عاصم منادي إدريسي- فلسفة التربية في عصر التنوير
مثّل تعريف الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز الإنسان بأنّه “شرّير بالطّبع” انقلابا في المنظور الفلسفي إلى الإنسان، إذ بَيّن أنّ الطّبيعة البشريّة ملأى بالانفعالات والأهواء المتصارعة، وأنّ إبقاء هذه الأخيرة من دون حدود سيؤدّي –ولا شكّ- إلى حرب ضاريّة لا تُبقي المجال لانبعاث الحضارة واستمرارها. ومن أجل تجنّب تبعات الحرب، وبُغية التّحكّم في الطّبع البشري الشرّير، اقترح هوبز إنشاء دولة تحاكي في سلطانها غير المحدود “إلها فانيا” يفرض على المواطنين –بالقوّة- السّلوك وفقا للقانون المدني. بيد أنّ التّاريخ دائما ما أثبتَ محدوديّة الرّقابة الخارجيّة وتأثيرها على سلوك الإنسان الذي لا يتورّع عن انتهاك القانون كلّما أفلت من الرّقابة. هنا ظهرت الحاجة الماسّة إلى آليّة تسمح بخلق رقابة داخليّة تجعل الإنسان يتصرّف امتثالا لقواعد الواجب بشكل طوعيّ، فكان الحلّ هو “فلسفة التّربيّة”. فإذا كانت الطّبيعة البشريّة تنطوي على نوازع تهدّد العيش المشترك، فإنّها قابلة للضّبط بفضل التّرويض الذي ينقلها بالتّدريج من الحيوانيّة إلى الإنسانيّة، لأنّ الإنسان لا يولد إنسانا، بل يصير كذلك بالتّربية. نحاول في في هذه المقالة أن نرصد “شروط إمكان ظهور فلسفة التربية” في العصر الحديث، ونقف على نموذج منها عند الفيلسوف الألماني كانط.