التغريبة السورية……. مات حاتم علي قبل أن يخرجها ……
لقد كُتِبت أحداثها ودارات بين برلين ودمشق والقاهرة وستوكهولم وباريس وامستردام والسعودية والبحرين وقطر ولندن واسطنبول والخرطوم وفينا…… لم تبقَ بقعة من بقاع الأرض ألا ولجأ إليها السوريون
أحداثها مستقاةٌ من المحامي الخلوق الذي جال الدنيا بين دمشق والقاهرة ليستقر به الحال في ألمانيا.
نسي جاكيته الأسود الأنيق وحقيبة الجلد ، بنية اللون المليئة بالأوراق والمعاملات……
وشعار نقابة المحامين لا يبرح الجانب الأيسر من سترته.
هل ستصدقه موظفة الجوب سنتر؟؟؟؟؟؟؟؟
إذا قال لها :إنه إذا رفع يده بالسلام من سكة القطار لا ينزلها إلا في محكمة قطنا !
أما زميله الشجاع الآبي فهو مسجى في مشفى شاريتيه في مدينة برلين يصارع مرض الكورنا علّه يتغلب عليه ، ويعود من جديد يخبرنا عما جرى معه وهو يطلق دخان نرجيلته كمدخنة مدفأة حطب في ليالي الشتاء الباردة……
صديقي العزيز انهض بقوة لأن هناك العديد من البشر ينتظرون أياديك البيضاء
نظرتُ إلى من شجعني دراسة الأدب العربي البارحة بعد اتصال كاميرا ، لم أعرفه فقد طحنته رحى السنون……..
أين أناقته ؟؟؟؟
أين سرواله الجينز الملفت للانتباه؟؟؟؟
أين خصلات شعره ؟؟؟؟
أين سيجارة المالبورو الفاخرة التي يتلذذ طعمها؟؟؟؟
وبعد إخراج الدخان من فمه يخبرك َأنّ هناك فكرة أدبية جديدة قادمة
أين ابتسامته النابعة من القلب؟؟؟؟؟؟؟؟
أين عطوراته التي احضرها من دبي؟؟؟؟؟
ولايزال شذاها فائحاً في الزقاق المنحدر من بيته باتجاه الطريق العام.
إلى جانب نهر الراين الصحفي الكبير لازالت مقالاته مزينة وموشحة بتوقيعه ، وكالات الأنباء والصحف الرسمية تعرفه بقامته ، وسمرة وجنتيه
كسر قلمه الأخضر ، وأعطاه لموظفة الجوب سنتر
ورمى ربطة العنق بنهر الراين علّها تحملُ رسالةً إلى صحيفة هولندية ناطقةٍ باللغة العربية
نسي الصحفي مقالاته السياسية والأدبية والنقديةعند حلاق رجالي ، حلق للصحفي شعر رأسه فجعل رأسه كبصلة صغيرة تتهيأ للفرم وتقلى بالزيت
لجهله قام الحلاق برمي المقالات بسلة الزبالة ليمتزج الأدب والفكر مع شعر الزبائن
التغربية السورية لم تنتهِ بعد ………..
قادمةٌ فصولها بمرارة
من طفلةٍ والدها أفنى عمره واقفاً أمام السبورة يبث طلبته محبةً مع كل حرف من حروف الأبجدية ، والآن ابنته لاتتكلم غير اللغة الألمانية في الطريق وفي المدرسة وفي البيت وفي المحكمة وفي مكتب رعاية الأطفال.
التغريبة السورية مرتسمةٌ في أعين رجل كهل تجاوز الستين من عمره ينتظر رغيف الخبز بعد انتظار لساعات طوال……………
ومكالمة وتس أب من مغترب لذويه بانتظار التيار الكهربائي ليشرف
وأم ٍ جالسةٍ أمام باب الدار تنتظر غيابها وأولادها
تدعو الله قبل صلاة الفجر بساعة أن يحقق مراد ولدها
علاقتها تلك الحجة الثمانينية مع الله جيدة جداً ، تدعو بخشوع ، بتضرع ، بدموع ، بحزن ، بتنهيدة ، بصوت مرتفع حيناً ، وبصوت عالٍ حيناً آخر ، تمتمم أمي بكلمات لا أفهمها فقط الله تعالى يفهم تمتمتها .
أخبرت أمي الله بكل لغات الأرض ……….
ولكن الأذن السماوي لم يأذن بعد، ربما يأذن في الحلقة الأخيرة من مسلسل التغريبة السورية قبل موت البطل بقليل وقبل أغنية الشارة….
أيا أماه قولي للملائكة الذين كلفتهم بحراستي خمسة وأربعين عاماً أن يتركوني كي أنام وحيدا
ستدور مشاهد التغريبة السورية
حول طفل وحيد سافر أبوه إلى إلمانيا لينتشله من بلد الموت
فمات الطفل بعدما أتم السادسة من عمره
اختلط دمه مع جلائه المدرسي وشهادات التفوق والزعتر البري ، دفنت كتبته وقلمه الرصاص ودواة حبره معه في قبر واحد جانب مدرستي الابتدائية
ستدور مشاهد وحلقات التغريبة السورية بيني وبين جارتي العجوز الألمانية التي تسألني مع مطلع كل صباح سؤالها اليومي المعتاد :
“هل بقي أحد من شعبك السوري في سورية؟؟؟؟؟؟؟ أم أنهم يستعدون لاجتياز الحدود التركية” ؟؟؟
حلقات عديدة في التغريبة السورية ستروي لنا حنين المغتربين لدمشق وياسمينها الذي يهرهر على نوافذ الجيران.
إلى عصافير دمشق التي ترتشف القهوة الصباحية على شرفات المنازل قبل أن تذهب للعمل .
وسوق الحميدية والمكتبة الظاهرية ومكتبة كلية الحقوق والحريقة وبوظة بكداش وسوق الصاغة وكلية الآداب واتوستراد المزة وقمة جبل قاسيون وحديقة الجاحظ وكل أزقة الشام القديمة
والجامع الأموي
والآذان الجماعي الذي لم نسمع مثله في الأرض ……………..
في مآذن الأموي هناك لغة عشق بين العباد والإله
هناك لغة سحرية تشدك لتكون خاشعاً
تحس أن صوت المؤذنين يصل إلى كل بقاع الأرض.
في دمشق أنا المسلم كتبتُ إلى فتاة مسيحية بقرب اقتراب عيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم العذراء………..:::
أجراس كنائسك
ومآذن مساجدنا لا تتغير
ومن القرآن والإنجيل تفوح
رائحة العنبر
وأنا منذ زمن غابر
منذ ولادة السيد المسيح
وإسراء الرسول الكريم
لم أعتد أن اكتب أسماء وعنوانين
أحبتي دفتر
وفي الحلقة الأخيرة من التغريبة السورية كتب المخرج حاتم علي رحمه الله :
” في بلدي الحبيب حدثت حرب طاحنة ثم وضعت أوزاها. لم أشاهد أي طرف انتصر على الآخر ، لكني شاهدت من دفع الثمن “
كان حلم حاتم أن يموت في دمشق بين رائحة الخزامى والزنبق البري
أوصاهم أن يدفنوه بمقبرة الحجر الأسود
بعدما يُصلى عليه بجامع المصطفى
ويلقنه الشيخ الجعثوني:
إذا سألوك الملائكة:
من ربك؟؟؟؟
وما دينك؟؟؟؟؟؟؟؟
ومن هو نبيك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ولا تنس العهد الذي افترقنا عليه
موت المخرج الكبير ابن الجولان حاتم علي هو رسالة شفهية من الله لكل المغتربين :
إننا سنموت ببلاد الشتات
6 تعليقات