الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ

الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ

 

ملخّص:

بالرغم من التطور العلمي المذهل فإنّ الشعر الشعبيّ ما يَزَالُ يُثير ذائقة الكثير من متابعي الشأن الأدبيّ نتيجة تجذره في محيطه، حيث بقي مُحافظا على جذوتهِ قادرا على مواجهةِ السيل الجارف من التطورات المتلاحقة خصوصا ما تعلق بالتجارب الأدبيّة المماثلة. وفي خضم كلّ هذا طفت على الساحة الثقافيّة والأدبيّة مخاوف حقيقية من ضياع الموروث الثقافي أمام هذا التطور، وأمام الانتشار المخيف لوسائط التواصل الاجتماعيّ التي غيرت نظرة الفرد للأشياء وللموروث الثقافي والاجتماعيّ وأدخلت معايير وأنماط مغايره للمألوف وهو ما من شأنه أن يُغير سلوك الفرد والمجتمع عامّة تجاه للموروث الثقافي والشعر الشعبيّ خاصّة، مثل تكريس مظاهر العنف وخطاب الكراهية المبثوث في شبكات التواصل الاجتماعي نتيجة قلة الوعي. وللحفاظ على الموروث الثقافيّ والشعر العامي م لا بد من وضع آليات تحميه أمام الخروقات التي قد تطاله، فممكنات صمود الشعر الشعبيّ عامّة والشعر التونسيّ خاصّة أمام الثورة الرقمية باتت غير مؤكدة، لذلك لابد للنخب أن تلعب دورها في هذا المجال وتعيد هذا الجنس إلى الواجهة تحليلا وتعاطيّا ونقدا شأنه شأن بقية الأجناس الأدبيّة الأخرى وربما يستفيد من الثورة الرقميّة أكثر ممّا يتضرر منها، فلا تعارض بين التطّور التقنيّ والمحافظة على موروثنا.

الكلمات المفاتيح: الشعر الشعبيّ/ ممكنات الصمود / الثورة الرقمية / دور الوسائط الاجتماعية في انتشار الشعر.

Abstract:

Despite the remarkable scientific advancements, popular poetry continues to captivate many literary enthusiasts due to its deep roots in its cultural environment. It has remained resilient in the face of the overwhelming tide of successive developments, particularly those related to similar literary forms such as short stories and novels, which are currently highly regarded. Amid these changes, genuine concerns have arisen in the cultural and literary scenes about the potential loss of cultural heritage represented by folk poetry. There is a fear that it might fall into oblivion if not actively preserved, especially given the rapid scientific progress that has impacted all aspects of life, including culture, society, economy, and modernization. The absence of research and studies on folk poetry necessitates that researchers pay more attention to this genre. It holds significant value, not only as an art form but also as a reflection of the collective memory and daily life of communities. This concern is amplified by the widespread influence of social media, which has altered individuals’ perceptions of cultural and social heritage, introducing new norms and patterns that diverge from the traditional, potentially changing the behaviours of individuals and society towards cultural heritage and particularly folk poetry. The risks posed by social media to social life and communication in virtual communities are substantial. These include the perpetuation of violence and hate speech due to a lack of awareness, and the unrestrained use of offensive language or dissemination of harmful images and content through various technological means. These concerns highlight the need for safeguarding cultural heritage and vernacular poetry against such violations. To preserve cultural heritage and folk poetry, it is crucial to establish mechanisms that protect them from potential threats. This preservation is an important issue in our lives, and proactive measures are necessary to ensure their survival and resilience in the digital age.

Keywords: Folk Poetry, Resilience, Digital Revolution, Social Media’s Role in Poetry Dissemination.


1- مقدمة:

عَرِفَ الشّعر العربيّ خلال مسيرته الطّويلة تحوّلات عديدة طالت الشّكل والمضمون معا، وإنْ كانت في الأولى أظهر وهو ما اُعتبر علامة قوّة تُجلي قدرته على التّجدّد والتّأقلم مع المستجدّ، أمّا البحوث والدّراسات فقد استمالها ما كان فصيحا، الأمر الذي أدّى إلى غياب الموروث الشّعبيّ وخاصّة الشّعر الشّعبيّ من هذه المعادلة رغم مكانته الهامّة في وجدان الشّعوب لا باعتباره فنًا فحسب، بل باعتباره أيضا ذاكرتها الجمعيّة وديوان يوميّاتهم. وقد اتّسمت الدّراسات الأكاديميّة فيه بالمحدوديّة، حيث كادت تُغيّب. وقد عثرنا على دراسة قيّمة للباحث عبد الكريم البراهمي تحت عنوان الجمل في الأمثال الشّعبيّة التّونسيّة[1]، وفيها جمع كلّ الأمثال التي قيلت حول الجمل بالبلاد التّونسيّة وسائر بلاد العرب مبرزا أهمّية الأمثال. وقد استأنسنا بما ذهب إليه على اعتبار أنّ المثل جزء من التّراث الشّعبيّ، هذه القيمة الاعتباريّة والفنّية التي ميّزته جعلت المهتمّين بالنّقد الأدبيّ في الآونة الأخيرة يولونه اهتماما خاصّا شأنه في ذلك شأن الشّعر الحرّ والعموديّ، بعدما أدرك البعض أنّ الموروث الثّقافيّ يعتبر أساسيّا في النّسيج الثّقافيّ والاجتماعيّ، وتبعا لذلك تحوّل هذا اللّون القوليّ ضمن شواغلهم، نظرا إلى ثراء مخزونه الفكريّ وقربه من حياة النّاس. وقد نتج عن هذا الاهتمام ثراء السّاحة الفنّية بأشكال قوليّة وفنيّة أخرى مغايرة لما ألفه السّمع وما تعوّد عليه البصر، ممّا منح الموروث الثّقافيّ الشّعبيّ الغنيّ بالتّجارب والقيم الإنسانيّة خصوصيّة جماليّة وفنيّة جعلته يتصالح مع محيطه ويتصدّر اهتمامات الباحثين بعد أن أهمل لفترات طويلة.

وقد آثرنا الاحتفاء بهذه القضيّة لعمق أبعادها ولوقعها في النّفوس والوجدان. لذلك ستتّوزع هذه المقاربة إلى ثلاثة محاور:

نفرد القسم الأوّل منها: للحديث عن الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ وجغرافيّة توزّعه، ونخصّص العنصر الثّانيّ: للحديث عن شبكة التّواصل الاجتماعيّ وأثرها على الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ. وسنستعين ببعض الصّور الفوتوغرافيّة كلّما اقتضى الإيضاح ذلك للإثراء، أمّا القسم الثّالث: والأخير فسنبيّن فيه ممكنات الصّمود والبقاء للشّعر الشّعبيّ التّونسيّ أمام الثّورة الرّقميّة، ثمّ ننهي العمل بخلاصة لأهمّ النّتائج التي توصّلنا إليها.

2- جغرافيّة الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ وأماكن توزّعه:

ارتبط الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ بالبواديّ والصّحاريّ الشّاسعة. فتوزّع بشكل متفاوت، وسجّل حضوره في المناطق الصّحراويّة بالجنوب التّونسيّ خاصّة بـمدن (قبلّي، توزر، قابس) وبالمناطق الجبليّة مناطق السّباسب وتحديدا مدينة القصرين وبعض الأجزاء من سيدي بوزيد) ولا نكاد نظفر بشاعر من الحاضرة والمناطق السّاحليّة في هذا الخصوص، إذ عرفت هذه المناطق بما يُعرف بالشّعر الشّعبيّ الفُكاهي- وهو نمط فنّيّ اختصّ به سكّان الحواضر والمدن السّاحليّة  وهو علامة على التّفاوت الاجتماعيّ والطّبقيّ الذي ميّز تلك الفترة ( فترة الاستعمار)، والفترة التي تلتها – فالشّعر الشّعبيّ الفكاهي ارتبط بالطّبقة المترفة الشّغوفة بوسائل للتّسلية والتّرفيه، حيث كانت الأشعار الشّعبيّة الفكاهيّة تؤثّث أسمارهم ولياليهم المعتمة بفعل القبضة التي كان يفرضها المستعمر، فكان الشّعر الفكاهيّ يحمل في ظاهره بعدا ترفيهيّا لكنّه في باطنه ذو بعد هادف يصوّر واقع المجتمع التّونسيّ تحت نيران الاستعمار (ربّما نفرد لهذا الباب دراسة تهتمّ به في مناسبة أخرى، فهو جدير ببحث مستقلّ )، كان لصعوبة المكان وقساوة الطّبيعة وجفاف المناخ وغياب الماء وضنك العيش الأثر البالغ  في نفوس الشّعراء الشّعبييّن والـﭬوّالة (نسبة إلى الذين ينظّمون الشّعر أو ما يعرف بالملزومة التي ستأخذ وظيفة أخرى في ما بعد، إذ ستتحوّل إلى مادّة تؤثّث الأعراس والمحافل. والمحافل مفردها المحفل وهو موكب يتألّف من مجموعة من النّسوة يجتمعن في العرس ويردّدن الغناء البدويّ والشّعر الشّعبيّ، في حين يردّد الرّجال ما يعرف بالملزوم تأثيثا للسّهرات اللّيليّة التي تقام بمناسبة الأعراس أو الزّرد[2].

والملزوم عادة ما يتكوّن من الأقوال المأثورة، وهي مجموعة من المقطوعات الشّعريّة المنتظمة وتأخذ أغراضا مختلفة، منها غرض المدح والرّثاء والغزل والفخر بالوطن خاصّة، وجرت العادة أن يؤدّيها شخصان، حيث يردّد الأوّل المقطوعة الأولى، ويُكْمِلُ الثّاني المقطوعة الموالية مبتدئًا كلامه بحرف رويّ المقطوعة الأولى، وهو ما منح القول الشّعريّ طاقة إيقاعيّة لتكون للأذهان أقرب وبالقلوب أعلق وللنّفوس أطرب. فيذكّرنا هذا النّمط بالمناظرات التي كانت تُقام بين المتبارين في حفظ الشّعر الفصيح، الذي من شروطه البدء بحرف الرّويّ الذي ينتهي به بيت الشّعر.

 وقد هيمن هذا النّوع على مناسبات الأفراح والمناسبات الوطنيّة والمهرجانات والمنتديات الثّقافيّة والفكريّة خاصّة، التي كانت تقام في إطار التّعريف بالشّعر الشّعبيّ جنسا أدبيّا. وقد وجد هذا اللّون الأدبيّ حاضنته الشّعبيّة في البوادي، فتنافس الشّعراء في نظمه وسعى كلّ منهم إلى تجويد القول والتّبرّز فيه لعطف القلوب على القيم والمثل العليا. وقد نتج عن هذا التّنافس تعدّد المحاولات التي خلقت صورا شعريّة بديعة تُضاهي الشّعر الفصيح في متانته لغة وأسلوبا، الأمر الذي شدّ السّامعين إليه، وأصبح يحظى بالمتابعة والاهتمام لما فيه من صور بلاغيّة جميلة تنفذ إلى الوجدان بسلاسة وعمق. ولعّل هذا ما يُفسّر بانعكاس الطّبيعة القاسيّة وأثرها في النّفوس، فقريحة الشّعراء ربّما تتأثّر بفعل هذه القساوة، وامتداد الصّحراء وضمور الماء والكلأ كلّها عوامل مساهمة في ظهور الشّعر الشّعبيّ ذي الأغراض المتنوّعة، وقد قيلت في هذا الشّأن قصائد عديدة خصوصا تلك التي تتغنّى بالإبل والنّاقة: (سفينة الصّحراء) التي مازالت مصدر عيش سكّانها ومطيّة في حلّهم وترحالهم بحثا عن الكلأ والماء. فظهور الشّعر الشّعبيّ اقترن بالتّغنّي ببطولات العرب وأمجادهم في تحدّيهم الصّحراء وأهوالها وشظف العيش ومثبطاته في سبيل إعمار ربوع هذه الأرض وزرع الحياة فيها وحمايتها والذّود عنها، فكانت أشعارهم ترجمانا صادقا نابعا من الإحساس بالانتماء شأنها في ذلك شأن حركة الأمثال الشّعبيّة التي اكتسبت بفعل تجارب الحياة المتنوّعة واكتسبت انتشارها عبر التّداول والمشافهة. فالشّعر الشّعبيّ مشابه لها.

 وأضحت “الظّاهرة نفسها تقريبا تهتمّ بالأمثال الشّعبيّة التّونسيّة، فبحكم انتقالها وتداولها بين أفراد المجتمع مشافهة، فإنّها تتعرّض إلى التّعديل والتّحوير تماما مثل الأصناف الأخرى من الأدب الشّعبيّ المنقول شفويّا من ذلك الغناء الشّعبيّ والشّعر والحكايات الشّعبيّة والنّوادر وغيرها”[3]. وفي هذا المضمار تنافس الشّعراء في نظم الشّعر فأقاموا المناظرات الشّعريّة والمنتديّات والملتقيّات الفنّية، وتنوّعت الأغراض وتعدّدت ولعّل من أهمّ الأغراض الشّعريّة التي انتظم فيها الشّعر الشّعبيّ غرض المدح والفخر والهجاء، وهي من أكثر الأغراض شيوعا لارتباط هذا الغرض الشّعريّ بالبطولات ومآثر الأجداد والكرم والفحولة وغيرها من مبادئ الشّرف والعزّة ، أمّا فيما تعلّق بمناسبات نظمه فتحدّدها السّياقات المكانيّة والزّمانيّة كمناسبات الأعياد والأفراح … وفي خضمّ هذا التّنافس بدأ الشّعر الشّعبيّ في الانتشار والتّوسّع شيئا فشيئا في الأوساط والشّرائح الاجتماعيّة المختلفة، فاستهوى النُخبة وطرق أسماعهم وأصبح مثار اهتمامهم وانشغالهم، لما وجدوا فيه من جمال الكلمة وسلاسة الأسلوب، وفي هذا الإطار طُرحت أسئلةٌ عديدة مدارها السُّؤال عن سبب الإهمال الذي يلاقيه شعراء هذا الفنّ الذي يُعدّ إرثا ثقافيَّا ومخزونا حضاريّا ضاربا في عمق التّاريخ وعن الغاية من ذلك الإهمال؟  والبحث في إمكان إدراج هذا الفنّ في صُلب الاهتمام بالمنجز الإنسانيّ المختلف دون انتقاء ومفاضلة.

وفي السّياق نفسه سنحاول استعراض بعض النّصوص الشّعريّة من أجل رصد أهمّ أغراضها.

تجدر الإشارة إلى وجود فراغ في مدوّنة الشّعر الشّعبيّ حرم مقالنا هذا من مزيّة الاستناد إلى دواوين شعريّة مكتوبة، وإنّما استعاض عن ذلك بالمقابلات والحوارات الميدانيّة مع بعض الشّعراء.

وقد تركت في نفسي هذه المحاورات أثرا وولّدت لديّ إشكالات، فقرّرت تحويل هواجسهم الفنّية والإبداعيّة إلى مقال علميّ، لعلّه يُسهم في التّعريف بهذا الفنّ الإبداعيّ، وأولى ما يجب الانطلاق منه -باعتباره نقطة البدء- هو أنّ الشّعر الشّعبيّ متوارث، يعتمد على المصادر الشّفاهيّة، فنحن حين نستمع إلى ما قاله الشّاعر الشّعبيّ المولدي خصخوصي[4]، وهو شيخ ناهز الثّمانين من العمر، فإنّنا نرى  تلك النّغمة المعبّرة عن الوجدان الجمعيّ، إذ ينظر إلى الشّعر الشّعبيّ نِظْرَةَ  المتأسّف الذي يرى أنّ هذا الخطاب القوليّ لم ينل حظّه مقارنة بغيره من الألوان الفنّية الأخرى، متحدّثا عن  المؤثّرات التي دفعته إلى الاهتمام بالشّعر الشّعبيّ، إذ يقول: “هناك عدّة عوامل دفعتني إلى الشّغف بهذا الفنّ  أبرزها  الإحساس بالضّيم وقساوة الحياة وصعوبة الطّبيعة كلّها عوامل خلقت في نفسي رغبة في نظم الشّعر”[5] من هذا المنطلق اتّضح لنا أنّ الشّعور باليأس من أهمّ  الظّواهر القاسيّة التي دفعت بهؤلاء إلى خلق أشكال قوليّة تغالب الزّمن والطّبيعة على حدّ السّواء وتجعلهم متشبّثين بالحياة أكثر فأكثر، وهو ما أدّى إلى تفجير قريحتهم إلى قول الشّعر فيكون في الغالب الأعمّ شعرا شعبيًّا حكميّا، حكمه مستمدّة من تجارب الحياة المريرة التي زادتهم تشبّثا بالبقاء والعيش على هذه الأرض التي ولدوا فيها وكبروا بين فيافيها وصحاريها الممتدّة. ولمزيد إضفاء طابع الموضوعيّة ارتأينا استحضار بعض المقاطع الشّعريّة طلبا لمدلول أوضح. وفيما يلي بعض منها:

” لاَ فِي البًحْرٍ وَادْ مَعْلُومْ

وَلاَ فِي الشِّتَاءْ لِيلٌ دَافِي

وَلاَ فِي النِّسَاءْ فَاعِلاَتْ خِيرْ

وَلاَ فِي العَدُو قَلْبٌ صَافِي “[6]

ويقول في موضع آخر:

مَاذِا مِنْ أَمْيَاهْ تَجْرِي فِي الأبْرَارْ

مَاذِا مِنْ عَطْشَانٌ يَتَقَلَّى مُحْتَارْ

وَمَاذاَ مِنْ عِيفُورْ فِي وَسَطِ الدُّوَارْ

لاَ نَاضْ البَارُودْ تُضْرَبْ مَا تَلْقَاهْ

مَاذَا مِنْ أَمْياَهٍ تَجْرِي فِي الأَطْباِقْ[7]

ماَذَا مِنْ عَطْشَانْ يَتْقَلَّى مَا ذاَقْ

ماَذاَ مِنْ طِيرْ بُوجَلْجْلْ[8] وَشِمَاقْ

جَاهْ طِوِيرْ الَلِيلْ[9] مِنْ عِشُو جَلاَهْ

مَاذَا مِنْ مِيَاهْ تَجْرِي فِي لَخْلاَجْ[10]

ومَاذَا مِنْ عَطْشَانْ يَتْقَلَّى مُحْتَاجْ

ومَاذَا مِنْ بِلْبَاسْ يَحْسِبْ رُوحُو حاجْ

رِزْقْ النِاسْ بِالبُهْتَانْ كلاهْ[11]

إنّ استقراءنا لهذه الأبيات الشّعريّة الشّعبيّة يبيّن أنّ الشّاعر ينطق عن تجربة عميقة بالحياة، إذ جاءت حاملة لدلالات مرتبطة بالواقع ومشاغله. والملاحظ أنّها تحوي نسقا حكميّا مستمدّا من المعيش اليوميّ، فمن الممكن لكلّ فرد نبيه وفطن استخلاص العبر المبثوثة في ثنايا المقطوعتين اللّتين لامستا تقريبا كلّ ما ارتبط بشؤون الحياة والنّاس. فما ارتبط بهذه الأبيات من حكم وعبر لم يكن مصادفة، وإنّما كان نتيجة تجربة حياتيّة ممتدّة في الزّمن مرّ بها الشّاعر. وبفعل هذا الامتداد الزّمنيّ وتنوّع تلك التّجارب وتراكمها صار من الممكن استخلاص النّتائج التي كانت محفّزا لقول الشّعر. فاستطاع بفضل ذلك سبك كلام منظوم موزون يطرق الأذهان ويهزّ الوجدان وينفذ إلى القلوب، ويصبح من السّهل حفظه وتداوله بين النّاس. وهذه الأبيات الشّعريّة تجري مجرى الأمثال الشّعبيّة التي ” هي الذّاكرة الحيّة للشّعوب، وهي إبداع ثقافيّ إنسانيّ، وهي من أكثر الأنواع الأدبيّة رسوخا بالأذهان. ويمكن اعتبارها توثيقا لتراث المجموعات البشريّة “[12]. أمّا فيما تعلّق بالصّور الشّعريّة الموجودة في هاتين المقطوعتين الشّعريّتين، فقد استلهمتا من عناصر الطّبيعة المتنوّعة باعتبارها إحدى أهمّ الرّوافد التي أذكت روح الإبداع لدى الشّاعر وجعلته يقف وقفة تأمّل عميقة، ثمّ يستخلص العبر والحكم. وسبق أن أشرنا إلى أنّ صعوبة المكان وقساوة الطّبيعة تُعدّ من العوامل التي دفعت بالشّعراء إلى قول الشّعر الشّعبيّ رغبة منهم في الوقوف والصّمود في وجهها.

لقد ارتبط الشّعر بالحياة وصعوبة الواقع، فمنه ما ارتبط بالمرأة، وما ارتبط بالطّبيعة وأهوالها ومن ذلك مثلا قوله في وصف البحر: “لا في البحر واد معلوم”[13]. فالبحر بامتداده الشّاسع وزرقته لا يستطيع الإنسان أن يكتشف أغواره، فعندما تنوي السّباحة، فإنّك لا يمكننك أن تعلم امتدادات البحر ولا مواقع أوديته، فإذا كُنت لا تُجيدها، فإنّك حتما ستغرق في أوّل مطبّ وواد يعترضك وتلقى حتفك، لذلك يبدو أنّ الشّاعر أخذ هذه الصّورة بما تحمله من مدلول ليبيّن للمتلقّي أهمّية الحيطة والحذر باعتبارهما الضّامن للسّلامة من المهالك والمحافظة على الحياة. وفي موضع آخر يُشير الشّاعر إلى خداع البعض ونفاقهم ويورد مثالا على ذلك. فكم من أحد يدّعي الشّجاعة والقوّة ولكنّه في أوقات المحن يهرب من المواجهة فيبقى أثرا بعد عين، وأقصى ما يفعله للذّود عن حياضه الهروب والاختفاء تاركا بني عشيرته يواجهون مصائرهم بأنفسهم. يقول في هذا الصّدد: “وماذا من عيفور[14] في وسط الدّوار لا ناض البارود تضرب ما تلقاه”[15]. وفي هذا السّياق يجري الشّاعر بيتا حكميّا غاية في البلاغة قصد إبانة معادن الرّجال، فالرّجل الشّجاع هو من يبقى زمن الشّدائد مع بني قومه في السّرّاء والضّرّاء لا أن يتخلّى عنهم في أوّل محنة ويهرب حفظا لحياته ولا يهمّه شأن غيره وهذا ما يتنافى وروح التّضامن والإخاء والقيم المشتركة التي تميّز ثقافتنا العربيّة النّبيلة. وفي السّياق نفسه نجده يفرد بيتا حكميّا مُخصّصا للحديث عن السّفهاء من الأشخاص الذين يستغلّون المظاهر لخداع النّاس ونهبهم بطرق كيديّة ويستدلّ الشّاعر بأولئك الموشّحين بأبهى وأزهى الألبسة لمخادعة النّاس والحال أنّهم لا يملكون من الوقار والهبة شيئا. ويحضرنا في هذا المقام مثل شعبي يتمثّل في: “الجبّة لا تصنع الرّجل وإنّما تضفي عليه الوقار”. ونعني بهذا المثل أنّ من يلبس الجبّة يخاله النّاس على وقار كبير وأنّه شيخ جليل، في حين تناسى البعض أنّ اللّباس لا يعكس جوهر الإنسان، فكم من شخص يبدو في هيئة عاديّة ولكنّ جوهره ومعدنه ثمين. يقول الشّاعر في هذا الصّدد: “وماذا من لباس يحسب روحو حاج رزق النّاس بالبهتان كلاهْ”[16]. فهذا البيت الحكميّ مستمدّ من عمق الأصالة والتّجربة الذّاتيّة لذلك يدعو الشّاعر إلى ضرورة الحذر من هؤلاء.

وإذا ما نظرنا إلى البعد الفنّيّ لهذه المقطوعة، فإنّنا نلحظ ثراءها الفنّيّ والجماليّ، إذ ثمّة تناغم وانسجام جسّدته وحدة الرّويّ التي أضفت بعدا موسيقيّا وغنائيّا على القصيد بأكمله، فحوّلته إلى سمفونيّة غنائيّة تطرب السّامعين، وقد جسّمه الإيقاع الدّاخليّ باعتماد التّكرار المتواتر والجناس الصّوتيّ وهو ما يظهر في جدليّة الصّورة الشّعريّة القائمة على جدليّة التّخفّي والتّجلّي التي تنظّم الصّورة الشّعريّة في علاقتها بالتّخييل، فبفضل هذه الأساليب تحوّلت الصّور الشّعريّة محكمة النّظم حكما تتردّد في المجالس. فكلّ الأبيات الشّعريّة في الحقيقة عبارة عن أمثلة حكميّة وهو ما بيّن أنّ نشأة المثل الشّعبيّ تنتج “من قبل فرد معيّن من المجتمع، ولكنّه لا يصبح مثلا إلاّ إذا استعمله غيره وقُبل من طرف العامّة والخاصّة”[17].

رغم انحصار الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ على مناطق جغرافيّة محدّدة، فإنّه اقتصر على بعض العائلات وتوارثته عائلة تلو الأخرى، كأنّ هوس المحافظة عليه وصيانته من الاندثار بات هاجسهم الوحيد ربّما لشعورهم بأهمّيته أو كذلك لإحساسهم بعدم مبالاة البعض الآخر بهذا الفنّ المتأصّل ذو الجذور العريقة الضّاربة في عمق التّاريخ، وعليه صرنا نجد الأب يُورث الشّعر للأبناء، وربّما يكون هذا الشّغف بالشّعر الشّعبيّ ناتجا عن الوراثة أو ملكة الحفظ. وفي هذا المجال أَستدِلُّ بابن المولدي الخصوصي عبد المنعم الخصخوصي[18] وهو شاعر متعلّم وباحث أكاديميّ متخصّص في اللّغة والحضارة العربيّة، و له موهبة في قول الشّعر الشّعبيّ نتيجة تأثّره بمحيطه العائليّ، إذ يقول: “لقد تربّيت وسط عائلة شغوفة بالشّعر الشّعبيّ وكلّ ما تعلّق بالتّراث والتّاريخ، ممّا انعكس على تربيتي، فكبر معي هذا الشّغف بفعل اقتفاء أثر الوالد إلى أن أصبحت أنظم الشّعر الشّعبيّ”[19].

إنّ النّاظر إلى بعض قصائده يتبيّن أنّها تحمل في طيّاتها عدّة مضامين دلاليّة وفنّية عميقة، وسنستعرض قصيدتين ونحاول دراستهما للوقوف على أهمّ ما ورد فيهما طلبا لمدلول أوضح. وفي هذا نستدلّ بقصيدة غزليّة ومقطعها:

عُمري ما نحبْ التّمجيدْ 

ولا نحبْ العَبدْ المَجَّادْ

لكن هل المرّة تنحيدْ

لأجل عيونك ودادْ

وقد استهلّ بقيّة المقطوعة بالحروف التي يتكوّن منها اسم ودادْ

(الواو) وردة طلعت في تلّة

وَعْلَةٌ[20] تتحدر للواد

(الدّال) دمّي في القلب تغلي

دادى ما لاق ورادْ

(الألف) بتعريف الطُلبة

آه خرجت من صيّادْ

(الدّال) دلّيني لعرشك نوصلها

نخلطْ ونقابل لسيادْ

وفي الميعادْ

نحكي على عيونك وِدادْ

لقد استهلّ الشّاعر قصيدته مستخدما في كلّ مطلع بيت منها حرفا من الحروف المكوّنة لاسم حبيبته، حيث وظّف حرف الواو في البيت الأوّل، ثمّ الدّال في البيت الثّاني والألف في البيت الثّالث والدّال في البيت الرّابع ليقفل بها القصيدة، مكوّنا بذلك اسم حبيبته وِدَادْ، وهو ما جعل القصيدة تأخذ شكلا دائريّا عودا على بدء ممّا منحها بعدا جماليّا أكسبته وحدة الرّويّ المبنيّ على السّكون الهدوء والسّكينة. فرغم الجفاء الذي أرغمت عليه حبيبته قسرا بفعل الرّوابط الأسريّة والاجتماعيّة، فإنّ الشّاعر يعبّر عن ألم الفراق بصمت وتألّم نفسيّ داخليّ ولكنّه في الآن نفسه حاول كسر هذه الحواجز من خلال إصراره التّغلّب عليها ومقابلة حبيبته. وهذه المقابلة أراد لها الشّاعر أن تحترم النّواميس الاجتماعيّة وضوابطها منها مثلا عدم تجاوز أسياد القبيلة، فكلّ الأفعال والأعمال حتما تمرّ عبر استشارة كبار القوم. لذلك يَلِحُّ على ملاقاتهم فهم جواز العبور للقاء حبيبته. وهذا يذكّرنا بصورة المحبّين في الشّعر العربيّ قديما. 

بناء على ما ذكر نتبيّن أنّ الشّاعر قد سعى إلى المحافظة على النّموذج الاجتماعيّ للرّوابط الأسريّة. وتتجلّى هذه المحافظة في لفظة (المِيعادْ)  والأسياد.  فقول الشّاعر: “دلّيني لعرشك نوصلها نخلطْ ونقابل لسيادْ[21]” دالّ على مدى التزامه واحترامه للنّواميس التي تحكم العلاقات القبليّة الاجتماعيّة، إذ لا يمكن لأيّ كان تجاوز رأي وجهاء القوم وأسياده، فالمرور عبر هذه القنوات يعتبر أُسًا لا غنى عنه، وكلّ تجاوز له يعتبر تمرّدا على الضّوابط والقيم التي تحكم طبيعة العلاقات الاجتماعيّة المنظّمة للحياة بين أفراد القبيلة الواحدة أو المجتمع ككلّ. ثمّة إذن حدود وضوابط لا يمكن تجاوزها. وقد أصرّ الشّاعر من خلال هذه المقطوعة الشّعريّة تثبيتها وجعلها ركنا مهمّا ليظهر مدى صدقيّته والتزامه بالقوانين المنظّمة للعلاقات. فاحترام الشّاعر لحبيبته حتما يمرّ عبر مقابلة وجهاء القوم وأخذ رأيهم ومشورتهم. كما مكّنتنا هذه المقطوعة الشّعريّة من التّعرّف على صورة المرأة الشّبيهة بالغزال والمها والرّيم وهي كذلك تقدّم لنا صورة المحبّ الشّبيهة إلى حدّ كبير بصورة المحبّ العربيّ قديما من حيث بُعد المحبّين وعدم الوصال. فحالة الشّاعر الوجدانيّة تذكّرنا بحالة الشّعراء قديما (جميل بثينة، عنترة، عمر بن ربيعة…). ويعدّد الشّاعر الشّعبيّ الأغراض الشّعريّة ومضامينها فيقول:

حّرام ْنُسْكُتْ مَا نُرُدْ الشِّيِرَهْ

قَعَدْنَا فَي حِيرَهْ

مَا فِهِمْنَا حُقُوقْ الجِيِرَهْ

تشوف لتصويرة الصّرح ساهم في تدميرهْ

كيف نقرأ السّيرة

جمل يهدر بنواويرهْ

 وأيّام سعدْ أعطيني التّأشيرة تتشوف الجدْ

يجيك المد يا عروبة فيك نمجّدْ

المقطع الثّاني:

حرام نلبدْ لبدان قرودة

نستنّى جودة ونفرح للغازي بوجودة

حرام نضحك ضحكة مقدودة

زهرنا راقدْ

حرام نبني للحق لحودة

والغازي لينا جَندْ

ما قدر حَدْ يركّعنا

نعبدْ

المقطع الثّالث:

حرام نُسكت للظّلم جهار

نتبّع سمسار لعبة دخلوا فيها كبار

اختاروا لخيار واعملوا ضيفة وسط الدّار

وخذوا قرار يلزمكم تنسوا لَعْجَارْ

منّه نزهد يلزم فوق حَصار حصار

حصارْ وسدْ سجّلْ يا تاريخ وعِدْ بجزر ومدْ

وفي الواقع ما نَخْشَى حَدْ

 تطرح هذه المقاطع الشّعريّة التّمزّق النّفسيّ الذي يعيشه الشّاعر بين ماض يراه سعيدا وراهن يراه تعيسا. فكانت الصّورة مقابلة بين صورة الماضي وصورة الحاضر.

إنّ توظيف التَاريخيّ في القصيدة ذو محامل أيديولوجيّة تحرّكه رغبة وتوق من الشّاعر إلى رؤية مجتمع عربيّ موحّدٍ يؤمن بوحدة المصير، مستفيدا من القواسم المشتركة الجامعة مثل اللّغة والدّين والتّاريخ والثّقافة، لا أن يبقى مفكّكا وممزّقا تتهافت القوميّات الأخرى لتقطيع أوصاله. فاستدعاء التّاريخيّ في هذه المقطوعات الشّعريّة هو استعارة لصورة العربيّ النّاصعة استحضرها الشّاعر كي يُطِلَّ من خلالها على الحاضر الرّاهن. فالتّاريخ العربيّ كان حافلا بالأمجاد والبطولات، إلاّ أنّه سُرعان ما تراجع وبات يعيش لحظات انحطاط وركود نتيجة انصراف المهتمّين بهذا الشّأن عن أمّهات القضايا وانشغالهم بقضايا جانبيّة لا قيمة لها في بناء المجتمعات وتطوّرها، لذلك سعى العديد من المصلحين والأدباء والشّعراء إلى بعث مفاهيم جديدة في محاولة منهم لبناء ملامح مجتمعات متقدّمة تُضاهي بقيّة الأمم. وقد كانت الخلفيّة التي تقود هؤلاء متمثّلة في كيفيّة استثمار التّاريخ العربيّ وموروثه الثّقافيّ والفكريّ الحافل بالإنجازات والإضافة إليه من المنجزات العلميّة المتطوّرة التي ابتدعها الآخر، وقد اختار البعض الارتماء في أحضانه دون العودة إلى الينابيع الأولى. ونعني به التّراث واستلهامه وتوظيفه توظيفا سليما في مستوياته المختلفة. لهذه الأسباب وغيرها جاء الشّعر الشّعبيّ حاملا لطابع حماسيّ يهدف إلى شحذ الهمم وتحفيزها على عدم الاستكانة، وداعيا في قسم كبير منه إلى ضرورة التّصدّي للمستعمر ومقاومته بكلّ الطّرق والوسائل. يقول الشّاعر عبد المنعم في هذا الصّدد:

“حرام نلبدْ لبدان قرودة

نستنّى جودة ونفرح للغازي بوجودهْ”[22].

باتت مقاومة المستعمر وطرده عن ديار العرب من المسلّمات وأمرا لا مناص منه. لذلك نجده يدعو إلى مقاومته ودحره -كلّفنا ذلك ما كلّفنا-. ولتحقيق هذا المبتغى اشترط الشّاعر على بني قومه توحيد الصّفوف ورصّها ونبذ الخلاف لأنّ المستعمر حلّ بين ظهرانينا ولا خلاص منه في ظلّ الفرقة والتّشرذم. وفي هذا السّياق عمد الشّاعر إلى تذكير النّاس بمآثر العرب وأمجادهم التّالدة. فالعرب قوم يأبى عيشة الذّلّ والمهانة ولا يرضون العيش تحت الأغلال والقيود ولا يصمتون على الظّلم مذكّرا إياّهم بتاريخهم الحافل بالإنجازات، يقول في هذا الشّأن: “سجّل يا تاريخ وعد بجزر ومد وفي الواقع ما نخشى حدْ”[23].

بناء على ما سبق يتّضح لنا أنّ الشّعر الشّعبيّ جنس أدبيّ فنّيّ لا يقلّ قيمة عن الشّعر الفصيح، لتضمّنه طرائق قوليّة ووسائط فنّيّة زاخرة بالمعاني والدّلالات، إضافة إلى عمق انتمائه الحضاريّ وتأصّله في الموروث والفلكلور الشّعبيّ الذي وشّحه بطاقات رمزيّة وبإيحاءات فنّية مكّنته من أن يكون في متناول القارئ العاديّ، فأصبح من الممكن فهم مقاصده ومراميه دون عناء لذلك يجب إعطاء هذا الشّكل الأدبيّ حقّه في التّواجد، والاهتمام من طرف الدّوائر المختصّة وخصوصا من قبل المثقّفين والمختصّين لأنّه يضطلع بوظائف منها المحافظة على روح الأصالة والهويّة العربيّة. فإعادة إحيائه في بعده الفنّيّ والدّلاليّ هي إعادة إحياء إرث ثقافيّ وحضاريّ يعتبر جزءا من التّراث الإنسانيّ العالميّ الذي يمكن أن يفيد البشريّة في أيّ مرحلة من المراحل لأنّ الأمم لا يمكن أن تُبنى دون أن يكون لها إرث تستخلص منه العبر وتستمدّ منه قوّتها. وعليه يجب العودة إلى التّراث التّونسيّ بكلّ ألوانه وأشكاله المختلفة والعناية به دون مفاضلة بين مكوّناته. فمثلا يجب أن يتمتّع الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ بالأهمّية نفسها التي يتمتّع بها علماء الآثار، لأنّ كليهما له الأهمّية ذاتها، فكلّ يكمّل الآخر وقس ذاك على بقيّة المكوّنات. لكن ما نلاحظه أنّه بالرّغم من المحاولات الجادّة التي يلقاها هذا الفنّ الأدبيّ من قبل البعض من أجل إعادة الاعتبار إليه، بقي منقوصا من أهمّيتها في ترسيخ القيم الحضاريّة والاجتماعيّة وفي حاجة إلى متابعة أفضل في ظلّ التّطوّر العلميّ والتّكنولوجيّ الذي سعى إلى فرض منهجه على كلّ الأصعدة ولم يسلم منه الإنسان ذاته، فما بالك بما تعلّق بما هو تراثيّ وتاريخيّ؟ فهل سيتمكّن الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ من البقاء والاستمراريّة في ظلّ الثّورة الرّقميّة؟

3- شبكة التّواصل الاجتماعيّ وأثرها على الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ:

لا بدّ لنا من رفع التباس قد يتبادر إلى ذهن القارئ، وهو التّساؤل عن سبب حديثنا عن شبكات التّواصل الاجتماعيّ، وهو تساؤل وجيه مردّه أنّ حديثنا عن هذه الشّبكات ليس حديثا عنها بشكل مستقلّ بقدر ما هو حديث عن علاقتها وتأثيرها على الشّعر الشّعبيّ باعتبارها فضاء من فضاءات تعاطيه، فهي تعدّ التّطوّر العلميّ المتسارع، سلاحا ذا حدّين، إذ بواسطة العلم تتطوّر الأمم وترتقي الشّعوب نحو العيش الأفضل، وبفضل تقدّمه أيضا يمكن أن تتلاشى بعض القيم والعادات والثّقافات، لهذا السّبب بتنا نخشى على الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ والعربيّ عامّة من الاندثار والاضمحلال في ظلّ التّطوّرات العلميّة المتلاحقة، لأنّ الفئة العمريّة المستهدفة من هذا التّطوّر هي فئة الشّباب،  وأبناؤنا من النّاشئة والطّلبة الذين هم من أهمّ مكوّنات المجتمع، الذين لا يمكن أن يكونوا بمنأى عن أسرهم وعن سائر مكوّنات الطّبقات الشّعبية، وبالتّالي فهم يتلقّون تأثيرا مزدوجا من الفضائيّات تارة ومن الإنترنيت تارة أخرى. لكنّ هذه الأخيرة اكتسحت عقول النّاشئة بشكل لافت وتكاد تنفي الأولى، ففي البيت الواحد مثلا تجد كلّ فرد في الأسرة منشغلا بحاسوبه أو بجهاز هاتفه الذّكيّ، منغمسا في النّظر إليه مطأطئ الرّأس لا ينظر إلاّ إلى حاسوبه أو هاتفه ولا يهمّه من يجالسه. من هنا بدأت مساحة الحوار داخل الأسرة الواحدة تتقلّص، بل تنعدم وقس على المجتمع كلّه. والصّورة الآتية خير دليل على ذلك، فهي تلخّص المشهد الثّقافيّ اليوم، إذ تبيّن تركيبة هذه الأسرة التي تتكوّن من أبوين شابّين وطفلين صغيرين مجتمعين في غرفة النّوم، وكلّ منهم أمامه حاسوب، حتّى الصّغير الذي مازال يحبو بحاسوبه، إضافة إلى تحويلهم غرفة النّوم إلى مطبخ على اعتبار وجود الطّعام في فراش النّوم. فهذه الصّورة إذن تعبير صادق على حجم الهوس والإدمان بالأنترنيت التي سيكون لها انعكاس سلبيّ على العلاقات الأسريّة والاجتماعيّة عامّة.

وهذا ما جعل الاهتمام بالكتاب والقراءة أمرا ثانويّا، وقد تقلّص تدريجيّا وانعدم في ظلّ الثّورة الرّقميّة، حيث أصبحت المكتبات ودور الثّقافة والمسارح أين تُقام المنتديات الشّعريّة والمسامرات الثّقافيّة عروشا خاليّة لا يرتادها سوى المؤمنين بأهمّية الثّقافة في حياة الشّعوب والمجتمعات. ومن ثمّ لم يعد للكتاب أثر يذكر في حياة النّاشئة الذين سيحملُون لواء البناء والتّغيير، وبغياب الشّيوخ حُفَّاظُ هذا الفنّ ( الشّعر الشّعبيّ) سنكون قد طوينا جانبا مهمّا من تراثنا وإزاء مساحة مُتصحّرة خالية من هؤلاء لسببين اثنين: أمّا الأوّل فيتمثّل في عدم تدوين الشّعر وحفظه، والسّبب الثّاني فيتمثّل في عزوف الشّباب على القراءة والاستماع وشغفهم بالجديد الوافد ظنّا منهم أنّه معيار الرّقيّ والتّقدّم. والحال أنّ ذلك سيخلق جيلا مُسْتَلِبَ الهويّة والخصوصيّة. لذلك وجب أن يأخذ من كلّ شيء بطرف. وفي هذا السّياق يتنزّل اهتمامنا في الجزء الثّاني من ورقتنا العلميّة بتأثير وسائل التّواصل الاجتماعيّ على الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ وكيفيّة المحافظة عليه. وفي هذا الصّدد نعيد طرح بعض الأسئلة التي أثارتها الباحثة اللّبنانيّة مريم حمزة في مقالها المذكور آنفا عندما تحدّثت عن تأثير التّلفاز في الثّقافة الشّعبيّة. وبشكل مغاير ولأنّ المقام مغاير هنا، كيف يمكننا التّصدّي لهذا المارد (النّت) وتحصين عقول أبنائنا التّلاميذ والطّلبة من خطورة استعماله؟ نحن هنا نتحدّث عن تأثير النّت وتحديدا شبكة التّواصل الاجتماعي على الثّقافة الشّعبيّة.

لا شكّ أنّ وسائل الإعلام اكتسحت الفضاء والبيوت، وأصبحت تفعل فعلها في المشاهد والمستمع في آن عبر رسم ملامح تفكيره وتوجيهها، حيث أدّت هذه الوسائل إلى أسر القلوب والعقول، مستحوذة على المشاعر، متسلّلة إلى العادات والتّقاليد، مؤثّرة فيها ومتأثّرة بها، وحلّت محلّ ناقل الأخبار، ففي العصر الجاهليّ كان الشّاعر النّاطق باسم قبيلته ولسان حالها ووسيلتهم الإعلاميّة يتغنّى بأمجادها ويمدح عظماءها ويهجو أعداءها. غير أنّ هذا النّسق الشّعريّ لم يبق رهين المشافهة نتيجة التّطوّر التّكنولوجيّ الذي استحدث وسائط أخرى كالطّباعة والصّحف والمجلاّت، التي باتت مصدر الخبر وبقيت لفترة طويلة مهيمنة على المشهد الإعلاميّ إلى حدود ظهور الفضائيّات التي مثّلت نقلة نوعيّة هي الأخرى نحو مزيد تطوّر المشهد الإعلاميّ، فتكاثرت بشكل لافت للانتباه وباتت المصدر الأكثر جاذبيّة لقلوب النّاس لما فيها من سلطة الكلمة وسحر الصّورة مما جعلها تجلب لنفسها الصّغار والشّيوخ، النّساء والرّجال على حدّ السّواء. وأصبحت هذه الوسيلة الأكثر تأثيرا في النّفوس وتوجيه المستمع والمشاهد. وفي هذا الصّدد تقول الباحثة مريم حمزة في ورقتها العلميّة بعنوان: “الفضائيّات وتأثيرها في الثّقافة الشّعبيّة” لا يخفى على أحد الدّور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام في حياة الأمم والشّعوب والمجتمعات، أفرادا وجماعات ومؤسّسات، وما تخلّفه فيهم من آثار إيجابيّة حينا وسلبيّة حينا آخر”[24].

وقد خَصّت الباحثة عنوان ورقتها بنوع واحد من وسائل الاتّصال وهي الفضائيّات، في حين غيّبت عنصرا آخر يبدو في وقتنا الرّاهن الأكثر جاذبيّة وإغراء من سابقيه وهو شبكة التّواصل الاجتماعيّ ( ودورها السّلبيّ في صرف الشّعوب عن العمل وحتّى التّعلّم إلخ. لذلك سنحاول في مقاربتنا الحديث عن أهمّيتها، وفي الوقت ذاته نرصد سلبيّاتها على الثّقافة الشّعبية فيما تعلّق بالشّعر الشّعبيّ التّونسيّ والوطن العربيّ عامّة. فكلّ الأقطار العربيّة ليست بمنأى عن مجتمعنا التّونسيّ نظرا للقواسم المشتركة (الثّقافيّ والاجتماعيّ والدّينيّ). ثمّ نعمل على تقديم بعض المقترحات بحثا عن حلول تساهم في صون الإرث التّاريخيّ والثّقافيّ.

3- 1- السّلبيّات:

في ظلّ الثّورة الرّقميّة الهائلة، أصبحنا نسجّل أرقاما مفزعة من مستعملي شبكة التّواصل الاجتماعيّ، ووصل الأمر بالبعض إلى درجة الإدمان والهوس بها، وتحوّلت إلى خبز يوميّ بالنّسبة إلى الكثيرين. الأمر الذي ولّد في النّفوس الحيرة والخوف على مصير الأجيال النّاشئة في المستقبل المنظور والبعيد من مغبّة السّقوط في البذاءة. من هذا المنطلق يصبح للخوف مبررات حقيقيّة من تطوّر الثّورة الرّقميّة التي تكاد تهدّد مستقبل الثّقافة الشّعبيّة وخاصّة الشّعر الشّعبيّ، فإذا لم توظّف شبكة التّواصل الاجتماعيّ توظيفا سليما، فإنّه سيندثر ويضمحلّ في زحام المستحدث الوافد من مشارب العالم المختلفة. وأمام هذا السّيل الجارف من الثّقافات وتداخلها نُنَبِّهُ إلى الأخطار المحدقة بالإرث الثّقافيّ والاجتماعيّ للأمّة التّونسيّة والعربيّة عموما. فطبيعة المرحلة تقتضي منّا البحث على ابتكار طرائق تمكّننا من الانفتاح على الوافد، لكن في الآن ذاته نحافظ على تراثنا وإرثنا الثّقافيّ من التّلاشي في زحام العولمة التي لا يهنأ لها بال إلاّ إذا قدّمت شكلا جديدا لما هو موجود كحال شبكة التّواصل الاجتماعيّ وغيرها من وسائط التّواصل والتّطبيقات التي غزت العالم، وللحفاظ على موروثنا الثّقافيّ المتنوّع وجب إنشاء مواقع رسميّة تُعنى بالثّقافة الشّعبيّة بمختلف مكوّناتها للتّعريف بالشّعر الشّعبيّ التّونسيّ وتدافع على أصالته وتجذّره في محيطه العربيّ الاجتماعيّ، وبذلك تكون منافسا حقيقيّا لتلك الثّقافات الشّعبيّة الوافدة ممّا يحقّق له الدّيمومة والاستمرار ويحفظه من الاندثار والاضمحلال.

   إنّ الحرص على إقامة مثل هذه المواقع الافتراضيّة المخصّصة للثّقافة الشّعبيّة التّونسيّة والعربيّة عامّة مردّه إلى انكباب أغلب الشّباب على شبكة التّواصل الاجتماعيّ المختلفة، فإحداث مواقع مختلفة وصفحات متنوّعة للتّراث والشّعر الشّعبيّ من شأنه أن يلفت انتباه روّاد هذه الشّبكات وبالتّالي يصبح أمر الاهتمام والشّغف به من قبل هؤلاء واردا بل مؤكّدا، وفي هذه الحالة يبقى ما هو تراثيّ وثقافيّ في الذّاكرة ونحفظ له الدّيمومة والاستمرار. فالتّحرّك السّريع ووضع البدائل من شأنه تخفيف انعكاسات شبكة التّواصل الاجتماعيّ ( Face book) على البنية الثّقافيّة والاجتماعيّة وتحديدا على الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ وتقليص أثاره الوخيمة، بل المدمّرة نظرا لعدم الاكتراث به وغياب جمهور المستمعين له في المناسبات التي تقام له بين الفينة والأخرى. 

فبعد شيوع النّت، صار بالإمكان امتلاكها من طرف الجميع ولم تبق حكرا على الأغنياء فقط، لكنّ الاختلاف الوحيد بينها وبين جهاز التّلفزة أنّ شبكة التّواصل الاجتماعيّ تستهدف فئة عمريّة بعينها وهي فئة الشّباب والكهول نسبيّا في حين تبدو التّلفزة الأكثر حضورا. لكنّ الوسيلة  الأولى تبدو سلبيّة أكثر على مستعمليها  باعتبارها  تلهي الشّباب عن العمل والدّراسة والبحوث إلخ والخشية متأتّية من عدم حفظ الموروث الثّقافيّ والحافظون له حتما سيأتي يوم ويغيّبهم الموت، فلا نجد من بعدهم من يحفظ هذا الإرث الثّقافيّ والتّاريخيّ المهمّ نتيجة انشغال النّاس بهذه الشّبكة العنكبوتيّة وانصرافهم عن المنتديات الثّقافيّة والفكريّة التي تقام بين الفينة والأخرى في المناسبات الوطنيّة والمهرجانات قصد إحياء الموروث الثّقافيّ والفلكلور الشّعبيّ وإعادة إنتاجه في ثوب جديد، وهذا الأمر يبدو على غاية من الصّعوبة خصوصا في ظلّ العولمة التي  رافقتها ثورة رقميّة غير مسبوقة لذلك وجب توخّي الحذر والحيطة من هذا المارد الذي سيعمل على زعزعة القيم وكلّ ما له صلة بالموروث الثّقافيّ والاجتماعيّ. فواضعو هذا الانجاز العلميّ ومخترعوه طبعا لهم دوافع ذاتيّة تتمثّل في نشر ثقافتهم التّغريبيّة بهدف إطالة أمد الاستعمار الثّقافيّ، ولم يكن هدفهم الأساسي خدمة الإنسانيّة جمعاء كما يدّعون. وهو ما يتطلّب من مستعملي هذه الوسائل وروّادها أن يوظّفوا هذه الوسائل توظيفا سليما لامتلاكها عديد الفوائد كسرعة التّواصل والاتّصال.

بفضل هذه الشّبكة صار بالإمكان التّواصل مع أيّ شخص والتّحدّث إليه في أيّ مكان من المعمورة متى تشاء وبأيسر السّبل ودون عناء، كما منحتنا التّعرّف على عادات وتقاليد الشّعوب الأخرى. وفي المقابل لا يخلو استعمالها  المفرط  من  تأثير سلبيّ على سلوك الفرد والمجتمع عامّة، حيث تجنح الأغلبيّة المطلقة من الشّباب إلى توظيفه في أمور تمسّ القيم والأخلاق، فعوض أن يكون هذا الفضاء لتسهيل التّواصل والتّعارف، يصبح فضاء تهتك فيه الأعراض والمقدّسات ومكان للخصومات وتبادل الشّتائم والتّجريح وكلّ ما يمسّ بالقيم والأخلاق، وهو ما ينجرّ عنه تفكّك  البُنى الثّقافيّة  والأخلاقيّة وعندئذ يصبح من السّهل القضاء على الموروث الثّقافيّ بمختلف مكوّناته: الشّعر الشّعبيّ والعادات والتّقاليد، وتحلّ محلّها ثقافة بديلة تغريبيّة تفقدنا الخصوصيّة الثّقافيّة والهويّة التي هي آساس كلّ تقدّم لأنّ المعركة الآنيّة تدار من هذا الجانب. وفي الوقت الرّاهن برهن مستعملو شبكة التّواصل الاجتماعيّ أنّهم يفتقدون إلى الحكمة من ذلك مثلا عدم احترامهم الخصوصيّة الذّاتيّة. وأصبح كلّ ما هو شخصيّ في متناول الجميع. وفي هذا الإطار  يُحذّر العديد من المفكّرين في  الحضارة وعلم الاجتماع من مغبّة الانسياق والتّهوّر في استعمال  هذه الوسائط دون عقلانيّة وهو ما حدا بالباحث في الحضارة الحديثة عبد المجيد العطواني إلى وصف شبكات التّواصل الاجتماعيّ بالسّلاح الفتّاك الذي اخترعته الإنسانيّة بهدف إخضاع الشّعوب الفقيرة ومزيد الهيمنة عليها وتجريدها من مقوّمات هويّتها، إذ يقول في هذا الصّدد: “تعتبر شبكة التّواصل الاجتماعيّ إحدى أخطر الوسائل فتكا على المستوى الأخلاقيّ والثّقافيّ التي قدّمتها المعرفة الإنسانيّة الغربيّة للأجيال خصوصا لدول العالم الثّالث الذي مازال بعد يتخبّط في الجهل والأمّية، والذي سيجد صعوبة  كبيرة  في حسن  توظيفه توظيفا سليما. وهو ما سيعرّض مستقبل هذه الأمّة  للخطر”[25]. ويذهب به الأمر إلى حدّ اعتباره غزوا واستعمارا ثقافيّا جديدا مقنّعا أوجدته الدّوائر الإمبرياليّة للتّجسّس على الدّول الفقيرة ولتطيل أمد استعمارها. وفي خضمّ هذا الأمر يدعو إلى استثمار الكثير من الفوائد التي يثمّنها عاليا، ويعتبر أنّ اكتشافه من أجود وأعظم اكتشافات العلم الحديث في مجال التّواصل والتّعارف بين الشّعوب والإنسانيّة[26]. وهو ما يدعونا إلى التّفكير الجيّد في طريقة لتوظيفه. ويقودنا هذا للحديث عن إيجابيّاته.

3- 2- الإيجابيّات:

استطاع الإنسان بفضل شبكة التّواصل الاجتماعيّ التّغلّب على معضلة من أصعب المعضلات التي كانت تؤرّقه، وهي الاتّصال، إذ أصبح من السّهل التّواصل مع الآخرين بأيسر السّبل، فيكفي أن تكون جالسا أمام حاسوب وأنت في تواصل مع الطّرف المقابل في أيّ زمان ومكان من العالم ومتى تشاء. وهو ما مكّننا من معرفة ثقافات الشعوب الأخرى وعاداتهم وطريقة عيشهم وتفكيرهم.

لا يخفى على أحد تحوّل شبكة التّواصل الاجتماعيّ إلى خزّان معلومات، إذ نجد فيه ما هو دينيّ وأدبيّ وثقافيّ ورياضيّ وموسيقى غنائيّ وكلّ ما له ارتباط بنشاط الإنسان، موثّقا هناك. فهذا الثّراء والتّنوّع يكادُ يغنيك عن البحث في أيّ مكان آخر ويوفّر عنك مشقّة البحث والتّنقّل. فمثلا يكْفِي أن تضع عنوان كتاب وتضغط على الزّرّ، فيتمّ تحميل الكتاب الذي تريد وبأيسر السّبل دون التّحوّل إلى المكتبات للبحث عنه، ففي الماضي وليس بالبعيد كان الواحد منّا إذا ما أراد البحث عن مصدر أو مرجع، فإنّه يبذل جهدا مضاعفا من أجل الظّفر بذلك إمّا عبر التّحوّل إلى المكتبات الوطنيّة الموجودة في المركز، وفي بعض الأحيان يذهب به الأمر إلى حدّ السّفر إلى خارج الوطن للبحث عنه.

لقد أدّى التّطوّر التّكنولوجيّ إلى نتائج باهرة تخدم الإنسان أينما وجد، لكن في أغلب الأحيان يتحوّل هذا التّطوّر العلميّ إلى كابوس يهدّد الإنسان في وجوده وقيمه بسبب انزياح مستعملي هذه الاكتشافات عن مسارها الذي من أجلها وجدت، كما هو الحال مع شبكة التّواصل الاجتماعيّ. فمثلما أسلفنا كان الهدف من هذا الاختراع، ساميا ونبيلا سعى مخترعوه إلى تقديم خدمة للإنسانيّة تتمثّل في تسهيل عمليّة التّواصل بين الشّعوب والتّعرّف على عاداتهم وتقاليدهم والتّسلية والتّرفيه، إلاّ أنّ هذه الأهمّية أخذت منعرجات أخرى غير التي اكتشفت من أجلها،  فتحوّلت هذه الوسيلة إلى مصدر لكثير من السّلبيّات كالإشاعات والأخبار الزّائفة وهتك الأعراض والسّبّ والشّتم والثّلب والتّجريح، فداست على القيم الإنسانيّة مثل المروءة والأخلاق باعتبارهما مطلب كلّ الشّعوب.

إنّ الحرص على المحافظة على هذه القيم من الضّياع في ظلّ الاستعمال الخاطئ لشبكة التّواصل الاجتماعيّ يؤسّس لبناء مجتمعات قادرة على فهم ما يحاك ضدّها. وفي تقديرنا إنّ من ابتكر ما يعرف بشبكة التّواصل الاجتماعيّ، حقّق ما عجزت عنه أعتى القوى العسكريّة والسّياسيّة وخصوصا في بلدان العالم الثّالث التي مازالت بعدُ تُعاني من مظاهر التّخلّف والأمّية، حيث لا تجيد مراقبة استعماله وضبطه وهذا لا يتنافى ومطلب الحرّيات والخصوصيّة الفرديّة التي تُصان فيها كرامة الإنسان وتحفظ حرّيته من الدّوس تحت الأرجل عبر الأراجيف والكذب. كما تحوّل أيضا إلى وسيلة للابتزاز وافتعال الأخبار الكاذبة للخصوم. وفي هذا السّياق نورد مثالين مقتطفين من إحدى المواقع الاجتماعيّة لتقريب الصّورة من ذهن المتلقّي: “تطوّرات عاجلة الآن تهزّ جميع أهالي الضّاحية الجنوبيّة لتونس العاصمة” و “بلاغ عاجل لكلّ التّونسيّين قبل منتصف اللّيل”. يرمي منزّلو هذه البلاغات الصّحفيّة على صفحات شبكات التّواصل الاجتماعيّ إلى شدّ انتباه متصفّح الشّبكة، فيهرعون إلى فتح ذلك الخبر والاطّلاع على محتواه، وبعد معرفته يتّضح أنّه خبر كاذب.

نخلص إلى نتيجة هامّة مفادها أنّ مثل هذه الإشاعات تبدو مغرضة يهدف أصحابها إلى زرع الرّعب في النّفوس وربّما أيضا إلى شدّها لمواصلة التّواصل أو محاولة زرع البلبلة في النّفوس لإثارة الفتن والقلاقل وزعزعة السّلم الأهليّ. وفي هذه الحالة يتعارض مع مواكبة التّطوّر العلميّ الذي يسعى إلى تقديم خدمة للإنسانيّة، فالحريُّ بواضعي هذه الأخبار التّحلّي بالموضوعيّة والصّدق في نقل الخبر والتّثبّت منه بدل نشره هكذا دون رويّة وإعمال عقل. وهو ما قد يؤدّي إلى عواقب وخيمة لا يعلم مدى ارتداداتها.

ومن هذا المنطلق يجب الاحتكام إلى ضوابط تلزم روّاد هذا الفضاء رغم علمنا بتعذّر تحقّق أمنيتنا:

  • الشّرط الأوّل: التّقيّد بميثاق شرف بين مستعمليه ومنها عدم التّعرّض إلى هتك أعراض النّاس والمساس بخصوصيّاتهم.
  • الشّرط الثّاني: عدم بثّ الإشاعات الكاذبة التي قد تؤدّي إلى الفوضى، وعدم الاستقرار.
  • الشّرط الثّالث: الالتزام بوضع ميثاق ينظّم العلاقات بينه وبين مستعمليه مثل ميثاق الشّرف الذي ينظّم مهنة الصّحافة المكتوبة والمرئيّة. وفي هذه الحالة تستقيم وضعيّة مستعملي هذه الشّبكة، وتحقّق الغاية والهدف من استعمالها. لكن يجب أن يبقى الحذر في استخدامه أفضل طريقة للتّصدّي لمثل هذه الأخبار والإشاعات الزّائفة.

رغم الإيجابيات التي وسمت ظهور شبكات التّواصل الاجتماعيّ والتي تمّ ذكرها، فإنّ سلبيّاته تضاعفت وباتت تهدّد كلّ الميادين والمجالات تقريبا، ولعّل المجالات الأقرب إلى التّأثّر السّلبيّ التّراث بكلّ فروعه، فما هي إذن سُبل المحافظة على الشّعر الشّعبيّ أمام الانتشار الكثيف لهذه الوسائط التّواصليّة؟

4- سبل المحافظة على الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ في ظلّ حضور شبكة التّواصل الاجتماعيّ:

باتَ الحفاظ على الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ والعربيّ عامّة من أوكد الأمور، لأهمّيته في التّراث الإنسانيّ، ومطلب المحافظة عليه اقتضته ظروف موضوعيّة نذكر منها التّطوّر العلميّ الذي أزاح عديد المسلّمات وأضفى ديناميكيّة جديدة على نمط الحياة ممّا جعل الكثيرين يتوجّسون خيفة من هذا التّطوّر الذي قد يقطع مع التّراث بكلّ تفاصيله الثّقافيّة والفكريّة والدّينيّة وخصوصا إذا وجد حاضنة شعبيّة ممثّلة في النّخب التي تبارك هذا الشّكل في بعض الأحيان متعلّلة بمقولة الحداثة التي تبقى همّ الجميع شرقا وغربا، في حين لا ينظر إلى الحداثة على هذه الشّاكلة، حيث يراها الطّرف الآخر عملا إنسانيّا لا يقطع مع الماضي بكلّ تفاصيله، وإنّما تعني الاستلهام من روح التّاريخ في فتراته النّاصعة وتطويرها وفق مقتضيات الحداثة لأنّ الإرث الإنسانيّ الثّقافيّ والموروث الشّعبيّ أحد مقوّمات الحداثة المزعومة، فيه تتشكّل هويّة الفرد والمجتمع، ومنه تستعاد هبة الذّات، وبالتّالي يكون ضامنا للخصوصيّة وآداة فعّالة ضدّ الاستلاب والانصهار في الآخر الذي يسعى بكلّ جهد لاحتوائك وجعلك تابعا له في كلّ شيء، وهي شكلّ من الأشكال الجديدة للاستعمار الثّقافيّ بدل الاستعمار العسكريّ، إذ يبدو هذا أخطر من الاستعمار المباشر لذلك وجب على النّخب العالمة أن تستعدّ جيّدا للتّصدّي إليه لأنّه إذا ما قدّر له أن ينجح ويتسرّب إلى الأذهان، فإنّ ذلك ستكون له انعكاسات سلبيّة على تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا نظرا لأهمّيته في التّراث الإنسانيّ ولأنّ الشّعر الشّعبيّ لم يدوّن ولم يدرج ضمن البرامج الرّسميّة المدرسيّة والجامعيّة وبقي مهمّشا لفترات طويلة، حيث اقتصر حضوره على فئة قليلة وهم سكّان الصّحراء والأماكن الوعرة.

ومن هذا المنطلق يجب على الفئة المثقّفة والنّخبة أن تولي أهمّية بالغة لهذا الأمر وأن تناط على عاتقها عهدة المحافظة على الموروث الثّقافيّ والاجتماعيّ والشّعر الشّعبيّ يكون جزءا من هذا الإرث الثّقافيّ لأنّه جزء من الحضارة الإنسانيّة كأن تخصّص له هياكل إداريّة قصد التّعريف به داخل المؤسّسات الثّقافيّة والجامعيّة كي يستعيد ألقه وعافيّته. فالنّخبة المتعلّمة هي الأقدر من غيرها على فهم مجريات الأمور وإيضاح أهمّية التّراث للعامّة وفئة الشّباب خاصّة أسوة بنظرائهم في البلدان الأخرى سواء أكانت عربيّة أو غربيّة لأنّه ثمّة بعض البلدان قد احتفت أيّما احتفاء بتراثها وموروثها الثّقافيّ، وأدرجته صلب اهتماماتها إيمانا منها بالقيمة الرّوحيّة والمعنويّة التي يبعثها الموروث الثّقافيّ في النّفوس، وتبعا لذلك تكون الأجيال المتلاحقة على دراية بمنجزات الأجداد. فالماضي والتّاريخيّ هما إذن جزء من الحاضر، به نستشرف المستقبل ونتطلّع إلى الأفضل، انطلاقا من هذه الخصوصيّة ندعو أهل الذّكر إلى إيلاء هذا المبحث ما يستحقّ من العناية للحفاظ على مقوّمات الهويّة الثّقافيّة والاجتماعيّة من التّلاشي والضّياع وسط زخم التّطوّر العلميّ المخيف، لأنّ العلم في بعض الأحيان لا تعنيه الأشياء القيميّة ولا تهمّه العواطف بقدر ما يعنيه تحقيق النّتائج، فيبقى حضور ما هو أدبيّ وثقافيّ إنسانيّ أداة لعقلنة هذا الخطاب ووضع حدّ لتجاوزاته وانفلاته. إنّ دعوة الاهتمام بالشّعر الشّعبيّ يأتي من الأهمّية التي يحظى بها هذا الجنس في الذّاكرة الجمعيّة، بالإضافة إلى الجماليّة التي يتمتّع بها على مستوى النّظم والعبارة وطراوة العبارة وحلاوتها وجزالة المضامين التي يحتويها، فهي كلّها صادرة عن تجارب إنسانيّة حُبلى بالعبر والمضامين. ونظرا لمحدوديّة الاهتمام به في البلاد التّونسيّة، فإنّ الدّعوة إلى إعادة إحيائه والاهتمام به مطلبا ملحّا وأكيدا للمحافظة عليه في ظلّ هذا التّطوّر العلميّ الهائل، فالشّعر الشّعبيّ التّونسيّ كان حضوره محتشما ومغيّبا تقريبا باستثناء ما أشرنا إليه في بداية ورقتنا العلميّة. لذلك يجب استثمار التّطوّر العلميّ والثّورة الرّقميّة بمختلف وسائلها ووسائطها وكيفيّة الاستفادة منه بما لا ينعكس سلبا على قيمنا وثوابتنا وعلى ثقافتنا الشّعبيّة بما تعنيه من قيم ومبادئ متوارثة. وهذا لا يتعارض مع الثّورة الرّقميّة ولا يجعلنا ننكر أهمّيتها ودورها في حياتنا.

5- الخاتمة:

إنّ الحرص على الاهتمام بالشّعر الشّعبيّ التّونسيّ ضمن الأنساق الفنّية والأدبيّة الأخرى مردّه الإهمال المتواصل الذي يلاقيه هذا الفنّ الشّعبيّ عن قصد أو عن غير قصد من قبل الكثيرين بتعلّة أنّه يفتقر إلى الفنّية ولغته قريبة من الابتذال لأنّها لغة عامّية. والحال أنّها لغة قريبة من وجدان الشّعوب. وإذا ما نظرنا إلى نسبة التّمدرس في أوطاننا العربيّة، فإنّ الأغلبيّة المطلقة لا تجيد القراءة والكتابة لذلك تبقى اللّغة العامّية هي الأقرب إلى النّفوس وهي الوسيلة الوحيدة التي بها يتمّ التّعامل في الشّأن اليوميّ. وهذا الحرص على المحافظة على الشّعر الشّعبيّ التّونسيّ له مبرّراته مثلما أسلفنا، أوّلها الحفاظ على الذّاكرة الشّعبيّة من الاندثار والتّلاشي في زحام التّطوّر العلميّ وخاصّة وسائط التّواصل الاجتماعيّ المتنوّعة التي انزاح مستعملوها على الوظائف الإيجابيّة التي اخترعت لأجلها وأصبح استعمالها موّجها وموظّفا إلاّ في الأشياء السّلبيّة. ندعو في هذا المستوى إلى ضرورة إعطاء الشّعر الشّعبيّ أهمّية بالغة لما له من بعد في الذّاكرة الجمعيّة إضافة إلى انتمائه للمخزون التّراثيّ وما يقدّمه من توازن نفسيّ، إضافة إلى قدرته على التّفاعل مع المستحدث وخلقه لأشكال جديدة تضمن له التّواصل والدّيمومة.

لقد بقي أن نؤكّد في هذا المقام على ضرورة الاهتمام بالشّعر الشّعبيّ وحفظه من الضّياع ليكون من الرّوافد الأساسيّة في التّراث الإنسانيّ. وهذا طبعا لا يتعارض مع الانفتاح على المنجزات العلميّة ومنها شبكة التّواصل الاجتماعيّ. كما ندعو إلى ضرورة استغلالها على أحسن وجه في التّعريف بالشّعر الشّعبيّ لتكون هذه الشّبكة عامل قوّة ووسيلة للتّعريف به وإدامة حضوره. وبذلك يتحقّق التّفاعل الإيجابيّ والغاية دوما خدمة الإنسان أينما وجد.

قائمة المصادر والمراجع:

-المراجع:

  • أبو بكر الخوارزمي: الأمثال، تحقيق محمّد حسين الأعرجيّ، يوفم، الجزائر 1994.
  • عبد الكريم براهمي: الجمل في الأمثال الشّعبيّة التّونسيّة، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، مجلّة فصليّة، علميّة محكمة، العدد 54- السّنة الرّابعة عشر – صيف 2021.
  • عبد المجيد العطواني: دروس في الحضارة الحديثة لطلبة الماجستير، بكلّية الآداب والعلوم الاجتماعيّة بتونس 2014-2015.
  • محمود عبد المعروف حسين أحمد: ملامح من الأمثال الشّعبيّة في السّودان، دراسة تحليليّة نقديّة، في مجلّة العلوم والثّقافة، 2009.
  • مريم حمزة: الفضائيّات ودورها في الثّقافة الشّعبيّة، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة فصليّة متخصّصة، رسالة التّراث الشّعبيّ من البحرين إلى العالم، عدد 30، صيف 2015.
  • الموقع الرّسميّ للمهرجان الوطنيّ سيدي علي بن عون على شبكة التّواصل الاجتماعيّ (الفايس بوك). الذي يعرف في الماضي بالزّردة.

-المقابلات:

  • خصخوصي (المولدي)، مقابلة في الغريس بتاريخ 17/8 / 2015.
  • خصخوصي (عبد المنعم)، مقابلة في الغريس بتاريخ 17/8 / 2015.

[1]– عبد الكريم براهمي: الجمل في الأمثال الشّعبيّة التّونسيّة، مجلّة الثّقافة الشّعبيّة، مجلّة فصليّة، علميّة محكّمة، العدد 54- السّنة الرّابعة عشر – صيف 2021.

[2]– الموقع الرّسميّ للمهرجان الوطنيّ سيدي علي بن عون على شبكة التّواصل الاجتماعيّ (الفايس بوك). والذي يعرف في الماضي بالزّردة. والزّردة مناسبة تقام سنويّا ببعض المناطق الدّاخليّة للبلاد التّونسيّة وحولها توجد أضرحة الأولياء الصّالحين تبرّكا وتيمّنا بهم، فيها تُقام الولائم، فيتمّ ذبح الخرفان والعجول ويقع توزيعها على الفقراء والمساكين وتعقبها الحضرة، وهي الإنشاد الدّينيّ والشّعبيّ. وقد أخذت هذه العادة في التّطوّر حتّى تحوّلت إلى مهرجانات ثقافيّة ساهمت إيجابا في نموّ الدّورة الاقتصاديّة، إذ نشطت التّجارة والتّسوّق خلال أيّام الاحتفال التي تمتدّ على ثلاثة أيّام ونذكر في هذا الإطار زردة سيدي علي بن عون (وزردة سيدي تليل وزردة سيدي علي السّايح) وهي زردة تقام بالمدينة المذكورة التي تقع في الوسط التّونسيّ و تطوّرت هذه التّسمية مع مرور الوقت لتأخذ طابعا ثقافيّا، حيث أصبحت المهرجان الوطنيّ بسيدي علي بن عون، فيه تقام الفروسيّة و الشّعر الشّعبيّ والسّهرات الغنائيّة… كما نذكر أيضا زردة سيدي أحمد التّليلي بولاية القصرين ولها خصوصيّة زردة سيدي علي بن عون نفسها. تجدر الإشارة إلى أنّ ما يعرف بالزّردة لا توجد تقريبا في المناطق السّاحليّة، وإنّما تتوزّع في وسط البلاد وجنوبها، وهو ما أعطى فرصة أفضل للاهتمام بالتّراث الشّعبيّ والتّقليديّ كالشّعر الشّعبيّ مثلا الذي هو مدار بحثنا.

[3]– عبد الكريم براهمي: الجمل في الأمثال الشّعبيّة التّونسيّة، مرجع سابق، ص69.

[4]– المولدي خصخوصي: من مواليد 1939 بالغريس من معتمديّة المكناسي من ولاية سيدي بوزيد شاعر شعبيّ لم يتعلّم في الكتاتيب ولا في المدارس وإنّما يتمتّع بملكة حفظ جعلت منه واحدا من أفضل الشّعراء الشّعبيّين في القطر التّونسيّ وشعره شذرات متوزّعة على مختلف الأغراض الشّعريّة يسعى ابنه عبد المنعم (شاعر) إلى جمع أشعار والده ونشرها في ديوان شعريّ.

[5]– مقابلة مع الشّاعر المولدي الخصخوصي في الغريس بتاريخ 17/08 /2015.

[6]– مقطوعة شعريّة ذات طابع حكميّ.

[7]– الأطباق: هي السّواقي المعدّة لجريان الماء.

[8]– بوجلجل وشماق هو العصفور المتعدّد الألوان.

[9]– طوير اللّيل: هو الخفّاش الذي يظهر عند الظّلام وفي هيئة عصفور.

[10]– لخلاج: هي المساحات الشّاسعة التي يجري فيها ماء الأمطار.

[11]– مقطوعة شعريّة ذات طابع حكميّ.

[12]– محمود عبد المعروف حسين أحمد: ملامح من الأمثال الشّعبيّة في السّودان، دراسة تحليليّة نقديّة، في مجلّة العلوم والثّقافة، 2009، ص29.

[13]– حمود عبد المعروف حسين أحمد: ملامح من الأمثال الشّعبيّة في السّودان، مصدر سابق.

[14]– العيفور: هي لفظة نستعملها في اللّهجة العامّية التّونسيّة دلالة على الجبروت والقوّة والصّلف وفي الغالب تطلق على الشّخص المتهوّر والجلف المتعجرف.

[15]– مقتطف من المقطوعة الشّعريّة الثّانية المدرجة سابقا.

[16]– محمود عبد المعروف حسين أحمد: ملامح من الأمثال الشّعبيّة في السّودان، مرجع سابق.

[17]– أبو بكر الخوارزميّ: الأمثال، تحقيق محمّد حسين الأعرجيّ، يوفم، الجزائر 1994، ص5-6.

[18]– عبد المنعم خصخوصي: من مواليد لغريس من معتمديّة المكناسي ولاية سيدي بوزيد بتاريخ 18(/10/ 1973) ويشتغل أستاذ تعليم ثانوي متحصّل على الماجستير في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة وهو بصدد إعداد أطروحة دكتوراه في اللّسانيات التّطبيقيّة تحت عنوان الأسلوب والتّداوليّة.

[19]– مقابلة مع الشّاعر عبد المنعم خصخوصي في الغريس بتاريخ 17/8 / 2015

[20]– الوعلة: الرّيم والغزال.

[21]– مقتطفة من قصيدة الشّاعر عبد المنعم خصخوصي.

[22]– مقتطفة من المقطوعة الثّانية من شعر الشّاعر عبد المنعم خصخوصي.

[23]– مقتطفة من المقطوعة الثّالثة.

[24]– مريم حمزة: الفضائياّت وتأثيرها في الثّقافة الشّعبيّة، مقال صادر عن مجلّة الثّقافة الشّعبيّة وهي علميّة فصليّة محكّمة تصدر بالبحرين، العدد 30، السّنة الثّامنة، صيف 2015، ص15.

[25]– عبد المجيد العطواني: مأخوذ من دروس مقدّمة لفائدة طلبة الماجستير اختصاص حضارة حديثة، بكلّية العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس (9 أفريل)، 2019.

[26]– المرجع نفسه.

مقالات أخرى

المعنى و اللاّ-معنى في التّراكيب اللّغويّة

النّسيج اللّغوي

قراءات المعاصرين للنقد القديم

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد