التكفل بذوي اضطرابات التعلم في الجزائر …ضرورة ملحة

لتكفل بذوي اضطرابات التعلم

غالبا ما نجد أن ظهور الداء يقابله بروز مجهودات متفاوتة المنحى لاحتواء هذا الداء على الأقل ، لكن في حالة ما نتناوله في مقالنا هذا حول صعوبات التعلم أو ما يسمى اضطرابات التعلم كمصطلح علمي جديد فإن المظاهر موجودة والنتائج ملموسة لكن المبادرات و الاجتهادات لعلاج الوضع شبه معدومة في الوطن العربي وقل أنها معدومة تماما في الجزائر ولا تستحي .

    إن مصطلح اضطرابات التعلم كخلل وظفي في الدماغ ، و في توجه هذا المفهوم الجديد ، قد حاد عن كثير من الهفوات والأخطاء والشوائب التي كانت تحيط به أول مرة ، والتي عرقلت بروز ملامحه الصحيحة في الساحتين التربوية و الطبية معا ، ولعل القارئ الكريم يرى بوضوح أن الدليل الإحصائي التشخيصي للاضطرابات النفسية والعقلية في طبعته الخامسة الأخيرة (dsm5 ) ، قد بين وبوضوح ما أحاول الإشارة إليه ، واصفا اضطرابات التعلم باضطرابات نوعية وخاصة في التعلم .

    مما لا شك فيه هو أن هناك جذور تاريخية تناولت اضطرابات التعلم وفسرتها طبيا وعصبيا ، لكن لا ننكر وجود مدارس أخرى حاولت أن تقزم وتحصر اضطرابات التعلم في المنحى التربوي الخالص ، متجاهلين في ذلك خطورة الوضع و تداعياته على هذه الفئة حاضرا ومستقبلا ، لا لشيء فقط لأنهم ركزوا على ما هو نظري بحت ، فكان ذلك على حساب التطبيقي والتجريبي في هذا الميدان الخصب .

     في عملية تشخيص اضطرابات التعلم ، يتوجب علينا أن نصنف هذه الاضطرابات مباشرة بعد التشخيص كي لا تتداخل علينا الأمور ، ونباشر عمليتي التكفل والإرشاد المتبوعة بالعلاج ، فنقول أن التلميذ (ي) يعاني اضطرابات التعلم في الحساب أو القراءة أو الكتابة ، كتصنيف يخص اضطرابات التعلم الأكاديمية أي في سن التمدرس ، أما عن النوع الثاني ونقصد بها اضطرابات التعلم النمائية ، وهي عكس النوع الأول أي قبل سن التمدرس أو ما قبل الأكاديمي ، فيجب التعرف في هذه الأخيرة على العمليات المعرفية والوظائف التنفيذية المضطربة وليست المصابة كما يشاع لأن هناك فرق بين الاضطراب والإصابة ، ولا بأس أن نقف هنا فيما أشارت الدكتورة طاشمة رضية أستاذة بجامعة تلمسان بحيث شبهت الاضطرابات بالجليد الذي يطفو فوق سطح البحر فالجزء الظاهر منه هو اضطرابات التعلم الأكاديمية (الأعراض) أما الجزء الكبير تحت الماء والذي لا يظهر علانية فيمثل اضطرابات التعلم النمائية (الأسباب) ، لكن في هذه النقطة نطرح عدة تساؤلات وهي أنه لتشخيص مرض ما تشخيصا دقيقا وعلميا لا بد من وجود أداة ، وفي ميدان اضطرابات التعلم لابد من توفر اختبارات نعتمد عليها في تشخيصنا وتصنيفنا الصحيح للاضطراب ، وعلى سبيل المثال إذا تحدثنا عن اضطرابات التعلم في الكتابة فيكاد الباحث في مجال اضطرابات التعلم في الجزائر يعتمد على ما يعتمد عليه أستاذ المدرسة الابتدائية فيقول أن التلميذ (ي) حسن الخط والتلميذ (ن) سيئ الخط وكفى ، إن صفحنا على أستاذ المدرسة الابتدائية فلعدم تخصصه ، ولكن كيف نصفح عن الباحث في مجال اضطرابات التعلم ، وإني  أقول الباحث لغياب المختص ، وفي المقابل نجد أن هناك اختبارات في الدول المتقدمة ، متخصصة لتشخيص عسر الكتابة عند التلميذ على سبيل المثال اختبار (بي أش كا BHK) ، مقياس التقييم السريع لعسر الكتابة وهو في نسختين للأطفال و حتى للمراهقين.

    جل الاختبارات النفسية المستوردة من الخارج محل انتقاد الكثير من الأخصائيين والباحثين في المجال النفسي في الجامعات الجزائرية ، لكن انتقادهم يبقى بصفة محتشمة بقدر أننا لا نستطيع أن نطلق عليه اسم انتقاد ، هذا بشكل عام ، لكن في موضوعنا فإن فئة اضطرابات التعلم في الجزائر أصبحت قضية قبل أن تكون اضطراب لأنها أصبحت تمس التسرب المدرسي من جهة و القضاء على الموهبة في مهدها ، فيصبح التلميذ الذي هو شعلة المستقبل ضحية القسم ، في غياب الاختبارات المتخصصة والمكيفة مع البيئة الجزائرية ومع اللغة العربية باعتبارها اللغة الأولى ، وفي غياب الأخصائيين في اضطرابات التعلم ، وفي غياب كذلك مصطلح غرفة المصادر عن الساحة التربوية ، ولاختلاط دور القسم المكيف وتكييفه حسب أهواء المدراء والجهة الوصية ، وإبعاده عن الدور الذي وجد له و خلوه من المختص الذي جند له ، لا وبل غياب حتى التوعية عبر وسائل الإعلام  كأضعف الإيمان في حق هذه الفئة .

      إذن التكفل بفئة اضطرابات التعلم في الجزائر ، أصبح ضرورة حتمية ، تأجيلها المستمر لا يزيد إلا الطين بلة ، وأضحى الأمر يتطلب تكاثف الجهود بين ثلاثة محاور أو ثلاثة ركائز رئيسية متمثلة في الوالدين في المنزل بالدرجة الأولى و المعلم في القسم و الأخصائي في اضطرابات التعلم في مكانه المناسب ، وبتزكية فعلية من الوزارة الوصية ، لا لشيء فقط لأن معاناة هذه الفئة في صمت رهيب ، ولسان حالهم يقول “أريد أن أتعلم ، لكن افهموني” ، لا بد أن تجد صدى ولا بد لليل أن ينجلي ، فهل الدراسات الميدانية الجامعية التي تتكلم بلغة الأرقام والتي تثبت أن فئة اضطرابات التعلم فعلا  تنادي بصوت عال في الجزائر وتصرخ هل من مغيث ، وعلى سبيل المثال الدراسات التي تشرف عليها الدكتورة عطار سعيدة بجامعتي ورقلة و تلمسان ، ستبقى حبر على ورق أم هناك من سيوقف هذا الأرق .

مقالات أخرى

التربية الجنسية في الفلسفة الكانطية

صابر جيدوري : ثنائية الفرد والمجتمع وانعكاساتها التربوية

ثنائية المعرفة: من العقل إلى التجريب

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد