المعجمية التفسيرية التأليفية مقاربة معنى ⇔ نص

المعجمية التفسيرية

الملخّص

 تروم هذه الورقة تسليط الضوء على بعض ملامح مقاربة معنى ⇔نص التي تفرعت عنها الفرضية المعجمية التفسيرية التأليفية. كما ستعرض للمنهج المتبع لإعداد القاموس التفسيري الـتأليفي، الذي يقوم على أسس ومبادئ سنأتي على ذكرها في ثنايا هذه الورقة. انسجاما مع العنوان أعلاه ارتأينا وضع هندسة لهذه الورقة تتشكل من شقين إثنين: الشقّ الأوّل، سنعرض فيه الملامح العامة لمقاربة: معنى ⇔ نص وخصائصها. أما الشق الثاني، فهو عبارة عن محاولة لحوْسبة القاموس التفسيري للغة العربية.

Abstract

This article aims to shed light on some of the characteristics of the approach “Meaning ⇔ text” as a part of the theory “Explanatory and Combinatorial Lexicology. The article will also present the methodology used to develop the explanatory and combinatorial dictionary, whose principles we will describe in more details below. This paper consists of two parts: in the first part, we will present the general characteristics of the approach: Meaning ⇔ text, and the second part, we will try to computerize the explanatory and combinatorial dictionary of the Arabic language.


 

مقدمة:

ارتبطت نظرية معنى⇔ نص بمؤسسها” إيغور ميلتشوك” الروسي الأصل وهو أحد أبرز الباحثين الروس، كان عضوا في أكاديمية موسكو لينتقل بعد ذلك إلى جامعة مونريال حيث تابع مسيرته العلمية وطور هذه النظرية بمعية “ألكسندر زولكوفسكيZholokovskyأندري كلاص”André Class”و” آلان بولكيرAlain Plguére ” وغيرهم. وقد ساعده إتقانه للغات عالمية (الروسية، الفرنسية، والإنجليزية)، واطلاعه على أهم المدارس اللسانية الروسية- السلافية واللاتينية والأجلوساكسونية على بلورة مقاربة معنى⇔ نص.

 بفضل اجتهاداته اللغوية واقتراحه للفرضية المعجمية التفسيرية التأليفية، التي استمدت مشروعيتها المعرفية والمنهجية من النظرية السالفة الذكر، حظي بمكانة علمية مشرفة في الأوساط الفرنكفونية والأنجلوفونية بكندا وفرنسا، حيث عُيّن أستاذا زائرا بـ “collège de France“؛ ويشغل، أيضا، عضوا بارزا في “الجمعية الملكية” بكندا؛ فضلا عن كونه عضوا أساسيا ونشيطا فيGRESLT (مجموعة البحث في الدلالة المعجمية والمصطلحية).

 نظرية معنى ⇔ نص:

لا شكّ أن ارتباط هذه النظرية بمؤسّسها “إيغور ميلتشوك” سيجعلها تنهل من مرجعيات لسانية مختلفة. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الإرث الروسي السلافي لاسيما أعمال أبريسيان والشكلانيين الروس وشلكوفسكي، وما اتّصل بمجال الترجمة الآلية، بالإضافة إلى الفكر اللغوي الفرنسي -الأنجلوساكسوني الكندي نذكر بالخصوص مساهمة “أندري كلاص” و”آلان بولكير” في إغناء نظرية معنى⇔ نص. دون أن ننسى نظرية “الاتصال المعرفي” بوصفها أحد الروافد الابستمولوجية التي استفاد منها إيغور ميلتشوك.

 سمّيت هذه المقاربة بمقاربة معنى ⇔ نص لأنها تبحث عن المعنى في العبارات والتعابير التي يتشكل منها النص. إن البحث عن المعنى في الوحدة المعجمية تجاوز مستوى الوحدة المعجمية، وبات البحث عنه في النص أمرا ملحّا. استنادا إلى هذه القناعة المعرفية، فإنّ نظرية معنى ⇔ نص تؤمن، معرفيا، بقدرة اللغات الطبيعية على ربط المعاني بالنصوص. لذلك تأسست هذه النظرية على أساس استنباط المعنى من النص معتمدة في ذلك على نمذجة لغوية صورية معتبرة الوصف اللساني القائم على أسس صورية ورياضية أحد أهمّ مبادئها.

 إيمانا من إيغور ميلتشوك بأهمية اللغة الصورية ونجاعتها في التّحليل اللّساني قام بمعية فريقه (كلاص، بولكير) بتبنّيهم لهذه اللغة الواصفة الرياضية في تعريفهم للمداخل المعجمية والمفردات والليكسيمات كإجراء أوّليّ لبناء قاموس تفسيري تأليفي[1]. وانسجاما مع تصوّرهم لمفهوم “التعريف” بوصفه لغة واصفة تضطلع بمهمة وصف الوحدات المعجمية. سنقدم مثال “عاون” أو “ساعد”aider ” التي أخضعت للتعريف الصوري:

X Aide Y à Z par W =Y [2]

ساعد X (زيد) Y (عمر) على الحصول على Z (شيء ما) بواسطة W= Y

 بفضل تبنّيهم للّغة الواصفة الصورية تمكّن أصحاب هذه النظرية من بناء نماذج تعريفية صورية للوصف القاموسيّ والدلاليّ متجاوزين، بذلك، نمط التعريفات التقليدية المألوفة في أعمال الصناعة القاموسيّة السابقة. لا شك أن هدفهم، من وراء اعتمادهم هذه النمذجة الصورية، هو إيجاد انسجام بين النصوص والمعاني، وبالتالي، بناء نظرية لسانية كونية تقوم على لغة واصفة صورية عالمية[3].

1- 1- المعجمية التفسيرية التأليفية المنهج والموضوع

 تعد الفرضية المعجمية التفسيرية التأليفية واحدة من الفرضيات المعجمية المعاصرة التي تطمح إلى معالجة المعجمية وصناعة القاموس (La lexicographie=) والقاموس (Le dictionnaire) في آن واحد؛ كما تهدف إلى ملامسة كلّ ما يمت بصلة إلى هذه المكونات اللّسانية الثلاثة المترابطة فيما بينها. وتعتبر، أيضا، من المقاربات التي تندرج ضمن الأعمال المعجمية والصناعة القاموسية الواصفة. وهي بذلك من الفرضيات التي اهتمت باللسانيات النظرية (المعجمية والدلالة) واللسانيات التّطبيقيىة (صناعة القاموس). حيث لوحظ، في إطار المعجمية التفسييرية التأليفية التي تفرعت عن نظرية: معنى ⇔ نص، أن المعجمية (lexicologie) وصناعة القاموس (lexicographie) تبادلتا التأثير والتأثر وتربطهما علاقة معرفية وبنيوية؛ فالأولى-أي المعجمية- تمثل الإطار النظري-المنهجي والجهاز المفاهيمي الموجّه لصانع القاموس (le lexicographe)، في حين تعتبر الثانية (lexicographie la) الممارسة التقنية التي ينتج عنها القاموس حيث يُعدّ هذا الأخير عصارة عمل مشترك بين الباحث المَعجمي (lexicologue) الذي يوفر النظرية والمنهج، وبين صانع القاموس الذي يسهر على إعداد القواميس[4]. ولعلّ أهمّ ما يلفت انتباه الباحث في الفرضية المعجمية التفسيرية التأليفية هو اعتمادُها معايير وقواعد صورية صارمة شكّلت الاستثناء المعرفيّ والمنهجيّ لتصورهم للعمل المعجميّ والقاموسيّ، وحتى الدلالي، إلى درجة أن وصفهم وتحليلهم للعديد من الظواهر الدّلالية يقوم على منهج نسقيّ ورياضي ودقيق. والسبب، في تقديري، يعود إلى كونها نهلت من نظرية معنى ⇔ نص التي تقوم على الأطروحة الآتية: الانطلاق من التمثيلات الدلالية من أجل بناء تشجيرات تركيبية بمساعدة المعجم”[5]. ويعتبر المعجم والدلالة، في تصور هذه الفرضية، سابقين على التركيب والصّرافة عكس بعض الأنحاء التوليدية والبنيوية التي لم تهتم بهما إلاّ في المراحل الأخيرة. إنّ اهتمام مؤسسي هذه الفرضية بالمعجمية نابع من إيمانهم بأنّها تشكل ملتقى العلوم lexicologie: discipline carrefour [6] La، بإعطائها أهمّية قصوى للمكوّنين: المعجميّ والدلاليّ تكون الفرضية المعجمية التفسيرية من أهم الفرضيات التي تنبّأت، منذ وقت مبكّرِ، بدروهما في مجال الدراسات اللسانية، فضلا عن اهتمامها بالبحث عن “المعنى” الذي يعتبر أحد الموضوعات الشائكة في الدرس اللساني. لذلك أولت عناية خاصة لكلّ التّعابير المجازية والكنائية والمسكوكات وأشباه مسكوكات بحثا عن هذا المعنى المنفلت منا، على الدوام، الذي يكاد يشبه الزئبق بسبب خفّته وحركيته وتغييره بتغيير السّياق والمقام وشروط التّخاطب. كما اهتمت، كذلك، بالحقول المعجمية والدلالية التي تدرجها ضمن ما تسمّيه بـ: ماكروبنية القاموس التفسيري التأليفي[7].

 تعمد إيغور ميلتشوك الجمع بين صفة “التفسيري” وصفة ” التأليفي” لما لهما من حمولة مفهومية دلالية وتركيبة ومنطقية. حيث يقصد بـ “التفسيري” أن كل عنصر لغوي حامل لتفسير دلالي صوري”؛ فالتمثيلات الدلالية الخفية (التحتية) تشكل وحدة أو وحدات معجمية. أما صفة “التأليفي” فهي تأكيد على أن طبيعة بنية اللغات الطبيعية تأليفية وتركيبية وذات خصائص نسقية منتظمة بشكل طبيعي. إذ تتضح، بجلاء، من خلال تفاعل المحور الجدولي (تعارض دلالي، انتقاء دلالي للوحدات) مع المحور المركزي (تسلسل الوحدات المعجمية).

 باختصار شديد، فالمعجمية التفسيرية التأليفية، هي في جوهرها، تنظير للقاموس التفسيري التأليفي، وهي إطار منهجي ونظري لإعداد قاموس تفسيري تأليفي. كان من نتائج عملها المتكامل والمنسجم ظهور هذا الصنف من القواميس في ثلاثة مجلدات[8]. وهي عبارة عن أعمال تطبيقية استغرقت مدة انجازها أكثر من ثلاثة عقود. والجدير بالذكر أن معالم هذه النظرية، التي أسّسها إيغور ميلتشوك، لم تتّضح معالمها إلا بعد مساهمة الباحث المعروف “أندري كلاص “André Class الذي تعاون مع مؤسّس النظرية واشتغلا معا في إطار” مجموعة البحث في الدلالة المعجمية والمصطلحية” GRESLET”. ولعل أهم ما لفت انتباهنا، ونحن نشتغل على هذه النظرية، ذلك العدد الهائل من الرموز الرياضية والصورية المستعمل في وصف الظواهر المعجمية والدلالية وتحليلها. إذ ليس من المألوف، على مستوى صناعة القاموس”La lexicographie ” ولا على مستوى المعجمية lexicologie La”، أن يجمع بين التأليفات شبه الرياضية وتعاريف الدوال. رغم أنّ بعض المكونات اللسانية (التركيب والفونولوجيا) وظّفت، منذ وقت مبكر، تحليلات تشجيرية وصورية. لذلك نعتبر عمل المعجمية التفسيرية التأليفية عملا جريئا، لكونها أقحمت الصياغة الرياضية والصورية لمعالجة إشكال تعريف الوحدات المعجمية والتعابير المسكوكة والمجازية والكنائية، وهو أمر لم نعتده في القواميس والمعاجم والأبحاث الدلّالية السابقة.

لا ينظر إلى القاموس التفسيري التأليفي الذي اقترحه إيغور مليتشوك وفريقه كخزان للمعطيات والمعلومات المعجمية المترادفة والمتباينة فحسب، بل أراد له أصحابه أن يأتي على شكل نظام منتظم يقوم على قاعدة بيانات منطقية وصورية. ولكي يتسنى لميلتشوك وفريقه إنجاز هذا النوع من القواميس، قاموا بتأسيس إطار نظري قائم على قواعد ومعايير ومبادئ وأسس منها ما كان معروفا ومتداولا في الأعمال اللسانية السابقة، ومنها ما اقترحه “إيغور ميلتشوك” وزملاؤه. يمكن القول إن هذه الأدوات والمفاهيم تشكل النّواة المنهجية والمعرفية لصناعة القاموس التفسيريّ التأليفي.

 تعتبر صناعة القاموس التفسيري التأليفي من أهم القواميس التي اعتمدت الصياغة الصورية في تعريفه للمفردات والمداخل المعجمية. لذلك ما فتئ أصحاب هذه النّظرية ينتقدون بشدّة تجربة القواميس السابقة لأنها لم تعتمد، حسب رأيهم، النمذجة الصورية القادرة على تقديم تعريفات دقيقة للوحدات المعجمية. والجدير بالذّكر أن “إيغور مليتشوك” و”أندري كلاص” و”آلان بوكير” كانوا معجبين بهذه النزعة الصورية إلى درجة أنّهم فضلوا ارتكاب أخطاء لغوية بدل الوقوع في خطأ أو خلل منطقي، لأنّ الخطأ اللغوي إذا ارتكب، في تقديرهم، سيكتشف حتما. أمّا الخطأ المنطقي فسيشوّش على الوصف اللغوي وهو، بالتالي، غير قابل للفحص والمراجعة.

1- 2. مبادئ المعجمية التفسيرية التأليفية:

 تختزل صناعة القاموس التفسيري التأليفي، بوصفها ممارسة وتقنية، مبادئ القاموس التفسيري التأليفي في أربعة عناصر أساسية. هي على الشّكل الآتي:

1- 2- 1- مبدأ الصورية

1- 2- 2-  مبدأ الانسجام الداخلي

1- 2- 3- مبدأ المعالجة المماثلة

1- 2- 4- مبدأ الشمولية.

 يرى إيغور ملتشوك أن إعمال هذه المبادئ الأربعة من شأنه أن يؤدّي إلى الصياغة الصّورية للمفردات والدقة في الوصف والتفسير. حيث عبر كل من إيغور ملتشورك وأندري كلاص وآلان بولكير عن ذلك في المعادلة الآتية [9]:

دقة = صورية + انسجام داخلي+ مماثلة + شمولية

سنحاول بسط هذه المبادئ الأربعة، بإيجاز شديد، لأنّ المقام لا يسمح لنا بالحديث عنها بتفصيل.

1- 2- 1 مبدأ الصورية:

 يرى ميلتشوك أنّ أيّ وصف لساني، اعتمادا على هذا المبدأ، سيفضي، حتما، إلى الدقّة في وصف وعرض المعلومات، لذلك ينبغي إخضاع الوصف القاموسي والمعجمي إلى مقاربة تعتمد الرموز المنطقية والرياضية منهجا وخيارا علميّا. وتجدر الإشارة إلى أن اللّسانيات سبق لها أن تبنّت مبدأ الصورية لاسيما في مجالي الفونولوجيا والتركيب والصرافة. وإذا كان الأمر ممكنا بالنّسبة إلى هذين المكونين، بحكم طبيعتهما القابلة للصّورنة، فإنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى المعجم والدلالة نظرا لطبيعة موضوعها الذي يبحث في المعنى والدلالة. بيد أنّ صناعة القاموس التفسيري التأليفي أصرّت على اقحام مبدأ الصورية، واعتبرتها من أهم المبادئ الأساسية لإعداد القواميس.

Magazine: publication périodique, sous forme d’un cahier généralement illustrée, (consacrée àun sujet déterminé X et) destinée tous a divertir le public Y.[10]

 لقد طرحت علاقة المنطق والرياضيات باللغات الطبيعية منذ أرسطو مرورا بالفكر اللغوي العربي القديم؛ حيث كانت تتّخذ شكل مناظرات بين اللغويين والمناطقة وصولا إلى هاريس وتارسكي وتشومسكي وميلتشوك وغيرهم. يعتقد أغلب الباحثين (مناطقة ولغويين) أنّ اللّغات الطبيعية تحتوي على تعابير غامضة ومبهمة عكس اللّغات الصورية التي تمتاز بالدّقة والوضوح. ولتفادي هذا الغموض والتشويش الناتج عن خصوصية تعابير اللغة الطبيعية القابلة لعدّة تأويلات ينبغي التوسل بالمنطق والرياضيات. وقد نحت النظرية المعجمية التفسيرية التأليفية هذا المنحى الصوري من خلال تبنّيها للغة صوريّة واصفة لتعريف الوحدات المعجمية (الوصف والدلالي) وفي نظام الرّتبة (الوصف التركيبي)، وفي تحديد الوظائف المعجمية (وصف التغييرات المعجمية). لكنّ ثمة ظواهر معجمية- دلالية طرحت مشاكل تقنية لهذا المنهج الصوري. نذكر منها ظاهرتي البوليسمي والأمونومي. وللخروج من هذا الغموض وتعدّد المعاني، الذي يعتبر خاصية لازمة للغات الطبيعية، قام ميلتشوك بإخضاع المفردات ذات الطبيعة البوليسيمية والأمونومية إلى لغة رمزية ورياضية. وكمثال على ذلك اقترح تعريفا شاملا وصوريا لكلمة “دوريةMagazine ” ذات المعاني المتعدّدة. حيث عرفها كالآتي:

دورية: منشور دوري على شكل دفتر وهو، بشكل عام، ممثل (يعالج موضوعا محددا X)، موجه، قبل كل شيء، إلى الجمهور Y.

 يتميز التّعريف أعلاه بالشمولية والوضوح، ويقدم وصفا عاما وواضحا لكلمة “دورية” التي تحيل على معان متعددة. وقد ساعدنا استعمال التعريف الرياضي (XوY) على تغطية جميع الاستعمالات الممكنة لهذه الكلمة التي قد تعني ما يلي:

 1- دورية تعنى بالشؤون النسائية.

 2- دورية تهم المجال الرياضي والفني.

 3-دورية أو مجلة ذات طابع علمي أكاديمي.

 لم يكتف إيغور ميلتشوك بإضفاء الطابع الرياضي الصوري على إشكالية “التعريف” فحسب، بل اعتمد رموزا ومعادلات رياضية لتحليل دوالّ معجمية (ترادف، تضادّ، توسيم، تفعيل)، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

 –˃y˂x للدلالة على أن y متغير x

 y xللدلالة على إدماج y في المجموعة الكبرى (x).

L1+L2…Ln للتأثير على تركيب نوعي phraséme متشكل من ليكسيمات (L1+L2

 -رمز رياضي يرمز إلى نقطة تشارك بين عناصر أو مجموعات معينة.

 ◊ – يرمز إلى الخانة الخاصة بالتعابير ذات القرابة الدلالية.

 يرمز لخانة التراكيب النوعية ذات اتصال دلالي.

*x – تعبير لاحن غير مقبول دلاليا.

؟ x – تعبير يتأرجح بين اللّحن والمقبولية.

ATTR – للتعبير عن علاقة المتغيرات التركيبية العميقة.

͂ – يرمز إلى وضع الليكسية-المنار (العجمة الرئيسية) في الوصف اليكسيكوغرافي.

 DER – يرمز إلى المشتق التركيبي (سواء أكان تفعيلا أو توسيما أونعتا أو ظرفا).

Dico -اختصار لقاموس التّواردات Dictionnaire de cooccurrences.

“كل وصف داخل القاموس التفسيري التأليفي هو بالضرورة صوري”

Toute description dans un dictionnaire explicatif et combinatoire est strictement formelle.

 إن المتأمل في تعاريف القاموس التفسيريّ التأليفي للمداخل المعجمية سيجد نفسه أمام تعاريف أشبه بالمسلمات والبديهيات الرياضية والمنطقية. وإجمالا، فالوصف القاموسي والمعجمي- حسب أصحاب هذا التوجه- لا يستقيم بدون هذه المسلمة:

1- 2- 2- مبدأ الانسجام الداخلي: Cohérence interne

 ممّا لا شك فيه أن المبدأ الصوري الذي يعتبر العمود الفقري في إعداد القاموس التفسيري التأليفي يستدعي، بالضرورة، مبادئ منسجمة ومكملة لهذا التوجه الدقيق والصارم في الصّناعة المعجمية. ولا غرو، إذا كان مبدأ “الانسجام الداخلي” من أهم المبادئ الأساسية لتأليف هذا الصنف من القواميس التي تعتمد، أساسا، على النمذجة الصورية.

 ينتج الانسجام الداخلي عن التطبيق الصّارم للمنطق على المعجم والدلالة، خاصة ما يتعلق بمستوى “الميكروبنية”. ونلمس هذا الانسجام من خلال الوحدة المتماسكة والانسجام المتكامل الموجود بين الأوصاف الدلالية والمعجمية والتركيبية للمفردة الواحدة. وبفضل هذا التوافق تقيم المعجمية التفسيرية التأليفية تواصلا متبادلا بين المكونات الدلالية أثناء تعريف المدخل المعجمي الواحد. لنأخذ، مثلا، الوحدة المعجمية “استاذ” التي يتضمن تعريفها على عنصري: y اللذين يضمنان تواصلا بين الوحدة المعجمية نفسها وبين عناصرها التركيبية. ثمة، إذن، انسجام داخلي بين مكوّنات تعريف “أستاذ”. فالعنصر x باعتباره الشخص الذي يدرس ويلقن المعارف تربطه علاقة جدلية بالعنصر y باعتباره التلميذ أو المتعلم والطالب الذي يأخذ العلم من x. والرابط بينهما هوZ بوصفه المادة العلمية أو الأدبية أو الفنية التي يلقنها الأستاذ لتلميذه.

 من المعلوم أنّ اللغة الطبيعية توفر بنيات منسجمة في جميع المستويات، إذ لا يمكن للمستوى الدلالي أن يستقيم إلا إذا كان منسجما مع المستوى المورفو-تركيبي. فالتنافر بين الوحدات المعجمية والدلالية والوحدات المورفو- تركيبية من شأنه أن يشوّش على المعاني الممكنة لهذه الوحدات المعجمية.

باختصار، يقصد، حسب إيغور ميلتشوك، بـ مبدأ “الانسجام الداخلي “ما يلي:

” نعني بالمادة القاموسية المنسجمة تلك التي ترتبط معطياتها الدلالية والتركيبية والمعجمية والمورفولوجية فيما بينها”[11].

1- 2- 3- مبدأ المعالجة المماثلة:

إن الحديث عن مبدأ الانسجام، الذي يقوم على أساس الترابط المنسجم بين عناصر الوحدة المعجمية أو الجملة الواحدة، سيقودنا، حتما، إلى الحديث عن مبدأ لا يقل أهمية عن المبادئ السالفة الذكر. ويتعلّق الأمر بـمبدأ “المعالجة المماثلة“. لقد أظهر هذا المبدأ أن مواد القاموس المنتمية إلى نفس الحقل الدلالي تقوم على مبدأ المماثلة والمشابهة.

 والجدير بالذكر أن هذا المبدأ لم يُؤخذ بعين الاعتبار في الأعمال المعجمية والقاموسية القديمة والحديثة على حد سواء؛ مما أدّى إلى ظهور بعض الثغرات في تعاريف بعض المعاجم الحديثة. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر “المعجم الوسيط”. ولتوضيح أهمية هذا المبدأ في تعريف المداخل المعجمية أورد إيغور ميلتشوك تعريفات لوحدتين معجميتين هما: “الفرنسي” و”الصيني” اللتان تنتميان إلى الحقل الدلالي “الإثني” على الشكل الآتي:

-Le Français : ethnie originaire de la France dont la langue maternelle est le français.

-Le chinois : ethnie originaire de la chine dont la langue maternelle est le chinois.

 تستحضر التعاريف أعلاه بعض عناصر الحقل الدلالي “الإثني” مثل البلد الأصلي، اللغة الأم، دون أن تقيد بمكان جغرافي محدد، لأن “الصيني” قد يتواجد في كندا وأمريكا…

 يمكن تعريف جميع المفردات المنتمية إلى الحقل الدلالي “الإثني”، على غرار التعريفين أعلاه، أي الاعتماد على المكونين الأساسيين: “من أصل… لغته الأم… وهوما يستدعي العمل بالمعالجة المماثلة لجميع المفردات المنضوية في إطار الحقل الدلالي “الإثني”.

 لقد قاد مبدأ “المعالجة المماثلة” “ميلتشوك “و”أندري كلاص” و”آلان بولغير” إلى تجاوز الأعمال القاموسية والمعجمية التي اعتادت تقديم موادها تبعا للنظام الأبجدي؛ حيث استثمروا نظرية الحقل المعجمي والدلالي لإعداد القواميس؛ واعتبروها الخطوة المنهجية الأساسية في تأليف القاموس التفسيري التأليفي. لذلك اعتبر مبدأ “المعالجة المماثلة” من أهم المبادئ الأساسية الأربعة التي اعتمدت في صناعة القاموس التفسيري التأليفي. كما ربطت هذا المبدأ بنظرية الحقل الدلالي والمعجمي التي وفرت لها مجالا لاستيعاب هذا المبدأ. وقد عبر كل من” إيغور ميلتشوك” و “أندري كلاص” و”آلان بولغير” عن هذا الترابط في المسلمة الآتية:

معالجة مماثلة = وصف مماثل لجميع الكلمات المنتمية إلى نفس الحقل الدلالي

 تسعى صناعة القاموس التفسيري التأليفي إلى تبني مثل هذه التعاريف التي تعتمد مبدأ المعالجة المماثلة، لأنها صالحة لجميع اللغات الطبيعية التي تتشكل، في جوهرها، من حقول دلالية ومعجمية متنوعة ومتعددة: وبعبارة أوضح، فاللغات الطبيعية عبارة عن حقل كبير وضخم يضمّ حقولا فرعية وصغرى تغطي مختلف المجالات الثقافية والدينية والسياسية والمعرفية والاقتصادية والحياتية. انسجاما مع هذا القاسم المشترك الذي يجمع كلّ اللغات البشرية تطمح الصناعة المعجمية التفسيرية التأليفية إلى وضع أسس ليكسيكوغرافية عامة وكونية قابلة للتطبيق على جميع اللغات العالمية.

1- 2- 4 مبدأ الشمولية:

 يهدف القاموس التفسيري التأليفي إلى تقديم وصف شامل للمعجم الذي يمثل كفاية المتكلمين اللغوية؛ ويطمح، أيضا، إلى معالجة كل المستويات الدلالية والصرافية والتركيبية والصوتية لليكسية الواحدة (العجمة). وهو بذلك يسعى إلى تقديم وصف شامل وماسح لجميع المعطيات اللغوية التي تهمّ المستوى الداخلي (مستوى ميكرو-بنية القاموس).

 يتميّز القاموس التفسيريّ التأليفيّ بكونه يقوم بإدماج جميع المعلومات اللغوية الضرورية لوصف العجمة (الليكسية) وتحليلها من جهة، وإبراز العلاقات الدلالية القائمة بينها وبين عجمات: L1 وL2 من جهة أخرى. تضمّ العجمة (الليكسية) “transport en commun” كلّ وسائل النقل والسفر والإرسال والمصالح العمومية. ونظرا لوجود خصائص مشتركة بين هذه الوحدات المعجمية؛ ينبغي معالجتها في إطار أوسع وأشمل ألا وهو الحقل الدلالي الخاص بـ “النقل”. ويمكن أن نلمس مبدأ “الشمولية” من خلال ما يسمى بـ “تعابير التعجب” ” les interjections”، من قبيل: Puoah! Beurk ! للتعبير عن الاشمئزاز وAh! للتعبير عن الفرح وAïe! للتعبير عن الألم. ينبغي الأخذ بعين الاعتبار لدرجات نبر الأصوات، فارتفاع الصوت أو انخفاضه يعبر عن حالة نفسية ما. ومن المعلوم أن الظواهر التطريزية تؤدي وظائف تواصلية في جميع اللغات الطبيعية. وتندرج ظاهرة “التعجب” في صميم المعطيات النفسية السوسيولوجية الدلالية. ولا شك أنّ هذا النوع من الدراسة سيزوّد صانع القاموس بمعلومات مهمّة.

 لأوّل مرة نصادف قاموسا يقدم مادة لغوية كما أنتجها متكلمون فطريون، معتمدا مبدأ الشمولية التي حددها إيغور ميلتشوك على الشكل الآتي:

شمولية: تقديم وتمثيل كل المعلومات الليكسيكوغرافية-الصناعة المعجمية- المتعلقة بعجمة ما، (ليكسية)، ثم إبراز باقي العجمات (الليسكيمات) ذات القرابة الدلالية”.

  تشكل المبادئ الأربعة السّالفة الذكر الخطوة الإجرائية الأساسية لتأليف القاموس التفسيري التأليفي. والملاحظ أنّ هذه المبادئ الأربعة (الصورية، الانسجام الداخل، المعالجة المماثلة، الشّمولية) مبادئ جديدة؛ إذ لأوّل مرة تعتمد في الصناعة المعجمية. والجدير بالذّكر أنّ هذه الصناعة المعجمية التفسيرية التي تبنت هذه المبادئ، هي نتيجة نهائية للنظرية المعجمية التفسيرية التأليفية، باعتبارها الإطار النظري الذي يستند إليها صانع القاموس التفسيريّ التأليفيّ. عكس القواميس التقليدية التي طبعها القصور والارتجال بسبب عدم استنادها إلى إطار نظريّ محدد.

1- 4 متن القاموس التفسيري التأليفي:

 وبما أن القاموس التفسيري التأليفي انفرد بتصور جديد على مستوى الشكل، فإنّ المادة اللغوية التي تناولها بالدرس والتحليل تعتمد مبدأين هما: مبدأ “الشغور” disponibilité“،”ومبدأ “التعجيم “lexicalité “

1- 4- 1 مبدأ الشّغورPrincipe de disponibilité

 يقصد “إيغور ميلتشوك” وآخرون بمبدأ الشغور ذلك المتن الذي يشترط فيه ألاّ يضمّ سوى المعجم الشاغر، أي المادة التي تنتمي إلى ما يسمّى باللغة المعيار. ومعنى ذلك أنّ المعجم المهمل، وغير المستعمل لا يدخل في اهتمامات صانع القاموس التفسييري التأليفي. حيث تعتمد الليكسيكوغرافيا التفسيرية التأليفية على كفاية ما يسميه ” إيغور ميلتشوك” بكفاية المتكلم الوسيط ” le locuteur moyen” الذي يتموقع -حسب ميلتشوك- في ملتقى ثلاثة محاور محدّدة للغة الطبيعية:

1- 4- 1- 1 محور سوسيوثقافيّ:

 نميّز في هذا المحور بين نوعيات لسانية تعكس شرائح وطبقات مجتمعية مختلفة مثل فئة الفلاحين والعمال والحرفيين واللصوص والمثقفين…لا يوجد، حسب علمنا، قاموس استطاع أن يحوي هذه النوعيات ويغطيها جميعا. إذ، غالبا، ما تضطرّ معظم القواميس إلى الاكتفاء بمواد معجم النخبة. وبخلاف هذه القواميس، ينهل القاموس التفسيري التأليفي مادته من لغة العامة، مركّزا على نوعيات “variétés” الفئات الاجتماعية والشعبية التي يتكلّمها المتكلّم الفطري “Le locateur natif”، ولغة المتكلم الوسيط ” Le locuteur moyen”.

1- 4- 1- 2 محور جغرافيّ:

 تقرّ اللسانيات الجغرافية واللسانيات الاجتماعية بوجود نوعيات ولهجات مختلفة بإمكانها أن تتعايش في مناطق جغرافية محدّدة. يمكن أن نميز، أيضا، داخل اللغة الواحدة، كالفرنسية مثلا، بين فرنسية باريس وفرنسية مارسيليا وفرنسية كيبيك وفرنسية إفريقيا. ومردّ هذا إلى الاختلاف العامل الجغرافي. وقد عاشت اللغة العربية نفس التغييرات، حيث ظهرت على أنقاضها لغات مولدة، ولهجات متنوعة ومختلفة باختلاف المناطق الجغرافية، ويرى المستشرق الألماني “يوهان فيك “أنّ اللغة العربية بدأت تتقلص لصالح تلك اللغات المولدة منذ المراحل الأولى للدولة الإسلامية بسبب دخول عناصر أعجمية وإسهاماتها في بناء الحضارة العربية الإسلامية. ونظرا، كذلك، إلى وفرة المادة المعجمية، وبسبب هذه الهوة الموجودة بين اللغة العربية المعاصرة واللغة العربية القديمة واللّهجات السائدة يصعب اختيار المتن النّموذج.

1- 4- 1- 3 محور كرونولوجي

 تخضع جميع اللغات الطبيعية إلى تغييرات واختلافات معجمية ودلالية ناتجة عن اختلاف العصور والحقب. وهكذا يمكن أن نميّز، مثلا، بين فرنسية القرن الثامن عشر وفرنسة القرن العشرين. والأمر ذاته ينطبق على العربية التي عرفت تطورا ملحوظا عبر تاريخها الطويل. وفي ظل هذه التغييرات والتطورات اللغوية الخاضعة لتقلّبات الزّمن، ولسنّة الرقي والنشوء يرى إيغور ميلتشوك أن تحديد المتن، من الناحية الزمنية، لا ينبغي تجاوز الخمسين سنة الأخيرة لأنّها تمثل المادة المعجمية الحيّة.

 رغم اقتصار القاموس التفسيري التأليفي على متن لا يتجاوز الخمسين سنة فهولا يُقصي اللهجات والنوعيات المحلية والإقليمية واللغة القديمة المدونة في بطون الكتب. وبالموازاة مع ذلك، عمل على التخلص من سيطرة الشواهد الأدبية المستقاة من الأعمال الأدبية لأشهر الكتاب والشعراء (متل راسين وفيكتور هيغو وموليير). وهذا لا يعني أنّ القاموس التفسيري التأليفي لا يعتدّ بالمادة المعجمية التي تُستقى من المؤلفات الأدبية والإبداعية، بل دأب إيغور ملتشوك على استقاء متنه من الروايات والخطابات السياسية والكلام العامي. وإجمالا، فأصحاب هذا التوجه يعتدون بالمادة المعجمية الحية ويتركون المهمل والمهجور والغريب.

1- 4- 2 مبدأ التّعجيم:

 تتميز القواميس التقليدية بكونها قواميس كلمات: أي أنّ مداخلها عبارة عن مفردات بسيطة تكاد تخلو من تعابير كنائية وتراكيب نوعية ومسكوكات عدا ما ورد منها، عرضا، في ثنايا بعض المداخل المعجمية.

 انفرد القاموس التفسيري التأليفي بميزة خاصة تتمثل، أساسا، في اعتماده المسكوكات والأمثال والحكم والتراكيب النوعية والمأثورات كمداخل معجمية. وبعبارة أوضح فالمدخل المعجمي، في تصور ميلتشوك وفريقه، يتشكل إما من ليسكيم أومن عبارة مأثورة. لذلك قيل عن القاموس التفسيري التأليفي أنّه قاموس ليكسيات (عجمات)، وليس قاموس ليكسيمات فقط.

ومن فوائد هذا النوع من القواميس مساعدتنا على إيجاد تعابير مسكوكة وعبارات مأثورة بسهولة دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عنها في ثنايا القواميس كما هو الحال في المعاجم العربية القديمة؛ كما يساعدنا، أيضا، على ضبط مختلف الاستعمالات المندرجة في إطار المدخل المعجمي. فإذا أردنا أن نبحث، مثلا، عن التعابير الآتية:

 –ضرب عصفورين بحجر واحد.

 – ضرب له موعدا (حدده وعينه).

 -ضرب القاضي على يد فلان (حجر عليه ومنعه التصرف).

 – ضرب به عرض الحائط (أهمله).

 -ضرب الدرهم (سكّه وطبعه).

 ينبغي أن نتفحص المدخل المعجمي “ضرب“. ونبحث عنها ضمن المشتقات والاستعمالات الواردة في المداخل الآنفة الذكر.

 نشير إلى أن المعجم التركيبي الذي اقترحه موريس كروس أولى عناية خاصة للتعابير المسكوكة، لأنها تشكل جزءا هامّا من المعجم اليومي الحيّ الذي يستعمله مستعملو اللغة الطبيعية.

 خلاصة القول، يستقي القاموس التفسيري التأليفي متنه من المادة المعجمية المتداولة والحية آخذا بعين الاعتبار التعابير المسكوكة والكنائية والعبارات المأثورة والحكم والأمثال، وبالتالي، اعتبارها مداخل معجمية، لذلك يجوز ليغور ميلتشوك أن يسمي قاموسه بـ “قاموس الليكسيات” أو “قاموس التراكيب النوعية dictionnaire de lexies ou dephrasèmes.

1- 4- 3 مبدأ أولوية المتكلم:

 يعدّ القاموس التفسيري التأليفي في تصور إيغور ميلتشوك نتيجة نهائية للعمل القاموسي ونتاج المعجمية التفسيرية التأليفية بوصفها الإطار النظري، إذ لا يمكن أن نتصور ممارسة تطبيقية بدون إطار تنظيري يوجّه صانع القاموس ويؤطّره. ذلك أنّ عدم الاستناد إلى مستوى نظري في الصّناعة القاموسية سيؤدي، حتما، إلى قاموس مرتجل وغير منظم.

 إلى جانب النظرية التي ستوجه عمل صانع القاموس؛ ثمة مسألة أساسية في العمل القاموسي لا تقل أهمية عن المبادئ السالفة الذكر. يتعلق الأمر بنوعية المتكلم الذي ينبغي أن نعتدّ به كمصدر شفاهي فضلا عن المتن المكتوب (الأعمال الأدبية والخطب السياسية ووسائل الإعلام).

 تستقي القواميس العربية مادتها من مصادر مدوّنة ومخزونة في قواميس قديمة (لسان العرب، تاج العروس…). ولا شكّ أن الفاحص لهذه القواميس سيلاحظ أنّها لم تقم سوى باجترار المادة المعجمية الموجودة في بطون المعاجم التليدة. ولتجاوز هذا العطب الابستمي ركز إيغور مليتشوك على دور المتكلم الفطري باعتباره المؤهل للتمييز بين البنيات اللغوية المقبولة دلاليا وتركيبيا. لذلك اعتبر المتكلم من أهمّ المبادئ الأساسية لبناء القاموس التفسيري التأليفي. وقد عبر عن أولويّة المتكلم الفطري في الآتي:

” إن قرار رفض أو قبول تعابير اللغةX في إطار القاموس التفسيري التأليفي يعود، بالأساس، إلى المتكلم الفطري لهذه اللغة نفسها “.

 يشكل المتكلم الفطري وصانع القاموس المصدر الأساسي للقاموس التفسيري التأليفي. وهكذا فإن اعتماد المصدر الذاتي (المتكلم الفطري) والمصدر الموضوعي (المتكلم الوسيط) في العمل القاموسي خطوة إجرائية هامة نحو بناء قاموس يغطي المادة المعجمية الحية. ولا شك أنّ التوسل بحدس المتكلم الفطري من شأنه أن يساعد صانع القاموس على سدّ الثغرات التي ظلت القواميس التقليدية تعاني منها. كما سيساعده، أيضا، على إعداد قاموس مواكب لتطور الحياة المجمتعية ولمقتضيات العصر.

2- مشروع قاموس تفسيري تأليفي إلكتروني للغة العربية:

إن الحديث عن قاموس تفسيري تأليفي إلكتروني، يقتضي بالضرورة الحديث عن الأسس النظرية والمنهجية لنظرية المعجم التفسيري التأليفي، باعتبارها المرجعية النظرية والمعرفية الموجهة لمثل هذا المشروع الطموح، إذ لا يمكن أن نتصور قيام معجم آلي دون الاستناد إلى إطار لساني، وتعاون بين اللساني والمهندس المعلومياتي.

إن عرضنا للخطوط العريضة لمشروع القاموس التفسيري التأليفي الإلكتروني في الشق الثاني من هذه الورقة، يعتبر نهاية تطبيقية وتحصيل حاصل، لما سبق أن أنجزناه كعمل أكاديمي، حيث عملنا على بسط المرتكزات والأسس المعرفية والمنهجية التي ميزت المعجمية التفسيرية التأليفية، كما قمنا بتحليل المتن العربي في ضوء بارمترات هذه النظرية، وقد تبين لنا مدى صلاحيتها وإمكانية تطبيقها على معطيات اللغة العربية، رغم بعض المشاكل التقنية التي واجهناها، نظرا إلى كون العربية أعقد اللغات السامية صرفا، وتركيبا، ومعجما، وصوتا؛ ولكونها تختلف عن الفرنسية والإنجليزية والروسية التي كانت مجالا خصبا لهذه النظرية، وما لفت انتباهنا، ونحن نشتغل على هذه النظرية، هو اعتماد إيغور ميلتشوك على المبدأ الصوري الرياضي الذي يعد المبدأ الأساسي لقيام قاموس تفسيري تأليفي إلكتروني.

سنحاول في الشق الثاني هذه الورقة بسط الجزء الأول من البرنام Logiciel المقترح، في أفق بناء قاموس إلكتروني للعربية، وفي انتظار العودة إلى هذا الموضوع في فرصة مقبلة.

حصر إيغور ميلتشوك البرنام المعلومياتي في أربع مراحل أساسية هي على الشكل التالي:

  1. عرض مختلف طرق وخصائص القاموس التفسيري التأليفي الإلكتروني ومسوغات الأشغال على Dico بدلا من Dec (=Dico قاموس التواردات بالمصاحبة: Dictionnaire des cooccurrences).
  2. التعريف بقاموس التواردات بالمصاحبة Dico.
  3. اقتراح برنامج معلومياتي Edico لترجمة Dico إلى لغة معلوماتية.
  4. تجريب DEC وDICO باعتبارهما قاعدة البيانات لأنظمة المعالجة الأتوماتيكية للغات الطبيعية.

سوف لن نتطرق إلى ما اقترحه إيغور ميلتشوك بخصوص القاموس التفسيري التأليفي الآلي للغة الفرنسية، بل سنبذل قصارى جهدنا لتطويع العربية لبارمترات وأسس هذه المعالجة الآلية رغم المتاعب الذهنية والمشاكل التقنية التي سنواجهها.

2- 1- ما المقصود بالقاموس التفسيري التاليفي الآلي؟

ناقش ميلتشوك العلاقة القائمة بين اللسانيات والمعلوميات، وخلص إلى القول بأن التقاء هذين العلمين نتج عنه ما يسمى باللسانيات الحاسوبية Linguistique informatique، وقد أشار إلى الخلط السائد في أوساط الجامعيين بين هذا المبحث والترجمة الأوتوماتيكية، ليتنقل بعد ذلك إلى جوهر الإشكالية التي استهلها بالسؤال الآتي:

يرى إيغور ميلتشوك وآخرون أن الإشكالية أعلاه تحيل، على المستوى النظري، إلى ثلاث قضايا أساسية:

أ- حوسبة المعطيات اللسانية التي بفضلها ينجز العمل المعجمي واستغلال المتن المحوسب والبرامج الإحصائية للمعالجة الأتوماتيكية، في أفق إخراج قاموس تفسيري تأليفي آلي.

ب- ترجمة المعلومة التي يتضمنها القاموس التفسيري التأليفي إلى لغة المعلوميات واتخاذها شكل قاعدة البيانات المحوسبة Informatisées، أي على صورة جذاذيات حاسوبية مبنينة بطريقة تسمح لنا بتدبير أتوماتيكي للمعلومة التي تتضمنها هذه الجذاذيات.

ت- اعتماد الحوسبة والمعلوميات في العمل المعجمي كخطوة أساسية في أفق إعداد القواميس الإلكترونية والترجمة الأتوماتيكية.

تعود أول محاولة لحوسبة معطيات القاموس التفسيري التأليفي إلى سنة 1986، حيث وضـع Michel Decary اللّبنات الأولى لهذا المشـروع العلمي، ليطوره فيما بعد كل من ميلتشوك وأندري كلاس وألان بولكير. وقد اعترف هؤلاء الباحثون بصعوبة إخضاع القاموس التفسيري التأليفي إلى الحوسبة والبرمجة، وتفاديا لهذه الصعوبات والتعقيدات قاموا باقتراح صيغة مختزلة لهذا القاموس DEC. تهدف، أولا وقبل كل شيء، إلى وصف ظواهر التوارد بالمصاحبة، وقد سموا هذا القاموس المختزل عن القاموس التفسيري التأليفي بقامـوس التواردات بالمصاحبة DICO. يتميز هذا التبسيط والاختزال بأمور ثلاثة:

أ- تنفرد العناصر الليكسيكوغرافية المودعة في قاموس التواردات DICO بمظاهر شكلية وصورية بالنظر إلى DEC. لا يتوفر الأول على تعاريف معجمية، بل يعطي الأولوية لظواهر التوارد بالمصاحبة، الأمر الذي سيساعدنا على تفادي الخانة الدلالية للقاموس التفسيري التأليفي والتي تعتبر، بدون شك، المكون الأكثر صعوبة وتعقيدا أثناء إخضاعها للحوسبة.

ب-إن DICO ليس عملا مطبوعا Imprimé، ولكنّه يعكس قاعدة البيانات المعجمية التي تعرف تطورا مستمرا، كما أنه- أي DICO- لا يطمح إلى الشمولية والإحاطة بكل ما يتعلق بالوصف اللساني كما هو شأن DEC. وهب أن هدفه الأساسي هو تقديم واقتراح أوصاف كاملة وشاملة، فالجانب الاختزالي والتبسيطي للقاموس التفسيري التأليفي DEC المتبع في DICO نفسه يبقى نسبيا.

يستحسن في المرحلة الأولى من البناء عدم تشفير كلّ الوظائف المعجمية والاقتصار على تلك الوظائف التي تبدو أساسية وهامة، والمتتبع لأعمال إيغور ميلتشوك (84)(88) (92)(95) سيلاحظ أن ثمّة تحضيرا مسبّقا لإخضاع المعجم إلى الحوسبة. وقد اتّضح ذلك، جليّا، من خلال صياغة تعاريف ترتكز-أساسا-على لغة رياضية واصفة. ويرى إيغور ميلتشوك وآخرون أنّ مهمة إعداد القاموس التفسيري التأليفي الآلي شاقة، لذلك اقترحوا حوسبة قاموس التواردات DICO كحل مؤقت. إن الأمر لا يتعلق هنا بإبراز الوجه الذي سيقدّمه البرنامج المعلومياتي الذي خصص لحوسبة مواد قاموس اللغة الطبيعية، وقد أطلق عليه إيغور ميلتشوك وآخرون (EDICO)cooccurrence Dictionnaire Editeur du. ومـوازاة مع ذلك تم إعـداد مرجع خاص لهذا البرنامج EDICO، يرجع إليه كلما دعت الضرورة إلى إعطاء أمثلة لحوسبة القاموس التفسيري التأليفي. إن المعالجة الآلية للقاموس التفسيري التأليفي تعيد من جديد طرح قاموس مختزل ومبسط من نوع DICO، بيد أنه يعاني من عطب ابستمي يتجلى في كونه أقل فائدة وشمولية من DEC. لذلك يسعى إيغور ميلتشوك إلى إيجاد حلول للمعيقات التي تعترض اختياراته النظرية والمعرفية. وقد قام في هذا الشأن باقتراح خطوة إجرائية لحل الإشكالية المتعلقة بكيفية ابتكار برامج معلوماتية منسجمـة مع مبادئ ومرتكزات القاموس التفسيري التأليفي DEC. والواقع أن اختزال وتبسيط أشكال ومضامين هذا القاموس وجعله في صورة DICO هو خطوة هامة نحو حوسبته وإخراجه في صورة قاموس إلكتروني. ويبدو أن المنهج المتبع في هذا العمل- أي تبسيط DEC واختزاله وتحويله وتسميته بـ: DICO- منهج من شأنه أن يساعدنا على إيجاد لغة صورية ورياضية قابلة للحوسبة، حيث يقوم بتفكيك قضية ما، وجعلها مبسّطة وسهلة. رغم بعض المشاكل النظرية والتقنية التي قد تشوّش على هذا المشروع العلمي الطّموح، فإن القاموس التفسيري التأليفي يحمل في جوهره ملامح وخصائص اللسانيات الصورية، الشيء الذي يؤهله للحوسبة والمعالجة الآلية. ولعل الأهمّ في هذه النظرية اعتمادُها مفاهيم وأدوات منطقية واستنباطية في الوصف اللغوي بغية التأكد من صحته وسلامته، ثم اختزاله إلى أكبر عدد ممكن من المعلوميات وتجاوزها للمهمل والمهجور؛ ذلك أن القاموس العقيم في نظر إيغور ميلتشوك هو ذلك القاموس الذي يتميز بوفرة وغزارة مواده ومعلوماته الحشوية. والجدير بالذكر أن الخلفية المعرفية لنظرية المعجم التفسيري التأليفي هو اعتمادها مادة معجمية حية ومتداولة من قبل المتكلم الفطري والمتكلم الوسيط. ولاكتمال جودة القاموس المقترح من قبل أصحاب هذه المقاربة، لابد من الاستعانة بالحاسوب والمعلوميات.

إنّ فكرة حوسبة القاموس التفسيري التأليفي ليست وليدة الصّدفة، بل فكرة قديمة راودت إيغور ميلتشوك منذ أزيد من ثلاثة عقود، أي منذ شروعه في وضع اللّبنات الأولى لمقاربة معنى<=>نص.

يمكن لقاموس التواردات DICO، بفضل صوريته وبمساعدة نظام المعالجة الأتوماتيكية للغات الطبيعية Traitement automatique des langues naturelles، أن يكون نموذجا للقاموس الصوري المحوسب. إنّ اعتبار Dico كأداة موجودة بالقوة (كامنة) Potentiel، بالنظر إلى المعالجة الأوتوماتيكية للغات الطبيعية، تجد مبرراتها في قيمة وخصائص ظواهر التوارد بالمصاحبة. وممّا لاشكّ فيه أن استغلال الباحث لنظام المعالجة الآلية للغات الطبيعية من شأنه أن يمكنه من الحصول على معلومات هامة، وبالتالي، التحكم في تقنية اللّسانيات الحاسوبية.

 لقد اتضح لنا من خلال ما سبق أن الأمر لا يتعلّق، هنا، بعمل معلومياتي بسيط، وأنّ مشروع القاموس التفسيري التأليفي الآلي ليس قاموسا مُعدّا ومٌبرمجا في قرص مدمج CDROM، بدلا من قامـوس موجود بين دفتي كتاب ضخم. بل يتعلق الأمر بـنظام حاسوبي يمكن بموجبه للبرامج أن تقوم بحسابات منطقية، ويأن تقدم خدمات لغوية في أسرع وقت لا يستطيع عالم المعجم القيام بها. يرى إيغور ميلتشوك Mel’čuk وأندري كلاس وألان بولكير أن وضع القاموس في جذاذيات حاسوبية من شأنه أن يجعل العمليات اللغوية مرنة وسهلة الإدراك. وبذلك يمكن للباحث، بفضل المعالجة الآلية، أن يقوم بفحص دقيق وشامل لكل التواردات المنتمية إلى قاعدة بيانات القاموس التفسيري التأليفي. إنّ إعداد قاموس تفسيري تأليفي آلي بالشكل الذي نطمح إليه سيساعدنا على إنجاز عمليات لغوية وتسهيل مأمورية البحث عن المداخل المعجمية وتصنيف الحقول الدلالية، واستخراج المعاني البوليسمية والليكسيمات التابعة للفوكابلات في وقت وجيز وبدقة متناهية.

2- 2 البحث الذكي في القاموس التفسيري التأليفي DEC:

-ما هي الليكسيات (العجمات) التي تمثل المحمولات الدلالية ذات التكافؤ الثلاثي والمتضمنة لعاملين اثنين: الأول من نوع إنساني والثاني من نوع آلي؟

-ما هي الليكسيات-الأفعال (العجمات-الأفعال) التي يتحقق فيها عاملها التركيبي العميق الثاني بشكل إجباري، ويتخذ صورة جملة اسمية مسبوقة بحرف Préposition؟

– ما نوع الليكسيات (العجمات) التي تمثل عنصر قيمة في الوظيفة المعجمية المؤشر إليه من قبل ميلتشوك ب “المعزز” Magn؟

A- الإتمام والفحص الأوتوماتيكي:

– الكشف عن التطابق غير المقبول دلاليا ونحويا بين عدد العوامل الدلالية التي يتضمنها تعريف ما، وبين الإنجازات التركيبية للعوامل المعروضة في خانة جدول النظام (ينظر هذه الخانة في الشكل3).

2- إبراز الوظائف المعجمية التي تشكل العمود الفقري في اللغات الطبيعية كالترادف والتضاد…والتأشير إليها برموز صورية معينة.

B-استنبـاط منطقـي:

1-البحث عن طبيعة العلاقة القائمة بين قيمة الوظيفة المعجمية Magn “المعزز” وبين المكون الدلالي الوارد في تعريف الليكسية الممثلة لهذه الوظيفة المعجمية (Magn).

2-الكشف عن أوجه التشابه الموجود بين نظام كل الأفعال التي يضم تعريفها ما يسمى بـ: مكون المصالحة أو المعاملة Transaction.

إن الخطوات المطروحة أعلاه ليست سوى خطوات أولية، ينبغي الكشف عنها قبل الولوج إلى جوهر القاموس التفسيري التألفي الآلي، الذي سيعمل على رصد وتتبع صيرورة القاموس التفسيري التأليفي، باعتباره المرجعية النظرية والمعرفية التي يستقي منها القاموس المحسوب قاعدة البيانات المعجمية. رغم أن القاموس التفسيري التألفي يمثل الإطار النظري الذي يستند إليه القاموس التفسيري التأليفي الآلي، فمن حق هذا الأخير أن يتجاوز بعض القضايا التي أقر بها الأول، مثل قضية الترتيب الخطي (تجمع المفردات حول المدخل المعجمي الرئيسي). وبإمكان هذا القاموس الآلي أن يساعدنا على الولوج إلى قضايا معجمية، وأن يزودنا بمختلف المعلومات التي تظهر على الشاشة في وقت وجيز جدا. ولن يتأتى ذلك إلا بفضل تعدد البرامج المعلوماتية التي تساهم في تحسينه، وجعله في متناول الباحثين والمستعملين، فوق كل هذا، فإنجاز قاموس آلي من هذا القبيل سيدفع الباحث إلى الأخذ بعين الاعتبار الانسجام العمودي (في حالة المدخل المعجمي) والمواد المنتمية إلى نفس المدخل المعجمي والحقل الدلالي بشكل متواز.

إذا كان القاموس التفسيري التأليفي مشفرا encodé على شكل نص- مترابط

hyper-texte كما هو حال القاموس الآلي، فإن الولوج إلى المواد المخزونة في ذاكرة الحاسوب يتمّ انطلاقا من أيّة خانة لمادة ما.

يملك القاموس التفسيري التأليفي مواصفات علمية ومنهجية تجعل منه القاموس الوحيد القادر على تشفير النص-المترابط hyper-texte، خاصة ما يتعلق بحالة الأسماء ومكونات التعريف، علما أن DEC يفرض على صانع القاموس عرض جميع المكونات الأساسية في تعريف الليكسية. وكلّ مكون من مكونات التعريفات المقترحة من قبل القاموس التفسيري التأليفي هو بمثابة مشير pointeur للمادّة القاموسية التي تطابقه؛ ويبدو أن هذا التصور الجديد الذي ينفرد به القاموس التفسيري التأليفي هو الذي جعل من تشفيره على شكل نص-جامع عملا مبررا، خاصة إذا علمنا أنDEC هو تتويج لمقاربة لسانية معاصرة (مقاربة معنى<=> نص). ويعتبر المعجم النواة المركزية لمختلف العلوم اللسانية، كما يوفّر أدوات إجرائية ولغة واصفة وصورية قابلة لخلق أرضية علمية ومنهجية مؤهلة لإعداد البرمجة والحوسبة، والمتأمل في المعجم التفسيري التأليفي سيدرك أنها وضعت، أساسا، لإنشاء معجم آلي لكونها اعتمدت مبادئ ومفاهيم رياضية ومنطقية صارمة.

وصف عامّ لقاموس التواردات بالمصاحبة Dico

سنعرض هنا لمبدأ الصورية الذي اعتمده إيغور ميلتشوك في Dico مع تقديم بعض التمثيلات من خلال الفوكابل الاسمي (المدخل المعجمي) “انخراط” والفوكابل الفعلي “باع” اللذين تمت صياغتهما على شوكل Dico.

-Cبنية DICO (قاموس التواردات بالمصاحبة)

سنقوم أولا ببسط الخصائص العامة لبنية مادة Dico الرئيسية super-article وبعد ذلك سننتقل إلى المكونات الجزئية لهذه البنية.

أ- البنية العامة لجذاذية Dico الواصفة للفوكابل: مادة Dico الرئيسية:

كل مادة رئيسية منتمية لقاموس التواردات بالمصاحبة هي بالضرورة مخزونـة في الجذاذية–النـص texte fichier. ونشير إلى أن هذا المفهـوم المعلومياتي لا يضم سوى ما يسمى بنسقة محارف fonte. ولا تضم جذاذيات Dico بدورها أي محرف caractère في شوكل بارز gras أو إيطالي italique، أو مدل علوي exposant، أو مدل سفلي indice، ينبغي لأي محرف مقترح لكتابة Dec أن يسند إلى اصطلاح منسجم ومطابق لكي يتم تشفيره داخل الجذاذية-النص. لذلك عمل إيغور ميلتشوك على اقتراح محـرف مناسب، ليضمن بذلك مرونة وسهولة معطيات Dico. كل جذاذية أعدت لـ Dico يمكن أن تقرأ محللة ومؤولة بواسطة أي برنامج معلومياتي، دون الدخول في غمار ترميز المعطيات اللغوية.

تنبني المعلومة، التي تصف المدخل الرئيسي داخل جذاذية DICO، على الشكل الآتي:

> عدد صحيح< ¬قانون

“>مادة رئيسية<“

> ملاحظات<

الشكل 1: بنية جذاذية DICO

لوصف تركيب مواد DICO تبنّى إيغور ميلتشوك اصطلاحات الكتابة الآتية:

– يعتبر كل ما ترمز إليه الدعامتان (>…..<)CHEVRONS متغيرا أي أنه ميطا-مكون (مكون واصف) وقد أوكلت إليه مهمة الوصف.

– كل ما لم يرمز إليه بالدعامتين >…..< Chevrons يعتبر سلسلة من المحـارف caractères كما تظهر في مادة DICO (ينظر الشكل (1) أعلاه)، فالمعلومة التي توجد في جذاذية DICO هي بمثابة قانون للمادة الرئيسية التي يضمّها هذا القانون، فيما يخص >عـدد صحيح <التي تقع على يمين¬ قانون، فهو يرمز إلى التقدّم الذي حصل على مستوى إعداد المادة القاموسية.

ميّز ميلتشوك وآخرون بين أربعة قوانين ممكنة تعكس المراحل الأربع المتتالية لإعداد مادة DICO الرئيسية. سنبدأ من الأعلى إلى الأسفل أي من القانون 3 إلى القانون0.

قانون 3: تمّ خلق المادة الرئيسية غير أنها لا تضم البنية القانونية لمادة DICO الرئيسية، ينبغي ألاّ تحتوي على أية معلومة، بصرف النظر، عن القانون Statut واسم الفوكابل وقالب(هيكل) المادة الرئيسية. (سنعرض لمفهوم قالب المادة الرئيسية (انخراط) في الشكل (3) لاحقا).

قانون 2: تمّ إعداد-في إطار القانون 2ـ المادة الرئيسية التي تضمّ على الأقل البنية القانونية المقترحة من قبل DICO بفضل برامج تحليل مواد EDICO الرئيسية.

قانون 1: يمكن اعتبار المادة الرئيسية- في تصور هذا القانون- بمثابة مادة سليمة من وجهة نظر صورية مادامت تحتوي على معلومات ضرورية وكافية لوصف التواردات بالمصاحبة لليكسيمات-الفوكابل. للمرور من القانون2 إلى القانون1، ينبغي إغفال كل الليكسيمات المتفرعة عن الفوكابل، إذ من أهم مبادئ المعجمية التفسيرية التأليفية مبدأ الشمولية الذي يشترط ذكر جميع الاستعمالات البوليسيمية المتداولة. ومن ثمة يجب عدم نسيان أي حالة في التواردات المعجمية بالمصاحبة؛ لأن إغفالها وعدم ذكرها سيشكل ثغرة وخللا في نظام قاموس التواردات[DICO=].

قانون 0: تعتبر المادة الرئيسية في القانون0 بمثابة نقطة النهاية، بإمكانها أن تنشر وتوزع بدون قيد أو شرط قبل إسناد قانون0 إلى مادة رئيسية ما، ينبغي على الباحث المعجمي القيام بما يلي:

* ضرورة تشكيل المادة الرئيسية انطلاقا من مستوى ماكروبنية DICO. يمثل وصف الفوكابل كلا متجانسا، بالنظر إلى وصف باقي الفوكابلات التي تنتمي إلى الحقل الدلالي نفسه. لذلك اعتبرت نظرية الحقول الدلالية في تصور المعجمية التفسيرية التأليفية ذات أهمية قصوى في مجال إعداد القاموس التفسيري التأليفي DEC. وأكثر من ذلك فقد ازدادت قيمتها المعرفية والمنهجية وأثبتت فعاليتها وجدارتها كذلك في ميدان تأليف قاموس التواردات(DICO).

>اسم الفوكابل<

Δ >مقولات نحوية<

.>رقم الليكسيم الأول<

> وصف اليكسيم الأول<

……..

.>رقم الليكسيم الأخير<

> وصف الليكسيم الأخير<

الشكل 2: بنية مادة DICO الرئيسية

أ- أن تتميز العلاقات الداخلية للمواد بالسلامة والدقة بعيدة عن أي غموض أو التباس، لا سيما ما يتعلق بالليكسيمات المتفرعة عن الفوكابل. لنأخذ مثلا الفوكابل الاسمي “انخراط” المشتق من المدخل المعجمي الذي يضم العديد من المعاني البوليسيمية المختلفة دلاليا.

ب- أن تكون هناك علاقات تبادل وتلازم بين بعض الفوكابلات. إذا كان الفوكابل “باع” تحويليا conversif للفوكابل “اشترى”. فإن العكس هو الصحيح بالنسبة إلى هذا الأخير.

تظهر المادة الرئيسية مباشرة بعد إشارة القانون التي يؤشر إليها بالرمز الآتي » >…..< « (ينظر الشكل 1 أعلاه) وتحتوي هذه المادة الرئيسية على البنية الصورية الآتية:

لكي تتضح معالم هذه البنية الصورية في الشكل (2)، سنعمل على التمثيل لها من خلال تقديمها لبعض مواد الفوكابل الأسمى “انخراط” والفوكابل الفعلي “ضرب”. حينما يستعمل الباحث المعجمي البرنامج المعلومياتي EDICO فهولا يحتاج إلى تقديم الرموز التي تبين وصف الفوكابل. وفور اقتراح مادة رئيسية جديدة، يقوم البرنامج بخلق “قالبه” الخاص بشكل أوتوماتيكي، في هذه الحالة لن يبقى للمعجمي سوى ملء الفراغات. وهنا يجد نفسه أمام مبدأ المعالجة المماثلة الذي يعتبر من أهم المبادئ الأساسية في نظرية المعجم التفسيري التأليفي.

إذا طلب الباحث من البرنامج المعلومياتي EDICO إعداد مادة رئيسية جديدة متفرعة عن الفوكابـل الأسمى “انخـراط” فإنه (EDICO) سيقوم بإبراز-بشكل آلي- بنية المعطيات الآتية:

قانون

»انخراط

Δ >مقولات نحوية<

->ليكسية

àخ ن >خصائص نحوية وسامات أخرى<

àخ د >خصائص دلالية<

àم ل >ملحوظات أخرى<

àج ن >جدول النظام<

àو م >وظائف معجمية<

الشكل (3): قالب «Squelette» المادة الرئيسية “انخراط” كما هو مقترح من قبل DICO.

يشترط في كل ليكسية حسب الشكل (3) أن تتوفر على سبع خانات، والملاحظ أن إيغور ميلتشوك استهلّ كلّ خانة من الخانات السبع أعلاه بالرمز “à” الذي اعتبر بمثابة مفتاح أساسي للولوج إلى إحدى الخانات المذكورة. غير أنّ قالب المادة الرئيسية الذي أعدّه EDICO، يبقى في نظرنا ناقصا؛ لأنه أغفل خانات أساسية، لذلك ينبغي إصلاح هذا القالب المقترح أعلاه، وذلك بإضافة خانات أساسية ومنسجمة مع اللغة العربية كخانة الصرف وخانة الإعراب، وخانة التداوليات والتعابير المجازية والكنائية.

لكي يتأتى لنا فهم الخانات الواردة في الشكل (3) سوف نقدم دلالة بعض الرموز التي ابتكرها إيغور ميلتشوك والتي اضطلعت في إطار DICO بمهمّة بناء المداخل المعجمية:

» بداية المدخل المعجمي

« نهاية المدخل المعجمي

D مدخل إلى بعض مشتقات المدخل المعجمي

. بداية لولوج أحد مكونات الليكسية

à بداية خانة داخل الليكسية.

لا ينبغي للرموز أعلاه أن تؤدّي وظيفة أخرى، بل عليها أن تحافظ على الدور الرّمزي الذي أسند إليها، وذلك تفاديا للّبس والتشويش الذي قد ينجم عنه خلل في البرنامج المقترح.

خاتمة:

أثبتت المناهج والنظريات اللسانية، منذ مطلع القرن العشرين، فعاليتها ونجاعتها في الوصف اللساني؛ حيث تمكن الباحثون من الإجابة على العديد من القضايا التي ظلت مطروحة في الحقل اللساني منذ زمن بعيد. وقد كان من نتائج تفاعل الدرس اللساني مع مختلف حقول المعرفة البشرية ميلاد مناهج لسانية علمية ودقيقة حقّقت قطيعة ابستمولوجية مع الفكر اللغوي السّابق.

وانسجاما مع هذا الثابت تبنّينا، في هذه الورقة، منهج المعجمية التفسيرية التأليفية لمعالجة المعجمية والقاموسية العربيتين. وإنْ اكتفينا، هاهنا، بعرض الملامح العامة لهذه الإطار النظري الذي طُبّق على الروسية والفرنسية والإنجليزية منذ عقود خلت.


[1] -Voir les travaux d’Igor Mel’čuk et al (84), (88) et (92).

[2]– Igor Mel’čuk, André Class et Alain Polgyère (95) «introduction à la lexicologie explicative et combinatoire» p: 106.             

[3]– A. Polguère (98) «la théorie sens⇔ texte» in dialogue université du Québec, p: 12-13.

[4]– Igor Mel’čuk, André Class et Alain Polgyère (95) «introduction à la lexicologie explicative et combinatoire» p: 26.                                                                                   

[5]– Igor Mel’čuk, et al (95) ibid, p: 17.

[6] -Igor Mel’čuk, et al (95) ibid, p: 26.

[7]– Igor Mel’čuk, et al (95) «introduction à la lexicologie explicative et combinatoire» voir les pages :173-184.

[8]–  Igor Mel’čuk, et al (84.

[9]– Igor Mel’čuk, et al (95) «introduction à la lexicologie explicative et combinatoire» p: 34.

[10]– Igor Mel’čuk, et al (95) p: 36.

[11]– Igor Mel’čuk (95) «Introduction à la lexicologie explicative et combinatoire».


المراجع:

مراجع بالعربية:

  • الركيك، محند (2000) “قراءة جديدة في المعجمية العربية: نحو مقاربة معجمية تفسيرية تأليفية” أطروحة الدكتوراه مرقونة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس.

  • الركيك، محند (2002) نحو بناء معجم آلي للغة العربية: نموذج الدكتور نبيل علي ضمن مجلة “فكر ونقد”، العدد48 و49-50.

  • نبيل، علي (1989)”الجيل الخامس ومعالجة اللغة العربية آليا” معهد الكويت للأبحاث العلمية جامعة الكويت.

  • نبيل، علي (1998) “اللغة العربية والحاسوب”، دار التعريب للنشر.

  • معهد الدراسات والأبحاث للتعريب (1997)”معجم المعلوميات” من إعداد فريق علمي تابع للمعهد، تحت إشراف عبد القادر الفاسي الفهري.

مراجع باللغة الفرنسية:

  • M (1988) «Système verbal arabe, régime de constructions transitives» thèse d’état, université de Paris 7. Dactylographiée.

  • Decary, Michel (1986) «Un éditeur spécialisé pour le dictionnaire explicatif et combinatoire» université de Montréal.

  • MEL’čuk et al (1984) «Dictionnaire explicatif et combinatoire français contemporain, recherches lexico-sémantique» les presses de l’université de Montréal, duculot.

  • Mel’čuk et al’ (1988) «Dictionnaire explicatif et combinatoire du français contemporain, recherches lexico sémantiques II» les presses de l’université Montréal Duclot.

  • Mel’čuk et al (1992) «Dictionnaire explicatif et combinatoire du français contemporain, recherches lexico sémantiques III» les presses de l’université de Montréal, duculot.

  • Mel’čuk et al (1995) «Introduction à la lexicologie explicative et combinatoire» Duculot.

مقالات أخرى

مدخل إلى سوسيولوجيا الفصل الحضري

مفهوم الطائفة الممتنعة

الأسس الفلسفية لنظرية التربية الطبيعية عند جان جاك روسو

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد