لا يمكن لأحد أن ينكر دور الظلم و الجور المطبقين على الشعوب في تخلفها و جهلها و عطشها للدماء و فشلها و خيبتها و حروبها الأهلية و نشوء جماعات داعشية أو شبه داعشية فيها، و لكن الظلم يبقى سببا بين الاسباب و عاملا بين العوامل. إن الظلم المطبق من قبل الحكام على الشعوب لا ينشئ بالضرورة جماعات داعشية إلا إذا كانت ثقافة المجتمع و إرثه “الحضاري” مهيئين لنشوئها، إذ لا يتوقع أن نشاهد جماعات متشددة بوذية نافذه سافكة للدماء في ربيع كوري شمالي مثلا، و الدول التي أنشأت داعش لتهدم مجتمعاتنا، لم تستطع أن تدفع بوذيا أو هندوسيّا أو مسيحيّا في بعض الدّول النّامية غير الأوروبيّة، أو سيخيّا أو كونفوشيوسيّا واحدا إلى تفجير نفسه أو قطع رأس من يخالف فكره أو حرقه “حيّا، ثم سبي امرأته و قتل أطفاله بأشنع الطّرق تحتَ صيحات تكبير لإلهه الذي يؤمن به!؟…..
من الظلم أن يلقي المرء كل شيء على داعش و على الغرب الذي صنع داعش، الصف الأول في داعش لابد و أن يكون صنيعة مخابرات العالم تماما كما كان الصف الأول في القاعدة أمثال عبد الله عزام الذي خرج من فلسطين “مجاهدا” في شرق الأرض بعيد عن أرضه و مقدساته المحتلة، و لكن ما بعد الصف الأول هم مجرد قطيع جاهل يقتل باسم الله، و هنالك عشرات الملايين من قطيع القطيع يدعون لهم بالنصر. الآتي من كلامي لا يخص دين الله، بل مدّعي اتّباع دين الله، (ماذا فعل لكم شرع الله لكي تكرهوا تطبيقه؟).. جمله يرددها البعض كالببغاوات، و أنا هنا أكرر نفس السؤال عن داعش، ماذا فعلت داعش لنا لكي نحملها وزر ما يحدث أو لنعتبرها نتيجة “سيئة” لظلم سبق؟، داعش قطعت الرؤوس و هنالك من قطع الرؤوس بالمجان قبلها (مئة الف بسيف الحجاج وحده، باسم الله و نصرة لحكم خليفة المسلمين أيّده الله، و تحت سمع و بصر الكثير من الفقهاء أعزهم الله)، داعش علّقت الرؤوس بعد قطعها باسم الله، و هنالك من علّق الرؤوس بعد قطعها على أبواب المدن باسم الله، داعش صلبت بعد القتل باسم الله وهنالك قبلها من صلب بعد القتل باسم الله، داعش أغرقت باسم الله و هنالك من سبقها في القتل تغريقا باسم الله، داعش حرّقت باسم الله و كان قبلها من حرّق باسم الله.
داعش سبت و باعت السبايا في الأسواق باسم الله، و هنالك من سبقها سبيا باسم الله، حتى الصف الأول في داعش لا أعيب عليه عقد نكاحه مع مخابرات الغرب باسم الله، ذلك أنه ليس صاحب براءة هذا الإختراع، إذ أن كاهنا أتباعه عشرات الملايين من القطيع، اعتلى المنبر ليعلن جهارا نهارا أن الرسول لو كان حيا لوضع يده بيدهم، فما يضير حتى الصف الأول أن يتحالف مع الغرب اقتداء بالمسخ من الكهنة، عيب آخر أحمله على داعش و هي أنها سمّت نفسها “دولة خلافة” دون “تطبق المنهاج” كاملا بحذافيره، لم نر داعش يوما أتت إلى من “يجهر بنيّته للصلاة فاستتابته فإن لم يتب قتلته”… لم نر داعش يوما تفقئ عيون أعدائها و ترميهم في الصحراء لتلتهمهم الوحوش، لم نرها يوما قطعت رأسا و اشعلت فيه النار لتطبخ به طعاما، لم نرها يوما قطعت أطراف أحد أعدائها و اجبرته على تذوقه قبل أن تقتله، لم نرها يوما أتت إلى تارك صلاة فأكلت لحمه نيئا، لم نرها يوما ربطت رجلا “أو امرأة” بشاحنتي “تويوتا” متعاكستي الإتجاه لتسيرا معا فينشطر هذا الرجل “أو المرأة” إلى شطرين.. عندما تفعل داعش كل ذلك تكن قد أكملت المنهاج و تستحق عندها لقب “دولة خلافة”…
على فكرة، أنا اتفهم أنه من أصعب الأشياء و أكثرها ألما أن تأتي صاحب الوجه البشع لتضع أمامه مرآة، فبعيدا عن المرآة يستطيع هذا الرجل أن يحلم و أن يتخيل نفسه جميلا و أنه خير و أجمل رجل أخرج للناس، و لكن المرآة تحبط كل أحلامه و تخيلاته و تعيده إلى الواقع، و للإنصاف أقول، هنالك من يأتي إلى ذي الوجه الحسن فيضع أمامه مرآة مشوهة لتظهر وجهه قبيحا، نعم هذا يمكن أن يحصل، لذا يبقى السؤال هنا: كيف لنا أن نحكم على المرآة إن كانت سليمة أم مشوهة و بعدها نحكم على صاحب الوجه أحسن وجهه أم قبيح؟.. الميزان في الحكم “برأيي” يكمن في المادة التي بين يدينا، التراث بأكمله، لنقرأ التراث و لنحكم بأنفسنا… علما و أني كعبد من عباد الله أبرئ الله و رسوله و دينه الحنيف من جلّ ذلك التراث.