” التربية آلة للتلاعب والتناوب، تعمل على تشويه وعي الإنسان، وإلغاء ذاته، وإخضاعه للسلطة المطلقة للدولة”
(فريديريك نيتشه)
“لقد أسسوا المدارس، ليعلموننا كيف نقول نعم بلغتهم”
(من رواية موسم الهجرة للشمال، للأديب السوداني، الطيب الصالح).
1- مقدمة :
يتناول الدكتور علي أسعد وطفة قضايا المدرسة والعولمة والثقافة من المنظور النقدي المعروف به كمفكر عربي ذي أصالة علمية في مجال علم الاجتماع داخل المدرسة النقدية الفرنسية.
يضع وطفة في مؤلفه (رأسمالية المدرسة: الوظيفة الاستلابية للعنف الرمزي) [1] الأصبع على جلّ القضايا التربوية والتعليمية الحساسة والجوهرية في عالم اقتصاد المعرفة في النظام الرأسمالي الجديد أيا كانت رقعته الجغرافية إقليميا وسياديا. وقد جمع فيه المؤلف بين ما هو نظري وما هو خبراتي وتلاقى فيه الفلسفي والنقدي / الرؤية المتدخلة جدلا (الناقدة). ففي جوهر الكتاب تناول الدكتور وطفة دور المدرسة الاستلابي في الأنظمة الرأسمالية المعولمة، إلى جانب منهج توظيف المدرسة في خدمة الطبقات الاجتماعية السائدة في المجتمع أي المنهج الخفي الذي توضحه وتجليه وتفضحه تحولات العنف الرمزي والتواصل الأخرس أو لغة الصم كقوة وسلطة تضرب النواحي الإنسانية داخل المدرسة وتفتتها وتقضي عليها لتعلن موتها، وطبعا لكل عنف أدواته المادية؟!! لتتحول المدرسة مع الرأسمالية الجديدة إلى واحدة من أدوات الإنتاج الرأسمالي و جهاز صناعة /إنتاج و إعادة تصنيع /إعادة إنتاج النظام الرأسمالي الجديد و عبر التوظيف الطبقي و الإيديولوجي للفاعلين في إطار الاصطفائية التربوية بكل ما تعنيه الاصطفائية من معنى، و يقف الكتاب على دور المدرسة الرأسمالي زمن اقتصاد المعرفة و الملتيميديا باعتبارها باراديكما ـ نموذج ـ لمدرسة مسلحة بوسائل الاتصال الرقمية و التكنولوجية التي أفرزتها التقانة، و هو أيضا ـ كتاب ـ يعرض و يكشف بجلاء عري و حضور الاستلاب و صراع الطبقات في الحياة المدرسية و فضاءاتها الزمانية و المكانية و المظلم منها على وجه التحديد. يصف المؤلف النموذج العلائقي القائم بين كل من المدرسة والتنظيمات الاجتماعية التي أفرزتها الرأسمالية الجديدة، إنه يقترح نموذج مدرسة مؤنسنة وعادلة. إنه من الصعوبة بمكان تقدير وتقييم المؤلف (بتشديد وفتح الأم) من خلال نظرة بانورامية لمؤلف (رأسمالية المدرسة في عالم متغير ” الوظيفة الاستلابية للمدرسة).
2-ـ دور المدرسة الاستلابي في النظام الرأسمالي الجديد
يسعى النظام الرأسمالي الجديد في المدرسة أداة لتحقيق هدفين:
– 1 تخريج مؤهلين و مؤهلات يضطلعون بأدوار الرأسمالية التسويقية لإعادة تأهيل قدرات النظام الرأسمالي.
2- إفراز طبقة عمالية بمقدورها تحقيق متطلبات و حاجيات ذات النظام. وتبعا أو تأسيسا على هذين الهدفين الوظيفيين للمدرسة، جاء تمييز المؤلف بين مرحلتين.
الأولى “ يجب العمل فيها على أن تخضع المدرسة لمنطق وقانون الرأسمال الخاصين به عبر سن أنظمة تعليمية وتربوية تطابق وتساير متطلبات نموذج الحياة الرأسمالية المتحولة في الزمان والمكان.
الثانية: تعويد المدرسة على طوابير العمال الذين سيشكلون الطبقة العمالية للإنتاج والاستهلاك سويا. مع توفير آليات وقدرات وكفاءات كفيلة بإعادة إنتاج نفس البنيات الاجتماعية السائدة والتي تدخل في تركيبة البناء المجتمعي الطبقي المكون من عريض أبناء الشعب وبأطر تبيع قوتها الذهنية والجسدية لأجل ذلك مع توفرها على هامش من القدرة القتالية تواجه بها من يتفوق عليها أو ينافسها من كفاءات متشبعة بروح الارتباط بمصالح مسحوق الطبقات الاجتماعية من جهة ومتشبعة بمبدأ تكافؤ الفرص التطبيقي والمعادية لأطروحة إعادة الإنتاج بما فيها من خذلان للمجتمع وتبخيس لذكائه من جهة أخرى.
وليس بغريب أن يعتبر المؤلف بأن وظائف المدرسة الرأسمالية الجديدة وما رافق ذلك من نقلات نوعية بسبب التكنولوجيات الجذرية المعولمة قد جردت المدرسة من استقلالها التربوي، وقلص من دورها الإنساني المتعلق بشق البناء الثقافي ومعيارية القيم وتصدعت المدرسة بفعل جرافات ومعاول الرأسمالية الجديدة ومطارق تثبيت بياناتها وبلاغاتها وتبخيس مختلف ملصقاتها الخرافية وبجدران المدرسة ومسخ ذاكرتها بشيع من أتباع الخرافة والأسطورة والفكر الظلامي المتواطئ …هذا لتنحرف المدرسة عن مسارها الحضاري والإنساني وإخضاعها قسرا ـ سرا وعلانية ـ للنموذج الحضاري وفق تنظير الرأسمالية الجديدة الذي يلائم وينسجم ومتطلبات مقتضياته، وبالإضافة إلى جعلها ـ المدرسة ـ
من الأدوات التي تخدم التنافسية الاقتصادية، فإننا نجد تجدير التفاوتات الاجتماعية في بلوغ المعرفة، هي إذا دورة رأسمالية تظهر فيها المدرسة مؤسسة إنتاج عالم رأسمالي وفق تصوراته الاجتماعية. و بذلك تسقط في أبشع جريمة اجتماعية و إنسانية ترتكب في تاريخ المدرسة و بها، و ذلك عن طريق محدودية التعليم و المحدود الكفاءة و الفرص و المقدم لأبناء طبقة العمال و المهمشين و المفروض به إزاحة مصائرهم إلى قوات عمالية تستخدم في الإنتاج و مادة خام كذلك في فلك الإنتاج للمجتمع الرأسمالي، موازاة مع ذلك تدفع و تحفز قلة من مرتاديها من علو الطبقات الاجتماعية نحو تعبئة استعداداتهم الفطرية و الوراثية لبلوغ مناصب في إطار التنافسية العالمية التي يتزعمها و يحميها النظام الرأسمالي الجديد، ليس إلا و ذلك عل مستو الابتكار و التجديد العلمي بجميع اتجاهاته و تحت رقابة مشددة تحت طائلة التسريبات العلمية نحو مسحوق الشعوب المستغلة بشريا و طبيعيا ؟!!!!
3- العنف الرمزي في التربية:
درءا لكل غموض وتوظيف خاطئ لمفهوم العنف الرمزي، وبالقطع مع التعاريف اللغوية والاصطلاحية التي تعرضت لمفهومي العنف والرمز، فإن المؤلف يعتبر المفهوم بمثابة المدخل السوسيولوجي المعاصر من بين التي تعنى بالنمذجة في استقراء الظواهر الثقافية والاجتماعية فهو مفهوم ـ يحظى بمكانة مميزة كمفهوم تربوي اجتماعي وأداة سوسيولوجية بمقدورها أن تفهم وتحلل جل المناحي الحاضرة والمتوترة في الحياة الثقافية. ويذهب المؤلف في هذا الاتجاه معتبرا العنف الرمزي نزوع إلى خلق وضع إذعان وخضوع عند الغير عبر فرض برنامج منظم من أفكار ومعتقدات صادرة عن نخبة أو قوة اجتماعية طبقية ممركزة أو مقربة من كرسي الهيمنة والسيادة / السلطة والحكم والإدارة…. بهدف تقنين المعتقدات والإيديولوجي المرخص لها والمأذون ترسيخها في وجدان وتفكير الخاضعين لهذا العنف، والذي منطلقه نظرية المعتقدات وإنتاج نمط المثاقفة أو الإنتاج الثقافي والقيم المسموح بهما لينتج عن ذلك إنتاج الكفاءات التي ستضطلع فيما بعد بمهام ووظائف التطبيعين الثقافي والاجتماعي في وضعيات خطاب سلطوي ثقافيا وأيديولوجيا يمكن من السيطرة وإخضاع الآخر وتطبيعه!!!!!!!!!!
ينضاف إلى ذلك أن كل عنف تربوي ما هو إلا شكل من أشكال الإكراه المؤسسي المحسوس والمعلن والمستتر والمضمر والخفي والضمني الموازي للممارسة التربوية في مؤسسات رسمية، وهو ـ العنف التربوي ـ بهذا فإنه يمارس في المدرسة والأسرة والجماعات. وفي الحقل التربوي فالعنف في المؤسسة يولد العنف في المجتمع. و في اتصال بالعنف المدرسي فإن الإشارة جديرة إلى العنف الجسدي أو البدني بين الأطراف تلاميذ/ تلاميذ طلاب/ أساتذة و العكس أساتذة / أساتذة، و إلى العنف السيكولوجي و هو المعتمد على قدرات التبخيس و الازدراء و الإهمال و التحقير و الإصرار على الإذلال إلى حد العنصرية حسب الأصل الثقافي و الاجتماعي و الثروة و حسب السلم في الهيمنة باعتماد مدرجات الحقل و الرأسمال و العادة (أنظر في هذا الصدد: نحو سوسيولوجيا الكشف عن الهيمنة لبيير بورديو ـ و العهر الأخلاقي في صفوف الكفاءات نفسها ـ في إطار ما سمي صراع البروليتاريا داخل أطروحة سيكولوجيا السلطة عند غوستاف لوبون. وتجدر الإشارة كذلك إلى العنف اللفظي في المدرسة والمتمثل في الاعتداءات اللفظية في صفوف المعلمين والتلاميذ على حد سواء.
وحراك النماذج اللغوية في المدرسة هو عملية تربوية تشكل وتبعث على العنف الرمزي وذلك باعتبار الوسط المدرسي حلبة الصراع اللغوي الرمزي لنماذج لغوية إما طبقية أو إثنية لسانية، وذلك اعتبار اللغة ” نظاما رمزيا للدلالات والتصورات الرمزية ” حسب بورديو في نظريته الرمزية. وهي ـ اللغة ـ ” الحامل التاريخي للرموز والتصورات والدلالات والمعاني ” وتعدد الحياة الاجتماعية نتاج لتعدد الصيغ اللغوية ولهجاتها. كما يمكن اعتماد الصنافة اللغوية بهذا الشكل حسب المؤلف “: “لغة العمال”، “لغة الفلاحين”، “لغة الطبقة البورجوازية”، لغة الطبقة الوسطى “، لغة الريف “، “لغة المدينة”، ” العامية والفصحى” بلوغا ” لغة النساء ” والويل لهذه اللغة في حراك اللغات وفي إطار العنف الرمزي في المدرسة، …. (لنا عودة إلى هذا الموضوع ذي الارتباط بالطبقة الزعاماتية).
إن تعدد الطبقات والفئات الاجتماعية، وإن كون اللغة بنية عقلية لها وجه نفسي واجتماعي وإجرائي تكسب الفر د شرعية وجوده والإحساس به وبكينونته الواعية، وكونها ـ اللغةـ هيئة رمزية خطيرة للغاية في المجتمعات بمختلف طبقاته فإنها تشكل الإطار الرمزي للوجود أو النفي الاجتماعي وتشكل أكثر أدوات العنف الرمزي حدة في خطورتها حينما تقمع في الشخص المعنف في الوسط المدرسي، ودرجة العنف الرمزي هذه لا يمكن تحقيقها إلا بضلوع خبراء الشر فيها داخل المدرسة ….
4- النماذج اللغوية:
بعد أن تم رصد و توضيح أولي للوظيفة الاستلابية للعنف الرمزي للمدرسة في إطار رأسمالية المدرسة في عالم متغير ؛ بقيت هناك إضافة هامة في هذا المحور مفادها أنه إضافة إلى صراع النماذج اللغوية في المدرسة في إجلاء و فضح هذا العنف الرمزي في السياق العامر للعنف التربوي الشامل يجد المؤلف لهذا العنف آليات وديناميات و فعالياته التربوية المتباينة التي تضطلع ـ ليس حقا في الجهاز المفاهيمي القيمي وإنما في جهاز التحقيقات القضائية ـ حقا بمهمة إبرازه في كل مضمون تعليم أو تربوي على حدة كما في أساليبهما المتعارف عليها في الممارسات الصفية، هكذا فإن من صور هذا العنف الرمزي الأولى نجد فكرة :” تعلم ولا تناقش”، كما أن للعنف التربوي الرمزي شتى الصور التي يتمظهر بها وأرقاها عملية و معيارية انتقاء مادة التعلم في حد ذاتها، و ذات الخيار لا يحيل إلا على حامل المعاني الرمزية و الإيديولوجية لبنية الهيمنة و التي تسود .
و أما أكثر صور العنف الرمزي استلابا فإننا نجد لها ـ طرق التقويم و الامتحانات المدرسية والمهنيةـ حينما يتجاور القوي و الضعيف في خط مواجهة و صراع واحد حيث يجد الضعيف المتحدر من أمي و فقير أسر المجتمع، يجد نفسه جنبا إلى جنب مع ابن متخم مثقف و غني طبقات المجتمع ومتوسطها، كلاهما في صراع و في قاعة توحد جسامينهم لا هوياتهم في اختبار القدرات و في صورة كاريكاتورية تعبر عن فداحة الموقف و هزليته يجد أبناء المحرومين و الفقراء و المعدمين ثقافيا أنفسهم يقادون إلى قاعات الامتحانات بدم بارد حتى يتم إقناعهم و الهمس في آذانهم بسخرية ـ و برمزية خفية ـ عن كونهم لا قيمة لهم باستثناء قيمتهم الإنسانية اللحظية الرهينة بلحظات رسم كلمات على أوراق امتحان خرساء و صماء ؛ كل ذلك بعد هندسة مسبقة لنتائج الامتحان، النتيجة التي ستحملهم في نفس الوقت نتيجة المضمحل و الساقط و التافه و السافل اجتماعيا و إنسانيا في ما سيأتي من قادم السنين، و تحملهم نتيجة ارتفاع العطالة و صالونات المهمشين في أروقة مجتمع تشكل فيه علبا سوداء من صنع العنف الرمزي، تأوي المخمورين و المتسكعين و النشالين و اللصوص و صانعي الأخلاق الفاسدة و المنحرفين …
وبالنظر إلى الأستاذ / المعلم سابق، فهو بأدائه السلطوي آمرا من محرابه المسيج بقداسة العنف الرمزي، يدجن ويسيطر على الطلاب / التلاميذ عقولا ونفوسا بأيسر وأعقد ما يمكنه من ممارسة سلطته، ليجمع المعلم / الأستاذ حسب IVAN ILLICH بين ثالوث الوظائف: السجان والواعظ والمعالج؟!!!! ليكون مسؤولا عن الإكراه الاجتماعي في نظامه الصفي ويشرع فيه وينتج القوائم ملزما وملتزما بها …
5- المنهاج الخفي بين الوظيفة الطبقية ووظيفة استلاب رسائله الصماء:
حول مفهوم المنهج الخفي قد يقام زلزال عنيف على أعلى درجات سلم بورديو، هكذا وفق نموذج أقل ما يقال عنه أنه حداثي، يتجاوز التعريفات المحضة لمفهوم المنهاج الخفي، باعتباره ليس كما أريد الاعتقاد به حادثا عفويا أو منتوج ثانوي أو اعتباطي في المنشأ، بل باعتباره ـ أي المنهاج الخفي ـ تكتيكا ـ نظام ـ تربوي نواة واستراتيجية لها أبعادها ولها أصالتها في الحياة التربوية والمدرسية، وليس ـ أبدا ـ عفويا، إنه نسقية طبقية أو ـ نظام طبقي ـ أيديولوجية بهدف مقصود، نظام مقعد منذ نشأة المدرسة. نظام يتحكم في صيرورات المدرسة الطبقية و ضمنيا صيرورات المجتمع الطبقية، كما يقيم حدودا بين ما هو طبقي و يخدم الطبقية و ما هو إنساني و يخدمها، إنه فعل تربوي صامت مستتر و مجهري، موجود بوجود القدرة على التأويل و تداول أنساق الفكر و الثقافة التربويين و البيداغوجي ين، و هو يركن في دهاليز الحياة التربوية و المدرسية المترامية الأطراف و المتداخلة الأنفاق، إنه يعمر مظلم زوايا الحياة التربوية، يلفحنا و نهابه أحيانا و أخرى لا نبالي، و في مخاطرة بمقاربته بأنثروبولوجيا الأنساق الثقافية / أنثروبولوجيا العلامة، فالمنهاج الخفي هو من التابوهات التربوية و المدرسية، إنه إحالة ـ من حيث المنطلقـ على كل متباينات الفعل التربوي المستترة و الصامتة في كل مؤسسة مدرسية على حدة .
6- أبعاد المنهج الخفي :
أما عن أبعاد المنهاج الخفي، طبعا فطبقية أيديولوجية، وهو من وجهة المؤلف وبالانطلاق من وجود إرادة اجتماعية وراء كل إخفاء أو مخفي من التابوهات ـ (يذكرني هذا ب ” روح السراري، الجنس والحريم ” للكاتب الجزائري لمالك شبل …) من التابوهات الثقافية وتعمل هذه الإرادة دائما على بنينه فعل الخفاء هذا والبقاء على ترميزه، وإن كلا من الإخفاء والتخطيط في المدرسة وكل مؤسسات التربية والتكوين يقع دائما وأبدا لأغراض سياسية ومجتمعية طبقية!
و من البديهيات المنطقية في المنطق الصوري ـ وكما أميز دائما بين المنطق الصوري و الرمزي حسب نظريات المنطق الرمزي ـ أن يكون المنهاج الخفي في المدرسة منسوبا و على الدوام لطبقة اجتماعية طبقة (طبقة ومجتمعية طبقة طبقة طبقة طبقة …) طبقة الهيمنة و السيادة و غالبا صاحبة القرارات الكبرى، طبقة التنظيم و التخطيط و التي ترسم الغايات و المرامي في لمجتمع المدرسة وهنا بودي أن أفتح قوسا لأقول بدوري إن التحديد الماهوي لطبقة كهاته وبالملموس في أسفل النظم التربوية الرسمية و المفوض لها تنفيذ منهاجها الرسمي سيكون من قبيل الذي يتمنى لو يكون غبيا، ليزداد ما يكتنف المنهاج الخفي من غموض عري الطبقة الزعاماتية قراصنة التعليمات و التوجيهات الرسمية و محرفوها ـ إن مركزيا أو جهويا أو محليا أو تهريبا و تزويرا للشرعي من هذه التوجيهات و التعليمات و تلفيفها بالسلطة الشرعية المشبوهة ـ المنطقة المظلمة عند المسؤولين، منطقة الإخفاء …. أغلق القوس.
ليس هناك تعليم محايد أبدا منذ فجر تاريخ هذه الممارسة الاجتماعية الإنسانية النبيلة، إنه لم يحدث أن كان هناك تعليم خارج إطار إيديولوجي طبقي على الإطلاق، ولم يحدث ذلك خارج السياسة، وإننا بموجب هذا نحن معاشر الأساتذة “كومبارس ” هذه أو تلك من الأفكار السياسية وفي مقامنا هذا نحن كومبارس النظام الرأسمالي أو الفكر الرأسمالي الليبيرالي شئنا أم أبينا ـ والتعليم هو نظام إيديولوجي يخدم الدولة والطبقة والإيديولوجيا. فإذن تكون كل مجريات الأحداث في المؤسسة التعليمية فعلة فاعل، أي إرادة طبقة سياسية متجذرة و قائمة ظاهرا و خفاء و لم يعد تمة من فرق بين الإثنين، إنه و تأسيسا على مقدم الكلام نستنتج أن علي وطفة يقتنع و يقنع بأن هدف المنهاج الخفي كفعل رمزي هو إقصاء فئات دون أخرى عبر أواليات معروفة تصب كلها في وادي سيكولوجيا السلطة ـمن حيث الخطاب التربوي الرسمي للحكومات ـ كما نظر لها ميكافللي جنبا إلى جنب مع سيكولوجي الجماهير عند غوستاف لوبون بغرض ضمان استقرار الأنظمة التربوية.
و من أواليات المنهاج الخفي في تحقيق المطلوب توجد سياسات الإخفاق و مشرعتها، الدونية، الحرمان و القصور، … و كل خسيس السياسات و الأخلاق المضمر و استثمار ذكاء الإخفاء في تمرير خفي المناهج، …( و التبوريدة على المستهدفين و استخدام الشياطين و التماسيح ما ظهر منها و ما بطن هههههه …لسا فااكر ). والاختلاء للإساءة و إقصاء أبناء مهمشي المجتمع .و قتل مواهبهم ظاهرها و باطنها و تعويضها بالذين يختلسون فرص المحظوظين، و توليف الإخفاق المدرسي و مشرعته في معتقدات عريض و عامة المجتمع و الدعاية له بأسماء مغايرة و الدعوة لمحاربة الوهم في برك هيئات و تنظيمات ممسوخة و مضللة تعمل موازية في سبيل دفن أحلام و أمنيات المجتمع و تفكهه بباطل الحكي و غريبه، هذا بدل اكتساح الحقيقة و إجلاؤها، يقول المؤلف: ” إن كثيرا مما يتعلمه التلميذ في المدرسة قد لا يرتبط جوهريا بمحتويات الدروس و المقررات ( المنهج المعلن ) بل يرتبط بعملية ترويض الطالب على قيم و معايير محددة تتمثل في قيم الطاعة و استهلاك التحيزات الاجتماعية و القيمية و الإيديولوجية السائدة في المجتمع و فقا للمنهج الخفي و المستتر المعتمد “.
7- المنهاج الخفي ضد التكافؤ المدرسي وضد العدالة الاجتماعية :
و تأسيسا عليه فإن المدرسة، سيرا على منهاجها الخفي بعيدة كل البعد عن استهدافها للمساواة بين مرتاديها بقدر ترويجها اللاتكافؤ لذا وجب التحذير من سلبي القيم التي تتولد عن ذلك من مثل الطاعة العمياء و الخضوع دون مبرر قيمي و قتل روح الإبداع و المبادرة الإيجابية في كل من الناشئة و المربين، مهما تكن الآليات و قوى الشر و الدمار المستخدمة في الخفاء و في العلن، و لأجل ذلك التحذير يمكن تجنيب المدرسة إعادة إنتاج نفس قوى الشر و الظلام و الهيمنة السادية و كل أشكال التسلط و السلطة التي تحتكر الفعل الخفي في الزوايا المظلمة من المدرسة الوفية للمنهاج الخفي و شروط إعادة إنتاج نفس بنى الهيمنة في المجتمع تحقيقا لوظيفة تأهيل الرأسمال البشري و استثماره الاستثمار الأمثل و تحقيق تكافؤ الفرص .
يقول وطفة ” إن النظام الخفي يعزز سلطة الطبقات والتقسيم الاجتماعي ويولد تربية الانصياع والعبودية والإكراه قائم في نظامنا التربوي ولكنه أشبه ب ” فيروس ” غير معروف من أصحاب الإدارة وأصحاب القرارات في الأنظمة التربوية العربية. وما يبدو أن هذه الأنظمة التربوية العربية مع ذلك تؤدي وظائفها في خدمة التسلط والإكراه والعبودية والتدجين الطبقي. والجمود يعود إلى قيمة واحدة مفادها أن فيروس التربية العربية والثقافة العربية عموما أعد من أجل مجتمعات قائمة على التسلط والتباين. وعلى هذا الأساس تكون هذه الأنظمة فاعلة ومفيدة في نظام طبقي يقوم على التفاوت الطبقي والاجتماعي، حيث تكون فيه قيمة التسلط والإكراه هي القيمة العليا في نظامه التربوي “
8- المدرسة في قفص الاتهام:
تؤكد الدراسات السوسيولوجية للظاهرة المدرسية الكشف عن زخم خفي ومعقد من الحقائق في مبنى الفعل المدرسي، وكلها حقائق تتنافى مع الوجه الشريف لمفهوم المدرسة ووظائفها؛ كما تجعل المسؤولين على الأنظمة التربوية في قفص الاتهام أمام محكمة النقض الخاصة بتاريخ الظواهر الاجتماعية …؛ فالوظيفة الاصطفائية للمدرسة هي ترجمة آلية لنظام مجتمعي يقوم على الاصطفاء. وبمقتضى وظيفتها الاصطفائية فإن المدرسة تحتضن نسق قيم ومعايير اجتماعية ذات صلة بمقاربات التقويم البيداغوجي والتربوي معرفيا وعلميا ومهنيا؛ وهو ـ التقويم ـ يتأسس على مناهج مفترض فيها الموضوعية، الشيء الذي يؤدي إلى اصطفاء المتعلمين والمكونين (بفتح الواو) والمهنيين، / وفق أعيرة تصنفهم إلى فئات وطبقات مختلفة. وتظهر المدرسة هنا وكيلا اجتماعيا ذي ارتهانات ترتبط بشكل وثيق وغير قابل للانفصال أو التصرف بالنظام الاجتماعي الذي يهيمن في رسم وظائف المدرسة نفسها وعلى مقاس بنيات ذات النظام الاجتماعي ووفق وحداته السوسيولوجية كأنساق ملازمة له ولقيامه وكشريان حيوي لحياته؛ ويفيد هذا استحالة فصل المدرسة هن الأنساق الاجتماعية التي تتبناها وتحتضنها، لتصبح وظائفها غير قابلة للتنافي مع ضرورات المجتمع الوظيفية والاجتماعية الذي تتوقع فيه. إلى هذا فينبغي أن تعكس مجتمعها. وعلى هذا الأساس فالمدرسة تضطلع بدور اصطفائي / انتقائي في مجتمع أساسه الاصطفاء والانتقاء، لتصبح ممارسة للدور الطبقي في مجتمع يحكم حركتيه النزوع إلى الصراع الطبقي.والاصطفاء المدرسي يتمظهر في النجاح / الرسوب، الترك / التخلي (الهدر المدرسي) كذلك حسب التوجيه وفق التخصصات المدرسية.
وتخضع ظواهر الاصطفاء لجملة من المؤثرات تشكل الثابت والمتحول الذي يخضع للتدرج حسب الأهمية ويخضع أيضا للتنوع في طبيعته لينتج الشكل الصوري والكلي لأواليات الاصطفاء التعليمي وأبعاده.
وينطلق الاصطفاء في المدرسة من الأصل الاجتماعي للأشخاص كمبدأ أساسي من مبادئ أوالياته، إذ تؤكد الأبحاث المتخصصة تعلق النجاح المدرسي بالأصل الاجتماعي تعلقا وظيفيا لا محيد عنه مع ملاحظة تبعية ارتفاع واستمرارية النجاح المدرسي المتدرج في المستوى الاجتماعي للمتعلمين.
وبالرجوع إلى الاصطفاء الذاتي فمؤشر على قرار التلميذ أو قرار اتخذته أسرته، أو كلاهما معا؛ إما بالتوقف عن الدراسة وإما بتغيير شعبة الدراسة. ويكون السند في هذا النمط من الاصطفاء إلى ثوابت ومتحولات إما مدرسية وإما اجتماعية أو مركبا منهما معا ولأجل هذا ثمة مجموعة من الآليات بمثابة محددات لمعالم الاصطفاء الذاتي ومنها؛ ما يعود إلى ضآلة تسجيل وتوجيه أبناء الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة إلى التخصصات العلمية الأكثر جذبا مقارنة لهؤلاء بأبناء الطبقات الاجتماعية الميسورة وكذلك ارتفاع نسب الهدر المدرسي المبكر لدى الفئات الهشة اجتماعيا مقاسا على ما هو حال أإبناء الطبقات الأرستقراطية داخل النظام الاجتماعي.
الاصطفاء صناعة النخبة :
و في هذا السياق ـ الاصطفاء الاجتماعي / صناعة النخبة ـ يورد رؤية إميل دوركهايم التي تثبت كون الأنظمة التربوية ذات ارتباط عضوي بالنظام الاجتماعي لينطلق من منظوره إلى التربية موصوفة بالظاهرة الاجتماعية بنية ووظيفة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يفسر الكاتب الاصطفاء المدرسي في ضوء النظريات الحتمية لكل من بازل برينشتاين و بيار بورديو اللذان يلحان على الدور المهم الذي يلعبه كل من تاريخ الفرد و ماضيه في مستقبله المدرسي و التعليمي، و على الانتساب الطبقي في رسم مستقبل رواد المدارس في مختلف المستويات و الأسلاك التعليمية و مراكز التكوين و المدارس و المعاهد العليا و الجامعات و في التدرج المهني عبر أواليات الاصطفاء المهني. كما يفسر الدكتور جيدوري الاصطفاء المدرسي من خلال الفرد نفسه وأهميته ودوره في تحديد مصيره المدرسي. وعلى الرغم من كون هذه التصورات والمنظورات مهمة، ورغم، كذلك، رصانتها وكفاءتها في تفسير قضايا المدرسة فإنها حسب المؤلف تبقى عاجزة عن تفسير التغيرات التي تجري في الزمن وذات العلاق بعدم مساواة الأفراد أمام المدرسة؛ بانتمائهم لمختلف الفئات / الطبقات الاجتماعية. فيما كونه يرى بأن نظرية الفردانيين تنقل صورة عن اهتمام الفرد؛ تلك الاهتمامات التي تتصل اتصالا وتيقا بعائلة الفرد والظروف المحيطة به.
======================================================
[1] – علي أسعد وطفة ، رأسمالية المدرسة في عالم متغير: الوظيفة الاستلابية للعنف الرمزي والمناهج الخفية، اتحاد الكتاب العرب، 2011.