قراءة في كتاب رأسمالية المدرسة في عالم متغير

مراجعة ونقد: د. صابر جيدوري

عندما وقعت على كتاب المفكر السوري العتيد الدكتور علي أسعد وطفة (رأسمالية المدرسة في عالم متغير: الوظيفة الاستلابية للعنف الرمزي) الذي صدر أخيراً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، امتلكني إحساس عميق وشامل بالسعادة وغمرتني حالة من النشوة الفكرية لاقتناعي الفائق بأن الكتاب يحمل في طياته رؤية نقدية جديدة لوظيفة المدرسة في عالم ما بعد العولمة والحداثة. وعلى الأثر بدأت رحلة هادئة أتمعن فيها في صفحات الكتاب وأطوف بين معانيه استكشافا للنظريات والأفكار والدلالات التي ينطوي عليها. وإنني بعد الاطلاع المعمق على مضامين الكتاب واستكشاف الغنى الكامن بين دفتيه أغتنم هذه الفرصة لأزف إلى المؤلف تهنئة صادقة على ما يحفل به كتابه هذا من طفرات فكرية نقدية تتسم بالعمق وتتميز بالأصالة الفكرية في تداول رشيق للعلاقات الحيوية بين الرأسمالية والمدرسة.

وليس ثمة غرابة أو مغامرة في أن يخوض المؤلف الدكتور وطفة خوضا نقديا إبداعيا في قضايا المدرسة والعولمة والثقافة، لما عرف عنه من حصافة فكرية ونزعة نقدية وروح ثورية جعلته من أكثر المفكرين العرب في مجال علم الاجتماع التربوي قدرة على تناول القضايا الفكرية التربوية المعاصرة تناولا فذا وأصيلا بحكم خبرته الطويلة وأصالته العلمية وانتسابه إلى المدرسة الفرنسية النقدية لعلم الاجتماع النقدي الجديد بزعامة المفكر النقدي الكبير بيير بورديو الذي أسس فضاء فكريا متجددا وحداثيا للعلاقة بين التربية والحياة السياسة الرأسمالية.

يلامس المؤلف في كتابه (رأسمالية المدرسة) أكثر قضايا التربية والتعليم حساسية وجوهرية في عصر التقانة والصيرورة والمال ودورة الرأسمالية الجديدة. يقع هذا الكتاب في ثمانية فصول وخاتمة، امتزج فيها الفكر بالخبرة، وتخاصب فيها التأمل بالرؤية الناقدة. والكتاب يتناول جوهريا الدور الاستلابي للمدرسة في النظام الرأسمالي الجديد، كما يتناول الوظيفة الطبقية لمنهاجها الخفي الذي يتجلى في صيرورات العنف الرمزي والرسائل الصامتة بوصفها قوة تستهدف الجوانب الإنسانية في المدرسة وتدمرها. فالمدرسة كما يقدمها الكاتب تحولت في عصر الرأسمالية الجديدة إلى أداة إنتاج رأسمالية وصارت جهازا لإنتاج وإعادة إنتاج النظام الرأسمالي في حلته الجديدة، حيث تمارسوظيفتها الطبقية والأيديولوجية وفعالياتها في عملية الاصطفاء التربوي بأوسع معانيها. والكتاب في تتابع فصوله يتناول الدور الرأسمالي للمدرسة في عصر العولمة والميديا بوصفها نموذجا جديدا للمدرسة المدججة بالتكنولوجيا والتقانة، كما يتناول عمليات الاستلاب والصراع الطبقي في فضاء المدرسة.

والمؤلف لا يقف عند حدود وصف الفعاليات التربوية والعلاقات القائمة ما بين المدرسة والأنظمة الاجتماعية الرأسمالية الجديدة بل يتجاوز هذا كله ليقدم رؤية مقترحة جديدة لمدرسة أكثر أنسنة وعدلاً. ولعله من العسير على المرء في حدود هذا المقال أن يفي المؤلف وكتابه حقهما من التقدير والتعريف، وبخاصة حين وجدت بعد قراءتي أن ما يجمع بيننا من رؤى وتوجهات في قضايا التعليم أكثر بكثير مما نتباين فيه. ونظراً لأهمية موضوع رأسمالية المدرسة، واستمتاعاً بما أورده المؤلف حول هذا الموضوع من منظور مبدع، فإنني سأقدم قراءة نقدية للكتاب أبرز فيها مختلف المعاني والدلالات والأفكار مغنيا هذه الأفكار ببعض التصورات النقدية على بعض ما أورده المؤلف من أفكار ورؤى في هذا الكتاب المتميز.

مقالات أخرى

قراءة في كتاب: البينيّة في الأكاديميا العربية والإسلاميّة من الاختبار التقني إلى المسؤولية الحضارية

الطاقة الاستلابية للعنف الرمزي في المنظور التربوي عند علي وطفة

تقديم كتاب:”خطاب الاستعراب بتونس في عهد الحماية، الخصائص والخلفيّات” لنجاة قرفال

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد