الملخص:
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضّوء على الفكر المعقّد عند كلّ من رودولف شتاينر (Rudolf Steiner) وادغار موران (Edgar Morin)، وأهمّيّته في تعليم المتعلّمين الأذكياء وتحفيزهم على الإبداع. ذلك أنّ المتعلم النبيه والموهوب يبحث دائما عن حلول وابتكارات لأبحاثه وتساؤلاته المتنوّعة في مجالات اهتمامه. وستبيّن هذه الدراسة أنّ مثل هؤلاء المتعلّمين الأذكياء والموهوبين دائما ما يحتاجون إلى ممارسات تعليميّة خاصة، تطور الإبداع عندهم وتسمح بتحفيز تفكيرهم المعقّد. وأنّ هذه الممارسات تتطلّب اتخاذ تدابير تثير فضولهم، وتدعم الأنشطة التي تفرض تحديات داخل الفصول الدراسية. كما تسعى هذه الدراسة أيضا إلى التأكيد على أنّ الإبداع أمر أساسي لتثقيف المتعلمين الأذكياء والموهوبين، لأن تطويره في التدريس يمكن أن يولّد إمكانيات الإمتاع لهم، وهو ما يثير الفضول والإثارة والرغبة في التعلّم عند كل فرد منهم. وتخلص هذه الدراسة، في الختام، إلى الإقرار بضرورة أن يكون المعلّمون على استعداد تام لتحفيز وتشجيع هؤلاء المتعلمين الأذكياء والموهوبين، والتحلّي بروح إبداعية ومستقلّة، وممارسة التّفكير النّاقد والتّأمّلي، في العملية التعليميّة التّعلّميّة.
الكلمات المفاتيح: المتعلمين الأذكياء، الفكر المعقّد، الإبداع، إدغار موران، رودولف شتاينر.
Abstract:
This article aims to highlight the importance of complex thought in educating intelligent learners and motivating them to create, in both Rudolf Steiner and Edgar Morin. Because a talented and intelligent learner usually speaks with surprise, because he is always looking for solutions and discoveries for his research and various questions in his field of interest. This study will show that such intelligent and talented learners always need special educational practices, developing creativity and allowing them to stimulate their complex thinking. Such practices require curious measures and encourage activities that present challenges and obstacles to them during classrooms. The study will also seek to emphasize that creativity is essential for educating smart and talented learners, as developing creativity in teaching can generate possibilities for their enjoyment, raising curiosity, excitement and a desire to learn for each of them. Finally, this study will conclude that teachers must be fully prepared to motivate and encourage these intelligent and talented learners, be creative and independent, and practice critical and reflective thinking, in the learning process.
Keywords: Intelligent learners, complex thought, creativity, Rudolf Steiner, Edgar Morin.
1- المقدّمة:
مرّ المجتمع الإنساني بتغييرات اجتماعية، وسياسيّة، ودينيّة، وحضاريّة، واقتصاديّة، الأمر الذي جعل الكثير من الفلاسفة والمفكرين التربويين يبحثون عن نظريات تربوية تلائم هذه التغييرات التي تمرّ بها مجتمعاتهم. لذا، كانت كلّ النظريات التربويّة التاريخية مهمّة جدّا لهؤلاء المفكرين، إذ كان الصراع ظاهرا، منذ الحضارة اليونانية حتى اليوم، بين نظريات مبنيّة على العقل الخالص وأخرى على الحواسّ والتجربة، وغيرها على تنمية النواحي الروحية. لقد كانت كلّ هذه النظريات نتاج فلسفة تجابه التغييرات التي حدثت في المجتمعات وجسّدت الرغبة المستمرّة لدى المفكرين في السّعي وراء الكمال الإنساني والكمال المعرفيّ، الذي لن يتحقق في اعتقادنا، إلاّ بالارتقاء بالتّعليم.
ففي هذه السنوات الأخيرة من ممارسة التدريس، أصبح من الواضح بالنسبة إليّ عدم اهتمام المتعلمين بالمدرسة والمعرفة المنقولة من خلالها. وفي معظم الأوقات، يرى المتعلمون في المدرسة مكانا مملا، خاصة في المراحل الأولى من التّعليم. فبات من المهم للغاية أن يتعاون المعلمون لتدارك هذا الإشكال. وأصبح من الضروريّ إنشاء علاقات بين المعلم والمتعلم مؤسّسة على الحوار والتفاعل، والبحث والتّفكير، وأن تكون المدرسة فضاء مرغبا للمتعلم يشعره بأنّه مركز العملية التعليميّة لا هامشا فيها.
ونعتقد أن التربية الكلية المتكاملة التي تعتمد الفكر المعقّد هي الحلّ، وهذا ما يؤكّده كل من رودولف شتاينر (Rudolf Steiner) وادغار موران (Edgar Morin). حيث نجد في حقل التنظير التربوي والتعليم البديل ما يعرف بتعليم أو بمدارس (فالدورف waldorf). تعتبر هذه المدارس تطبيقا فعليّا للنظرية الاجتماعيّة التي نادى من خلالها شتاينر (Steiner) بالحرية والمساواة والحقوق والإخاء والثّقافة، والتي يتموقع فيها التعليم ضمن مجال الثقافة. وتشير مؤسسة (فالدورف waldorf) للتعليم إلى أنّ كلّ شخص يمكن أن تكون له وجهة نظر مختلفة عن الأفراد الآخرين، ولكن من المهم أن يقوم الأفراد الآخرون بتحديد ما هو صحيح بأنفسهم، ومن الضروريّ أيضا أن يساهم المعلمون، ولو قليلا، في مساعدتهم على القيام بذلك. وهذا يعني أنّه حتى لو كانت هناك اختلافات فإن المعرفة مبنيّة غير معطاة، ولا توجد حقيقة مطلقة. لذلك، بإمكان المتعلمين من خلال إبداعهم الحصول على مجموعة من الحلول المتنوّعة لبعض مشاكلهم، ومن المهمّ أيضا احترام تفكيرهم المعقّد.
سنعرج على أطروحة شتاينر (Steiner) الذي جعل عقائده الأساسية تبدو، للوهلة الأولى، تجديدا لآراء جان جاك روسو (Rousseau Jean-Jacques) خاصة فيما يتعلق بالنموّ. ولكن، وعلى النقيض من المسارات التي اتخذها المعاصرون مثل ديوي (John Dewey) ومونتيسوري (Maria Montessori)، من خلال تأسيس تعليمهم الجديد على الأفكار التجريبية لعلم نفس الطفل (Winkler, 2019: 221-225)، فإن خطة شتاينر (Steiner) للتعليم مأخوذة بالكامل من الأنثروبولوجيا الكونية الروحية: “إذا كنا نريد أن ندرك طبيعة الإنسان المتطور، يجب علينا أن نبدأ من خلال النظر في الطبيعة البشرية الخفية، على هذا النحو فالإنسان صورة مصغرة من الكون، كل القوى والأفكار في الكون تعمل في كيانه” (Steiner, 1996: 4). لاحظ (شتاينر Steiner) في الفصول المدرسية، مقاومة بعض المعلمين لفهم التّفكير المعقّد والإبداعي للمتعلّمين الأذكياء، ويتجلّى ذلك في عدم استعداد هيئة التّدريس بشكل عام لتحفيز المتعلمين الأذكياء والتّأكيد على أهمية التّفكير الإبداعيّ فيما يتعلّق بكمّية التفاصيل الواردة في الفكرة الواحدة؛ والإجابات غير المتكرّرة أو غير العاديّة، والقدرة على تغيير التّفكير أو تصميم الفئات، ثم عمليّة اتّخاذ القرار والحكم، واختيار أفكار مختلفة سبق تقديمها حول الموضوع نفسه. وعن افتقارهم إلى طرق التحفيز، إذن فالإبداع بهذا الشّكل لا يتمّ تطويره كما ينبغي له أن يكون (Steiner, 1996 :76).
أعتقد أنّ أغلب المتعلمين الأذكياء كثيرا ما يشعرون بأنهم غير متحمّسين بسبب رتابة التّعليم وتكراره، إنّ الطريقة التي يحلّ بها هؤلاء المتعلمون الأذكياء المسائل ليست بسيطة بل هي أكثر تعقيدا ممّا يبدو، كما أنّ إبداعهم في إيجاد طرق لحلّ مشاكلهم يتجاوز كثيرا نمط التّعليم التّقليديّ.
إنّ فهم الإبداع لدى المتعلّمين الأذكياء أمر معقّد ويعتمد على العديد من القضايا، كما أنّ تعقيد التّحديد النفسيّ للإبداع لا يمكن فهمه إلاّ من خلال الدّراسات النّفسيّة، إذ أنّ الممارسات التعليميّة التي تطوّر الإبداع وتمكّن من إثارة التّفكير المعقّد للمتعلّمين الأذكياء تتطلّب اتّخاذ تدابير، أهمّها إعادة النّظر في طرق التّكوين البيداغوجيّ الخاصّ بهيئة التدريس، ثم إعادة النظر في المناهج والبيداغوجيّات المعتمدة، حيث يجب البحث عن بيداغوجيّات تثير فضول المتعلمين وتشجّع الأنشطة التي تفرض تحدّيات داخل الفصول الدراسية. إن المعرفة الذاتية الحقيقية بالنسبة إلى (شتاينر Steiner)، لا تعطى للإنسان إلاّ عندما تكون لديه مصلحة ومحبّة للأفراد الآخرين، فالإنسان لا يصل إلى معرفة حقيقية بالعالم إلا عندما يحاول شخص ما ذلك، ويكون قد فهم نفسه حقّا. فالمعلم الجيّد إذن، هو من يتعامل مع مزاج المتعلم الذكيّ بوصفه إلهاما لا باعتباره عائقا، ويجب أن يتوقع دائما ما هو موجود وليس ما هو غير موجود، يتطلب الأمر معالجة واضحة لمزاج المتعلم بدلا من مجرد محاولة لتحقيق التوازن بشكل مصطنع، فمن المهمّ جعل المتعلمين الموهوبين يدركون قدراتهم، وتحفيزهم على إجراء أبحاث حول مجال اهتماماتهم، إنّ التعلم الذاتيّ هو الطريقة الصّحيحة للتأمل في إمكاناتهم الخاصة، ولكنّها تتعلّق أيضا باحتياجاتهم التعليميّة ومصاعبهم وقيودهم (Steiner, 1922: 74-77).
أما إدغار موران (Edgar Morin) فإنّه يرفض، من منظوره، كل فكر يقوم على وهم البساطة والتجزيء والاختزال ومحاربة التّعقيد. إنّ كلّ معرفة، حسب تصوّره، لا تتّخذ معناها الصّحيح ودلالاتها الحقيقيّة إلاّ داخل سياق، أي؛ داخل كلّ. فعوض الفصل بين المواد التعليميّة وتدريسها منعزلة بعضها عن بعض، يتعيّن إيجاد طريقة لنسج الروابط الضرورية بين هذه المواد والحقول المعرفية التي تحيل عليها، لجعل المتعلم قادرا في المستقبل على مواجهة الواقع المعقّد والمركب بطبيعته. واقع، تستوجب الحياة فيه مواجهته بالتسلح بكلّ المعارف الممكنة بعيدا عن كلّ منطق تخصّصيّ، يقتل الذّات ويأسرها داخل عالم محدود ومغلق أي؛ ما يعرف بعالم التخصّص.
ترجع كلمة المعقّد (complexe) إلى الكلمة اللاّتينية (complexus)، وتحيل إلى كلّ ما هو منسوج مع بعضه بعض، إنّ المعقّد هو نسق يتواجد بدوره في نسق أكبر، يدلّ ذلك على وجود نوع من التّماسك والترابط على شكل نسيج مشترك (موران، 2015: 52). في هذا الإطار يقول (موران Morin): “عندما أتحدث عن التّعقيد فأنا أعود إلى المعنى اللاّتيني البدائي لكلمة تعقيد (complexus)، أي؛ المنسوج مع بعضه بعضا…، إنّه ذلك النّسيج من المكوّنات المتنافرة المجمّعة بشكل يتعذّر معه التّفريق بينها، إنّه ذاك الذي يطرح مفارقة الواحد والمتعدّد” (زيتوني، 2015: 39). وعرفه أيضا بوصفه “نسيجا من الأحداث والأفعال والتفاعلات والارتدادات والتّحديدات والمصادفات التي تشكّل عالمنا الظّاهراتي” (ادغار، 2004: 19). ويستنتج (موران Morin) من خلال هذا التّحديد أنّه لا يمكننا حصر أو تلخيص المعقّد في كلمة تعقيد (لوغاي، 2009: 11). لأنّنا سنسقط آنذاك في خطأ المناهج التقليدية التي تعاملت مع الظّواهر المعقّدة عن طريق إخضاعها لفعل التّبسيط والاختزال، والتي كان همّها الرئيسيّ هو التوصّل إلى النظام وإزاحة اللاّيقين، وهو عمل زاد من تعقيد الواقع، وأدّى إلى ما يسمّيه (موران Morin) بـ “العمى العقلي”، التي كانت تمارسه نظريّة المعرفة الكلاسيكيّة. ولتجاوز كلّ أشكال الغموض من أجل الوصول إلى الوضوح والتميّز والتّصنيف لكلّ المعارف يكتب (موران Morin) في هذا الإطار: “إننا مازلنا عميانا فيما يخص مسألة التّعقيد، فالخلافات المعرفية بين كارل بوبر(Popper)، طوماس كون (Kuhn)، لاكاتوس Lakatos، فيرابند (Feyerabend)…الخ تجاهلتها ومررت عليها في صمت، وهذا العمى يشكّل جزءا من بربريّتنا، إنّه يشعرنا أنّنا مازلنا ننتمي إلى عصر الأفكار البربريّة، مازلنا في عصور ما قبل تاريخ الفكر البشريّ. وحده الفكر المركّب يمكنه أن يسمح لنا بإضفاء طابع التحضّر على معرفتنا (Edgar, 2005: 24).
يرى (موران Morin)، فيما يتعلق بالتربية، أنّه عادة ما يكون المتعلمون الأذكياء أفرادا يتحدثون دون يقين، لأنهم يبحثون دائما عن حلول لأسئلتهم المتنوّعة وعن اكتشافات لأبحاثهم في مجال اهتمامهم. فالحديث مع عدم اليقين يعني البحث عن حقائق للقضايا التي سبق التّفكير فيها، وهذا يعني أنّه لا وجود لحقيقة مطلقة ونهائية، بل هناك فرص لفهم الحقائق في مجالات مختلفة من المعرفة. يؤكد (موران Morin) أنّ المعرفة والتّفكير لا يصلان إلى حقيقة مؤكّدة تماما، فمن المهمّ احترام جميع وجهات النظر المختلفة حول المعرفة، وبالإضافة إلى العقلانية المفرطة القائمة في التّعليم، ينبغي أن تشمل الممارسات التعليميّة سبل إقامة روابط عاطفية بين الأفراد المشاركين في عملية التّعليم والتعلم، فحالة العاطفة مهمّة جدّا أثناء التربية والتعليم. فهي تستوعب الأحداث والاضطرابات من الخارج، وهذا يعني أنّ حسابات الدّماغ تجد نفسها دائما في نفس الوقت، في حالة من المعرفة والعمل (Edgar, 2014: 207).
2- أهمّية الخيال والإبداع أثناء عملية التّدريس والتعلم:
إن العلاقة بين الخيال والإبداع تفسّر في عملية الإبداع. ويعتبر كلّ من الإبداع والخيال جانبا من جوانب عملية الخلق. فالإبداع هو الجودة التي ينبغي لنا أن نوجدها في أيّ عمل، في حين يمكن النّظر إلى الخيال بوصفه الطريق الذي ينبغي لنا أن نسلكه في اختراع شيء جديد. يمكن أن يؤدي تطوير الإبداع في التّدريس إلى خلق إمكانيات الإمتاع للمتعلمين الأذكياء، لأنه يثير الفضول والإثارة والرغبة في نفوسهم، فالطريقة المثيرة للاهتمام هي العمل مع الأنشطة الإبداعية والفنية، حيث تبرز أهمية الفن مثلا في تطوير مهارات الإبداع في كل شخص. فالفن في نظرنا هو البعد الذي يرتفع فيه الإنسان من مخلوق طبيعي إلى كائن مبدع. فالأمر يتطلّب منّا، تفكيرا جديرا بالتّأمّل ينطوي على النّضج. فالإبداع ليس موجودا في تخطيط المدرسة وأهدافها في وقتنا، بل على العكس من ذلك، العمل المدرسيّ يتمّ بطريقة مجزأة، لا يسمح للفرد بالعمل برؤية كلّية تحقّق الإبداع. فمن المهمّ إقامة علاقات مع كلّ الأبعاد التي تشكّل مجال المعرفة نفسه، وتقديم وجهات نظر مختلفة للسّؤال الواحد (Edgar, 2002 :115-119). ووفق (موران (Morin ، فإنّ التحدّي الذي يواجه معلم التربية هو أن يحقّق فهما من فكر التّعقيد للأشياء، فالتعقيد فئة جديدة أساسية لفهم النّموذج الفكري الجديد، وحقيقة المعقّد أنّه يجب تطوير ظاهرة التّعلم الذاتي والتنظيم الذاتي في هذه الكائنات الحية (المتعلمون الأذكياء والموهوبون) عن طريق التوازن غير الديناميكي الذي يسعى إلى عمليات تكيف جديدة( Edgar, 2014: 333-335). يشير “موران” فيما يتعلق بالتّعقيد، إلى ما يلي:
إنّ التّعقيد يقدّم نفسه في ظل السّمات المزعجة التي لا تنفصم والتي تتّسم بها الفوضى، والاضطرابات، والغموض، واللاّيقين. ومن هنا، تأتي ضرورة ترتيب الظّواهر من خلال قمع الفوضى أي؛ من خلال استبعاد حالات اللاّيقين لتحديد عناصر النّظام واليقين، ولإزالة الغموض، يجب توضيح العناصر وتمييزها وتبيان تسلسلها الهرميّ. ولكنّ مثل هذه العمليّات الضروريّة، تجازف بأن تجعلنا عُمي البصر إذ نجحت في إزالة خصائص أخرى للبشرية. والواقع، كما زعمت، أنهم جعلونا عميانا (Edgar, 2005: 11-15). يفسّر (موران Morin) ذلك بكون التعقيد الذي يتّسم به النظر إلى الأمور على نحو مختلف ينبع من إدراك أنّ كلّ إنسان قادر على استخدام الإبداع لحلّ المشاكل بطرق مختلفة واكتشاف مجموعة من الاحتمالات للتوصّل إلى حلول لمختلف مجالات المعرفة، فكلّ فرد يتمتّع بالذكاء والعواطف والمشاعر، ويمكنه التّعبير عن خياله بطرق مختلفة. إنّ التّلقين أمر أساسيّ للبشر وضروريّ لوجودهم؛ وبما أنّ طرق عمل نظام الدّماغ عصبيّا والتي تجعل الجسم على صلة بالعالم الخارجي، لا تمثل سوى 2% من الإجمالي، في حين أن 98% تشير إلى العمليات الذهنية الباطنية، والتي تشكل عالما نفسيا مستقلا نسبيا، حيث يحتاج إلى الأحلام، والرغبات، والأفكار، والصّور، والتخيلات… هذا العالم يتحكم في رؤيتنا أو تصوّرنا للعالم الخارجي (Edgar, 2002: 20-24).
في مقابل ذلك يشرح (فان ألفين Van Alphen) ما قاله (شتاينرSteiner) عن الخيال باعتباره شيئا ينشأ من الإدراك الحسّي. ويتضمّن جوانب مهمّة في الإبداع مثل العواطف والأحاسيس. فالخيال يخلق إمكانيات للابتكار والإبداع والإنجازات في الاكتشافات الجديدة، فهو يسبب تفكيرا نشيطا لخلق ما، يمكن وصفه بـ “الصور الحية” في أذهان الملاحظ. إنّ هذه “الصور الحيّة” هي تصوّرات مرنة، وقادرة على التوسّع والتّنقيح كلّما زادت خبراتنا وكفاياتنا. ويضيف (فان ألفين Van Alphen) في مقالته: إنّ (شتاينرSteiner) لاحظ بدقّة، طبيعة التّفكير والشّعور والإرادة لدى الإنسان، وعلاقتها مع مظاهر الخيال والإلهام والحدس الأعلى على التّوالي. حيث يشير إلى أنّ النّظرية التعليميّة نشأت من هذه الملاحظات. أمّا فيما يتعلّق بالجانب “الروحي”، فيشير (شتاينرSteiner) إلى أنّ التميز الفردي لكلّ إنسان هو أهمّ ما في الأمر، إذ يمكن من خلاله تطوير قيمه الأخلاقية كذلك. ويعتبر أيضا الخيال والإلهام والحدس بمثابة صفات روحية وأساسيّة لتنمية القدرات البشرية (Alphen, 2011: 23).
وكان (شتاينرSteiner) ينظر إلى نفسه بوصفه باحثا للطبيعة “الروحية” للإنسان، مستخدما أساليب البحث العلميّ لاستكشاف الخبرات البشريّة، إذ يشير، “الروحي”، إلى التفرديّة الأساسية للكيان البشريّ التي تنشأ منها القيم الأخلاقية، والسعي الدائم إلى المعرفة. فهو يعزو الخيال والإلهام والحدس كصفات روحية، وكأمر أساسي للكشف عن الإمكانات البشرية (Steiner, 1987: 178-182).
وفي هذا السّياق نفسه، يؤكد (موران Morin) أيضا على أهمية الخيال في التّدريس، فمن المهم أن يوفر التعليم القدرة الطبيعية للعقل على صياغة المشاكل الأساسية وحلّها، وأن يحرض، بطريقة متكاملة، على الاستخدام الكامل للذّكاء، ويتطلّب هذا الاستخدام كامل حرّية التعبير وممارسة الفضول والخيال، والإبداع بحرية. ومن الأساسيّ اكتساب المعرفة استنادا إلى الرّوابط التي تتيح الربط بين تعدّد أبعاد السّياقات، ثم تسليط الضّوء على مدى تعقيدها.
3- التعقيد أساس المعرفة العالمية:
إنّ التّعليم الجيّد حسب (موران Morin) يستلزم الوصول إلى المعرفة العالميّة. والمعرفة المعقّدة هي التي تمكّن من فهم ما هو معقّد، ولتثقيف المتعلّمين، ويعدّ هذا أمرا ضروريا. وذلك لتدريس حالة الإنسان المتكاملة في أكثر مجالات المعرفة تنوّعا، ووضع الفرد في الكون وعدم فصله عنه، وبهذا المعنى فمن الضّروري أن نوفّر السّبل لإصلاح الفكر (Edgar,2002: 23) وفيما يتعلق بالمتعلمين الأذكياء، بيّن (موران Morin) أنّ قدراتهم الإبداعية لا تعمل بشكل سليم في الفصول الدراسية بسبب نقص التّدريب المناسب للمعلّمين أو غياب خدمة متخصّصة تستحضر كلّ أبعاد تطوراتهم. وفي هذه الحالة، فإنّ التعليم المدرسي المقدّم للمتعلمين الاذكياء، بصفة عامة، لم يستحضر احتياجاتهم التعليميّة، كما أنّه منع إبداعهم وخيالهم من التجلّي. إنّ فهم التّفكير المعقّد للأذكياء يتطلب تغيير النموذج الفكريّ القائم في مدارسنا. حيث يشير (موران (Morin إلى أنّ هناك نموذجا قديما، وهو مبدأ قديم يقودنا إلى تبسيط الواقع وفصله وإضفاء الطّابع الرسميّ عليه دون التّعبير عما هو منفصل، ودون خلق المجموعات المعقّدة أو تعقيد الواقع. إذ يرتبط النّموذج الفكريّ القديم بالتّعليم الذي يجعل الطّلاب يستنسخون فقط ما يدرّسه المعلمون لهم دون التّأمّل في تلك المعرفة. إنّ هذا النّموذج يسهم في اختيار المفاهيم والعمليات المنطقيّة وتحديدها، وهو ما يمثل الفئات الرئيسية ويتحكم في وظيفتها، وبهذه الطريقة يعرف الأفراد ويفكرون ويتصرفون وفقا لنماذج مسجّلة فيهم ثقافيّا (Edgar,2002: 23).
يرتبط نموذج التّعقيد بالتّشابه بين التّخصّصات التي هي نهج علميّ يسعى إلى وحدة المعرفة، ويهدف هذا النهج إلى توفير فهم جديد للواقع الذي يضع عناصر تمر بين التخصصات وعبرها. إذ أنّ الفكر ليس جامدا، بل يدلّ على الحركة؛ فعل يأتي ويذهب، ويمكن معه تطوير المعرفة. وهذا ما يبرّر تعطيل المتعلمين بتفكير خطّي اختزاليّ نموذجه البساطة، مع التّركيز على الحاضر، وفي المقابل، يسلّط (شتاينرSteiner) الضّوء على أهمّيّة التّغلب على عملية إعادة التأهيل. كنموذج يحتذى به، ويشير إلى التعليم الشّامل الذي يؤكّد على تنمية الإنسان بأسره؛ إنّ التعليم في هذه السّنوات يُعنى بالدّرجة الأولى بالتّدريب على التّفكير. ولا يقصد من المعرفة تحميل العقل ما لا يطيق، ولكن تغذية وتحفيز نشاط الفكر (Wiechert,2010: 9-10). وقد ابتكر(شتاينرSteiner) ما يسمّى بــــــــــــ “التّدريس الاقتصاديّ” الذي ينادي من خلاله بألا يتحمّل المتعلم ما لا يطيق من المعرفة والموادّ المثقلة بالكمّ المعرفيّ دون جدوى منه (Steiner, 1921: 15). ويركّز مثل هذا التّعليم على ما هو أبعد من البعد الفكريّ، فيدمج بين العواطف الاجتماعيّة، والمادية، والإبداعية/البديهية، والجوانب الجماليّة والروحيّة. حيث يتمّ تطبيق الفضائل الثلاث الحقيقة والجمال والخير في تعليم (شتاينرSteiner)، كزخارف رائدة في المراحل الثّلاث للطفولة المبكرة، فعندما يكون المتعلمون الصغار نشيطون جدا في لعبهم، غالبا ما يستمتعون بتقليد أنشطة الكبار، فالمتعلمين الصغار يقلدون أيضا الصّفات الدّاخلية للبالغين الذين يعتنون بهم، ويمتصّون القيم الأخلاقية لمعلميهم وأولياء أمورهم دون وعي؛ إنّهم يتغذّون من البيئات الأصلية حيث تزرع الخير بوعي (Curriculum, 1970: 175).
4- ما الحاجة إلى تغيير النموذج الفكري؟
إن تغير النموذج الفكري معقّد للغاية؛ لأن النّموذج الفكري عبارة عن مجموعة كاملة من المعتقدات والقيم والأساليب، وبمشاركة أفراد مجتمع محدّد. فمن الواضح أنّ كلّ ثقافة تحدّد طريقة تفسيرها وتقييمها للتدخّل في مجال معيّن من مجالات المعرفة. وما نراه في مجتمعنا هو أنّه لا تزال هناك مقاومة للتّغيير، والاستثمار في الإبداع، والابتكار في مختلف المجالات والسّياقات الاجتماعيّة. ففي السياق التعليميّ الذي أنتمي إليه، مثلا، هناك مقاومة لتغيير طريقة التّدريس نحو التعقيد. وسينتهي الأمر بهذه الحقيقة إلى جعل التعليم مضنيا وشاقّا. (لا يزال التغيير في مجتمعنا العربي شاقّا)، من المهم إذن إيجاد طريقة للتغلّب على التّدابير التعليميّة التي لا تتعامل مع العمل التعليميّ على نحو مبدع وخلاق.
لنشرح ذلك أكثر: إذا كنا نريد أن نفهم تطور التغيير، فينبغي لنا أن نولي المزيد من الاهتمام لميولاتنا القوية حتى لا تتغير. وهذا الاهتمام سيساعدنا على أن نكتشف في أنفسنا قوة وجمالا (جهاز المناعة المخفي) أي؛ الكشف عن العملية الدينامية التي نميل من خلالها إلى منع التغيير، حيث سنقوم باستمرار بخلق أسباب التغير. إذا استطعنا فتح هذا النظام، سنطلق طاقة جديدة لدعم طرق حديثة للرؤية الخلاقة، حيث سينتهي هذا النموذج الذي يبسّط عملية التدريس، ويحدّ من الإمكانات الإبداعية للمتعلمين الموهوبين، والذي لا يتمّ تضمينها في معظم الحالات في المدرسة. فما أشاهده أنا من خلال تجربة فصلي، أنّ المتعلمين الموهوبين ليسوا أسرع من المتعلمين العاديين فحسب، بل إنهم مختلفون سلوكيّا أيضا، إنهم يحتاجون إلى الحدّ الأدنى من الدّعم المنظم، لأنهم قادرون على التوصّل إلى اكتشافاتهم بقدراتهم الخاصة.
يركز التحدي النّموذجي الكبير على التّفكير في تكوين معلّم جديد، حتى يتمكّن من استيعاب العالم الذي نعيش فيه في وضع يسمح له بتحويله. يتطلّب هذا الاقتراح معلّما يتغلب على نموذج التجزئة، ويبحث عن مسارات مختلفة، مع وجهة نظر ممنهجة، ويتصرف بطريقة هادفة، حيث يكون دوره كباحث ووسيط، ويتعاون من أجل تطوير متعلم متكامل (Edgar, 2002: 87).
إنّ التّفكير في المدرسة كنظام يعني التّفكير فيها بوصفها وحدة معقّدة (نسيج) يتمّ تنظيمها وإعادة تنظيمها، وتتفاعل لإقامة علاقات بين الكلّ وأجزائه، وبين الواحد والمتنوّع. إنّ التّفكير في المؤسّسة التعليميّة على أنّها صورة ثلاثية الأبعاد يعني الاعتقاد بأنّه لا يوجد جزء بدون كلّ، ولا كلّ دون جزء. حيث لا يمكن فهم الأجزاء إلا من خلال التّرابط الكلّي / الجزئيّ في حركة بأثر رجعي للتغذية والتغذية الراجعة. فالمدرسة جزء من نظام أكبر بكل خصائصه وخصوصيّاته التي تتفاعل مع الأنظمة الأخرى. إنّه يشمل النّظام، الذي يعني حسب (موران Morin) كلّ ما يتكرّر ويؤطّر ضمن قانون. ويشمل أيضا الاضطراب، الذي يحيل على كل ما هو غير منتظم، والانحراف عن بنية معينة، والصدفة، وعدم القدرة على التنبّؤ، ويشمل أيضا المنظومة التي تتضمّن النظام / الاضطراب، (Edgar, 2002: 89-90).
من الضروري أن نذهب أبعد من ذلك، لإدخال المتعلم في الواقع التاريخي والاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافي والسياسيّ والديني. لهذا، فإنّ الحوار بين الجزء (الجزئي) والكلّ (الكلي) ضروريّ والدور الرئيسيّ للمعلم هو إعطاء الحياة لكلّ هذا التعقيد في العلاقات. ومن دوره أيضا أن يظهر للمتعلّم أننا مواد كوكبيّة، وأنّ حالتنا البشرية ضروريّة لوضع أنفسنا في الكون. علينا استجواب حالتنا البشريّة يعني التّساؤل أوّلا عن مكانتنا في العالم. هناك مسألة أخرى مهمّة للغاية بالنسبة إلى (موران Morin) وهي الاعتراف بحالة الإنسان التي لم يتم تناولها في المدرسة. وحسب تصوّره، فإنّ تعليم المستقبل يجب أن يتمحور حول حالة الإنسان، لأنّ الإنسان له علاقة بالكون، ولا يمكن الفصل بينهما، لأنّها علاقة نشأت منذ نشأة الإنسان في الحياة بهذا المعنى. وهكذا، فمن المستحيل في مفهوم (موران Morin)، تطوير فكر معقّد دون اعتبار الإنسان كائنا بيولوجيّا ونفسيّا وثقافيّا واجتماعيّا وتاريخيّا…
لا يفكّر النموذج التربويّ الحاليّ في هذه الأبعاد المتعدّدة للموضوعات، لأنّ المتعلّم، وفقا لـ(موران Morin)، مشتّت ومقسّم بين مواد مدرسية مختلفة، أحدهما منفصل عن الآخر. لا توجد طريقة لفك ارتباط الإنسان في التاريخ والجغرافيا والعلوم وغيرها. يجب أن نتعرف على الإنسان ككائن معقد، ككائن ذي علاقات، لأنّه بالتفاعل ينتج المجتمع. نحن جزء من المجتمع ونتفاعل. ومن المهمّ التأكيد على أنّ (موران Morin) لا يقترح إلغاء المعرفة المكتسبة، بل يقترح إقامة روابط وإعادة الاتصال فيما بينها. يقترح على المعلمين الربط بين المعارف وجعلها حية وتوصف بعدم اليقين. فكلّما زاد فصلنا بين المعارف، كلما فقدنا القدرة على التّحليل وإعادة الاتصال والتّوليف والتعقيد، أي أنّنا نفقد القدرة على وضع المعلومات أو المعرفة في سياقها، ونفقد القدرة على إعادة اكتشاف ذواتنا، لذلك تضيع المعرفة ذات الصلة(Edgar, 2002: 97).
وبناء على ما تقدّم، فإنّنا نعتقد أنّ ممارسة التّدريس هي واحدة من أهمّ المشاكل المركزية التي يجب مواجهتها إذا أردنا تعليما معقدا وسياقيّا.
5- تعقيد عملية إدماج المتعلمين الموهوبين في المدرسة:
تعقيد تعليم المتعلم ذي الإمكانيات العالية أكبر بكثير مما يعتقد موظفو التدريس؛ وهو تحدّ لم يناقش في كثير من الأحيان بكفاءة في السّياق المدرسي، ناهيك عن التغلّب عليه، وذلك بسبب ظروف الإدماج التي توفرها المدرسة. إذا كان هناك نقاش حول إدراج المتعلمين الموهوبين، فهناك سؤالان غالبا ما يطرحهما المعلمون. فمن ناحية، هذه المناقشة مثيرة للجدل بين المتخصصين في التعليم، لقد ظل في اعتقادهم أن المتعلمين الموهوبين الاذكياء لا يحتاجون إلى عمل ومجهود خاص، ومن ناحية أخرى، لا يبدو أن الحلول المقترحة في هذا الشّأن، تلبي الاحتياجات التعليميّة الخاصة لهؤلاء المتعلمين.
الكثير من المؤلّفين التربويين يسلّطون الضّوء على فكرة أنّ المتعلمين الأذكياء والموهوبين، على الرّغم من امتلاكهم مهارات (موهبة عالية)، يحتاجون إلى خدمة متخصّصة وجهد جبار، وقد تكون لديهم احتياجات تعليمية في كلّ بعد من أبعاد التنمية، وترتبط هذه الاحتياجات بالجوانب المعرفيّة والعاطفيّة والاجتماعيّة، أي أنّه سيكون من الضروريّ وجود تعليم يهدف إلى متابعة جميع جوانب التّنمية الخاصة بهم ، ويشير كلّ من موران وشتاينر إلى أهمية وجود تعليم خاص بالمتعلمين الموهوبين بشكل متكامل، وتجنّب طريقة التدريس الاختزالية والمجزأة الموجودة في السّياق المدرسيّ العام.
6- العمل بالإبداع في سياق المدرسة:
يبدو أن العمل بالإبداع يعني الحاجة إلى تجربة العالم، وإلى توسيع تجربة المتعلّم وإمكانية التّفاعل مع الموضوعات والأشياء من حوله التي تسمح بإثراء وتنويع العناصر التي ستكون أساس نشاطه الإبداعيّ، فضلا عن توسيع إمكانيات التطوّر المعرفي، وبقدر ما يزداد في هذا المنهج، يكون للخيال والإبداع أهمية كبيرة للتعلم، ويعتمدان على نوعية تجارب المتعلم وكميتها وتفاعلاته مع العالم من حوله. حيث يمكن للتّفاعل بين الموضوعات والبناء النشط للمعرفة أن يوفرا دافعا إبداعيا، بالإضافة إلى قيادة المتعلم لتنمية حسّ التعاون والحوار. فكلّما زاد ثراء تفاعل الفرد مع العالم من حوله، زاد نموّه المعرفي، وزادت قدرته الإبداعية. وهذا يعادل القول بأنّ بناء المعرفة والتّجارب التي نعيشها مع الأشياء من حولنا تعزز الخيال والإبداع. سيكون العمل بالإبداع إذن وسيلة مهمّة لتحفيز تطوير كلّ من المتعلمين الموهوبين بشكل متكامل. مع التّركيز على حرّية التّعبير أثناء التدريس وعلى الاحترام المتبادل، الأمر الذي يمكن أن يولّد فرصا للاعتراف بالاختلاف خلال عملية التّدريس والتّعلم. وأقترح، بناء على تجربتي الخاصّة ما يلي:
- منح المتعلمين حرية الاختيار بين الطرق المختلفة لحل المشكلة، من خلال تنويع إمكانيات الأنشطة المقترحة.
- مساعدة المتعلمين على التّعبير عن أفكارهم المختلفة؛ مع توفير فرص استكشاف الفضاءات المختلفة، وترك المساحة المادية المحدودة للفصول الدّراسيّة كلما أمكن ذلك.
- تشجيع المتعلّمين على القيام بمشاريعهم الشّخصية كوسيلة للتعرّف على مهاراتهم ومواهبهم؛ وتشجعهم على أن يكونوا مبدعين.
- السّماح للمتعلمين بطرح الأسئلة واختبار فرضياتهم، حتى لو بدت غير كافية أو غير منطقيّة أو سخيفة في البداية.
- تشجيع الفضول للتعلّم، وتجنّب التركيز على الحفظ.
- منح الطلاب خيارات لإجراء أبحاث حول مجالات مختلفة من المعرفة، من بين احتمالات أخرى للعمل بالإبداع.
7- الاستنتاجات:
من الممكن الاستنتاج أن التحدّي المتمثل في فهم الفكر المعقّد للمتعلمين الموهوبين في المدرسة يعتمد على تشكيل هيئة تدريس خاصة للقيام بالتّخطيط السليم للفصول الدراسية وفقا لاحتياجاتهم التعليميّة الخاصّة. وينبغي أن يستند هذا التّخطيط إلى أقسام دراسية ذات أنشطة إبداعية وأن تحرّض أيضا على استثارة فضول هؤلاء المتعلمين واهتمامهم. هؤلاء المتعلّمين الذين يحتاجون إلى خدمة خاصة.
على أنّه من الجدير بالملاحظة أنّه لا يمكن أن تحدث الممارسات التّعليميّة التي تشمل العمل بالإبداع إلا إذا كان هناك تدريب جيد للمعلمين الراغبين في قبول تعليم إبداعي والعمل بشكل مبتكر. ويتمثّل أحد التحدّيات التي تواجهها المدرسة عموما في إيجاد فرص للتّعليم تشجع على تنمية الإمكانات الإبداعية وتطويرها، ليس فقط للمتعلمين بل للمعلمين أيضا.
قد يكون التعقيد في فهم تفكير المتعلمين ذوي الإمكانات العالية أكبر ممّا نعتقد. لذا فإنّ تطوير الإبداع في التعليم يمرّ بالضرورة بمستوى إبداع المهنيين الذين يعملون في المدرسة، إذ يجب أن يعرف المعلمون العوائق التي يواجهونها أثناء عملية التدريس والتعليم، ويمكن أن يكون هذا شرطا ضروريا للتغلب على صعوبة العمل بالإبداع.
إن النهج الفني للتعليم لا يعيد إنتاج المفاهيم الميّتة، ولكنّه يتطلّب مفاهيم مرنة وديناميكية، وهذا ضروريّ في عالم اليوم. حيث تظهر هذه المفاهيم كصور حيّة من خلال علاقة حيّة مع المعلمين الذين يعملون بالأحاسيس والتمثّلات العقلية التي يمكن أن تنمو في هذه الصور. ويعزز التعليم الحالي تقسيم المعارف؛ وهو ما سينتهي به، في اعتقادنا، إلى الحدّ من إبداع المتعلمين ذوي الإمكانات العالية.
نستنتج في الأخير أنّ تجزئة المعرفة مرتبطة إلى حدّ كبير بهيمنة الذكاء الجزئي وفقًا لـــ (موران Morin) و(شتاينرSteiner)، لذلك يجب علينا التغلب على النظرة الاختزالية الحالية في التعليم وتوسيع إمكانيات العمل مع الابتكار والاختراع والخيال والإبداع. وقد قدم (شتاينرSteiner) في مشروعه شكلا جديدا من أشكال تكامل التّفكير والشّعور والرّغبة من خلال الأنشطة الإبداعية والفنيّة في البيداغوجيا. وهذا الاندماج له نيّة واضحة: تطوير الحرّية الأخلاقية، بالنّظر إلى كل من الفرد والمجتمع والطبيعة. فمن المهمّ تشجيع المتعلمين الموهوبين على التحلّي بروح إبداعية ومستقلة، وممارسة التّفكير النقديّ والتّأمّليّ حول عملية التّدريس والتعلم. بهذا المعنى، سلط (موران Morin) الضّوء على أهمية خلق بيئة محفّزة حيث يتمتع فيها فريق التدريس بحرّية التعبير. ويجب كذلك على المعلّمين السّماح للمتعلمين بالتّعبير عن أفكارهم المختلفة، وتوفير فرص البحث في البيئة التعليميّة، ومنحهم حرية اختيار طرق مختلفة لحلّ الوضعيّات المشكلة. وبالتالي، فإنّ الفكر المعقّد يمكن له أن يتجاوز الحدود التي يفرضها التّعليم الموحّد، وهو ما سيمكن من تطوير الإمكانات الإبداعية.
قائمة المصادر والمراجع:
مراجع عربية:
- إدغار، م. (2004). الفكر و المستقبل. (أ. القصوار & م. الحجوجي، Trads) المغرب: دار توبقال للنشر.
- زيتوني، ص. ل. (2015). ابستيمولوجيا التركيب و فلسفة التربية عند ادغار موران ( 1). عمان: دار الأيام للنشر و التوزيع.
- لوغاي، ج. م. (2009). التجربة و المنهج ( 1). (س. عبد الله، Trad.) تونس: دار محمد علي للنشر.
- موران، ا. (2015). زمة المعرفة، عندما يفتقر الغرب إلى فن العيش. مجلة الاستغراب، 52.
مراجع أجنبية:
- Alphen, V. (2011, December), Imagination as a Transformative Tool in Primary School. RoSE- Education. Research on Steiner Education.
- Curriculum, S. (1970), Educational Foundations of Steiner Education. Consulté l’aout 22, 2022, sur steiner education: https://www.steinereducation.edu.au/
- Edgar, M. (2002), Les sept savoirs nécessaires à l’éducation du futur. Paris: Seuil.
- Edgar, M. (2005), Introduction à la pensée complexe. Paris: du seuil.
- Edgar, M. (2014), La Méthode 2. paris: du seul.
- SEA: ASCF Curriculum, (2022, aout 25), Educational Foundations of Steiner Education, Récupéré sur steiner education: steinereducation.edu.au
- Steiner, R. (1921), Soul economy (Vol. 2013). Great Barrington, MA: Anthroposophic Press.
- Steiner, R. (1922), teachers as artists in education. Lecture August.
- Steiner, R. (1987), Awakening Anthroposophy. Consulté le AOUT 25, 2022, sur Rudolf Steiner Archive: https://rsarchive.org/Lectures/GA354/English/RSP1987/EvoMan_index.html
- Steiner, R. (1996), The education of the child. New York: Anthroposophic Press.
- Wiechert, C. (2010, Volume 15), What can Rudolf Steriner Words to the first Waldorf Teachertell us today. Consulté le auot 16, 2022, sur waldorflibrary: https://tinyurl.com/drfawwv2
- Winkler, f. (2019), Man the Bridge between Two Worlds. Chicago: Muriwai Books.