الملخّص
يتجه كوكبنا قدما ليصبح كونا عبقريا سيبرنتيا فائق الذكاء، فعلى امتداد هذا الكوكب تتشباك الأدمغة وتتخاصب العقول، وتتفاعل الإرادات البشرية، وتتضافر الخبرات والمعارف الإنسانية، وهذا كله يبشر اليوم بولادة وعي إنساني إبداعي فارق في التاريخ، إنه شكل من أشكال الوعي الجمعي المتشكل من جماع الأدمغة ومن تضافر العقول والعبقريات جميعها فوق هذا الكوكب، ليتجلى في النهاية على صورة عبقرية إنسانية خارقة ليس لها مثيل ولن يكون لها نظير في التاريخ الإنساني برمته. فالثورة الصناعية الرابعة تعمل اليوم على إلغاء الحدود الفاصلة بين كل ما هو فيزيائي ورقمي وبيولوجي، وفي هذا الكون الجديد المغمور بفيض الإبداعات العبقرية والأصوات والكلمات والصور، يتوجب علينا أن نحدث ثورة تربوية نتجاوز فيها أزمة العلاقة بين قديم لا يموت وجديد لا يستطيع أن يولد كما يقول كتاب أنطونيو غرامشي (Antonio Gramsci). هذه المقالة تتناول حدود وأبعاد الثورة التربوية المنتظرة في خضم الثورة الصناعية الرابعة وتبحث في مختلف تجلياتها وأبعادها في ظل عالم محموم بالتغير والتثوير.
Abstract
Our planet is making headways to become a genius and ultra-intelligent cybernetic. Ideas compete, people interact, and human experiences and knowledge conglomerate. This heralds today a birth of a collective, creative human consciousness formed from a myriad of ideas and geniuses in the image of a super human who has no, and won’t have, a comparable in the entire human history. Today, the fourth industrial revolution seeks to abolish the boundaries between the physical, the digital, and the biological domains. In this new universe, flooded with genius creations, sounds, words and images, there must be an educational revolution as well to overcome the crisis of the relationship between the old that does not die and the new that cannot be born, to use Gramsci’s words. Consequently, this article deals with the limitations of the education a revolution in the midst of the fourth industrial revolution and examines its various dimensions in the light of a world feverish of change.
مقدمة:
الثورة في التربية والتعليم، وليس مجرد التطوير أو التغيير، هو سبيلنا لدخول الثورة الصناعية الرابعة، ونحن قادرون على إحداث تلك الثورة في تعليمنا إذا تخلّينا عن نمطية التفكير التربوي وجموده في مجال التعليم والتخطيط التربوي، وهذا الأمر يتطلب أيضا نمطا من التخطيط الثوري لاحتياجاتنا المستقبلية بحيادية، بعيدا عن النزعة العاطفية الانفعالية، وبعيدا عن الأخطاء التي أعاقت تقدمنا الحضاري والتربوي لعقود طويلة من الزمن؛ فالتغيير الثوري يجب أن يكون شموليا تكامليا يأخذ في الحسبان تفاعل المنظومات التربوية والاجتماعية ضمن خريطة جينية تقوم على التغيير الجذريّ في المناهج التعليمية بشمولية وعمق، ويتضمّن ذلك رفع كفاءة المعلم وتغيير طرق التدريس التقليدية جذريا، وتحسين بيئة التعليم، وتطوير أنظمته، وذلك كله يجب أن يتم في سياق التكامل والتفاعل مع مختلف النظم الاجتماعية والسياسية لخلق بنية مجتمعية متكاملة متكيفة مع الانفجارات التكنولوجية والحضارية الهائلة التي تشهدها الإنسانية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.
لقد أصبحت الثورة في التعليم والتربية ضرورية جدا لمواكبة الثورات الصناعية المتجددة، ومن غير هذه الثورة فإنّ الثورة الصناعية الرابعة التي ننشدها ستلتهم ثقافتنا، وتدمّر، واقتصادنا وتنتهك وجودنا الأخلاقي والإنساني، والحديث عن تطوير وتحسين وإصلاح التعليم لم يعد مجديا اليوم، وقد بيّنت التّجارب الإصلاحية في بلادنا عقم هذه المحاولات وفشلها خلال العقود الماضية، ولم يكن للمليارات التي أهدرت على الاصلاح نفعا أو جدوى، ولم تغيّر في جوهر التعليم، بل زادت الطين بلة، والمشكلات تشابكا والعقد تعقيدا، وحال هذه الإصلاحات كحال السّجين الذي يظل يحفر نفقا طويلا لسنوات للهروب، وإذا هو ينتهي به إلى غرفة الجلاد.
لا أحد يشكّ في أننا نعيش اليوم في خضم ثورة تكنولوجية ثقافية اجتماعية شاملة. فالوظائف تتراجع والمدّخرات تتلاشى، حيث نجد أنفسنا في نعيش في نظام عالمي خارج سيطرتنا. ومن البداهة أن نتحدث عن ثورة معرفية جامحة أنتجتها الأجيال الجديدة من الباحثين والمفكرين، وتتمثل أحد جوانب هذه الثورة في إمكانية الوصول إلى الأشكال الجديدة للمعرفة بسهولة ويسر. ونحن المعلمون نكافح اليوم لمواكبة الجديد في الفكر التربوي لأنّ أكثر ما تعلمناه في الجامعة كان زائدا عن الحاجة، ولم يكن ضروريا قطّ. ففي المدرسة لم يعد المعلم هو ذلك الذي يقف باعتزاز وشموخ أمام الفصل، بل بات ذلك الشخص الذي يتوجب عليه اليوم أن يكون متواضعا كفؤا ومهنيّا وجذابا. ولا بدّ من الإشارة في هذا المقام إلى الانهيار الأسريّ، وانخفاض معدلات المواليد، وارتفاع مستويات المعيشة. فالشباب اليوم يستهلكون السلع والخدمات بمعدلات غير مسبوقة؛ ويترافق ذلك مع تنامي الفردية المفرطة وتعاظم التفكّك الاجتماعيّ الذي يولّد مشكلات كثيرة ومتنوعة.
لقد ولّدت هذه التحوّلات الكبيرة الحاجة إلى ثورة رابعة في التّعليم. ومثل هذه الثورة لا تكون أو لا يمكن أن تتحقّق بمجرّد إدخال الحاسبات إلى المدارس، أو استبدال المعلمين ذوي الأداء الضعيف، أو بناء فصول دراسية حديثة، أو إدخال مناهج وطنية، أو تغيير الكتب المدرسية القديمة فحسب، بل تحتاج إلى إجراء تغييرات عميقة وشاملة وجوهرية في التعليم والتعلّم. وهذا يعني أنّنا في مسيس الحاجة إلى ثورة في أنظمتنا التربوية لتمكين التّعلم والتعليم من أن يصبح جزءًا من أسلوب حياتنا ووجودنا. وهذا يعني أننا نحتاج إلى تقييم نظامنا التعليمي ليس عن طريق امتحانات خارجية، وإنّما من خلال قدرة هذا النظام على التّناغم مع هذا العالم الذي يزداد صعوبة وتعقيدًا؛ أي أنّنا نحتاج إلى منهج تربوي لا يركّز على حالة المعرفة الراهنة السّاكنة استجابة لسؤال: ماذا نعرف؟ ومن ذا الذي يعرف؟ بل نحتاج إلى منهج جديد يركز على معرفة شائكة معقدة بأسبابها وجوهر وجودها بصيغة: لماذا أعرف؟ وكيف أعرف؟ وما هي حدود هذه المعرفة؟ وهذا يعني معرفة موجهة نحو الأسباب والعلل الفاعلة، أي معرفة متغيرة بتغاير الظروف والمتغيرات وهي المعرفة المطلوبة في عالم تتلاحم فيه التغيرات المتسارعة، وترتسم في حركة تتفاعل فيها المعرفة مع العمل في صيرورة لا تتوقّف، وتلك هي المعرفة المتغيرة التي يحتاجها الشّباب في عصر عنوانه التغيّر الدائم والنموّ المتصالب مع كل أشكال التعقيد والتغيير الحادث في فضاء الثّورة الرابعة.
ولأننا نعيش في عصر الثورة الرقمية والانفجار المعرفي، أي في زمن الذّكاء الاصطناعي المتفجر بالإبداعات الإنسانية المهولة، فإن التعليم يحتاج إلى تزويد الطلاب بالمهارات الذكية الضرورية لاكتشاف المعرفة وتقييمها والتعامل معها بطريقة ذكية. فالتكنولوجيا الثورية تتطور اليوم باستمرار، وكذلك الطرائق التي يتعلم بها الطلاب والنظريات الجديدة في مجال التربية والتعليم، وضمن هذا التطور الإبداعي فإن التكنولوجيا الجديدة تعزز أنواعًا مختلفة من التفاعلات التربوية ووسائل التعلم الجديدة.
ومن المؤكّد أنّ تأثير التكنولوجيا والإنترنت يؤدي إلى تغيير عقلية الطلاب، ويجعل أساليب التعليم التقليدية لا جدوى منها وفاقدة لأيّ معنى أو دلالة. وضمن هذا التأثير يُتوقع أن يكون الطلاب وسائلهم وطرائقهم الإبداعية الخاصة في عملية التعلم والتفاعل التربوي لمواكبة الطابع الثوري للتطور الجديد، بما من شأنه أن يعكس تصوراتهم واهتماماتهم وطموحاتهم الخاصة. ومن البداهة القول إنّه إذا كانت المعرفة متاحة بسهولة من مصادر متنوعة ومتعددة، فإن الاعتماد على الفصل والمعلم في تحصيل المعرفة سيكون عديم الجدوى. وهذا يعني أنه يتوجب على المدارس أن تنفتح على نحو شموليّ على العالم الخارجي، وأن تعمل على زيادة معامل ارتباطها وتفاعلها مع المجتمع بصورة أوسع وأعمق وأشمل، حيث يمكن للطّلّاب ضمن هذه الصيغة من التفاعل مع المجتمع أن يكونوا أكثر قدرة على التعلّم والنضج.
فالتعلم المستقبلي في المجتمعات الافتراضية يُوجب على الطلاب اكتساب مهارات اجتماعية ذكية، تتمثل في القدرة على التّعاون والتعاطف وبناء العلاقات الإنسانية والعاطفية والمرونة لدعم قدرتهم على التعلم مع الآخرين ومن خلالهم. فالتعليم الثوري المعاصر يختلف اليوم عن التعليم في حدود المدرسة وبين جدرانها، وهذا لا ينفي أن التعليم المدرسي قد يكون جزءا من النّظام التعليمي الجديد الذي يهدف إلى تمكين الطلاب من التميز والاستقلال، وامتلاك حوافز العمل والإبداع وتحمّل مسؤولية التعلم ضمن جماعات تربوية متناظرة.
إن الثورة التربوية المنتظرة لن تكون يوما ثورة ناجحة ما لم تنبع من اهتمام الناس والمتعلمين والمعلمين وحاجات المجتمع، ويجب في كل الأحوال أن تنبثق من الضرورة التاريخية للثورة الصناعية الرابعة، وهذا يعني أن الثورة المنشودة يجب أن تكون ثورة اجتماعية شاملة، ولا يمكنها أن تكون مجرد ثورة تنتجها الأنظمة السياسية التي تحكمنا على مقاييسها الأيديولوجية الضيّقة.
وفي هذا المسار تتطلب الثورة المنتظرة أن يكون التعليم والتعلم استمرارية وجودية مدى الحياة، وذلك لتمكين الأجيال الحالية والمستقبلية، لا من أن تكون منتجة في هذا العالم الجديد فحسب، بل وأن تكون قادرة على مواجهة التحديات المجتمعية أيضا، ولاسيما هذه التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة، وتلك التي تفرضها التحديات المصاحبة لها مثل تغيير المناخ والنمو السكاني، والشيخوخة السكانية، والمشكلات الطبية، وغيرها من التحديات المحدقة بالوجود الإنساني.
يعبر ألفين توفلر (Alvin Toffler)، -الكاتب الأمريكي المستقبلي – عن أهمية هذا التعلم المستقبلي الجديد بقوله: “الأميون في القرن الواحد والعشرين لن يكونوا أولئك الذين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، بل أولئك الذين لا يستطيعون الفهم والتعلم وإعادة التعلم مدى الحياة”[1]. وقد ورد هذا الاقتباس في كتابه “صدمة المستقبل” (Future Shock) الذي صدر عام 1970، وورد فيه أيضا قوله: “من خلال تعليم الطلاب كيفية التعلم، والتعلم عن التعلم، وإعادة التعلم، فإن التعليم يكتسب طاقة هائلة وقوة متجددة. وعلى هذا النحو لن يكون الأمّيون غدا هم أولئك الذين لا يستطيعون القراءة، ولكن أولئك الذين لم يتعلموا كيف يتعلمون”.
وهذه الرؤية تكشف عن مثالب الأنظمة التعليمية الرسمية القائمة اليوم. وهذا يؤدي إلى طرح تساؤلين جوهريين: هل الطلاب في مدارس اليوم يعلمون كيف يتعلمون؟ أم أنهم يتعلمون كيف ينجحون في الامتحانات فحسب؟ ويلاحظ في هذا السياق وجود قلق وطني ودولي حول مسألة التصنيف الأكاديمي للجامعات، ومستوى إنتاجية التعليم والأداء الذي يحققه، ومثل هذا الاستغراق في قضايا التصنيف والأداء والأمور التي تبدو لنا شكلية قد تعزز فكرة أن التدريس يستخدم فقط للاختبارات والتصنيفات، ومثل هذه الرؤية تتعارض تماما مع التحديات التي ستواجهها الأجيال الحالية خلال هذا القرن بما يحمله من ثورات ومفاجآت لن تخطر على البال.
الجمود التربوي:
يتناول عالم النفس الأمريكي ر. كيث سوير (R. Keith Sawyer) الوضع الكارثي الذي يعاني منه التعليم التقليدي. ويحدد منظومة المتغيرات الفاعلة في انتاج هذا الجمود في مقالته الموسومة “تحسين التعلم: نتائج البحوث العلمية التعليمية”، التي نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في عام 2008، وتضمّنت هذه المقالة عددا من الملاحظات الهامة بشأن التعليم التقليدي وقضاياه أبرزها[2]:
– تمّ تصميم المدارس التقليدية حول افتراضات عامة لم يتم اختبارها علمياً.
– إذا كانت المعرفة مجموعة من الحقائق والإجراءات لحل المشاكل فإن وظيفة المدرسة التقليدية تكمن في نقل هذه الحقائق والمعلومات إلى الطلاب.
– في المدارس التقليدية يعتبر الناس متعلمين عندما يحصلون على مجموعة كبيرة من الحقائق والإجراءات.
– يدرك المعلمون هذه الحقائق والإجراءات، وتتمثل مهمتهم في نقلها إلى الطلاب.
– ويتطلب هذا التعليم معرفة الحقائق والإجراءات الأكثر بساطة أولاً، يتبعها حقائق وإجراءات معقدة بشكل متزايد. ومن ثَمّ فإن المعلمين أو مؤلفي الكتب أو الكبار من الخبراء يقومون بتحديد تدرّجات المواد وتسلسلها وتناغمها وأهدافها ومضامينها، وكل هذا يجري بعيدا عن فهم الكيفية التي يتعلم فيها الأطفال في الواقع.
– وفي نهاية الأمر يتم تحديد مدى نجاح العمل المدرسي ودرجته عن طريق اختبار الطلاب لمعرفة عدد هذه الحقائق والإجراءات التي احتفظوا بها. وهنا تكن الكارثة حيث نجد هذا التعليم مفارقا لعلاقته مع المجتمع وقضاياه الوجودية.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى المدارس النّموذجية التي تولّت إعداد الطلاب وتأهيلهم بشكل فعّال لخدمة الاقتصاد الصناعي في أوائل القرن العشرين، لقد وظفت هذه المدارس كما يشير كالاهان (R. Callahan,1962) لنقل مجموعة متجانسة من الحقائق والمعارف للطلاب. وتمثلت أهداف هذه المدارس في قولبة الطلاب ضمن نموذج معرفي موحد يفرض على الطلاب معرفة واحدة ضمن منهج قياسي واحد. وقد تم تنظيم هذه المدارس وتشغيلها بطريقة مماثلة لما يجري في المصانع والورش الإنتاجية، وهذا التنظيم المدرسي سهّل على الطلاب – إن لم يكن قد فرض عليهم – أن يكونوا مجرّد عمال مؤهلين للعمل في المصانع والمعامل والورش الصناعية (R. Callahan, Education and the CultofEfficiency, 1962).
والحل أنّه، عندما ننظر في تحديات القرن الحادي والعشرين، وموجبات الحياة فيها وما تتطلبه من معارف ومهارات وخبرات ومعلومات ضرورية للعيش فيه، يتوجّب علينا أن نفكر في مطالب الإبداع وضرورات الابتكار والتجديد والتفكير النقدي في أعلى مستوياته لمواجهة التحديات وحلّ المشكلات المكثفة عالية التعقيد كي نستطيع الحياة ومواجهة متطلباتها ومستجداتها بشكل أفضل[3].
ترى فاليري هانون(Valérie Hannon) في كتابها “الازدهار”(Thrive) أنّ نجاح التعليم التقليدي يقاس بمدى النجاح المتحقق في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وينظر إلى هذا التعليم بأنه جيد لأنه يتيح للمعلمين فرصا تنافسية من أجل الوصول إلى وظائف أفضل في سوق العمل. ولكنّ مثل هذا التعليم بدأ يفقد جدواه كليا في هذا الزمن، حيث أصبحت الغاية من التعليم هي تحقيق النمو والازدهار في عالم يتغير باستمرار ويثور بصورة متواصلة.
حتى الآن اعتدنا على التوقع بأنّ التقدّم التكنولوجيّ للثورة الصناعيّة الرابعة يتطلّب، بل يفرض فرضا ابتكار نظم تعليم عالمية جديدة وفعالة قادرة على مجاراة العصر، ولكن، وعلى الرغم من الاستثمارات الضّخمة التي وظفت في تكنولوجيا التعليم، فإنّ ذلك لم يجد نفعا ولم يتحقّق التغيير المنشود. ويُعزى ذلك، ربّما، إلى التوتر بين القوى المتنافسة حول مسألة تفريد التعليم وتوحيد معاييره: فتفريد التّعليم يؤدّي إلى تلبية الاحتياجات المتغيرة والمواهب والاهتمامات الفريدة للتلاميذ والطلاب، في حين أنّ توحيد المناهج وتعميمها يشكل المحرك الأساسي للنموّ السريع، وانخفاض التكاليف، وزيادة الأرباح.
وتأسيسا على ما تقدّم يجوز لنا أن نستنتج أن العلاقة بين التعليم والتعلم، كما هي العلاقة بين المعلم والمتعلم، تأخذ طابعا إنسانيا انفعاليا، يتحسّس فيه الطلاب القدرة على تحقيق الأفضل في تحصيلهم وتكوين شخصياتهم. وإذا كنّا نريد في حقيقة الأمر لأبنائنا الحصول على مستويات عالية في التحصيل، فإنّ تحقيق هذا الأمر لا يكون من خلال المناهج الواحدة للجميع التي تقصر عن أداء هذه الغاية. ويستنتج من ذلك أيضا أنّ ما يتحقّق من مستويات عالية في التحصيل لا يعني أن الجميع يصل إليها بطريقة واحدة. ومن المعروف، كما أشرنا أعلاه، أنّ المناهج الموحّدة تعني تكرار العملية التربوية بكلفة أقلّ. وهو المبدأ الذي يؤسّس للمجتمع الصناعي القائم على خفض التّكاليف وتوحيد النّتائج وزيادة الأرباح.
يتميّز النّموذج التعليمي المعياري الموحّد للتعليم (Le modèle standard de l’éducation) الذي يتم فيه توزيع المعرفة الموحّدة المعيارية التي تشكل موضوعا أو مادة يختبر الطلاب بها. ويشكل هذا القطاع سوقا كبيرا مثمرا لأرباح الشركات المتعددة الجنسيات التي تدعو إلى إصلاح التعليم. وهذا ما يؤكده أستاذ جامعة هارفارد باسيساهلبيرغ(PasiSahlberg) الذييرى أنّ ما يسميه حركة الإصلاح العالمية (Global Education ReformMovement, ou GERM) تؤكد أهمية اعتماد النظام التعليمي على آليات السوق نفسها. لأن هذه الآليات تشكل – من وجهة نظر أصحاب هذه الحركة-اليوم أفضل مسار ووسيلة ممكنة لتطوير النظام التعليمي المعاصر،وبعبارة أخرى يكرّس التيار الإصلاحي في مجال التعليم الآليات نفسها التي تعتمد في عالم الأسواق والتجارة العالمية[4].
وبناء على هذا التوجّه المعلن من قبل الحركة العالمية، فإنّ خصخصة التعليم يجب أن تقوم على صورة المنهج المعياري الموحّد الذي يكافئ الطلاب الذين يحفظون ويتقنون الخبرات والمعارف التي يقرّرها المنهاج المدرسي. ويعكس هذا النظام التربوي صورة النظام الاقتصاد الصناعي في القرن العشرين. وهو اقتصاد يعتمد على المصانع وخطوط الإنتاج، وهو لا يستطيع أن يغذّي المخيال الإنساني ولا أن يشجع السمات الإبداعية في التعليم.
يذكر تقرير من مجلة “وايرد”(WIRED)كيف تخطّط شركة بيارسون(Pearson)[5]، وهي شركة صناعية تعليمية كبيرة والمستثمر الأساسي في شركة (Bridge) التعليمية -لغزو العالم من خلال نموذج التعليم الموحد. وهنا يجب علينا أن ندرك بوضوح أنّ توحيد المعايير التربوية سيكون أمرا حيويا لنجاح هذه المشروعات الكبيرة، ولأنه من دون ذلك، يصبح من المستحيل زيادة وتوليد الأرباح اللازمة لدعم المصالح الخاصة[6].
وعلى خلاف هذه الصورة فإنّ التعليم في القرن الحادي والعشرين يقوم على عنصرالابداع والابتكار والقدرة على الاكتشاف، حيث يترتّب على البشر فهم الذكاء الاصطناعي والتنافس مع الآلات والروبوتات المتشبّعة بالذكاء؛ وهذا يعني أنّ نظام التعليم القائم حتى اليوم لا يساعد على تزويد الطلاب بالخبرات والمهارات والقدرات التي يحتاجونها لمواجهة التحديات المتوقعة في القرن الحادي والعشرين.
وعلى المستوى الاقتصادي تبيّن التقديرات العالمية أنّ قطاع التعليم العالمي هو الأكبر في العالم بعد القطاع الصحي، وتقدر قيمة الحركة الاقتصادية في السوق حسب تقرير منتدى وادي السيليكون العالمي (GlobalSiliconValley) بمبلغ 6.3 تريليون دولار بحلول عام 2020. ومع نمو سكان العالم تتقدّم صناعة التعليم بوصفها صناعة مستدامة تتّسع كلّ يوم مع قدوم أجيال متجددة من الطلاب والتلامذة[7]. ويلاحظ في هذا السّياق أنّ تكاليف هذا القطاع تتمثل بشكل أساسي في التدريب والعمالة التربوية، والتّوظيف، وتأهيل المعلمين، وإنتاج الكتب والمناهج والأجهزة، فضلا عن الإنفاق الكبير في تهيئة البنية التحتية الضرورية للعملية التربوية في هذا القطاع التعليمي.
وكنتيجة طبيعة لهذا الواقع الاقتصادي للتعليم، يدعو البنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبعض الحكومات والشركات الخاصة إلى هذا النوع من الإصلاحات التربوية حيث يُنظر إلى التعليم على أنّه فرصة لزيادة رأس المال البشري إلى أقصى حد، وذلك دون اهتمام بدور التعليم في بناء القيم الثقافية وتحقيق الازدهار والتكامل الثقافي في المجتمع، بحيث تقتصر التربية على المنافسة السوقية والقيمة الاقتصادية المادّية فحسب. وبعبارة أخرى يتمّ تغييب الجانب الإنساني في العملية التربوية.
ومن المؤكّد أنّ هذه الإصلاحات الرأسمالية في التّعليم تخطف التعليم من أهله (المدرسون والطلاب والجمهور)، وتجعله سلعة مفتوحة للتجارة والاستثمار والربح والتّوظيف، حيث تعطى الأولية للربح والاستثمار، ويتمّ إهمال الاحتياجات الحقيقة للمجتمع في تحقيق النمو الإنساني والأخلاقي والروحي في المجتمع. ونتيجة لذلك، أصبحت المصالح التجارية القوة الدافعة وراء تطوير تكنولوجيا التعليم وأنظمة التعلم الرقمية، وهو الأمر الذي يعيق عملية تطوير التعليم والنهوض الاجتماعي. ومع الأسف، ما زالت الممارسات التربوية الرأسمالية التي عرفناها في القرنين التاسع عشر والعشرين تمارس ضغوطها وهيمنتها في العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين، مع أنّه من المفترض العمل على تطوير التعليم والمناهج والأنظمة التربوية القائمة وتغييرها جوهريا لمواجهة التحديات الكبيرة التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة تلك الثورة التي تعتمل في قلب الألفية الثالثة الجديدة.
البنائية أو التعليم المبني على البرهان:
هذه الوضعية المعيارية للتعليم الموحد تجعلنا نتساءل عن البدائل. ومثل هذه البدائل ممكنة في المستويين المادي والتكنولوجي على حد سواء. فالنموذج المعياري للتعلّم المدعوم من قبل الشركات التجارية مثل بيارسون يعتمد التعليم الذي يعتمد على التلقين أو تحويل المعرفة (Instructionnisme)، ويمكن اقتراح التعليم البنائي (Constructivisme) بدلا عنه، وهو التعليم الذي يقوم على النظريات البنائية عند جان بياجيه(Jean Piaget)وفيكوتسكي(LevVygotsky)، وغيرهما من المنظرين البنيويين في مجال التربية.وهذا يعني أنه في الوقت الذي ينظر فيه إلى التربية بوصفها عملية نقل للمعرفة، فإن البنائية ترى أنّ التعليم هو إعادة بناء للمعرفة، حيث يكون التعلم اختبارا دائما يقع في سياق مهني واجتماعي، ويمكن التعبير عن هذه الوضعية بالقول إنه نوع من التعليم الذي يقوم على العمل أي: التعلم بالخبرة والعمل والبرهان معا.
ومن أجل المزيد من التّوضيح يمكن القول إن المعرفة النظرية في طرق التدريس في النموذج المعياري (مناهج موحدة (، تكون مستقلة ومنفصلة عن الواقع، أي: عن الحالات التي يتم فيها تعلمها واستخدامها. وعلى خلاف ذلك فإن التّعلم البنيوي (الإدراكي) يؤكد على الصلة العميقة بين المعرفة والواقع، أي: بين المعرفة والنشاطات الفعلية التي ترافقها حيث تتم العملية التعليمية في سياقات النشاط والفعالية المعرفية والإدراكية للمتعلمين[8].وهنا يأخذ التعليم صفته الاجتماعية بحيث لا يكون منعزلا، إذ يتعلم الأفراد ضمن عملية الاندماج الاجتماعي، وذلك كنتيجة طبيعة للنشاطات الجماعية التي يقومون بها ويتشاركونها أثناء التعلم. فالمتعلمون ضمن هذا السياق يتفاعلون ويتعاونون ويناقشون القضايا التي يتعلمونها كما أنّهم يتشاركون هذه المعرفة خلال أداء المهمات التعليمية[9].
وعلي سبيل المثال يمكن لطلاب اللّغات التعلم من خلال القاموس من أجل زيادة منسوب مفرداتهم. ولكنّ هذا النوع من التحصيل اللغوي يتصف بالانعزالية ولا يقدّم إلا جانبا واحدا من اللغة وهو زيادة المفردات. وعلى خلاف ذلك عندما يتكلم المتعلمون مع أحد المتحدثين الأصليين للغة، فإنهم يتعلمون أشياء جديدة مهمّة حول كيفية استخدام هذه الكلمات في الثقافة الأصلية وكيفية استخدام الكلمات في التفاعلات الاجتماعية اليومية.
فالبنائية ليست فكرة جديدة أو نظرية محدثة، إذ تعود إلى أوائل القرن العشرين ومن مؤسّسيها الكلاسيكيين: جان بياجيه، وليف فيجوتسكي، وجون وديوي. وتركز المناهج البنائية في التعليم على فنّ التدريس وفنّ التعلم من خلال تحفيز الطلاب على حل المشكلات وحثّهم على التفكير في أعلى مستوياته، كما أنّها تعزز مفاهيم الإبداع والتعاون والتفكير النقدي، وتشجّع على استخدام التقنيات النشطة (الخبرات العملية، وحل المشكلات في العالم الحقيقي) لخلق مزيد من المعرفة، ومن ثم تشجيع المتعلمين على تقييم ونقد ما يفعلونه وما يتعلمونه، وكيف يشعرون بالتغير الحادث في وعيهم ومعرفتهم للأشياء. وعلى هذا النحو يمكن أن نطلق على الطلاب الذين تعلموا وفق هذا المنهج بـ “المتعلمين الخبراء”. ويقوم هذا الوصف على ما يمتلكه الطلاب من وحدة الفهم والعمل حيث تشكل المفاهيم إطارا نظريّا يوجه نشاطاتهم وأفاعيلهم في دائرة الحياة العملية وضمن مختلف المواقف التعليمية والحياتية على حد سواء. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التعليم يقوم على أساس احتياجات المتعلمين وميولهم بالدرجة الأولى.
ومن المؤكّد أنّ اعتماد المنهج البنائي في العملية التربوية يمثل ركيزة للإبداع والاستكشاف، وهو مع ذلك لا يساعد في تحقيق أرباح مالية كبيرة لأصحاب المصالح كما هو الحال في الاتّجاه المعياري حتى الآن، فالبنائية تعتمد على جهود التحفيز وعلى التعلم القائم على المشاريع والبناء، حيث يشارك المتعلم بوعي في بناء هويته العامة في وضعية يكون فيها التركيز على التعاون بدلا من المنافسة.
فشركة “ليغو” (LEGO)، وهي شركة دنماركية متعددة الجنسيات متخصصة بإنتاج الألعاب التربوية للأطفال، تعتمد أساليب التعلم البنائية في مختلف منتجاتها التربوية. ومن من أشهر منتجاتها لعبة”ليغو”، ومن أهم الشعارات التي تطرحها هذه الشركة: “العب جيدًا” باللغة الدنماركية، و”أنا أتعلم” باللاتينية، و“ألعابنا تجعل الأطفال أذكى”. ومن المعروف أنّ تلك الشركة تقوم بإنتاج المربعات والمكعبات والقطع الملونة الصغيرة التي يتعلم الأطفال من خلالها، وقد أصبحت هذه الألعاب جزءًا مهمّا في العملية التعليمية للأطفال. وهذه الألعاب تعتمد كلّيا على المنهج البنائي في التربية. وهناك عدد آخر من الشركات التعليمية الجديدة العديد التي تعتمد على التكنولوجيا في تصاميمها، وقد بدأت تعتمد المنهجية البنائية في إنتاجها التربوي.
وتتجلى مناهج التعليم والتعلم باستخدام مبادئ البنائية في صور وصيغ متعددة. وعليه فإنّه يتوجب على المعلم المتخصّص اختيار النماذج الملائمة وتعديلها لتلبية احتياجات الطلاب وأهدافهم التعليمية. وفي هذا السياق تندرج رؤية لاري روزنستوك (LarryRosenstock)، المدير المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة (High Tech High)، الذي أطلق شبكة من المدارس الخاصة المعتمدة في سان دييغو في الولايات المتحدة التي رفعت شعار ” المعلم بوصفه مصمما للبرامج التعليمية”[10].
ويقدم ميتشل ريزنك(MitchelResnick) أستاذ أبحاث التعلم في مؤسسة (MITMediaLab)، أمثلة ملموسة في حول التعلم باللعب موضحا أن أفضل خبرات التعلم لشخص ما تأتي في اللحظات التي كان يشارك فيها في عملية التعلم ضمن سياق الأنشطة التي يحبها ويرغب فيها. ولذا، وبدلا من اعتماد طرائق قاسية ومزعجة، يمكن اعتماد أساليب مشوقة وجذابة. وقد بيّنت بعض الدراسات أنّ الشباب الذين لديهم اهتمام محدود في الفصول الدراسية التقليدية غالباً ما يظهرون تركيزًا كبيرًا عندما يشاركون في مشاريع تهمّهم حقًا. ويلاحظ في هذا السياق أن المتعلمين يقدمون على الأنشطة الصعبة طالما ترتبط هذه الأنشطة ارتباطًا وثيقًا باهتماماتهم وشغفهم[11].
وفي هذا السياق يطرح فوسوغيوبيفان (VossoughietBevan, 2014) في مقالة لهما نشرت ضمن الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطبّ ثلاثة قضايا تتعلّق بالفعالية التربوية البنائية [12].
أولا- كيف يمكن لعملية المشاركة أن تساعد المتعلمين الشباب على تنمية ذكائهم ونموّهم العقلي وتعزيزهويتهم وتصوّراتهم المستقبلية؟
ثانيا -كيف يمكن تنظيم البرامج وتنفيذها بطرق تشجّع عملية التعلّم والفهم عند المتعلمين عن طريق التنسيق بين العلوم ووضع مفاهيم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في سياقها من خلال أنشطة مجدية تربط بين ممارسات متعددة؟
ثالثًا -كيف يمكن تحقيق التنسيق بين البرامج التي تهف إلى تحفيز المتعلمين وتنمية ومهاراتهم وتحقيق وأهدافهم المشتركة، ومن ثم تشجيع التعاون والتفاعل بين المتعلمين الجدد والقدامى؟
خلاصة:
يبيّن الفحص النقديّ للتطورات الحادثة في ميدان الثورات التكنلوجية أنه يمكننا أن نتوقّع التغيرات الجارية في طبيعة العمل ومستقبله، كما يمكننا التنبؤ بأهمّ التحديات التي تطرحها هذه التغيرات في ميدان التوظيف والأمن الوظيفي، وفي مجال العلاقات الاجتماعية لعدد كبير من الجماعات الثقافية والاجتماعية.
ويبدو لنا أنّه من الصعوبة بمكان التنبؤ بدقّة باللحظات التي تؤدّي فيها هذه التغيرات إلى اختفاء الوظائف لصالح الروبوتات المؤتمتة أو التنبؤ بالوظائف الجديدة التي ستظهر مع تقدم تكنولوجيا الأتمتة الذكية، كما أنّه لا يمكننا تصوّر هذا النمط المحتمل من الوظائف التي ستولد بتأثير الذكاء الاصطناعيّ المنتظر. فالعلوم تؤكد اليوم أن الإنسانية ستواجه في مجرى القرن الحادي والعشرين تحدّيات وجودية تتمثل في التغيرات المناخية، والنمو السكاني، وشيخوخة السكّان، وتنامي اللاّمساواة بين الناس، ومقاومة المضادات الحيوية، وتنامي الأيديولوجيات.
ومثل هذه التحديات الجسام تتطلب تدخّلا إنسانيا لتحفيز هذه التحولات الجديدة، وتوجيهها في مسارات إنسانية، ولاسيما في مجال التربية والأنظمة التعليمية حيث يجب الاستفادة من القدرات الذكية للخبراء والقيادين في توفير تربية نوعية قادرة على احتواء التغيير القادم وتوجيه مساراته ضمن الغايات الإنسانية المرغوبة. وهذا يتعلّق بتدخل إنساني يعزز الاتجاهات التربوية الشاملة وتجارب التعلّم المتميزة والمستمرة وتوظيفها في مواجهة التحديات والمخاطر التي يمكننا تحديدها وتوقّعها في المستقبل.
إنّ تربية نوعية شاملة وعادلة على مدى الحياة ومن أجلها، سواء أكانت مدرسية رسمية أم غير رسمية، رقمية أم غير رقمية، ستكون حيوية من لتحقيق الازدهار الاجتماعي في مستقبل لم تتحدد معالمه بوضوح. فالنّموذج التّربوي الذي عرفناه في القرن العشرين، الذي يعمل بقوّة غرس المعلومات في الوعي في سياق مناهج موحدة مصممة لإنتاج قوة عمل للوظائف التي لم تعد موجودة، لن يكون كافياً لمواجهة التحديات المقبلة. فوظائف المستقبل ستكون تلك التي لا تستطيع الآلات فعلها: لأنّها تعتمد على الاستكشاف والابتكار، وتنطلق عبر مقومات التفاعل الاجتماعي، والمهارات البدنية، والتعاطف، والإبداع، والتعاون. وفي مجرى القرن الحادي والعشرين ستحتاج الإنسانية إلى علماء ورياضيين ومهندسين وفنانين عمالقة لابتكار الحلول الناجعة لمشاكلنا الأكثر إلحاحًا. وهذا يتطلب من الجميع تعلّم التعايش مع الآخرين الأقربين والبعيدين. وستكون الحاجة أكبر إلى تزويد المتعلمين بالمهارات والمعرفة الإبداعية التي يحتاجون إليها لإعادة بناء المجتمع على نحو جديد بطريقة تمكنه من مواجهة التحديات التي تداهمه[13].
وباختصار، فإنّ التعليم التقليدي، حتّى أكثره حداثة، هو تعليم مبنيّ على المعلومة وآليات تحصيلها. ومثل هذا النمط من التعليم لم يعد صالحا في زمن الثورة الصناعية الرّابعة. ويمكننا في هذا السياق أن نستلهم طريقة «التعليم البرهاني التّكامليّ المستمر» التي وضعتها اليابانية (يوشيكونومورا)، وهو نوع من التعليم الذي يتجه نحو التحوّل من التعليم المبنى على المعلومة إلى التعليم الذي يؤسّس على الحكمة، أي من التعليم الذي يركز على المعرفة العقلية إلى تعليم شامل يعنى بعملية بناء الشخصية ككل، ومن التعليم الذي ينقل الثقافة التقليدية إلى التعليم المعني بخلق ثقافة جديدة تناسب العصر، ومن التعليم المرتبط بسنوات المدارس إلى تعليم متكامل مستمر على مدار العمر. ومثل هذه النظرية تؤمن بأنّ كل شيء في الحياة هو مادة للتعليم الذاتي وأنّ تعليم الطفل يجب أن يصاحبه تعليم الوالدين والمدرّسين أيضاً.[14]
[1] – ألفين توفلر، تحول السلطة، المعرفة والثروة والعنف على أعتاب القرن الحادي والعشرين، ترجمة لبنى الريدي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995. ص 436.
[2]-Optimizing Learning: Implications of Learning Sciences Research, OCDE, Avril 2008. t.ly/agDo
[3]– Graham Brown-Martin, L’Éducation et la quatrième révolution industrielle, Préparé pour Groupe Média TFO, août 2017. https://t.ly/zTGG
[4]– How GERM is infecting schools around the world, Washington Post, juin 2012. https://t.ly/Bi2J
[5]-بيارسون: هي شركة نشر وتعليم بريطانية متعددة الجنسيات مقرها الرئيس في لندن، وتعد أكبر شركة تعليم ونشر للكتب في العالم.
[6]– Pearson’s Quest to Cover the Planet in Company-Run Schools, WIRED, avril 2016. https://t.ly/ndUM
[7]– 2020 Vision: A History of the Future (GSV, 2015) http://gsv.com/2020-vision/
[8]– Brown, Collins, et Duguid, Situated Cognition and the Culture of Learning, 1989, t.ly/llo4
[9]– Graham Brown-Martin, L’Éducation et la quatrième révolution industrielle, Préparé pour Groupe Média TFO, août 2017. https://t.ly/zTGG
[10]– Larry Rosenstock, High Tech High, Teachers as Designers: https://vimeo.com/105605942
[11]– Resnick M., Edutainment? No Thanks. I Prefer Playful Learning, MIT, décembre 2013. https://t.ly/6LOT
[12]– Vossoughi S., Bevan B. Making and Tinkering: A Review of the Literature https://bit.ly/38ee6qJ
[13]– Graham Brown-Martin, L’Éducation et la quatrième révolution industrielle, Préparé pour Groupe Média TFO, août 2017. https://t.ly/zTGG
[14]– خالد سعد النجار، أزمة الثقافة العربية المعاصرة، موقع إسلام ويب، تاريخ النشر:04/10/2015 http://bitly.ws/9rC8
41 تعليقات