المصالحة بين الدين والفلسفة

المصالحة بين الدين والفلسفة

 

ملخّص:

سنبرز  من خلال هذه الورقة البحثية، إشكالية الدين والفلسفة بشكل عام، ودراسة إمكانية الفصل بينهما في الفلسفة الهيغيلية، عبر تتبع تطوّر النسق الفكري لدى هيغل والمقارنة بين مرحلة الشباب التي تعرف عند بعض الفلاسفة بالمرحلة الدينية، ومرحلة النضج العقلاني الفلسفي، باعتبارها آخر مرحلة في حياة الفيلسوف التي تمّ فيها الحسم والتمييز بين ما هو ديني وما هو فلسفي عقلاني، وبناء على ذلك سنحاول توضيح محدودية هذا التصوّر، مبينا أنّ الدين ظلّ حاضرا في مرحلة برلين، فالدين يعتبر أحد المكونات الأساسية في تفكير هيغل الفلسفي. وسيتم التدقيق في الأمر من خلال الإشارة إلى جل المحاولات الهيغيلية الأولى التي اعتبرت بمثابة مصالحة بين الدين والفلسفة، هذا ما سيظهر في العديد من القضايا بصورة أو بأخرى حتى نهاية مساره الأكاديمي إبان مرحلة برلين، بمعنى آخر رغم الحضور القوي للجانب العقلاني في مرحلة برلين إلا أنّ التأثيرات الدينية تبقى حاضرة. بناء على هذا سنخلص الى أنّ الدين شكّل أحد المرتكزات الأساسية في تصوّر هيغل الفلسفي، بالرغم من كونه حاول تجاوز التطرّق إليه في الكتابات الأخيرة، لقد ظلّ للدين حضور في النسق الفلسفي عامة وبشكل خاص في الفكر الهيغيلي، بلغة أخرى لا يمكن الفصل التام بين الدين والفلسفة داخل النسق الهيغيلي. وسعيا إلى توضيح ذلك سنعتمد على مِؤلّفات هيغل خاصة كتاب مبادئ فلسفة الحق، وكتاب العقل في التاريخ(فلسفة التاريخ). بالإضافة إلى كتاب كانط الدين في حدود مجرد العقل، الذي له تأثير وحضور في البناء الفلسفي الهيغيلي خصوصا فيما يتعلّق بالدين.

الكلمات المفاتيح: الدين – الفلسفة – المصالحة – مرحلة الشباب – مرحلة برلين.

Abstract:

Through this research paper, we will highlight the problem of religion and philosophy in general, and study the possibility of separating them in Hegelian philosophy. This will be done by tracing the development of Hegel’s intellectual framework and comparing the stage of youth, which some philosophers refer to as the religious stage, with the stage of philosophical maturity as the final stage in the philosopher’s life, where a distinction is made between what is religious and what is rational and philosophical. Based on this, we will attempt to clarify the limitations of this perspective, demonstrating that religion remained present in Hegel’s Berlin period. Religion is considered one of the fundamental components in Hegel’s philosophical thinking. We will examine this matter by referring to most of Hegel’s early attempts, which were seen as a reconciliation between religion and philosophy. This will be evident in various issues throughout his academic career until the Berlin period. In other words, despite the strong presence of the rational aspect in the Berlin period, religious influences remain. Consequently, we conclude that religion constituted one of the fundamental pillars in Hegel’s philosophical conception, despite his attempts to move beyond it in his later writings. Religion continued to have a presence within the general philosophical framework and particularly in Hegelian thought. In other words, it is impossible to completely separate religion from philosophy within the Hegelian framework. To clarify this, we will rely on Hegel’s works, particularly The Philosophy of Right and The Philosophy of History. In addition, we will consider Kant’s book Religion within the Boundaries of Mere Reason, which had an impact and presence in Hegelian philosophical construction, especially regarding religion.

Keywords: Religion – Philosophy – Reconciliation – Stage of youth – Berlin period.


1- مقدّمة:

لقد شكّل الدين لدى هيغل في مرحلة الشباب محور اهتمام أساسي، وقد امتدت هذه المرحلة لمدة ثلاثين سنة والتي يمكن تقسيمها إلى مراحل: مرحلة شتوتغارت، ومرحلة توبنغنوبيرن، ومرحلة فرانكفورت، ومرحلة يينا. وتعدّ مرحلة توبنغن التي تمتد من سنة 1788 إلى سنة 1793، مرحلة التكوين الديني التي قضاها هيغل في المعهد الديني البروتستانتي، أما مرحلة بيرن* التي تمتد من سنة 1793 إلى 1796[1]، وهي المرحلة التي كان هيغل متحمّسا فيها دينيا إلى درجة أنّه كان من الممكن أن يصبح قسيسا أو رجل دين لذلك نجده في مرحلة الشباب يحاول التوفيق بين الأضداد من خلال ما هو ديني بالابتعاد عن التحليل النظري، كما تكشف عن ذلك كتاباته اللاهوتية الأولى، ولعلّ أبرزها :روح الديانة المسيحية ومصيرها، ومجمل المذهب، حيث تمكّن من إيجاد الحل لمشكلة التضادّ في فكرة المحبة المسيحية.

كان هيغل الشاب يرى في البداية أنّ المصالحة موجودة في تاريخ المسيحية المتعلّقة بانفصال الإنسان عن الله بسبب الخطيئة التي ارتكبها، والتي سيتم مسحها عن طريق التكفير عنها من طرف المسيح، مما يجعل المصالحة تتحقّق بين الإنسان في الديانة المسيحية[2]، من جهة أخرى نجد في الإسلام أنّ المصالحة قد أخذت مكانة كبيرة فيما يخصّ عدد من التأويلات المرتبطة بها والتي تعني مصالحة المسلمين مع أنفسهم، وأيضا تسامحهم مع الديانات الأخرى، باتباع ما يقوله الشرع المتمثل في القرآن والسنة، من أجل توقيف الحرب وإحلال السلام في العالم؛ بالرغم من أن سيادة السلام وعدم تبني خيار الحرب يبقى من الاشكالات التي يصعب معها تحقيق فكرة المصالحة سواء في الإسلام أو في الفلسفة الهيغيلية.

لذلك نجد مفهوم المصالحة عند هيغل متشابه مع ما هو عليه الأمر في الديانة المسيحية، بشكلها الكلاسيكي الذي وفقه يتوافق البشر في عملهم مع عمل المسيح الذي تحدث معه المصالحة[3]. هذا بالنسبة إلى المرحلة الأولى للتطوّر الفكري لدى هيغل، الذي سوف يتغيّر نسبيا انطلاقا من مرحلة فرانكفورت* (تمتد من سنة 1797 إلى سنة 1800) التي ستصبح فيها فكرة المحبة المسيحية للشخص أو المصالحة الجدلية أفقا يتجاوز المجتمع القائم على الصراع؛ وفي هذا الإطار توجد تفسيرات كثيرة ومختلفة ومتناقضة لكتابات مرحلة الشباب عند هيجل،  فمثلا نجد هايم من خلال تفسيره لمرحلة الشباب عند هيجل يعطي العنصر اليوناني الأولوية في تفسيره، كما يرى أنّ هيغل جمع بين الصوفية والعقلانية. وهذه الصوفية تعمّقت في تاريخ المسيحية وهذا التعمّق أصله يوناني وليس مسيحيا لأنّ هيجل يستند إلى الثقافة اليونانية، ونزعته الإنسانية أقوى من مسيحيته، فـهايم يرى أنّ محبة هيجل لهذه الثقافة اليونانية الكلاسيكية حرّرته من الصراع بين عقلانية التنوير وتيار الشعور الرومانسي المعاكس لها، كما انتقده من خلال عرضه للمسيحية على أنّه استخدم تصوّرات ومفاهيم قديمة، بحيث إنّ قدر يسوع تحوّل إلى مأساة يونانية، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الوحدة هي ما كان يميزّ الإنسان اليوناني، وهذا ما فقد في العصور الحديثة. وهذا التفسير يتجاوز ما هو ديني ويبرز ما هو إنساني – سياسي حديث[4]، وهناك أيضا تفسيرات أخرى تتميّز عن السابقة بإبرازها لما هو اجتماعي، ولا تترك للدين استقلاليته، مما جعل هايم يعتبر أنّ وضعانية الدين المسيحي تبحث في العلاقة بين المجتمع الديني والمجتمع المدني، أي كل ما له علاقة بما هو اجتماعي، هذا ما سيقود لوكاش إلى الإقرار بأنّ هيجل هو فيلسوف ذاتي متطرف وملحد ثوري وجمهوري الميول، كما أنّه استوعب الثورة الفرنسية، وعالج الثورة الصناعية، وربط مشاكل الاقتصاد الإنجليزي بمشاكل الفلسفية والجدلية واكتشف الترابط الداخلي بين الاقتصاد والفلسفة، وبهذا وفق لوكاتش فقد  فتح هيغل أفقا جديدا للفلسفة[5]. مما يعني حسب لوكاش أنّ هيغل خلال مرحلة الشباب جمع بين ما هو نظري وعملي في تصوّره الفلسفي الخالص.

قبل التمييز بين المراحل السابقة ومرحلة  فرانكفورت التي نعتبرها بداية الانتقال الفعلي نحو الفلسفة والتي تظهر فيها المصالحة بين الدين والفلسفة، لابد أن نشير إلى أنّ المرحلة الأولى (شتوتغارت) انطلقت منذ فترة ولادته سنة 1770 إلى سنة 1788  وهي ليست مرحلة ذات أهمية من ناحية التأليف والإبداع، لأنها تتألف من مذكرات شخصية ومدرسية منها مسابقات  وعدد كبير من المقتبسات التي جمعها هوفمايستير في كتاب نشره بعنوان وثائق حول تطور هيجل يقر فيه بأن هيجل يدعو إلى النقد العقلاني للمجتمع وللكنيسة والدين، وينتقد طقوس العبادة والذبائح والكهنة الذين يمارسون سلطتهم مستغلين جهل البشر، كما ينتقد أيضا التشبيهات الإنسانية، اعتمادا على المؤلفات التي تشمل الفروض المدرسية والمذكرات الشخصية والمقتبسات التي تترك مجالا واسعا للتربية، لقد كان هيغل يهتم بالكتب الأدبية والفلسفية، كما أنّه تأثّر بحركة التنوير، فكانت اهتماماته في هذه المرحلة تدور حول القضايا النفسية والتاريخية، ومن ثم التاريخية الثقافية. في حين تميزّت المرحلة الثانية (توبينغن) بتحمّسه للدين، وقد تزامنت هذه المرحلة مع دراسته بمعهد توبينغن اللاهوتي (1788-1793) الذي تابع فيه دروسه الفلسفية واللاهوتية، حيث كان الأساتذة يدافعون عن النظام التقليدي للفلسفة واللاهوت العقائدي، ففي هذه المرحلة تلقى هيجل ثقافة متأثّرة بالتنوير من خلال قراءته لكتب أفلاطون وكانط وروسو وليسنغ ومندلسون[6]. فقد كان هيغل في غضون هذه المرحلة يعتبر أنّ الإنسان هو محور كل شيء من حيث هو كائن عاقل وله أيضا رغبات وحاجات طبيعية، لذلك كان يعترف بالدور التربوي للدين لتأطير هذه الرغبات والحاجات من داخل المجتمع، وهو ما يعني النظرة الإجتماعية الجماعية للدين، وفي المقابل كان كانط ينظر إلى الدين من وجهة نظر فردية، خلافا لهيجل المتأثّر بالأفكار السياسية الجديدة التي كانت تنظر إلى الدين من وجهة نظر جماعية، فكان يتساءل عن الشروط التي يجب على الدين أن يفي بها كظاهرة اجتماعية (عقائد، مؤسّسات، احتفالات وعلاقات مع الدولة) حتى يمثّل دورا تربويا في حياة الشعب. وكان يتساءل بالتحديد عمّا إذا كان الدين المسيحي يفي بهذه الشروط[7]،  لذلك نحا اهتمام هيغل الفكري منحى علميا اجتماعيا. وقد أخذ هيجل عبارات روح الشعب ودين الشعب … من هيردر و مونتسكيو، كما أنّه سلك اتّجاها مختلفا عن المسار التقليدي للمعهد اللاهوتي[8]، وهذا ما يؤشّر على بداية حضور التأثيرات الفلسفية في مساره.

 انطلق هيغل في غضون مرحلة توبنغن من الدين باعتباره واحدا من أهم شؤون حياتنا، وهذا ما يدلّ على التزامه الديني، كما أنه طرح أيضا قضية طبيعة الله وعلاقة العالم به، والعلاقة العلمية بين الله والإنسان، معرّجا على الكلام عن دور كل من العقل والحواس معترفا بأنّ الطبيعة الحسّية هي العنصر الأساسي والرئيس في كل عمل أو جهد للإنسان، وبالتالي فإنّ الدين ليس مجرد علم بالله وبصفاته ولعلاقتنا وعلاقته بالعالم، سواء أحصلنا على معرفة ذلك بالعقل أو بطريقة أخرى؛ بل إنه يعني القلب لأنه يؤثرّ في قراراتنا ومشاعرنا وإرادتنا، وهذا ما يسمّى بالدين الذاتي، الذي يمكن التمييز بينه وبين الدين الموضوعي[9]، فالأول يرتبط بالإيمان من حيث هو موضوع للتأمل، مما يجعل الفهم والذاكرة يقومان بالبحث فيه. أما الدين الموضوعي فيكون قابلا أن يعرف بالعقل أو يتخذ شكل نظام أو يعرض في كتاب. إنّ التمييز بين الدين الذاتي والموضوعي شكل محورا أساسيا في هذه المرحلة وذلك رغم ما يطرحه من اختلافات بين اللاهوتيين. إذ أنّ عودة هيغل إلى موضوع اللاهوت والدين، جعله يوضّح أنّ اللاهوت شأن خاصّ بالفهم والذاكرة، أما الدين فهو شأن خاصّ بالقلب، وبالتالي لا بد لكليهما من قوى واستعدادات نفسية مختلفة؛ فإيمان العقل العملي بالله وخلود النفس عنصران أساسيان ومهمان لأنّ الدين يولد منهما، و لا يختلف في هذا الإطار هيغل عن كانط، لأنّه أعاد أيضا الدين إلى أصل أخلاقي[10]. ما يعني بشكل أو بأخر حضور التأثيرات الكانطية في المتن الهيغيلي.

2- التأثير الفلسفي الكانطي في هيغل:

إنّ معالم التأثير الكانطي في فلسفة هيغل تبدو واضحة من خلال بواكير أعماله في مرحلة الشباب، التي أهتم فيها هيغل بكتابات كانط المرتبطة بتصوّراته الدينية والأخلاقية، مما جعله يعمل على التوفيق بين الدين والفلسفة كما يظهر ذلك من خلال مقاله “حياة يسوع”، وإن كان قد هاجم الديانة المسيحية الكاثوثيكية وهو تحت تأثير الفلسفة الكانطية عندما كان بمدينة بيرن، ويظهر ذلك بالخصوص في مقالة “وضعية الديانة المسيحية”[11].

وبالرغم من أنّ المنحى الأخلاقي في علاقته بالدين سيتمّ الحسم فيه مع كانط بشكل صريح حينما صرح في افتتاح تصدير الطبعة الأولى من كتابه الدين في حدود مجرد العقل أنّ الأخلاق باعتبارها “مؤسّسة على مفهوم الإنسان لا تحتاج أبدا فيما يتعلّق بذاتها إلى الدين. بل هي مكتفية بذاتها”[12]. إلا أنّه يقر ّ بأنّ الأخلاق تقود إلى الدين وليس الدين هو الذي يقود إلى الأخلاق، وذلك عندما يكون الإنسان حرّا في تقرير مصيره، فالعبادة بالنسبة إليه هي نوع من الاحترام الذي يساعد العقل الفردي على تمثّل أكبر قدر ممكن من الاحترام لأجل وأروع غاية نهائية ممكنة للوجود الإنساني على الأرض، “الذي هو الاحترام الأعظم”[13].

ويظهر من خلال هذا القول الكانطي أن هناك صراعا حادا بين رجال الدين والفلاسفة الذين يؤمنون بالعقل وقدرته على إصدار الأحكام. ولكن هذا لا ينفي كما يرى كانط في نفس الكتاب عدم وجود الشر في الطبيعة الإنسانية، فالفرد في نظره يعيش دائما صراعا داخليا بين ما يمليه عليه عقله وما تمليه عليه رغباته ونزواته الطبيعية، وهذا ما يسميه بصراع مبدأ الخير ضد مبدأ الشر  واللذان يسعى كل منهما إلى الهيمنة والسيطرة على الإنسان، وهو ما لا ينفي إمكانية انتصار مبدأ الخير على مبدأ الشر من أجل إقامة مملكة الرب على الأرض[14]، مما يبين ويثبت كذلك أن كانط كان يتصارع مع رجال الدين ليس فقط من أجل الصراع؛ بل من أجل ما هو أحسن وأفضل للوجود الإنساني في شموليته. وهذا ما تؤكده عبارته التالية: “ليس علينا أن نتصارع مع اللحم والدم (أي ضد الميول الطبيعية)؛ بل مع الأمراء والجبارين_ مع الأرواح الشريرة”[15]. هذه الفكرة تبين حضور الجانب الديني في فكر كانط رغم أنه حاول دراسة الدين دراسة نقدية محدودة في إطار العقل وحدوده. وهنا يجب الإشارة إلى أن التفكير الكانطي الذي كان يهدف إلى تحديد قدرة العقل البشري على استيعاب المطلق، الذي حدده باعتباره لانهائيا[16] مما جعله يقع في مشكلة أخرى مرتبطة بتحديد ما لا يحدّ (المطلق) بما هو محدود (العقل).

إنّ مقال هيغل “حياة يسوع” يكشف بشكل واضح مدى تأثر هيغل بكانط، ذلك أن هناك شبه إجماع على أنّ هيغل في “حياة يسوع” يستحضر فلسفة كانط الدينية التي عرضها في كتابه الدين في حدود مجرد العقل، الذي صدر سنة 1793 ومن المؤكد أن هيغل درسه في بيرن. وهذا ما أكّده أيضا ديلثاي، الذي اعتبر أن هيغل فسر حياة يسوع وتعاليمه في ضوء فلسفة كانط الدينية[17]. فيسوع هو مثال الفضيلة، كما أن هيغل أبعد من تفسيره كل ما له علاقة بالعجائب والأسرار والنعم، لأنّ ذلك ضربا من الخرافة باعتبارها اعتقاد خاطئ. وهو ما ينطبق أيضا على الاعتقاد بالقيامة والصعود الى السماء في دين هو ضمن حدود العقل المجرد. وبالتالي لا يختلف تصور هيغل و كانط حول هذه الاعتقادات.

يبدو من خلال ما سبق مدى التطابق بين نظرة هيغل إلى يسوع ونظرة كانط الفلسفية، رغم أنّ هيرنغ لا يرى أي تأثير لكانط على لهيغل فيما يخص أفكاره وتصوراته في “حياة يسوع” التي يجب عدم فهمها وفصلها عن تقدم مسار تفكيره، فهي حسب هيرنغ ليست سوى ”دفاع عن خلقية يسوع”[18]. وهو ما يمكن أن نعقب عليه بالنفي وذلك نظرا لكون هيغل في سياق حديثه عن وضعانية الدين المسيحي وحديثه عن يسوع والدين اليهودي[19]، يكشف عن مدى حضور التأثير الكانطي، من خلال انطلاق  هيغل وإيمانه بالمبدأ المتمثّل في كون أن ماهية كل دين حقيقي موجودة في خلقية الإنسان ، ويظهر هذا التأثير أيضا  من خلال إقرار هيغل بكون أنه  لا يوجد فرق بين وضعانية الدين المسيحي وحياة يسوع، وذلك لكون أن الاخلاق هي التي تقود إلى الدين وليس الدين هو الذي يقود إلى الأخلاق، ناهيك عن كون التأثير الكانطي كان حاضرا لدى هيغل الشاب منذ مرحلة بيرن، واستمر في المراحل الموالية.

أما مرحلة بيرن (1793-1796) فبالرغم من حضور التأثير الكانطي فيها، فإنّها خضعت بدورها لمجموعة من القراءات، من بينها قراءة ريبستوك الذي يرى أنّ الجزء الخاص بـ توبينغن تسيطر عليه وجهة نظر أنثربولوجية- شعبية، بينما تسيطر على الأجزاء التالية- مرحلة بيرن- وجهة نظر سياسية، بحيث إنّ ”العلاقة بين علم الأخلاق العقلي والدولة حلّت محلّ اتحاد القوى النفسية الإنسانية وروح الشعب، لكن هيرنغ وشتينبوخل يرفضان هذا الفصل بين جزء توبينغن وأجزاء بيرن”[20]. لأنّهما يعتبران أنّ هناك توسيع تدريجي لنقد المسيحية في شكلها الأول ولدور الدولة. مما يعني أنه ليس هناك إجماع حول حضور التأثير الكانطي في هذه المرحلة.

شكّل الدين أيضا محط اهتمام هيغل في مرحلة ييناJena انطلاقا من سنة 1801 إلى حدود 1807*، ولم يكن الاهتمام فقط فلسفيا؛ بل هو اهتمام شخصي تجاوز فيه الدين إلى المسيحية وشخص يسوع في مقابل هذا التصور الذي يولي أهمية كبرى للدين، نجد من يخالف هذا الأمر كما هو الشأن بالنسبة للوكاتش والذي ينفي انشغال هيغل بالدين كما سبق أن أشرنا آنفا.

وتظهر أيضا في هذه المرحلة علاقة هيغل بصديقه شيلنج وضدا على خصمه فيشته، إلا أن هيغل سيغير موقفه في شلنج لاحقا، وسينقلب عليه وعلى نسقه الفلسفي.

3- هيغل وشيلنج:

في غضون مرحلة يينا،التي سينشئ خلالها شلنج وهيغل المجلة النقدية ستتوطّد العلاقة بينهما أكثر لأنّ شلنج كان زميلا لهيغل في مرحلة توبنغن الدينية، ففي هذه المرحلة تأثر هيغل بشكل كبير بأفكار صديقه، ما جعله يدافع عن نسقه الموضوعي، في مقابل النسق الذاتي لفيشته، وهو الأمر الذي سيحاول تجاوزه فيما بعد عندما سيقدم نقدا لفلسفة شلنج.

 ففي المراسلات المتبادلة بين هيغل وشيلنج (1794-1796) تم العثور على مراسلة ختمها هيغل بشعار توبينغن:[21] ” ليأتي ملكوت الله ولا تكن أيدينا باطلة في الحضن[…] ليبقى العقل والحرية شعارنا ونقطة اتحادنا الكنيسة غير المنظورة”[22]. فالكنيسة غير المنظورة التي لا سلطة خارجية فيها ولا إيمان وضعي، هي تلك الجماعة التي تقوم على العقل والحرية. إن هذا الاهتمام المشترك بين هيغل وشيلنج أعاد بينهما صداقة أيام توبينغن. ففي المقال الحامل لعنوان”أقدم برنامج للمثالية الألمانية”، هناك من يرى أن هذا النص يتضمن نقدا للدولة الحديثة، مما جعل البعض يعتبر أن هيغل ليس هو مؤلف كتاب ”البرنامج”،لأن هيغل رفض في مرحلة بيرن الدولة الحديثة، وفضل المدينة القديمة. فالمساواة بين الفكرة والحرية هي فكرة خاصة بهيغل الذي استعمل أيضا فلسفة الحرية الكانطية في المجال السياسي التاريخي[23]. أما الحرية الحقيقية فتعني استقلالية الإنسان عن كل عنصر غريب، فلا اغتراب ديني ولا خروج للذات من ذاتها[24].

4- مرحلة فرانكفورت (1797-1800):

بلور هيغل خلال هذه المرحلة جزءا مهما من  مشاريعه حول الدين والحب، وفيه يعطي الجانب العملي وجودا نظريا، بحيث سيصبح الإيمان في هذه المرحلة وضعيا، وهذا الإيمان الوضعي جعل من تصوره شيئا موضوعيا، لا يستطيع أن يكون ذاتيا كما عرفنا في المرحلة السابقة، وهنا لم تعد تعني الوضعانية الخضوع للتقاليد والسلطة الخارجية، بل أيضا الظروف الموضوعية، فيختلف الإيمان العملي عن الإيمان الوضعي، لأن الأول (الايمان العملي) يستند إلى الإيمان بفاعلية الإنسان، أما الثاني (الايمان الوضعي)  فهو يستند إلى سلطة خارجية تتجاوز حدود الأنا[25].

يحاول هيغل في مرحلة فرانكفورت البحث في روح المسيحية وأن يتجاوز الاغتراب والانقسام من خلال وحدة الإنسان مع الطبيعة، وأيضا الإنسان مع الإنسان ومع الله. ولهذا أبرز أهمية المصالحة بين الحياة والحب الذي يحرر الإنسان ويبعده عن كل سيطرة[26]. ونجد الموقف عينه بالنسبة إلى يسوع، حيث إنه تجاوز التنوير وكانط مرة أخرى، عندما اعترف أن يسوع هو ابن الله. إنه لم يكتف بالكلام عن ”الله في يسوع”، بل تكلم أيضا عن ”يسوع في اللاهوت”، وبالتالي على العالم والطبيعة والإنسان أيضا في اللاهوت. وقد يؤدي ذلك إلى وضع تجسد ابن الله في خدمة مشروع تمجيد إنساني للإنسان. ويبقى التأثير اليوناني مسيطرا على تفسير هيغل لمفاهيم الوحدة والكل والعالم والإنسان والحب والإيمان[27]. وعلى النقيض من ذلك نجد تفسيرات لكتابات فرانكفورت ولروح المسيحية ومصيرها، والتي يمكن اختزالها في تفسيرين: الأول يقوم على الديني، أمّا الثاني فإنّه يفسّر المسيحية اقتصاديا اجتماعيا.

     إن شميت- يابينغ يتحدث عن ملامسته لنوع من التقدّم المزدوج عند هيغل في علاقة مع موضوع الحب، من حيث أنّ الحبّ يمثّل جانبين الأول يظهر في كمال الأخلاق الكانطية التي تقوم على الواجب ومقاومة الميول. وهو ما يعني أيضا أن الحب في عمقه يكشف عن حقيقة الله الذي يتأسس على الحب، وهذا ما يجعل من الله ليس كشيء مصادر أو خارج الواقع؛ بل ”حقيقة واقعية قابلة للاختبار” متجسدة في الحب. أما الجانب الثاني، فهو يتجلى في الجمع بين الإرادة الكلية والميول. إن هذا الفهم المزدوج الذي يقدّمه شميت يبرز الجانب السلبي لهذا الفهم، وهو يقوم على تنحية مقولة الإرادة بحيث في نظره يقترب الفعل الديني من ”الاختبار الإستطيقي” محلّ ”إرادة الحبّ الخلقية”، كما نجدها في الكتاب المقدّس. وممّا لا شكّ فيه أن كل هذا يعود إلى تأثير هولدرلين على هيغل في مرحلة فرانكفورت، بما يعنيه هذا التأثير من إحلال مفهوم الحب اليوناني محل الدين العقلاني الكانطي لمرحلة بيرن.

أمّا غويرينو فيرى أنّ هناك فكرتان أساسيتان تحددان صورة الله عند هيغل في مرحلة فرانكفورت، الفكرة الأولى هي أن الله أب، وفي هذا ما يبرر الله باعتباره إلها ويتجاوز فكرة الإلوهية. أمّا الفكرة الثانية، فتعني شكل الله الذي ينتج عن اكتمال الشعور بالصورة، كما تشير إلى التأثير اليوناني الذي يجعل من الباقي والأزلي صفة إلهية، في حين أن الحدث معرض للفساد المتناهي[28]. ويرى هيرنغ أن هيغل تأثر بيوحنا بالنسبة إلى مفهومي الحب والمصالحة، وأن مفهوم الحب لديه مفهوم شخصاني مسيحي. ويرى أيضا أن هيغل ينظر إلى علاقة الذات والموضوع كأنها علاقة حبّ على العكس من كانط وفيشته وشيلنغ. وهكذا فإنّ دين الحبّ المسيحي عند هيغل قد سيطر على المثالية اليونانية، وبالتالي فهيغل يصالح القدر بالحبّ انطلاقا من اهتمامه بقدر يسوع في الأناجيل[29].

إنّ لفكرة القدر في مرحلة فرانكفورت جانبا إيجابيا في نظر لوكاش، لأن هيغل انتقد إنكار كانط لتناقضات فكرة الواجب وبالتالي لتناقضات المجتمع البورجوازي. أما الجانب السلبي لها، فيقوم على إعادتها إلى الفرد في حين أنها تنشأ عن الترابط الاجتماعي الموضوعي. إن فكرة مصالحة القدر دينيا بواسطة الحب تشكّل ابتعادا عن النظرة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية التاريخية التي يجب أن ينظر إليها من وجهة نظر اجتماعية تاريخية لا فردية.

لا يقبل لوكاتش بأن يتميز الحب عن الدين، كما فعل هيغل، لأنه يتصوّر الدين شأنا خاصّا بفرد معزول اجتماعيا، ولأن مصالحة القدر بواسطة الحب هي هرب من حاجات الطبيعة الإنسانية بكاملها. فالدين عند هيغل هو تأليف وتركيب لكل ماهو عملي ونظري، وهو إلغاء لكل ثنائية بين الإنسان والعالم وبين الإنسان والله، لكن لوكاتش يرى ثنائية في كل ذلك انطلاقا من نظرته الماركسية إلى الدين، هذا ما سيجعله يكتشف أيضا وجود تناقض في مرحلة فرنكفورت، وذلك لكون هيغل في نظره عمل على إلغاء وضعانية الدين المسيحي بواسطة الدين من خلال تطلعه للحياة الدينية المسيحية وبالمقابل فهذه الوضعانية “نقص من الذاتية الخالصة في المسيحية إزاء مقتضى الموضوعية”[30].  ولكن بالرغم من هذا فهو يدافع عن هيغل لكونه كان لديه حس واقعي استشفه من تناقضات المجتمع الحديث فإستوعب هذه التناقضات، ولم يبقى مرتبطا بالتصور بالقروسطى للمسيحية كما هو الأمر بالنسبة للرومانسيين.

إنّ معالجة قضية الحياة جعل هيغل يعمل على تحديد الحياة الفردية ويقوم بوضع تعيينات وتحديدات لها وفي نفس الوقت وضع سلبها أي يناقضها، وذلك لكون الحياة بالنسبة اليه تحتوي مجموعة من التضادات والعلاقات، فكل إنسان له حياة فردية خاصة تجعله مغايرا عن باقي الأفراد، وله حياة فردية تتحدد وتتميز عن حياة باقي الأفراد، وهو ما يجعل من الفرد موجودا ومرتبطا بكلية الحياة التي  تنقسم بدورها إلى أجزاء، فالفرد يشكل جزءا وتشكل الأجزاء الأخرى الباقي الكلي المختلف والمتعارض والذي قد يصل إلى مستوى التضاد والتناقض فالكلي والجزئي يوجدان في الحياة الكلية التي تضمن الجزئي والكلي معا، فعندما تكون الحياة  مجزءة فآنذاك لن يشكل الفرد جزءا من الكلي، في حين أن البناء النسقي المنطقي الفلسفي الهيغيلي ينبني على الجزئي والكلي معا، مما يعني أن الجزء يمكن أن يكون مغايرا لذاته ومختلف عن الكلي، لكن رغم ذلك فهو يظل مندمجا ومنصهرا في الكلي، مما يجعل من الكلي بدوره يحافظ على خصوصية الجزئي أو الفردي في آن واحد. وبالتالي تكون مختلف الأحياء (الكائنات) تجليات لهذه الحياة الكلية، بحيث يكون تنوعها في شكل نقاط قائمة، ثابتة، أي في شكل أفراد. بالمقابل يمكن أن يكون الحي موضوعا، حينها ستكون الحياة خارج حياتنا المحدودة لا متناهية في تنوعها وتضادها وعلاقاتها. فهذا التضاد والعلاقات التي تجعل كثرة لا متناهية من الأفراد، هي أيضا وحدة تشكّل كلّا متفردا ومنظّما في آن واحد، أي أن تلك الكثرة والوحدة هما ما يحدد الطبيعة. فهذه الطبيعة “هي وضع للحياة، ذلك أنّ الانعكاس أتى الحياة بمفاهيمه كالعلاقة والفصل، كالفرد القائم بذاته والمحدود وكالكلي المرتبط واللامحدود، وجعل منها الطبيعة بقوة الوضع”[31]. وبالتالي فلا يمكن النظر إلى الحياة كاتحاد وعلاقة؛ بل كتضاد أيضا. فإذا قلنا إنّ هذه الحياة هي ارتباط التضاد، فيمكن أن يعزل هذا الارتباط ويعترض عليه بأنه يضاد الارتباط: “علي أن أعبر عن ذلك بقولي إن الحياة هي ارتباط الارتباط اللا ارتباط، أي أنّ كل عبارة هي من نتاج الانعكاس، وبالتالي يمكن أن نبين أن لكل شيء موضوع شيء آخر مستثنى”[32]. أي أن تحديد الحياة هذا يقابل بالعبارة الشهيرة التي تحدد المطلق على أنه “هوية الهوية واللاهوية”، أي هوية الهوية والفرق. ويخالف هيغل في ذلك شيلنج الذي يرى أن المطلق هو “هوية الهوية” لأن هذا يعني أن المطلق لا يتضمن الفروق التي تنتج عنه معالجة فكرة مشكلة المطلق عند كانط في علاقة بمحدودية العقل، لأن المطلق عند هيغل يتضمن في ذاته ما يناقض به ذاته القائمة على التغيير والتحول المستمر. ويظهر هنا كيف أن هيغل يحاول أن يعالج مسألة الحياة بشكل فلسفي محاولا في ذلك استثمار الجانب الجدلي، والذي كان لازال في بداية تشكله وتطوره الأولى، وبالرغم من كونه قد يحمل في ذاته عناصر وحدته الدينية القائمة التي قد تبدو أنها قائمة على الحب.

إن الوضعانية تحصل إذا ما وحّد بين ما لا يقبل التوحيد، وحيث تخضع الطبيعة للفصل الأبدي. فإن هذا الموحد، أي هذا المثال، إنما هو بالتالي موضوع. ويفسّر هيغل كلامه قائلا: ”إننّا لا نستطيع أن نضع المثال خارجا عنا، وإلا لكان موضوعا، ولا فينا فقط، وإلا لما كان مثالا، فتجاوز الداخل والخارج يتحقق في الدين والحب فقط: إن الدين هو واحد من الحب، وإن المحبوب ليس مضادا لنا، فهو واحد مع كياننا. إننا نرى فقط ذاتنا فيه، ومن ثم ليس هو نحن-أعجوبة، لا نستطيع أن نستوعبها”[33]. هذا بالنسبة للدين أما بالنسبة للحب فهو يؤدي الى الدين، إذا ارتبط بالتصور بفضل المخيلة بين الفعلي والممكن، فالحب له بعد ديني وأنطولوجي بارز، لهذا فهو ليس شعورا لا عقلانيا أو سريا خفيا[34].

إنّ الحبّ لا يحتوي هذا الكل كأنّه مجموعة أشياء كثيرة، جزئية ومنفصلة، لذلك فالحياة ذاتها تجد ذاتها فيه باعتبارها مضاعفة لهذه الذات وكوحدة لها. إن الحياة اجتازت الدائرة حتى بلوغ الوحدة الكاملة بفضل التطور، وانطلاقا من الوحدة غير المطورة. فهناك إمكانية الفصل في العالم تقف في مواجهة الوحدة غير المطورة. إن الانعكاس ينتج في التطور مزيدا من التضاد الذي يتوحّد في الميل المشبع، وذلك حتى يضع هذا الانعكاس الإنسان في تضاد مع ذاته، مما يجعل الحب يلغي الانعكاس في فقدان كامل للموضوع، ويسلب المضاد كل طابعه باعتباره غريبا، وتجد الحياة ذاتها بدون أي نقص. إنّ المنفصل لا يزال في الحبّ، لكن ليس كمنفصل، بل كواحد، وإن الحي يشعر بالحي[35].

 إذن الحبّ هو الشعور بالأحياء، الموحّد بين المتحابين، المزيل كل ما يضاد الوحدة[36] أما الإيمان والوجود، فبهما تتحدد الطريقة التي يكون بموجبها الموحد موجودا في تصورنا، هذا الموحد الذي تتوحّد فيه المتناقضات، بما يجعل من التوحيد فعالية. هذه الفعالية إذا ما انعكست يمكن لها أن تكون موضوع إيمان. وهذا يعني أن طرفي التناقض والتضاد يتوحّدان في تصورنا كإيمان، فالتوحيد يقتضي التناقض بين الطرفين، والعلاقة بينهما تقوم على التناقض الذي قد يبلغ حالة من التمزق، إن التناقض كامن في الحياة. كما أن الانفصال بين الطرفين هو إذا موضوع شعور، وهذا الشعور ممكن على أساس وعي مباشر بالوحدة، فالوعي بالتناقض يقتضي الشعور بالوحدة، والتناقض الذي يقوم على علاقة تضاد بين طرفيه، وبالتالي فلا يمكن أن نعي بالتناقض إلا في حال ترابط هذين الطرفين مع بعضهما البعض ضمن الوحدة؛ وبالتالي فالتوحيد هو أيضا أساس الوجود[37].

 فضرورة الانتقال من الأطراف المتضادة إلى التوحيد فيما بينها، إنما هو موضوع برهان. أي أنّ البرهان ينتهي عند ضرورة التوحيد ووجوده، فهما موضوع إيمان[38]. فالإيمان الوضعي يوحد بين المتضادات وإن كان الأمر بشكل غير كامل[39]. وفي محور الملاحظات المتعلق بالرسائل السردية حول العلاقة الحق بالدولة، يتبين أن هيغل يهتم بشؤون السياسة في مرحلة فرانكفورت، لكن الاهتمام الديني ظل يسيطر عليه بشكل أكبر[40].

أما في “روح المسيحية فإن موسى لم يختبر التنفيذ الكامل لتشريعه الذي لم يتحقق في أية مرحلة من مراحل تاريخ الشعب الإسرائيلي. إن كل أحوال هذا الشعب حتى اليوم ليست ‘سوى نتيجة وتطوّرا للقدر الأصلي، الذي أساء الشعب الإسرائيلي معاملته أو سوف يسيئها، حتى يصالحه بواسطة روح الجمال ويلغيه بواسطة المصالحة[41]. أما من جهة تفسير الكتاب المقدس، فإنّ هيغل يبدو كأنه يجعل من إله العهد القديم إلها رهيبا، عكس إله العهد الجديد الذي هو المحبة. ومن تم فإنه نسي أن علاقة الله مع الإنسان في العهد القديم هي علاقة اختيار وعلاقة نعمة بين شخص وآخر. إنّ هيغل لا يزال يرى أنّ مثال الوحدة بين الإنسان والآخر، بينه وبين الطبيعة والله، إنما تحقّق عند اليونانيين. إنهم يتميزون بديمقراطية المدينة وثقتهم بنفوسهم وعملهم وبتدينهم المليء بفرح الحياة. بينما الشعب اليهودي، على العكس، انفعالي متشائم ومرتبط بسواه[42]. فالمصالحة في روح المسيحية، والحب يوحّدان التضاد بين الواجب والميل. ثم إن الشريعة تضاد الحب لا من جانب محتواها بل من جانب صورتها، لذلك استطاع الحب أن يتقبل هذه الشريعة التي تفقد صورتها بسبب ذلك. لكن التضاد بين الشريعة والجريمة هو فقط من حيث المحتوى، فحينما ترتكب الجريمة، تصبح الشريعة شريعة عقاب.

إن العقاب يرتبط مباشرة بالشريعة التي امتهنت، وبالتالي فالمجرم هو من أضاع الحق الذي اعتدي عليه لدى المعتدى عليه، لأنه استحق العقاب الموازي للجريمة. ربما أن الشريعة تقترن بالسلطة، فإن المجرم يتعرض للعقاب الفعلي الذي لا سبيل لإلغائه. ذلك أن المجرم ألغى مضمون الشريعة، لكن صورة هذه الشريعة، أي الكلية، التصقت بجريمته، وبالتالي فإنّ عمله قد أصبح كليا. وهذا يعني أنّ الشريعة تستمر وأنّ استحقاق العقاب يستمر بدوره أيضا. لكنّ ممارسة العدالة في هذا المجال ليست ضرورية، بل هي عرضية، لأن القاضي يستطيع ألا يمارس القضاء وأن يعفو ” لكن ذلك لا يرضي العدالة، إن هذه (العدالة) لا تلين، وطالما أنّ الشرائع هي الأسمى ولا مفر منها، فإنه لا بد من أن يضحى بالفردي للكلي، أي أن يقتل”. فالشريعة هي الكلي بالنسبة إلى أعمال الناس، التي هي من المستوى الجزئي. إن العمل الذي حدث، لا يمكن أن نجعله كأنه لم يحدث. وبالتالي لا إمكان للمصالحة حتى بمعاناة العقاب[43]. إن الإنسان لا يستطيع أن يتحمل هذا القلق، لذلك يلجأ إلى نعمة الله بعيدا عن ذاته، وعن واقع الشر الرهيب وعن الشريعة التي لا تتبدل، راجيا من صلاح هذا الإله أن ينظر إليه على غير ما هو. لكن هذا الإنسان لا يجد وحدة الوجدان ولا يلغي العقاب والشريعة والضمير الشرير، فلا يبقى له إلا ”استجداء غير شريف”. إذن ”لا سبيل إلى مصالحة الشريعة والعقاب، لكنهما يلغيان في مصالحة القدر”[44].

يميزّ هيغل بين العقاب الناتج عن تجاوز الشريعة والعقاب كقدر: ” إن العقاب، إذا تصوّرناه كقدر، يكون من نوع آخر: إن العقاب في القدر هو قوة معادية، وشيء فردي يتحد فيه الكلي والجزئي، بحيث لا ينفصل فيهما لوجوب تنفيذ هذا الوجوب، كما هو الأمر في الشريعة التي هي قاعدة فقط وشيء ذهني         لذلك فهي تحتاج بالتالي إلى شيء مضاد لها، أي إلى موجود فعلي يغتصبها. إن قوة القدر المعادية لا تنقسم إلى كلي وجزئي كما هو الأمر في الشريعة التي هي كلي يضاد جزئية ميول الإنسان. إن القدر هو عدو يقاتله الإنسان، في حين أن الشريعة تسيطر كالكلي على الجزئي ويخضع لها الإنسان. وبالتالي فإنّ جريمة الإنسان في مجال القدر ليست ثورة على أنها تهدم صداقة الحياة التي حولها القدر إلى عدو. إنّ العقاب باعتباره قدرا هو ردة فعل اتجاه المجرم؛ وردة فعل عدو جعل منها عدوا. ” إن المصالحة مع القدر تبدو أصعب منها مع الشريعة المعاقبة، لأنه يبدو أن المصالحة يجب أن تلغي الإبادة من أجل مصالحة القدر’. لكن القدر أقرب مصالحة من الشريعة المعاقبة لأنه موجود في نطاق الحياة[45]. إن الخوف أمام العقاب هو خوف أمام غريب، عكس الخوف أمام القدر، فالإنسان يتعرف على القدر في حياته الخاصة، والتضرع إليه ليس تضرعا إلى سيد بل عودة إلى الذات. فالقدر يجعل الإنسان يشعر بما خسر، فالشعور بالحياة يتجسد أيضا في الحب الذي يتصالح معه القدر، لذلك فالحب يجب أن لا يفهم كارتباط بشريعة أو كطاعة لوصية. فمن خضع لشريعة أو وصية اعترف بسيطرة غريب عليه وجعل جزءا منه شيئا مطلقا بالنسبة إليه. لذلك يكون عقاب الشريعة عادلا ويفترض المساواة، ولا يهتم بالحياة، إذ لا مجال للمصالحة والعودة إلى الحياة في العدالة: ” إننا نشعر بالعقاب العادل في عداوة القدر. لكن بما أن هذا العقاب لا يأتي من شريعة غريبة هي فوق الإنسان، وبما أن شريعة القدر وحقه يصدران عن الإنسان، هكذا تكون العودة إلى الحياة الأصلية، إلى الكلية الممكنة، ذلك أن الخاطئ هو أكثر من خطيئة موجودة ومن جريمة لها شخصية، إنه إنسان. فالجريمة والقدر هما فيه ويستطيع أن يعود إلى ذاته من جديد”[46]. وفي هذا السياق فالمؤمن بيسوع، لم يجد الرابط بين الخطيئة وغفران الخطيئة، بين الاغتراب عن الله والمصالحة معه، فوضع المصالحة في الحب يكون مليئا بالحياة. فالإيمان ناتج عن نقص في الوعي الذي يمكن أن يزول ويزول معه مبرر الإيمان[47].

إذن فالحب لا يصالح فقط المجرم مع القدر، بل يتصالح الإنسان أيضا مع الفضيلة، إن يسوع لم يعارض العبودية التامة تحت شريعة سيد غريب بعبودية جزئية تحت شريعة خاصة، كالإكراه الذاتي في الفضيلة الكانطية بل بفضائل لا سيطرة فيها ولا خضوع وهي أشكال الحب”[48]إن هيغل يحل أخلاق الحب محل أخلاق الواجب. والحب هنا ليس حب الناس الذين لا نعرفهم، كمن يتكلم عن حب الإنسانية، بل هو حب القريب، الذي تربطنا به علاقة، لأن موضوع الحب لا يمكنه أن يكون شيئا ذهنيا[49].إن الحب هو الوحدة بين الذات والموضوع، بحيث لا يخضع الموضوع للذات ولا تخضع الذات للموضوع، لكن هذه الوحدة هي ذاتية. أما الدين فيقضي بأن يتحد الحب مع تصور موضوعي[50]. إن هيغل في فرانكفورت تجاوز العقلانية التنويرية التي كانت في مرحلة بيرن وصار يتكلم عن يسوع كابن الله وابن الإنسان. وهنا تظهر أكثر عقلانيته الدينية التي يطغى عليها الجانب الفلسفي المادي.

إنّ الكائن الحي ككل ذاتيا وموضوعيا تخترقه الحياة والموت، ويطوله التعارض والتضاد باعتبارهما رمزين للتنوع والتعدد الذي يطبع الحياة في جزئياتها . فالحياة الجزئية باعتبارها رمزا لما هو ذاتي تنتفي في الدين، لأن الحياة بطبيعتها محدودة، وهذا ما يدفع  إلى التمييز بين شيئين مهمين وهما المتناهي واللامتناهي بين مجال الفلسفة ومجال الدين، ففي الأول تحضر الحياة المتناهية، هذه الأخيرة بما أن هذه الأخيرة متناهية تحمل في ذاتها إمكانية الوصول إلى الحياة اللامتناهية، بها تتبدى محدودية الفلسفة لأنها فكر قائم على التضاد بين الفكر واللافكر (اللاّمبرهن واللاّسببي) في العلاقة مع موضوعها من جهة ثانية، وبهذا يتوجب عليها أن تكتشف التناهي في كل متناه، كما أنه عليها أن تدرك التّضليلات بواسطة اللاّتناهي الخاص بها، وأن تضع اللامتناهي الحقيقي خارج الفلسفة، لأنها تكشف التناقض في العالم المتناهي، وبما أنها كذلك فهي تدعو إلى تجاوز اللامتناهي الذي يحصل في الدين فقط لأن هذا الاخير في نظر هيغل هو الوحيد القادر على إدراك اللامتناهي كما هو. وبالتالي يكون اللامتناهي الحقيقي هو خارج مجال الفلسفة، الذي يستطيع الدين لوحده أن يدركه. فالدين هو بالتالي أسمى من الفلسفة، وهذا موقف سوف يتخلى عنه هيغل بعد مرحلة فرانكفورت وفي بداية مرحلة يينا، حيث صارت الفلسفة تدرك اللامتناهي بقوة المفهوم على نحو ما يدركه الدين على أساس التصور[51]. وهو ما يعني أيضا أن الدين لايزال يشكل جزءا أساسيا من تفكيره الفلسفي بل أكثر تأثيرا، بالرغم من الجوانب والمؤثرات الفلسفية الحاضرة بقوة والتي لم تكن حاضرة بنفس الدرجة في المراحل السابقة التي مر بها.

 هذا ربما كان من الأسباب التي جعلت مارتين فندبت Martin Wendet ينتقد هيغل، لكون هذا الأخير استبدل الدين بالفلسفة، لأن ذلك سيجعل الله مفتقر اللسيادة[52]. وهذا ما سينتج عنه أن الفلسفة يجب أن تقيد نفسها فقط بما هو غير إلهي، بدون أن ترفض ما هو إلهي بل تعترف به فقط[53]. مادام أن الفلسفة تنشغل على ما هو متناهي.

لقد اختصر هيغل رأي كانط وفق ما يلي: على الدولة والكنيسة أن تحترما مبدأ استقلالية كل منهما، ولا مبرّر للتدخل في شؤون بعضهما البعض، لأنّه إذا كان للدولة مبدأ الملكية، فإن شريعة الكنيسة مضادة لشريعتها. إن شريعة الدولة تعني حقوقا معينة، لا تتناول الإنسان بشكل تام ولكن من حيث هو مالك فقط، في حين أن الإنسان هو في الكنيسة ككل، وغاية الكنيسة، من حيث هي منظورة وتملك مؤسسات، هي أن تعطيه هذا الشعور بالكلية وأن تحافظ عليه. إن الإنسان، إذا عمل بروح الكنيسة، فإنه يعمل ليس فقط ضد شرائع الدولة فقط، بل ضد كليتها. إن المواطن هو غير جدي سواء في علاقته بالكنيسة أو في علاقته بالدولة، إذا استطاع أن يستمر مرتاحا في الاثنتين بدون أية متاعب[54].

فالتحوّل نحو الفلسفة، بدأه هيغل انطلاقا من فلسفة كانط العملية، فهيغل يميز في جزء توبينغن (1792-1793) والأجزاء الأولى من مرحلة بيرن(1794) بين الدين الموضوعي الذي هو موضوع الفهم والدين الذاتي الذي يرتبط بمشاعر الإنسان ويؤثر في الحياة. بحيث سيعمل على المصالحة بين الفلسفة والدين في مرحلة فرانكفورت.

 إنّ نقده لمبادئ الدين الموضوعي هو تحديد أولي لمشكلة الوضعانية، أي لجمود الدين واغترابه. إن الدين الموضوعي يتضمن فقط مصادرات العقل العملي عند كانط، أما الدين الذاتي فيتضمن المشاعر التي تتحول إلى دوافع للعمل الخلقي، والتي هي ذاتية دينية. إن الدين الحي هو دين الشعب، ودين سياسي يوجه أعمال الأفراد في جماعة سياسية، كما هو الأمر في المدينة اليونانية التي يجعل منها هيغل مثالا[55]. وفي مرحلة فرانكفورت تابع هيغل اهتمامه بشؤون الدين، لكن علاقته بهولدرلين وأصدقائه جعلته يعالج بعض القضايا الفلسفية كالحب والجمال. مما يعني تخلى هيغل عن نظرته إلى يسوع كمعلم للفضيلة، كما هو الأمر عند كانط، وصار يتكلم عليه كابن الله. وأبرز ما كتبه في هذه المرحلة هو مقاله روح المسيحية وقدرها، وقد عرض فيه بإسهاب تعاليم يسوع وشخصيته. وبرزت إلى جانب ذلك بعض القضايا الفلسفية المشتركة بينه وبين هولدرلين، كالوحدة والوجود. إلا أنه سيتخلى عن كانط في هذه المرحلة، لأن مبدأ الواجب الكانطي أدى إلى انقسام الإنسان بين كلية الواجب وجزئية طبيعته وميوله، وبالتالي إقامته حالة من العبودية والسيادة ضمن الإنسان ذاته. مما دفع هيغل إلى جعل الحب يحل محل الواجب، بتوحيده بين الواجب والميول. والحب يصبح دينا عندما يقترن بتصور الله (الدين). فمفهوم الحب عند هيغل هو أقرب إلى هولدرلين منه إلى يسوع والإنجيل[56]. وبالتالي المصالحة بين تعاليم الكنيسة والفلسفة لم تكن غير واضحة بشكل جلي، نظرا لتداخل القضايا الدينية مع القضايا الفلسفية.

وينتقل هيغل في” جزء من النظام 1800″ إلى معالجة قضايا فلسفية، كالوجود الواحد والحياة الواحدة، باعتبارهما لا متناهيان. ويؤكد أن اللامتناهي ليس مضادا للمتناهي، لأن ذلك يجعله متناهيا. إن هذا اللامتناهي يتضمن في ذاته تضادات المتناهي، كأجزاء من الحياة الواحدة التي تجعل علاقات التعيينات المتضادة فيما بينهما ممكنة. إن الحياة لا تقوم كجوهر، كما هو الأمر عند سبينوزا؛ بل هي جملة علاقات ديناميكية. إن هيغل يقول في قراءته الجديدة لبداية وضعانية الدين المسيحي، -التي تلي “جزءا من نظام 1800”: إن تحديد علاقة المتناهي باللامتناهي هي مهمة ميتافيزيائية. ومن الممكن أن يكون هيغل قد غير رأيه تحت طائلة أسباب ميتافيزيائية لاهوتية وأسباب منهجية[57]. مما يعني بالأساس أنه في الكتابات الأولى لهيغل كان الدين مركزا أساسيا لتحقيق المصالحة، إلا أن هناك من كان ينظر للأمر باعتبار أنه كان مرتبطا بالشكل التراجيدي اليوناني أيضا، وليس فقط بالجانب الديني، وخاصة فيما يرتبط بتحقيق المصالحة بين الفرد والجماعة. يعرض هيغل أيضا هذا الجانب التراجيدي في مقاله “الحق الطبيعي…”، الذي تلعب فيه المصالحة دورا مهما، لقد حاول هيغل من خلال هذا المقال أن يشرح مأزق المجتمع الحديث، حيث كان الصراع بين الفرد والمجتمع، ناهيك عن حضور فكرة الصراع والمصالحة في كتابه فينومينولوجيا الروح[58]، خلال مرحلة يينا، إلا أن الأمر قد أخذ أبعادا أخرى من داخل هذا الكتاب. هذا الأمر سيثيره كذلك الفيلسوف لوكاتش الذي أوضح حضور الجانب التراجيدي اليوناني في كتابات هيغل الأولى. فالتراجيديا تحضر عند هيغل من خلال الصدام الذي يحدث في المصالحة. فهذا الصراع موجود بين الإنسان والآلهة، بين المرأة والرجل بين الأخلاقي والطبيعي، بين الكلي والفردي، وبين الدولة والعائلة، بفعل اختلاف أو تعارض المطالب. ويحضر نموذج هذا الصراع عند هيغل في قصة أنتيغون مع أخيها[59].

     إن الدين هو تأليف بين الشعور والانعكاس، وإن للروح اللامتناهية علاقة بالروح المتناهية وتضادات الانعكاس التي تكمن في هذا اللامتناهي الحقيقي، فلا بد بالتالي من استعمال تعيينات الانعكاس لتحديد الروح اللامتناهية.

 إن تعيينات الانعكاس هذه هي شروط ضرورية، إنما غير كافية لهذا التحديد. ينضاف إلى ذلك أن هيغل حدّد المعرفة النظرية في مرحلة يينا كتأليف بين الانعكاس والحدس الفكري. أما الأسباب المنهجية، تتجلى في كون تحديد الدين من جهة والروح والحياة اللامتناهيتين من جهة أخرى لا يتمان بطريقة صوفية أو شعرية في مرحلة فرانكفورت، بل يبرزان كتفسير نظري، يعتمد مفاهيم أساسية كالوجود والحياة والوحدة والكثرة …إلخ. وهذا يؤدي إلى المعرفة العقلية باللّامتناهي والحياة والروح، إذا كان لابد من بلوغ الحقيقة[60].

على ضوء ما مضى يظهر كيف أن العلاقة بين الدين والفلسفة والمصالحة ظلت حاضرة في تفكير هيغل في مرحلة فرانكفورت وفي المراحل الموالية، وإن كان قد حاول أن لا يظهر ذلك بشكل مباشر وخاصة في مرحلة فرانكفورت التي تم التركيز عليها نظرا لأهميتها لكونها شكلت بداية التحول نحو المصالحة الفعلية بين الفلسفة والدين، هذا إلى جانب تمظهر هذه المصالحة في المراحل التالية، كما هو الأمر بالنسبة لمرحلة يينا (فرايبورغ…)، أو المراحل التي تلتها وخاصة في مرحلة برلين.

5- مرحلة برلين: 1818 -1831*:

سنحاول أن نرى كيف تحول هيغل إلى الفلسفة، فحلت مواضيع المنطق والميتافيزياء والفلسفة الطبيعية وفلسفة الروح محل مواضيع دين الشعب والمسيحية وحياة يسوع ووضعانية الدين المسيحي وروح اليهودية والمسيحية. لكن لابد من الإشارة إلى أن هذا التحوّل إلى الفلسفة لا يعني أن هيغل تخلّى عن الدين في فلسفته[61]. بل استمر حضوره بشكل قوي في المرحلة الأخيرة من حياته (برلين) التي انطلقت من سنة 1818 إلى سنة 1831، والتي تعرف بلحظة مجد هيغل، لكونها ارتبطت بإصداره مجموعة من المؤلفات الفلسفية المهمة ناهيك عن شيوع الفكر الهيغيلي في هذه المرحلة، التي تعتبر مرحلة الفكر العقلاني المحض بالنسبة إلى هيغل.

لقد حاول هيغل في كتابه فلسفة الحق أن يؤسّس فهما للأسرة انطلاقا ممّا هو ديني، فرفض أن يكون هناك طلاق بين المرأة والرجل إلا في الحالات الشاذة جدا لأنه بالنسبة إليه أبغض الحلال (بالمعنى الإسلامي)، ومن الأشياء غير المقبولة بالمعنى الفلسفي، بالإضافة إلى الوضعية الامتيازية للرجل على المرأة من داخل هذه الأسرة. ونفس الأمر فيما يخص نظرته للتاريخ التي يغلب عليها التصور الديني الإلهي المطلق كما يظهر ذلك من خلال كتابه أو محاضراته حول فلسفة التاريخ. وفي هذا السياق يمكن أن نستشهد ببعض منها، فمثلا عندما يربط بين العقل والفهم الالهي والفلسفي للعالم أو في من يتحكم في تقدم التاريخ، وذلك عند تصريحه بكون الخير الحقيقي والعقل الالهي الكلي ليسا أشياء مجردة؛ بل هما شيئين قابلين للتحقق، “في أعظم صورة عينية لهما وهو الله والله يحكم العالم. ولذلك فإن المضمون الفعلي لحكمه وتنفيد خطته هو التاريخ الكلي للعالم”[62]، وإدراك هذه الحقيقة يجعلها من اختصاص الفلسفة لوحدها لكونها هي وحدها من تستطيع فهم ذلك، لأنها تستطيع فهم العقل الإلهي، وهو ما يعني بلغة هيغل أن العقل الفلسفي الإنساني لوحده هو من يستطيع فهم العقل الإلهي.

ويمكن أيضا تقديم مثال أخر من نفس الكتاب بإقامة هيغل رابطا قويا بين الدين والسياسة، فالدولة في في نظره تعتمد على الدين لأنه يحث على حماية الدولة من خلال الانصياع لأوامر الحكام والابتعاد عنما قد يسبب دمارها، ومادام الأمر كذلك فهي تجليات للأمر الإلهي[63]، وفي هذا الإطار سينتقد هيغل فكرة فصل الدساتير عن الجانب الديني.

فإذا كان الدين حضر بشكل قوي في فلسفة التاريخ لدى هيغل فإننا لم نجده حاضرا بنفس الدرجة ونفس القوة في كتاب فلسفة الحق، الذي يبرز فيه الدين بشكل غير مباشر، ولم يحتل مكانة بارزة عند هيغل، وهذا لا يعني رفضه للدين بقدر ما يعني مقاربته العقلانية له، فهو لم يأخذه كقاعدة موضوعية للتفكير العقلاني للدولة في مرحلة برلين عكس ما كان عليه في المراحل الأولى من حياته الفكرية والتي سبق أن تعرفنا عليها.  ذلك أنه سيعمل على توضيح موقفه من علاقة الدين بالدولة بشكل مقتضب على هامش الإضافة في الفقرة  270 ضمن كتابه مبادئ فلسفة الحق بقوله: ” لقد آن الأون لكي نشير إلى علاقة الدولة بالدين؛ لأنه كثيرا ما يتردد في يومنا الراهن القول بأن الدين هو الأساس الذي تقوم عليه الدولة، حتى أن أصحاب هذا الرأي ليزعمون أنهم بقولهم هذا قد قالوا الكلمة الأخيرة في علم السياسة، ولن تجد نظرية تحدث مثل الخلط الذي أحدثته هذه النظرية، بل لقد ارتفعت بالخلط ليصبح دستورا للدولة والصورة الصحيحة للمعرفة”[64]. هذا ما يعني رفضه لأن يكون الدين هو الركن الأساسي للدولة، وذلك نظرا لمجموعة من الأسباب التي خصص توضيحا في عدد قليل من الصفحات: ما يقارب ستة عشر 16 صفحة، والتي جاءت كتعليق على الفقرة 270، التي ناقش فيها هيغل بشكل مباشر من الغاية الكلية الجوهرية والمجردة للدولة، التي من خلالها تحافظ على مصالحها الضرورية، التي تتمثل في المبدأ العقلي باعتباره أساسها الأول، والذي يتجسد في القوانين والمبادئ الكلية. (من الصفحة 415 إلى الصفحة 431)[65]، فقد أصبحت المسألة الدينية في مرحلة برلين مسألة ثانويه ناهيك عن إخضاعه لها للتفكير العقلي، ما يعني أنه لم يكن يرفض تدين المواطنين بقدر ما كان هناك رغبة في ترك الحرية العقدية للمواطنين، وهو ما تمثل في موافقته على ضرورة فصل الكنيسة والدولة باعتبارها كعقل. هذا الأمر ما سيسمى بالعلمانية أو العلمنة أو الدهرانية كما يسميها البعض الأخر، فهو أكد على الفصل بينهما وأقر بالتعدد الكنسي بما في ذلك الكاثولوكي، بالرغم من أنه كان متأثرا بالإصلاح الديني الذي نادى به مارتن لوثر. فقبوله بفكرة الفصل بين الدولة والدين كان نتيجة اقتناعه بأن الأمر سيكون أفضل للكنيسة كما هو الشأن بالنسبة للدولة. فالدولة يجب أن ترفض التصميم الاكليروسي النظري أو التطبيقي للدين وهو ما يمكن أن نستنتج منه أن هيغل يتبني نمطا عقلانيا للدستور[66]. وهو ما جعلنا نخلص معه بأن الدين شكّل مرتكزا أساسيا في فكر هيغل ونسقه الفلسفي كاملا، هذا الأمر لم يكن مقتصرا على كتاباته الأولى فقط. وبالتالي فما يمكن التأكيد عليه، هو حضور الفكر المسيحي في حياة هيغل سواء كان ذا طابع يوناني عقلاني فلسفي أو ذا طابع لاهوتي رباني، وذلك بالرغم من أنه لم يكن حاضرا بنفس المستوى وبنفس الحدة التي كان حاضرا بها بالمراحل الأولى.

6- الخاتمة:

وعلى ضوء تتبعنا مسار تطوّر هيغل الفكري الذي انطلق دينيا وانتهى مصالحا بشكل عقلاني بين الفلسفة الدين،  وقد اتضح ذلك من خلال المراحل الأولى من مسيرته الأكاديمية انطلاقا من مرحلة توبنغن وبيرن، مرورا بمراحل الموالية، وصولا إلى المرحلة الأخيرة: مرحلة برلين، وذلك من خلال محاضراته حول فلسفة التاريخ في مرحلة برلين أو من خلال كتابه فلسفة الحق الذي يندرج ضمن نفس المرحلة، يتّضح أنّ الدين ظلّ حاضرا عنده في مختلف مراحل سيرورته وذلك حتى في المرحلة الأخيرة من حياته الفكرية التي توصف لدى البعض بالمرحلة العقلانية المحضة، وهو الأمر الذي لم يكن كذلك، ولكن صيغة حضوره كانت بشكل متباين فتارة نجده ذا طابع اجتماعي لاهوتي ميتافيزيقي، وتارة أخرى يبدو فيه هيغل أكثر عقلانية، وهو ما يعني أن هيغل حاول أن يصالح بين الدين والفلسفة بطرق وصيغ مختلفة في مختلف المراحل التي مر بها بما في ذلك مرحلته الأخيرة في حياته.

 

قائمة المصادر والمراجع باللّغة العربيّة:

-المصادر:

  • هيجل، العالم الشرقي، المجلد الثاني من محاضرات في فلسفة التاريخ، إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثالثة، 2008.
  • هيغل، الإيمان والمعرفة أو فلسفة الذاتية التفكرية في أشكالها التامة بما هي فلسفة كنت وفلسفة ياكوبي وفلسفة فيشته، ناجي العونلي، دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة، تونس 2008.
  • هيغل، أصول فلسفة الحق، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، بيروت، 2007
  • هيغل، في الفرق بين نسق فيشته ونسق شلنج في الفلسفة، ترجمة ناجي العولي، المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، سنة 2007.
  • هيغل، محاضرات في فلسفة التاريخ (العقل في التاريخ)، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مراجعة فؤاد زكريا،

المراجع:

  • إمام عبد الفتاح إمام، هيغل، المنهج الجدلي عند هيغل، دراسة لمنطق هيغل، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، الطبعة الثالثة،2007.
  • كانط إيمانويل، الدين في حدود مجرد العقل، ترجمة فتحي المسكيني، جداول للنشر والتوزيع، لبنان، بيروت، الطبعة الاولى، 2012.
  • يوسف أشلحي، الروح ومنزلة الكلي عند هيغل، بحث لنيل شهادة الدكتوراه، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مختبر الدراسات الرشدية، الفلسفة، سنة 2016.
  • المطران أنطون- موراني حميد ، هيجل كتابات الشباب، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت لبنان، الطبعة الأولى سبتمبر 2003.

باللغة الأجنبية:

  • Elliot L. Jurist, Beyond Hegel and Nietzsche, Philosophy, Culture, and Agency, The Mit Press, Cambridge, Massachusetts, London, England.
  • Gilles Marmasse, Hegel une philosohie de la réconciliation, Ellipses édition Marketing, Paris, 2018.
  • W. F. Hegel, Grundlinien der Philosophie des Rechts, Suhrkamp taschenbuch wissnschaft, Berlin, 2020.
  • W. F. Hegel, Leçons sur la philosophie de la religion, 2eme partie. paris Vrin, 1972.
  • W. F. Hegel, Principes de la Philosophie du Droit, Gallimard, André Kaan, 1940.
  • Kifer Julien, “Philosophie als absolute Vermittlung, Zur Moglichkeit theoligischer Philosophie-ktitik am Beispiel von Martin Wendtes Gottmenschliche Einheit bei Hegel, De Gruyter”, NZSTH https://doi.org/10.1515/nzsth-2019-0023
  • Michael O.Hardimon, Hegel’s Social Philosophy, The Project of Reconciliation, Cambridge University Press,1994.

[1]– أنطون المطران – حميد موراني، هيجل كتابات الشباب،دار الطليعة للطباعة والنشر، ، الطبعة الأولى، بيروت لبنان سبتمبر 2003، ، ص7.

[2]– Michael O.Hardimon, Hegel’s Social Philosophy, The Project of Reconciliation, Cambridge University Press,1994, P.86.

[3]– Ibid, P.96.

* تمثلت أهم المؤلفات الهيغيلية في هذه المرحلة (فرانكفورت) التي تظهر بداية التطوّر الفكري الفلسفي لهيغل بالتدرج السنوي، على الشكل التالي:

– 1997-1798 : Entwürf über Religion und liebe. TW1.

– 1798-1800 : Der Geist des Christentums und sein Schicksal.TW1.

– 1800: Systemfragment.TW1.

يوسف أشلحي، الروح ومنزلة الكلي عند هيغل، بحث لنيل شهادة الدكتوراه، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مختبر الدراسات الرشدية، الفلسفة، سنة 2016، ص368-369.

[4]– المطران أنطون-موراني حميد، [ 2003]،ص13-14.

[5]– المرجع نفسه، ص15.

[6]– المرجع نفسه، ص21-22.

[7]– المطران أنطون-موراني حميد، مرجع سابق، ص23 .

[8]– المرجع نفسه، ص24.

[9]– المرجع نفسه، ص26.

[10]– المرجع نفسه، ص27.

[11]– إمام عبد الفتاح إمام، هيغل، المنهج الجدلي عند هيغل،دراسة لمنطق هيغل، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، الطبعة الثالثة،2007، ص33.

* من الصعب أن نفهم هيغل دون علاقته بكانط.رغم تقسيم التصور الواقعي مابين العقل والتجربة إلا أنه يعطي الأولوية للعقل باعتباره هو من يكوّن المفاهيم.فهيغل يضيء الظلمة أمام العقل والتي حذر منها كانط، من خلال الجمع بين جميع المتناقضات والسير به إلى اللامتناهي. وفي هذا السياق يقول هولدين” إننا إذا رجعنا إلى الأفكار المنتشرة في مذهب هيغل لوجدنا انها ترتبط إرتباطا وثيقا بالأفكار التي ذكرها كانت، فهي تسلك نفس الطريق ولكنها تسير إلى نهايته”.  فتدقيق كانط في التفرقة بين العقل والفهم فالأول موضوعه هو اللامتناهي في حين يرتبط موضوع الفهم بالمتناهي الذي يقوم على الخبرة. وهذه الأخيرة سيشيد بها هيغل وفي نفس الوقت سينقدها. إمام عبد الفتاح إمام، المرجع نفسه، (أ) [2007] ص68.

[12]– 13- كانط إيمانويل ، الدين في حدود مجرد العقل، ترجمة فتحي المسكيني، جداول للنشر والتوزيع، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 2012، ص 11.

[13]– كانط إيمانويل، [2012]،المرجع نفسه، ص13.

لكن المعضلة الفلسفية التي ينبهنا كانط إليها هنا هي التالية: كيف نجمع بين حاجة البشر إلى تقديس شيء ما، وبين إحساسهم الأصلي بالحرية.

[14]– المرجع نفسه، ص15.

[15]– المرجع نفسه، ص116.

[16]– Gilles Marmasse, Hegel une philosohie de la réconciliation, Ellipses édition Marketing, Paris, 2018, P.6.

[17]– المطران أنطون-موراني حميد ، [ 2003]، ص50-51.

[18]– المرجع نفسه، ص51-52.

[19]– المرجع نفسه، ص52.

[20]– المرجع نفسه، ص45-46.

*  عرفت مرحلة يينا بصدور مجموعة من المؤلفات الفلسفية الهيغيلية المهمة التي يمكن رصدها بالتدرج السنوي على الشكل التالي:

– 1801 : Differenz des Fichteschen und Schellingschen System der Philosophie.TW 2.

-1802: Einleitung über das Wesen der Philosophischen kritik überhaupt und Ihr Verhältnis WuöZum gegenwärtigen Zustand der Philosophie insbesondere.TW2.

– 1802: Verhältnis des Skeptizismus Zur Philosophie. Darstellung seiner verschiedenen Modifikationen und Vergleichung de s neusten mit dem alten. TW2.

– 1802: Glauben und Wissen oder Reflexionsphilosophie der Subjektivität in der Vollständigkeit ihrer Formen als kantsche, Jacobische und Fichtesche, Jacobische und Fichteshe Philosophie.TW2.

– 1807: Phänoöenologie des Geistes. TW3.

أشلحي: [2016]، ص369.

[21]– المطران أنطون- موراني حميد، [ 2003]، ص75

[22]– المرجع نفسه، ص70.

[23]– المرجع نفسه، ص81

[24]– المرجع نفسه، ص82

[25]– المطران أنطون- موراني حميد، مرجع سابق، ص80-81.

[26]– المرجع نفسه، ص128.

[27]– المرجع نفسه، ص129.

[28]– المطران أنطون- موراني حميد، مرجع سابق، ص130.

[29]– المرجع نفسه،ص130- 131.

[30]– المرجع نفسه، ص133-134.

[31]– المطران أنطون- موراني حميد، مرجع سابق، ص135.

[32]– المرجع نفسه، ص136.

[33]– المرجع نفسه، ص88.

[34]– المرجع نفسه، ص87-88.

[35]– المطران أنطون- موراني حميد، مرجع سابق، ص89.

[36]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[37]– المرجع نفسه، ص 89-90.

[38]– المرجع نفسه، ص 90.

[39]– المرجع نفسه، ص91.

[40]– المرجع نفسه، ص92-93.

[41]– المرجع نفسه، ص104.

[42]– المطران أنطون- موراني حميد، مرجع سابق، ص107.

[43]– المرجع نفسه ص113-114.

[44]– المرجع نفسه، ص114.

[45]– المرجع نفسه، ص114-115.

[46]– المطران أنطون- موراني حميد، مرجع سابق، ص116

[47]– المرجع نفسه، ص116-117.

[48]– المرجع نفسه، ص117.

[49]– المرجع نفسه، ص118.

[50] – المرجع نفسه، ص118.

[51]– المطران أنطون- موراني حميد، مرجع سابق، ص 136-137.

[52]-Kifer Julien,”Philosophie als absolute Vermittlung, Zur Moglichkeittheoligischer Philosophie-ktitik am Beispiel von Martin Wendtes Gottmenschliche Einheit bei Hegel, De Gruyter”, NZSTH 2019, P.435.

https://doi.org/10.1515/nzsth-2019-0023

[53]-Kifer Julien: [ 2019] P.449.

[54]– المطران أنطون-موراني حميد، [ 2003]، ص150.

[55]– المطران أنطون- موراني حميد، مرجع سابق، ص153.

[56]– المرجع نفسه، ص154.

[57]– المرجع نفسه، ص155.

[58]– Elliot L. Jurist, Beyond Hegel and Nietzsche, Philosophy, Culture, and Agency, The Mit Press, Cambridge, Massachusetts, London, England, P.74.

[59]– Elliot L.Jurist, Beyond Hegel and Nietzsche, Philosophy, Culture, and Agency, P.75.

[60]– المطران أنطون-حميد موراني: 2003]]، ص155.

* عرفت مرحلة برلين بصدور مجموعة من المؤلفات الفلسفية الهيغيلية المهمة التي يمكن رصدها بالتدرج السنوي على الشكل التالي:

 – 1817-1831: Vorlesungen über die Ästhetik. TW 15

– 1831: Enzyklopädie der Philosophie Wissenschaften l )Die Wissenschaften der Logik).TW 8.

– 1831: Enzyklopädie der Philosophie Wissenschaften l (Die Naturphilosophie).TW9.

– Enzyklopädie der Philosophie Wissenschaften (Die Philosophie des Geistes). TW 10.

– Vorlesungen über die Geschichte der Philosophie lll.TW

[61]- المطران أنطون-حميد موراني:2003]]، ص155.

[62]– هيغل، محاضرات في فلسفة التاريخ (العقل في التاريخ)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مراجعة فؤاد زكريا، 1986، ص108.

[63]– هيغل : ]1986]، ص164.

[64]– G .W .F. Hegel, Grundlinien der Philosophie des Rechts, Suhrkamp taschenbuch wissnschaft, Berlin, 2020, P.415-416.

“Es ist hier der Ort, das Verhältnis des Staats zur Religion zu berühren, da in neueren Zeiten so oft wiederholt worden ist, daß die Religion die Grunlage des Staates sei, und da diese Behauptung auch mit der Prätention gemacht wird, als ob mit ihr die Wissenschaft des Staats erschöpft sei,- und keine Behauptung mehr geeignet ist, so viele Verwirrung hervorzubringen, ja die Verwirrung selbst zur Verfassung des Staats, zur Form, welche die Erkenntnis haben solle, zu erheben” Ibid, P.415-416.

 ترجمة أمام عبد الفتاح أمام: هيغل، أصول فلسفة الحق، الجزء الثاني، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 2010، ص158.

[65]– G. W. F. Hegel: [2020], P.416-431.

[66]– Bourgeois Bernard: [1994], P.148-149.

مقالات أخرى

النّسيج اللّغوي

سبينوزا متجاوزا ديكارت

الفلسفة والعلوم الإنسانية راهنا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد