(بلاد الكفار) دعوة للحقيقة

بلاد الكفار دعوة للحقيقة

والمقصود بالطبع هو الدول الاوربية التي تمنح حق اللجوء الانساني لهذا السوري التائه في الأرض بعد أن تواطأ عليه نظام ظالم وتحالف غاشم وإرهاب قاتم، وصار يهيم في الأرض يبحث عن أفق نور كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا، كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده.

في سمائه يحلق طيران النظام وطيران التحالف وطيران إسرائيل وكلها لا تحمل الا بضاعة الموت القاتلة، وفي الارض يتلقى رعب الموت بين مشاهد الموت كل يوم.

وقد صار السوري التائه رهين المحبسين، فهو إما في وطنه الصامد ينتظر الموت القادم من السماء أو الموت القادم من الأرض، حتى الطريق إلى خيام اللجوء لم يعد سهلاً، وصار كثير منها أشبه بمعتقلات غوانتانامو، أما دول الجوار فإن لبنان تفرض كل يوم مصاعب جديدة للدخول،  واشترطت مصر والعراق والأردن الفيزا، أما الخليج العربي فقد أغلق حدوده بالشمع الأحمر، وتفرض البلاد العربية بلا استثناء تقريبا الفيزا على السوري، وتبدو تركيا الاستثناء الوحيد للسوري التائه الذي يمكنه أن يدخلهما هارباً من جحيم الموت.

ولكن السوري المعذب في الأرض حين يفلت من ذلك كله تطارده فتاوى تحريم التعاون مع الكفار وتحريم الذهاب إلى بلادهم، وهي فتاوى بدأت بقيام الدواعش بإحراق جوازات سفرهم الأوروبية إمعاناً في موقفهم من محاربة الكافرين، وانتهاء ببعض الشيوخ الكرام الذين اختاروا منع المسلم من الذهاب إلى (بلاد الكفار) استناداً لبعض النصوص النبوية.

والحقيقة أن الحالة الوحيدة التي نهى فيها النبي الكريم أصحابه من الاقامة بين ظهراني المشركين كانت في صحابة من خثغم… تركوا المدينة وراحوا يسكنون في مكة بين مشركي قريش الذين كانوا يحاربون الرسول ويغزون المدينة كل عام.. امثال ابي سفيان وعكرمة وصفوان وحويطب…..  وهؤلاء قطعاً لا يصح الاقامة بينهم، وهم بكل تأكيد اعداء محاربون وليسوا مجرد مختلفين في العقيدة، ومن المنطقي أن يقول الرسول الكريم: لا أحل لمسلم أن يقيم بين ظهراني المشركين….. لا تتراءى ناراهما!!

ولكن هل هناك أدنى قياس بين هذا وبين إقامة المسلم في بلد متحضر يحترم حقوق الإنسان والحريات … وتبنى فيه المساجد والمدارس الاسلامية….ويحتكم الى قانون عادل لا يظلم فيه أحد؟؟؟
إن الرواية الأقرب لواقعنا اليوم هي قوله للصحابة: اذهبوا الى الحبشة فان بها ملكا لا يظلم عنده أحد…. وكان بالطبع مسيحيا ومن حوله بطارقته وكهنته وقساوسته….

وقد دلت نصوص صريحة وصريحة على أن الأرض كلها لله ، وفي الحديث الشريف من رواية الامام احمد: البلاد بلاد الله والعباد عباد الله وحيثما أصبت خيراً فأقم، وفي حديث آخر قال فديك: يا رسول الله إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر هلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فديك أقم الصلاة وآت الزكاة واهجر السوء واسكن من ارض قومك حيث شئت) -اخرجه الطبراني

وهكذا فالنصوص محكومة بظروفها، وبالتأكيد فإن نهي الرسول الكريم إنما يتجه لمنع انتقال المسلم ليقيم في دولة محاربة عدوة كإسرائيل مثلاً وهذا هو بالضبط ما قصده الحديث.

ولكن إلى متى سنظل نقول إنه عالم كافر وإننا عالم مؤمن؟؟؟ وما هي الحدود الثقافية والجغرافية التي تفصل بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر؟

في دراسة دقيقة قدمتها للأمم المتحدة عبر حوار سالزبورغ بالتعاون مع الصديق العزيز هانس كوريل المستشار الحقوقي للأمم المتحدة وأحد أكبر عباقرة الحقوق والقانون الدولي، قمنا باختيار حقوق الانسان بدقة كما بينها القرآن الكريم، وأجرينا مطابقة كاملة بين حقوق الانسان وبين القرآن الكريم، وكانت النتيجة التي أقرها مؤتمر سالزبورغ أن في القرآن الكريم نصوصاً تتطابق تماما مع الأهداف النبيلة لإعلان حقوق الإنسان كما تم إعلانه في الأمم المتحدة، وأنه يمكن القول إن القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة يعتبر وثيقة متقدمة على إعلان حقوق الإنسان.

وقد وضعت الدراسة كاملة على موقعي الالكتروني ويمكن الرجوه إليها لمعرفة تفاصيل هذا التلاقي بنداً بنداً وآية آية.

في اعلان حقوق الإنسان تتطابق المادة الاولى مع قول الله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، ونصها: يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.

ومن المؤلم أن نقول ان البلاد الاسلامية بعمومها قد فشلت في تطبيق هذه الآية القرآنية، على مستوى الأفراد والحكومات على السواء… ويعاني المواطن في بلاد المسلمين من التمييز الطائفي والحزبي والقبلي ما ينتهك كل حقوق الإنسان.

أما تحريم العبودية والاسترقاق والسبي فقد نص القرآن بوضوح: فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها… والآية الكريمة نص في تحريم الاسترقاق يتطابق تماما مع المادة الرابعة في اعلان حقوق الانسان، ونصه : لايجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.

ولكن الأمة الإسلامية فشلت تماما في منع وقوع هذه الكوارث وقامت داعش بالاسترقاق المهين واللانساني ولا تزال تمارس هذا الشر الأثيم غير عابئة على الاطلاق بكل النصوص القرآنية والمواثيق الدولية… وللامانة فان الاسترقاق مازال حتى اليوم يتم في اسواق النخاسة في موريتانيا والصومال وهو امر يتنافى مع الاسلام ومع العدالة.

وأما المواد 13 و14 و15  فقد جاءت خصيصاً للتاكيد على حق الإنسان في الحصول على وثيقة السفر والإقامة حيث أراد والسفر والعودة إلى البلد الذي يريد بما في ذلك بلده وعدم جواز تجريده من الجنسية أو منعه من الحصول على وثائق السفر، وحقه في اللجوء الإنساني لأي بلد في العالم، وهي المواد التي فرضت على الدول الموقعة على المسثاق أن تقوم بالتزامات تبدو لنا مدهشة ومذهلة ولكنها في الواقع ليست الا التزاماً طبيعياً من هذه الدول بما وقعت عليه والتزمت به.

وهذه الحقوق الكبيرة أقرها الإسلام في صيغتها العامة ودلت لها آيات كريمة في سورية الملك: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ، وأكدت هذا الحق سورة سبأ: سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين.

ولكن هذه الحقوق التي دل عليها القرآن تماما بوضوح وجاءت أيضاً في عشرات السنن النبوية الكريمة، تم نسفها بالكامل في البلاد الاسلامية عبر نظم الاستبداد والقهر والظلم، وأخيراً وبشكل أكثر فظاعة ومرارة عبر الحركات الجهادية المرعبة التي ترفع رايات الإسلام.

وتشير البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة أن الدول العربية عموما هي اقل الدول التي تلتزم بمعايير حقوق الانسان، ومن وجهة نظري ووفق الدراسة السابقة فان هذه الدول بسلوكها المناقض لحقوق الإسلام تسلك سبيلاً مناقضا بالمطلق للقرآن الكريم أيضا.

لقد بت أستحي بالفعل من هذه القسمة الساذجة في تقسيم العالم الى ارض إسلام وأرض كفر، حيث تتم التسمية وفق عدد الجوامع والمعاهد الدينية وربما صورة الأعلام والرايات، ولكنها في التطبيق العملي تفشل فشلا مرعباً في تحقيق كرامة الإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه.

من المؤلم أن نتكاشف بالحقيقة الصادمة، وهي أن قوانين العمل في كندا أكثر إسلامية من قوانين العمل التي تواجه الهندي والبنغالي في مكة والمدينة، وإن الإنصاف الإنساني الذي يجده المسلم في استراليا لا يقارن بذلك الصدود والاستعلاء والامتهان الذي يواجه السوري في بلاد الأزهر الشريف، وأن قوانين اللجوء المطبقة في هولندا والسويد أرقى بألف مرة من قوانين الإقامة والجنسية المطبقة في الخليج العربي رغم أنها تضم أكبر مجمعات للقرآن الكريم وأفخم مساجد العالم وأشهر إذاعات القرآن الكريم ومعاهد السنة النبوية، وإن الحرية والكرامة المتوفرة للمسلم في أسبانيا وإيطاليا أكبر بألف مرة من تلك التي يمكن أن يحلم بها في افغانستان على الرغم من أنها أكثر بلاد الله عمائم ولحى، وأكثرها تسبيحاً وتكبيراً وتهليلاً.

لقد حان الوقت لتقديم معايير أكثر موضوعية للتمييز بين دول العالم على أساس الالتزام بقيم الإسلام الكبرى في العدالة والمساواة وحقوق الإنسان والحرية والرحمة للعالمين.

ولو أننا عهدنا إلى خبراء محايدين أن يبحثوا لنا في خريطة العالم عن البلدان التي طبقت معايير القرآن الكريم في كرامة الإنسان فإننا سنحصل بكل تأكيد على خريطة أخرى للعالم الإسلامي لا تشبه في شيء هذه الخريطة البلهاء التي تحدد الدول الإسلامية بالشعارات والدعاوى، وستبدو بكل تأكيد عواصم مثل أوسلو واستوكهولم وكوبنهاغن وفيينا وبرلين وسدني وملبورن أكثر إسلامية من مدن العالم الإسلامي المكتظة بالمساجد واللحى والعمائم.

ربما لن تجد وصفاً لحل الأمة الإسلامية في تطبيق قيم القرآن الكريم أوضح من قول النبي الكريم: يأتي زمان على الناس لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه.

منائركم علت في كل حي     …. ولكن أين صوت من بلال؟

وعند الناس تلقين وفكر ….      ولكن أين تلقين الغزالي؟

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد