ملخّص:
لئن جرى “اللّامعقول” في بعض النّصوصِ النقديّة مجرى المصطلَح، فإنّ حضورَه فيها ما يزال مُشْكِلًا، ويحتاج إلى ضبط مفهوميّ دقيق يُخرجه من حال التداخل المفاهيميٍّ بينه وبين مجموعة من المصطلحات المُجاورة له دَلاليًّا، إذْ ما إنْ يدور حوله كلامٌ نقديّ حتى تُستدعى إلى جانبه مصطلحاتُ العجيبِ والغريب والمتخيَّل والخارق والفانتاستيكيّ استدعاء الترادُف، دونما إشارة من الناقد إلى ما يوجد بين هذه المصطلحات من تداخل دلالي يحتاج معه كلّ واحد منها إلى تعيينٍ مفهوميّ مناسبٍ للمقام التواصلي الذي استُعمل فيه.
ونقدِّرُ أن ذاك التداخل المفهوميّ هو ما وسم مصطلحَ اللّامعقول بضبابيّة دَلالية لعلّها كانت سببا في إحجامِ نفرٍ من النقّاد عن التكفّل بضبطِ تعريفٍ له دقيقٍ يختلف به عن غيره من الألفاظ المُحايثة له دلاليا، وتُخرجه من دائرة الترادف المفهوميّ معها. وهذا الضبط المفهوميّ هو ما يمثّل مدارَ فرضيّةِ هذا البحث الذي اخترنا له عنوان “دوائرُ اللامعقول: من تعدُّد المصطلَحات إلى وحدة المعنى”، واعتمدنا فيه المنهج الوصفي في تحديد الحقل الدلالي لكلّ مصطلح من المصطلحات المرادفة له، والمنهج المقارن للنظر في تشابكات معاني تلك المصطلحات وهي تجري في مدوّنة نقدنا العربي الحديث، ناهيك عن تبيُّن الجوهر الدّلاليّ المشترك بينها، والبناء عليه لتحديد تعريف اصطلاحيّ للّامعقول يُسهِّل على الباحث إجراءَه باطمئنان في توصيف ظاهرة أدبيّة بعينها.
الكلمات المفاتيح: اللّامعقول – العجيب – الغريب – الخارق – الفانتاستيك.
Abstract:
Although the term “unreasonable” appears frequently in critical Arabic texts, its idiomatic significance still needs to be considered and adjusted. As a result of many attempts to define it, it has evaded the definition. When critics dare to set a semantically distinct definition of the “unreasonable” from other terms which contradict it, we can even detect the presence of “fear” or something similar. An image of this problem can be seen in the apparent conceptual interference between a set of terms that are semantically adjacent to the unreasonable. Whenever there is a discussion about it, a set of these terms are mentioned as synonyms. We see, for example, that when they use the word “extraordinary” to describe a topic, it is synonymous with the words amazing, strange, imagined, absurd and fantasy without referring to the semantic interference or dissonance between these terms that require an understanding of their moral fields, their appropriate limits, and their correlations and inter-dissonances.
This represents the hypothesis of this research, for which we chose the title “The Literary Unreasonableness: Terminological Plurality and Meaning Unification”. When identifying the semantic fields of the previous terms, we followed a descriptive approach, and we used a comparative approach to examine the complexity of the meanings of terms in our Modern Arab Criticism blog. Additionally, the researcher will be able to identify an idiomatic definition of unreasonable that will assist him in performing the description safely when describing a particular literary phenomenon.
Key words: the unreasonable – the amazing – the strange – the supernatural – the fantastic.
1- مقدِّمة:
يصعب أن تخلو ثقافة من الثقافات البشرية، قديمها وحديثها، من مظاهر اللّامعقول، مهما زهت معقولات الناس فيها وربت، بل قُل إنّ اللّامعقول فيها لَيحضُر في الذّهن كلّما توهّجت نتاجات العقل الفنية والعلمية، فإذا هو صفة لكلّ فعل عقلانيّ يبلغ غايةَ الإتقان في كلّ منجَزٍ بشريّ. ولعلّنا واجدون، في أفق ما تروم هذه المقالة دراستَه، أمثلةً لحضور اللّامعقول في مصنّفات فكرية عربية كثيرة على غرار “تحفة الألباب ونخبة الإعجاب” لأبي حامد الغرناطيّ (ت565ه)، و”رسالة الغفران” للمعرّي (ت449ه) و”جامع كرامات الأولياء” للنبهانيّ (ت1350ه) و”خريدة العجائب وفريدة الغرائب” لابن الورديّ (ت749ه) وكتابات المتصوّفة مثل “التشوّف إلى رجال التصوّف وأخبار أبي العباس البستي” لابن الزيات التادلي (ت617ه) وغير هذا كثير. ولئن لم يمنع اكتظاظُ هذه المصنَّفات بمظاهر اللامعقول من التميّزِ والأصالة الفكريّةِ، فإنّ مفهومَه فيها لم يبلغ مرحلةَ التسمّي باسمٍ خاصّ به جامعٍ لشتاتِ دَلالته مانعٍ عنها كلّ ما ليس منها. وليس لنا من تبرير لذلك سوى القولِ إنّ طبيعةَ مضامين تلك المصنَّفات راجعةٌ إلى كثرة وَشائج القربى التي حكمت علاقةَ اللامعقول ببعض المصطلحات الأخرى، تلك التي تتماهى معه في الدَّلالة على كلّ ما هو غريب وخارقٍ وعجيب، فنراها تُنبِئُ به بالقوّة ولا تُسمّيه بالفعل. فما هي إذن تلك المرادِفاتُ التي تُزاحم اللاّمعقولَ في مفهومه داخل النصّ النقديّ العربيّ؟ وهل يمكن الخُلوص من تنوّعها وتقاطعاتها واختلافاتها إلى تعريفٍ دقيق للاّمعقول يُمْكن استخدامُه في المباحث النقدية الأدبية دونما قلقٍ من إمكان انزياحه المفهوميّ صوب أحيازٍ مصطلحية أخرى؟
2- تمهيد:
تُنبئُ أغلبُ الدّراسات النقدية الحديثة بأنّ استعمال مصطلح اللامعقول ظلّ فيها مشدودًا إلى معانٍ مصطلحية أخرى انشدادَ الجزء إلى الكلّ، فإذا الدّارسُ يرادف بين استعمال مصطلحات العجيب والغريب والخارق والفانتاستيكيّ في توصيف حالة أو مشهد مّا دونما تنبّه منه إلى ما يمكن أن يكون بين تلك المصطلحات من اختلافات دلالية. وهو أمرٌ لا يتّصل بمصطلح اللامعقول من حيث هو لامعقول فحسب، وإنما هو يشمل مصطلحات كثيرة تحضر في النقد الأدبيّ حضورًا يبلغ أحيانا حدّ الفوضى المفاهيمية. ومن صُور ذلك ما وقفنا عليه في كتاب “شعريّة الرواية الفانتاستيكيّة”[1] التي اجتهد كاتبه كلَّ طاقته لحدِّ مصطلح “الفانتاستيك” عبر النظر الفاحص لأغلب ما قيل فيه، وخاصة ما اقترح بشأنه تودوروف من مقاربات مفهومية. وعلى أهميّة هذا المُؤَلَّفِ البحثيّة، فهو لم يبلغ بالقارئ منطقة الحسم المصطلحي للفانتاستيك، ولم يُشر إلى الأسئلة التي تُثيرها علاقةُ هذا المصطلح المفاهيميّة بغيره من المصطلحات المحايثة له، نقول هذا استنادًا إلى زاوية النظر التي يصدر عنها مبحثنا، حيث ظلّ صاحبه يشير إلى اتساع مجال مصطلح “الفانتاستيك” والتقاء مكوّناته مع مكوّنات مصطلحات أخرى كالعجائبيّ والغرائبيّ والحكاية السحريّة، وذلك في شكل ارتباط شبكي لم يمنع من بقاء بعض الغشاوة تلفّ هذا المصطلح، حيث يؤكّد أنه “لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحكم النقديّ الذي سعى إلى تلمّس الفانتاستيك، بصرامة، ظلّ قاصرا، نسبيّا عن استيضاح المفهوم، الأمر الذي دعا مجموعة من المُنظّرين إلى إبداء اهتمام دقيق، سعى إلى ترتيب خارطة الفانتاستيك، وشفيعهم في هذا هو أهمّيته باعتباره تقنية وتشكيل ]هكذا[ يطعم الرواية الحديثة”[2]، وذلك من جهة أن الفانتاستيك يتوسّل “مجالات أخرى قريبة من مجاله، متخطّيا بذلك حدوده لارتياد آفاق جديدة ومتّصلة تشكّل خريطة ومهادًا يغترف منه”[3].
ويؤكّد الباحث في دراسته إبقاءَ الفانتاستيك متعلِّقًا بغيرِه من تلك المصطلحات التي، لئن كانت ذات حدود مرسومة، “فإن مكوّناتها لا تنفكّ تلتقي مع مكوّنات الفانتاستيك من بعيد أو قريب، الأمر الذي يُفضي إلى الحرص على تأكيد مدى اتساع المجال الفانتاستيكيّ، واشتماليته، من خلال قدرته على الاحتفاظ بعناصر أخرى يعزّز بها وجودَه كتشكيل يتضمّن خطابًا مُغايرا للخطاب الواقعيّ”[4] وهو ما جعل منه “ملتقى التخييل المتعدِّد”[5]. وعليه، ظلّ صاحب “شعريّة الرواية الفانتاستيكيّة” يتتبّع خيوط مفهوم الفانتستيك وهي تزداد عنده كثرةً، بل وتتداخل مع خيوط مفاهيم أخرى تداخُلاً يدفع إلى طرحِ مجموعةٍ من الأسئلة لم نجد لها حضورًا في عمله على غرار أنّ المفهوم حين يتّسع مداه يعجز عن أن يظلّ صافيًا، ومن ثمة تنشأ بينه وبين بعض المفاهيم الأخرى علاقاتُ جذبٍ واحتواءٍ تنتهي به إمّا إلى الذوبان في غيرِه وإمّا إلى إذابة غيرِه فيه. فهل قَدَرُ هذه المصطلحات أن تظلّ سجينة “اتساع مجالها” وتعالُقِها فيما بينها تعالُقَ ترادُفٍ لا يقبل الفطام أبدًا؟ وهل قدر اللغة العربيّة أن تظلّ دون الجهر بحدود الأشياءِ التي تُسمّيها، بل دون الوعي برسم خارطةٍ واضحةٍ لمجالات اشتغال كلّ لفظة منها؟
3- فوضى الحدود:
تشي الملاحظة القرائيّة بأنّ حَدَّ اللامعقول داخل البحوث الفكريّة يزداد اعتياصًا بازدياد تساهل بعض الباحثين في تسميته بالمصطلحات المُحيلة عليه، وضبط مجالات اشتغالها في حقول اشتغاله هو، من ذلك أنّ أحدَ الدارسين في الوقت الذي يُسمّي فيه اللامعقول “مذهبًا” يعود فيُسمّيه “فنًّا” وفي مرّاتٍ كثيرةٍ يرى فيه “منهجًا” دون وعيٍ منه بما لهذه الألفاظ من اختلافاتٍ في الدَّلالةِ كبيرةٍ يصعب معها أن تجتمع بسهولة في مفهومٍ واحدٍ دون أن تُشظّيه. وصورةُ ذلك إقرارُه بأنه قد تبيّن له “من خلال البحث في المسائل والقضايا الأعمّ التي يتناولها مذهب اللامعقول أنّه يشمل في رؤاه أو معالجاته أهمّ القضايا الكونية النّاجمة عن مختلف أشكال النّشاط الإبداعي الإنساني”[6]. وبعد الإقرار بمذهب اللامعقول، يعود هذا الدارس إلى تأكيد أنّه “حين ندرس فنّ اللامعقول تحليلا ونقدا وتطبيقا، لا نعني بهذا أنّنا ننشُد تكريس تجربة الفنّ والجمال غير الواقعيّ والعقلانيّ الذي تماهى في متاهات الفن العبثيّ الاغترابيّ بدءًا من ظهور ملامح الوعي الفنيّ ومحاكاة الإنسان لمظاهر الطبيعة الخارجيّة، وإنما نبغي كشف النقاب عن مصطلح اللامعقول لفظا ومعنى، تجربة ونتائج، تحليلا وتطبيقا”[7]. ثم هو يصرّ على أنّ اللامعقول مصطلح يحتاج إلى تجريب وتحليل وتأويل، بل إنّ اللامعقول عنده فنّ وذلك لكونه “يناقض كلّ نتاج غير معقول في حياتنا الواقعيّة”[8]. وظاهر أنّ عدم استقرار مفهوم اللامعقول في ذهن هذا الدارس دفعه إلى التساهل في تنويع أسمائه حتى بدت محاولة في حدّ اللامعقول تبدو مرتبكة وغير ناضجة بحثيًّا، على غرار قوله “يحسن بنا أن نطلق عليه [اللامعقول] “فنّ المتحوّل” من حيث أنه لا يبحث بحقيقة أمره عن اللامعقول فحسب، بيد أنه يتلمّس أيضا أهمّ القضايا الحياتية المعقولة، وذلك لإمكان دحر كلّ ما هو غير معقول”[9]. ولكي يزيد هذا الدارس من كشف ما لديه من ضبابيّة في تحسّس دَلالة اللامعقول والسيطرة عليه اصطلاحيًّا، يقرّ بكونه يرى “في منهج اللامعقول تفسيرا منطقيًّا يتبدّى في أنّ الروح هي الوعي بما هو كائن”[10]، وهو إقرار يزيد إلى ظلمة دوائر اللامعقول ظلمةَ دوائر الوعي والروح والكينونة.
ولا يخفى أنّ القولَ بحضور اللامعقول في ثقافتنا العربية أثار أسئلة لدى الباحثين منها “هل ينبغي أن تُعزى مكانة اللامعقول حاليا إلى حيرة العقل التي اشتدّت حتى أصبحت سمةً أساسية من سماتِه؟ أم هل يجب اعتبار اللامعقول خطرا يهدد البشريّةَ في أعقاب هذا القرن العشرين بعد أن أصابتها الألفيّة بالخرف؟”[11]. وتحت ضغط مثل هذه الأسئلة، هبّ أحد هؤلاء الباحثين إلى تأليف كتاب نقديّ وَسَمَه بـ”البحث عن المعقول في الثقافة العربية” قال فيه “يبدو أننا كعرب قد ارتضينا لأنفسنا للأسف الشديد الانسحاب من الحياة، وذلك حين أسرفنا في الحديث عن اللامعقول وارتضيناه دستورًا لنا في حياتنا التي نحياها”[12]. ويجد قارئُ الكتاب المذكور إلحاحَ صاحبه على “لامعقولية” الثقافة العربية. وهو أمرٌ يدلِّلُ على تضارب الآراء بشأن معقولية النتاج الثقافي العربي أو لامعقوليته تضارُبًا جعلَ نفرًا من نقّاد الأدب العربيّ الحديث يعودون إلى مدوّنتنا الثقافية العربية باحثين فيها عمّا يمكن أن يوصف باللاّمعقول، إمامُهم في ذلك ما حفل به الأدب الغربيّ من مظاهر فنيّة لامعقولة. فنراهم، حين يباشرون الكتابة في اللاّمعقول إبداعًا نقديًّا أو تعريبًا لأعمال نقدية غربية، يراوحون في ذلك بين مجموعة من مرادفات اللامعقول. فتارةً يذكرون في عملهم الواحد وضمن السياق الواحد ألفاظًا مثل اللامعقول والمحال والأسطوري وغيرها[13]، وتارة يتخيّرون لفظةً بعينها يستخدمونها في كامل عملهم مثلما هو حال الباحثة نجوى الرياحي القسنطيني في تعريبها الفصلَ الأوّلَ من كتاب تزفيتان تودوروف (T. Todorov) الموسوم بـ “مقدّمة في الأدب الفنتاستيكي” Introduction à la littérature fantastique[14]، حـيث وازتْ بين اللامعــقول والفانتاستيكي مـوازاةً دَلاليةً تامّةً صار فيها عنوان كتاب تودوروف معرّبًا من قِبَلِها كما يلي “مدخل إلى أدب اللامعقول”، لا بل نجدها في كامل الفصل تلحُّ عــلى تعريف “الفانتاستيكي” بـ “اللاّمعقول” من ذلك تعريبها لعنوان كتاب لوي فاكس “L’art et la littérature fantastiques” بـ “الفنّ والأدب اللامعقولان” دون أن تُشير إلى سبب اختيارها اللامعقولَ رديفًا للفانتاستيكي أو تبرِّره. وإذا كان شعيب حليفي قد حافظ على اسم المصطلح وكَتَبَه بأصله الغربيّ “الفانتاستيك”[15]، فإن سناء كامل الشعلان وازت بين العجائبيّ والغرائبيّ واللاواقعيّ والاستثنائي في كتابها الذي تناولت فيه بالبحث مصادرَ الغرائبيّ والعجائبيّ في الرواية والقصّة القصيرة في الأردن خـلال النصف الثاني من القرن العشرين[16] ولم تنتبه إلى ما يمكن أن يكون بين تلك المصطلحات من فوارق دَلاليّة.
وعلى هذا المنوال فعلَ كمال أبوديب في تحقيق كتاب “الأدب العجائبي والعالم الغرائبي في كتاب العظمة وفنّ السرد العربي” إذْ نُلفيه يرادف فيه بين ألفاظ عديدة منها العجائبيّ والخارق واللامحدود دون سعي منه إلى تأصيل تلك المرادفات عبر تدقيق ارتباطاتها الدّلالية. ولعلّ ذلك ما جعل محاولتَه نسبةَ مصطلح الفانتاستيكيّ إلى العرب عكس ما يُروَّج لدى كتّاب الغرب تبقى دون برهان قويّ، واكتفى من ذلك بوصف قول تودوروف الذي يؤكّد فيه على أنّ الفانتاستيك غربيُّ النشأة وظهر في القرن الثامن عشر، بكونه ادّعاءً عبثيًّا وأنّ تلك النسبة عشوائيّة[17].
ولئن كان يصعب التمييزُ المنهجيّ بين حقول المصطلحاتِ لكونها تظلّ مفاهيم تتراشح فيما بينها في إطار فعل الإغناءِ الدَّلالي وتشابك علائق الموصوفات فيها بما يُساعد على سهولةِ حركتها الإجرائيّة في ميادين اشتغالها، فإنّ ذلك لا يمنع من النّظر في طبيعة ترادف بعضها وردِّه إلى أصله عبر البحث عن إمكان توفّرها على عناصر تتعاضد لتُنشئَ لها وحدةً دَلاليّةً ينهض بها مصطلحٌ واضحٌ يجمع شتاتَها ويدلّ عليها ما قد يسهّل علينا ولوجَ دوائرِ اشتغالها في حقول الفكر.
4- سلبيّة دَلالة اللّامعقول:
يبدو أنّ من أسبابِ صعوبة حدّ اللامعقول، إضافةً إلى ما مرّ معنا، ما صار له الآن من إيحاءات يدور بعضُها في فلك السلبيّة المعنويّة في عصرٍ بلغتْ فيه التِّقانةُ أوْجَها وتحكّم العقلُ في كلّ ميادين المعيش اليوميّ، لا بل طالَتْ سُلطتُه أحيانًا جوانبَ الوجدانِ فينا حتى باتت مكتشفاتُه المتسارعةُ منذ بدايات القرن العشرين تحكم رِقاب الإنسانيّة وتختار لها أنساقًا معيشيّةً تُسيِّرُها الآلةُ ودواليبُها ما جعل الأمريكيّ هوارد فيليب لاكرافت H. P. Lacraft(1890-1937) يشكِّكُ في جدوى العلمِ ويرى أنّ “الحياة شيء كريه، وتَظْهرُ لنا من كوامن ما نعرفه عنها تلميحاتٌ شيطانيةٌ للحقيقةِ تجعل الحياةَ ألفَ مرّةٍ أشدَّ كراهيةً، والعِلم الذي يخنقنا دومًا باكتشافاته المذهلة يمكن أن يُدمّرَ النوع البشريَّ في النهاية لأنّ ما يكمن فيه من أصنافِ الرُّعب التي لم نعرفها بعدُ قد لا يحتمله عقلٌ من عقولنا الفانية”[18]. وقد زاد عبد السلام المسدّي على قول لاكرافت، في شيءٍ من الشرحِ، تأكيدَه على أنّ الفكر الإنساني ما فتئَ هذه الأيام “يُسجّل مراجعاته الكبرى في ما هو أقرب إلى تدوين الخسارات التي تراكمت في خلال عقديْن من الزمن، فالإنسان المعاصر كان يستثمر حصيلة من الإرث التاريخي المتراكم هي التي صنعت الثقافة الإنسانية الكبرى: فلسفة اليونان، ودساتير الرومان، والحضارة الإسلامية، والنهضة الأوربية، ومدرسة الأنوار، وحركات التحرير، وحقّ الشعوب في تقرير المصير، وميثاق حقوق الإنسان. ثمّ حلّتْ بتلك المسلَّمات زلازل زعزعت أسسَ الثقافة الإنسانية الشاملة: فبعد الإجماع على أنّ الحقيقة نسبية علا صوتُ إلغاءِ درجات الطيفِ فيها، وبعد الإجماع على أنّ التجريمَ وصلاحيات الإدانة لا يمكن أن تنفرد بها سلطة مطلقة عادت إلى مجال التنافس والاحتكار، وبعد أن أخلد الضميرُ الإنسانيُّ إلى أنّ البقاء للأصلح عادَ يسطو منطق البقاء للأقوى، وهكذا انحشرت علاقة الأنا والآخر في مضيق النسق الواحد فضاعت قيمة التنوّع البشريّ الخلاّق”[19].
والظاهر أنّ توصيفاتِ بعضِ الباحثين للامعقول يطغى عليها جانبٌ من رؤيتِهم الذاتيّةِ للراهن المعيشِ الذي يشهدَ عودةً قويّةً لمظاهر الفوضى في خضمّ هذه الثورة العلميّة العامّة التي تشي بعودةِ الإنسان إلى قانون الغابِ، حيث كانت تحكم علاقاتِ المخلوقات فيه همجيّةٌ منفلتةٌ من عُقالِ التبصّر والرّصانة. وهي عودةٌ بدتْ لنا مظاهِرُها جليّةً في نشوبِ الحرب العالمية الأولى التي جعلت من البشريّة ومَدَنيتِها وَقودًا لنيرانها، ثم في استعارِ أُوارِ الحرب العالمية الثانية وما سبّبت من فتكٍ بالإنسان دونما رحمةٌ أو رأفةٌ. وقد تواصلت مظاهر عودةِ اللامعقولِ إلى واقعنا البشريِّ مع نشوبِ الحرب الباردة التي توزّعت البشريّةُ بمقتضاها على مُعسكَرَيْن: غربيٍّ وشرقيٍّ، وما بثّتْ في العالَم من مخاوفَ ورُهابٍ وتشوّهات جسديّة بسبب التجارب الكيمياوية الحربية وما نتج عنها من منزلقات خطيرة حيث صرنا نُشاهِدُ على المباشر انفجارَ القنابل الذكيّة والصواريخ الموجّهة بالأقمار الصناعيّة وهي تخترق أجساد بني آدم.
وعليه، يُجوزُ لنا أن نطرحَ هنا تساؤلاتٍ ثلاثةً: أوّلها حولَ إمكانِ ردِّ جُملةِ الظواهر اللامعقولةِ التي تعيشُ البشريّةُ اليومَ إلى حَيْرة العقل أمامَ عَظمةِ منجزاتِه في جميعِ مناحي حياةِ الإنسانِ. وثانيها حول إمكانِ القَبولِ بحضورِ مظاهر فِطنةِ العقلِ جنبًا إلى جنبٍ مع المظاهرِ اللاّمعقولةِ باعتبارها تمثِّلُ كِفّةً ثانيةً تُعدِّلُ ميزانِ القُوى في العالَمِ. وأمّا التساؤل الثالثُ فينصبُّ على السـببِ الذي شحن لفظة اللامعقول بدلالة سلبيّة بالرغم من أنّه فـي أعتى لحظات التاريخ الهمجيّة ظهرت أعظم الاكتشافات العلميّة وأنار فيها الفكرُ البشريّ ظلماتٍ عاتمةً كانت تحجب عنه الحقيقةَ.
5- من تعدّد المعنى إلى وحدة الدّلالة:
نقدّر أن سلبيّة النظر إلى اللّامعقول ترجع أساسًا إلى عدم وعي البعض منّا بأنّ المعقول واللامعقول قطبان يتجاذبان مُهجَ الإنسان في أغلب اجتهاداته، ويلوّنانها بألوانهما، ذلك أنّه باجتماعهما خاض الإنسانُ معاركَه مع الأوبئة وانتصر على أغلبها تباعًا وتعلّقت همّتُه بما وراء حدود المألوف من قُدُراتِه فلامست قدماه كواكبَ نابتةً في أقاصي الفضاء. وهذا ما جعل اللامعقول يدخل حيِّزَ المعقول في شتّى مناحي الحياة البشريّة وجعل الخيالَ يجنح إلى الواقعِ، والواقعَ يكتظُّ أحيانًا بالتخيّلِ. وقد تحقّق ذلك بسبب أنّ الإنسان “لا يستطيع أن يتخلّى عــن رغباته، ومن ثمّة إمكانية إشباعها. لذلك [نراه] يجنح للخيال، الذي يُغذّي رغباتِه ويُمكّنها من أن تلعب دورًا كبيرًا في عملية التخيُّل”[20]. بل لعلّ سطوةَ التقنية هي التي حفّزت الإنسان على الهجرة إلى عالَم التخيَل من باب الترويح عن النفس من ضاغطات المعيش اليوميّ، وهذا ما دعا أحدهم إلى القول بنبرة متهكّمة “إنّ هناك كثرة من أصحاب الرأي في عصرنا، تَسِمُ هذا العصر باللامعقولية، برغم ما فيه من علوم، أو ربّما بسبب ما فيه من علوم أنتجت آلات خنقت الإنسان فأراد أن يتنفّس بعض الهواء الطّلق في مجال اللاعقل واللاعلم”[21].
ومن ثمّة، فإنّ القولَ بتلازم المعقول واللامعقول خلال تجربة الإنسان على هذه الأرض يجد تبريرَه في طبيعة مكوّنات موروثنا الحضاريّ وما يُصبغه وعيُنا على المعقولات واللامعقولات من مواقف تتراوح بين القبول والرفض، وتصبو إلى تغليب الأولى على الثانية تغليبا مبطَّنا ببعض الشكّ في تلك الغلبة، بل وجَعْلِ الأولى متحكّمة في أنفاسِ الثانية. من ذلك ما ذهبت إليه الباحثة رجاة العتيري بالقول “إنّ زوال اللامعقول يفترض أنّ العقل الإنسانيّ قادر على تفسير كلّ ما يحدث في الطبيعة وفي النفس وفي المجتمع وفي الواقع بصفة عامّة. فهل أنّ العقل الإنسانيّ قادر على تفسير كلّ شيء بدون رواسب ولا مقاومة من جهة الواقع؟ إنّه من الواضح أنّ قدرة العقل في تعقّل الأشياء وإزالة اللامعقول نهائيا محدودة ونسبيّة، وأنّ عمليّة العقلنة مستمرّة لا حدّ لها ولا نهاية، وأنّ وظيفة العقل بذاتها هي تنظيم الفكر والخطاب وبناء معرفة متماسكة للفعل الفرديّ والاجتماعيّ وذلك للتقليل من غرابة اللامعقول وخطورته”[22]. ولئن أحاطت هذه الباحثة بأغلب الأسئلة التي تثيرها علاقة المعقول باللامعقول، فإنّ ضبابيّةً اصطلاحيّةً حكمت أغلب فصول مبحثها بفعل عدم الإمساك بقلوب المصطلحات فيه، وهذا سبب جعل إجاباتها في الغرض قليلة غير متوهّجةٍ بمعانيها.
وفي ضوء ما سبق، نتساءل: إذا كان المعقول هو الذي ينافح اللامعقول ويحدّ من غرابته وخطورته، أفلا يجوز القولُ إنّ المعقول، وهو يفرز معقولات الأشياء، يُظهر اللامعقول ويعيّنه للناس؟ أليس المعقول هو التاريخُ الفعليّ للامعقول؟ إنّه من الضرورة بمكانٍ أن يتكفّل الوعي الإنسانيّ ضمن مجموعة بشريّة مّا بالتمييز بين جميع مكوّنات الخزين الفكريّ والحضاري الذي ينشأ فيه من معقولات ولامعقولات وتحديد علائقهما في ما بينهما، والتنبّه إلى ما للامعقول من تأثير في سياقاتنا الذهنية، لأنّ “أهمّ ما يهمّنا من هذا، فيما له مسٌّ مباشر بموضوعنا وهو أن نفرّق بين المعقول واللامعقول لنكون على بيّنة بحدود هذا وحدود ذلك، هو ما يفصل نوعيْ الإدراك اللّذيْن ما ينفكّ الفلاسفة يتعرّضون للتمييز بينهما وهما الإدراك بالعقل والإدراك بالحدْس، فالأول هو طريق العلم وما يدور مدارَه من معارف، والثاني هو ما يقول المتصوّفةُ ومَن لفّ لفَّهم، إنّه طريقهم إلى الحقّ”[23].
ولأنّ كثرةً كثيرةً من الحدود التي حاول فيها أصحابُها تسييج دَلالة اللامعقول، على غرار ما جاء بالشاهد السابق، لم ترقَ، في اعتقادنا، إلى مستوى من الصياغة الاصطلاحيّة تبلغ من اللامعقول لُبَّه، عدنا إلى ما أُتيحَ لنا من مراجع نبحث فيها عن تعريفٍ للاّمعقول يمكن الاطمئنان إليه، فأوقفَنا بحثُنا على مجموعة من الألفاظ التي تشي بكونها تشتركُ معه في الدَّلالةِ، بل كثيرًا ما تتقاطع سجلاّتُها المفهوميّةُ مع سجلاته حتى إنّنا كثيرًا ما نجد الناقد نفسَه، وهو يتحدّث عن اللامعقول، يذكر له مرادِفاتٍ عديدةً أو هو يراوح في تسمية الدّال “لامعقول” بدوال عديدة في المقام ذاته على حدّ ما مرّ معنا.
ولمّا كانت المدلولات المُضادّةُ لمعنى “العقل” لا تعودُ، في لغتنا العربية، إلى لفظ واحدٍ نطمئنُّ إليه ونكتفي به للإحالة على كلّ ما يُخالِف “العقل”، بدت لنا مسألةُ حدِّ اللامعقول أمرًا معتاصًا إجرائيًّا من جهة كونه لفظًا مركَّبًا قد يقبل صورًا أخرى من التشكُّل على غرار الفوق-عقلي والما بعد-عقلي أو الفوق-طبيعي وغيرها، وهو ما نُلفيه قد يزيد من فوضى حقول دلالاته أو يُضيّق منها وفقًا لطبيعة سياق التخاطب وهدف الخطاب.
وبما أنّ الأشياءَ تتّضح أحيانًا بردِّها إلى أضدادِها، على ما تقول العرب، فضّلنا الالتجاءَ إلى تقنية التعريف بالخُلف باعتبارها “عملية إجرائيّة منطقيّة، وصنفًا من أصناف الاستنباط المباشر”[24] لتُمكّننا من السيطرة على دلالات اللامعقول انطلاقًا ممّا قدّمت المعاجم اللغويّة والفلسفيّة للعقل وللمعقول من معانٍ من جهة إيماننا بأن المعنى اللغويّ للّفظ يظلّ كامنًا فيه مهما تنوّعت سياقات إجرائه القوليّة. من ذلك عدّد ابن منظور للعقل، في لسان العرب[25]، مجموعة من المعاني منها المنع، والحبسُ، والشَدُّ، والحِلْمُ، والتمييزُ، والفهمُ، الرّفعةُ، والكرمُ، الوشيُ، والتنضيدُ، والملجأ، والمَهْرب. ولا يختلف تاج العروس في حَدِّه للعقل كثيرًا عمّا وجدنا له من حدودٍ في لسان العرب، حيث يورِدُ القولَ إنّ العقل “هو العِلم بصفات الأشياء من حُسنها وقُبحها وكمالِها ونُقصانها، أو هو العِلم بخيرِ الخَيْريْن وشرِّ الشرّيْن، أو مُطْلَقٌ لأمورٍ أو لقوّةٍ بها يكون التمييز بين القبح والحسن، ولِمعانٍ مجتمعةٍ في الذّهن يكون بمُقدِّماتٍ يستَتِبُّ بها الأغراضُ والمصالحُ، ولهيئةٍ محمودةٍ للإنسان في حركاتِه وكلامِه”[26].
والذي يُستفاد من التعريفاتِ التي ذكر لسان العرب وتاج العروس في شأن العقل هو أنّه مَلكةٌ تُمكّن صاحبها من فهم مجريات الواقع الماديّ والفكريّ وإدراك أسبابِها وفق تمشٍّ منطقيٍّ ينهض على إعادة بناء الظاهرة بناءً تجريديًّا منظَّمًا وتخليصِها ممّا قد يعلق بها من شوائب الأشباه حتى يتمّ التمييز بين خيرِها وشرِّها وحُسنِها وقُبحِها من خلال فعلٍ معرفيٍّ رصينٍ يسعى إلى الظّفر بنظامِها وتبيُّن انسجامها في إطار علاقتها بغيرها من الظواهر.
ووفقًا لما تقدّم في شأن حدّ المعقول، تكون دَلالاتُ اللامعقول ضاربةً في كلّ الحقول التي تنماز بالغرابة وعدم مناسبة قوانين العقل. فهو في المعاجم الغربية يتماهى مع ما ذكرتْ في شأنه الموسوعات الفلسفيّة، من حيث هو كلّ “غريب أو حتى مناقض للعقل. [و] هو كلّ ما يتخطّى عقلَنا في موضوع معرفتنا”[27]. وهو أيضًا الذي “ينحرف عن المنطق أو يرفضه أو يُشوِّشه”[28]. ويورد المعجم الفلسفي في شأن اللامعقول أربعَ دَلالات، فهو “أ- المناقض للعقل، أو الغريب عن العقل، ويقابله المعقول. ب- وهو أيضا الذي يجاوز حدود العقل، أو الذي يقف عنده التفسير المنطقيّ للأشياء. ج- وهو اللامفهوم الذي لا تستطيع إدراكه أو تفسيره بأسباب مقبولة في العقل. د- واللامعقول أخيرا هو اللامنطقي”[29].
وظاهر من هذه المقترحات في شأن حدِّ اللامعقول أنّها تسعى إلى تأكيد أنّ اللامعقول (Irrationnel) ليس إلاّ نفيًا للمعقول (لا-معقول) ونفيًا للعقلِ أو قلبًا له. وعليه، نقول في إيجازٍ أوّل إنّ اللامعقول مجالُ كلِّ ما لا يبلغه الفهمُ العقليُّ بآلاته المنطقيّةِ المعلومة أو هو ما تتأبّى أسبابُه عن شروط العقل ولا يخضع لأحكامه البتّة، فيظلّ خارجًا عن قوانين المعقولية، غريبًا عنها، مناهضًا لها دائمًا. بل هو توصيفٌ للأحداث والأشياء التي تنفلِتُ دَلالاتها مـن قبضةِ المنطقيِّ وتخرج من حيِّزِ التفسير بالأسباب العِلِّيةِ العقليّة المفهومة إلى حيّزِ التأويل بما هو أبعدَ من الفهم العقليّ. وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أنّ عدمَ الخضوع اللامعقولات لقوانين العقل لا يعني أنّها لا تتوفّر على انتظامٍ فنيٍّ أو مضمونيٍّ، بل لا يعني أنّها مجرّدُ عبثٍ يأتيه المبدع أو المفكِّرُ للتسلية أو لملءِ الفراغ، وتكفينا العودة إلى النصوص الأدبيّة والفلسفيّة التي اشتغل عليها مؤلِّفوها مِمّن بلغتنا كتبُهم من مبدعينا العرب القدامى أمثال المعرّي والقزويني وابن الزيّات التادلي وغيرهم أو مِمّن ينتمون إلى “التيّار العبثيّ” الذي ظهر بأوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين، حتى نُثبت الانتظامَ الفكريَّ الذي نهضت عليه هذه المؤلَّفاتُ وهي تبني دلالاتها بعيدا عن كلّ مجّانية إبداعيّةٍ.
إنّ النظر في البحوث المتعلقة بمسألة اللامعقول تكشف عن وجود ترادُفٍ بين لفظتيْ العَبثِ واللامعقولِ في نصوصٍ نقديّة وفلسفيّة عربية كثيرةٍ، بل كثيرا ما تَرِد اللفظتان في الجملة نفسها متضامتّيْن من بابِ زيادةِ الشرح والتوضيح. وهو ما يطرح تساؤلاً هامًّا حول أسبابِ هذا الاقتران الدّلاليّ ومُسوِّغاتِه. والظاهر أنّ هذا الاقتران يكثر خاصّة في النصوص المنقولةِ إلى العربية. حيث يميل البعضُ إلى تعريب مصطلح Absurd في الفلسفة والأدب الغربيَيْن بالعبث واللامعقول على غرار ترجمة كتاب مسرح العبث (The Theatre of the Absurd, 1960) لمارتن إسلين Martin esslin بـ”دراما اللامعقول” دون أن يوضّح المترجم أسبابًا لذلك منطقيّةً، واكتفى بالقول “ولأنّ هذه المصطلحات النقديّة تعتمد مفهومات أوروبيّة ترجع إلى حضارة الإغريق والرومان وما نشأ من آداب أوربيّة منذ عصر النهضة فإنّ ترجمتها إلى العربية لا يمكن أن تتخذ صيغة نهائيّة تقف عندها، كما وقفت في الغالب الصيغ الأوروبية المشتقّة عن الإغريقية واللاتينيّة. لذلك لا مفرّ من الاشتقاق والنحت والتعريب، إلى جانب الترجمة، وهنا يتدخّل الحسّ اللغويّ والذّوق الفردي والمعرفة باللغات إضافة إلى ثقافة المترجم، عند القيام بعمل من هذا الحجم”[30]. وإذا سلّمنا بما جاء في هذا الشاهد من تبريرٍ للترادف الاصطلاحي بين العبث واللامعقول، لا نملك إلا أن نتساءل عن طبيعة التجاور الدّلالي بين المصطلحيْن؟ وهل يمكن ردّ أحدهما إلى الآخر حتى نقبل بالترادف بينهما؟
إنّ العودة إلى الحَدِّ اللغوي للعبث تُوقِفنا على المعاني التالية:
- في لسان العرب: هو اللعب والخلطُ على غير نظامٍ، حيث نقرأ:
“عَبِثَ به، بالكسر، عَبَثاً: لَعِبَ، فهو عابِثٌ: لاعِبٌ بما لا يَعْنيه، وليس من بالهِ. والعَبَثُ أَن تَعْبَثَ بالشيءِ”. ويُضيف “والعَبيثةُ: البُنُّ والشَّعيرُ يُخْلَطانِ معاً. والعَبيثةُ: الغنم المُخْتلِطةُ”[31].
- في معجم مقاييس اللغة: هو الفعل الخالي من الصواب الذي يأتيه فاعله دون مبالاة.
” والعَبِيث: كلُّ خِلْط. ويقال: في هذا الوادي عَبِيثةٌ، أي خِلْطٌ من حَيَّيْن. ومما قيسَ على هذا: العَبَثُ، هو الفعل لا يُفَعل على استواء وخُلوصِ صواب. تقول: عَبِثَ يعبَث عَبَثاً، وهو عابثٌ بما لا يَعْنيه وليس من بالِهِ”[32].
والذي يُستفاد من هذه التعريفات هو أنّ العبث لعبٌ بالأشياء وخلطٌ لها على غير نظام، وهو خلطٌ ينصبُّ على عناصر الموجودات، بُغيةَ إعادة ترتيبها وفق كيفيات جديدة، كما يفيد عدم المبالاة بطبيعة الفعل المنصبِّ على الأشياء وعدم اكتراث الفاعل بما سيؤول إليه فعلُه من حالٍ وما سينجرّ عنه من نتائج وأحوال.
أمّا المعاجم اللغويّة الغربية، فإنّ أغلبَها يمنح مصطلح Absurde دَلالةَ مُخالَفةِ المعقول، فاللامعقول من جهة أُولى هو “توصيفٌ لشيءٍ مخالِفٍ للعقل وللفطرة السليمة، ويُقال للمجنون وللشّاذِ”[33] ومن جهة أخرى، هو “شيءٌ غير صادقٍ لأسبابٍ منطقيّةٍ”[34]، ومن جهة ثالثة “هو في المعنى الشامل إقرار لعلاقات بين عبارات متناقضة من وجهة نظر منطقيّة”[35].
وفي رأينا أنّ تعريب لفظة (Absurd) باللامعقول في أغلب الأعمال المنقولة إلى العربيّة كان اختيارًا محكومًا بأمريْن: أوّلهما خضوع المترجمين المنهجيّ لإملاءات المعاجم الفلسفيّة الغربية التي ألحّت على أن دلالة لفظة ( Absurd ) تُخالف دَلالة المعقول، وثانيهما عدم تنبّههم إلى وقوعهم تحت طائلة مفارقةٍ كبيرة تتجلّى صورتُها في التعارُض بين ما أكّدته معاجمنا اللغويّة العربية من امتلاء دلالة العبث بمعاني اللّعب واللامبالاة من جهة، ومن جهة أخرى اكتظاظ المُصنَّفاتِ التي يحفل بها تراثنا الفكريّ العربيّ، وخاصّة ما كان منها متّصلا منها بالتصوّف والأعمال الروائيّة، بمظاهر إبداعيّة راقيةٍ توصف باللامعقولية غير أنه لا يمكن القول في شأنها إنّها مجرّد لعبٍ وخلطٍ للأشياء على غير هُدى. إضافة إلى انفتاح تلك النتاجات على فضاءات تخيّلية لا تعترف بأحكام العقل ولا تخضع لسلطته من جهة ثانية، وهو ما حوّلها إلى تربةٍ نبتَ فيها اللامعقول وتشابكت أغصانُه ووجد في أعماقها رَواءَه. وإنّ في هذا ما يدفعنا إلى القول بأنّ مفهوم العبث، على حدّ ما مرّ معنا، لا يُعادل اللامعقول من جهة كونه لا يلامس الماورائي والفوق-طبيعي وما شابههما من فضاءات التخيّل، بل هو لا يحرّف هيئات الأشياء ولكنه يحرّف تصوّراتنا عن كيفيات وجودِها، ومن ثمة فهو لا يبلغ إلاّ قليلاً ممّا ذكرنا من مفهوم اللامعقول المعجمي، وإنّ بعضًا منه تربطه به علاقة الجزء بالكلّ، فيُعرَف بالانتماء إليه ولكنّه لا يُعرِّفُه. وهو أمرٌ يدعونا إلى مزيد التدقيق في دَلالات المصطلحات التي تنزعُ إلى أن تُرادِفَ اللامعقول أو تُحيل إليه في النصوص الأدبية والنقديّة.
إنّ بَحْثَنا في المراجع التي أمكنَنا الاطلاعُ عليها أَوْقفنا على ما يزيد عن عشرين عبارةً تُضارِعُ اللاّمعقول. من هذه العبارات عباراتٌ تُفيدُ النفيَ أو التجاوزَ حيث تتضمّن الواحدة منها في جزئها الأوّل إمّا حرف النفي “لا” وإمّا “ما لا” أو أحدَ الظرفَيْن “فوق” و “ما وراء” وتتضمّن في جزئها الثاني لفظةً دالّة على الممكن والطبيعيّ والمنطقيّ والمألوف والمعقول. ومنها عباراتٌ حافظت على اللفظِ الأجنبيّ مثل “الفانتاستيكي”. وفيما يلي جردٌ لتلك العبارات بصنفيْها مشفوعٌ بإيحاءاتها الدَّلاليّة التي اثبتناها بعد أن ارتأينا أنّها تخدم ما نحن بصدد البحث فيه. ومن هذه المرادفات نذكر:
- ما لا يُفسَّرُ: بالعودة إلى الفعل “فَسَرَ” الذي منه فَسَرَ الرجلُ الأمرَ يفسُرُه ويفسِرُه فسرًا بمعنى أوضحه وبيّنه وكشف عنه”[36]، يكون ما لا يُفسَّرُ هو كلّ أمرٍ مستغلق على معناه لا نستطيع توضيحَه وتبيانه للآخر.
- ما لا يُقبَلُ: قَبِلَ الكلامَ يقبَلُه قَبولاً يعني صدّقَه ورضيَ به، ومن ثمّة يكون ما لا يُقبل هو الأمر الذي لا يُصدَّقُ ولا يُرْضى به البتّةَ.
- العبثيّ: عبَثَ يعبَث عَبَثًا، المرءُ قام بشيءٍ لا فائدة منه، وفعلٌ عبثيُّ هو فعلٌ لم يترتّب عنه غرضُه[37]. وقد كـان الفيلسوف الدانمـاركي سورين كيير كيجارد (Soren Kierkegaard) قد استعمل لفظة “العبث” ليؤكّد أنّ “المسيحيّة عبث لأنّـه “ليـس ثمّة إنسان يستطيع أن يدّعي تفسيرَ مبادئها عقلانيًّا باعتبار أنّ الإيمـان بها يظلّ خارجَ الأطر الضيّقة التي يرسمها العـقل“[38].
- * اللامنطقي: المنطِقُ هو فرعٌ من الفلسفة يدرُسُ صورَ الفكر وطُرُقَ الاستدلال السليم، ومنه المنطِق الرياضيُّ والمنطِقُ الصوريُّ والمنطِقُ الوضعيُّ، وهو ما كان قابلاً لقوانين العقل واستدلالاته. وعليه، فإنّ اللامنطقيّ هو الأمرُ الذي لا يستطيع العقل تبريرَه والبرهنةَ عليه.
- اللاواقعي: الواقعُ من وَقَعَ وجمعه وُقوعُ ووُقَّعٌ، ويُفيدُ الحاصلَ والحقيقةَ وعكسُه الخيالُ.
- الاستثنائي: مِنْ استثنى يستثني استثناءً فلانٌ الأمرَ، أخرجَه من نطاق الحُكم أو القاعدةِ أو الاعتياد.
- الفوق-إدراكي: أدرك يُدرِك إدراكًا، الصبيُّ بلغ الحُلُمَ، الثمارُ نضجتْ، الشيءَ ببصره رآه وأحاطَ به وجاء في القرآن “لا تُدركُه الأبصارُ وهو يُدرِك الأبصارَ”(الأنعام: 103)، والمعنى بعقله: فهمَه وتصوَّره. ومن هنا يكون الفوق الإدراكي هو الذي لا نُحيطُ به رؤيةً أو فهمًا أو تصوُّرًا.
- الفوق-طبيعي: الطبيعيّ هو كلّ منسوبٍ إلى الطبيعة غير مصنوعٍ، وفي العلم هو مذهب يَرُدُّ الأشياءَ إلى الطبيعة وحدها فيُفسِّرُ كلَّ شيءٍ في ضوئها ويُرْجِعُ الظواهرَ كلَّها إليها. وعليه، فإنّ الفوق طبيعي هو كلّ شيءٍ خارجٌ عن الطبيعة يتجاوز فهمُه وتفسيرُه قوانينَها.
- الخارق: خرَقَ يخرُقُ خرقًا الثوب ونحوَه: شقّه وثقبَه، الشيءَ اختلقَه، والخارق هو غير العاديِّ، وفي علم الكلام، أمر خارقٌ للعادة: ما كان مجاوِزًا لقُدرة العبدِ أو طبيعةِ المخلوقاتِ كالمُعْجِزةِ والكرامةِ.
- العجائبيّ: من العُجابِ والعجيبِ والعَجَبِ والعُجْبِ، وهو “إنكار ما يَرِدُ عليكَ لقلّة اعتياده“[39]، إذ جاء في القرآن “أَأَلِدُ وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخًا إنَّ هذا لشيءٌ عجيبٌ”(هود: 72).
- الغرائبي: غَرُبَ يغرُب غرابةً وغرائبيّةً: الكلام أو التصرّف ونحوهما: غمَضَ وخفِيَ وبَعُدَ عن الفهم.
- الفانتاستيكي[40]: نسبة إلى الفانتاستيك، وهي لفظة أصلُها فعلٌ إغريقيّ (Phantasein) يحيلُ على كلّ ما يدفع إلى التوهّم ومنه جاء النعت اللاتيني (Fantasticum) الدّال على الظواهر الخارقة وأيضًا على نواتج الخيال من أشباح وأطياف، وقد اُستعمل النعت “فانتاستيكي” في العصور الوسطى ثم شاع في القرن التاسع عشر مع الشاعر نرفال، وفي معجم ليتري (Littré) لسنة 1863 نجد أنّ “القصّ الفانتاستيكي هو القصّ الذي يُعنى بحكايات الجنّ والخوارق وقد ظهر هذا النمط من الكتابة القصصيّة مع الألمانيّ هوفمان حيث يأخذ الفوق طبيعي دورًا هامّا فيه”([41]) وقد فصّل القولَ فيه تودوروف في كتابه “مدخل إلى الأدب الفانتاستيكي”[42].
- اللامحدود: حدَّ الشيءَ وحّدَه لفلانٍ: عرّفَه إليه وأبان له عن حدودِه، واللامحدود هو ما لا يمكن أن تُرسَمَ له حدودٌ.
- اللامرئيّ: هو الذي ينتمي إلى عالَم الغيب، فلا نستطيع الإنباءَ عنه سوى بالتخييلِ.
- اللاّمألوف: هو كلّ ما لم يتعوّده الناسُ.
- الإدهاشي: دَهَشَ يدْهَشُ دَهَشًا، الشخصُ من الأمر: تحيّر وذهب عقلُه من وَلَهٍ أو فزعٍ أو حياءٍ.
- الماورائي: الوراءُ هو كلُّ ما استتر عنك سواء أكان خلفًا أم قُدّامًا، جاء في القرآن “مِن ورائه جهنّمُ ويُسقى من ماء صديد” (إبراهيم: 16)، والماورائي في مجال الفلسفة هو الميتافيزيقي، الغيبي الذي لا نبلغ دلالته إلاّ بالتخييل.
- المتخيَّل: خيَّلَ يُخيِّلُ تخييلاً، الشيء لفلان: شبَّهَه له وزيّنه ووجَّهَ إليه وهمَه، ورد في القرآن “يُخيَّلُ إليه من سحرهم أنّها تسعى”(طه:66)، وتخيّل الشيءَ: تصوّرَه وتمثَّلَه، والخيالُ هو إحدى قوى العقلِ التي يُتخيَّلُ بها الأشياء أثناء غيابها، والمتخيَّل هو الصورةُ الذهنيّةُ التي تُحاكي ظواهر الواقع وإنْ لم تُعبّر عن شيءٍ حقيقيّ موجودٍ.
- الموهوم: وَهَمَ يَهِمُ وهمًا، الشيءَ تخيّلَه وتصوَّرَه، وأوهم يوهمُ إيهامًا، الشخصُ وقع في الوهمِ، والموهوم هو كلّ شيءٍ اكتنفَه الوهمُ.
- المُحيِّر: حارَ يَحارُ حيرةً، الرّجلُ في الأمر اختلط عليه تفسيرُه وفهمُه، ومنه الحائرُ وهو الذي ظلَّ سبيلَه، وحيَّرَ يُحيِّرُ تَحَيُّرًا بمعنى وقع في الحَيْرة، والمُحيِّرُ هو الذي يدفع إلى الحيرة، والحيرةُ هي التردُّدُ والاضطراب حيالَ أمرٍ مَّا.
- المُحالُ: هو ما لا يمكن وجودُه أو إثبات وجوده.
والذي نلاحظه من أمر ما أوردنا من دلالات لهذه المرادفات، هو أنّها تختلف فيما بينها مرّةً لتأتلِفَ مرّاتٍ كثيرةً أخرى، بحيث يتضمّن تعريفُ بعضِها ذِكْرًا لما جاء بتعريف البعض الآخر. وهنا يُطرح سؤالٌ هامٌّ حول إمكانية توزيع هذه الدَّلالات إلى أصناف دَلالية واضحة حتى نضبطَ جُلَّ معانيها فلا تزداد بين أيدينا كثرةً وتماهيًا.
وفي هذا الشأن، سنقوم بفعلٍ تأليفيّ بين معاني هذه المرادِفات وفق اشتراكاتها الدّلاليّة عسانا نخلُصُ منه إلى إمكانية توزيعها إلى أصنافٍ دَلاليّة كبرى ستكون معبرًا لنا لمزيد فرز الدلالات المحايثة للامعقول دون أن ندّعي فيها منعَ حيازةِ صنفٍ منها على دَلالات صنفٍ آخر حسب ما تبينّاه من معانيها المعجميّة. ومن ثمّة يكون ممكنًا جمعُ شتات هذه المرادِفات التي تتناوب بكثرة في مدوّنتنا النقدية العربية وردِّها إلى أُصولها الدَّلاليّة المتقاربة، لعلّنا نبلغ بؤرتها الدّلالية، وهو ما قد يخلص ببحثنا في هذا الجانب الدَلاليّ إلى تعريفٍ للاّمعقول نرتضيه ونطمئنُّ إليه.
واعتبارًا لما تقدّم، يمكنُ أن نذهب في قراءة مرادفات اللامعقول، إلى ردِّها في توزيع أوّل، إلى ثلاثِ دوائر دَلاليّة كبرى وجدنا لها أثرًا مفهوميًّا في كتابات النقّاد العرب وأثرا اصطلاحيًّا في بحوث النقد الغربيّ وهي التعجب والحيرة والغرابةُ. والملاحظ أنّ مدوّنة النقد الغربيّ التي اعتمدنا، شأنها شأن مدوّنة النقد العربيّ، لم تخلُ من كثرة الألفاظ المُحيلةِ إلى اللامعقول صراحة أو ضمنًا. لا بل إنّ النّظرَ في كلّ ما يحيل على اللامعقول في المراجع الغربية التي بين أيدينا يوقفنا على وجود كثرةٍ كثيرةٍ من الألفاظ ذات الصلة باللامعقول تترادف حينا وتتخالفُ حينًا آخر في الدّلالة على المعنى نفسه. وصورةُ هذه الدوائر الثلاثِ هي:
- العجيب:
ورد في معجم لو بيتي روبار Le petit Robert“[43] معنيان رئيسان للعجيب أوّلهما أنّه الشيءُ الذي يدفعنا، ضمن صِنْفه، إلى الإحساس بأعلى درجة من الإدهاشِ والإعجاب والذّهول والاستثنائيّة والخوارقيّة، وثانيهما يفيد أنّ العجيب هو الشيء الذي لا يُفسَّرُ بحسب القوانين الطبيعيّة أي إنّه ينتمي إلى عالَم ما فوق الطبيعة. وهو ما ذهب إليه تزفيتان تودوروف في حديثه عن الأجناس النثرية حيث نراه يميّز بين العجيب والغريب في قوله بخصوص الأوّل “عندما يقرّر القارئ أنّنا مجبرون على القول بوجود قوانين طبيعيّة جديدة نستطيع بواسطتها تفسير الظاهرة، فإننا ندخل بذلك دائرةَ العجيب”[44]. وفي محاولة منه لإحكام تحديد حقل العجيب المحض، يقترح علينا تودوروف ثلاثة أنماط منه يدلّل عليها بظواهر ذُكرت في كتب قديمة قبل ظهور التقانة الحديثة والرحلات الاستكشافية العلمية، وهذه الأنماط هي: العجيب المبالَغ فيه (le merveilleux hyperbole) حيث لا تكون الظواهر فيه فوق طبيعية إلاّ متى كانت أحجامها تزيد عمّا ألفنا في الواقع، ويمثّل لذلك ببعض ما جاء في حكايا ألف ليلة وليلة، مثل تأكيد السندباد في بعضها على كونه رأى حيتانًا يزيد طولها عن مئةٍ أو مئتيْ ذراع. والعجيب جدّا (le merveilleux exotique) ومنه أنْ يَذكر الكاتب ظواهر فوق طبيعيّة دون أن يقدّم عنها تفصيلات دقيقة مثل وصف السندباد في رحلته الثانية لعصفور حجمه يغطّي الشمس وله ساق أضخم من جذع شجرة. والعجيب الآلي (le merveilleux instrumental) وفيه تُذكر بعض الأدوات الصغيرة التي تستطيع إتقان عمليات غير ممكنة مثل البساط الطائر في حكاية “الأمير أحمد” من كتاب ألف ليلة وليلة[45].
- الفانتاستيكي:
أصل اللفظة إغريقيّ phantastikos)) ومنه اللفظة اللاتينية (phantasticus) وقد ذكر له صاحب معجم “لو بيتي روبار” معانيَ ثلاثةً أوّلها أن الشيء الفانتاستيكي هو الذي يخلقه الخيال ولا يوجد له مثال في الواقع، فهو متخيَّل فوق طبيعي، وثانيها أنه الشيء الخارق للعادة المدهش المعنويّ وثالثها أن الفانتاستيكي هو كلّ شيءٍ غير واقعي[46]. وقد أورد تودوروف تعريفًا للفانتاستيكي جاء فيه قولُه “الفانتاستيكي هو التردّدُ الذي يُحسّه كائن لا يعرف غير القوانين الطبيعيّة أمام حدث ذي مظهر فوق طبيعي”[47]. وهو تعريف يجعل الفانتاستيكي يدوم الفترةَ التي يستغرقُها تردُّدُ القارئ وحيرتُه بين عجزه عن تفسير الظاهرة بما يَعْرِفُ من قوانينَ طبيعيّةٍ وانجذابه إلى قبول قوانين فوق طبيعية لتفسيرها[48]. وإذا عدنا إلى التفريع الأجناسي الذي ذهب إليه تودوروف في مقدّمته للأدب الفانتاستيكي، وقفنا على ما لهذه التقنية الكتابية من فاعلية في إنتاج المعنى على حدّ قول إيرين بسيار (Irene Bessiere) بأنّ “القصّة الفانتاستيكيّة تبدو التقنيةَ المثاليةَ في الحكيِ المنتِجِ لأثرٍ جماليٍّ [لدى المتلقّي]…”[49].
- الغريب:
يورِدُ بول روبير صاحب معجم “لو بيتي روبار”[50] للـفظة (Etrange) معنيَيْن: قـديمًا ومعاصِرًا، أمّـا المعنى القديم فيحيل على كلّ ما كان غيرَ مفهوم وخارجًا عن المألوف، وأمّا المعنى المعاصر فيدلّ على الشيء المُفاجئِ المُغايِر للمعتادِ الذي يبعث على الإدهاش. ويذهب تودوروف إلى القول إنّه “عندما يُقرّر المتلقّي، أو الشخصية السردية، أنّ علينا القَبول بوجود قوانين جديدة للطبيعة تمكِّننا من تفسير الظاهرة فإنّنا نكون أمام دائرة الغريب”[51].
وهكذا، فإنّ استقراءَ ما أوردنا من مُرادِفاتِ اللاّمعقول في المدوّنة النقدية العربية وفي بعض معاجم اللغة التي استأنسنا بها من جهة، واستقراءَنا لما قيل في شأنه بالمدوّنة النقدية الغربية وما اتصل بها من معاجم من جهة ثانية يخلصان بنا إلى مجموعة من النتائج الأوّلية لعلّ أهمّها هو أنّ مفاهيمَ مثل العجيب والغريب والخارق والمتخيّل وغيرها مِمّا ذكرنا سابقًا موجودة في النتاجات الفكرية العربية والغربية بالدَّلالاتِ نفسها تقريبًا، فكأنّ ثمّة تماهيًا في الفكر البشري وهو ينحت مفاهيمَه العقليّةَ، لا بل كأنّ ثمّةَ تشابُهًا في فعلِ الفكر الإنساني وهو ينصبُّ على الأشياء يُسمّيها ويمنحها معانيها. ولعلّنا نُرجع بعضًا من هذا التشابه في المفاهيم الفكريّة إلى وحدة الجوهر الإنساني وما يمكن أن تشي به من وحدة “الروح المُفكِّرة” وإلى حركة الترجمة التي مثّل فيها العقل العربيّ جسرا تراشحت بواسطته الثقافات الغربية والشرقية عندما باشر حركةَ النقل عن الثقافة الإغريقية.
ولكنّ التماهي بين المفاهيم التي ذكرنا في المنتج الفكري العربي ونظيره الغربيّ لن يُخفِي عنّا بعضَ الاختلافِ الذي أوقفنا عليه بحثُنا في مرادِفات اللامعقول. ذلك أنّ السجلّ المفهوميّ للاّمعقول في الفكر الغربيّ بدا لنا أكثرَ إحكامًا اصطلاحيا منه في الفكر العربيّ، وذلك راجع في اعتقادنا إلى تواجد كلّ فكر من الفكريْن في سياقيْن حضارييْن مختلِفيْن، لكلّ منهما ميزاتُه من حيث الفاعليّةُ في الراهن الحضاري العالميّ وفي التساوق وشروطَ اللحظة التي نعيش، وهو مَا يُجيزُ لنا القولَ بحذرٍ شديدٍ إنّ اللامعقول في النتاج الفكريّ العربيّ خُرافيٌّ إيهاميّ حرٌّ سِمَتُه الإيغال في التخييل المحضِ بينما ينهض اللامعقول الغربيّ على إحكامٍ مصطلحيٍّ قد يكون فرضَه فعلُ الآلةِ في التفاصيل الواقعيّة من خلال سيطرتها على مجريات الفكر في تماسِّه مع الواقع وتنزيل متصوَّراتِه فيه منازلَ تجريبيّةً حتى أصبح ما كان غيرَ ممكنٍ بالقوّة ممكنًا بالفعلِ.
6- محاولة في الحدِّ:
يذهب مارتن إسلين إلى القول إنّه “يجب أن يُفهم اصطلاحٌ كاصطلاح “دراما اللامعقول” على أنّه نوع من الاختزال الفكري لنمط معقّد من التشابه في التناول والطريقة والتقليد، ومن الأسس الفنية والفلسفية المشتركة، سواءً أكان إدراكها بوعي أو بلا وعي، ومن التأثيرات الناجمة عن رصيد مشترك من التراث. ولهذا فإنّ تسمية من هذا النوع تساعد في الفهم، ومقياس صلاحها هو مدى مساعدتها لنا على فهم واستيعاب العمل الفنيّ”[52]
ولئن كشف هذا الشاهد عن تعقّد ماهية اللامعقول وكثرة أشباهه وغزارة حضوره في المنجز الإبداعيّ الغربيّ كثرةً ساعدت على ظهور تيّار فكريّ شاع في ثلاثينات القرن العشرين يقوم على الاعتقاد بأن الإنسان موجود في عالم لاعقلاني عديم المعنى غير منتظم، فإنّه يؤكّد ضرورة نهوض هذا المفهوم مصطلحًا واضحا يساعدنا على تبيّن أنواعٍ معيّنة من النصوص الإبداعيّة التي له فيها حضورٌ، ناهيك عن فهمها ضمن سياقاتها الفكريّة والحضاريّة.
وتَحمِلنا هذه الرؤيةُ على قول إنّ المفاهيم التي أوردنا في إطار بحثنا عن تعريفٍ للامعقولِ تجعل منه مفهومًا معقّدًا ذا مقوّماتٍ تختلفُ باختلاف مجموعة من العوامل منها طبيعة الفكر وثراؤه المعرفيّ الحضاريّ وطبيعة العقلية الاجتماعية السائدة، وتنوّع سياقات استعمالاته في المُنْجزِ الإبداعي، وما يُنتِجُه فيها من أنواعٍ مفهوميّة أخرى مُدرجةٍ ضمنَه في شكل تفريعاتٍ يُوصِّف بها حالَ الأشياءِ وهي تبني دَلالاتِها في الزّمنِ مثل العجيب والفانتاستيكي والغريب والفوق طبيعي وغيرها، وما يحكم بينها من تضافُرٍ مدلوليٍّ.
وبالاستناد إلى ما ذكرنا من أمر مرادفات اللامعقول، سنحاول أن نقترح في شأنه حَدًّا قد يكون، من وجهة نظرنا الراهنة، جامِعًا لشتاتِ أشكال تجلّيه ومضامينها وما يدخل في حيزه الدَلاليّ من مصطلحات بما يمكّن من تجاوز ما لاحظنا من اضطرابٍ مفهوميّ بين مرادفاته. ذلك أن تعريفات اللامعقول اللغويّة والفلسفية تبلغ به محلّ صفةٍ لكلِّ هيئة أو حدث غامض مستغلق على معناه، يكتنفه الوهم من كلّ جهاته فلا يترتّب عنه غرضُه أبدًا، كما لا يستطيع العقلُ تبريرَه أو البرهنةَ عليه لأنه خارج عن ثنائية الصدق والكذب والفطرة السليمة. ولئن كان هذا اللامعقول يُصرّ على محاكاة ظواهر الواقع، فإنّه لا يُعبّر عن شيءٍ منها حقيقيّ وذلك من جهة كونه يظلّ دومًا مخالفا في تشكّله لمنطق الطبيعة كالمُعْجِزةِ والكرامةِ والتصوّف ومناخات المردّة والأطياف. لا بل إن جانبَ المتخيَّل فيه يخترق واقعَ الأشياء والأحياء ويُعيد تشكيل هيئاتها، ومن ثمة يصير باعثا على الحيرة والتردُّد والاضطراب. ولعلّ هذه الصفات تجعل منه ملتقى دَلاليًّا تتزاوج فيه مجموعة من المصطلحات ما فيرقى بذلك إلى مرتبة “المفهوم الجمع” الذي يتوفّر على بنية دَلالية تنهض على مقوّمات شكلية ومضمونية.
7- خاتمة:
- اللامعقول مفهومٌ تصنيفيّ يُكوّن، متى تحقَّقَ في النصوص، جهازا تنظيميّا يحكم مجموعةً من المفاهيمِ ويُظَلِّلُها بظِلالِه الإيحائيّةِ، بل هو مفهومٌ أصلٌ يتوزّع إلى عدّةِ مفاهيمَ فرعيّةٍ لكلِّ واحدٍ منها خصوصيتُه في سياقِ استعمالٍ مَّا يختلِفُ بها عن دلالَةِ غيرِه في السياقِ ذاته، ولكنّ هذه المفاهيمَ الفرعيّةَ المفردةَ تتآلف في سياق استعمالٍ لها أوسع لِتُفيدَ الإنْباءَ بدلالةٍ شاملةٍ هي ما نسمّيه “اللاّمعقول” في الأدب والفنّ وباقي مناشط الفكر.
- اللامعقول مفهومِ ذو منطِقٌ يُحوِّطُ كلَّ ما يخرُجُ عن المُتعارَفِ عليه من أشراط السلوك الاجتماعيّ والأخلاقيّ والثقافيّ بين أفرادِ مجموعةٍ بشريّةٍ مَّا، ومن كيفيّةِ نظرتهم إلى حالِ الأفضيةِ المكانية والزمانيّة وهيئات الكائنات والأشياء ووظائفِها عندَهم.
- في اللامعقول لا تكون الأشياءُ والكائنات إلاّ مخالفةً لقوانين الفكر ومنطِقه حالاً وأفعالاً وأقوالاً، حيث تنشأ بينها علاقات غير معهودة لا تخضع لمبادئ الفطرة السليمة المألوفة، بل تجعلها هي غيرها في الوقت نفسه دون التزامٍ منها بمبدأ الهُويّة المعروف، لا، بل هي تُشوّش تلك العلاقاتِ لتؤسّسَ لمنطق فنّي جديد يحكُم حضورَها وفق نِظاميّةٍ في التشكُّلِ يُمْكن تبيُّنُها في النصوصِ الأدبية.
- يبدو أنّ بلاغةَ منطِقِ اللامعقول، وتحرُّرَه من بلاغةِ المنطق العقليّ، هي التي أكسبته صفةَ التقنية السردية الناجعةِ التي مالَ إليها كثيرٌ من الروائيّين العرب يستعملونَها جِسْرًا للعبورِ من توصيفِ الواقعِ المرْجعِ إلى توصيفِ الواقعِ المتخيَّلِ عبر ما تُبيح لهم من حريّة في صَوغِ شكل المعنى ومادّتِه وذلك في إطارِ ما انخرطوا فيه من موجةِ التجريبِ السرديِّ.
المصادر والمراجع:
المراجع العربية:
- إسلين، مارتن، دراما اللامعقول، ترجمة صدقي عبد الله حطاب، ضمن سلسلة “من المسرح العالمي” العدد 7، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يناير 2009.
- الأصفر، عبد الرزاق: المذاهب الأدبية لدى الغرب، اتحاد الكتّاب العرب، دمشق، 1991.
- الأعسم، عدي، الجانب العقلاني في اللامعقول، الدّار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1984.
- تودوروف، تزافتان، في تعريف اللامعقول، ت. نجوى الرياحي القسنطيني، علامات في النقد، المجلّد 8، الجزء 30، ديسمبر 1998.
- بوحديبة، عبد الوهّاب، المعقول واللامعقول، الدورة الثانية لملتقيات قرطاج الدولية، بيت الحكمة، تونس، 2000.
- الحافظ، منير، المعيار الجمالي في فنّ اللامعقول، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2003.
- حليفي، شعيب، شعرية الرواية الفانتاستيكية، دار الحرف للنشر والتوزيع، المغرب، 2009.
- خليل، أحمد خليل: معجم المصطلحات الفلسفية، بيروت، دار الفكر العربي، 1995.
- أبو ديب، كمال، الأدب العجائبي والعالم الغرائبي في كتاب العظمة وفنّ السرد العربي، تحقيق مع مقدّمة وافية، دار الساقي بالاشتراك مع دار أوركس للنشر، لندن- أوكسفورد، 2007.
- الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق مصطفى حجازي، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1976.
- زين الدّين، نوال، اللامعقول والزمن المطلق في مسرح توفيق الحكيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998.
- الشعلان، سناء كامل، السرد الغرائبي والعجائبي في الرواية والقصة القصيرة في الأردن (1970 ـ 2004)، وزارة الثقافة الأردنية، عمّان، 2004 .
- صليبا، جميل، المعجم الفلسفي، الجزء الثاني، دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة، بيروت، 1982.
- العتيري، رجاة، جدليّة المعقول واللامعقول، دار سحر للنشر، تونس، 2001ز
- العراقي، عاطف، البحث عن المعقول في الثقافة العربية، مكتبة الثقافة الدّينية، القاهرة، 2003.
- المسدّي، عبد السلام، “النقد والمشهد الإنساني”، ثقافات البحرينية، عدد 14، البحرين، 1995.
- العتيري، رجاة، جدليّة المعقول واللامعقول، دار سحر للنشر، تونس، 2001.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، 1979.
- لالاند، أندري، موسوعة لالاند الفلسفيّة، ت. أحمد خليل، المجلّد1، منشورات عويدات، بيروت، 2001.
- محمود، زكي نجيب، المعقول واللامعقول في تراثنا الفكريّ، دار الشروق، بيروت – القاهرة، 1981.
- ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي، دار المعارف، القاهرة ، 1981.
- مويقن، المصطفى، بنية المتخيّل في نص ألف ليلة وليلة، دار الحوار للنشر، سوريا، 2005.
المراجع الأجنبية:
- Aaroux , Sylvain, Encyclopédie philosophique universelle, T 1, PUF, Paris, 1998, p. 1376.
- Bessiere , Irene, Le récit fantastique, Larousse, Paris 1974.
- Rey, Alain Le petit Robert, Société du nouveau littré, Paris 1970.
- Robert, Paul, Le grand Robert, Paris, LE ROBERT, 1992.
- Larousse, Pierre, Le Grand Larousse Universel, Paris, 1994.
- Steinmetz, Jean-Luc, La littérature fantastique, paris, PUF, 1993.
- Todorov, T., Introduction à la littérature fantastique, Paris, Ed. Seuil, 1970.
[1]– حليفي، شعيب، شعرية الرواية الفانتاستيكية، دار الحرف للنشر والتوزيع، المغرب، 2009.
[2]– حليفي: شعرية الرواية الفانتاستيكية، مرجع سابق، ص 21.
[3]– المرجع نفسه، ص70.
[4]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[5]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[6]– الحافظ، منير، المعيار الجمالي في فنّ اللامعقول، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2003، ص 7.
[7]– الحافظ، المعيار الجمالي، مرجع سابق، ص 8.
[8]– المرجع نفسه، ص8.
[9]– المرجع نفسه، ص14.
[10]– المرجع نفسه، ص83.
[11]– بوحديبة، عبد الوهّاب، المعقول واللامعقول، الدورة الثانية لملتقيات قرطاج الدولية، بيت الحكمة، تونس، 2000، ص 5.
[12]– العراقي، عاطف، البحث عن المعقول في الثقافة العربية، مكتبة الثقافة الدّينية، 2003، القاهرة، ص 9.
[13]– الأعسم، عدي، الجانب العقلاني في اللامعقول، الدّار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1984، ص 13.
[14]– تودوروف، تزافتان، في تعريف اللامعقول، ت. نجوى الرياحي القسنطيني، علامات في النقد، المجلّد 8، الجزء 30، ديسمبر 1998.
[15]– اُنظر: حليفي: شعرية الرواية الفانتاستيكية، مرجع مذكور.
[16]– الشعلان، سناء كامل، السرد الغرائبي والعجائبي في الرواية والقصة القصيرة في الأردن (1970 ـ 2004)، وزارة الثقافة الأردنية، عمّان، 2004 .
[17]– أبو ديب، كمال، الأدب العجائبي والعالم الغرائبي في كتاب العظمة وفنّ السرد العربي، تحقيق مع مقدّمة وافية، دار الساقي بالاشتراك مع دار أوركس للنشر، لندن- أوكسفورد، 2007، ص8-20.
[18]– زين الدّين، نوال، اللامعقول والزمن المطلق في مسرح توفيق الحكيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998، ص81.
[19]– المسدّي، عبد السلام، “النقد والمشهد الإنساني”، ثقافات البحرينية، عدد 14، البحرين، 1995، ص 5-6.
[20]– مويقن، المصطفى، بنية المتخيّل في نص ألف ليلة وليلة، دار الحوار للنشر، سوريا، 2005، ص136.
[21]– محمود، زكي نجيب، المعقول واللامعقول في تراثنا الفكريّ، دار الشروق، بيروت – القاهرة، 1981، ص372.
[22]– العتيري، رجاة، جدليّة المعقول واللامعقول، دار سحر للنشر، تونس، 2001، ص6-7.
[23]– العتيري، جدليّة المعقول واللامعقول، المرجع السابق، ص381.
[24]– لالاند، أندري، موسوعة لالاند الفلسفيّة، ت. أحمد خليل، المجلّد 1، منشورات عويدات، بيروت، 2001، ص906.
[25]– ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي، دار المعارف، القاهرة، 1981، مادة (ع،ق،ل).
[26]– الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق مصطفى حجازي، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1976، مادة (ع، ق، ل).
[27]– الزبيدي، تاج العروس، مرجع سابق، ص 709، مادة (ع، ق، ل).
[28]– Sylvain AUROUX : Encyclopédie philosophique universelle, T 1, PUF, Paris, 1998, p. 1376.
[29]– صليبا، جميل، المعجم الفلسفي، الجزء الثاني، دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة، بيروت، 1982، ص 275.
[30]– إسلين، مارتن، دراما اللامعقول، ترجمة صدقي عبد الله حطاب، ضمن سلسلة “من المسرح العالمي” العدد 7، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يناير 2009، ص7-8.
[31]– ابن منظور: لسان العرب، مرجع مذكور، مادة (ع، ب، ث).
[32]– ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، 1979، مادة (ع، ب، ث).
[33]– Le Grand Larousse Universel, Paris, Larousse, 1994, p. 35.
[34]– Paul Robert : Le grand Robert, Paris, Le Robert, 1992, p. 43.
[35]– Auroux : Encyclopédie philosophique, Op.cit., p. 14.
[36] ابن منظور: لسان العرب، مرجع مذكور، مادّة (ف، س، ر).
[37]– خليل، أحمد خليل: معجم المصطلحات الفلسفية، بيروت، دار الفكر العربي، 1995، مادة (عبث).
[38]– اُنظر: الأصفر، عبد الرزاق: المذاهب الأدبية لدى الغرب، اتحاد الكتّاب العرب، دمشق، 1991، ص 184.
[39]– لسان العرب، مرجع سابق، مادّة (ع، ج، ب).
[40]– لمزيد التفصيل يُرجى النظر في الفصل الأول من شعريّة الرواية الفانتاستيكيّة، مرجع سابق، ص ص 17-71.
[41]– Jean-Luc Steinmetz: La littérature fantastique, paris, PUF, 1993, pp. 3-4.
[42]– T. Todorov: Introduction à la littérature fantastique, Paris, Ed. Seuil, 1970.
[43]– Le petit Robert, Société du nouveau littré, Paris 1970, p. 1074
[44]– T. Todorov: Introduction à la littérature fantastique, Ibid., p. 46.
[45]– Le petit Robert, Société du nouveau littré, Paris 1970, p. 684
[46] -Ibid. p. 684
[47]– Ibid., p.29.
[48]– لمزيد التفصيل يُنظر: حليفي: شعرية الرواية الفانتاستيكية، مرجع سابق، ص19-44.
[49]– Irene BESSIERE: Le récit fantastique, Larousse, Paris, 1974, p. 26
[50]– Le petit Robert, Op. cit., pp. 636-637
[51]– T. Todorov: Introduction à la littérature fantastique, Op.cit., p . 46
[52]– إسلين: دراما اللامعقول، مرجع سابق، ص3.