الجامعات وبيداغوجيا التفكير

الجامعات أكثر مؤسسات المجتمع التي ينبغي أن تستجيب لتحولات وتطورات تطرأ على عمليات وميكانيزم التنمية البشرية، فتعدل وتطور في استراتيجياتها وخططها وأدواتها تبعاً للمستجدات والمتغيرات، وفي مقدمة ذلك أصول التدريس الجامعي وآلياته ونماذجه أو ما يمكن أنَّ يسمى البيداغوجيا، غير أنَّ أنماط وآليات التدريس الجامعي في قاعات التدريس في جامعاتنا لا زالت تراوح مكانها في الغالب، ويعتقد الكثير من المدرسين أنَّ أدوارهم تنحصر جُلها في إكساب الطلبة معرفة تختزن في عقولهم.

إنَّ الأدوار الجديدة للمدرسين تحولت من كونها عملية نقل المعرفة والمعلومة إلى عملية تهيئة الفرص ومواقف التعلم التي تساعد الطلبة على إنتاج المعرفة وصناعتها، وعليه لا يُكتفى في التدريس في جميع مراحل التعلم باستيعاب المعرفة والمهارات بل الإحاطة بالأسباب التي تجعلها تعمل وأين يكون موضعها من التطبيق، فيغدو هدف التدريس ومراده إحداث تغييرٍ نوعيٍ في نواتج التعلم، وزيادة قدرة الطلبة على الابتكار وحل المشكلات، وحتى يتحقق ذلك يرى خبير التعليم  (John Goodlad) ضرورة إيلاء (70%) من وقت التدريس لفرص التعلم الذي ينطوي على عمليات التفكير العليا عوضاً عن تكريس ذات الوقت للتعلم المعتمد على المعرفة التقريرية والإجرائية كما هو سائد حالياً في معظم مواقف ونشاطات التدريس الجامعي.

وحتى تتحقق بيداغوجيا التفكير يجب أن تتحول المهمات الأكاديمية وفق (Walter Doyle) نحو المهمات التي تتطلب فهماً أكثر مما تتطلب تذكراً أو أداءاً روتينياً، أي علينا أن نبني لدى الطلبة مهارات إنتاج المعرفة وتوليد المعنى  وليس اكتسابها دون جهد عقلي سوى التذكروالاستظهار.

استراتيجية دمج البحث العلمي في إجراءات التدريس الجامعي هي الطريق الأكثر مناسبة لتطوير مهارات التفكير وبناء وزيادة القدرة على الابتكار والتطوير، وفي هذا الخصوص يعتقد المدرسون أنَّ البحث العلمي منفصل تماماً عن التدريس، وأنَّ البحث هو مهمة المدرس والتعلم مهمة الطالب، في حين أن إكساب الطلبة مهارات البحث والاستقصاء العلمي يحقق غايات عديدة من ضمنها اكتساب المعرفة، ويمكن للجامعات تدريب المدرسين على آليات التدريس باستخدام البحث العلمي، وقد أكد العديد من طلبة الجامعات أنَّ المساقات الدراسية التي أخذت طابع المشروع أو إجراء الدراسات والبحوث بتوجيه المدرس كانت الأكثر فائدة ومتعة.

وكأي مجال من مجالات حياة الانسان دخلت التكنولوجيا مجال التعليم العالي، غير أنَّ الكثير من المدرسين الجامعيين لم يبادروا لدمج التكنولوجيا في التدريس وفق استراتيجيات تهدف إلى تعزيز التعلم المنتج والارتقاء صوب مهارات التفكير العليا، ووفق البحوث والدراسات المهتمة بدمج التكنولوجيا في التدريس يجدر أن تصمم فرص التعلم بشكل تعاوني وتشاركي، أي أن يقوم الطلبة ببناء مخرجات التعليم عبر التشارك مع الآخرين في بيئة تتمتع بانفتاح أكبر بين المدرسين والطلبة وتعزز شعورهم بأنهم جزء من مجموعات تعليمية أوسع.

إنَّ تعليم التفكير هو مهمة مؤسسات التعليم وفي مقدمتها الجامعات ولا يعقل في عالم تبني فيه الدول قوتها واقتصادها وحداثتها على مقدار ما ينتج مواطنيها من أفكار وحلول غير تقليدية لما تواجه من مشاكل ومعضلات ونبقى نحن في العالم العربي نعلم طلبتنا ما أنتجه الأخرون من معرفة ونطلعهم على ما توصلوا له من أفكار وابتكارات.

Rsaaie.mohmed@gmail.com

مقالات أخرى

التربية الجنسية في الفلسفة الكانطية

صابر جيدوري : ثنائية الفرد والمجتمع وانعكاساتها التربوية

ماجد الغرباوي:الأخلاق وأحكام العقل في حدود التشريع

3 تعليقات

سعاد 29 نوفمبر، 2020 - 5:52 م
مقال رائع د محمد ..وهذا ما نحاول ان تتبناه في تدريسنا ..التعلم القائم على المشروعات..الذي يعد أكثر فاعلية وتأثيرا في انتقال أثر التعلم.
Hashil 18 يناير، 2021 - 6:23 ص
مقال رائع.. اود اضافة ان مصطلح (الاندروغوجيا) هو الاقرب لمضمون المقال عن مصطلح البداغوجيا ، حيث ان الاخير يشير الى نموذج التعليم بالتلقين في مقابل التعلم النشط الذي يلعب فيه المتعلم دور اساسي ومستقل.
محمد الرصاعي 18 يناير، 2021 - 1:58 م
بارك الله فيك، إضافة مميزة، جزيل الشكر.
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد