، فذلك موضع الدّفن. ولا يحلّ حينها لغير الحسن والقائم الذي سيأتي آخر الزّمان ليقيّم اعوجاج الحقّ أن يتقدّم للصّلاة عليه ثمّ يكبّر سبعا. فإذا أتمّ الحسن الصّلاة فإنّ عليه أن ينحّي السّرير عن موضعه وأن يكشف التّراب عنه ليجد قبرا محفورا ولحدا مثقوبا وساجة منقوبة يُضجع عليّا (كرّم الله وجهه) فيها، فإذا أتمّ كلّ ذلك وأراد الخروج فعليه أن يتفقّده وحينها سيدرك أنّه التحق بقبر النّبيّ ﷺ لأنّ الله يجمع بين النّبيّ والوصيّ وإن دفنا مفترقين، ثمّ يعاد كلاهما إلى قبره. وفي الختام يأمر عليّ الحسن: “اشرج اللّبن وأهل عليّ التّراب ثمّ غيّب قبري”[63]. وجاء في كتاب القزوينيّ كذلك أنّ يوم موت عليّ كيوم موت الرّسول، فقد سمع النّاس أصواتا وتسبيحا في الهواء، ولمّا كان الحسن يغسّل الإمام لم يكن يقلّبه، بل تكفّلت الملائكة بذلك، أمّا السّرير الذي ارتفع مقدَّمه ولا يُرى حامله، فقد رفعه جبريل وميكائيل، “فما مرّ بشيء على وجه الأرض إلّا انحنى له”[64]. وحين وصل السّرير إلى الموضع الموعود وُضع مقدّمه، وكشف الحسن التّراب فإذا هو “بقبر مقبور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها: هذا ما ادّخره نوح النّبيّ للعبد الصّالح الطّاهر بن المطهّر”[65]. ولمّا أراد النّاس إنزال عليّ (كرّم الله وجهه) في الحفرة، “سمعوا هاتفا يقول: أنزلوه إلى التّربة الطّاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب، فدهش النّاس من سماع الهتاف، وانتهى الدّفن قبل الفجر، وأخفوا قبره كما أوصى به، لأنّه عليه السّلام كان يعلم من عداوة الخوارج والأعداء له”[66]. وما زال القبر مخفيّا عن النّاس لا يعلم موضعه إلّا أولاد الإمام وخاصّة الشّيعة –في قول القزوينيّ- حتّى عهد هارون الرّشيد: خرج ناس من الكوفة يتصيّدون مع الرّشيد، فلمّا بلغوا الغريّ، رأوا ظبيات، فأرسلوا إليها الصّقور والكلاب، فلجأت إلى أكمة عجزت الكلاب والصّقور عن أن تقربَها ثلاثا، فتحيّر هارون وأرسل في طلب النّاس فأُتِيَ بشيخ من بني أسد فسأله عن أمر الأكمة فاشترط الأمان فأمّنه فقال: “حدّثني أبي عن أبيه أنّهم كانوا يقولون: هذه الأكمة قبر عليّ بن أبي طالب عليه السّلام جعلها الله حرما لا يأوي إليها أحد إلّا أمن”[67]. فلمّا علم الرّشيد بأمر الأكمة توضّأ وصلّى عندها “وتمرّغ عليها وجعل يبكي، وأمر ببناء القبّة على القبر، ومنذ ذلك اليوم لم يزل البناء في تطوّر وهو الآن صرح بديع متلألئ”[68].

إنّ الوصيّة موضوع أساس في سير عليّ (كرّم الله وجهه) الحديثة، سواء أكانت سنّيّة أم شيعيّة. وبالنّظر في ما ورد في المصادر القديمة، السّنّيّة خاصّة، يبدو لنا الاختلاف جليّا لاسيّما في الكتب الأولى، فلا ذكر لوصيّة لعليّ (كرّم الله وجهه) في طبقات ابن سعد[69]، وفي كتاب فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل[70]، وفي كتاب الخصائص للنّسائيّ[71]. ورغم أنّ ابن المغازلي (ت483هـ؟) توسّع في فضائله بذكر ما أنكر غيره من السّنّة، فإنّه لم يذكر شيئا من وصايا عليّ (كرّم الله وجهه)، ولم يتوسّع في ملابسات قتله[72]. على العكس من ذلك رأينا في كتاب ابن عساكر (ت571هـ) توسّعا في إيراد أخبار تثبت أنّ أصحاب عليّ (كرّم الله وجهه) عرضوا عليه أن يستخلف، فرفض عملا بسنّة النّبيّ[73]. وكذلك الأمر في كتاب الخوارزميّ، فقد أورد صاحبه خبرا يرفض فيه عليّ (كرّم الله وجهه) أن يستخلف: “وذكروا أنّ جندب بن عبد الله دخل على عليّ عليه السّلام يسلّيه فقال: يا أمير المؤمنين، إن فقدناك –فلا نفقدك- فنبايع الحسن؟ قال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر، قال فزد فدعا حسنا وحسينا”[74]. يقول ما بقي من الخبر إنّ عليّا (كرّم الله وجهه) دعا ابنيْه إلى رعاية أخيهما محمّد، ودعا هذا إلى توقير أخويه. ثمّ تحوّل إلى وصايا ذات مضامين حِكميّة ودينيّة وأخلاقيّة، كالدّعوة إلى الإعراض عن الدّنيا، وقول الحقّ ورحمة اليتيم ونصرة المظلوم والصّلاة والزّكاة والعمل بكتاب الله وكظم الغيظ وصلة الرّحم والحلم عن الجاهل والتّفقّه في الدّين[75].

لا مراء عندنا في أنّ الوصايا المنسوبة إلى عليّ (كرّم الله وجهه) في السّير الشّيعيّة والسّنّيّة فيها اختلاف كبير، وقد لاحظنا بالنّظر في المصادر القديمة أنّ هذا الاختلاف ليس جديدا، بل هو اختلاف موروث، يبدو لنا أنّه تدعّم بعد القرن الرّابع، فقد سبق أن بيّنّا أنّ ما اطّلعنا عليه من مصادر القرن الثّالث لا يثير قضيّة وصايا عليّ (كرّم الله وجهه). ويعني ذلك في تقديرنا أنّ النّظر في الأيام الأخيرة لعليّ (كرّم الله وجهه) جاء في سياق التّنظير للعقائد. وليس المقصود هنا العقائد الشّيعيّة فحسب، فالأخبار السّنّيّة التي يرفض فيها عليّ (كرّم الله وجهه) الاستخلاف لتبدو خالية من المضامين السّياسيّة، ليست بعيدة عن السّياسة في الحقيقة، ذلك أنّها تنسجم تماما مع العقائد السّنّيّة في الشّورى.

ورد في الأحكام السّلطانيّة أنّ الإمامة “تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل الحلّ والعقد، والثّاني بعهد الإمام من قبل”[76]. هذا القول يمثّل مذهب السّنّة في الإمامة، وهو قول يستبطن إضفاء الشّرعيّة على الخلافة العبّاسيّة في زمن المؤلّف، والأهمّ هو إضفاء الشّرعيّة على خلافة أبي بكر ومن تلاه إلى عهد عليّ (كرّم الله وجهه)، ولا يخفى ما في ذلك من محاورة للشّيعة التي ترى أنّ عليّا (كرّم الله وجهه) كان أولى ممّن سبقه من المغتصبين. ولا يختلف تحديد الشّروط التي ينبغي أن تتوفّر في الإمام من حيث مجادلة الشّيعة، فقد وضع الماورديّ (ت450هـ) سبعة شروط وهي: العدالة والعلم وسلامة الحواسّ وسلامة الأعضاء والرّأي والشّجاعة والنّسب القرشيّ[77]. وهذا قول يخالف تماما قول الشّيعة في الإمامة، فهي ترى أنّ النّبيّ ﷺ أوصى قبل الموت: إنّ “الله تعالى لمّا بعث رسوله صلّى الله عليه وسلّم، قام بنقل الرّسالة، ونصّ على أنّ الخليفة بعده عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، ثمّ من بعده ولده الحسن الزّكيّ ثمّ على الحسين الشّهيد…”[78] يستمرّ الخبر لإثبات نقل الرّسالة حتّى الإمام الثّاني عشر محمّد بن الحسن، وأنّ “النّبيّ لم يمت إلّا عن وصيّة بالإمامة”[79]

إنّ الخلاف المركزيّ بين السّنّة والشّيعة هو الإمامة، وعليه بنيت خلافات أخرى أفضت إلى الافتراق. ولعلّنا لا نجانب الصّواب إذا ما عقدنا صلة بين الأيّام الأخيرة للنّبيّ ولعليّ في كتب السّنّة والشّيعة، وينجرّ عن ذلك مباشرة الرّبط بين وصايا النّبيّ ﷺ ووصايا عليّ (كرّم الله وجهه). فلئن أوهمت الأخبار في المصادر أنّ الحدَثين كُتب كلّ منهما على حدة، فإنّ من يجوّد النّظر يدرك علاقة رابطة بينهما، بل بين أحداث كثيرة. ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا إنّ كتابة تاريخ النّبيّ، والخلفاء الأربعة خاصّة، لم تكن كتابة “فرديّة”، وإنّما كتبت سير هؤلاء كتابة “حواريّة” محسوبة بعناية لتنسجم مع عقائد كلّ فرقة من جهة، ولردّ مقالات الفرق المغايرة من أخرى. في هذا السّياق نفهم كتابة الأيّام الأخيرة من حياة عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، ومن حياة الرّسول كذلك.

كتب الشّيعة والسّنّة تاريخين مختلفين تماما للأيام الأخيرة من حياة النّبيّ ﷺ[80]، وتوقّف كلاهما عند أحداث بعينها من قبيل تقديم أبي بكر للصّلاة عند السّنّة، والنّصّ على عليّ  (كرّم الله وجهه)صراحة عند الشّيعة. وحول هذه الأخبار صيغت أخبار أخرى يبدو أنّها جاءت لدعمها.

يمثّل خبر تقديم أبي بكر للصّلاة عمدة الأخبار التي يجادل بها السّنّة ليثبتوا شرعيّة الخلافة الأولى[81]. من الأخبار الأخرى التي ترد في سياق ذكر فضائل أبي بكر للغرض ذاته أخبار خير الأمّة[82] والسّابقة[83] والخلّة[84] وسدّ الأبواب[85] والصّحبة في الغار[86] ودفنه مع النّبيّ ﷺ[87] ومنزلته في الآخرة[88]، وفي السّياق ذاته يمكن أن نقرأ المقارنة بين منزلتَي عائشة وفاطمة عند السّنّة والشّيعة. لهذه الأخبار -وغيرها كثير- “أخبار مضادّة” في كتب الشّيعة تنسب الفضل المنسوب إلى أبي بكر في كتب السّنّة إلى عليّ (كرّم الله وجهه)، وأحيانا تبحث عن منقبة موازية تحقّق له الأفضليّة. ولئن سمحت عقائد الشّيعة بالطّعن على “الشّيخين” وعلى عثمان وابن عبّاس، فإنّ العقائد السّنّيّة لا تسمح بردّ مماثل، وذلك ما جعل السّنّة تسلك مسلك البحث عن فضائل الخلفاء الأربعة في جلّ مصادرها، غير أنّ ذلك لا يمنعها بالقطع بأفضليّة بعضهم على بعض أفضليّة تنسجم مع تعاقبهم في الخلافة. 

إنّ ما نؤكّده في هذا الصّدد هو أنّ كتابة سير النّبيّ ﷺ وعليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) وكثير من الصّحابة، وقعت تحت تأثير المعارك بين السّنّة والشّيعة، المعارك السّياسيّة من جهة، والكلاميّة الدّينيّة من أخرى، ولئن فصلنا في كلامنا بين معارك السّياسة ومعارك الدّين، فإنّه فصل للإيضاح لا غير، فعلى أرض الواقع، لم يكن هناك فصل بين السّياسة والدّين.  

ولا يختلف الأمر بالنّسبة إلى ما تلا الوفاة، فالسنّة لا تذكر شيئا خارجا عن سنن الطّبيعة إثر موت عليّ (كرّم الله وجهه)[89] وكذلك الأمر بالنّسبة إلى بقيّة الصّحابة. الموت الوحيد الذي يختلف عن موت الآخرين عند السّنّة هو موت النّبيّ ﷺ[90]، وهذا أمر يُفهم بالنّظر إلى منزلة النّبيّ عند السّنّة، وهي منزلة لا يشاركه فيها أحد. أمّا عند الشّيعة فالأمر مختلف تماما، فليس عليّ (كرّم الله وجهه) الوصيّ كغيره من شهود الوحي، لذلك ينبغي أن يكون موته كبيرا، متناسبا مع وظيفته الدّينيّة التي نسبتها إليه العقائد الشّيعيّة، وينبغي أن يكون عذاب قاتله على قدر الجرم الذي ارتكبه[91].  

يعتبر موت الرّموز الدّينيّة من أهمّ اللّحظات في سيرهم، ولا يكون موتهم كموت النّاس، بل يُصنع لهم موت “لائق”، ينسجم مع الدّور الذي أُوكلَ إليهم في التّاريخ، وإلى “البطولات” المنسوبة إليهم في سيرهم. وبهذا الفهم يصبح الموت الكبير شاهدا على السّيرة “الكبيرة”.

صوّرت الأخبار في المصادر العربيّة الإسلاميّة موت الرّموز الدّينيّة تصويرا يعبّر دور المتخيّل في تصوّر حدث الموت، فموت آدم مثلا كان يوم الجمعة، ولمّا كان حدث الموت غريبا عن الإنسان، ولا يعرف كيف يديره، فإنّ الملائكة تكفّلت بذلك، فجلبت الحنوط من السّماء، وجاءت بالمساحي وحفرت القبر[92]، ورُفع عيسى وإدريس وإلياس[93]. ورغم أنّ الموت مثّل قوّة قاهرة مرعبة للإنسان[94]، فإنّ موت الرّموز يصبح لحظة لتجلّي المعنى والمغزى[95]، ولاشكّ أنّ بناء ذلك المعنى يتمّ في إطاره الثّقافي المتفاعل مع النّماذج الأصليّة المحدّدة للمتخيّل[96] لتحقيق وظائف متنوّعة، توسّعنا في هذا العمل في إبراز الوظيفة الدّينيّة-السّياسيّة، وذلك لا ينفي وظائف أخرى على رأسها الوظيفة النّفسيّة. 

عاشت الشّيعة في العهدين الأمويّ والعبّاسيّ في صراع مركّب، بعضه بين فرق الشّيعة نفسها، بين الإخوة من الدّم، وبين أبناء العمومة، وأجنحة العلويّين المختلفة، وبعضه بينهم وبين بني أميّة وبني العبّاس. لا شكّ عندنا في أنّ هذه المعارك التي تراوحت بين التّراشق بالأخبار والأفكار وبين العمل العسكريّ هي المحدّد الرّئيس في كتابة التّاريخ الإسلاميّ برمّته عموما، وفي كتابة السّير خصوصا. ولمّا كانت الشّيعة في وضعيّة المهزوم في أغلب الأوقات، فإنّها سلكت طريقين في كتابة تاريخها: التّركيز على الظّلامة حينا، وصناعة بطولات رموزها حينا آخر. لذلك حين تقرأ سيرة عليّ (كرّم الله وجهه) في المصادر الشّيعيّة تجد نفسك أمام مفارقة: بقدر ما صوّرت الأخبار بطشه وقوّته، صوّرت فداحة قتله، وضعفه قبل موته، وهو يدعو على خاذليه من جهة، وعلى ابن ملجم الذي أقْرَنَه بالسّيف حتّى سقى لحيتَه الدّم من أخرى. على هذا الأساس نعتبر أنّ صورة عليّ (كرّم الله وجهه) “البطل” متخيّلة في أغلب خطوطها، ومبنيّة على الرّموز. ولمّا كان الرّمز أحد وجوه اشتغال المتخيّل وفق النّظرة الأنتروبولوجيّة، فإنّه يكون وثيق الصّلة بالبنية الثقافيّة للمجمتع الذي ينشأ فيه[97]، على هذا الأساس نفهم لمَ صوّرت الأخبار عليّا (كرّم الله وجهه) في صورة “البطل الدّيني” لاسيّما في القرون الأولى، ثمّ قدّمته في صورة “البطل الشّعبيّ” بخاصّة منذ القرن السّادس زمن بداية السّقوط العربيّ الإسلاميّ وشعور المسلمين بالخطر جرّاء تآكل الإمبراطوريّة الإسلاميّة المريضة من الدّاخل والخارج. وقد لاحظنا في هذه الفترة شيوع أخبار بطولة عليّ (كرّم الله وجهه) ليس بين الشّيعة فحسب، بل بين السّنّة كذلك[98]. إنّ المتخيّل يضطلع بوظيفة نفسيّة تعديليّة[99].

4- الخاتمة:

خلصنا في هذا العمل إلى أربع نتائج:

النّتيجة الأولى: لا تمثّل ولادة عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) موضوعا أساسا في السّير الحديثة، فقد ورد ذكرها عرضيّا، من دون تفاصيل، على خلاف الكتب الشّيعيّة التي مثّلت الولادة أحد أعمدتها، ففصّلت القول فيها بتحديد مكانها وزمانها والشّهود عليها. أما الوصيّة، ففي أمرها اختلاف، فهي موضوع غائب عن السّير السّنّية الأولى، ثمّ رأينا تزايد الاهتمام بها تدريجيّا حتّى غدت موضوعا مشتركا بين الفرقتين، وصارت لازمة من لوازم السّير السّنّيّة الحديثة. لكن بقدر حرص هذه على إثبات رفض عليّ (كرّم الله وجهه) استخلاف الحسن أو غيره، تحرص السّير الشّيعيّة على إثبات النّصّ قُبيل الوفاة. وإذا كانت السّنّة نفت عن مقتل عليّv كلّ أمر خارق، فإنّ الشّيعة أثبتت خوارق تَلَت الموت وصاحبت الدّفن واستمرّت بعد ذلك حتّى معرفة موضع قبر عليّ (كرّم الله وجهه) على عهد هارون الرّشيد.

النّتيجة الثّانية: إنّ هذه الاختلافات بين السّير الشّيعيّة والسّنّيّة ليست جديدة، بل هي استمرار لاختلافات قديمة مزمنة رأيناها كلّ المصادر تقريبا. وهي في علاقة مباشرة بالمعارك الكلاميّة والسّياسيّة التي دارت بين السّنّة والشّيعة، ويفضي ذلك إلى القول إنّ الصّورة التي بنتها المصادر القديمة لعليّ (كرّم الله وجهه) تشكّلت على التّدريج في سياق صياغة العقائد وتطوّر الحوادث.

النّتيجة الثّالثة: إنّ كتابة السّير عموما أمر شديد الخطر، ولا يكون عفويّا، ذلك أنّ السّير في التّاريخ الإسلاميّ اضطلعت بوظيفة جداليّة وهو ما يفسّر الاختلاف بين السّنّة والشّيعة في مواطن بعينها: فبقدر ما سعت السّنّة إلى بناء صورة لعليّ (كرّم الله وجهه) فيها قدر من التّوازن بينه وبين الصّحابة تماشيا مع عقائدهم في الصُّحبة، مع ترتيب فضل الخلفاء الأربعة ترتيبا منسجما مع تعاقبهم في التّاريخ، فإنّ الشّيعة حرصت على تمييز عليّ (كرّم الله وجهه) وبناء صورة له يمكن مقارنتها بالأنبياء وليس بالصّحابة، وذلك ينسجم مع عقيدتهم في الوصيّ.

النّتيجة الرّابعة: إنّ صورة عليّ (كرّم الله وجهه) في السّير القديمة والحديثة صورة متخيّلة في أهمّ خطوطها، ولمّا كان المتخيّل كونيّا خصوصيّا في آن[100]، فإنّنا نعتبر أنّ الصّورة التي أنتجتها الثّقافة الإسلاميّة لعليّ (كرّم الله وجهه) تشبه رموز الأديان والأساطير في الثقافات الأخرى في مستويات عديدة من قبيل الولادة العجيبة والموت الكبير، لكنّ ذلك لا يلغي التّعامل مع “القوالب” الكونيّة تعاملا يضع في الاعتبار خصوصيّات الثّقافيّة العربيّة الإسلاميّة والمذهب الشّيعيّ.  

المصادر والمراجع:

  • الأزرقي، (محمّد)، أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار، دار الأندلس للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 1983.
  • البصري، (الحسن)، فضائل مكّة والسّكن فيها، مكتبة الفلاح، الكويت، 1980.
  • البيهقي، (أحمد بن الحسين)، دلائل النّبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشّيعة، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، ط3، 2008.
  • جعيّط، (هشام)، تاريخيّة الدّعوة في مكّة، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، بيروت، لبنان، ط1، 2007.
  • حسين، (محمّد أكبر)، سلوا الأئمّة، دار الكتاب العربيّ للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 2009.
  • الحلّي، (الحسن بن يوسف)، منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، انتشارات تاسوعاء، قمّ، إيران، ط1، د-ت.
  • ابن حنبل، (أحمد)، كتاب فضائل الصّحابة، دار العلم للطّباعة والنّشر، المملكة العربيّة السّعوديّة، ط1، 1983.
  • خالد، (محمّد خالد)، في رحاب عليّ، دار المعارف، ط3، القاهرة، د-ت.
  • الخوارزميّ، (الموفّق بن أحمد)، المناقب، مؤسّسة النّشر الإسلاميّ، قمّ، إيران، ط2، 1990.
  • الذّهبي، (شمس الدّين محمّد)، كتاب تذكرة الحفّاظ، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، ص ص700-701.
  • ابن سعد، (محمّد)، كتاب الطّبقات الكبير، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ط1، 2001.
  • ابن شهراشوب، (محمّد بن عليّ)، مناقب آل أبي طالب، دار الأضواء للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 1991.
  • الشّيخ المفيد، (محمّد بن محمّد)، إيمان أبي طالب، المؤتمر العالمي لألفيّة الشّيخ المفيد، إيران، ط2، 1993.
  • شيمل، (أنا ماري)، أحلام الخليفة الأحلام وتعبيرها في الثّقافة الإسلاميّة، تر: حسام الدّين جمال ومحي الدّين جمال بدر وحارس فهمي شومان ومحمّد إسماعيل السّيد، منشورات الجمل، ألمانيا-بغداد، ط1، 2005.
  • الصّفّار، (محمّد بن الحسن بن فرّوخ)، بصائر الدّرجات في فضائل آل محمّد عليهم السّلام، عطر عترت، قمّ المقدّسة، إيران، د-ت.
  • الصّلابي، (عليّ)، سيرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام شخصيّته وعصره، مؤسّسة اقرأ للنّشر والتّوزيع والتّرجمة، ط1، القاهرة، 2005.
  • بن عبد الجليل، (المنصف)، الفرقة الهامشيّة في الإسلام بحث في تكوين السّنّيّة الإسلاميّة ونشأة الفرقة الهامشيّة وسيادتها واستمرارها، مركز النّشر الجامعي بتونس، تونس، ط1، 2001.
  • ابن عساكر، (علي بن الحسن)، تاريخ مدينة دمشق، دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، دمشق، سوريا، ط1، 1996.
  • فهد، (توفيق)، الكهانة العربيّة قبل الإسلام، قدمس للنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، د-ت.
  • القزويني، (محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد، مؤسّسة النّور للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط2، 1993
  • القشيريّ، (مسلم بن الحجاج)، صحيح مسلم، دار طيبة، الرّياض، المملكة العربيّة السّعوديّة، ط1، 2006.
  • ابن كثير، (إسماعيل بن عمر)، البداية والنّهاية، هجر للطّباعة والنّشر والتّوزيع والإعلان، مصر ، ط1، 1997.
  • الكليني، (محمّد بن يعقوب)، أصول الكافي، منشورات الفجر، بيروت، لبنان، ط1، 2007.
  • كوربان، (هنري)، تاريخ الفلسفة الإسلاميّة، تر: نصير مروّة وحسن قبيسي، عويدات للنّشر والطّباعة، بيروت، لبنان، ط2، 1998.
  • الماورديّ، (عليّ بن محمّد)، الأحكام السّلطانيّة، دار الحديث، القاهرة، مصر، 2006.
  • ابن المغازلي، (عليّ بن الحسن)، مناقب الإمام عليّ عليه السّلام، دار الأضواء للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، ط3، 2003.
  • النّسائي، (أحمد بن شعيب)، خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، مكتبة المعلا، الكويت، ط1، 1986.
  • الهلالي، (سليم بن قيس)، كتاب سليم بن قيس الهلالي، مطبعة الهادي، قمّ، إيران، ط1، 1999.
  • Boia,(Lucian), Pour une histoire de l’imaginaire , Les belles lettres, Paris, 1998, Pp. 14-37.
  • Chebel, (Malek), L’imaginaire arabo-musulman, Presses universitaires de France, Paris, 1993.
  • Chebel, (Malek), Dictionnaire des symboles musulmans, Éditions Albin Michel, Paris, 1995.
  • Chevalier, (Jean), et Cheerbrant, (Alain), Dictionnaire des symboles, Éditions Robert Laffont, Paris
  • Durand, (Gilbert), L’imagination symbolique, quadrige, 3ème édition, 1993.
  • Eliade, (Mircea), Images et symboles, Éditions Gallimard, Paris, 1952.
  • Gerrtz, (Clifford), The interpretation of cultures, Basic Books, Inc, Publisher, New York, 1973.

[1]– الكتب القديمة التي وردت فيها أخبار سيرة عليّ بن أبي طالب كثيرة جدّا، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ تلك الأخبار وردت في جلّ المصادر القديمة على اختلافها ككتب الحديث والتّفسير وعلوم القرآن والتّاريخ والطّبقات واللّغة والسّير والفضائل والمناقب… والكتب الحديثة كثيرة جدّا لا يكاد يحصرها عدّ، وقد اخترنا نماذج تمثيليّة من الكتب الحديثة للفرقتين: كتابين يمثّلان السّنّة: في رحاب علي لخالد محمّد خالد وكتاب سيرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام شخصيّته وعصره لعليّ الصّلابي، وكتابين يمثّلان الشّيعة: كتاب سلوا الأئمّة عن سيرتهم في الغيبيّات والخوارق والكرامات لمحمّد أكبر حسين وكتاب الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد لمحمّد كاظم القزوينيّ. ولئن قادنا النّظر في كتب كثيرة إلى النّتائج التي سنثبتها في هذا البحث، فإنّ ذلك لا يعني انتفاء شذوذ بعض الكتب من الاتّجاهين.

[2]– للمتخيّل مفاهيم متنوّعة تختلف باختلاف مجالات البحث، وقد اخترنا المفهوم الذي اقترحه لوسيان بوّا (Lucian Boia)  وهو مفهوم مختلف عن المفاهيم التي صاغها جاك لوغوف  (Jaques Le Goff)وإفلين باتلجين (Evelyne Patlagen). ويقوم بالأساس على اعتبار الواقعيّ (Le réel)  مندرجا ضمن المتخيّل، بمعنى أن الحدث التّاريخيّ الذي يمكن أن يكون “واقعيّا” بمعنى الاستجابة إلى قواعد العمران يمكن أن يكون من المتخيّل. للتّوسع في المفاهيم المختلفة للمتخيّل ومفهوم لوسيان بوّا انظر:

Boia,(Lucian), Pour une histoire de l’imaginaire , Les belles lettres, Paris, 1998, pp. 14-37.

[3]– خالد، (محمّد خالد)، في رحاب عليّ، دار المعارف، ط3، القاهرة، د-ت.

[4]– الصّلابي، (عليّ)، سيرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام شخصيّته وعصره، مؤسّسة اقرأ للنّشر والتّوزيع والتّرجمة، ط1، القاهرة، 2005.

[5]– المرجع نفسه، ص 22.

[6]– القزويني، (محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد، مؤسّسة النّور للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط2، 1993، ص ص14، 16، 18.

[7]– المرجع نفسه، ص15.

[8]– حسين، (محمّد أكبر)، سلوا الأئمّة، دار الكتاب العربيّ للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 2009، ص78.

[9]–  القزويني، (محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد ص14-15 وحسين، (محمّد أكبر)، سلوا الأئمّة، ص78-79.  

[10]– القزويني، (محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد، ص15-16.

[11]–  المرجع نفسه، ص15-16 وحسين، (محمّد أكبر)، سلوا الأئمّة، ص78-79.

[12]–  القزويني،(محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد،ص18.

[13]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

[14]– المصدر نفسه، ص17.

[15]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

[16]– حسين، (محمّد أكبر)، سلوا الأئمّة، ص80-81.

[17]– القزويني، (محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد ، ص18.

[18]– المصدر نفسه، ص17.

[19]– حسين، (محمّد أكبر)، سلوا الأئمّة، ص80.

[20]– المصدر نفسه، ص79.

[21]– المصدر نفسه، ص80.

[22]– المصدر نفسه، ص81.

[23]– القزويني، (محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد، ص18.

[24]– لم يذكر ابن سعد (ت230هـ) شيئا حول ولادة عليّ، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى ابن حنبل (ت241هـ) في كتابه حول الصّحابة. انظر على التّوالي: ابن سعد، (محمّد)، كتاب الطّبقات الكبير، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ط1، 2001، ج3، ص ص17-38 وابن حنبل، (أحمد)، كتاب فضائل الصّحابة، دار العلم للطّباعة والنّشر، المملكة العربيّة السّعوديّة، ط1، 1983، ص ص528-727. ورغم أنّ النّسائيّ (ت303هـ) جعل كتابا لعليّ بن أبي طالب خصّه فيه بفضائل كثيرة حتّى رماه ناس بالتّشيّع، وقد يكون دفع حياته ثمنا لذلك، فإنّه لم يذكر شيئا عن ولادته.  انظر: النّسائي، (أحمد بن شعيب)، خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، مكتبة المعلا، الكويت، ط1، 1986. وقد ورد في كتاب تذكرة الحفّاظ أقوال في موت النّسائي جاء في بعضها أنّه قُتل بكتابه في عليّ: “قال الدّراقطني كان ابن الحدّاد أبو بكر الشّافعيّ كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النّسائيّ وقال: رضيت به حجّة بيني وبين الله. قال وأبو عبد الله بن منده عن حمزة العقبيّ المصريّ وغيره أنّ النّسائيّ خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسئل بها عن معاوية وما جاء في فضائله، قال ألا يرضى رأسا برأس حتّى يفضل؟ قال فمازالوا يدفعونه في خصييه حتى أخرج من المسجد، ثمّ حمل إلى مكّة وتوفّي بها. كذا في الرّواية إلى مكّة والصّواب إلى الرّملة”. انظر: الذّهبي، (شمس الدّين محمّد)، كتاب تذكرة الحفّاظ، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، ص ص700-701.

[25]– جاء في الخبر : “أخبرنا أبو طاهر محمّد بن عليّ بن البيِّع قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله بن خالد الكاتب قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن محمّد بن سلم الختّليّ قال: حدّثني عمرو بن أحمد بن روح السّاجيّ، حدّثني أبو طاهر يحي بن الحسن العلويّ قال: حدّثني محمّد بن سعيد الدّارميّ، حدّثنا موسى بن جعفر عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين قال: كنت جالسا مع أبي ونحن زائرون قبر جدّنا (عليه السّلام) وهناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ فقالت: من أنت يرحمك الله؟ قالت أنا زيدة بن قريبة بن العجلان من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شيء تحدّثينا؟ فقالت: إيه والله، حدّثتني أمّي أمّ عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان السّاعديّ أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا، فقلت له: ما شأنك يا أبا طالب؟ قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يديه على وجهه. فبينما هو كذلك، إذ حضر محمّد (صلّى الله عليه وسلم) فقال له: ما شأنك يا عمّ؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي على اسم الله قال: فطلقت طلقة فولدت غلاما مسرورا نظيفا منظّفا، لم أر كحسن وجهه، فسمّاه أبو طالب عليّا، وحمله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أدّاه إلى منزلها. قال عليّ بن الحسن (عليهما السّلام): فوالله ما سمعت بشيء من هذا قطّ إلّا وهذا أحسن منه”. راجع: ابن المغازلي، (عليّ بن الحسن)، مناقب الإمام عليّ عليه السّلام، دار الأضواء للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، ط3، 2003، ص ص58-59.

[26]– بعد سيطرة البويهيّين على الحكم العبّاسي كثر الكلام في فضائل عليّ، ويبدو أنّ ذلك أفضى إلى فشوّ أخبار جديدة كثيرة ظهرت في المصنّفات الشّيعيّة خاصّة، وتسرّب بعضها إلى المصنّفات السّنّيّة، انظر مثلا تخصيص ابن عساكر (ت571هـ) الجزء الثّاني والأربعين من تفسيره لفضائل علي: ابن عساكر، (علي بن الحسن)، تاريخ مدينة دمشق، دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، دمشق، سوريا، ط1، 1996، ج42.

[27]– يميل جلّ الدّارسين إلى اعتبار الفوارق بين صورة عليّ عند السّنّة والشّيعة في الكتب القديمة كبيرة. لكن بالنّظر فيها تبيّن لنا أنّ الخلافات لا تشمل كلّ الفضائل المنسوبة إليه، بل تظهر الفوارق في بعض الفضائل أكثر من غيرها لاسيّما إذا كانت وثيقة الصّلة بالعقائد في النّبوّة والإمامة والصّحبة خصوصا. كما ننبّه إلى أنّ مواقف المصنّفين الشّيعة –من الاثني عشريّة تحديدا- يمكن وصفها بـ “التّجانس” على عكس مواقف المصنّفين السّنّة التي تميل نحو الاضطراب لاسيّما بعد القرن الرّابع.

[28]– الأزرقي، (محمّد)، أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار، دار الأندلس للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 1983، ج1، ص31.

[29]– المصدر نفسه، ص32.

[30]–  البصري، (الحسن)، فضائل مكّة والسّكن فيها، مكتبة الفلاح، الكويت، 1980، ص18

[31]– المصدر نفسه، ص20.

[32]– المصدر نفسه، ص35.

[33]– المصدر نفسه، ص36.

[34]– المصدر نفسه، ص39

[35]– Eliade, (Mircea), Images et symboles, Éditions Gallimard, Paris, 1952, p. 52.

[36]– «Montagne cosmique», Ibid, p. 53.

[37]– للتّوسع في رمزيّة الكعبة انظر:

Chebel, (Malek), L’imaginaire arabo-musulman, Presses universitaires de France, Paris, 1993, pp. 189-191.

[38]– القشيريّ، (مسلم بن الحجاج)، صحيح مسلم، دار طيبة، الرّياض، المملكة العربيّة السّعوديّة، ط1، 2006، ص380.

[39]– للتّوسّع في رمزيّة يوم الجمعة عند المسلمين انظر:

Chebel, (Malek), Dictionnaire des symboles musulmans, Éditions Albin Michel, Paris, 1995, pp. 227-228.

[40]– يبدو الخلاف في ظاهره محصورا في شخص أبي طالب وفي إيمانه وكفره، لكن في الحقيقة المعركة تخصّ إمامة عليّ ابنه، فالقول بكفر أبي طالب يبطلها من أساسها: فكيف يكون الإمام من صلب رجل كافر لاسيّما أنّ الشّيعة تمدّ الإمامة إلى ما قبل نبوّة محمّد؟ ذلك ما يفسّر إلحاح الشّيعة على إيمان أبي طالب وتأليف عشرات الكتب في الموضوع وتكفير من يكفّره. انظر: الشّيخ المفيد، (محمّد بن محمّد)، إيمان أبي طالب، المؤتمر العالمي لألفيّة الشّيخ المفيد، إيران، ط2، 1993، ص ص4، 13-15.

[41]–  يرى هشام جعيط أنّ رواية ابن إسحاق ضخّمت الدّور الذي لعبه أبو طالب في حياة الرّسول. انظر: جعيّط، (هشام)، تاريخيّة الدّعوة في مكّة، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، بيروت، لبنان، ط1، 2007، ص ص220-223.

[42]–  الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدّا من أعمقها دلالة خبر ورد في كتاب ابن شهراشوب جاء فيه أنّ النّبيّ ولد محروما من اللّبن،  فألقاه أبو طالب على ثديه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه النّبيّ حتّى جاءت حليمة: “كافي الكليني، الصّادق عليه السّلام: لمّا ولد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكث أيّاما ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا، فرضع منه أيّاما حتّى وقع أبو طالب على حليمة فدفعه إليها”. ابن شهراشوب، (محمّد بن عليّ)، مناقب آل أبي طالب،  دار الأضواء للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 1991، ص59.

[43]– للتوسّع في الرّؤى التي بشّرت بميلاد عليّ بن أبي طالب انظر: ابن شهراشوب، (محمّد بن عليّ)، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص287-288.

[44]فهد، (توفيق)، الكهانة العربيّة قبل الإسلام، قدمس للنّشر والتّوزيع، بيروت، لبنان، د-ت، ص183.

[45]– المصدر نفسه، ص183-184.

[46]– شملت رؤى الولادة رموز الدّين والقتال السّياسة والفقه واللغة وغير ذلك كثير. للتّوسع انظر:  شيمل، (أنا ماري)، أحلام الخليفة الأحلام وتعبيرها في الثّقافة الإسلاميّة، تر: حسام الدّين جمال ومحي الدّين جمال بدر وحارس فهمي شومان ومحمّد إسماعيل السّيد، منشورات الجمل، ألمانيا-بغداد، ط1، 2005، ص ص 201-203 وفهد، (توفيق)، الكهانة العربيّة قبل الإسلام، ص175-263.

[47]– استمرار الوحي من أهم المقالات المؤسسة لعقائد الاثني عشريّة، لكن يثير ذلك إحراجات لا تخفى في الكتب الشّيعيّة القديمة والحديثة في مسألة الفرق بين النّبوّة والإمامة. للتّوسّع انظر: الصّفّار، (محمّد بن الحسن بن فرّوخ)، بصائر الدّرجات في فضائل آل محمّد عليهم السّلام، عطر عترت، قمّ المقدّسة، إيران، د-ت، ج3، ص179، 183، والكليني، (محمّد بن يعقوب)، أصول الكافي، منشورات الفجر، بيروت، لبنان، ط1، 2007، ج1، ص102، وبن عبد الجليل، (المنصف)، الفرقة الهامشيّة في الإسلام، مركز النّشر الجامعي بتونس، تونس، ط1، 2001، ص307 وكوربان، (هنري)، تاريخ الفلسفة الإسلاميّة، تر: نصير مروّة وحسن قبيسي، عويدات للنّشر والطّباعة، بيروت، لبنان، ط2، 1998، ص111.  

[48]– لاحظنا في كتاب خالد محمّد خالد سعيا إلى تبسيط الحادثة وتجاوز تضارب الأخبار الذي ظهر في المصادر القديمة فاعتبر الحدث “من أيسر الأعمال”، في المقابل أبدى علي الصّلابي شكوكا في رواية القتل. انظر: (خالد محمّد)، خالد، في رحاب عليّ، ص ص 180-181 والصّلابي، (عليّ)، عليّ بن أبي طالب شخصيّته وعصره، ص772-774.

[49]–  خالد محمّد، (خالد)، في رحاب عليّ، ص 184.

[50]– المصدر نفسه، ص184-185.

[51]– المصدر نفسه، ص186.

[52]– المصدر نفسه، ص185.

[53]–  المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

[54]– ورد في الوصيّة التي أوردها علي الصّلابي لعليّ لمّا حضرته الوفاة: “بسم الله الرّحمان الرّحيم، هذا ما أوصى به عليّ بن أبي طالب، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون. ثمّ إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثمّ أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربّكم، ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرّقوا، فإنّي سمعت أبا القاسم يقول: إنّ صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام، انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهوّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام، فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعنّ بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنّهم وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مازال يوصي به حتّى ظننت أنّه سيورّثه، والله الله في القرآن، فلا يسبقنّكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصّلاة، فإنّها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم فلا تخلّوه ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم يناظر، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزّكاة، فإنّها تطفئ غضب الرّبّ، والله الله في ذمّة نبيّكم، فلا يظلمنّ بين أظهركم، والله الله في أصحاب نبيّكم، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معايشكم، والله الله في ما ملكت أيمانكم، الصّلاة الصّلاة لا تخافنّ في الله لومة لائم، يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للنّاس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فيولّى الأمر أشراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتّواصل والتّباذل، وإيّاكم والتّدابر والتّقاطع والتّفرّق، وتعاونوا على البرّ والتّقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيّكم. أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السّلام ورحمة الله”. الصّلابي، (عليّ)، عليّ بن أبي طالب شخصيّته وعصره، ص776.

[55]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

[56]القزويني، (محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد، ص339-340.

[57]– “وابن ملجم عند الرّوافض أشقى الخلق في الآخرة، وهو عندنا أهل السّنّة ممّن نرجو له النّار، ونجوّز أن يتجاوز الله عنه، لا كما يقول الخوارج والرّوافض فيه، وحكمه حكم قاتل عثمان وقاتل الزّبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمّار وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكلّ هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عزّ وجلّ”. الصّلابي، (عليّ)، عليّ بن أبي طالب شخصيّته وعصره، ص778.

[58]– القزويني، (محمد كاظم)، الإمام عليّ من المهد إلى اللّحد، ص340.

[59]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

[60]– المصدر نفسه، ص341.

[61]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

[62]– المصدر نفسه، ص343.

[63]– المصدر نفسه،ص340-341.

[64]– المصدر نفسه، ص344.

[65]– المصدر نفسه، ص345.

[66]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

[67]– المصدر نفسه، ص346.

[68]– المصدر نفسه، الصّفحة نفسها.

[69]– انظر الجزء المخصّص لترجمة عليّ بن أبي طالب، ابن سعد، (محمّد)، كتاب الطّبقات الكبير، ج3، ص17-38.

[70]– انظر الجزء المخصّص لفضائل عليّ: ابن حنبل، (أحمد)، كتاب فضائل الصّحابة، ص528-727.

[71]– لم يذكر النّسائي شيئا في موت عليّ وما حفّ به من المواضيع باستثناء خبر ينبئ فيه النّبيّ علّيّا أنّ أشقى النّاس “أحيمر ثمود الذي عقر النّاقة، والذي يضربك على هذه –ووضع يده على قرنه- حتّى يبلّ منها هذه – وأخذ بلحيته”. النّسائي، (أحمد بن شعيب)، خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ص163.

[72]– ابن المغازليّ، (عليّ بن محمّد)، مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ص ص61-64.

[73]– أورد بن عساكر أخبارا كثيرة في رفض عليّ الوصيّة، اخترنا منها الخبر التّالي: “[…]عن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليّا يقول: لتخضبنّ هذه من هذه، قالوا يا أمير المؤمنين، أخبرنا به، والله لنبيرنّ عترته، قال: أنشد الله أن يقتل بي غير قاتلي، قالوا: استخلف علينا، قال: لا، أدعكم إلى ما ودعكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: فما تقول لربّك؟ قالوا: أقول: اللّهم ربّ تركتني فيهم ما بدا لك، فلمّا قبضتني تركتك فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم”. ابن عساكر، (عليّ بن الحسن)، تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص538.

[74]– الخوارزميّ، (الموفّق بن أحمد)، المناقب، مؤسّسة النّشر الإسلاميّ، قمّ، إيران، ط2، 1990، ص384.

[75]– المصدر نفسه، ص384-385.

[76]– الماورديّ، (عليّ بن محمّد)، الأحكام السّلطانيّة، دار الحديث، القاهرة، مصر، 2006،ص12-22.

[77]– أوردنا الشّروط من دون تفصيل. للتّوسّع انظر: نفسه، ص ص19-20. 

[78]– الحلّي، (الحسن بن يوسف)، منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، انتشارات تاسوعاء، قمّ، إيران، ط1، د-ت، ص31.

[79]– المصدر نفسه، ص30-31.

[80]– لا يقتصر الأمر على الأيام الأخيرة للنّبيّ، بل كتب الشّيعة تاريخا مختلفا تماما عن التّاريخ السّنّيّ. للتّوسّع انظر: الهلالي، (سليم بن قيس)، كتاب سليم بن قيس الهلالي، مطبعة الهادي، قمّ، إيران، ط1، 1999.

[81]-“[…]عن ابن عبّاس عن العبّاس بن عبد المطّلب أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال في مرضه: مروا أبا بكر يصلّي بالنّاس فخرج أبو بكر فكبّر ووجد النّبيّ راحة فخرج يهادي بين رجلين فلمّا رآه أبو بكر تأخّر فأشار إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكانك ثمّ جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جانب أبي بكر فاقترأ من المكان الذي بلغه أبو بكر من السّورة”. ابن حنبل، (أحمد)، كتاب فضائل الصّحابة، ص107.

[82]– المصدر نفسه، ص75.

[83]– المصدر نفسه، ص223.

[84]– المصدر نفسه، ص99.

[85]– المصدر نفسه، ص97-98.

[86]– ابن تيميّة، (تقي الدين)، منهاج السّنّة، جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، المملكة العربيّة السّعوديّة، ط1، 1986، ج4، ص ص156-157.

[87]– الطّبري، (محمّد بن جرير)، تاريخ الرّسل والملوك، دار المعارف، مصر، ط2، 1967، ج3، ص ص422-423.

[88]– ابن حنبل، (أحمد)، كتاب فضائل الصّحابة، ص415.

[89]– لا ينفي ذلك بعض الاستثناءات في القرن السّادس، يبدو أنّها روايات شيعيّة تسرّبت إلى كتاب الخوارزميّ، انظر:  الخوارزميّ، (الموفّق بن أحمد)، المناقب، ص389.

[90]– في كتب السّيرة على اختلافها ما يخبر عن خوارق صحبت موت النّبيّ وتجهيزه ودفنه: سمع النّاس صوتا يمنع من نزع القميص عن الرّسول عند الغسل، ولم يكن من النّبيّ شيء ممّا يكون في الموتى، وكانت أعضاؤه ترتفع وحدها حين يحلّ أوان غسلها، وأظلمت المدينة حتّى أنّ النّاس بسطوا أيديهم وعجزوا عن رؤيتها. انظر:  البيهقي، (أحمد بن الحسين)، دلائل النّبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشّيعة، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، ط3، 2008، ج7، ص ص243،244، 165.  

[91]– في كتب الشّيعة أخبار كثيرة تذكر العذاب السّرمدي الذي يلقاه ابن ملجم، ويبدو لنا أن خبر الطّير الذي يأكله رُبْعا بعد ربع ثمّ يعاد سيرته الأولى ويظلّ على ذلك إلى يوم القيامة أعمق المرويّات دلالة. انظر: ابن شهراشوب، (محمّد بن عليّ)، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص387.

[92]– ابن كثير، (إسماعيل بن عمر)، البداية والنّهاية، هجر للطّباعة والنّشر والتّوزيع والإعلان، مصر، ط1، 1997، ج1، ص 230-131.

[93]– للتّوسّع في معجزات الرّفع انظر: مكّي، (باسم)، المعجزة في المتخيّل الإسلاميّ من خلال كتب “قصص الأنبياء”، المركز الثّقافي العربيّ، الدّار البيضاء، المغرب، ط1، 2013.  ص ص360-381.

[94]– Chevalier, (Jean), et Cheerbrant, (Alain), Dictionnaire des symboles, Éditions Robert Laffont, Paris, 1982, p. 650.

[95]– كامبل، (جوزيف)، البطل بألف وجه، تر: حسن صقر، دار الكلمة للنّشر والتّوزيع، سوريّة، دمشق، ط1، 2003، ص359.

[96]– قدّم لوسيان بوّا مفهوما للمتخيّل يجمع بين المدرستين البنيويّة والتّاريخيّة، كما قدّم مفهوما مخصوصا للنّماذج الأصليّة واعتبر أنّ المتخيّل يشتغل وفق ثمانية منها. انظر:

Boia, (Lucian), Pour une histoire de l’imaginaire, pp. 28-37.

[97]– Gerrtz, (Clifford), The interpretation of cultures, Basic Books, Inc, Publisher, New York, 1973, p. 125.

[98]– يلخّص هذا الرّأي الفرق بين صورة عليّ في كتب القرن الثالث وصورته في كتب القرن السّادس لاسيّما كتاب المناقب -الذي ذكرناه سلفا- للخوارزميّ.

[99]– Durand, (Gilbert), L’imagination symbolique, quadrige, 3ème édition, 1993, p.115.

[100]  عبّر لوسيان بوّا عن ذلك بالاستعارة: “الموادّ عتيقة لكنّ البناءات جديدة”:  

«Matériaux archaïques construction nouvelle».

انظر: Boia, (Lucian), Pour une histoire de l’imaginaire, p. 24.

مقالات أخرى

التّعليم عن بعد

إشكاليّة العدالة والدّيمقراطية

البيت

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد