هوس العقاب

هوس العقاب

الملخّص

يتجدد النقاش في تركيا في عقوبة الإعدام مع تجدد الأحداث الإجرامية. ونريد أن نساهم في هذا النقاش بنقد الخطاب الديني المحافظ نقْدا بناءً من ناحية المضمون ومن ناحية الأسلوب. إن محور نقدنا هو غفلة أصحاب الخطاب المحافظ عن المقاصد الكلية للنصوص المتعلقة بالقضية فهي تُوهِن مقالاتهم، وتجعل خطابهم أشبه بخطاب إيديولوجي دنيوي، كما أنها تعسّر عليهم عرض خطابِهم في صيغة نظرية محكمة. وقد تجلّت غفلتهم أيضا في غياب الوعي بخطورة قضية المصطلحات والمفاهيم التي علها تدور السجالات الفكرية. ومن محاور النقد خفاء الأصل القرآني بأن الخطاب موجّه أساسا إلى الإنسان الفرد بصفته مبتلى مسؤولا، وبأنه لا ينبغي أن تجعل القضايا التي تعني وتهم كل إنسان في نفسه ضحيّةً للنزاعات السياسية والتحزبات الطائفية. إن غياب هذا المبدأ القرآني يدعم قواعد معارضي الإعدام ويُخفي على أصحاب الخطاب الديني أهميةَ مبدأ العفو الذي هو الميزةُ الفريدة للدين ولنبوة الأنبياء دون الإيديولوجيات البشرية، كما أنه يوقع أصحاب الخطاب الديني في الإخلال بالترتيب بين المقاصد الكلية والجزئية أو بين القرآن المكي والقرآن المدني فيقصرون الآيات الواردة في المسألة على الشأن القضائي وعلى تحقيق العدل بين الناس في المظالم الدنيوية مع أن دلالاتها الأخلاقية أعمق وأبلغ. وفي الختام حاولنا أن نصوغ الخطاب القرآني فيما يخص الإشكال في صيغة تجلّي عن التحدّي الوارد في القرآن الكريم مع الإشارة إلى التحديات التي يواجهها المسلمون في نقد العقوبات الشرعية عموما وفي القصاص خصوصا.

الكلمات المفاتيح: الشريعة الإسلامية، المقاصد، القصاص، العفو، الإعدام.

Abstract

With the emergence of new types of crimes, debates on capital punishment have reemerged in Turkey. As such, we would like to contribute to these debates by offering constructive criticism to both the style and content of the conservative discourse vis-à-vis capital punishment. Throughout our study, we have explained that the fact that conservatives are unaware of the universal objectives of the primary texts dealing with this issue weakens their discourse and by transforming it into a worldly, ideological discourse, impedes them from developing it into a cogent theory. This weakness reveals itself in the very concepts and terms used. Yet another area of critique is that although the Qur’an deals with each and every individual as someone being tested, the debate has been turned into a venue for political polarization and conflict, which only serves to strengthen the argument made by opponents to capital punishment and to draw attention away from the fundamental principle of forgiveness that distinguishes the reality of prophethood from other worldly ideologies. This stems from an ignorance of the distinction between Meccan and Medinan verses while interpreting Qur’anic verses and/or of the distinction between universal and divisive (AR: kulli and juz’i) ends in the theory of objectives. Consequently, the more profound moral nuances of primary religious texts are neglected and Qur’anic verses are reduced to texts dealing specifically with worldly disagreements between people. Our study puts forth an alternative discourse that reflects the Qur’anic challenge and concludes by drawing attention to the challenges that Muslims face with regard to sharia punishments and talion.


 

1. المدخل والتمهيد

كان تغيير الدستور العثماني الذي كان يستند على الشريعة الإسلامية بدستور جديد ركِّب من أجزاء دساتير بعض الدول الغربية لَمِن أهمّ محطات التَحوّل ومِن أكبر التجليات لِانتفاء تركيا الحديثة من تراث سلفها المسلم ولتوجيه وجهها نحو الغرب. وإنها لا تزال تواصل سيرها في ذلك الاتجاه وتتبع الأحدث فالأحدث مما يصير إليه الغرب من فلسفة وقانون ومناهج في شؤون شتى. وإن الجدل في الوِجْهة والذي بدأ قبل قرنين أو أكثر لا يزال مستمرا إلى يومنا هذا بين أطراف معارضة وأخرى موَافِقة وثالثة هي الفئات الموفِّقة. وإن ذلكم الجدل العريض الطويل قد اشتد في الآونة الأخيرة في خصوص قضية عقوبة الإعدام لما يثيره تكرر الأحداث الإجرامية في نفوس الناس من الغضب والغيظ على الجناة المجرمين ولأسباب أخرى. وإن شرائح محافظة من المجتمع التركي تطالب اليوم بتشريع هذه العقوبة من جديد بعد أن ألغيت من القانون التركي الحديث اتباعا لأكثر بلاد الغرب. ويعارض هذه العقوبة آخرون من دعاة العلمانية ومن زعماء القِيم الحداثية. وإننا نحب أن نساهم في هذا الجدل بنقد خطاب المحافظين نقدا بنَّاء في مضمونه وفي منهجه وأسلوبه بغيةَ إصلاحه وتقويمِه وللإضافة إليه وللإصلاح بين الأطراف المتنازعة. ولا نريد نقض مقالتهم من أصلها إذ نؤمن بالنصوص الدينية التي يؤمن بها المحافظون من دعاة الإعدام. ونستعين على ذلك المقصد بالبحث عن موضع عقوبة الإعدام في السياق القرآني وفي منظومة أحكام الشريعة الإسلامية بالنظر في بعض مقاصدها الكلية والجزئية بحسب ما نُصّ عليها أو أشير إليها في نصوص الشريعة.

1.1. الإشكال ومحلّ النزاع

لعل أوّل ما يحسن به البدء هو تعيِين مدار الخلاف بالضبْطِ. أي يجب أوّلا أنْ يُحرَّر محل النزاع في المسألة بِعِبارة الفُقَهَاءِ حتّى يتبيّن كلُّ ذِي دعوى ما له وما عليه في إثبات دعواه وفي إبطال دعوى خصمه. هذا وإذا نظرنا في حديث الخائضين في هذه القضية نجد أنهم متنازعون أساسا في عقوبة المجرم بالإعدام بالأخص أي بقتله، وأنهم يتّفِقُونَ على وجوب منع الإجرام ولكنّهم يختلفون في العُقوبة وفي نوعها، وأن المعارض لعقوبة الإعدام قد يُقِرُّ بعقوبة زاجرة أو وسيلة ما، ولكنه يُنكر أن يكون الإعدام هو الوسيلة قائلا بأنه إضاعة للحياة التي هي أعزّ ما يملكه الإنسان، وبأنه ليس لأحد سلب هذا الحقّ، وبأنّ الإعدام لا يزجر عن الجرائم كما يُظنّ، ولا يَنقص من نسبتها بحسب الإحصائيات. وأنه لا رجوع فيه إن وقع فيه خطأٌ. هذه هي متعلقات منكري الإعدام في تركيا على العموم والتقريب.

وأمّا الطرف الآخر في النزاع والذي نسميهم في هذه الدراسة دعاة الشريعة فإنهم يدافعون عن الإعدام بأن الإعدام حكمُ الله تعالى، ومقتضى شريعته وسنة رسوله عليه السلام وقد عمِلت به الأمة سلفا وخلفا إلى يومنا هذا. وأنه لا يزال يُعمَلُ به في بعض البلاد الغربية، وأنه مُقْتَضَى العدل، وأنه زاجر ناجع لمن يهُمّ بانتهاك الأنفس والأعراض، وأنه شاف لأولياء المقتول والضعفاء الذين خلّفهم المقتول من ورائه، وما أشبه ذلك من الاستدلالات. ومِنْ مقتضَى الإنصاف أن نؤكد هنا على أنّ دعاة الشريعة يَذكرون مع الإعدامِ الدّيةَ والعفوَ. ولكن الذي يغلب على خطابهم هو الإلحاح على الإعدام دون العفو والدية، فهو يظهر في خطابهم كشعار ينادون بها أو كرايةٍ يرفعونها.

2.1. تقييد

لا بد أن ننبّه هنا أننا لا نخوض في هذه القضية من حيث يُقحم فيها بعضُ الناس قَضِيّة سياسية تتعلق بالظروف الخاصة بتركيا، وذلك أن بعض الدعاة إلى تشريع عقوبة الإعدام قد يريدونها لحسابات سياسية أو لضغائن عنصرية. ولا نقصد ما يقصد هؤلاء إثباتا ولا نفيا. إذ نرى أنّ إقحام هذا الخلاف السياسي المحلي والنزاع العنصري في هذه القضية العلمية إفساد للبحث العلمي الذي يحتاج إلى خلوّ البال وصفاء القلب. وقد ضّر تسييس الدين أمة الإسلام كثيرا منذ أن استباح الخوارجُ دمَ الخليفة الثالثة عثمان بن عفان لشأن سياسي. بل ضر جميع الأمم حيث اتّخذ الدين مطيّة إلى أهداف سياسية غريبة عن روحه وحقيقته. إن الحدود تدرأ بالشبهات في المظالم التي فيها نصوص دينية صريحة، فكيف يُتَجرّأ على حدّ القتل في القضايا السياسية التي هي نظر ومحض رأي.

ويناءً على ما تقدّم فإننا ما نريد في عملنا هذا إلا أن نناقش عقوبة الإعدام في الجرائم العادية من حيث هي قضية علمية يتدارسها الباحثون المتخصصون بعيدا عن التسييس الظاهر المذكور لنكشف أن القضية شابَها تسييس آخر أخفى فصارت القضية ضحية للإيديولوجيات بألوانها المختلفة

3.1. أهمية الموضوع

إن القضية تكتسب أهميتها من أهمية الأمن الإنساني، ذلك أنّ الإعدام نوع من العقوبة، وأن العقوبات قد شرعت أو وضعت درءا للجرائم، ولضمان الأمن للإنسان، وتأمين الاستقرار للمجتمع. ولما كان الأمن والاستقرار من أعظم مطالب الإنسانيّة جماعات وفرادى عظُم الخطب فيها، وفي كل ما يتعلق بها من قريب أو بعيد. هذا من وجه. ومن وجه آخر فإنّ الخوض في هذه القضية هو في حقيقته خوضٌ في الدين واجتهاد في أحكامه وتأويلٌ لآيات كتابه وتقديم لها وتأخير، فهو من هذه الناحية عظيم الشأن لتضمنه الجرأة على القول في الدين والتقوّل على الشارع تبارك وتعالى. ونلحظ أنّ الطرف المدافع عن الإعدام لا يأتي بصيغة شاملة توافق سياق الآيات القرآنية كما أنهم لا يفهمون انتقادات الطرف المعارض للإعدام.

ومن وجه ثالث فإنّ قضية الإعدام تتفرع عن الجدل الكلي الذي أشرنا إليه. فهي تجلّ من تجليات التدافع الحضاري بين طرفين يتميز أحدهما بتصديق الرسل والإيمان بما نزّل إليهم، بينما يبدي الطرف الآخر ي الاستغناء، بل تظهر يبدي الشك والارتياب في رسالات الله تعالى، إذ يصفونها بأنها قول البشر، ومن وضْعهم وتكلّفهم لا من عند الله. هذا وإن اتّصال هذه القضية الجزئية بالخلاف الكلي والتدافع الخضاري يوجب على الطرف المؤمن أمرين اثنين إن كان يريد أن يُثبِت ذاتَه في هذا التدافع ويفرض وجوده فلا يدفع: فالأول هو إثبات القول بصحة عقوبة الإعدام ضمن المنظومة الكلية لأحكام الشريعة بما يوافق مقاصدها الكلية وبما يضافر عقائد الإسلام. والأمر الثاني هو البيان. وأعني بالبيان بناء المقولات على ما لا يُستطاع دفعه من الأدلة والبراهين، فلا يُكتفى بما وصفه علماء الأصول بالأدلة الظنية، أو بما وصفه بعض الفلاسفة بالأدلة الخطابية، لا بالأدلة الجدلية إلا تبعا وتأكيدا للدليل البرهاني والقطعي. ذلك أنّ الطرف المعارض للإعدام يستند في زعمه على المعرفة والفكر، وينتحل العلم ويسمّي نفسه بأنه علماني سواء كان منكرا للنصوص الدينية من أصلها أو كان مؤوِّلا لها أو مخصِّصا بالزمن الماضي. فلما كان معتمَدُ الطرف المعارض للإعدام هو العلم والفكر والمعرفة، وكان لا يرضى غيرها في القضية حكَمَا وجب أن يكون الجواب والردّ عليه من حيث يأتي ويرضى. وبعبارة أخرى إن الداعي إلى عقوبة الإعدام يلزمه أن يثبت دعواه إثباتا عقليا لا يستطاع ردُّها، فلا ينبغي أن يفزع إلى النصوص الدينية عجزا عن الإثبات العقلي. وهذا الشرط ليس ببِدع ولا تكلُّف. بل هو فرع يقتضيه أصل التحدّي بمعارضة القرآن. فإن القرآن قد أثبت نفسه بنفسه، وأعجز منكريه بنظم معانيه ودقائق أحكامه كما اختاره المحققون لا بالصرفة المبهمة الماهية، ولا بدقائق لغوية وأسرار بلاغية مما لا يعلمه إلا العرب الأولون الأقحاح. وبعبارة ثالثة ان دعاة الشريعة يجب عليهم أن يثبتوا دعواهم في القضية بمعنى في نفس القضية فلا يفزعوا إلى خوارق الأنبياء السابقة، ولا إلى قداسة النصوص الدينية، ولا إلى تراث عظيم لأسلاف عظماء، إلا تبعا وتأكيدا.

4.1. منهج البحث

لم نسرد في هذا البحث النصوص الدينية المتعلقة بالجنايات سردا لنحصّل الحاصل ولم نذكر أصناف الجريمة في الشريعة ولا أنواع العقوبة ولا أوردنا عن ابن رشد تقاسيمه الوجيزة المحكَمة. لأنّ كل ذلك محصّل في كتبه، والبحوث في ذلك موفورة وميسورة. وإنما نريد التنبيه على ما في الآراء الشائعة بين الناس من عوجٍ وخلَلٍ بغيةَ نقدِه وتقويمه. فإن نقد السقيم قد يقرّب نحو الصحيح خطوة وإن لم يكن الظفر بالصحيح بعينه. وإنّ نحْتَ المفاهيم وبلورتها والكَشْفَ عن عِوَجِ التصورات منهجٌ ناجع في حل الإشكالات في البحث العلمي فيما أمكن حله، وفي تقليل الخلاف فيما تعذر فيه الاتفاق.

انتقدنا خطاب المحافظين في قضية الإعدام من وجهين فالأول هو نقد المضمون من أوجه مختلفة حيث إنّ لهذه القضية أوجها كثيرة، وفيها غير واحد من النصوص الدينية. وهي تحتمل التعليل والتأويل والتخصيص وللفقهاء فيها اجتهادات، وينبغي أن تُنظم تلك النصوصُ نظما محكما. وأما الوجه الثاني فهو نقد منهج عرضهم لمقالتهم وأسلوب خطابهم ونرى أن ما بالخطاب الديني المحافظ من ضَعْف إنما منشأه خلل في الصياغة النظرية ووَهن في نظم النصوص. وليس هذا بغريب لأن متانة النظم وإتقان الصياغة النظرية هي الضامن لجودة الأسلوب ولحسن العرض في كل قضية. وأنّ الأسلوب كاشف عن التصور النظري وعن البنْية الفكرية، ولا سبيل إلى حسن العرض إلا مع نظم محكم ونظرية متينة.

لما كان مدار بحثنا هو نقد تصورات الدارسين دون دراسة الموضوع نفسه جعلنا خطة البحث صيغةً تخدم ذلك الهدف وجعلنا صلب هذه الدراسة مباحث نقدية مستقلة بعد المقدمة التي نحن فيها. وقد استأنسنا في تسمية عناوين تلك المباحث بألفاظ ومصطلحات ترد في نصوص الشريعة وتُتداول في علومها. أي جعلنا تلك المصطلحات والألفاظ أدوات أو منافذ يُطلع منها على عوج تصورات الخائضين في قضية الإعدام.

  1. محاور النقد

1.2. البدء مغلوبا

إن أول ما يجب التنبيه عليه هو أهمية قضية المصطلح. ذلك أن المصطلحات تَنسج بمجموعها منظومة فكرية، وأنّ لكل مصطلح موضعا معلوما في ذلك النسيج سواء أكان موضعا مركزيا أم كان موضعا جانبيا، وأن ألفاظ اللغة حين تُصنع منها المصطلحات إنما تنتخب بدقة وعناية ولا سيما مصطلحات القرآن الذي هو معجز بنظْمِه المفهومي ونسيجِه المصطلحي[1].

هذا وإن الإعدام بِدْع من المصطلحات ولا نصالح الخصمَ عليه، إذ لا نعلم له موردا في منظومة الشريعة الإسلامية. وإن أخذ بمعناه اللغوي ومفهومه الظاهر فإن موضعه جزئيٌّ، ولا ينتهض ليكون مصطلحا مركزيا. ذلك أنّ هذا اللفظ، إن كان يراد منه القتل، فَسِياقُ القتلِ في القرآن أعم وأوسع، إذ يعمّ ما كان بالحق وما كان بغير حق. وأما إن كان يراد منه العقوبة فالعقوبة أيضا أعم إذ لا يختص بالقتل، كما أن العقوبة أو العقاب يدل بجذره اللغوي على التناوب والتعاقب حيث إن العقوبة أمر يعقب الجريمة أو تعقب النقمةُ النعمةَ والغنيمةَ في ثقافة العرب في جاهليتهم والتي بمقتضاها تفهم آيات القرآن. وأما إن كان يراد من لفظ الإعدام معاقبة المجرم بالقتل بالخصوص فهو يندرج في القرآن تحت القصاص الذي يدل على التناصف والتناوب بجذره اللغوي وبصيغته الصرفية والذي هو مبدأ كلي وحقيقة وجودية غير وهمية.

ثم إن لفظ الإعدام الذي نقل إلى اللغة العربية من اللغات الأخرى ثم إلى اللغة التركية من العربية في تاريخ ما مريبٌ من ناحية أخرى. وهي أن معنى العدم في اللغة هو الفقدان، “والعديم هو الذي لا مال له”[2]. والإعدام في سياق العقوبة يُشعر بإزالة المعدَمِ من الحياة والوجود. وهو معنى لا يلائم عقائد الإسلام حيث إن الموت ليس عدما، وإن الإنسان وإن فَنِي بجسده وجسمه وبحياته الدنيا، فإنه باق بروحه ليبعث يوم القيامة من جديد. ولهذه العلل ليس للفظ الإعدام موضع استراتيجي في النظرة القرآنية إن صح التعبير، ولا يتناغم مع أصولها. وإنما لفظ الإعدام يقترب من النظرة الغربية التي لا تؤمن بالحياة الآخرة، وتعتبر الأمور بظواهرها ومظاهرها.

هذا وإن كان دعاة الشريعة لا يعلمون هذه الأمور أو كانوا غافلين عنها، فقد بدأوا هذا الأمرَ مغْلُوبِينَ، وخاضوا في هذه المعركة العلمية مكشوفين. فإننا لم نسمعهم يذكرون هذه الأمور ولم نرَهم ينبِّهون عليها، بل يذكرون المصطلحات كما يذكرها خصومهم ويبدؤون الخلاف معهم حيثما بدأوا، ويقفون حيثما وقفوا. وكان أولى بهم أن ينتبهوا للكلمات التي تخرج من أفواههم سواء في الإعدام أم في القضايا الأخرى فلا يستعملوا ألفاظ خصومهم على إطلاقها والتسليم لها. اللهم إلا أن يقصدوا به الموافقة الموقّتة لبيان المعنى الأصلي وللتفاهم.

2.2. وهْم البراءةِ الأصلية

إن تسييس القضايا من أعضل أمراض الأمة اليوم. وإن دعاة الشريعة قد تورطوا في قضية الجريمة والعقوبة حين دخلوها من جُحْر السياسة الذي هو كجُحر الضبّ[3]، مع أن الجريمة ظاهرة إنسانية تتجاوز حدود السياسة وأنها معضلة فردية قبل أن تكون قضيّة اجتماعية. وقد تورط في هذا الجحر الضيقِ الطرفان، وإن دعاة الشريعة ألوم في ورطتهم وأقلّ عذرا من خصومهم لغفلتهم عن المثُل القرآنية العليا التي ترسم الحقائق بأسلوب معجز. وأما الطرف الآخر فهو مضطر إلى تسييس تلك القضية لفقر نظريتهم ولوَهَنِ قاعدتهم.

ذلك أن معارضي الإعدام قد انطلقوا في زعمهم من ذمّ المَاضِي وعقوباته بأنها وحشية وبدائية وينبغي تجاوزها. وهم يَلِجُون هذه القضية من باب السياسة ويأتونها كأنها محض قضية اجتماعية ويدَّعون لها حلا سياسيا. ولهذا تكلف زعماؤهم المفكرون وقادتهم السياسيون أنسنة العقوبات قانونا، وألغوا الإعدام دستورا مع أنهم لم يستطيعوا إلغاء الجرائم ولا قدروا على أنسنة المجْرمِين. وكأن القومَ بأيديهم عصا سحرية، فهم يَعِدُون الناس مستقبلا زاهرا ومجتمعا سلميّا كالجنة خاليا من الإجرام والإعدام من غير أن يكون على أفراد المجتمع كلفة ومسؤولية في نيل هذه الغاية العالية.

يقع دعاة الشريعة في الورطة نفسها ويقابلون دعوى خصومهم بمِثْلها، ويلِجُون القضية من حيث ولجها خصومهم، ويقترحون الإعدام حلا سياسيا. وإن خطابهم يوهم أن القضاء الشرعي عصا سحرية وأنها سوف تُخلص المجتمع من إشكال الجريمة من غير أن يكون على أفراده كلفةٌ ومسؤولية في الوقاية منها. وكأنما يقولون إن الجنة كانت في الأرض أيام طبّقت فيها الشريعة والإعدام.

كلا، لا هذا ولا ذلك. إن قضية الجريمة قضية إنسانية فردية قبل أن تكون قضية اجتماعية سياسية فلا تنفع فيها العِصِي السياسية السحرية التي كثيرا ما يدعيها الساسةُ ويغُرّ بها الناسَ القادةُ. إن الجريمةَ ظاهرةٌ تَظهَر على الإنسان وتنبع من عمْقِ نفسه ومن فساد باطنه، وإنّ أول قتْل في الأرض قد ارتكبه أحدُ ابني آدم لا ابنُ إبليس. وإن أبانا آدم هو الذي جنى الثمرة من الشجرة المحرّمة، فعوقب على جنايته بعقوبة. وعلى ذلك فمن أراد أن يعالج الجريمة، وتكلّف دراسة قضية العقوبة، فليَبدأْ بدراسة نفسه، أو ليفترضْ أنّ جريمة القتل صادرة من ابنه أو يقدِّرْ عقوبة الرجم على ابنته، ثم بعد ذلك ليتكلفْ الحكمَ على الناس والقضاء بينهم في هذه القضية، وليَعِدْهم بالعافية والشفاء إن كان هو منها بريئا.

إن قضية الجريمة أو إشكال العقوبة قضية إنسانية فردية، فلا ينبغي لدعاة الشريعة أن يوردوها مورد قضية سياسية إلا تبعا وتأكيدا للوجه الأوّل، كما لا ينبغي لهم أن يقترحوا الإعدام ترياقا ناجعا لمرض الجريمة. لأن الإعدام في صيغته الشرعية كيٌّ، والكيُّ آخر الدواء. وقد شرّع الإسلام قبل الكي شرائع تَقِي من الجريمة مما لا يسعنا هنا عدّه، كما أن الحلّ الأساسي الذي يقترحه الإسلام لإشكال الجريمة هو أنسنة الإنسان بالإيمان.

3.2. نِسيان مبدأ العفو

إنّ الذي يغلب على خطاب دعاة الشريعة هو الإلحاح على تطبيق عقوبة الإعدام مع أن العفو أفضل في الشريعة من طلب القصاص. بل كان تدارك النفوس بالدية والغرامة والإصلاح ثقافة وفضيلة عند العرب حتى في جاهليتهم قبل الإسلام. فقد مدح شاعرهم قوما بذلك في أبيات، إذ قال:

تُعَفَّى الكُلومُ بالْمِئينَ فَأَصْبَحتْ يُنَجّمُهَا مَنْ لَيْسَ فيها بِمُجْرِمِ

يُنَجّمُهَا قَوْمٌ لِقَومٍ غَرَامَةً وَلَمْ يُهرِيقوا بينَهمْ مِلْءَ مِحْجَمِ[4]

يؤخّر دعاة الشريعة هذا الترتيب في عموم خطابهم، مع أنهم لا يهملون ذكر مبدأ العفو والدية مع الإعدام. وليس هذا الموقف خاصا بدعاة الشريعة في تركيا. فقد صرح الأستاذ الدكتور علي عزوز قائلا بأنّ “النهي عن الفعل أو الأمر بإتيانه لا يكفي وحده لحمل الناس على إتيان الفعل أو الانتهاء عنه. ولولا العقاب لكانت الأوامر والنواهي أمورا وضربا من العبث فالعقاب هو الذي يجعل للأمر والنهي معنى مفهوما”[5]. وأشار الأستاذ أيضا إلى أن العقوبات شرِعت للكثرة الغالبة الذين ينزجرون بالعقاب، لا للقلة النادرة الذين يمتثلون للأوامر والنواهي حياءً من الله وخجلا من عصيانه تعالى. وهذا يدل على أن الدكتور علي عزوز يرى العقوبة أصلا في معالجة الجرائم.

ومن وجه آخر، غير التصريح المذكور، نشير إلى أن دعاة الشريعة، وإن اعترفوا بمبدأ العفْو أو الدية في عرض كلامهم، فإن اقتراحهم الإعدام حلاّ لتقليل الجرائم ولمنع انتشارها، يدلّ على أن العفو عنْدهُم حلٌّ فرعيّ عارضٌ وليس أصلا. وإنما الأصل هو الإعدام. وهو الذي سَيقلّل من نِسْبَة الجرائم في ظنهم وزعْمِهم. وهذا يخالف الشريعة نفسها إذ العقوبة إنما هي آخر الدواء وبعضُ الحلّ، وليس الأصل الأول ولا الحل الوحيد.

4.2. هدْم قاعدة الدين

إن المبالغة في شأن العقوبة والحِرْصَ على تطبيقها مع إهمال مبدأ العفو هدْمٌ لقاعدة الدين كما أن ذلك دعمٌ لقاعدة الخصم وتشييد لبنيانه. ذلك أن العقوبة تنبني على مبدأ المجازاة والتماثل. وهي مقتضى مبدأ التدافع بين الأسباب والصراع بين الأضداد وهي عقيدة الخصم الذي لا يعرف للحياة تفسيرا سواها.

إن مبدأ الصراع وتدَافُع الأسباب قد يصدق على العلاقات بين الحيوانات، بل قد يصدق حتى على ما بين الإنسان والإنسان من حيث إنه حيوان بخلقه البيولوجي. ولكن إذا اعتبرناه ببُعده الإنساني السّامي، فإن مبدأ الصراع ينتقض ويتخلف إن استطاع الإنسان أن يتغلب على طبعه البهيمي، ويتعالى عن بعده السافل الحيواني. وهو ما دعا إليه الأنبياء والرسل. ولعل العفو من أدلّ الألفاظ على ذلك المعنى اللطيف. إذ العفو إنما هو سخاء النفس وترك مقتضى الغضب مع المقدرة أو ترك مقتضى الشهوة والرغبة مع إمكان النيل كما جاء في قوله تعالى “وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ”[6].

لا نَقول هنا إن العقاب باطل على كل حال. بل قد يحسن موقعه إذا قدّر بعدل وحكمة، وقد يكون العقاب بين الناس ضرورةً إذا عَمِيَ الإنسان عن بعده الإنساني، وغلَب عليه طبْعُه البهيميُّ. ولكن العقاب مع ذلك لا يخلو من دافع حيواني إما في المعاقَب وإما في المعاقِب وإما فيهما جميعا. فهو إذا أقيم لمحض النّقمة النفسية ولم يُبْنَ على النية السليمة، فإنّه لا يخلو من شائبة الشّرك. وأما العفو فلا يكون إلا مع تغلّب البعد الإنساني على البعد الحيواني، اللهم إلا أن يلتمس العافي بعفوه حظا دنيويا أو رِياء وسمعة وهو لا يعنينا هنا لأنه مكْرٌ بين الناس سِبَاعِيٌّ ولونٌ حيواني.

ليس العفو من فروع الفقه الإسلامي. بل هو من أصول الدين ومن كليات القرآن المكي، ويعظُم ضرره إذا نسي فلا يجوز إهماله، لذلك لا بد من التأكيد عليه والتذكير به. أما العقاب فلا يحتاج إلى تذكيرٍ كثير سوى الإرشاد إلى العدل وبيان المقادير، إذ العقاب غريزة في كل إنسان، ويدافع به عن نفسه حتى الجاهل والحيوان. وأما العفو فهو ثمرة العلم ولا يكون إلا مع الصبر والحلم، “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ”[7].

5.2. تقديم الرخصة مكان العزيمة

إن إلحاح دعاة الشريعة على العقوبة يخالف الخطاب القرآني ولا يوافق الشريعة. لأنّ العقاب هو الرخصة في الشريعة بالنسبة للمتعدَى عليه أو لوليّه، بينما العزيمة هي العفو والصبر، وقد تمّت الإشارة إلى هذا المبدأ في العقوبة عموما في قوله سبحانه “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ”[8]، وفي القتل خُصوصا في قوله سبحانه “فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ”[9]

وأما خطاب دعاة الشريعة فإنه يوهم بعكس ذلك، كما يوهم بأن تطبيق عقوبة الإعدام سيحلّ مشكلة الجريمة من أصلها، كما أن تقديمهم القصاص على العفو، وفرحَهم به لا يوافق الشعارات التي ينادون بها من أن الإسلام دين الرحمة والسماح والسلام.

6.2. خلط القرآن المدني بالخطاب المكي

يجوز أن نؤسّس النقد السابق على أمر آخر وهو ما بين العهد المكي وبين العهد المدني من فرق في أسلوب الخطاب وفي مقاصده، وما يقتضيه ذلك الفرق في فقه الواقع. ذلك أنّ أكثر الآيات التي ذكر فيها قتل النفس إنما هي آيات مكيّة. وقد عُلم أن العهد المكي لم تكن فيه للنبي ولا للمؤمنين سلطةٌ لإقامة الحدود بمعناها المعروف اليوم. إذ كان العهد عهد البناء النظري والتأسيس الإيماني الأخلاقي إن صحّ التعبير، فكيف استنبط دعاة الشريعة من هذه الآيات ضرورةَ تشريع عقوبة الإعدام لسلطات مَشُوبٌ أمرُها ومتلوِّن.

إن قتل النفس في أكثر سياقاته في القرآن المكي. وفي القرآن المدني لم يُذكر تشريع قانوني محض كما يورده دعاة الشريعة ويصدرونه. بل ذكر في سياق آخر، وهو استعظام قتل النفس وتهجينه وبيان نقضه للإيمان بالله تعالى، وإن المثلية المشار إليها في جزاء القتل إنما ذُكِر عرَضا وتبَعا وجوابا لسؤال قد يرد ببال المخاطب. أي إن التشريع القانوني ليس ما سيق له الكلام إذا تكلمنا بمصطلحات الأصوليين كما يتضح في آية الإسراء “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ”[10]. فمن الواضح أن السياق العام هو وصايا أخلاقيةٌ وازِعُها الإيمانُ بِالله تعالى.

والأمر سواءٌ في القرآن المدني، إذ نَجِدُ أن الآيات التي تناولت قتْل النفس إنما تناولته في سياق التشنيع والوعيد من غير تعرّض لحُكمها الدنيوي بين القاتل والمقتول أو أوليائه كما في قوله تعالى “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”[11]. وأما قتل الخطأ الذي سبق ذكره في الآية السابقة في سورة النساء، فهو لا يعنينا في هذا السياق. لأنه يشبِهُ الموتَ العادي بالنسبة لمحل النزاع. وإن افترضنا أنه يدخل في قضيتنا، حيث قد شرع الله له الكفارة والدية، فإنه لا يشذّ عن السياق القرآني الكلي لقضية القتل ويناسب المقاصد الكلية للقرآن.

7.2. قصاص عدل وإنصاف

وأما القصاص الذي شرع في المدينة بقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى”[12]فإنه ليس تشريعا قانونيا صرفا، وإن كان في أسلوب التشريع والتقرير الذي هو سمة الآيات التشريعية المدنية. إذ لا تخلو الآية من التنبيه على العدل الذي هو مبدأ أخلاقي. بل مبدأ العدل هو المنبَّه عليه في الآية فضلا عما في آخر الآية من الحث على العفو الذي هو مبدأ أخلاقي أيضا.

ثم إن القصاص قد يعم بمعناه اللغوي مبدأ العفْو خلافَ ما يوهمه ظاهر الآية، إذ ورد الحكم بأنه مكتوب كما أكّد المكتوب بحرف “على” الذي يشعر بالوجوب كما أن العفو جاء في أسلوب الاستثناء من القصاص الكلي.

ولكن إذا اعتبرنا القصاص بمعناه اللغوي وأخذنا القرآن نصا كاملا فلا معنى لاستثناء العفو من القصاص، ولا لتخصيص أحدهما بالآخر. فقد تقرر في الأصول أنّ “تخصيص العام محال ” كما نبه عليه أبو حامد الغزالي[13] إلا على التجوز في العبارة. وذلك أن القصاص” إطلاقاته كلها تدل على التعادل والتناصف” كما قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.[14]. ولما كانت الحياة الدنيا في النظرة القرآنية موصولة بالحياة الآخرة الأبدية صحّ أن نعتبر العفو ضربا من القصاص، أعني قصاص الحقوق الدنيوية بالحقوق الأخروية تعادلا وتناصفا. أي أنّ العافي يعفو عن حقه الدنيوي لأجر أخروي أو لابتغاء مراضاة الله التي لا تعدل بحق في ميزانٍ لثقْلِها وعِظَمِها.

وأما الدية التي أشير إليها مع معان أخرى في قوله تعالى “فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان”[15]، فهو ضرب من القصاص أيضا من حيث إنه تعويض النفس بالمال، ونظنّ أن الشارع سبحانه اكتفى بالإشارة إليها في قتل العمد مع بعض الإبهام ليوكل الحكم إلى اجتهاد المجتهدين تكريما للنفس الإنسانية لكي لا تكون موضع تجارة وبيعٍ وشراءٍ. وقد يجوز الاجتهاد في تحجير الدية بحسب المقاصد فيما نظن. وأما الدية في قتل الخطأ والتي نصّ عليها في القرآن تصريحا فليست كذلك. لأنها تتضمن معنى عقوبة الخاطئ على إهمال الحزم، وترك العزم كما تتضمن معنى الإصلاح والجبر لنفوس الأولياء إذا ما شقّ عليها تقبّل القدر. وهي أيضا ممّا أوصي فيه بالتصدّق والعفوِ على كل حال.

والذي نخلص إليه من التحليل السابق أن مبدأ القصاص لا ينبغي أن يقتصر به على عقوبة الإعدام على معنى نقمة عاجلة دنيوية حيث إن دلالة الآية على عقوبة قاتل العمد ليست دلالة نصية بل هي دلالة اقتضاء، إذ الآية تنصّ بنظمها أساسا على الإنصاف والعدل الذي هو مبدأ كلي كما قلنا.

8.2. هدم بنيان الشرك

تُشكل آية القصاص بظاهرها وتنفي العدل والتماثل بين العبد والحر وبين الذكر والأنثى تقريرا لعرف العرب زمن التنزيل. فلأجل هذا الإشكال صرفها المفسرون عن ظاهرها وقيّدوا معناها بروايات مختلفة في سبب نزولها.[16] إن تأويل المفسرين صحيح على العموم. ولكن لا بد هنا من التنبيه على أن الآية لا تدل على عدل مطلَقٍ بين الذكر والأنثى ولا بين العبد والحر. إذ لو كان الأمر كذلك لنَصّتْ الآية عليه بنص صريح، ولما اختلف الفقهاء في الاقتصاص من الرجل للمرأة ومن العبد للحر. وقد اختلفوا في ذلك كما نقل ابن رشد اختلافهم بإيجاز وحسن بيانٍ[17].

بل الآية تدل دلالة خفية على اعتبارِ ما بين الحر والعبد وما بين الذكر والأنثى من تفاوتٍ بالنسبة لقضية القتل. ذلك أن القتل والقتال في عرف العرب كان تعبيرا عن العزة والمجد والغلبة وإثبات الذات في جدال الحياة كما تدل على ذلك أشعارهم. وكان القويُ يأكل الضعيفَ ويقول “أنا أحيي وأمِيت”[18]. وكان ذلك العرف جاريا عندهم بين الرجال الأحرار دون النساء والعَبيد، إذ لم يعتدوا بالعبد كفئا للحر في جدال العزة لكونه مسلوب العزة أصلا حيث كان العبد متاعا يباع ويشترى. وكذلك المرأة فلم يعدُّوها كفؤا لأُنوثَتِها ولِينِ خَلْقِها فقد قال شاعرهم:

 “كُتب القتل والقتال علينا                     وعلى الغانيات جرّ الذيول”[19]

وبعبارة أخرى إن الرجال لم يكونوا يعتزون بقتل العبد، ولا بقتل المرأة حتى يُزجَروا بالقصاص بل كانوا يعتزون بقتل أكفائهم. فزجرهم الشرع بالقصاص العدل كما زجرهم من وجه آخر بالوعيد إذ ساوى بين القتل المتعمَّد وين الشرك في أن عقابهما في الآخرة الخلود في جهنم. وهو في قوله تعالى “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”[20]. وهو عقاب الكفر والشرك.

إن آية القصاص ليست مقصورة على الشأن القضائي ولا على تحقيق العدل بين الناس في المظالم الدنيوية. بل لها دلالات أعمق من ذلك ومقصد أكبر. إذ هي تنهى عن العلو والعتو والاعتزاز حيث “إن العزة لله جميعا”[21]. وتنصّ على أن الناسَ سواءٌ. بل هم إخوان إذ سَمّي ما بين القاتل والمقول أخُوّةً في آية القصاص في قوله سبحانه “فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ”[22]

إنّ طلب القصاص حقّ للولي. ولكن طلب العزة بالقتل والنقمة نقض للإيمان ومنازعة لله في اسمه “الواحد القهار” الذي أكّد في ستّة مواضع في القرآن بأنه متفرد به.

إن جريمة القتل قد تغتفر. وإنّ النفوس الجريحة قد تُداوى بالمال وتُشفى بوعد الآخرة، ولكن القتل والقتال للعلوّ والمجْد لوْنٌ من ألوان الشرك. و “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ”[23].

9.2. الغفلة عن سرّ الأمانة والاستخلاف

إن القتل في لسان العرب أخصّ من الموت. وإن كلّ قتل موتٌ وليس كل موتٍ قتلا. ويقال قتل فلان فلانا إذا روعي سببُ الموتِ وتأثيرُ المتولي لفعل القتل[24]. ولما كان القتلُ أخصَّ من الموت لكوْنه فعلا اختياريا وكانت وظيفة الإنسان وقيمته إنما تتجلى بأفعاله الاختيارية، وفيها وجب أن تُنْظَر في مسألة القتل وفي عقوبته من هذه الزاوية حيث إن الإنسان يتميّز بأفعاله الاختيارية من البهيمة، وينال صفة الخليفة في الأرض، وتحمل الأمانة الربانية.

إن الانشغال بالعقوباتِ والبدار إلى فرضها مكان الاهتمام بتعليم الإنسان وإرشاده إلى معاني الإنسانية، وبيان مغزى الحياة والمصير والوظيفة الوجودية للإنسان لا يناسب المنهاج القرآني من حيث المبدأ. لأنه يعنى أن يُنزَّل الإنسانُ منزلةَ بهيمةِ تُقهر وتدفَع بالعقوبات، كما يُشعر بنفي الصفاتِ التي تميِّز الإنسان من الحيوان كصفة الوعي والحرية والإرادة. إن الإنسان بهذه الصفات صار خليفة في الأرض وبها حمل الأمانة الربانية. إن خطاب دعاة الشريعة موهون من هذه الناحية أيضا، وكان أولى بهم أن يجتهدوا في استنباط معاني النصوص، وألّا يقصروا المسألة على الحكم القضائي، ولا يكتفوا بالتراث الجاهز للفقه الإسلامي الذي أعد للجانب القضائي خاصة.

10.2. الإخلال بترتيب المقاصد

لا تُدرأُ مفسدة القتل في الشريعة لكون الموت شرا محْضا، كما أن الحياة لا تُصان لذَاتِها ولا للِّذاتها. بل إن الحياة الدنيا مع مصالحها العاجلة ومنافعها الفانية إنما هي نعم أريد منها مقاصد غير دنيوية كالابتلاء وكالتعريف بالنعيم المقيم والعذاب المهين في الآخرة، وكالتعريف بالمنعم الحقيقي سبحانه قبل ذلك كله. فقد نبّه أبو إسحاق الشاطبي إلى هذا الأصل عند حدّ حدود مقاصد الشريعة إذ قال “المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها العادية”[25].

ليْست الحياةُ الدنيا أعظم غاية للإنسان، ولا ينبغي أن تكون أكبر همه. لأنها لو كانت كذلك لَمَا خلق اللهُ الموتَ بعد الحياةِ، ولَكُرِهَ القتلُ والقتال في الشريعة على كل حال. ولكن الله تعالى قد أثنى في القرآن على المؤمنين بأنهم يَقتلون ويُقتلون. إن مفْهوم الحياة ومعناه مختلف في النظرة القرآنية عما في الإيديولوجيات البشرية. إذ الحياة إنما هي وسيلة التعريف بالله تعالى ووسيلة الإعداد للآخرة. ولما كان مفهوم الحياة مختلفا في النظرة القرآنية عما في الإيديولوجيات البشرية وكان لها معنى مقدّس لاتصالها بالله تعالى وبالآخرة وجب على دعاة الشريعة أن يميزوا خطابهم عن الخطابات الأخرى في جوهرها وعَرَضِها، فلا يبنون مقصِد صون الحياة على عبادة الحياة الدنيا، ولا يَعرِضون أحكامَ الشريعة في صورة إيديولوجية بشرية لتوافق أهواء الناس. إن الشريعة تستهدف حفظ الحياة، ولكنّها لا تفتأ تذكِّر الناس بالموت دوما. “أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ”[26].

هذا، وإذا نظرنا في خطاب دعاة الشريعة، نجد أنه ينحرف عن هذا الأصل بعض الانحراف إذ يَعرضون الجانب القضائي للشريعة في صورة ترياق نَاجِع لمرض اجتماعي دنيوي مع أن أكثر الأمراض والجرائم في المجتمع المسلم إنما تنشأ من ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر، لا من قبل فقدان العقوبات الشرعية. إن الشريعة شفاء للأمراض بجانبه الإيماني أولا ثم يأتي جانبه العقابي وزجره القضائي تأكيدا وتثبيتا. إن الذي نقلناه في أول الفصل من رأي العالم الذي استحسن تطبيق الإعدام ضمن الدستور التركي العلماني مثال لذلك الانحراف.

إن تقديم جانب الإيمان في معالجة إشكال الجريمة ومقتضى المنهج الحكيم ليس منهجا معدوما في تراث الأمة، فقد سلك سعيد النورسي رحمه الله هذا السبيل في إرشاد المجرمين. فذكر في رسائله أن بعض السجناء ممن قتلوا نفسين فأكثر قد استفتوا النورسي في قتل حشرات تؤذيهم ليلا. وكان ذلك التحول بعد أن عرَفوا النورسي في السجن، وفهموا عنه الرسالة القرآنية. وكان ذلك الأمر يثِير عَجَب الموظفين القائمين على السجن[27].

ليس عِقاب المجرم، ولا إعدامه إلا أمرا فرعيا ومقصدا جزئيا للشريعة. وهو موجود أيضا في الشرائع البشرية، وإنما المقصد الكلي القرآني، والذي انفردت به النبوات في قضية القتل هو تهجين قتل النفس الزكية بناء على القيمة الوجودية للإنسان ولخطورة أفعاله الاختيارية. هذا وإن رأس الأمر هو الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر. والأحكام والشرائع إنما تؤسَّس على أصل الإيمان وتحفظ به. ولعل الحدود من أجل ذلك لا تقام في غيْر ديار الإسلام حيث يُفقد البيانُ ولا تقوم الحُجّةُ والبُرهانُ.

11.2. التحدّي

ينبغي أن يكون الخطاب الديني متضمِّنا للتحدي القرآني بالمعارضة في القضايا الخلافية بين المؤمنين وبين غيرهم. فقد عُلم أن النبي عليه السلام أُمر بذلك في القرآن، وأثبت نبوته بالرسالة القرآنية نفسها لا بالأدلة الجانبية وحدها إن صحّ التعبير. ولم يكن يستند على تراث جاهز موروث من الأسلاف، ولا على قدسية الدين في المجتمع بالمفهوم المعاصر، كما يستند عليهما كثير من أصحاب الحظاب الخطاب الديني اليوم.

هذا وإذا تحدينا المعارضين وطالبناهم ببديل وجدنا أنهم، كأسلافهم، لا يأتون ببديل للمقترح القرآني سِوَى رفض البديل القرآني الذي هو القصاص الشرعي. ولا متعلَّق لهم إلا جُزئيات من غير رَبطها بنظرية مفهومة متينة. ثم إن الجزئيات والأسئلة التي يتعلقون بها مقضية في الشريعة ومجابة. ولكل جزئيةٍ موضعٌ في النظم الكلي المحكم للشريعة. وعلى سبيل المثال قولهم بأن الإعدام إضاعة للحياة التي هي أعز ما يملكه الإنسان وبأنه ليس لأحد سلب هذا الحق. قلنا: هو صحيح. وإن الشريعة، لحفظ حياة المجني عليه، شرّعت القصاص مبدأً ثم شرّعت العفوَ لِتدارُك حياة المجرم. وكذلك قولهم بأن الإعدام لا يزجر عن الجرائم، كما يُظنّ ولا يَنقص من نسبتها بحسب الإحصائيات، قلت: وهو صحيح أيضا ولكنه حجّةٌ عليهم لا لهم. لأن الشريعة لا تصون الحياة بالعقوبة الدنيوية وحْدها بل تصونها أساسا بالزاجر الحقيقي الذي هو الإيمان بالله واليوم الآخر ثم بالعقوبة الدنيوية تأكيدا وتثْبيتا. وأما المعارض للقصاص الشرعي فلا موضع لهذا الزاجر الحقيقي في قاموسه لإعراضه عن الوحي وشكه في الآخرة.

إن الذي بدا لنا بعد النظر في مقالات معارضي الإعدام أن نقدهم للإعدام يتضمن اشتراط الجنة الخالصة في الحياة الدنيا كما بينا ذلك في صنو هذه المقالة. إن الجنة ليست في هذه الحياة الدنيا وإن أقصى ما تكون هذه الحياة جنّة نسبية فانية إن التزم الناس بشرطها. وشَرطُها الإيمانُ بالشرائع الربانية والالتزام بها.

إن التحدَّى القرآني في قضيتنا يتجلى بنظم جزئيات تلك القضيةِ بمقتضى الآيات القرآنية حيث كان القرآنُ معجزا بنظم معانيه كما قال المحققون. ونقول بمقتضى ذلك:

إن الجريمة عقوبة سماوية كاسبها هو الإنسان المجرمُ، ومقدّرُها هو الله تعالى. وكذلك العقوبات الشرعية فإن مُستحِقّها هو الإنسان ومشرّعها ومقدّر مقاديرها هو الله سبحانه. وليست الجريمة شرا مطلقا ولا شقاء محضا. إذ السعادة في هذه الدنيا نسبية والخيرٌ ممزوج بالشر. فقد عالج الشارع إشكال الجريمة بحكمة بالغة ودفعه بالتي هي أحسن إذ أسبغ سبحانه على عباده النعَم في أرضه، وأجزل لهم الخيرات ووفر لهم فيها الطيبات وأغناهم عن الإجرام والاقتتال “كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ”[28] كما أنه سبحانه لم يؤاخذهم بالجريمة إذا ما وَقعتْ في حال المخمصَة وعند الضرورة. ثم بعث إليهم الرسل وقدّم لهم البيان وأدّبهم بالإيمان كيلا يقعوا في الاعتداء والإجرام. ثم إن فَاتت وفَلتت جريمة إلى الوجود فإن جَبْرها الأول هو العفو المطلق أو العفو في الدنيا مع القصاص في الأخرى كيلا تتضاعف الجريمةُ بالعقوبة حيث “جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا”[29]، ثمّ إنْ تعذّر العفوُ المطلق فالمقترح هو الدية بالمال لمن شَفَى نفسَه المال. ثم إن تعذّرت الدية بالمال فالحلّ هو القِصاص العادل المطلق غير النسبي وهو النفس بالنفس والعين بالعين.

الخاتمة

إن الاختلاف في عقوبة الإعدام ليس بغريب ولا جديد وإنما تتلوّن فيها المذاهب وتختلف فيها الآراء بحسب تصورات الناس الدينية والعقدية وتحولاتهم الفكرية والفلسفية وبحسب ظروفهم الاجتماعية. فقد كان لأهل الجاهلية قبل الإسلام أعراف في قضية القتل وعادات في عقوبته. وكانت تلك العادات والأعراف تدور على المناعة القبلية والقوة العضلية وعلى زعم تفاوت الناس في القيمة في غالب الأمر. ولما جاء الإسلام وضع نظاما جديدا لقضية القتل وحوّل قطبها عما كانت تدور عليه في الجاهلية.

غير أن الإسلام وإن جاء بأحكام جديدة ونطام نظام جديد في قضية القتل، فإن قطب القضية ظلّ متشابها إذا نظرنا فيها من زاوية اختلاف الفقهاء. ذلك أن الفقهاء قد اختلفوا في تخصيص آية القصاص كما أشرنا[30]، إذ قصر حكمَها بعضُهم على ما بين أهل الإسلام ولم ير أهل الكفر مساويا للمسلمين في الدماء، وخصصتْها طائفة أخرى بما بين الرجال فحسب، ولم يروا المرأة كفئا للرجل في القصاص، كما أن طائفة ثالثة قد أسقطوا القصاص باختلاف الحرية والعبودية، وأضافت طائفة رابعة شرطا رابعا للقصاص وهو التماثل في العدد ولم يقتصوا للواحد من الجماعة. إن كان الفقهاء الذين خصصوا الآية من هذه الأوجه أو من بعضها أصابوا الحق، فإن القصاص ليس مقتضى عدل مطلق مثالي كما يوهمه خطاب المحافظين من دعاة الإعدام.

إن دراسة آية القصاص من ناحية هذه الأربعة وإزالة الغموض فيها وإحكام التشابه واجب محتوم على دعاة الإعدام وزعماء الإسلام. لأن الأربعة هي من المآخذ الكبرى التي يبقى فيها المؤمنون تحْتَ الظّنة والبهتان، ومِنْ أجلها تصوَّب نحو الشريعة أصابعُ الاتهام، إذ هي تمس مقدسات العصر عند منكري الإسلام. وذلك أن الأول مما يمهّد للإرهاب الديني، وإن الثاني في معنى الإهانة للمرأة وتحقيرها ونقض لمساواتها، وأما الثالث فهو تقرير وتأكيد للعبودية التي أراد الإسلام أن يرفعها، وأما الرابع فهو ارتياب في نفس العدل وشكّ في وجوب الإنصاف.


[1]– لأهمية قضية المصطلح انظر، الشاهد البوشيخي، نحو معجم تاريخي للمصطلحات القرآنية المعرفة (المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، بدون تاريخ).

[2]– أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون (دار الفكر، 1399/1979)، 4/248.

[3]– “جحر ضبّ” مثلٌ ضربه النبي عليه السلام في اتباع المسلمين سنَن الأمم السالفة. وهو في حديث صحيح ورد في المصادر الأمهات الموثوقة. انظر، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، صحيح البخاري (دار طوق النجاة، 1422ه)، 4/169 رقم: 3456 باب مَا ذُكِر عن بني إسرائيل.

[4]– حسين بن أحمد بن حسين الزَّوْزَني، شرح المعلقات السبع (دار إحياء التراث العربي، 1423/2002)، ص:141.

– [5]علي عزوز، “مقاصد العقوبة في الشريعة الإسلامية”، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية 7 (2015)، 42-49.

[6]– البقرة 2/219.

[7]– فصلت 41/34-35.

[8]– النحل 16/126.

[9]– البقرة 2/178.

[10]– لإسراء 17/33-34.

[11]ا- لنساء 4/93.

[12]– النساء 4/78.

[13] – أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، المستصفى، الطبعة الأولى (دار الكتب العلمية 1413/1993)،245.

[14] – محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، التحرير والتنوير (تونس: دار التونسية 1984)، 2/135.

[15]– البقرة 2/178.

[16]– انظر، محمد بن جرير بن يزيد الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق أحمد محمد شاكر (مؤسسة الرسالة 1420/2000)، 3/357.

[17]– انظر، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، بدون تحقيق (القاهرة: دار الحديث، 1425/2004)، 4/180.

[18]– البقرة 2/258.

[19]– أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، الكامل في اللغة والأدب، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم (القاهرة: دار الفكر العربي 1417/1997)، 3/180.

[20]– النساء 4/93.

[21]– يونس 10/65.

[22]– البقرة 2/178.

[23]– النساء 4/48،116.

[24]– أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهانى، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، (دمشق- بيروت: دار القلم-دار الشامية، 1412)، 655.

[25]– إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي، الموافقات، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (دار ابن عفان،1417/1997)، 2/63.

[26]– المؤمنون 23/55-56.

[27]– Bediüzzaman Said Nursi, Lemalar, (İstanbul: EnvarNeşriyat, 2016), 410.

[28]– السبأ 34/15.

[29]– الشورى 42/40.

[30]– ابن رشد، بداية المجتهد، 4/180.


المراجع

  • ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد. بداية المجتهد ونهاية المقتصد. 4 مجلدات. القاهرة: دار الحديث، 1425/2004.
  • ابن فارس، أحمد أبو الحسين بن زكرياء القزويني الرازي. معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون. 6 مجلدات. دار الفكر 1399/1979.
  • البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل. الجامع المسند الصحيح. تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر. 9 مجلدات. دار طوق النجاة. الطبعة الأولى، 1422
  • البوشيخي، الشاهد. نحو معجم تاريخي للمصطلحات القرآنية المعرفة. المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، بغير تاريخ.
  • الراغب الأصفهانى، أبو القاسم الحسين بن محمد. المفردات في غريب القرآن، تحقيق صفوان عدنان الداودي. دمشق، بيروت: دار القلم، دار الشامية، الطبعة الأولى، 1412.
  • الزوزني، حسين بن أحمد بن حسين. شرح المعلقات السبع. دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1423/2002.
  • الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي. الموافقات. تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان 7 مجلدات. دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417/1997).
  • الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد. جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق أحمد محمد شاكر. 24 مجلدا. الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة 1420/2000.
  • الطاهر بن عاشور، محمد الطاهر بن محمد. التحرير والتنوير، 30 مجلدا، تونس: دار التونسية للنشر، 1984
  • عزوز، علي. “مقاصد العقوبة في الشريعة الإسلامية”. الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية 7 (2015)، 42- 49:
  • الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد. المستصفى. تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي. دار الكتب العلمية، 1413/1993: ly/NXh3
  • المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد. الكامل في اللغة والأدب. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم.4 مجلدات. القاهرة: دار الفكر العربي، 1417/1997.

مقالات أخرى

مدخل إلى سوسيولوجيا الفصل الحضري

مفهوم الطائفة الممتنعة

الأسس الفلسفية لنظرية التربية الطبيعية عند جان جاك روسو

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد