روح الأنوار في كتاب الطبّ الرّوحانيّ

روح الأنوار في كتاب الطبّ الرّوحانيّ

“ونحن وإن كنّا غير مُستحقين لاسم الفلسفة بالإضافة إلى سقراط فإنَا مُستحقّون لاسمها بالإضافة للنّاس غير المتفلسفين”

أبو بكر الرّازي كتاب السيرة الفلسفيّة

ملخّص:

يتعلّق هذا المقال بالتقصّي الفلسفيّ الذي بقيَ مسكوتاً عنه في الرّسائل الفلسفيّة لأبي بكر زكريّا الرّازي، وبصفة أخصّ، كتابه الطب الرّوحاني. وإنّ ما يُثير انتباهنا، في هذه الرّسالة هو انفتاح محتواها على الفلسفة الغربيّة الحديثة وفلسفة الأنوار، على نحوٍ أدق؛ ومن ذلك استقلاليّة العقل وتعدّد قدراته وتحرّره، رغم كونه عقلاً مخلوقاً بالأساس. فعلى أيّ نحوٍ يكون العقل مخلوقاً ومستقلاً، في آن؟ وبأيّ معنى يتحرّر العقل من تعاليه ليكون إيقاعاً للمردوديّة، ورسماً للفعل المؤثر، والشوق الدّائم الى بهجة الفكر؟ وأن تكون هذه خصائص عقل الأنوار، في القرن الثامن عشر، فهل يُفيد ذلك أنّ صاحب الرّسائل الفلسفيّة تنويريٌّ قبل الأنوار؟ أم أنّ نور العقل لا يحتكره زمان ولا يتحيّز مكانا بالحصر. وتفكيكا لهذه الإشكاليّة توسّلنا نهجا بنيويّا في قراءة النّص، وتأويلا إبستمولوجيّا يسمح لنا بكشف علاقة مرحلة ما من تاريخ الفكر بمستقبله.

الكلمات المفتاحيّة: العقل – التعقّل – المنفعة – الألم – اللذة – بهجة الفكر.

Abstract:

This article addresses the philosophical investigation that has remained unspoken of in the philosophical treatises of Abu Bakr Zakaria al-Razi, particularly his book The Spiritual Medicine. But what grabs our attention most is the fact that this message is open to both contemporary western philosophy and, more specifically, the Philosophy of Enlightenment. This includes the independence of the mind, the multiplicity of its capabilities, and its liberation, even though it is a ‘created’ mind in the first place. Thus, how can the mind simultaneously be ‘created’ and independent? what does it mean to liberate the mind from its transcendence to become a rhythm of profitability, a tracing of the influential action and a perpetually earning for the delight of thought? Does this mean that these are the features of the Enlightened mind of the Eighteenth century? Does it imply that the author of these philosophical messages had an Enlightened mind prior to the Enlightenment era itself? Or does it mean that ‘the light of brain can by no means be restricted or monopolized by space or time? To resolve this problem, we perceived a structural approach in reading the text and an epistemological interpretation that allows us to reveal the relationship between any stage in the history of thought and its future.

Keywords: the mind – prudence – benefit – pain – pleasure – joy of thought.


توطئة:

إنّ الذي بيننا وبين أبي بكر زكريا الرّازي[1] مسافة زمن لفّها النسيان، وقد تعمّدنا عصيان مدوّنته تنكّراً واستهجاناً. وهذا شأننا مع موروثنا بشكل عام. غير أنّ وطأة الإحساس بالغربة عن ذواتنا وعن منتوج عقلنا التاريخي، اليوم، يحملنا حملاً إلى المُصالحة مع “المعرفة – التذكّر”، حرصا على معاداة “الجهل” المُوافق “للنسيان”؛ فتجيش الرّغبة لاستكشاف مُنجزات عقل ظلّت محجوبة لزمنٍ غير قليلٍ.

وما يُنبئ به خطاب أبي بكر الرّازي في كشفه لماهية العقل أنّ هذه الخاصيّة البشريّة لا تبقى عالقة بمصدرها الإلهي بل يُحيلها صاحبها إلى فاعليّةٍ مُعبّرةٍ عن إرادته، لتعكس صورة لاستقلاليّة العاقل في عالمه مُمارساً للتجربة ومُجدّدا لها. ولا يكتفي العقل بذاته وإنّما يُحكم وصاله بالمنفعة؛ ولمّا لم تكن هذه الغاية الماديّة آخر ما يرنو إليه الكائن البشري يرفع الرازي المنفعة إلى مقام المعنى، ليدبّر أمرها التعقّل، حيث يُوائم الجهد في ما بين اللذّة والألم شوقاً إلى متعة المعاناة.

فعلى أيّ نحو يكون العقل مخلوقاً ومُستقلاّ في آن؟ وبأيّ معنى يتحرّر العقل من تعاليه ليكون إيقاعاً للمردوديّةِ، ورسماً للفعل المؤثر، والحركة المُتشوّقة لبهجة الفكر؟ وأنْ تكون الحرّية، والفعل الواعي القصدي، والاحتكام لقيم التعقّل من أبرز خصائص عقل الأنوار، في القرن الثامن عشر، فهل يُفيد ذلك أنّ صاحب الرّسائل الفلسفيّة تنويريّ قبل الأنوار؟ أم أنّ نور العقل لا يحتكره زمان ولا يَتحيَّزه مكان؟

وليست غايتنا من مقالنا وضع أحكام معياريّة دفاعا عن موروث فلسفيّ، وليس من مقاصد نظرنا إقامة مقارنة بين مرحلتين متباعدتين في النظر الفلسفي، بل نحرص إلى كشف ما يشي به مكتوب أبي بكر الرّازي من مواطن إبداعٍ وثراءٍ لا يمكن أن تكون مُتاحة بهجرِ النصوص والحكم عليها من خارج حروفها. ولذلك يكون الاحتكام إلى نظام خطاب الرّازي السبيل الأوفى لكشف كفاياتِ نور العقل بدءاً بمُستطاعه وبلوغاً إلى ما يرسمه من بُعدٍ إيتيقيَ للإنسان داخل الوجود.

1- في ماهية العقل ومُستطاعه:

1-1- في ماهية العقل:

يتأسّس القول في العقل على تقرّ ميتافيزيقيَ واثق يقدّر العقل عطيّة إلهيّة[2].وليست هذه العطيّة مجرّد مِنّة أو فضل من الخالق على المخلوق البشريّ، وإنّما هي استراتيجيا من العقل الإلهي لتدبير الكون وتصريف شؤون الإنسان فيه، باعتباره أشرف كائناته. وليس فعل الخلق وتمييز الكائن البشري من بقيّة الكائنات، بالعقل، اعتباطيّاً وعفويا بل هو قصديٌّ، وهي قصديّة مُرَكّبة لأنّها موصولة، أوّلا، بإرادة الخالق المدبّر لشؤون العالَم الذي أوْجَدَ؛ وثانيا لأنّ الإنسان ما كان ليرتقي عمّا سواه، باعتبار العقل “أعظم نعم الله”[3]، فتتمُّ للعاقل استقلاليته في تدبير شؤون وُجُوده الذي يخصُّه بذاته.

ومثلما تتحكّم الغائيّة في طبيعة علاقة الخالق بالكون تسري هذه الغائيّة في فضاء العالَم الموصول بالإنسان. وهذا عين المقصود بما يأمل العاقل بلوغه من منافع عاجلة وآجلة بفضل ذاك العقل الجوهر[4]. وفي ما له صلة بالمنفعة العاجلة فليس أولى من إدراك الفصل التمايُزي بيننا والحيوان. ذلك أنّ وسْمَ الإنسان “بالحيوان الناطق” إقرار بالبعد التفاضلي المحكوم بخاصيّة النطق المطابق لمفهوم العقل لدى فلاسفة اليونان، وهما مرادفان لعبارة “اللوغوس” الإغريقيّة. فالإنسان غير الحيوان، والنطق أو العقل هو ما يحكم بجواز هذه الغيريّة، فالجسميّة الجامعة بينهما لا تمنع افتراقهما، حدًّا يعي معه الكائن البشري أفضليته. وليس هذا، فحسب، بل يبلغ منزلة تُبيح له تملُّكَ الحيوان وسياسته له، وتصريف وُجُوده في كلّ شأن يحقّق منفعة للبشر وما قد يعود على الحيوان، عينه، من مكاسب: “فبالعقل فُضِّلنا على الحيوان غير الناطق حتّى ملكناها وسُسناها وذلّلناها وصرفناها في الوُجوه العائدةِ منافِعها علينا وعليها، وبالعقل أدركنا جميع ما يرفعنا ويحسُن ويطيب به عيشنا ونصلُ إلى بُغيتنا ومُرادنا”[5].

ولا تتوقّف هذه المنفعة العاجلة عند الوعي بتفرُّد الإنسان وتميُّزه بل تتجاوزه إلى مستوى الفعل، أيضا؛ إذ بقدر ما تمّ للإنسان علمه بذاته، من حيث هو كائن عقل ووعي، بلغ من التحصيل الذي لا ينفصل فيه الفعل عن العقل الواعي. فلا يكفي أن يعقل الإنسان بل يجب أن تكون أفعاله محكومة بتوجيه من العقل، ضرورة، أي أن يكون الفعل واعياً، أيضاً. وتلك هي دلالة التقدير أنّ العقل هو “ما به نتصوّر أفعالنا العقليّة قبل ظهورها فنراها كأنْ قد أحسسناها، ثمّ نتمثّل بأفعالنا الحسيّة صورها فتظهر مطابقة لمَا تَمَثّلْناهُ وتخيَّلناهُ منها”[6]. وبهذا المعنى يتخطّى الكائن البشري منزلة الحيوان وموضع الأطفال وحالة المجانين، فيتجاوز البعد الحيواني بطابعه الغرائزي، مثلما يخترق طفولته وما تتّسم به من بُعد عفويّ، وتكون له، على النحو ذاته، وبفضل حكمة العقل، كفاية المقدرة على نسجِ فاصلٍ سميكٍ بينه وحالة الجنون، التي يستحيل معها العقل مُضطربا وعلى خللٍ[7].

ومع ذلك ليس العقل مُجرّد خاصيّةٍ للإنسان تميّزه عمّن هم دونه حظوة ورفعة، وإنّما هو فاعليّة بشريّة نرصُدُها في ما يؤكّده الرّازي بأنّ الفعل البشري مَقودٌ بالعقل، وأنّ العقل يُعيد تمثُّل ذاته من خلال أفعاله تلك. فالعقل ماهية الإنسان دون شكٍّ، فنحن نميّزُ من خلاله الإنسان من الحيوان ومن الأطفال ومن المجانين، فهو المُتعالي عنهم لقصورهم؛ ولكنّه غير مُتعالٍ عن العالَمِ والتجربةِ والفعلِ. فماهية الإنسان حيويّة نشيطة، وهذه الصورة الديناميكيّة لها هي ما تحيلُ كلّ قولٍ بثبات الماهية للعقل المُثُلي الأفلاطوني و للعقل التأمّلي الديكارتي على الإحراج.

فلكأنّنا إزاء ضرب من ضروب الإحراج الاستباقيّ الذكيّ الذي يتوشّح به الفكر الفلسفي للقرن التاسع والعاشر للميلاد. وإنّا لا نقصد أن نُؤهّلَ الرّازي عبقريّا تاريخيّا مُخترقا للتواريخ، قديمها وحديثها والمُعاصرِ، فنحن نقدّر الخصوصيّة الإبيستمولوجيّة لكلّ فكرٍ فلسفيٍّ، غيرَ أنّ استحضار الفكر الفلسفيّ الغربيّ، وإلى اليوم، للفكر الأفلاطوني الإغريقي التليد، من جهة، وتمجيد نيتشه، من جانب آخر، للفكر السفسطائي، المُقابلِ للسقراطيّة، واعتباره الفكر الأجدر بالاتّباع دون سواه، هو ما يحُثّنا على الانتباه إلى تاريخنا وإعادة إحيائه بما هو فيه، وهو ما يُوجّهنا، كذلك، إلى كشف ما يحظى به فكر الرّازي من أهمّيةٍ تتجاوز شخصه لتُفيدَ منه الإنسانيّة، ومن جدارةٍ فلسفيّةٍ تُحيلُهُ ألمعيّاً في عصره ومُؤثراً ومُثيراً للسؤال في العصور اللاّحقة.

فها أنّ أبا بكرٍ الرّازي ينبّهنا أنّ الإنسان ليس كائنا عاقلا، فحسب، وإنّما هو كائن فعلٍ ويعي ما يفعل، وإلى ذلك يتمثّل ذاته واعيّا وقد أنجز الفعل. وهذا عينه منطوق الفيلسوف الإنجليزي جون لوك الذي يتصوّر الشخص من حيث هو “كائن مفكّر وذكيّ، قادر على التحقق وعلى التفكير؛ إنّه شأن العقل ذاته الذي يفكّر في فتراتٍ وأمكنة مُختلفةٍ، وهو ما يفعله، فقط، من خلال إحساسه بأفعاله غير المنفصلة عن الفكر، وهو، في ما يبدو لي، ضروريٌّ تماما، إذ من المحال لبعضهم أن يكون قد أدرك دون أن يُدرِك ما أدركه… إنّنا نعرف الشيء في الوقت الذي نفعله. وتُوافق هذه المعرفة، دائماً، أحاسيسنا وإدراكاتنا الحاليّة”[8].

وعلى النحو الذي يُحرّرُ فيه الرّازي العقل من حالته الأولى، باعتباره “عطيّة إلهيّة”، ليُحمّله مسؤولية الفعل في الواقع، ومن ثمّ فحصَ ذاته ومراجعتها باستمرار، إذ العقل موصولٌ، في تقديره، بإرادة حرّة تجعله مسؤولا عن عالمه الإنساني، يُجدّدُ رائد فلسفة الأنوار جان جاك روسو، (Jean-Jacques Rousseau / 1712-1778)، النداءَ إلى تلك الصلة بين العقل وحرّية الفعل، فيرسم مَشهد فاعليّة العقل، على نحو ما يكون البيان خطاباً في إنسانٍ أعلنَ فساده بانحرافه عن الحالة الطبيعيّة التي سبق وسوّت بينه والحيوان، فيقولُ: “إنّي أكادُ أجترئ على القول إنّ حالة التفكير حالة تُضادّ الطبيعة، وإنّ الإنسان الذي يتأمّل [بعقله] حيوان فاسد”[9]، وما كان لفضيلة الفساد، هذه، أن تكون لو لم تكن مَقُودة بحرّة العقل المُميّز للكائن البشري: “فالتمييز النوعي الذي للإنسان بين سائر الحيوان لا يُقيمه الذهن بقدر ما يُقيمه كون الإنسان فاعلا حرّاً”[10].

وإنّ فطنة الرّازي، ذات السبق، والتي نأَتْ عن اعتبار الخلق الإلهي للعقل بمثابة السلطة الاستبداديّة الكونيّة، وما يمكن أن يُشكّله هذا التسلّط من إعاقة للعقل عن الخروج إلى حيّز عالَم الحياة، ومن عطالة إزاء حرّية الفعل، وَجَّهتْ (فطنته) التدبير الإلهي والإرادة الإنسانيّة إلى ما يمكن أن نسمّيه استراتيجيا العقل الناجع؛ والذي جسّد صورة الكائن البشري النوعي والحامل لوعيٍ قصديٍّ: فهو متحرّك مُعاداة للسكون، وهو حيويّ مُعاندة للثبات، وهو المُفيد مُقاومة للهوان.

ورغم ما للرّازي من فضيلة الاستباق والاستكشاف فإنّا بقينا في حال المتشوّق إلى المفهوم الذي يختزل كلّ خصائص الإنسان تلك، إلى أن تكلّم روسو فقال: إنّها “قابلية الكمال” (La perfectibilité)[11]؛ فما بين روح الأنوار وعصرها، أي عصر الأنوار الذي هو زمانها الحقيقيّ، تلك المسافة فيما بين تعيين الرّازي للخصائص، تفصيلاً، وقول روسو للإنسان، موجوداً، أو تقريره مفهوما مُختزلاً ليس خلواً من حياة. وإنّها لَمَسافة هيّنة لا تكاد تُلمح، لأنّه لا استمرار لجسدٍ لا روح تسري فيه، ولا جدوى من روحٍ لا تستكشف ولا تستشرف ولا تتشوّف، شوقاً،لما يجب أن يكون من الإنسان للإنسان. أليس هو الوعي بقابليّة الإنسان للكمال!

ولعلّ وَحدَة النظر والعمل هي ما تُجسّد هذه الرّغبة في التسامي.

1- 2- في وَحْدّة سياسة النظر والعمل:

إنّ علاقة العقل والمنفعة لا تكفّ عن الحضور، وهو ما ينكشف في ما يحظى به الإنسان من منافع آجلة، ففيه آجِلٌ قريب وآخر بعيد. وأقرب المنافع الآجلة قدرة العقل على التدبير الحسن للمعيش، وتيسير المَعَاش، وتصريف علاقة الإنسان ببني جنسه فيحتكم تواصلهم إلى توفير الخير وتبادُله. فتتحقّق للناس رفعتهم فوق السوائم وقد تمّ لهم بالعقل مرادهم: “وبالعقل أدركنا جميع ما يرفعنا ويحسُن ويطيبُ به عيشنا ونصل إلى بغيتنا ومرادنا”[12]الفعل، فإنّ من دلائل قيمة العقل البشري وفضيلته كفاية المقدرة على التفكير وإنشاء النظريّة الناجعة. إذ تفطّن الإنسان أنّ التفكير المُجرّد المُكتفي بالتأمّل، على نحو تأمّل الفلاسفة وتجريد الرياضيين، يظلّ غير كافٍ بذاته، في تعاليه ذاك، رغم ما يكتنزه من جدارةٍ منهجيّةٍ في إنشاء النظر السليم، بتمييز الصواب من الخطأ، واستقبال نظام الفكر بديلا عن فوضاه.

وبالمقدار، عينه، بلغ الإنسان من السيطرة على أهوائه وطباعه الحيوانيّة مبلغاً رفعه إلى مقام الفيلسوف /الحكيم: “وأمّا البلوغ من هذه الفضيلة أقصى ما يتهيّأ في طباع الإنسان فلا يكاد يكلّمه إلاّ الرّجل الفيلسوف الفاضل”[13]، وهي فضيلة رويّة العقل وحكمته التي أهّلته أرفع مقاماً من الحيوان: “فإنّ أوّل فضل الناس على البهائم هو هذا، أعني ملكة الإرادة وإطلاق الفعل بعد الرّويّة (…) كما تجد الإنسان يقهر طباعه عليه لمعانٍ عقليّةٍ تدعوه إلى ذلك”[14].

وإنّ جوهر استفاقة الإنسان، هذه، تكمن في وعيه بأنّ إنشاء العقل للنظريّة يُمكن أن ينتهي إلى إنشاءٍ لواقعٍ مُغايرٍ أفضل ممّا هو عليه؛ ونقصد بذلك إنتاج الصناعة، والتي ساعدت، بلا شكّ، في تحسين حياة الناس وتيسير معاشهم، وتوسيع فضاء علائقهم، وتقريب المسافات بينهم، والنأي عن الحدود الجغرافيّة كأحد موانع التلاقي وعوائق التواصل؛ ذلك أنّ المُنجَز الصناعيّ حوّلَ تلك الحدود مجرّد أشكال وهميّة. وليس أدلُّ على ذلك من تطويع النظر العقليّ إلى صناعة السفن التي لم تُقرّب البلاد القصيّة البعيدة، فقط، بل أحكمت تواصل الناس والشعوب فتعارفوا بتقاربهم ذاك واستكشفوا عوالم جديدة؛ وامتدّ التعارف إلى التعاون فتبادلوا البضائع والمنتجات، في ما بينهم، حتى صارت الحاجات المُمتنعة، أمس، متحقّقة بالفعل، فحسُنَ المعيش المادّي وتقدّمت نُظم التفكير بتبادل أهل النظر، من علماء وحكماء، لتجارب العقل بفضل ذلك التواصل الذي يسّرته “سفن البحر”؛ وتلك هي عين الدلالة من قول الرّازي: “فإنّا بالعقل أدركنا صناعة السفن واستعمالها حتى وَصَلْنا بها إلى ما قطعَ وحالَ البحر دوننا ودونه”[15].

ويبدو أنّ الرّازي يُنجز شيئا من الفرادة والطرافة، في آن، وهو يستفيق في هذه الفترة من الزمان، وأقصد القرن التاسع والعاشر للميلاد، على أهمّية الصناعة وضرورتها في حياة الناس لأجل تعايُشهم في ما بينهم. إنّه الضجيج الفكريّ الذي يُعيدُه جان جاك روسو، على نحوٍ يبدو خُلواً من كلِّ غربةٍ عمّا خطّه الرّازي في كتابه الطبّ الرّوحاني؛ سواء من زاوية تصريف المفاهيم أو توجيه الأفكار إلى عين مقاصدها. إذ يرد عن روسو قوله: “… ومن ثمّ كان اختراع الصناعات الأخرى أمراً ضروريّاً لإكراه الجنس البشري على تعاطي فنّ الزراعة. ومنذ دعت الضرورة إلى وُجود أناسٍ لصهر الحديد وطرقه، وَجَبَ وجود آخرين لتوفير الغذاء لهم”[16].

وإذا كانت “المنافع العاجلة والآجلة” هي ما تقود الفعل البشريّ داخل التجربة في نظر الرّازي، فإنّ “المصلحة المشتركة” هي ما تُحكم وِصال تلك العلاقة في تقدير فيلسوف الأنوار: “وإذ علّمت التجربة الإنسان أنّ طيبَ العيش هو الدّافع الوحيد للأفعال البشريّة، صار قادراً على التمييز بين مناسباتٍ نادرةٍ، وفيه تُملي عليه المصلحة المُشتركة أن يعتمد على معونة أشباهه”[17]. غير أنّ روسو يتفطّنّ، وعلى نحوٍ مُبكّرٍ، أنّ عقد القران بين مفهوميْ المصلحة والفائدة لا يخلو من ضرورة، وهي، ذاتها، الضرورة التي انتبه إليها الرّازي في وصله الواثقِ بين مفهوميْ المنفعة والفائدة؛ فلكأنّ النّاسَ يُنجزون في الواقع مفاهيمهم على غير درايةٍ منهم: “وهكذا استطاع البشر أن يكتسبوا، من دون درايةٍ منهم، ما يُشبه الفكرة المُطلقَةَ عن التعهدات المُتبادَلَة وعن الفائدة التي تنجم جرّاء القيام بها قياماً لا يكون إلاّ بقدر ما تتطلّبُ المصلحة الحاضرة والمحسوسة لا غير”[18].

ومثلما يَسَّرَ العقل الحاجات المادّية مَكَّنَتْ حكمة النظر من حماية الجسد ممّا قد يُصيبه من عِللٍ وأدواءَ أو توفير سبُل العلاج وقد نالَ منه الدّاء. وما سُمّيت هذه الوقاية والمعالجة للأجسام “صناعة الطب” إلاّ لما كان من وشيج العلاقة بين حدّي النظر والعمل؛ ذلك أنّ الطب علم نظريّ يهتمّ بالفهم الدقيق لأجزاء البدن وتمييز عناصر تلك الأجزاء المُتفاعلة في ما بينها. وبنفس القدر يُشكّل الطب “العلم العمليّ” الذي تُبيح له الحكمة النظريّة فحص الجسم، وكشف موطن إصابته بالعلّة، وتعيين عللها، ثمّ تمكين الجسم من وسائل اختراقها بوضع ما هو مناسب من العلاج؛ فيقول “وبه (يقصد وبالعقل) نلنا الطبّ الذي فيه الكثير من مصالح أجسادنا”[19].

ويُعمّم الرّازي منافع العقل العمليّ فيُقرُّ أنّا نلنا بهذا العقل: “سائر الصناعات العائدة علينا النّافعة لنا، وبه أدركنا الأمور الغامضة البعيدة منّا الخفيّة المستورة عنّا، وبه عرفنا شكل الأرض والفلك وعظم الشمس والقمر وسائر الكواكب وأبعادها وحركاتها”[20]. ومنافع العقل النظريّ، عمليّا، ليست مادّية، فقط، بل ميتافيزيقيّة، أيضا، فالعاقل لا يكتفي بالتسليم بالإله، خالقاً، وإنّما يُوجّه النظر فاحِصاً شأن هذا الخالق، مُتعرّفاً إليه بمقدار ما لهذا العقل من نصيب التعرُّفِ؛ ولمْ يعتبر أنّه بهذا المسعى يُرسي شكلاً من أشكال الكُفر بالآلهة، كما اعتقد الكثيرون من أهل زمانه، وإنّما وجد في “العقل-العطيّة” ما به يستحيل معطاءً، على نحو ما يكون الكشف وما يكون الاستكشاف وما يكون الابتكار والإبداع؛ فهو ما لا يَكُفُّ عن الفضول ومُعاندة كلّ أشكال الموانع، ولا يكُفّ عن اختراق الحرج: في شجاعةِ إرادةٍ، وفي وقاحةِ رغبةٍ، وفي فضولِ فكرٍ حريصٍ. فبهذا العقل: “وصلنا إلى معرفة البارئ عزّ وجلّ الذي هو أعظم ما استدركنا وأنفع ما أصبنا.”[21] وفي حال الوجود وما بعده تكون للإنسان بملكة الحكمة الفاعلة: “الشيء الذي لولاه كانت حالتنا حالة البهائم والأطفال والمجانين”[22].

وإنّ ما يُعلن عنه نظام الخطاب تصريفُ أبو بكر الرّازي للمعاني المُختزلة، لفظيّاً، تصريفاً حكيماً، إذ يحتكم إلى هندسةٍ مفهوميّةٍ مُثيرةٍ: فلكأنّ مفهوم “العقل” يكفّ أن يكون ذا قيمة ما لم يُوصَل بمفهوم “المنفعة”، الذي يكتسب، بدوره، جدارته وجدواه من خلال إحكام وثاقه بمَعْرَفِ “الصّناعة”. وهو الأمر الذي يُولّد تصوُّراً فلسفيّاً، لافتاً في مضمونه تقدير صورتين للعقل، الأولى نظريّة والثانية عمليّة؛ غير أنّ هذا العقل العمليّ محكوم في إمكانه بالعقل النظريّ، رسماً وتشريعاً وإضفاءَ وجاهةٍ. وما ينهض دليلاً، على ذلك، أنّ حدّ الصّناعة لا يقف عند وسائل التنقّل وصناعة الطب، فحسب، بل امتدّ إلى مختلف الصناعات النّافعة للإنسان، فرداً أو جماعةً، فبالعقل “نلنا الطب الذي فيه الكثير من مصالح أجسادنا وسائر الصناعات العائدة علينا النّافعة لنا”[23].

إنّ وَحدَة العقل النظريّ والعقل العمليّ، هذه، هي ما بقينا ننتظر فيلسوف النّقد إيمانيوال كانط، (Emmanuel Kant/ 1724-1804 )،حتى تستحيل تقريراً فلسفيّا يُسنّ نسقيّاً، على نحوِ قانونٍ نظريٍّ صالحٍ لكلّ الأزمنة، بل هو الجمّاع لها؛ ففي مُستهلِّ كتابه نقد العقل الخالص يقول: ” وهكذا، داخل الزمن، لا معرفة تسبق التجربة فينا، وكلّ معارفنا تبدأ معها، ولكن إذا كانت كلّ معرفة تبدأ مع التجربة، فهذا لا يُثبت أنّها كلّها مُتأتية من التجربة”[24]، ويُغادرُ كانط، في تقدير ألكسيس فيلوننكو (Alexis Philonenko/ 1932-2018 )، وهو أهمّ قُرّاء كانط المعاصرين على الإطلاق، حيّزَ التلميح، في شأن تلك الصلة بين العقل والتجربة وبين الفهم والحسّ، فيُصرّحُ  بلسانه ما قرّره، أيضا، في نقد العقل الخالص: “ممّا لا شكّ فيه، فإنّ القوانين الخبريّة، كما هي، لم يعُد بإمكانها اشتقاق أصلها من الفهم الخالص، مثلما أنّ التنوّع اللاّمحدود للظواهر لا يُمكن أن يُفهم، كِفايةً، بواسطة الصورة الخالصة للحدْس الحسّي”[25].

وعلى أهميّة التقنين النسقيّ الكانطيّ، فإنّ توجّه أبي بكر الرّازي الحريص على تأكيد الصلة الوثيقة للعقل بالحياة، وللتصوّر النظريّ بالوجود العمليّ للإنسان ليس، فقط، مُجرّد تأكيد على أهمّية التجربة العمليّة على النظرِ المجرّدِ، أو على العقل التأمّليّ، وإنّما هو تقرير، سابق في الزمن، يَنصّ على أنّ توجّه الفيلسوف إلى الشأن العمليّ عقيدة على غاية من الأهمية، لا لحفظ البقاء، فحسب، وإنّما لتجديد البقاء وتهذيبه، وفق ما تعزم إليه إرادة الإنسان. وبالفعل تتشكّل هذه العقيدة في رؤيةٍ فلسفيّةٍ مُكتملةٍ، ظهرت تحت اسم “البراغماتية” (Le Pragmatisme)، في نهاية القرن التاسع عشر، وهو ما وضعناه مع الرّازي تحت مسمّى “وَحدَة سياسة النظر والعمل”، وهو يحدّثنا عن منافع العقل الصناعي في مجالات الحياة المتنوّعة، إنّه ذاته ما يُشكّل التعريف الدقيق “للبراغماتية” لوليام جيمس، (1910-1842/William James):   “تأخذنا البراغماتيّة، كمعيارٍ للحقيقة المحتملة، أفضل ما يحقّق مكتب ما لإرشادنا في الحياة، ممّا يُضيف إلى جميع أجزاء وُجُودنا، ويتكيّف مع جميع متطلّبات التجربة، دون التضحية بأيّ شيء… وفي الواقع، أيّ نوع آخر من الحقيقة يمكن أن يكون للبراغماتيّة، خارج نطاق فكرةٍ مع واقعٍ ملموسٍ، مع الحياة ![26]؛  غير أنّ عقيدة المنفعة، هذه، مضت، مع الرّازي، إلى أقصاها، إذ أنّ تحصيل الحاجة والفائدة لم تمنعه عن طلب سواها، علّها تُضفي على النفس بهجتها. 

1- 3- بهجة التعرّف على المحجوب:

إنّ العقل لا يكتفي بتوجيه النظر إلى حيث ممكنات الفعل وتحصيل منافعه الماديّة، من حيث هي ضرورات حتميّة، فيتّجه إلى استكشاف ما وجب ألاّ يبقى مجهولا. ذلك أنّ للعقل حاجياته ومباهج استشرافه، حتى وإن حلّت في محلّ ثان، بعد أن تتمّ للجسد والمعيش ضروراته. ولم يتمّ للبشر تحقيقهم لمنافعهم العاجلة من حاجات تحفظ بقاءهم وتحفظ استمرارهم موجودين، فقط، بل تيسّر لهم، أيضا، إدراك ما بدا آجلا، على نحو ما مكّنهم علم الفلك من استطلاع مختلف الكواكب وتبيّن خصائص كلّ منها، وقد كانت لزمن، غير بعيد، من الأشياء العَصيّة على الإدراك ومحفوفة بالغموض على نحو ما يكون المجهول خفيّا. غير أنّ سلطة العقل حَوَّلَت العَصيَّ سهلا، والقصيَّ قريبا، والمجهول معلوما؛ فبعين تلك السلطة “عرفنا شكل الأرض والفلك وعظم الشمس والقمر وسائر الكواكب وأبعادها وحركاتها”[27].

ولا يُشكّلُ الرّازي بنية خطابه على صورةٍ نمطيّةٍ واحدةٍ، لأنّه لا يكتفي بتصريفِ المفاهيم المختلفة، على نحوِ أشكالٍ هندسيّةٍ تُساعد على ضخّ المعاني الملائمة ومراكمتها، بضربٍ من الإيجاز البليغ، بل يمضي إلى تدبيرِ بعض المفاهيم تدبيراً مُتعدّداً، إذ لا يبدو صاحب الخطاب دوغمائيّاً مؤمناً بالدلالات النهائيّة لتصوّراته ومَعْرَفاته[28]، من ذلك أنّ مفهوم “المنفعة”، الذي فعَّلَه الرازي بين حدّي العقل ومعرَف الصناعة، لم يمكث به ضمن البعد المادّي، باعتباره أولويّة حيويّة في معيش البشر، وإنّما يوجه مفهومه إلى حيث الصورة المُتأمّلة قصد الاستمتاع بها، فيرتقي التصوّر للمنفعة من الحيّز المادّي إلى فضاء البهجة الفكريّة أي التأمّل المرح، حيث يُسَرُّ الذهن وتتملّكه سعادة اكتشاف المجهول ليس في إطار ما له علاقة بالفلك والكواكب، فحسب، وإنّما بإدراكه للخالق “البارئ عزّ وجلّ”[29].

إنّ مضمون الخطاب يقطع مع الفهم المُتداوَل لعلاقة المخلوق بخالقه ولصلة العقل البشري بالعقل الإلهي، وقد أصبح متاحا للعقل المخلوق، بما هو “من نعم الله وعظيم فضله”[30]، أن يُدرك الله ويكشف الحجاب عن خصائصه المُميّزة له. وبهذا لم يبق العقل مُنغلقاً على شأنه الإنساني لأنّه تجاوزه إلى استكشاف العالَم الميتافيزيقيّ الخارق، واستحال العقل كفايةَ مقدرةٍ على مُحاجّة المتنكرين للوُجود الإلهي، فضلا عن كونه سلطة حجّة تُثبت ذلك الوجود وتدلّ عليه وتُقنع به، على نحوٍ أبلغ ممّا تُجسّده الحجج الدينيّة النقلية الصرفة. وينأى الرّازي عن التلميح، مُصرّحاً بأنّ المنفعة الموصولة بالجانب الميتافيزيقي أعظم من المنافع المادّية، التي يُضفيها العقل على صاحبه، بما يتحقّق، فعليّا، من حاجاتٍ. فمفهوم المنفعة يحتلّ حيّزاً واقعيّاً ولكنّه يحتمل بُعداً إيتيقيا، أيضا؛ فلا تحتكر النجاعة الماديّة بُعد المعنى في حدّ المنفعة بل استحال المعنى، عينه، خصوصيّة تُجسّد صورة من صُوَر نظريّة القيم. وذاك هو المقصود من الاستعمال المزدوج للمفهوم، فهو ما يكشف عن الحاجة بقدر ما يستجلي متعة الاستكشاف للغامض أو للمحجوب أو للمجهول.

غير أنّ تحوّل بنية الخطاب إلى توسّل صيغ التفضيل والمبالغة، “أعظم” و”أنفع”، يخلُصُ بنا إلى المعنى التمايُزي الذي يُميّزُ، تفاضليّاً، بين المنفعة المادّية والمنفعة الذهنيّة: “وبه (العقل) وصلنا إلى معرفة البارئ عزّ وجلّ الذي هو أعظم ما استدركنا وأنفع ما أصبنا”[31]. وما هذا الاستعمال للصيغ التفاضليّة في الخطاب مُجرّدَ تمييزٍ بين الواقعيّ والميتافيزيقيّ، بل يهدف إلى غاية أهمّ، ومضمونها السموّ بالكائن البشري عمّا يستبدّ بالبهائم من سطوة الغريزة، والرّفع بالسلوك الإنسانيّ عن عفويةِ الأطفال وفوضى أفعالهم، والنأيُ بالعقل بعيداً عن الاضطراب النفسيّ للمجانين[32]. إنّه السموّ إلى إيتيقا المعنى.

2- سبيل العقل إلى إيتيقا المعنى:

وإنّ رفعة المنزلة هذه التي للعقل تقتضي حفظ مقامه وتحصينه من أن ينزل دونها، فلا يعلو شيء آخر فوق علوّه ويظلّ، دائما، مقياس الإنسان ومعياره الأساس، لا لإصدار الأحكام، فقط، وإنّما لتقدير الأمور حقّ قدرها ووضع المقادير المُناسبة، تعييراً للصوابِ والحقّ والخير والجمال. فلا تكون السّيادة في العالَم الإنسانيّ لغير العقل، والذي لا يكون تحصينه ممكناً ما لم يتمّ النأي به عن الأهواء ونوازع الرّغبة، وهي عوائق تُحيل صفاء الذهن إلى شوائب، ونظام الفكر إلى فوضى، وسلامة التفكير إلى هجين. لذلك وَجبَ حماية العقل “فلا نسلّط عليه الهوى الذي هو آفته ومُكدّره، والحائد به عن سننه، ومحجّته، وقصده، واستقامته، والمانع من أن يُصيب به العاقل رشده وما فيه صلاح عواقب أمره”[33].

ويُلبس الرّازي العقل لبوس الإنسان، الذي يمكن أن يزوغ عن سبيل الرّشاد فتأخذه الأهواء أخذاً، فلا تكون له سلطة على نفسه، ويحيد عن السبيل الذي أُهّل إليه إنسانا، ولذلك يجدر تهذيب العقل على نحو ما يُقوّم سلوك الفتى المُنحرف، بل يُجبَرُ العقل على أنْ يعود مقياساً ومعياراً للأشياء، جميعاً، ويعود إلى طبيعته، التي خُلق وبُعث لأجلها، مثلما يُجبر الشخص، الذي حاد عن قويم السلوك، على الأوبة إلى الوضع الأسلم: “ونروضه (العقل) ونذلّله ونحمله ونجبره على الوقوف عند أمره ونهيه”[34]. وبسببٍ من ذلك، لم يبق الرّهان وِقفاً على تحصين العقل، بل العمل الجادّ على إخضاعه، باستمرار، إلى المراقبة حتى إذا ما أصابته آفة وكدر تمّ توجيهه إلى ما يجب أن يكون من صفاء التأمّل، ودقة التمحيص، وسلامة النظر، وصواب الحقّ، وهو ما ينبئ به التصريح: ” فإنّا إذا فعلنا ذلك صفا لنا غاية صفائه وأضاء لنا غاية إضاءته”[35].

وإنّ هذه الثقة بالعقل، لا تحتكم إلى قدرته على التفكير والتأمّل، فقط، بل تبلغ مع الرّازي حدّ السعي إلى وضع شروط لمراقبته وتوجيهه وتحصينه من الأهواء، بل تتجاوزه إلى مستطاع العقل في استشراف أحداث المستقبل، نظرا لما له من كفايةِ “التمثيلِ والقياسِ”[36]. لذلك لم يعد كافٍ السعي للمحافظة على فعاليته النّاجعة، مثلما أسلفنا، إذ أصبح، فضلاً عن ذلك، مُتاحا للإنسان مُراعاة الحيطة والحذر، لتجنُّب ما قد يكون من الأفعال ضارّاً والتعجيل بالمفيد والنافع بدلا عنها. وتتراكم صُوَرُ العقل، لدى أبي بكر الرّازي، فمن فضاء “التأمّل” إلى موضع “النجاعة” إلى حيّز “التعقّل”، وما يحتمله المفهوم من دلالة الحيطة والحذر، التي لا يُخفيها هذا التصريح: “أقول: إنّه من أجل ما لنا من التمثيل والقياس العقليّ كثيرا ما نتصوّر عواقب الأمور وأواخرها، فنجدها وندركها كأنْ قد كانت ومضت، فنتنكّبُ الضارّة ونُسارع إلى النّافعة”[37].

وضمن صُوَر العقل المختلفة، تلك، يحرص صاحب الرّسائل على الإفادة العمليّة، تأكيداً على الوصلِ الواثقِ في ما بين العقل والحياة، إذ لا قيمة لحياةٍ بشريّةٍ غريبةٍ عن عقول ساكنيها، ولا جدارةَ لعقلٍ إنسانيٍّ لا يُضفي على الحياة معناها، وعلى حامله حُسناً وسلامةً، بل وتَمَكُّنًا من مقامه الأرضيّ: “وهذا يكون أكثر حُسن عيشنا وسلامتنا من الأشياء المُؤذية الرّديئة المُتلفة”[38]. فيستمرّ الإنسان في الحاضر ويستشرف الآتي، استقبالَ الحريص حتى يظلّ صاحب السّيادة على ذاته والوجود.

غير أنّ هذه السّيادة محمومة بكثيرٍ من المشقّة، وصروفٍ من الشقاء أثناء الفعل وعند منتهاه. إذ لا يكاد الفاعل يأْنس تلذذه واستمتاعه بما ينتهي إليه من تحصيلٍ، حتى يؤوب إلى الحال المُعتاد وإلى ما كان مألوفاً، وقد قلّ التذاذه؛ ذلك أنّ لذّة الاستمتاع بالشيء سرعان ما تستحيل عَدَمًا، فلا يكون للإحساس بها أكثر من حظ المؤقت. إنّها من الأحاسيس المُعادية للدوام بالنّسبة إلى كائنٍ بشريٍّ، لا تتوقف حاجته ولا ينقطع طلبه للحاجات ما بقيَ كائنا حيّا؛ وعَوْداً على بدءٍ، تتواتر الحاجة والاستزادة، ويعقُبُ الألم اللّذة، من غير أن يستقرّ أحدهما دون الآخر، وقد مثّلَ الجهد الواصل والفاصل بينهما، في آن: “حتى إذا نال وَوَصَلَ إلى ما أمَّلَ لم يلبث إلاّ قليلا حتى يفقد الغبطة والاستمتاع بها، وذلك أنّها تصير عنده بمنزلة سائر الأحوال المُعتادة المألوفة، فيقلُّ التذاذه بها وتشتدُّ وتغلُظُ المؤن عليه في استدامتها والتحفّظ بها”[39].

إنّ هذا التعالُقَ بين الألم واللذّة في فكر أبي بكر الرّازي، احتكاماً إلى استمراريّة الجهد والفعل، يُحيل السلطة الغائيّة وسطوتها على الهامش؛ لتُصبح فعاليّة العقل هي القيمة التي تحظى بالمنزلةِ فوق كلّ غايةٍ. وهو الأمر الذي اقتضى الاستعاضة عن المُثلّث الهندسي لمفاهيم “العقل” و “الصّنعة” و”المنفعة”، سالف الذكر، بهندسة تقصي الغاية، فترفع من شأن القيمة والمعنى بدلا عنها، وذلك بإحكام مُثلّث التفاعُل بين مفهوميْ “الألم و “اللذّة”، بوثاقٍ يُجسّده مَعْرَف “الجهد”.

ذلك أنّ انتقال الإنسان من حال ألفها ورُبّيَ ونَشَأَ عليها إلى حال أفضل وأجلّ، لا يكون ممكنا إلاّ بالحرص على إجهاد النفس، وحثّها على الشقاء في سبيل الخلاص من المألوف، وما اعتاد عليه الشخص من طاعة آمريه، فضلا عن خضوعه لأهوائه. فإذا بالمسعى نشدانا للارتقاء نحو الأسمى مشروطة بخوض صراع مركّب، قوامه الفعل المُقاوم لأهواء النفس والمواجه لكلّ ضروب الخضوع للسكون ونكران الحركة: “فالتنقّل من الحالة التي لم نزل عليها، المألوفة المعتادة لنا، إلى ما هو أجلّ منها، لا يكون إلاّ بالحمل على النفس وإجهادها في الطلب”[40]، ودلالة الإجهاد لا تكون إلاّ بالإقبال على الألم سبيلا للتعافي من الثبات، وحرصاً على ما للفعل الواعي من قيمةٍ ورفعةِ المنزلةِ لأجل تحصيل الحال الأجلّ: “وذلك أنّه لا ينال هذه الرتبة إلاّ بالكدّ والجهد الشديد، وحمل النفس على الهول والخطر …ولن يبلغها حتى يصل إلى نفسه من الألم أضعافَ ما يصل إليه من الالتذاذ بها بعد المنال”[41].

إنّ الاستمتاع باللذّة موصول ببلوغ المأرب، وتحصين تلك الغاية والرغبة في الاستزادة يقتضي إمضاءَ تعاقُدٍ مُتجدّدٍ، مع الجهد والشقاء والألم؛ والويلُ لمن لم يعد له ما يرغب فيه، يقول جان جاك روسو: فلمّا “يتجرّأ هذا القلب على الرّغبة، مرّة أخرى، ولمّا لم يعد له ما يرغب فيه، يُعاقبني على تخيُّلاته، ويجعلني أشعر بالقلق من السعادة”[42]؛ فلكأنّ تحصيل السعادة استحالَ عائقا أمام رغبات البشر وأفعالهم، وهو هاجس الرّازي بالفعل، ذلك أنّ التفاعل، عنده، بين الحاجة وطلب الاستزادة، والمُواءمة بين التحصيل والرغبة في الأفضل، والمُصاهرة بين اللذّة وتجديد التعاقد مع الألم، تَقْضي، جميعها، بأنّ السكون ليس شأناً إنسانيّاً، وأنّ الثبات ليس ميزة له، وأنّ الاكتفاء حالة غير جديرةٍ ببني البشر. فمتى كانت المتعة مسكونة بالألم، ومتى كان الشقاء مطلب المُتلذّذ، ظلّت الحركة تعبيرا عن شوق طبيعيّ لا يسكُن.

فهل تكون سعادة الإنسان رهينة هذا الاستمتاع بالمعاناة؟ وبالفعل فها أنّ أبا بكر الرّازي يُنبؤنا بما تمّ للبشر من سعادةٍ، واستحالت فضيلة التعرّف على خصائص الألوهيّة إلى فضيلة اعترافٍ بالفضل؛ إذ أنعم الخالق على الخليقة فضيلة العقل فضلا عن فضائل تدبيره: “وكنّا سعداء بما وهب الله لنا منه ومنّ علينا به”[43].

3- على سبيل الخاتمة:

تخلُص بنا مُتابعة حركة أفكار أبي بكر الرّازي إلى ضروبٍ من الاستراتيجيا القصديّة. فلا يعزل الفيلسوف مقاصد الخلق الإلهي، للعقل، عن مراميَ الإنسان لتوسُّله أفكاره نزوعاً إلى الاستقلال في تدبير شأنه البشري بذاته. وإنّ ما يشي بهذه الاستراتيجيا: كفاية مقدرة الرّازي على تصريفِ نظامِ الخطابِ وتنويعهِ، وفق مُقتضيات تطوّر مضمونه. فعلى نحو ما يبدأ العقل بالفهم، فيُميِّز الكائن ذاته عمّا سواه، ينزعُ إلى كشف مردوديّةِ ذاك العقل، عينه، في فضاء الفعل والتجربة.

وفضلا عن ذلك، تمضي حركة الأفكار تصاعديّا فتتطوّر هندسة الفيلسوف لمفاهيمه، على نحوٍ متنوّعٍ؛ فلئن أرسى الثلاثيّ: “العقل” و “الصّنعة” و”المنفعة” وَحْدَةَ النظر والعمل، تحوّل الرّازي من حدّ “المنفعة” المادّية إلى “بهجة المنفعة”، مُتوسّلا، في ذلك، وصلاً آخر يُؤلّفُ مَعْرَف “الجهد” إلى مفهوميْ “اللّذة” و”الألم”، فيخلُص صاحب الرّسائل الفلسفيّة إلى أنّ ما يُميّز الإنسان هو ما يُؤسّس إتيقاه. وعلى هذا النحو، يُزيحُ العقل الفلسفيّ حجاب نور العقل، ليؤسّس سبيلا لروحٍ تنويريّةٍ، أرسى معالمها، نسقيّاً، فلاسفة الأنوار في القرن الثامن عشر للميلاد، وإنْ كان المُنجَز الغربيّ للأنوار ولواحقها هُوَ مُراكمة لتاريخهم وتاريخنا. وها أنّ الرّازي يحلُّ شاهداً بأنّ الأنوار لا تاريخ حصريّ لها، إلاّ على سبيل ما رغبت الكبرياء الغربيّة، ادّعاءً؛ ولكنّ نور الأنوار لم يخفت بريقه بعد روسو وكانط، على امتداد الفلسفات اللاّحقة؛ في الوقت الذي انتهت، عندنا، خافتة أو هو، بالفعل، النور الذي أحكمنا وضع حجابه.

ألمْ يحن، بعدُ، ميعاد فتح أقفال عقولنا إزاء موروثنا الفلسفيّ والفكريّ عامّة؟

لقد آن أوان مراكمة النحن، اليوم، ولا ريب.

المصدر والمراجع:

المصدر:

  • الرّازي (أبو بكر زكريّا)، رسائل فلسفيّة، جمع وتصحيح بول كراوس، سوريّة، بدايات للطباعة والنشر والتوزيع، 2005.

المراجع العربية:

  • روسو (جان جاك)، خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، ترجمة بولس غانم، تدقيق وتعليق وتقديم عبد العزيز لبيب، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2009.
  • هيوم (دافيد)، تحقيق في الذهن البشري، ترجمة محمد محجوب، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2008.

المراجع الاجنبية: 

  • James (William), Le Pragmatisme, Trad. E le Brun, Paris, Flammarion, 1968.
  • Kant (Emmanuel), Critique de la raison pure, Trad. Jules Barni, Paris, Flammarion, 1987.
  • Lock (John), Essai philosophique concernant l’entendement humain, Trad. Coste, Paris, Vrin, 1972.
  • Philonenko (Alexis), L’œuvre de Kant-La philosophie critique, T1, Paris, Vrin, 1969.
  • Rousseau (Jean jacques), Julie ou La Nouvelle Héloise, Paris, Flammarion, 2018.

[*]– وإعلانا عن منزلة كتاب الطبّ الرّوحاني في نظام الخطاب الفلسفي لديه يقول الرّازي: “كتابنا الموسوم الطبّ الرّوحاني فإنّه لا غِنًى عنه في الاستتمام غرض هذه المقالة والأصول التي تنبني عليها فروع السيرة الفلسفيّة”. اُنظر، أبو بكر محمّد بن زكريّا الرّازي، كتاب السيرة الفلسفيّة، ضمن رسائل فلسفيّة، جمع وتصحيح المستشرق: بول كراوس، (سوريّة، بدايات للطباعة والنشر والتوزيع، 2005)، ص. 101.

[1]-أبو بكر محمّد بن يحي بن زكريّا الرازي (250ه – 864م / 311ه – 923م)، ونُوجزُ تعريف بول كراوس له: ” ولد أبوبكر محمّد بن زكريّا الرّازي في الرّي في جنوب إيران. وقد تنقّل في بلدان كثيرة، وقدِم بغداد وعاش فيها ردْحاً من الزمان، وذاع صيته كطبيب وكيميائيٍّ وفيلسوف. أطلق عليه اللاّتين لقب Rhazes  أو Razes تمييزاً له عن عددٍ من الشخصيات الإسلاميّة التي سرى عليها اسم الرّازي”. اُنظر، المصدر نفسه، ص..xi

[2]– أبو بكر محمّد بن زكريا الرّازي، رسائل فلسفيّة، (كتاب الطب الرّوحاني)، ص17.

[3]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[4]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[5]– المصدر نفسه، ص18.

[6]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[7]-المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[8] –  J. Locke, Essai philosophique concernant l’entendement humain, (1689), Traduction de Coste, (Paris, Ed. Vrin, 1972), pp. 264-265.

[9]– جان جاك روسو، خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، ترجمة بولس غانم، تدقيق وتعليق وتقديم عبد العزيز لبيب، (بيروت، نشر المنظمة العربية للترجمة وتوزيع مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2009)، ص78.

[10]– المرجع نفسه، ص83.

[11]– “هذا المفهوم “قابلية الكمال” هو من ركائز نسق هذا الخطاب الرّئيسة ومحرّك فلسفة التاريخ لا في هذا الكتاب فحسب وإنّما في مجمل فكر روسو ويعني استعداد الإنسان بالفطرة للتحسّن والاستجادة ابتغاء للخير وكمال الصفات، والتدرّج نحو الغاية القصوى حتى دون بلوغها”. اُنظر المرجع السابق نفسه، هامش ص84.

[12]– أبو بكر زكريّا الرّازي، رسائل فلسفيّة، (كتاب الطبّ الرّوحاني) ص18.

[13]– المصدر نفسه، ص21.

[14]– المصدر نفسه، ص20.

[15]– المصدر نفسه، ص18.

[16]– جان جاك روسو، خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، ص129.

[17]– المرجع نفسه، ص120.

[18]– المرجع نفسه، ص120-121.

[19]– الرّازي، رسائل فلسفيّة، (كتاب الطبّ الرّوحاني)، ص18.

[20]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[21]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[22]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[23]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[24]– Emmanuel Kant, Critique de la Raison pure, Trad. Jules Barni, Préface de Luc Ferry, (Paris, Flammarion, 1987), P57.

[25]– Voir, Alexis Philonenko, L’œuvre de Kant, La philosophie critique, T1, (Paris, Vrin, 1969), P157.

[26]– William James, Le Pragmatisme, Trad. E. Le Brun, Introduction de H. Bergson, (Paris, Flammarion, 1968), P. 70.

[27]– الرّازي، رسائل فلسفيّة، (كتاب الطبّ الرّوحاني)، ص18.

[28]– نستعمل عبارة “مَعْرَف” كمُفرَد “لمَعْرَفات” رفعا للالتباس بين عبارتين متقاربتين وهما( Concept) و(Notion)، ونستعير هذه العبارة “مَعْرَف” من محمد محجوب في قوله: ” مَعْرَفٌ نقترحها لأداء العبارة الأنجليزيّة (والفرنسية والألمانية) (Notion) وهي من الألفاظ التي استعملها حازم القرطاجني، في كتابه منهاج البلغاء وسراج الأدباء، كمستوى من مستويات القول والتعريف… ولاسيما بالنظر إلى الأصل  اللاتيني (noscere) للكلمة، وهو أصل يربطها بمعنى المعرفة.”، انظر، دايفد هيوم، تحقيق في الذهن البشري، ترجمة، د. محمد محجوب، (بيروت – لبنان، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية،  2008)، ص110.

[29]– أبو بكر الرازي، رسائل فلسفيّة، (كتاب الطب الروحاني)، ص18.

[30]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[31]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[32]-المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[33]– المصدر نفسه، ص18-19.

[34]– المصدر نفسه، ص19.

[35]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[36]– المصدر نفسه، ص85.

[37]–  المصدر نفسه، ص85-86.

[38]– المصدر نفسه، ص86.

[39]– المصدر نفسه، ص87.

[40]– المصدر نفسه، ص86.

[41]– المصدر نفسه، ص87.

[42]– Jean Jacques Rousseau, Julie ou la Nouvelle Héloise, (Paris, Flammarion, 2018), P. 73.

[43]– الرّازي، رسائل فلسفيّة، (كتاب الطبّ الرّوحاني)، ص19.

مقالات أخرى

تعدّد الطّرق الصّوفيّة

جماليّة التّناصّ في الشّعر الصّوفيّ

“زيارة” الضّريح بإفريقيّة مطلع العصور الوسطى

1 تعليق

روح الأنوار في كتاب الطبّ الرّوحانيّ لأبي بكر محمّد بن زكريّا الرّازي – Sufirfan 18 أبريل، 2023 - 2:14 م
[…] على تقرّ ميتافيزيقيَ واثق يقدّر العقل عطيّة إلهيّة[2].وليست هذه العطيّة مجرّد مِنّة أو فضل من الخالق على […]
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد