” من أقبح أنواع الاستبداد، استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل” عبد الرحمن الكواكبي
مقدمة:
لا ريب في أن الإنتاج العلمي للجامعات، يشكل عنوان قوتها، ويرسم حدود هويتها، ويسجل مدى قدرتها على الإسهام في تنمية مجتمعاتها، وتتحدد القيمة العلمية، لهذا الإنتاج، بمدى تأثيره في تحقيق التقدم العلمي والمعرفي في مستوى الحضارة الإنسانية، كما يشكل نوع الإنتاج العلمي للجامعات معياراً يبنى عليه في تحديد مكانة الجامعة بين الجامعات العالمية الحيّة. وغالباً ما يتمّ تقييم الجامعات والمؤسسات العلمية بمدى إسهاماتها العلمية في مختلف مجالات العلوم والمعرفة والفنون والآداب الإنسانية. وتشكل الطاقة الإبداعية للإنتاج العلمي والفكري الجامعي، المعيار الأساسي الذي يعتمد في تصنيف هذه الجامعات، وتحديد مكانتها في سلم التطور الحضاري والمعرفي. وغني عن البيان، أن الإنتاج العلمي الإبداعي للجامعات، يتجلى عادة، في صورة براءات علمية، واختراعات تقانية، وإبداعات فنية، ونظريات علمية، وإنتاجات أدبية وثقافية مميزة، تفرض حضورها المتألق في عالم الفكر والثقافة والحياة.
وإذا نظرنا اليوم إلى الجامعات العربية، من منظور إبداعي، فإنه ليس مفاجئا أبداً، أن نجد بأن معظم المؤشرات العلمية تدلّ بوضوح، على أن هذه الجامعات تعاني من ضعف كبير متواتر، في مستويات الإنتاج العلمي كماً ونوعاً. وبناء على ذلك فإن هذه الجامعات تسجل غيابها المخيف المؤلم عن المشهد الحضاري للإبداع والاكتشاف في مختلف مجالات العلم والمعرفة. ومع خطورة هذا الغياب المؤلم، وتراجع مستويات الإنتاج العلمي، فإن الأدهى والأخطر، يتمثل في الانحدار النوعي المخيف لإنتاجها العلمي، وهو أمر يعبر جوهرياً عن عمق التخلف العلمي، وقصوره البيّن، في عالم الفكر والمعرفة العلمية.
ولا يخفى على أحد اليوم، أن الجامعات العربية، لم تستطع منذ تأسيسيها، أن تحقق أيّ إنجازات علمية أو فكرية فارقة تعرّف بها وتميّزها، في مجال الإبداع العلمي والثقافي، وذلك في عالم يحتدّم فيه التنافس على الاختراع والإبداع، في فضاء زمني حضاري متدفق بالاكتشافات العلمية والمعرفية، في مختلف الميادين، وفي علم يتسم بحضور لافت للإنجازات العبقرية، فالإنسانية، في مختلف المجالات العلمية، وذلك ضمن حميّة التنافس بين الأمم، والسباق العلمي بين الجامعات والمؤسسات العلمية في مختلف أنحاء العالم.
وإذا كانت الجامعات العربية تعدّ اليوم بالمئات، ويربو أساتذتها على الآلاف المؤلفة، ويتدفق طلابها بالملايين، فإن هذه الجامعات، رغم هذه الكثافة في العدة ـ والتضخم في العدد ، لم تقدم حتى اليوم، شيئاً مهماً يسجل أو ربما يذكر في مجال الإبداع، والابتكار العلمي، وذلك في وقت ما انفكت فيه الجامعات العالمية العريقة تبهرنا بعظيم الإنجازات، وبديع الابتكارات، ولاسيما هذه الإنجازات التي تتدفق في عالم الثورة الصناعية الرابعة. وبالمقابل فإن الجامعات العربية على كثرتها، لم يستطع أحد أكاديمييها، خلال تاريخها الطويل، أن ينال أيّ جائزة عالمية معتبرة، ولم يكن لأيّ من أكاديمييها فرصة الحصول على جائزة نوبل، ولا يحسب العالم المصري أحمد زويل المحسوب على العرب؛ لأن حصوله على هذه الجائزة جاء في سياق انتمائه إلى مؤسسات علمية أمريكية.
وبالمقارنة بين العرب وإسرائيل، فإن قلةً قليلةً من جامعات الكيان الصهيوني، التي لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين مرتين، استطاعت أن تحصد ست جوائز “نوبلية”، وذلك خلال العقود الخمسة الماضية، كما يشار إلى أن هذه الجامعات القليلة العدد، استطاعت، أيضاً، أن تترك سجلاً مميزاً بانتصاراتها العلمية، وأن تحقق إنجازات كبيرة في مجال العلوم بعامة، والعلوم الذرية والعسكرية على نحو خاص. وقد صدق من قال: بأن الجامعات العربية، لم تكن أكثر من مدارس ثانويات كبرى، تقوم بتخريج موظفين عاديين بيروقراطيين، للعمل في أجهزة الدولة ومؤسساتها وإدارتها.
ولو نظرنا، اليوم، إلى مؤشر الإنتاج العلمي للجامعات العربية، من حيث نوعيته فحسب، لوجدنا ما يثير الدهشة والعجب، فالإنتاج العلمي لهذه الجامعات يعاني، في مجموعه، درجة عالية من السطحية والابتذال، فهناك غياب كبير جداً للعمق العلمي والطاقة الإبداعية في مجمله، فهو قلما يقدم خدمات جليلة للحضارة والعلم والمعرفة الإنسانية في عالم اليوم. ولو أخذنا، على سبيل المثال، عينة من الأطروحات الجامعية في مجالي الدكتوراه والماجستير لهالنا العجب، من تردي نوعية هذه الأطروحات، وسقوطها في مستنقع الأوهام والعدمية والجهالة الأكاديمية المركبة، وذلك إلى الدرجة التي يشعر فيها الإنسان العربي بالإهانة والخجل، من القضايا التي تطرحها هذه الجامعات عبر رسائل طلابها وحملة شهاداتها. ولا نتردد أبداً في القول إن العناوين المبتذلة لهذه الأطروحات، قد أصبحت، اليوم، موضوعاً للسخرية والتهكم بين الأكاديميين النقديين، الذين تناولوها بسهام النقد والرفض والتعجب. ويبدو واضحاً أن كثيراً من هذه القضايا التي تتناولها هذه الأطروحات الجامعية لا تعدو أن تكون قضايا وموضوعات ثانوية هامشية لا قيمة لها في العلم، ولا شأن لها في المعرفة. وفوق ذلك، فإن هذه الأطروحات لا تتصل بالواقع الحيّ للحياة الإنسانية، ولا تقدم أيّ فائدة علمية، ويكاد لا يكون البحث فيها أكثر من دوران بهلواني يتم في فراغ أسطوري.
أطروحات أسطورية:
غني عن البيان، بأن الأطروحات العلمية للجامعات العريقة، تشكل الفضاء الحيوي للاهتمامات الاستراتيجية العلمية لهذه الجامعات، كما تمثل المسار الأساسي للجوانب الإبداعية في عملها ونشاطها. ولا ريب في أن اعتماد الرسائل العلمية في هذه الجامعات، يحدد الملامح الأساسية لاهتماماتها العلمية، ويرسم توجهاتها الأساسية في مجال الإنتاج العلمي والمعرفي، إذ تتوخى الجامعات العريقة أن تأخذ أطروحاتها مساراً علمياً يتناسب مع توجهاتها العلمية الاستراتيجية. وهذا يعني في نهاية الأمر أن اختيار القضايا والموضوعات العلمية لهذه الأطروحات يدخل ضمن التوجهات الاستراتيجية، كما يعني أيضا أن هذا الخيار لا يترك للطالب أو للأستاذ بمفردهما، بل يتشارك فيه عدد كبير من الأساتذة والخبراء والأكاديميين، الذين يعملون معاً على توجيه هذه الرسائل العلمية واختيار موضوعاتها ضمن التوجهات العلمية المرسومة للجامعة.
وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً يمكن القول: بأن مسؤولية توجيه الأطروحات العلمية واختيار القضايا التي تعالجها لا تكون خارج المسؤولية الأكاديمية للجامعة، ولا يمكن أن ينفرد بها طالب أو أستاذ، فاختيار الأطروحات عمل أكاديمي بامتياز يتم تحديده ومناقشته ضمن مجال اهتمام الأقسام العلمية والهيئات واللجان الأكاديمية في الكليات والجامعات. وذلك لأن اختيار موضوعات الأطروحات والرسائل العلمية الرصينة يقع ضمن الخيارات الاستراتيجية للجامعة والأقسام العلمية المعنية. وهنا يتوجب على الأكاديميين توجيه هذه الأطروحات إلى تناول القضايا الحيوية والعلمية في المجتمع، وذلك ضمن حدود احتياجاته وتطلعاته، وضمن مطالب التنافس العلمي والإبداع الفكري في مختلف المجالات العلمية.
ومن هنا يمكننا الاستدلال على الاهتمامات العلمية للجامعات، من خلال النظر في التوجهات العلمية للقضايا التي تطرحها الرسائل العلمية بوصفها أحد محاور الإنتاج العلمي في الجامعة. ويبدو أن قيمة أطروحات هذه الرسائل تتضح من عناوينها، ومن القضايا التي تطرحها، والإشكاليات التي تعالجها؛ فشتان ما بين رسالة تبحث في علم الذرة والنانو تكنولوجي، وبين أخرى تبحث في نوعية الغازات التي يطرحها الإنسان من أسافل البدن وأطرافه الدنيوية، وهناك فرق كبير بين رسالة تبحث في ميتافيزياء الكون وتعيناته المجرّيّة السماوية، وبين أخرى تبحث في قدرة الجن على التشكل في هيئة البشر والتزاوج معهم، وهناك فرق كبير أيضاً بين رسالة تبحث في مناهج جماليات الفن الشعري أو السردي في ما بعد العولمة، وبين أطروحة تناقش قضايا العلاقات الجنسية بين الإنسان والبهائم، وتبحث في شروط هذه العلاقات وأحكامها الشرعية !!
ومن الضوابط المنهجية، أنه يجب علينا أن نأخذ جانب الحيطة والحذر، وألا نُعمِمَ أحكامنا وتصوراتنا عندما نتناول الجوانب السلبية للرسائل والأطروحات العلمية التي تجيزها الجامعات العربية، إذ لا يستطيع أحد أن ينكر وجود كمٍّ كبير من الأطروحات الجامعية الجيدة التي تشكل موضعاً للفخر في عالمنا الأكاديمي، كما أنه لا يمكننا أن ننكر الحضور المميز لباحثين ومفكرين عرب متميزين في هذا الفضاء الأكاديمي، مهما كثرت مثالبه وعيوبه.
ولكن ما يؤسف له حقا أن الإنتاج الأكاديمي العربي قد بلغ درجة كبيرة من الوضاعة والابتذال في مجال الطروحات والرسائل العلمية، وما أشرنا إليه من إيجابيات الفضاء الأكاديمي العربي، لا يقلل أبداً من خطورة الانحدار والتردي والترهل في كثير من الأطروحات العلمية الجامعية التي تركز على قضايا شديدة الابتذال تتمثل في التركيز على عالم الغرائز والميول والقضايا السطحية التي لا تحمل في ذاتها أيّ دلالة أو معنى علمي. كما يلاحظ أيضاً أن هذه الرسائل تتجاهل القضايا الحيوية والجوانب الخلاقة في الأدب والشعر والعلم والمعرفة، وتقصي عوالم الإنسان الجمالية الخلاقة، بكل ما تنطوي عليه من سحر إنساني وجمال أخلاقي.
وما يدعو إلى الاستغراب حقاً، أن الموضوعات المبتذلة للأطروحات العلمية – على الرغم من دعوى أهميتها من قبل أصحابها ومريديها- لا تتناول أيّ جديد، كما أنها لا تقدم أيّ إضافة في عالم الفكر والحياة، ولا تنطوي على أيّ إلماعة إبداعية ترتبط بحاجات الإنسان ومتطلباته الحضارية. وهي، مهما بلغ أمرها لا تقدم نفعاً أو دفعاً للحياة والحضارة، بل تشكل في جوهرها نوعاً من الترويج لأوهام المعرفة ونشر السموم الثقافية القاتلة، وترسيخاً للأوهام والخرافات، وتضييعاً للوقت، وازدراءً للعقل، وتبخيساً للفكر، واحتقاراً للإنسان.
ودعنا، قبل أن تفوتنا الفرصة نقول: بأن هذه الأطروحات التي تتناول مبتذل القضايا وسفيه الموضوعات التي تأخذ لبوس العلم وهيئة المعرفة، تشكل في جوهرها قوة شيطانية مضادة لروح الحضارة، ومعادية لمنطق العقل، وإن كانت نسبتها قليلة- وهي ليست كذلك – فإنها، على قلتها، تشكل خطراً جسيماً كبيراً مدمراً للعقول وهادماً للمنطق والفكر الحرّ والقيم الأخلاقية. وليس غريباً، أبداً، أن ترتدي هذه الطروحات قناعاً علمياً وأن تضفي على موضوعاتها مظاهر علمية مزيفة، تشطّ ابتذالاً وتخريفاً، وتسقط أخلاقياً وإنسانياً. ونقولها أيضاً دون تردد، وبإحساس كبير من الثقة، بأنه مجرد أن تسمح جامعة ما، أياً كانت هذه الجامعة، في مكان ما، لمثل هذه الأطروحات بالحضور في مدارجها وقبول مناقشتها، فإن ذلك يشكل عاراً علمياً يسم هذه الجامعة، ويقلل من شأنها وقيمتها. وبعبارة أخرى أفضل، نقول: إن أيّ إنتاج خرافي أسطوري مبتذل، سيشكل وصمة عار، ترتسم على جبين الجامعات التي تسمح لمثل هذا الإنتاج بالحضور في برامجها، ولمثل هذه القضايا المبتذلة، أن تناقش في مدرجاتها وحرمها الجامعي.
ومع الأسف الشديد، عندما نستعرض الأطروحات العلمية، التي تمّت مناقشتها في جامعاتنا التليدة، سنجد كثيراً مما يُخجل ويؤلم ويصد ويصدم، سنجد ما يؤذي ذائقة الفهم، ويفرض حصاراً على ذائقة الإحساس بالجمال، ويخدش مشاعر الحياء والحشمة. وما يخدش ويصدم أكثر، هو هذه العناوين العجيبة الغريبة المنافية للمنطق، والمجافية للحس السليم، ومثالها: الأطروحة التي تناولت العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة تحت عنوان “اللمس والتقبيل: دراسة حديثية موضوعية” [1]، وهي الأطروحة التي تناولتها وسائل الإعلام وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي على نطاق واسع. وقد تعرضت هذه الرسالة وأصحابها، ضمن هذا التداول لهجوم مكثف، مدجج بكل أشكال الرفض والنقد، لهذا الموضوع الذي يضر أكثر مما ينفع، ويخدش الحس الإنساني والأخلاقي السليم، ويدفع الشباب إلى الاهتمام بموضوعات مخجلة، لا صلة لها بالقضايا المصيرية أو بالتحديات الحضارية التي تواجه أمتهم وشعوبهم.
ويمكن القول في هذا الخصوص: “بأن هذه الرسالة وأمثالها تكشف في حقيقية الأمر عن مدى الانحدار العلمي في جامعاتنا، وتعبر جوهرياً عن حالة الترهل المعرفي، الذي تشهده كثير من هذه الجامعات والمؤسسات العلمية. والحقّ يقال بأن مثل هذه الرسائل والطروحات الساذجة تغرد خارج المجال الحيوي لقضايا الإنسان المصيرية ” [2]. يضاف إلى ذلك، أن مثل هذه الأطروحة لا تعدو أن تكون أكثر من تحريض جنسي لدى الشباب والناشئة، وهي برأينا لا تختلف كثيراً في فعاليتها وتأثيرها وحمقها عن “أفلام البورنو” والفيديوهات الإباحية التي تحرض على الجنس والمشاغبة الجنسية غير المشروعة بين الرجل والمرأة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة وإلحاح في هذا السياق، يتعلق بالقيمة العلمية لهذه الرسائل، وهو: ما الجانب الفكري الذي تحييه هذه الرسالة وأمثالها في العقول، وفي مجالات التفكير؟ هل يمكن لمثل هذه الطروحات المتصحرة أخلاقياً أن تنمي العقل وتحضّه على التفكير؟ هل يمكنها أن تبعث في القلوب وهج المحبة للعلم أو الشغف بالمعرفة؟ هل تحفزنا هذه الأطروحات على إعمال العقل وكد الذهن وتشغيل الفاهمة؟ هل تنير هذه الأطروحات دروبنا نحو القضايا المصيرية للحياة والإنسان؟ أم أنها مجرد إثارة للغرائز وطمس للميول العقلية وقهر لنوازع العقلنة، وتخدير لنوابه التفكير، وقتل لمنطق العقل والعقلانية!!!!؟؟؟
ويقيناً نقول: إنه قلما تخلو جامعاتنا التليدة من مظاهر الانحطاط الفكري والتصدع الثقافي، الذي يتجلى في مثل هذه الأطروحات الأكاديمية، وهي أطروحات تنشر الجهل وترسخ الجهالة، وتؤصل لنوع مخيف من العدمية الفكرية.
وعلى منوال ما سبق من أمثلة، شهدت إحدى الجامعات المغربية، حديثاً ” مناقشة أطروحة جامعية، بعنوان: “رسالة في رؤية الجن وقدرتهم على التشكل” ودعونا نترك التعليق على هذه الأطروحة للدكتور أبو إياد العلوي -أستاذ باحث في علم النفس الجنائي بالمعهد الملكي لتكوين الأطر- الذي علق بقوله: ” لا يمكن لأي بحث أن يكون موضوعياً وعلمياً إلا إذا توصّل إلى نتائج مفيدة، وهذه النتائج لا يمكن أن تكون مهمة، إلا اذا استطعنا أن نوظفها في النهوض الحضاري بالمجتمع. وفي غياب هذين الشرطين، فإن البحوث كيفما كانت ستبقى مجرد حبر على ورق ” أيّ لا قيمة لها [3]. ويتضمن تعقيب العلوي تأكيداً بأن مثل هذه الأبحاث والدراسات والطروحات ليس لها معنى إلا بقدر ما تقدمه للمجتمع، ضمن مضمار التقدم الحضاري والإنساني. وعلى هذه الصورة القاتمة للوضع الأكاديمي العربي، فإن الطروحات الجامعية السطحية لا تحمل أيّ قيمة علمية، وهي لا تعدو أن تكون أكثر من مضيعة للجهد والمال، وتدمير للعقول، من قبيل تركيزها على قضايا هامشية لا أهمية لها في حاضرنا ولا وجود لها في مستقبلنا.
وفي مشهد آخر أكثر إيلاماَ، أصيب الوجدان العلمي العربي بصدمة كبيرة، عند تمّت مناقشة أطروحة دكتوراه أخرى بعنوان: “الغازات الحميدة من الناحية الفقهية” وقد أجريت هذه المناقشة – في 7 إبريل 2015 وحصل المتقدم بها على شهادة الدكتوراه في الشريعة والقانون بتقدير ممتاز!!!- وقد هيجت هذه الأطروحة الرأي العام المصدوم الذي وجّه لأصحابها سيلاً متدفقاً من الانتقادات الكبيرة في مصر والعالم العربي، !![4]. وأي قيمة علمية وفكرية لمثل هذه الأطروحة؟ هل التمييز بين نوعية هذه الغازات يشكل قضية وطنية مصيرية؟ وأين هي الأخلاق والقيم الأخلاقية في هذه الأطروحة؟ أليست هذه الأطروحة تجسيداً لكل ما هو مبتذل ومعادي للفطرة الإنسانية السليمة؟ وأخيراً ما الذي تقدمه هذه الأطروحة من فائدة تربوية للأجيال والناشئة؟ وما ذا تنفع أمثال هذه الأطروحة في مسيرة الأمة نحو التحضر والتقدم العلمي؟
هذه الأطروحة، تشكل واحدة من مئات الطروحات التي تطرحها مؤسساتنا الأكاديمية وتناقشها في أروقتها العلمية. وقد طالعتنا في الآونة الأخيرة طروحات أشد غرابة وتوحشاً، ومثل هذه الأطروحات إن دلت على شيء، فإنها تدل على وجود تورم خبيث في العقل الأكاديمي العربي، وتدل أيضاً على شلل دائم في قدرته على الانقداح والانفتاح على العالم في مضمار الحياة المعاصرة. وقد شهدت الساحة الأكاديمية تداولاً لكثير من هذه الطروحات والرسائل الجامعية المريبة التي تتنافى مع منطق العقل والعقلانية والأخلاقية.
وإذا كانت هذه الطروحات التي تأخذ طابعاً تراثياً خطيرة على العقل ومدعاة إلى التجهيل فإن الأخطر منها الأطروحات الأيديولوجية التي تعمي على العقل وتدمر الفاهمة وتروض الأكاديميين، طلاباً وأساتذة، على شيطنة الوعي وأبلسة العقلانية. وتتمثل هذه الظاهرة بالرسالة الشيطانية التي قدمت للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية تحت عنوان ”منهجية الحوار في تدبير قضايا الخلاف في ضوء القرآن الكريم: إبراهيم عليه السلام والحسن الثاني نموذجين”، وهي القضية التي أثارت جدلاً رهيباً على الشبكات الاجتماعية في المغرب.[5]
وقد تساءل الأستاذ الجامعي بجامعة جورج ميسن بواشنطن، محمد الشرقاوي، في تدوينة له على الفيسبوك قائلاً: “أي فرضية ينطلق منها صاحب البحث، وكيف تراءت لأعضاء اللجنة الأكاديمية المحترمة ‘القيمة’ المعرفية المنشودة من هذه الأطروحة؟”. [6] وأضاف الشرقاوي أنه “من الصعب أن يسرح الخيال، ناهيك عن العقل، ولو بوازع ‘النبوغ’ العلمي أو ‘فهولة’ ما بعد الحداثة، ليكشف عن المنطق الذي يقود للمقارنة بين تركة نبي [من أنبياء الله] يدخل في عداد المقدس، بالنظر إلى رسالته السماوية، وزعيم سياسي لم يدّع قط في حياته أن أفكاره أو تصرفاته من قبيل المقدس.[7] وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على حالة من الجمود الأكاديمي في الجامعات العربية، وعلى حالة من الانحدار إلى حقل الشطحات أو التشبيحات العلمية، بعيدا عن البحث العلمي الرصين الذي يظل حالات استثنائية.[8]
وكتب الداعية المغربي، الصادق العثماني، في تدوينة على فيسبوك، قائلا إن “أطروحة بهذا العبث الفكري (..) ولجنة المناقشة التي ستنصت إلى هذا ‘العبث’ والجامعة التي ستحتضن هذا ‘العقم الفكري والعلمي’، هو مشهد حزين لانهيار آخر حصون العلم والفكر والمعرفة والثقافة في وطننا العربي والإسلامي”. [9] فأي درك من أدراك الجهلة وصلت إليها جامعاتنا، ولاسيما هذه الأطروحات التي يتم تداولها في رحابها.
ومن مظاهر الكساد المعرفي الكبير، أن جامعاتنا العربية، تشكل اليوم مستودعاً ضخماً من الرسائل الجامعية والأطروحات السطحية، في مجالي الماجستير والدكتوراه، التي تحمل عناوين تجهيلية وتتناول قضايا خرافية، مدمرة للوعي، هادمة للعقل، ومعادية للمنطق والحس السليم، وذلك لأن القضايا التي تتناولها لا تعدو أن تكون مجرد تفاهات تكمن قيمتها السادية في إعاقة الوعي العلمي، وتدمير الأخلاق الأكاديمية[10].
وغني عن البيان، أن المناقشة في مثل هذه القضايا، التي تطرحها هذه الرسائل، أشبه ما تكون بالحوار البيزنطي القديم، الذي كان يدور: حول عدد الملائكة الذين يستطيعون الرقص على رأس دبوس واحد في وقت واحد. وما أشبه اليوم بالأمس، عندما يتداول أساتذتنا قضايا عقيمة غريبة لا قيمة لها ولا معنى للحوار فيها أو حولها، وذلك لأنها غالباً ما تكون قضايا ساذجة، لا يحكمها عقل، ولا يضبطها منطق، وهي قضايا، غالباً، لا تتناسب أبداً مع منطق العقلانية، ولا تتكامل مع اهتمامات معاصريها، وهي فوق ذلك كله، تطرح نفسها في فضاءات عابرة للزمان والمكان والعصر، وهي في النهاية، قضايا تقع خارج اهتمامات العقل الطبيعي، ضد نوازعه الموضوعية، مثل: ” نواقض الوضوء، وأنواع أقمشة الحجاب المفضلة، ومفاسد النساء ووجوههن، والنفساء ودم الحيض، والاستنجاء والاستجمار ومسح الخفين، والأحلام والاحتلام ” [11].
وقد أصبحت مثل هذه القضايا اليوم كما يقول عبد الله ثابت: ” مواضيع لشهادات عليا، وأصحابها يتجولون في قاعات جامعات، وعقول طلابنا، ليلاً ونهاراً، والحقيقة أن هناك أطروحات كثيرة، يخجلنا كتابة عناوينها أو التعرض لتقسيمات فصولها، احتراماً للذوق وتقديراً للذائقة الطبيعية في الإنسان [12]. ويستطرد ثابت في قوله ليعلمنا بوجود كتابٍ مطبوعٍ، وفيديو على اليوتيوب، يدلل على أن أحد الجنّ، واسمه عمر، نال درجة علمية مرموقة من واحدة من أقدم جامعاتنا، والرواية مصحوبة بالشهود، الذين أكدوا أن صديقنا الجني استلم شهادته، وفقه الله، والجامعة الموقرة لم تنف هذا الإنجاز”[13].
ونستطيع القول في نهاية هذه الفقرة، وبثقة نسبية كبيرة، بأن الأطروحات الجامعية في مجال العلوم التربوية والاجتماعية، تتناول على الأغلب قضايا جزئية أمبيريقية نموذجية، ليس لها أيّ قيمة علمية أو فكرية أو منهجية. ويقينا أن الأطروحات التي تقدم في هذه الميادين تأخذ طابعاً نمطياً بيروقراطياً، يعتمد على المهارة في الجمع، وعلى الحذاقة في التوليف الفني، حيث يتم فيها جمع ملخصات الدراسات السابقة، وجلّها من دراسات سابقة، كما تعتمد منهجاً واحداً على الأغلب هو المنهج الوصفي، الذي تجاوزه الزمن، فخرج من جلبابه استحياء. يضاف إلى ذلك أن الطلاب في هذه الاختصاصات يعتمدون طريقة إحصائية معلمية متجانسة يكررونها ويتداولونها فيما بينهم، ثم يتقابسون ما قرؤوه وشاهدوه عن أسلافهم أو من أقرانهم. وهذه الأبحاث والرسائل ما هي في نهاية الأمر إلا توليفات عدمية تأخذ طابعاً فنياً ركيكاً، ولا تحمل في ذاتها أيّ معنى علمي، ولا تتوفر فيها أيّ دلالات فكرية ومعرفية، وهي في معظمها لا تقدم فكراً بل تقتصر على نوع من المهارات المبتذلة والمكررة، وتقوم على الاجترار الحرفي، في كثير من الأحيان، لأبحاث سابقة مصابة أيضاً بفايروس النقل والاستنساخ والتدوير والاقتباس الذي يصل أحيانا إلى مرتبة التزوير. ومثل هذه الأطروحات لا تلزم باحثيها بقراءة كتابٍ أو التفقه في قضية، أو البحث في معنى، أو دراسة مفهوم واحد على نحو عميق، إنها نوع من المهارات البحثية التي يتقنها أساتذتنا وطلابنا جيداً، ويقضون حياتهم يرددونها، ويجترونها، ويحاضرون فيها، وكأنهم يقومون بعمل فذّ عظيم. وبالنتيجة فإن إنجازاً واحداً من هذه الأبحاث يمكن صاحبه من الحصول على درجة الماجستير، وآخر يجعله من حملة الدكتوراه، وبعد التعيين في الجامعة، وعلى المدى المهني، فإن إنجاز خمسة من هذه الأبحاث النمطية – التي تشبه أمثالها – تمكّن المدرس أن يصبح أستاذاً، وعشرة منها تجعله “برفيسوراً” لا يشق له غبار في ميدان العلم والمعرفة.
مؤلفات صادمة:
ودعنا ننتقل من تلك الأطروحات السطحية إلى مناظرة الكتب المنسوخة، التي يصدّرها أساتذة جامعيون يحملون أعلى الألقاب، وأرفع الأوسمة، وأرقى الشهادات. ولا عجب أن تستطيل الدهشة إلى أقصى حدودها، وذلك عندما نرى كثيراً من الكتب التي تصول وتجول في الساحة الأكاديمية العربية، ما هي في حقيقتها،سوى إنتاج عدمي سطحي فارغ، يصدم العقل ويشلّ الفاهمة، لما آلت إليه من خفة ووضاعة وتسطيح، فهي كتب في معظمها كتاتيب جاهلية، تنمي الجهالة المركبة في العقول، وتدفع بأصحابها وقرائها معاً إلى حافة الجنون المعرفي والهستيريا العلمية.
وليس خافياً اليوم على أحد، أن كثيراً من أساتذة الجامعة مصابون بسعار الإنتاج العلمي في مجال تأليف الكتب الجامعية التي تخصص للتدريس. ويفسر هذا الاهتمام بالأرباح التي تدرّه هذه المؤلفات على هؤلاء الأساتذة، وهي أرباح ناجمة عن تسويقها بين طلابهم. ولذا، ومن أجل هذه الغاية الربحية، تشتد المنافسة، ويحتدّم الصراع بين الأساتذة في التنازع على تأليف أكبر عدد ممكن من هذه المؤلفات الجوفاء التي تنفع في سوق البيع والحصاد. ومن ينظر ويتأمل في هذه المؤلفاتـ سيرى أهوال التأليف وغرائبه، فأغلب هذه الكتب المسطرة، لا تعدو أن تكون تجميعات سخية، لفصول جمعت أوراقها وبياناتها من هذا الكتاب أو ذاك، وقد تكون ترجمات خفية رديئة غير معلنة، وذلك لأن الأساتذة المخضرمين بالانتحال يقومون بجمع هذه الفصول وتنظيمها وترتيبها وتشكيلها على هيئة كتاب أو كتب، ثم يطلقون عليها مؤلفات جامعية، لتصدّر في الحال إلى الطلاب المغبونين بوصفها مقررات علمية، يجب عليهم شراؤها في الحال، ومن ثم الغرق في مستنقعاتها الفكرية العمياء. ومن المفارقة العجائبية في جامعاتنا، أن هذه المؤلفات العملاقة لا تخضع للتحكيم، ولا ينظر فيها من قبل لجان علمية، للتأكد من سلامتها العلمية ونجاعتها المعرفية، أو للتأكد من مدى التزامها بالمعايير العلمية المعتمدة في تأليف الكتب وتصديرها. ولأنها لا تخضع للتحكيم، أو للمراقبة، فإن هذه المؤلفات، غالباً ما تكون سطحية جوفاء فارغة علمياً، لا تحمل في ذاتها أيّ مضمون علمي أو معرفي حقيقي.
ومن المذهل أيضا، أن الأستاذ الجامعي، لا يحتاج إلا إلى قليل من الوقت، لينجز أيّ كتاب، ويعلنه مقرراً على الطلاب. وأقول بمصداقية ناجمة عن الخبرة الطويلة في مجال العمل الأكاديمي، بأن معظم هذه الكتب، لا تحمل في ثناياها علماً أو معرفة حقّة، وأن أكثرها ناجم عن تأليف سريع بدافع الحصول على العوائد المالية. وتبين الوقائع أن كثيراً من الأساتذة الكرام لا يراعون أبسط الأعراف العلمية الحاكمة في مجال النشر والتأليف، وذلك لأن المؤلفات التي يقدمونها لا تعدو أن تكون في جوهرها أكثر من انتحالات علمية يجري أكثرها في الخفاء، بعيداً عن أعين الناظرين، وهم غالباّ ما يعتمدون على أساليب التورية التي تمرسوا في ممارستها بدرجة عالية من المهارة والذكاء. ولا يخفى أبداً على أصحاب العلم والخبرة، أن أكثر هذه الكتب ينسخ بعضها بعضاً ويكرر آخرها نهج أولها، ضمن سلسلة لا تنتهي من النسخ والتناسخ. ومثل هذه الظاهرة التناسخية في الكتب تتواتر على نحو واسع بين أكاديميات المحيط ومنارات الخليج. وما على المرء إلا أن يفتح هذه الكتب، وأن ينظر فيها بعمق ودراية، حتى يرى بأم العين ما تنطوي عليه من ظاهرة النسخ والاستنساخ، والنحل والانتحال، الذي لا يخفى على أهل الدراية والعلم. والطريف في الأمر، أن معظم الأساتذة الناسخين منهم، والمنسوخ عنهم، لا يعترضون على هذه المنهجية التناحلية؛ لأنهم يعرفون بأن الكل يستنسخ من الكل على حدّ سواء، ولا غضاضة لديهم، ناسخاً أو منسوخاً، في ذلك، طالما، أن الكتاب يشترى ويباع، ويثمر بعائداته السنوية والفصلية، وطالما أن أسماءهم موشومة بالخط العريض على جدران هذه الكتب، بأضخم الألقاب، وطالما أن الكتاب المؤلف، يسجل لهم على أنه إنجاز علمي غير مسبوق، وعلاوة على ذلك، وغالباً ما يتبنى هؤلاء الأمثولة الشعبية التي تقول: السارق عن السارق كالوارث عن أبيه، فلا حرج ولا غضاضة، فنحن جميعا كما يقول المثل العامي ” في الهوى سوا “.
ويتضح في الجانب الآخر من القضية، أن الأستاذ الجامعي، يتجنب أن يؤلف في غير مقرره ومادته، ويأبى أن ينشر في مراكز بحثية أو علمية معروفة إلا فيما ندر؛ لأن هذا يعني أنه يتوجب عليه العمل سنوات طويلة كي ينجز كتاباً حقيقياً ينال فيه إعجاب مريديه، ويحظى بقبول طلابه، ورضا المفكرين والنقاد، بل، وعلى خلاف ذلك، يكتفي الأستاذ المبجل، بحظوته البيداغوجية بين طلابه، معززاً مكرماً بما يغرسه في عقولهم من خمائر الغباء، وبما يكرس في نفوسهم من مظاهر الجهل والتجهيل. ويمكن الاستنتاج في هذا السياق، بأن أغلب المؤلفات الجامعية المقررة للطلاب، لا تعدو أن تكون ركاماً من الأوهام وأكواماً كبيرة من الترَهات التي ترتدي جلباب العلم وأقنعة المعرفة، وهي أبعد ما تكون عن هذا وذاك.
وهذا النمط من الكتب الصادمة يجد نظيره في مختلف ميادين الإنتاج العلمي الأكاديمي العربي، ولاسيما في المجال التربوي الذي يشهد كثيراً من التسفيف والتسفيه في مجال تأليف الكتب، مثل الكتاب المعنون: كيف تعلم ابنك الحمار دون تكرار”[14] الذي يشكل صدمة للتربويين العرب وللوعي التربوي في العالم العربي. وربما كانت الصدمة أكثر إيلاماً مع الكتاب المعنوّن “هل أنت حمار شغل؟ “[15]، ومن ثم كتاب “كيف تحلب نملة” [16] وهي مع الأسف عناوين لمؤلفات “يراها القائمون على الصرح الثقافي إبداعاً من الدرجة الأولى، وهي الكتب التي تصدرت المعارض الدولية العربية، ونالت إعجاب الجمهور الثقافي العربي. ومع الأسف أن تبلغ الحماقة التربوية هذا الحدّ من الهستيريا والجنون لتتجسد في مثل هذه الكتب والمؤلفات التي تريد أن تعلمنا اليوم ” كيف نحلب الحشرات؟ وتصف أطفالنا بالحيوانات!! ” [17].
كتب تراثية غارقة في الأوهام: الجهل المقدس
وبعيدا عن الكتاب الجامعي والمؤلفات الأكاديمية السطحية، دعونا ننظر في أوهام الكتب التراثية، وما تجره علينا من أفانين غريبة وموضوعات عجيبة. وللعلم، فإن هذه الكتب التراثية هي الأخطر على العقل، والأكثر قدرة على تدميره، لأنها ترتبط بمظاهر الدين، وترتدي أثواب المقدّس، وهي ضمن معادلة القداسة ترسخ ما نسيمه بالجهل المقدّس. وغني عن البيان أن الإنتاج الفكري في هذا الميدان، يضجّ بالغرابة، ويفيض بالتفاهات، ويتدفق بالأوهام، ويتكاثف بأساطير باطلة ما أنزل الله فيها من سلطان. ولا ريب في أن هذا الفضاء التراثي يضم بين جنباته كتباً غريبة عجيبة، وما هي في جوهرها إلا تكوينات مشوهة رهيبة من الأوهام والأساطير والسحر والشعوذات التي تفوق حدود الخيال الإنساني وتصوراته العقلانية.
ولكي نستدل على هذه الطبيعة السحرية، لهذه الكتب، دعونا ننظر في الكتاب التراثي المشهور بعنوانه الفارق المستطير: “ما يجوز وما لا يجوز في نكاح العجوز” وهو الكتاب الذي تصدر مبيعات الدورة الثالثة والعشرين للمعرض الدولي للكتاب في المغرب عام 2017 [18]. وقد بينت إحصائيات المعرض أن هذا الكتاب المستطير قد سجل مبيعات قياسية، تجاوزت نصف مليون نسخة. وإن دلّ هذا على شيء، فإنه يدل على أن هذا الكتاب قد صمم بذكاء خطير ليواكب العقلية الثقافية المتخلفة في العالم العربي. ويؤشر الإقبال على مثل هذا الكتاب على وجود نوع من التخلف الثقافي المريع السائد في العالم العربي. كما يشكل صدمة ثقافية كبيرة عندما نأخذ في الحسبان أن ما يزعم بأن الشعب العربي من أكثر شعوب الأرض إيماناً بالأخلاق والقيم الأخلاقية. ومما لا ريب فيه أن هذا الكتاب الخطير، وأمثاله كثر، يتجاوب مع “الهابيتوس” الثقافي العربي – وفقاً لمفهوم بيير بورديو عن الذهنية السائدة في مجتمع ما- ولعل مجرد الاهتمام بهذا الكتاب وشرائه يعبر عن مؤشرات الضعف الأخلاقي الذي يسم الثقافة العربية السائدة، ويعبر عن الانحدار الخطير في الذائقة الثقافية.
وعلى أثر هذا الكتاب، جاء كتاب في الطبخ المغربي بعنوان “شهيوات شميشة ” [19] في المرتبة الثانية من حيث مبيعاته في المعرض، إذ وصلت عدد النسخ المباعة إلى 340 ألف نسخة [20]، وهو رقم مهول بمعايير الإقبال العربي على القراءة، وهذا الرقم الخطير يعبر عن اهتمامات الإنسان العربي بثقافة الطعام، وما يدخل في بطن الإنسان. وقد بينت إحصائيات وزارة الثقافة، أن المراتب العشر الأولى في سجل مبيعات هذا المعرض قد سجلت لكتب ذات مرجعية دينية مرتبة على النحو التالي: عذاب القبر، زوجات النبي، أهوال يوم القيامة، علامات الساعة الكبرى، المفاتيح العشرة للجنة، التوبة، الطريق إلى النجاح، ومسرحية (Antigone Anouilh) في المرتبة العاشرة، وهي مبرمجة لتلاميذ البكالوريا “. [21]
ويعد الإقبال على مثل هذه الكتب ظاهرة ثقافية عربية نراها في مختلف معارض الكتب. وتتجانس إحصائيات القراءة ولا تتغير كثيراً في مختلف المعارض الدولية العربية التي تحتل فيها السطحية أهمية كبرى وتسقط فيها قيمة الكتب الثقافية الجادة من معادلة الإقبال الثقافي. فالكتب الثقافية الحقّة التي تتناول قضايا ملحّة ومهمة لا تجد كثيراً من المهتمين بها في معارض الكتب التي تزخر بالمضامين الفكرية السطحية.
وفي هذه المعارض تطالعنا عناوين خطيرة لكتب تدخل ضمن دائرة ما يمكن أن نسميه ” بالجهل المقدس مثل كتاب: «المباح في جهاد النكاح» و«الطريقة النبوية السليمة في نكاح المرأة والبهيمة».[22]. ” وقد شكلت هذه الكتب السطحية التي تدور في الفراغ الثقافي، قضية حيوية يتناولها الباحثون والمفكرون بالنقد والرصد والتحليل. ويبدو أن الشاعرة والأديبة التونسية سيدة عشتار بن علي قد أدلت بدلوها النقدي في المضمار فوجهت نقدها المعرفي لهذه الكتب الغارقة في مستنقع الجهل والتجهيل والمنافية للذوق والحشمة، إذ تقول: ” لم نكن نتصور يوما أن نعيش هذا الكابوس، ونرى هذا العفن يتصدر واجهات مكتباتنا: “ما يجوز و ما لا يجوز في نكاح العجوز” وتستأنف بن علي نقد هذه الكتب قائلة: ” هل هذا ما ستتعلمه الجماهير الشعبية وما سيتلقنه أبناؤنا… يا ربي حتى المجوس وعبدة الشياطين لم نسمع أنهم يصدرون كتباً وينظرون لنكاح البهائم، وهؤلاء لم يكتفوا بإحياء ما يطلقون عليه تراثا بل ابدعوا، فراحوا ينتجون الجديد على ضوء ما يجري في سوريا فابدعوا كتاباً حمل اسم..: ” المباح في جهاد النكاح…. ” [23].
هذه الكتب التجهيلية تكثر وتتنامى كالفطر البري في ثقاتنا مثل الكتاب الموسوم: “البرهان على تحريم النكاح بين الإنس والجان” لأبي نصر محمد بن عبد الله الإمام.[24] والكتاب الخارق الموسوم: ” الطريقة المثلى لإيصال خبر زواجك إلى زوجتك الأولى” لإبراهيم بن عبد العزيز اليحيى[25]. وكتاب: “وطء المرأة في الموضع الممنوع منه شرعا: دراسة حديثية فقهية طبية”[26]. وكتاب: “تحريم العطور” على النساء لأن هذا يثير غريزة المرأة، وكتاب: “نكاح المعاق ذهنيا في الفقه الإسلامي”،[27] ومثل هذه الكتب ” دليل واضح على أمراض مستعصية تعاني منها (نخبنا) الثقافية”! كما يقول أمين الزاوي [28]. ومن ثم أن يكتب الشيخ الملقب أبو الإيمان كتاباً بعنوان “المباح في جهاد النكاح” فهذا “مؤشر آخر على مرض فكري قد أصاب فاهمة المفكرين، وهو دليل أيضاً على أن “النخب” المعطوبة لا تستطيع العيش إلا إذا كان المجتمع معطلاً، ومثل هذه الكتابات المخلة بالحياة هي القاعدة التي تستند عليها منظومة الفكر التكفيري في تخريب ما تبقى من بقايا المجتمع” [29]. وحين يسمع المرء بتداول كتاب بعنوان “النعيم الجنسي لأهل الجنة” دراسةٍ مفصَّلةٍ موسَّعة تتناول الحور العين وصفاتهن الخَلقية والخُلُقية، والحديث عن أزواجهن ملوك الآخرة وصفاتهم، وعن العلاقة الجنسية الطّاهرة التي تكون بينهم في دار السّلام. [30] فهذا يدل على أن هذه النخب قد جن جنونها وسقطت في مستنقعات الجهل والتجهيل” [31].
وفي نقده المكثف لهذه الكتب التي تفيض بالشهوات وتتدفق بالرغبات الجنسية يقول الزاوي في مقالة له حول التوحش الثقافي: ” نحن لسنا ضد كتب التربية الجنسية، ولا ضد الكتابة عن الجنس، لا بل إن طرح هذا الموضوع يعد مسألة أساسية وضرورية، وبقدر ما نعتقد بأن مقاربة “الجنس” ضرورة فكرية واجتماعية وإنسانية، فإننا نؤمن بأن مسألة حساسة مثل هذه يجب أن يتولاها العلماء المختصون في هذا الباب، وليس الفقهاء أو المتدروشون، فالجنس مسألة إنسانية عميقة، لا يمكن تداولها بهذا الشكل المبتذل، وبتلك المنهجيات الرخيصة”[32]. ويستطرد الزاوي قائلا: ” وأنا أتابع مثل هذه الإصدارات الرديئة، أشعر بخجل أنني أنتمي إلى هذا العالم الذي يوزع مثل هذه الكتب على أبنائه لقراءتها وربما برمجتها في مقررات الجامعة على طلبة يعيشون عصر التكنولوجيا المعقدة والبحوث في الذكاء الاصطناعي”. [33] ولا يتردد الزاوي في النهاية من القول: ” أشعر بمرارة ثقافية كبيرة أن تكون لنا دور نشر تقبل طباعة مثل هذه الكتب ومكتبات تعرض مثل هذه الأمراض المتخفية في الكتب المجلدة تجليداً فنياً ، والتي تصنف عادة في باب كتب الفقه والشريعة والفتاوى” [34].
وقد يتمادى بعض الكتاب في التعصب وصولاً إلى تكفير العلماء والمفكرين الذي بلغوا شأواً عظيماً بإنجازاتهم الفكرية والثقافية في تاريخ العرب الثقافي والفكري، وها هو أحدهم يسطر كتاباً فاحشاً في التوحش، ينادي فيه بتكفير الشاعر والأديب السوري الكبير نزار قباني، الذي يمثل عبق الروح المعنوية للشعب السوري، ويجسد حضارته الثقافية والإنسانية، وقد عنون هذا الكاتب كتابه بطريقة فظة مخيفة على النحو الآتي: ” السيف البتار في نحر الشيطان نزار ومن وراءه من المرتدين الفجار”[35]. وهذا نموذج من مئات الكتب التكفيرية التي ما زالت تتدفق يميناً ويساراً في الساحة الفكرية، في مختلف أنحاء العالم العربي، على منوال الفتاوى التكفيرية الكبرى التي أدت إلى مقتل عدد كبير من المفكرين والعلماء العرب عبر تاريخهم القديم والحديث.
وتعقيباً على هذه الكتب التراثية، فإن السؤال المحيّر الذي يقضّ المضاجع، هو: كيف يقوم مفكر بقضاء سنوات وسنوات طويلة، يجمع ويبحث ويتقصى ويسهر الليل مواصلة بالنهار، لينتج بحثاً يتناول فيه قضية تافهة لا معنى لها مثل (نوع الغازات التي تخرج من البطن) ثم ليوافينا بكتاب أو مؤلف ضخم حول هذه القضية الجاهلية التي تتنافى مع الفطرة السليمة للإنسان، وتتناقض مع الذوق الأخلاقي والعلمي؟ ألا يمثل هذا نوعاً من الجهل المركب المقدس المستطير الذي تخلى فيه الناس عن عقولهم، واستخفوا، في الوقت نفسه، بعقول الناس وكرامتهم العقلية، فتكريم العقل يكون في البحث عن المعقولات – كما يرى أهل العلم – وتكريمه يكون في توجيهه إلى مشاغلة القضايا الفكرية الكبرى، والبحث في المسائل المصيرية التي تتعلق بحياة الإنسان وكرامته ووجوده: كـالحق، والخير، والجمال، والعدالة، والحرية، والكرامة، والعقل نفسه. ومن مظاهر تكريم العقل أن يوجه أيضاً للاهتمامات العلمية في مجالات المنطق والاكتشاف والبحث في مجالات العلم لا في مجالات الوهم. ونعود للقول يقيناً: بأن الإنتاج السطحي الفارغ والعدمي، يعادي فطرة الإنسان وكرامته، ويناقض نزوعه الأبدي إلى التفكير في أعلى مستويات الوجود، وأنبل مظاهر الكون. ومما لا شك فيه أن استغراق بعض الأكاديميين في هذه القضايا الحسية الشهوية يؤدي إلى تدمير ما بقي لهم من قدرة على الارتقاء الإنساني، المتمثل: في ارتقاء العقل، ونمو الإحساس بالخلق واستشعار الفن والجمال. ومن المؤكد أن النمو الكبير في كتب الجهالة والتجهيل يشكل اليوم صورة مؤسسة جبارة منتجة للجهل، مولدة للفساد العقلي، مدمرة للعقل، وهي تشكل خطراً على الثقافة والحضارة في مجتمعاتنا البائسة.
خاتمة:
ونعود في هذه الخاتمة للتأكيد، على أن هذا النمط من الإنتاج العلمي الأكاديمي المبتذل، يشكل لحظة صادمة في تاريخ العلم والمعرفة، كما يشكل وصمة عار تَشِمُ جبين الجامعات العربية في هذا العصر المحنط بالأوهام والمخدر بالتفاهات. وغني عن البيان والتبيين أن هذا الإنتاج التجهيلي الرخيص يتمدد بحضوره المكثف المخيف ما بين جامعات المحيط غرباً وأكاديميات الخليج شرقاً.
والأخطر من ذلك كله، أن هذا الإنتاج العلمي الفارغ والمسطح، يشكل منظومة متكاملة مُؤسِّسَة للجهل ومنتجة للجهالة، تعمل على تدمير الوعي العربي الأكاديمي، وتتجاوزه إلى تدمير الوعي العام في المجتمع بقضّه وقضيضه. ومما لا شك فيه، أن هذه المنظومة الإنتاجية تقوم بإنتاج السموم الفكرية، وتدبج هذه السموم بطريقة تتداخل فيها الأوهام بالخرافات، وتتقاطع فيه الأساطير بالشعوذات، وتتضافر فيه السفاهة بالتفاهة، وتتكامل فيه البذاءة بالانحطاط. ويقينا نقول: بأن هذا الإنتاج المؤسس للجهل والجهالة، سيؤدي في النهاية عاجلاً أم آجلاً إلى تدمير العقول، وهدم المنطق، وتحويل الإنسان إلى طاقة هوامية مبتذلة لا هوية لها ولا عنوان.
وتتجلجل هذه الكارثة الكبرى المخيفة بأجراسها الرنانة إنذاراً بالخطر، عندما تصدر هذه السموم التجهيلية، عن أساتذة بقامات أكاديمية عالية، وألقاب علمية شامخة، عندما تصدر، عن أساتذة قضوا جلّ حياتهم المهنية في رحاب هذه الجامعات وتشكلوا في أحضانها، وذلك لأنه عندما يقوم أصحاب هذه القامات الرفيعة بنشر الأوهام الفكرية، وبث السموم الثقافية، فقل: ” يا ربي على الدنيا السلام”، لأن فعالية هذه السموم تتضاعف في قدرتها على الفتك بالعقول وتدمير كل أشكال التعقل والعقلانية، عندما تصدر عن أهل الثقة الذين يفترض بهم أن يمثلوا ضمير الأمة وأنوارها المضيئة الهادية. ولا ريب في أن هذه الجهالات عندما تصدر عمن يفترض بهم أن يكونوا للعلم أقطاباً وللفكر أرباباً، فإن هذه الجهالات، تكتسب قدرة عجيبة وجبارة على اختراق عقول الطلاب والقراء وتدميرها على نحو شامل. ومثل هذه السموم الثقافية ستكتسب قدرة هائلة على تدمير العقل الثقافي، لمجرد أنها صدرت عن أساتذة في الجامعة وشيوخ في المساجد والجوامع، وذلك لأن هذه المراكز العلمية تأخذ مكانها الكبير الشامخ في الوجدان الثقافي العربي. وهذا الأمر يدفع ملايين البشر على تصديق ترهاتهم وخرافاتهم وأوهامهم تصديقاً أشبه بالقناعات الإيمانية، تصديقاً يشبه العقيدة الإيمانية في مظاهره، وهو نوع من الإيمان المسموم بعناصر الجهل المقدس الذي يؤدي بهم إلى حالة من الضياع الشامل والاستلاب الشامل التي يقلّ نظيره في عالم الثقافة والفكر.
وتأخذ هذه السموم الثقافية التي تفيض في الكتب السطحية، تأخذ صورة الدسم المحلى بالأوهام، الذي يمهد لها طريقاً إلى اقتحام بوابات العقل بلا إذن ولا استئذان، فتعمل على تجويفه وتقويره وتدميره. وكما هي حال السموم في الأشياء، فإن هذه السموم الثقافية عندما تلج الدماغ تعمل مباشرة على صهر مكوناته وتذويب ملكاته، وتدمير خلاياه، ومن ثم تحوله إلى سائل من الأوهام المقدسة. ولا غضاضة في القول بأن أصحاب هذه الأدمغة المسمومة يتحولون إلى “زومبيات” أيّ أموات شبه أحياء، تتحكم فيهم نزعاتهم السادية، وتسيطر عليهم أوهامهم السحرية، ويجدون أنفسهم ضمن هذه الفعالية السّمية وقد خرجوا من الدائرة الإنسانية بعد أن فقدوا عقولهم، وبعد أن تم تحويلهم بالسموم الثقافية إلى ضباع تحكمهم الشهوات البدائية والرغبات الأولية.
نعم، هذه هي الوظيفة التي تؤديها هذه الكتب الجاهلية، التي تقوم بعملية برمجة ذهنية سلبية لكتّابها قبل قرّائها، وهي برمجة تعتمد على نوع من التكثيف الخرافي في العقل، وزرع الأوهام في الأدمغة، ومن ثم تنمية كل ما هو نزوي وحسي وبدائي في الإنسان ومحاربة كل ما هو ذهني وفكري وجميل وخلاق في الوجدان. وفي هذا يقول أرثر سالزبرجر:” إن رأي الإنسان في أية قضية لا يمكن أن يكون أفضل من نوع المعلومات التي تقدم إليه في شأنها………..أعط أيّ إنسان معلومات صحيحة ثم اتركه وشأنه، يظل معرضاً للخطأ في رأيه ربما لبعض الوقت ولكن فرصة الصواب سوف تظل في يده إلى الأبد”……. أحجب المعلومات الصحيحة عن أيّ إنسان، أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف…. إذاً فقد دمرت كل جهاز تفكيره ونزلت به إلى دون مستوى الإنسان”.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه: ما الفائدة التي تنجم عن هذه الجهود الجبارة التي يبذلها الباحث خلال السنوات الطوال والتي يهدرها في كتابة عمل يفيض بالمغالطات والأوهام، سنوات من الجهد والكد والتعب والبحث والتقصي الضائع يقضيها كاتب في وصف حوريات الجنة، والبوح بمحاسنهم، والكشف عن أسرارهن ومحاسن جسدهن؟ ما الفائدة التي يرجوها من وصف جسد الحورية الحسناء في صور عارية خادشة للقيم والذوق والأخلاق؟ أمر عجيب ومدهش وغريب حال هؤلاء الأكاديميين وحال الكتب التي يسطرونها في بحر الأساطير والأوهام!! ولكن الأخطر والأدهى أبداً، هو أن يجلس ملايين القراء، للتمتع بفتنة القراءة في هذه الكتب المشعوّذة المسحورة بالأساطير والأوهام، أوهام تدفعهم إلى جنون الانفصال والانفصام عن القيم والهوية والحياة، شعوّذات تدفعهم إلى مفازات الاستلاب ومستنقعات الاغتراب، فتجردهم من إنسانيتهم، وتقتل فيهم كل نوابض وعيهم، وكل توهجات المعرفة في عقولهم، ليتم تحويلهم في النهاية إلى “زومبيات” تفيض نفوسهم بالغرائز العمياء والهواجس الجوفاء، دون أدنى ومضة من فكر أو وهج من نور أو حياة، وباختصار، هذه الكتب تدفع بقرائها إلى الاحتضار الفكري والأخلاقي، ولا تقف عند حد حتى تصل إلى الروح فتدمرها في قلوب المفكرين والقراء على حدّ سواء.
مراجع الدراسة وهوامشها:
[1] – صفاء بنت محمد أشرف بن علي المليباري، اللمس والتقبيل: دراسة حديثية موضوعية، إشراف لطيفة بنت عبد الله الجلعود. رسالة (الماجستير)، جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية، 1438هـ، 2017 م.
[2] – تقرير محرر السبق الإخباري، أغرب عنوان لرسالة تخرج جامعية في العصر الحديث (وثيقـــة)، السبق الإخباري، الخميس, 02/11/2017 – 16:29، http://essabq.info/node/6094
[3] – أبو إياد العلوي، الجامعة قاعدة للفكر والبحث وليست “قصعة” يتناوب عليها الأكلة، أنفاس، 18/7/2019. https://anfaspress.com/news/voir/53911-2019-07-18-03-32-26
[4] – انظر – البشاير: https://elbashayer.com/2156486/2018/11/25/1093073/
انظر أيضا: جاك عطا لله ، الحوار المتمدن-العدد: 4768 – 2015 / 4 / 5 .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=462507&r=0
[5] – المحرر الإخباري، بحث دكتوراه يقارن بين الحسن الثاني والنبي إبراهيم! أضواء، 15/7/2019. http://bitly.ws/dJTy
[6] – المرجع نفسه .
[7] – المرجع نفسه .
[8] – المرجع نفسه .
[9] – المرجع نفسه .
[10] – عبدالله ثابت، لنا الجني والمركز الثالث عالميا، الوطن، الخميس 11 مايو 2017. https://www.alwatan.com.sa/article/34125
[11] – المرجع نفسه .
[12] – المرجع نفسه .
[13] – عبد المحسن بن حمد العباد، تنبيه على خبر دراسة جني بصورة إنسي بالجامعة الإسلامية بالمدينة، الموقع الرسمي لعبد المحسن بن حمد العباد، 20/01/1435هـ. https://al-abbaad.com/articles/115-1435-01-20
[14] – محمد سليمان الذيب، كيف تعلم ابنك الحمار بدون تكرار، عمان: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، 2016.
[15] – سائدة أحمد فارس، هل أنت حمار شغل؟ إربد: عالم الكتب الحديث السلسلة، 2015.
[16] – المرجع نفسه .
[17] – راضية صحراوي، كيف تحلب نملة؟”، “هل أنت حمار؟”، “كيف تعلم ابنك الحمار؟”.. وعناوين أخرى تستفز زوار معرض الجزائر للكتاب! نشر في البلاد أون لاين يوم 06 – 11 – 2015. جزايرس، https://www.djazairess.com/elbilad/1027038
[18] – المحرر الإخباري، الكتاب الأكثر مبيعًا في معرض الكتاب في المغرب، سائر المشرق، 4/12/2018. https://www.monliban.org/monliban/ui/topic.php?id=3370
[19] – الناشر، شهيوات شميشة، الدار البيضاء: مكتبة الأمة، 2014.
[20] – تقرير، سوسيونفو (SocioInfo)، ” يجوز وما لا يجوز في نكاح العجوز” عنوان الكتاب يتصدر المبيعات في المعرض الدولي للنشر والكتاب 2017، 22 فبراير، http://faouzinfos.blogspot.com/2017/02/2017.html.
[21] – تقرير، موقع مونليبان الخميس 04 كانون الأول 2018 https://www.monliban.org/monliban/ui/topic.php?id=3370
[22] – م ن، كتب نكاح الجهاد والعجوز والبهيمة تنتشر في تونس، نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 09 – 10 – 2013: مغرس، https://www.maghress.com/alittihad/183742.
[23] – سيدة عشتار بن علي، ما يجوز ولا يجوز في نكاح البهيمة والعجوز، الحوار المتمدن-العدد: 4461 – 2014 / 5 / 23 – 23:37 – http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=416193&r=0
[24] – أبي نصر محمد بن عبد الله الإمام، البرهان على تحريم النكاح بين الإنس والجان، صنعاء: مكتبة الإمام الوادعي، 2007.
[25] – إبراهيم بن عبد العزيز اليحيى، الطريقة المثلي لإيصال خبر زواجك إلى زوجتك الأولى، الرياض: كنوز إشبيلية للنشر والتوزيع، 2008.
[26] – طارق محمد الطواري، وطء المرأة في الموضع الممنوع منه شرعا دراسة حديثية فقهية طبية، نشر البحث في مجلة كلية الشريعة عدد شوال 1422.
[27] – جهاد محمود الأشقر، نكاح المعاق ذهنيا في الفقه الإسلامي، القاهرة: دار الوفا، 2011
[28] – أمين الزاوي، التوحش الثقافي، العرب، الأحد 2018/09/30. http://bitly.ws/cfRv
[29] – المرجع نفسه .
[30] – عبد الله القاسمي، النعيم الجنسي لأهل الجنة، الحور العين وأزواجهن، القاهرة: مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، 2014.
[31] – أمين الزاوي، التوحش الثقافي، العرب، الأحد 2018/09/30. http://bitly.ws/cfRv
[32] – المرجع نفسه .
[33] – المرجع نفسه .
[34] – المرجع نفسه .
[35] – ممدوح بن علي بن عليان السهلي الحربي، السيف البتار في نحر الشيطان نزار ومن وراءه من المرتدين الفجار الطبعة الثانية، المدينة النبوية: دار المآثر للنشر والتوزيع والطباعة، 1420ه – 2000.
34 تعليق