انتهى زمان الأميّة…. لماذا؟

لا يكف البعض في زماننا هذا عن استخدام كلمة الأمية أو الأمي ليصف حالة من لا يعرف القراءة والكتابة. ورغم تراجع كثير من المنظمات الدولية ومنها اليونسكو وكثير من الكتاب المتخصصين في هذا المجال عن استخدام مصطلح محو الأمية واستخدام كلمة “القرائية” بدلا منها إلا أن المزاج المصري ما يزال عبر أجهزة الإعلام المختلفة وفي المؤسسات الرسمية والمؤتمرات يستخدمها.

 والوقفة هنا لمحاولة بيان لماذا انتهى زمان استخدام هذه الكلمة لعدم وجود ما يمكن أن نطلق علية الإنسان الأمي فعلا. ونذكٌر القارئ بأن جبريل عليه السلام حين سأل الرسول بأن يقرأ كان رد الرسول صلى الله عليه وسلم” ما أنا بقارئ”.

 لم يقل عليه الصلاة والسلام “أنا أمي” ومع كثرة التفسيرات اللغوية التقليدية الجامدة ألا أن الرأي هنا هو الرفض التام لتسفية من تطلق علية هذه الكلمة باعتباره أمي. بالإضافة الى هذا فإن استخدام أمي في القرآن الكريم تعنى معنى آخر غير القراءة والكتابة لمن يريد أن يرجع إلى كتب التفسير في هذا المجال. ومهما كان الرأي فلابد من الإشارة هنا إلى أنه مع الثورة العلمية والتكنولوجية وثورة لاتصالات بالتالي وانتشار أجهزة الاتصال الرقمية المتنوعة والتي أصبح كثير منها في متناول من يرغب وكل من يحتاج إليها وأصبحت المعلومات وبالتالي المعرفة في إمكانية الجميع فالصحافة المكتوبة ثم الإذاعة المسموعة وخاصة مع إنتشار الترانزستور منذ منتصف القرن الماضي ثم التليفزيون فالكمبيوتر والتليفون المحمول ثم ما يتوالى من أجهزة رقمية محمولة لا يتوقف إنتاجها، وتتزايد نوعياتها والوظائف التي تؤديها فضلا عن انتشار استخدامها ورخص أسعارها.

 هذا كله كان له تأثيرات كبيرة في زياد التشاركية و نقل المعلومات والأفكار بل والأحداث لا بصورة مسموعة فقط ولكن أيضا بصورة مرئية إلى الأماكن القريبة والنائية ومن لايستطيع أن يتخيل هذا عليه بأن يتذكر ميدان التحرير الذي جمع في يناير سنة 2011 الأعداد الغفيرة من المصريين على إختلاف توجهاتهم فلماذ جاءوا ومن أين والمهم من الذي أتى بهم وكيف؟ وتكرر هذا بصورة أوضح في 30 يونيو2014 حيث خرجت الملايين بناء على دعوة لهم للخروج عبر كافة أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة أيضا فثورة الاتصالات ونتائجها الإعلامية إذا تكذٌب أنه ما يزال بيننا من ما يزال عقله صفحة بيضاء أي ما يزال كما ولدته أمه من حيث المعرفة ومنها معرفة القراءة والكتابة وما نزال نصر على إهانته وتسفيهه بوصفه “أميا”.

بناء على هذا فكلمة القرائية الآن تحمل في طياتها الدعوة إلى تمكين الإنسان كل إنسان وأي إنسان من أن يتعلم مدى الحياه أي من المهد إلى اللحد كما جاء في الأثر ومن ثم يمكنه القراءة وامتلاك المهارات المؤدية أيضا للقدرة على الكتابة بكل ما يرتبط بها من مهارات. ولما كانت أجهزة الاتصال الرقمية المحمولة قد سهلت للإنسان أن يتحرر من المكان والزمان في حصوله على التعليم والمعلومات والمعرفة فإن وسائل الاتصال بكل أشكالها والتغيرات الحادثة في البيئة المحيطة بالإنسان نتيجة لهذا وبمساعدتها مكنت كل إنسان من أن يكون قادرا على ن يعرف بل ويشارك غيره في المعرفة عبر العالم كله بواسطة وسائل الإتصال إذا كان يقرأ ويكتب عن طريق الانترنت أو حتى دون أن يقرأ ويكتب عن طريق الأجهزة المسموعة والمرئية وهنا لابد من التأكيد على أهمية القرائية أي أن يقرأ الإنسان ويكتب بنفسه ولنفسه مما يؤدي به لأن يعرف المزيد ويفكر ويبدع.

أما لماذا لابد وأن يقرأ ويفكر ويبدع فذلك لأن النمو والتغيرات السريعة جدا في هذا المجال لن تتوقف ولن تقتصر أيضا على مجال التعليم والتعلم حيث تتراجع في زماننا هذا وبسرعة الحواجز التكنولوجية وتتزايد إمكانيات استخدام التكنولوجيا الرقمية. وحتى لا تتزايد الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول المتطلعة للتقدم، وأيضا كي لا تتزايد الفجوة الرقمية بين الأغنياء والفقراء فالواجب هو التنبيه إلى خطورة ما يترتب عليها. إن الحياة لا تتوقف والمكتشفات العلمية والتكنولوجية تتزايد. ومن الجدير بالذكر إن التكنولوجيا الرقمية بعد اختراع الإنترنت والأجهزة المحمولة بأنواعها وتطوراتها تهدد المؤسسات التعليمية بل وحتى مؤسسات   التعليم العالي. فالتكنولوجيا الرقمية لها تأثيراتها على أماكن التعليم والتعلم وكذلك أساليبه. إذا لا بد من أن نهتم بالقرائية ونكف إنسانيا و اصطلاحا عن استخدام كلمة “الأمية” ونفكر جديا ومعا في كيف يمكن أن تكون القراءة والكتابة والحساب على الأقل للجميع.

 هذا هو التحدي الذي يواجه الوطن حاليا ومستقبلا فالعصر بكل منجزاته يحمل معه إمكانية أن يتحرر الإنسان من قيود عدم القدرة على القراءة و الكتابة و اكتساب ما يتكامل معهما من مهارات ضرورية.

ومع كل هذا يتطلب الامر الاشارة إلى أن الانسان نفسة هو الذى ينبغي أن يمتلك الوعي و الإرادة لكي يتحرر ويكون قارئا فلن تجدي الدعوة للتعلم إذا ظلت صادرة عن مصدر أخر غير ذاتة مهما تعالت الأصوات وارتفعت وتكررت الدعوة لة بأن يتعلم ومهما بذل من جهود و أنفقت عليها نفقات غير محدودة ومهما عقدت المؤتمرات المحلية والعالمية وحتى لو تم إلزام كل طلاب الجامعات بتعليم من لا يمتلك مهارات القراءة والكتابة إذ المهم وعي غير القارئ نفسة بحاجة للقراءة وأهمية ذلك له وأساسا سد المنابع بتعليم الجميع منذ مرحلة الطفولة المبكرة.

 

مقالات أخرى

التربية الجنسية في الفلسفة الكانطية

صابر جيدوري : ثنائية الفرد والمجتمع وانعكاساتها التربوية

ثنائية المعرفة: من العقل إلى التجريب

3 تعليقات

نادر سعود نادر العجمي 21 يناير، 2021 - 8:22 ص
مقاله رائعة دكتوره ......... الأن امتلأت القلوب بالإرادة و الرغبة في محو الأمية و الإعتقاد السائد بأن الأمية هي من لا يعرف الكتابة و القراءة انتهى ، لأن الكل يقرأ و يكتب إنها أصحبت في شكل جديد فالأمية الآن هي في من لا يتقن التكنولوجيا المعلوماتية،الأمية العصرية من لا يتحكم أو يتقن عالم التقنى و الآلي و الإلكتروني فهناك البعض و هم جامعيين لا يستطيعون حتى طباعة ورقة عادية أو كتابة نص و تنسيقه و هناك من يجهل كيفية حتى تسجيل في موقع ما ورصد نتائجه.
ظاهر ناصر مركز العنزي 4 فبراير، 2021 - 10:36 م
انتشر بين الجيل الحالي جهل كبير وملحوظ بالتكنلوجيا والمعلوماتية، فرغم كونها أساس مهم ومن أهم مقومات العصر الحالي إلا أن أغلب الطلبة والمعلمين وغيرهم من اللبنات المهمة في المجتمع لا يفقهون شيئًا في أبسط أساسيات المعلوماتية والتكنلوجيا التي نحتاجها بشكل يومي، لذلك لابد من مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والتصدّي لها حتى لا تكون عواقبها وخيمة على المجتمع.
محمد صلبي عايد الشمري 4 مارس، 2021 - 10:14 م
الكثير ممن اذا سألتهم عن تعريف الأمية يقول لك الجاهل وهذا خطأ مغلوط عند البعض من الناس ف الأمية هي عدم معرفة القراءة والكتابة ولا زالت أمتنا العربية الاسلامية المعروفة بأمة أقرأ لا تعرف القراءة والكتابة في زمن التطور التكنولوجي الهائل والمعرفي الكبير
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد