كي لا نخسر المستقبل: التوسع فى التعليم الجامعى ضرورة أمن قومى

الحديث هنا عن الشباب، والذين أقصدهم بالحديث هم شباب التعليم الجامعى والذين يعتبرون  الثروة الحقيقية الطبيعية والمتزايدة والمتجددة غير القابلة للنفاذ؛  فثروة اى امة الان هى فيما تمتلكة من عقول بشرية قادرة على التعامل مع منجزات مجتمع المعرفة وحيث اصبح الاقتصاد اقتصاد تعلم ومن ثم فمن اقصدهم بالحديث هم شباب مصر تحديدا والذين يتطلعون للحصول على التعليم الجامعى  تحقيقاً لأهداف متعددة. وعادة ما يكتب الكثيرون حول هدف واحد فقط للشباب من هذا التعليم والذى يسعون للحصول عليه فى إصرار، ويتعجبون من أن هؤلاء الشباب قد أصبحوا يرون بأعينهم أن من حصلوا على الدرجات الجامعية، التى سعوا بجدية كى يحصلوا عليها، لم يجدوا عملاً، أو تعثروا فى الحصول عليه، أو لم يصادفوا بعد العمل الذى كانوا يحلمون به فلماذا اذا يتصارع الشباب للحصول على مكان فى التعليم الجامعى والذى ما اصبح يؤهل احيانا إلا للبطالة. فالنظرة السائدة  إلى التعليم الجامعى فى مصر طبقا لهذا ماتزال هى أنه يؤهل للعمل وكذالك فان له مميزات  اجتماعية بالتبعية.فالهدف الأساسى من التعليم الجامعى منه لدى الكثيرين هى امداد الشباب بتعليم يؤهل لمتطلبات سوق العمل أو بكلمات أكثر وضوحاً متطلبات “لقمة العيش” حيث ماتزال تسود النظرة الأحادية والتى ترى أن الدرجة الجامعية بمثابة بطاقة أو وثيقة مرور  للحصول على عمل يدر دخلاَ يعينة على مواجهة الحياة، وهذه الرؤية الاقتصادية تتركز على الحصول على اى عمل من أعمال ذوى الياقات البيضاء داخل مصر أو خارجها.

        تتكرر هذه الرؤية دائماً فى مصر، ويحاول كثير من المسئولين وغيرهم فى أجهزة الإعلام بأنواعها المكتوبة والمسموعة والمرئية حث الشباب على التعليم الفنى أو العمل اليدوى على اعتبار أن هناك كثره من الحاصلين على الدرجات الجامعية لا يجدون عملاً … وهكذا فى صوره مثيرة للإحباط واليأس، خاصة أن التعليم الجامعى فى نظرهم يرتبط بالدروس الخصوصية والإقبال عليها فى المرحلة الثانوية تحديداً، وإن امتدت الآن لتصل إلى المراحل الأولية من التعليم، والشكوى الجادة من المناهج، ومن المعلمين والضجة المستمرة حول مكتب التنسيق ومع كل هذا إلقاء اللوم على مجانية التعليم المتقلصة وكأن إقبال الشباب على التعليم الجامعى أصبح شيئا غير مرغوب فيه ولسان حال البعض من المسئولين يتمنى أن ليت هؤلاء الشباب عادوا أدراجهم وابتعدوا عن أبواب الجامعة وأسوارها وكلياتها ومدرجاتها.

        فالدولة لن تقدم عملاً لأحد إلا وفق احتياجاتها الضيقة والمحدودة، والتعيينات فى داووين الحكومة شبه موقوفة، وهكذا مما  يتردد من تصريحات وخاصة تصريحات وزارة التنمية الإدارية.

        هذه الصورة  السريعة لرؤية إقبال الشباب على التعليم الجامعى وثقافة حرمان الآخر من التعليم السائدة والتى لا يتردد كثير من إظهارها على اعتبار أنها حقيقة دون أن يفكروا  فى تبعات انصراف الشباب عن  هذا التعليم العالى/ أو تقليل أعداد الطلاب فى التعليم الجامعى/ أو حرمان الشباب من التعليم الجامعى/ أو محاصرة رغبات الشباب فى التعليم الجامعى/ أو تراجع نسبة الشباب الملتحقين بالتعليم الجامعى مقارنة بالشريحة العمرية وهكذا. ومتى يتم هذا؟ منذ عقود خلت فى القرن العشرين وحتى القرن الحادى والعشرين، هكذا دون كلل أو ملل رغم أن هذه المرحلة من التاريخ تحديداً تتميز بالثورة العلمية المتجددة والمستمرة وما يترتب عليها من تغيرات جذرية فى مجال تكنولوجيا الاتصالات والثورات المترتبة على هذا فى المجالات العلمية المختلفة وانعكاس هذا أيضاً على الحياة الاجتماعية للبشر على امتداد الكرة الأرضية، وأيضاً التغيرات الاقتصادية الكاسحة التى لا تعرف الحدود وتأخذ فى طريقها كل الدول  المتقدم منها خاصة وتتأثر به الدولة المتطلعة للنمو والنامية على السواء دون إرادة ودون راد لهذا القضاء المفروض عليها من التغيرات المكتسحة لكل شئ والصادرة عن هذه الدول سواء أكانت منتدياتهم تضم سبع دول أم ثمانية أم عشرين.

        أعود لأقول أن قصور الرؤية لأهداف التعليم الجامعى وقصرها على الإعداد لسوق العمل أدى إلى حيرة وارتباك فيما يقال وأيضاً ما يؤخذ من قرارات تترتب على هذه النظرة السطحية غير المتدبرة لأحوال الشباب وارتباط هذا بأمن المواطن والوطن.

        فالمتأمل لأحوال التعليم الجامعى فى مصر يجد أن عدد جامعاته العامة لا تزيد عن (17) جامعة بالإضافة إلى جامعة الأزهر وانضم إليها تباعاً ما يقترب الآن من نفس العدد جامعات خاصة منها ما هو بأسماء دول محددة أو بمسميات خاصة إلا أنها تتميز بمصروفاتها التى لا يستطيع تحملها كثير من شباب الوطن أبناء الأسر المكافحة. ومع ما خلقته هذه الجامعات الخاصة من تمايزات إلا أنها لا تضم أعداداً يمكن أن نسعد بها أو نفرح لأجلها الأعداد تقترب حتى الان من (50) ألف طالب وطالبة فقط النصف أو أقل قليلاً من الطلاب الوافدين وهذه إحدى السمات الناتجة عن العولمة أو ترجمة لكون التعليم الجامعى أساساً لا يعرف الحدود إذ أنه بطبيعته عالمى يتعدى الحدود القومية منذ نشأته.

        وبالعودة إلى الجامعات العامة فى مصر والتى تمولها الدولة فلم تصل نسبة المقبولين فى التعليم العالى كله مقارنة بالشريحة العمرية إلى ما يزيد عن 30% أى أن كل مائة من الشريحة العمرية الواحدة لا يصل عتبات التعليم العالى منهم سوى (30) فقط ويتساقط البقية عبر الطريق الطويل الممتد منذ الميلاد وحتى سن السابعة عشرة تقريباً فلا يصلون إلى أبواب مكتب التنسيق أو يقومون بالحجز مقدماً فى الجامعات الخاصة.

        والنسبة الباقية أو الشريحة الكبرى هذه ممن لا يلتحقون بالتعليم الجامعى. فمن هذه الشريحة من لايلتحق بالتعليم الأساسى أصلاً لأسباب منها الفقر الذى يمتد تأثيره ويكون أحد الأسباب القوية للتسرب من المدرسة الابتدائية أو عدم الالتحاق بالمدرسة الإعدادية كما أن من يحصلون على الإعدادية يلتحق منهم حوالى 38% بالتعليم الثانوى العام أما البقية الباقية فطبقاً لمجموعهم يتم حتى الآن توزيعهم على المدارس الفنية بأنواعها التجارية التى تحصل على الأعداد الأوفر فالصناعية فالزراعية فالفندقية وقد لايلتحق بعضهم بأى نوع من التعليم الثانوى ويفضلون الخروج إلى الحياة الاوسع برضاهم او غير رضاهم.

        وربما لايعلم البعض أن سبب تراجع موقع مصر فى الترتيب بالنسبة للتنمية البشرية (حيث تحتل الموقع 123 من مجموع 182 دولة) هو نسبة المقبولين فى التعليم العالى وأيضاً زيادة نسبة الأمية بحيث تصل الآن إلى مايزيد عن 25% للكبار فوق سن 10 سنوات فأكثرأى أن نقص أعداد الشباب فى الجامعات وزيادة أعداد الأميين مؤشران من المؤشرات التى ترفع أو تخفض من ترتيب مصر مقارنة بدول العالم بالنسبة للتنمية البشرية.

        فالصورة العامة من منظور عالمى لا تدفع للاستبشار أو الرضا أما حين الحديث عن دلالتها الاجتماعية فما زلت اتصور أنها واضحة لدى الكثيرين فالإخفاق فى الوصول إلى عتبات مكتب التنسيق وعدم الالتحاق بالجامعة بالنسبة للأهل أولاً فالشباب أنفسهم يمثل إنهيار الحلم وليس خيبة الأمل فقط،  ولذا فكل أسرة يلتحق ابنها بالتعليم تسعى إلى الدروس الخصوصية بقدر ما تستطيع كى يحصل ابنها على المجموع الذى يؤهله لمواصلة التعليم. فالشهادة الجامعية (أو التعليم العالى) ما تزال تعنى الكثير بالنسبة للأسر المصرية من منظور اجتماعى. والاقبال على التعليم الجامعى والرغبة فى المزيد من التعليم أمر له أهميته واحترامه ولا يمكن تجاهله أو التقليل منه فدول العالم تسعى سعياً حثيثاً إلى اجتذاب الشباب إلى التعليم الجامعى وإتاحة الفرص لهم للتفوق، وهذا  يكون برصد المنح الدراسية المتزايدة للمتميزين أو الذين يلتحقون بتخصصات تريدها الدولة ولا يقبل عليها الطلاب مثل الرياضيات والفيزياء، واللغات الأجنبية والولايات المتحدة الأمريكية مثال مشهور على هذا لم يختلف فيها الرئيس أوباما عن الرئيس السابق عليه بوش فقد رصد كل منهما للبحث العلمى وللتعليم الجامعى بالتالى المليارات وتبلغ فى عهد أوباما حوالى 250 مليار دولار والتى خصصت للجامعات وإجراء البحوث وأيضاً لتمويل المنح الدراسية المتزايدة للطلاب للالتحاق بالجامعات وقد جاء هذا فى أول خطاب له يعرض فيه لكيفية مواجهة الأزمة الأقتصادية التى كانت بمثابة الكارثة للولايات المتحدة وللعالم بالتبعية.

        ربما يقول  البعض إن هذا فى الولايات المتحدة وهى دولة عظمى وليس لنا أن نتبع خطاها فأين نحن من اقتصادها أو إمكانياتها؟ هذا فى نظرى ليس مبرراً للتقاعس أو التراجع عن التوسع فى التعليم الجامعى والتقصير فى حق الشباب وحرمانهم من التعليم العالى والأكثر أهمية هو التقصير والتخاذل فى حق الوطن وأمنه القومى.

        نعم الأمن القومى للوطن  والحفاظ علية والذى أساسه أمن المواطن المصرى، ومع كل هذا سوف اتحدث هنا عن أمن الوطن فى هذا الزمان الذى لا يختلف عليه أحد فى أنه زمان مختلف حيث التحولات السريعة الحادثة من حولنا وفى وطننا تتطلب إعادة النظر وقراءة الواقع إنطلاقاً منه إلى وضع تصورات للمستقبل والاستعداد الأمثل له.

        بدهى الآن القول بأن رأس المال الحقيقى لأى أمة هم البشر ولم تعد الثروات الكامنة فى باطن الأرض أو غيرها، وتقتضى المنافسة العالمية أن تكون نوعية هؤلاء البشر نوعية متميزة قادرة على التعامل مع العصر بكل منجزاته حتى لو لم تكن من اختراعه أو صنعه.

        والتجديد هو أحد الركائز الأساسية فى المجتمعات المتقدمة، والتجديد لا يكون إلا بناء على نتائج البحوث العلمية وما تأتى به من جديد، والبحوث العلمية الأساسية تجريها أولاً الجامعات والذى يجرى هذه البحوث هم خريجى الجامعات وأساتذتها فالجامعة سواء أكانت تقدم العلم لطلاب الدرجة الجامعية الأولى فإنما هى تعدهم من أجل أن يكونوا باحثين وتختار المتميزين من بينهم ليتصدوا لإجراء البحوث والخروج بالنتائج التى حملتهم وتحملهم إلى ارتياد الفضاء والاستفادة من التكنولوجيا التى استخدمت فى هذا المجال لاكتشاف أمور أخرى على الأرض يستفيد منها الإنسان ويتمكن من القضاء على الأمراض أو مواجهة الكوارث البيئية أو استغلال الفضاء فى الاتصالات ناهيك عن مجالات التسلح الرهيبة وغير هذا من مجالات العلم الجديدة ومنجزاته المتجددة والمفيدة وغير المفيدة أيضاً للبشرية كأسلحة الدمار بكل ماهو شهور عنها من أثار مدمرة على البشرية .

        وإذا كان الأمر كذلك فالبحث العلمى ونتائج البحوث هى عصب الحياة المعاصرة وركيزة التقدم والبقاء على هذا الكوكب، والبشر الذين تعلموا تعليماً جيداً هم الذين يستطيعون القيام به، والجامعات التى تخرج هؤلاء البشر وتعدهم إعداداً جيداً بالتالى يمكنهم من إجراء البحوث والإضافة العلمية بالتالى واستخدام نتائج هذه البحوث فى كافة المجالات ومن ثم يعود الاهتمام العالمى إلى الجامعات البحثية الآن ويتزايد رصد الأموال لها سواء من الحكومات أو  من رجال الصناعة أو القطاع المدنى من أجل تحقيق الفائدة المرجوة من البحث العلمى لمجتمعهم والإنسانية جمعاء.

       ورغم أهمية كل ما ذكر سابقاً وضرورة الاهتمام بالجامعات البحثية والبحث العلمى والباحثين وطلاب الجامعات فإن زيادة الأعداد والتشجيع على زيادتها من الأمور الضرورية أيضاً لأنه كلما زادت الأعداد المتعلمة تعليماً جيداً كلما زادت الأعداد المتميزة منهم ومع زيادة الأعداد المتميزة تتزايد الإنجازات العلمية كما يتزايد مستوى الذكاء القومى.

        والاهتمام برفع مستوى الذكاء القومى وتعظيمه أصبح من الأمور الضرورية للبقاء والحفاظ على أمن الوطن، فالمواطن المتعلم هو الأقدر على مواجهة التغيرات السريعة والتعامل معها والاستفادة منها أى أنه لا يقف عاجزاً أمامها أو رافضاً لها لجهله بها وعدم معرفته بالجوانب ذات الفائدة له. وعلى سبيل المثال فالاتجاه فى العالم الآن هو الاعتماد على الإنترنت فى الخدمات المختلفة للمواطن فمن يجهل القراءة، ومن لايستطيع اتقان مهارات الحاسب، ومن لن يستطيع التعامل مع الشبكة العالمية سوف يتحول إلى عاجز عن التعامل داخل الوطن وليس فقط مع الخارج أيضاً. وبناء على التجارب المختلفة فالقبول الإلكترونى فى الجامعات أصبح سمة من السمات الأساسية الآن للتعامل مع هذا الجهاز وهكذا إعلان نتائج الثانوية العامة مثلاً واستخراج بعض المحررات والإعلان والشراء والبيع عبر الإنترنت، وكذلك الصحف والدوريات وكل ما ينشر على الإنترنت بالإضافة إلى البريد الإلكترونى … فبدون قسط متجدد من التعليم سوف يصبح أى مواطن عاجزاً عن استخدام منجزات العصر وأيضاً الحياة بصورة مرضية مع الواقع المحيط به ولأجل اصبح التعلم مدى الحياة أمراً مفروضاً على الجميع. ويقفز التعليم المفتوح بكل اتساعه وتعدد برامجه وقدرته على الانتقال إلى المستفيد ليكون فى صدارة النظم التعليمية الهامة والضرورية لكى نقدم التعليم المفتوح للجميع وتتيح التعلم للجميع من خلال مايقدم من برامج على الشبكة الالكترونية العالمية وأتصور أن هناك من له تجربة فى هذا المجال ومن بيننا من حصل على برامج تدريبية.

        وهذا يقودنا بالتالى إلى الاعتراف بأهمية ما انتهى إليه منتدى التعليم المنعقد فى داكار/ السنغال عام 2000 من التأكيد على ضرورة أن يكون التعليم للتميز والتميز للجميع.

        ولعل كلمة الجميع هذه توضح أن العالم كله فى نظرته للتعليم بكل مستوياته هو أن يكون للجميع، وكل فرد بقدر ما تتحمل قدراته. ويمكن الإشارة إلى الفارق الهائل بين الدول المتقدمة والدول المتطلعة للتقدم فى تطبيق هذه الدعوة العالمية لأن يكون التعليم للجميع، فالدول المتقدمة فهمته وطبقته من منظور إتاحة التعليم من المهد إلى اللحد، وذلك بإكساب كل فرد الكفايات الأساسية التى تمكنه من الاستمرار فى التعلم والارتقاء فى مستوياته دون توقف، فى حين أن الدول المتطلعة للتقدم اختصرته فى مرحلة التعليم الأساسى وبعضها خصه بأن يكون للفتيات أو الكبار الأميين. ومع أهمية هذا فلابد من التأكيد على أن التعليم والتعلم مدى الحياة حق للمواطن، ويدخل فى إطار هذا التعليم الجامعى والذى من أهم فوائده تنمية شخصية الشباب وتهيئتهم لتولى المسئوليات والاضطلاع بحماية أمن الوطن، ونعود للمثال المكرر المشهور إلا أنه هام ويأتى تكراره للفخر به ذلك أنه قد بات من المعلوم الآن أن الذى جعل من حرب أكتوبر 1973 حربا ناجحة حققت الانتصارات وصححت ما قبلها من انكسارات إنما كان تحمل شباب الجامعات الذين تم تجنيدهم بناء على نصيحة من الفريق محمد فوزى منذ عام 1968 للعمل فى القوات المسلحة، وكان أن انضمت أفواج الجامعيين إلى الجيش تحمل الصواريخ على الأكتاف وتتعامل مع الأسلحة المزودة بالليزر وتستخدم قدراتها الهندسية فى اجتياز خط بارليف وغير هذا مشهور ومعروف الآن. إذا فالتعليم الجامعى هو ما ينبغى أن يحصل عليه أكبر عدد ممكن من الشباب ليس لأنه حق لهم أن يتعلموا تعليماً جيداً يتيح لهم الاستمرار فى التعلم فقط ولكن أيضاً ليكونوا عدة الوطن وذخيرته وضمان لأمنه القومى من منظور دفاعى.

        بعد كل هذا وفى زمان يتزايد فيه الإرهاب والخروج على مقتضيات الصالح العام فإن المواطن المتعلم تعليماً جيداً والذى ينعكس على طريقة تفكيرة وعلى شخصيتة هو القوة الحقيقية التى  يمكن أن تحول دون الشباب والإرهاب والمتعلم من وجهة النظر هناً هو الأقدر على مواجهة ومقاومة التطرف.

        أما من منظور اقتصادى معاصر فمن المعروف أن العولمة أدت إلى اتساع رقعة العالم وانهيار حدود دولة أمام الأموال التى تنتقل فى سرعة من مكان إلى آخر بقصد الاستثمار ومن هنا إزداد عدد الشركات عابرة القارات والجنسيات أيضاً كما زادت التكتلات الاقتصادية، ومع تخلص الدول المتقدمة من الصناعات الملوثة واتجاهها إلى الصناعات الدقيقة وغير الملوثة وما إلى ذلك فقد زاد الطلب على المتميزين علمياً وإتاحة الفرص لهم للعمل فى هذه الشركات والمنظمات وما إلى ذلك وبحثاً عن قوة العمل الأرخص. عما هو فى بلادهم فقد وجدت تلك النوعية المتوفرة من العمل بعيداً عن حدود هذه الدول أو عبر البحار وبعيدا عن شواطئها، ومن ثم زادت التنافسية بين المتعلمين للالتحاق بهذه الأعمال وزادت الحاجة بالإضافة إلى هذا إلى تعلم اللغة الإنجليزية على الخصوص. ولم تتوقف هذه الظاهرة عند هذا الحد فالجامعات تنتقل  فروعها الان بعيداً عن أوطانها، والمتعلمون يعملون بعيداً عن مقار عملهم بل يتزايد الاتجاه نحو البحث عن هؤلاء المتميزين مبكراً ومتابعتهم للاستفادة منهم فى الأعمال المطلوبة خارج حدود الدول صاحبة الأعمال والأموال.

        العالم يتغير ويتغير فى  سرعة شديدة قد لانستطيع ملاحقتها إذا توقفنا أمامها دون اتخاذ الإجراءات المطلوبة … ويتقدم العالم للأمام ونتقدم نحن للخلف . لا أظن أن هناك من يقبل هذا وبالتالى فالمطلوب وبإلحاح هو زيادة أعداد من يلتحقون بالتعليم العالى، إتاحة الفرصة لمزيد الجامعات ولا بد وأن نعرف أن مجموع الدرجات هو أحد مؤشرات النجاح مستقبلا للطالب ولكنه ليس “مؤشر حتمى” يحاصر الطالب بسببه إلى الأبد فالتفوق لايقتصر على الثانوية العامة ولكن مدى الحياة ومن هنا فالتوسع فى عدد الجامعات ضرورة وإنشاء جامعة قومية مفتوحة أصبح أيضاً ضرورة ولا يكفى هذا التعليم المفتوح الملحق بالجامعات. فالجامعة المفتوحة فى المملكة المتحدة نموذج ناجح ويثير الإعجاب، والجامعة المفتوحة أصبحت جامعة متاحة للجميع فى بلاد العالم المختلفة من إيران إلى باكستان إلى الهند إلى غيرها من النماذج التى تحقق وصول التعليم إلى الإنسان الذى يرغبه وإتاحة الحق لمن يستطيع أن يتحمله ومن ثم فالتوسع فى التعليم الجامعى للجميع ضرورة من ضرورات أمن المواطن والوطن.

        وماأحوجنا أن نعيد التفكير فى أهداف التعليم الجامعى على تعددها وألا نقصرها على  العائد الاقتصادى وحده كى يكون شباب الجامعات عدتنا والدرع الواقى الواعد دائماً كى لا نخسر المستقبل فهذا هو الذى يدفعنا للسؤال الذى ينبغى أن نطرحه دائما:

        ماذا لو لم نتوسع فى التعليم الجامعى ونتيحه لأعداد متزايدة من الشباب ؟

        وعلينا بالتالى أن نطرح أسئلة أخرى هامة حول أهداف التعليم الجامعى وضرورة استدعاء هذه الأهداف كى تكون أمام عيوننا دائماً، فأهداف التعليم الجامعى منذ نشأته ومع تطورها ظلت تحافظ على الهدف الثقافى والعائد الإنسانى منه حيث تظل نوعية الإنسان هى الأساس فى التعليم الجامعى والهدف الأساسى منه ثم تدور حوله بقية الأهداف. فالجامعة حقاً مؤسسة تعليمية بحثية إلا أنها بالأساس مؤسسة إنسانية وإيتاحة هذا التعليم  لاعداد أكبر وبنوعية افضل حق انسانى للمواطن فى وطن ديمقراطى وايضاً ضرورة لا مهرب منها فى مجتمع المعرفة وللتمكين من التعامل مع عالم يتزايد فية الاعتماد على اقتصاد المعرفة فمن المشهور الان ان العالم يعيش حضارة واحدة هى الحضارة العلمية والتكنولوجية وتتطلب حقاً تنوع الثقافات والتى يتبعها ضرورة الاهتمام بالتعليم للجميع وايتاحة فرص التعلم لهم مدى الحياه فى وطن لكل أنسان مكان فية وينعم بحياة آمنة يوفرها له التعليم العالى والاعلى.

مقالات أخرى

تعدّد الطّرق الصّوفيّة

جماليّة التّناصّ في الشّعر الصّوفيّ

“زيارة” الضّريح بإفريقيّة مطلع العصور الوسطى

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد