الغشّ في امتحان البكالوريا واستخدام التكنولوجيات الحديثة

الغشّ في امتحان البكالوريا

الملخص:

تسعى هذه الورقة إلى تحديد بعض المداخل الممكنة التي تساعد على البحث في التحوّل الذي عرفه الغشّ في امتحان البكالوريا من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال وذلك نظرا إلى الخطورة التي صار يشكّلها الغشّ لا على قيمة تلك الشهادة العلميّة فقط بل وعلى رؤية فاعلين اجتماعيّين مختلفين لمقولة النجاح والفشل، إذ يصبح النّجاح، لدى بعضهم، الغاية الّتي تبرّر الوسيلة. وقد أدّى استخدام تلك التكنولوجيّات إلى زيادة عدد الأطراف المتدخّلة في الغشّ، وإلى إخراج هذه العمليّة من أسوار المؤسّسة التعليميّة، وظهور فاعلين جدد لا يتردّدون في تحويل الامتحان إلى مناسبة لجني الأرباح إمّا عبر ترويج بعض الوسائل أو تقديم إجابات عن بعد؛ وهذا الأمر يستوجب التّفكير في المسألة بنوع من العمق يتعالى عن الإدانة والبحث في تشديد العقوبات، باعتبار أن تلك الإجراءات على أهميّتها تختزل الظاهرة في البعد الزّجري والرّدعي ولا تسعى إلى فهم مختلف الأبعاد المكوّنة لتلك الظاهرة.

الكلمات المفاتيح: الغشّ، الامتحان، الغشّ في الامتحان، البكالوريا، تكنولوجيا المعلومات والاتّصال.

Abstract:

This paper seeks to identify some of the possible approaches that help in researching the transformation witnessed by cheating in the baccalaureate exam through the use of information and communication technology, given the danger that cheating poses not only to the value of that scientific certificate, but also to the vision of different social actors of the argument of success and failure, where success becomes justified, regardless of the means. This use has led to an increase in the number of parties involved in fraud, a process out of the walls of the educational institution, and an emergence of new actors who do not hesitate to turn the exam into an occasion to make profits, either by promoting some means or providing answers from a distance. This necessitates thinking about the issue with a kind of depth that transcends condemnation and severity of the penalties. These measures, despite their importance, reduce the phenomenon to the deterrent and injunctive dimensions and do not seek to understand the various dimensions that make up this phenomenon.

Keywords: cheating, exam, cheating in exams, the Baccalaureate exam, information and communication technology.


1- مقدّمة:

يعتبر الغشّ في الامتحانات، إلى جانب العنف، من أهمّ التّحدّيات التّي باتت تواجهها المنظومات التّربويّة في دول كثيرة في العالم. ويشكّل الغش في الامتحانات بشكل عامّ، وفي امتحان البكالوريا (الثّانويّة العامّة) بشكل خاصّ تحدّيا كبيرا للمنظومات التربويّة لعدّة اعتبارات منها إخلاله بمبادئ أساسيّة بُنيت عليها المدرسة الحديثة من قبيل الاحتكام للجدارة وتكافؤ الفرص وتثمين العمل والاجتهاد، ومنها أيضا إحداث التوازن في العلاقة بين النتائج المتحصّل عليها في هذا الامتحان والتّوجيه الجامعيّ باعتبار أنّ امتحان البكالوريا محدّد لقبول ذلك المترشّح في اختصاص ما دون غيره. ويضاف إلى ما سبق، اهتزاز العلاقة بين المربّين والتّلاميذ والنّاجم بالأساس على اقتران الغشّ في البكالوريا بالعنف، إذ كثيرا ما يتعرّض الأساتذة المراقبون لهذا الامتحان للعنف أو للتّهديد بالعنف من قبل عدد من المترشّحين.

وفضلا عن تلك الاعتبارات السّابقة بات اليوم من غير المقبول تناسي اقتحام التكنولوجيات الحديثة عالم الغش في امتحان البكالوريا والذي جعل تلك العمليّة تتجاوز أسوار المؤسّسة التعليميّة لأنّ شركاء خارجيّين – منهم من يروّج تكنولوجيات دقيقة تساعد على الغش ومنهم من يقدّم أجوبة عن الأسئلة المطروحة عبر تلك التكنولوجيات – دخلوا على الخطّ، فجعلوا الغش في امتحان البكالوريا مسألة تتجاوز جدران المدرسة، ما يعني أن استخدام تلك التكنولوجيا أقحم فاعلين جددا في الغشّ بالوسط المدرسيّ كما وسّع من فضائه. ومن هذا المنطلق، بات الغشّ مسألة مركّبة وتحدّيا معقّدا يفرض على المهتمّين بالشأن التّربويّ وعلى الباحثين فيه مساءلة الظّاهرة بمنطق أعمق بكثير من الإدانة، أي بمنطق يرمي إلى فهم المسألة وتفسيرها في أبعادها المختلفة.؛ لأن استخدام التكنولوجيات الحديثة في الغشّ في امتحان البكالوريا بيّن بوضوح تامّ إمكانيّة توسّع دائرة الأطراف المساهمة في الغشّ، بل وإمكانيّة الاستثمار في الغشّ سواء بترويج تكنولوجيات أو تقديم أجوبة عن بعد بمقابل ماليّ، أو بشراء وسائط تكنولوجيّة يرى فيها مترشّحون كثر وسيلة للتعويض عن نقائص لديهم. نعم، الغش في البكالوريا عبر التكنولوجيات الحديثة ظاهرة ولكنّها لا تختزل في ذلك المعطى لوحده إذ لا تفسّر فقط بيسر الحصول على تلك التكنولوجيا، ولا يمكن الاكتفاء بإدانة كلّ من ساهم فيها، فذلك هو البعد القانونيّ أو الزجريّ للمسألة لا غير، أو هو بالأحرى وجه من وجوه أزمة عميقة تعاني منها المؤسّسة التّعليميّة.

2- إشكاليّة البحث:

يمثّل تنامي ظاهرة الغش في امتحان البكالوريا- وخاصة اقتران تلك الظاهرة باستخدام التكنولوجيات الحديثة وتجاوزها أسوار المؤسّسة التّعليميّة، على الرّغم من كل الاحتياطات والإجراءات التّي تتّخذها الوزارات المشرفة على قطاع التّربية والتّعليم – تحدّيا كبيرا للمنظومات التربويّة وخطرا كبيرا على جودة أداء تلك المنظومات وعلى المبادئ التي تقوم عليها العمليّة التعليميّة- التعلّمية والتربويّة. وفي المقابل، يبرز ذلك التّنامي وجها من وجوه الأزمة التّي باتت تتخبّط فيها مؤسّسة المدرسة بعد أن فقدت زمام المبادرة، وصارت تعمل على مجاراة تغيّرات محيطها القيميّة والتقنيّة المتسارعة، وذلك بعد أن كانت قاطرة التّغيير وصانعته، فضلا عن كونها مصدرا للقيم وفاعلا اجتماعيّا مهمّا في نقلها من جيل إلى جيل وحمايتها من أيّ خلل. وعليه يكون من الوجيه والمنطقيّ التّساؤل عن دلالات تصاعد عمليّات الغش في البكالوريا التّي استفاد القائمون بها من تطوّر التكنولوجيات الحديثة وعن المداخل الممكنة لفهم تلك الظاهرة وتفسيرها في ظلّ المتغيّرات التّي أحدثتها والتّي جعلت من الغشّ في الامتحان يكسر حاجز جدران المدرسة، ويدمج أطرافا متعدّدة ومتنوّعة.

3- منهجيّة الدّراسة:

تتّسم هذه الدّراسة بكونها دراسة وصفيّة تحليليّة اعتمدنا فيها بالأساس على المثال التّونسي، وإن دعّمناه بالمثالين الجزائريّ والمغربيّ وذلك لقناعة منّا بتشابه الأمثلة الثلاثة ومعاناتها من ذات التّحدّيات. وقد استقينا معطيات الدّراسة بالأساس من مواقع صحف بهذه البلدان ومن مواقع بعض الإذاعات التونسيّة. وعملنا على الاستفادة من مختلف الشهادات التّي وردت بتلك المواقع. وتراوحت المضامين التّي اشتغلنا عليها بين نقل أخبار حوادث الغشّ وإجراءات مجابهتها، وبين نقل شهادات بعض الفاعلين التّربويّين من تلاميذ وأولياء ومدرّسين وإداريّين إضافة إلى النّقابيّين الذين كثيرا ما كانت تصريحاتهم مُدينة للمسؤولين عن قطاع التربية والتّعليم لعجزهم عن تأمين “الامتحانات الوطنيّة” ومندّدة بالعنف الذي يمارس على الأطر التربويّة المراقبة للامتحانات. وبذلك نكون أمام دراسة استكشافيّة قائمة بالأساس على تحليل مضامين إعلاميّة تتمحور حول الغشّ في امتحان البكالوريا.

4- أهميّة الدّراسة:

تستمدّ هذه الدّراسة أهميّتها من كونها تحاول فهم وتفسير ظاهرة مركّبة ما فتئت تنتشر في الوسط التّعليميّ وهي الغش في امتحان البكالوريا. والملاحَظ أنّ حالة استنفار تنشأ مع اقتراب موعد هذا الامتحان الوطنيّ على أكثر من صعيد. ولئن بدا هذا الاستنفار مشروعا لأنّ الأمر يتّصل بسمعة شهادة وطنيّة وبضرورة المحافظة عليها، فضلا عن المحافظة على مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشّحين لذلك الامتحان الوطنيّ الذي يتوّج مرحلتي التّعليم الأساسيّ والثّانويّ، ويفتح بوّابة العبور إلى التّعليم الجامعيّ، فإنّه يبعث على التّساؤل عن العوامل التّي تجعل حالات الغش المتصاعدة مصاحبة لهذا الاستنفار. إنّ انتشار الغشّ وتطوّر وسائله إنّما يعكسان انتصار النّاشئة لمبدأ “الغاية تبرّر الوسيلة”، ويتجلّى ذلك من خلال حرص المترشّحين على النّجاح بغضّ النّظر عن الوسائل المستخدمة فيه. وهو يشير إلى تحوّل في قناعات التلاميذ وكذلك عدد من الفاعلين الاجتماعيّين الآخرين (بعض الأولياء، بعض المعلّمين…) ورؤيتهم للامتحان وأدواره.

كما تتأتّى أهميّة الدّراسة كذلك من محاولتها التّركيز على أبعاد استخدام التكنولوجيات الحديثة في عمليّات الغش، والحال أنّ المنظومة التّربويّة التونسيّة – باعتبارها مثالا- فشلت في توظيف تلك التكنولوجيات زمن جائحة كورونا. بمعنى فرض علينا انتشار استخدام التكنولوجيات الحديثة في الغشّ في البكالوريا التّساؤل عن سرّ “نجاح” مستخدميها في الغش مقابل تعثّر الوزارة في الاستفادة منها في تذليل العقبات التّي أوجدتها الجائحة. بمعنى إذا كان مسار إدماج تلك التكنولوجيات الحديثة كمحامل ودعائم بيداغوجيّة ميسّرة للتعلّم متعثّرا، فإنّ توظيفها في الغش في الامتحانات الوطنيّة يبدو أقلّ تعثّرا والدليل على ذلك حالة الاستنفار القصوى التّي يُعلن عنها عند قرب كلّ امتحان باكالوريا في السنوات الأخيرة، هذا فضلا عن تحوّل الامتحان إلى حقل يتنازع فيه فاعلون اجتماعيّون كثر وليسوا تربويّين فقط، ولتبدأ معه مرحلة جديدة في الغشّ في الامتحانات الوطنيّة، مرحلة يتداخل فيها التربويّ بالأمنيّ بالعدليّ (نسبة إلى العدالة) وصولا إلى تجارة الممنوعات وتجّارها الذين ما فتئت أعدادهم تتكاثر.

ومن عوامل أهميّة هذه الدّراسة كذلك تركيزها على امتحان البكالوريا حيث يحظى هذا الامتحان بعناية خاصة من قبل التونسيّين والمغاربة عامّة. فهو في نظرهم إحدى المناسبات الكبرى التّي تُقدّم فيها الهدايا ويُحتفى فيها بالفرد فتى كان أو فتاة شأنها في ذلك شأن الولادة والختان والزفاف. إنّها مناسبة لتقديم هديّة ولخلاص دين كان قد قُدّم في شكل هديّة، الأمر الذي يجعلنا أمام الهديّة باعتبارها مسألة اجتماعيّة بالأساس على النّحو الذي ذهب إليه مارسيل موس Marcel Mauss، إنّها مناسبة لأداء واجب اجتماعيّ، ومناسبة كذلك للاعتراف بجهود الفرد وقدراته ونجاحاته، ولكن ماذا لوكان ذلك النّجاح حصيلة مخادعة وتحيّل حتّى وإن تمّت تغطية ذلك بعنوان الشطارة والمهارة؟

5- مفاهيم الدراسة:

5-1- الغشّ:

الغش لغة من “غشّ يغشّ غشّا: الخداع، الغاشّ أو الغشّاش: المخادع”[1]. وأمّا اصطلاحا، يعني الغشّ “إخفاء عيب، أو إظهار غير الحقّ، أو نيل شيء دون وجه حقّ، أو هو تزوير في أمانة مثل الكذب والسرقة وخيانة الأمانة، أو نسبة شيء لا يخصّه لنفسه مثل السّرقة الأدبيّة (سرقة النّصوص)”[2]. فالغشّ، على هذا المعنى، يعني الحصول على شيء دون وجه حقّ. وقد يكون متعلّقا بتجارة أو بتزوير وثيقة، أو بسرقة الغير بما في ذلك السّرقة الأدبيّة والفكريّة.

وأمّا الغشّ في المجال التّعليميّ فيقصد به “مجموع السّلوكات والأنشطة غير المسموح بها والممنوعة قانونيّا وتربويّا، كالتّحايل والغشّ والنقل…التّي يقوم بها المتعلّم قصد الحصول على نتائج وكفايات وامتيازات لا بالاعتماد على مجهوداته الشخصيّة وكفاءاته الذاتيّة، ولكن باستعمال وسائل غير مشروعة[3]“. بمعنى إنّ الغشّ في المجال التّعليميّ سلوك غير قانونيّ غرضه الحصول على نتائج وتقدير إيجابيّ لكفايات لدى المتعلّم حتّى وإن كان هذا الأخير فاقدا لتلك الكفايات.

وبحسب معجم “كنز اللّغة الفرنسيّة le Trésor de la Langue Française (TFL) يشتمل الغشّ   la tricherie على معنيين، فهو إمّا احتيال يتمّ ارتكابه خلال امتحان ما، أو في مناظرة أو للحصول على بعض الامتيازات. أو هو الرياء وعدم الأمانة الأخلاقية وغياب الاحترام للقيم التي ندّعي الدفاع عنها. وهذا المعنى الثاني حاضر بكثافة في الأعمال الأنجلوسكسونية التّي تعتبر الغشّ المدرسيّ شكلا من أشكال عدم الأمانة العلميّة academic dishosnesty. وأمّا المعنى الأوّل الوارد في كنز اللّغة الفرنسيّة فغير مكتمل لأنّه يستبعد الغشّ اليوميّ الذي يتمّ على الطاولات والواجبات التي تنجز في الإطار العائلي[4]“. ويأخذ “الغشّ في الامتحانات المدرسيّة أشكالا متعدّدة منها غشّ الطلاّب في الامتحانات، وعمليّات التّزوير في درجات ومعدّلات التّلاميذ، وتزوير شهادات التّخرّج ودخول أفراد مزيّفين للأداء في الامتحانات بدلا من الطلاّب الحقيقيّين”[5] . وبناء “على أبحاث أمريكيّة وفرنسيّة يمكن وضع قائمة غير شاملة في الممارسات الأكثر تواترا والمرتبطة بالغشّ وتجميعها في أربعة أصناف:

  • نسخ، سرقة: نسخ على ورقة الجيران، واستعادة مسوّدة جاره، ونسخ نصّ أو جزء من نصّ وتقديمه باعتباره عملا شخصيّا، وإعادة إنتاج عمل طالب آخر دون اعتباره مرجعا.
  • تزوير نتائج تجربة بحث وهويّتها.
  • مساعدة بعضنا البعض بطريقة غير مشروعة: مطالبة شخص آخر بالقيام بعمل مكاننا؛ اسأل أو أعط الإجابة لطالب آخر، توزيع العمل على عدة أطراف.
  • استخدام ورقة غش وسائط غير مصرح بها، وآلة حاسبة، وهاتف، وما إلى ذلك[6]“.

كما يتضمّن الغشّ في الامتحانات مظهرا آخر غير مباشر “يتمثّل في قيام معلّم بتوجيه الطّلبة إلى التّركيز على أجزاء محدّدة من المقرّر الدّراسيّ على أساس أنّ أسئلة الامتحان ستدور حولها، أو قيامه بتقديم عدد من الأسئلة من المادّة التّي يدرّسها للطلبة وإخبارهم أنّ الامتحان سيكون من بينها[7]“. ويمكن أن نضيف إلى ذلك تركيز بعض المعلّمين خلال الدّروس الخصوصيّة (التّي يقدّمونها لبعض التّلاميذ) على ضروب من التّمارين شبيهة أو مماثلة لتلك التّي سيتضمّنها الامتحان، فتصبح الدّروس الخصوصيّة عمليّات محاكاة استباقيّة لمضامين الامتحانات، فيستفيد التّلاميذ المسجّلون بتلك الدّروس دون غيرهم. لن تكون الدروس الخصوصيّة، على هذا الأساس، إذن سبيلا لتحسين المستوى التعليميّ، بل مجرّد وسيلة للحصول على أعداد جيّدة في الامتحانات، وهي تخدم مصالح تلاميذ على حساب آخرين.

وبناء على ما سبق، يكون الغشّ في الامتحان سلوكا ينتهك القانون المنظّم للامتحانات ويتخطّى كلّ التّراتيب المدرسيّة الرّامية إلى ضمان تكافؤ الفرص بين التّلاميذ، فيخلق تفاوتا غير مبرّر وغير مشروع بين المتعلّمين، وهو (=الغشّ في الامتحان) متعدّد الأوجه والأطراف، فهو يشمل الغشّ من خلال النّظر إلى ورقة الزميل (ة) أو من خلال طلب مساعدة من الزّملاء كما يشمل تدخّل المعلّم أو الإداري لتغيير أعداد تلميذ أو بعض التّلاميذ…الخ. وقد أعطت تكنولوجيا المعلومات والاتّصال الغشّ مظهرا جديدا فجعلته يتمّ عن بُعد بَعد أن كان عن قرب، ووسّعت من دائرة الأطراف المتدخّلة فيه سواء للمساعدة على الغشّ أو للوقوف في وجهه. وفي هذه الدّراسة سنركّز بالأساس على هذا الضّرب من الغشّ، حيث حضور تكنولوجيا المعلومات والاتّصال كثيف، وحيث الأطراف المساهمة فيه متعدّدة ومتنوّعة الملامح والأدوار. علما أنّ هذا الغشّ “لا يتوقّف عند أبواب المعاهد الثانويّة (الثّانويّات)، وإنّما يتواصل في الدراسات العليا. وقد بيّنت دراسات عديدة حالة التّواصل هذه، بل أبرزت كذلك تصاعد ظاهرة الغشّ الأمر الذي دفع إلى التساؤل عن صلاحيات الأعداد ومصداقيّة الشهادات[8]“.

5-2- الامتحان:

يعرّف الامتحان بأنّه “تمرين يستخدم لتقييم المعرفة أو المهارات فيكون الامتحان غالبا عبارة عن مجموعة من الأسئلة أو المهامّ تعنى بتوليد تمثيل كمّي يستخدم لتحديد ما إذا كان التّلميذ يملك قدرات معيّنة أو يفهم معلومات معيّنة. ويمكن استخدام الامتحانات لمقارنة الأفراد بالمجموعات أو الشّعوب، أو لتعزيز نموّ الفرد[9]“.

ويعدّ الامتحان “الوسيلة الوحيدة لتقويم العمل الأكاديميّ للطالب لينتقل من سنة دراسيّة إلى أخرى، ومن مرحلة إلى أخرى. وبغضّ النّظر عن رأي الفرد في الفلسفة التّي أدّت إلى هذا الوضع، فإنّ الجميع على علم بهذا، هو أمر ثابت لا يتغيّر بتغيّر المسؤولين أو بتغيّر المراحل. لذلك يعمل الطّالب وكلّ من له صلة به، وكذلك كلّ من له صلة بالعمليّة التّعليميّة، على الاستعداد لمواعيد الامتحانات، واتّخاذ التّراتيب اللاّزمة والمناسبة[10]“. ولهذا يرى الطاهر بن عاشور أن الامتحانات إنّما “جعلت منذ القدم لاختبار تحصيل الطالب فيما أريد منه تعليمه. ولاشكّ أنّ ما يبيّن له من الضّوابط والقواعد إنّما هو تقريب للطريقة المطلوبة، وإلاّ فإنّ المرجع في التّطبيق هو علم القائمين بتنفيذ تلك الضوابط وعدالتهم وغيرتهم على الرّتب العلميّة من أن تُسند لغير كفئها..”[11]. ليصبح بذلك الامتحان اختبارا لطالب العلم فيما يفترض أنّه تعلّمه، وأنّ إنجازه يتطلّب إضافة إلى التّراتيب حرص القائمين على تطبيقها على ضرورة إسناد الشهادات والرّتب العلميّة لمستحقّيها دون غيرهم. فالامتحان مسؤوليّة جماعيّة وليست فرديّة تهمّ المترشّح(ة) للامتحان دون غيره (ها).

ومن هذا المنطلق، يعتبر الامتحان وسيلة لتقييم عمل المتعلّم وهو بذلك عمليّة ملازمة لعمليّة التّعلّم مثلما تنصّ على ذلك القوانين المنظّمة للتّعليم؛ من ذلك مثلا ما ورد في الفصل التاسع والخمسين من القانون التّوجيهيّ للتّربية والتّعليم المدرسيّ (تونس-جويلية 2002) “يتمّ تقييم مكتسبات التّلاميذ بصفة مستمرّة خلال كافة مراحل التّعليم في تكامل مع عمليّة التّعلّم وفي تفاعل معها. ويكتسب التّقييم صبغة تكوينيّة وتشخيصيّة أثناء التعلّم وصبغة إشهاديّة في نهايته، وهو من مشمولات أسرة التّدريس في مستوى إعداده وإصلاحه واستغلاله”. بمعنى أنّ الامتحان يحتلّ جزءا مهمّا من عمليّة التّعلّم وهو من اختصاص المدرّسين دون غيرهم. ولعلّ أهميّته تكمن في إقرار نجاح التلميذ أو فشله، ومن خلال ذلك نجاح المنظومة التربويّة بشكل عام أو فشلها، وهذا معنى استغلال نتائج الامتحانات لتحسين أداء المنظومة التربويّة. أي أنّ استغلال نتائج الامتحانات لا يقتصر على الفصل أو المؤسّسة وإنّما يشمل مختلف مكوّنات المنظومة التعليميّة، إذ تكون نتائج الامتحانات – خاصّة الوطنيّة منها- معيارا للحكم على مدى نجاعة أداء تلك المنظومة.

5-3- البكالوريا:

جاء في الفصل 62 من القانون التّوجيهيّ للتربية والتّعليم المدرسيّ (جويلية 2002) ما يلي: “يُختتم التّعليم الثّانويّ بكلّ شعبة من شعبه بامتحان وطنيّ يحصل النّاجحون فيه على شهادة البكالوريا. وتضبط أنواع شهادة البكالوريا بأمر ويضبط نظام امتحان البكالوريا بقرار من الوزير المكلّف بالتربية”. ويعطي هذا التّحديد القانوني للبكالوريا معنى الامتحان الوطنيّ المفضي إلى الحصول على شهادة البكالوريا التّي تخوّل لصاحبها الالتحاق بالتّعليم الجامعيّ في تونس أو خارجها. وعليه يمكن القول إنّ شهادة البكالوريا تتوّج مسارا دراسيّا امتدّ من الابتدائيّ إلى نهاية الثّانويّ، وهو مسار يغطّي في المثال التونسيّ 13 سنة. ولعلّ ما يسترعي الاهتمام في هذا السّياق هو أنّ شهادة البكالوريا هي الشّهادة الوحيدة الإجباريّة التّي يحصل عليها التلميذ التّونسيّ طيلة ذلك المسار إذا ما استثنينا شهادة ختم التّعليم الأساسيّ التّي تترك للتّلاميذ حرّية المشاركة في المناظرة التّي تفضي إلى الحصول عليها[12].

ومن خصائص امتحان البكالوريا أنّ التّقدم لاجتيازه يتمّ بصيغ مختلفة، فقد يكون المترشّح مسجّلا بمؤسّسة تعليميّة عموميّة (معهد ثانوي/ ثانويّة) أو بمؤسّسة تعليميّة خاصّة مثلما قد يكون مترشّحا بصفة فرديّة وحرّة. وعليه لا يحدّد سقف عمريّ للتّرشّح لاجتياز هذا الامتحان[13]. ومن خصائص هذا الامتحان الوطنيّ أنّه لا يُقصي المساجين[14].

5-4- تكنولوجيا المعلومات والاتّصال:

يشير مفهوم تكنولوجيا المعلومات والاتّصال إلى “مجموعة الأدوات والأجهزة التّي توفّر عمليّة تخزين المعلومات ومعالجتها ومن ثم استرجاعها، وكذلك توصيلها بعد ذلك عبر أجهزة الاتّصالات المختلفة إلى أيّ مكان في العالم، أو استقبالها في أيّ مكان في العالم. معنى هذا أن تكنولوجيا المعلومات تغطّي أي منتج يقوم بتخزين معلومات الكترونيا في شكل رقميّ واسترجاعها ومعالجتها وإرسالها أو تلقّيها[15]“. أي أن تكنولوجيا المعلومات والاتّصال تشمل «كلّ التّقنيات المتطوّرة التّي تستخدم في جمع البيانات والمعلومات وتخزينها ونشرها والتّي تستخدم من قبل المستفيدين منها في مجالات الحياة كافة[16]“.

ويثير حضور هذه التكنولوجيا في الغشّ في الامتحانات إشكاليّة مسألة الاستخدامات الاجتماعيّة لتلك التقانة والمقصود بها “أنماط استخدام الأفراد أو مجموعات الأفراد (الطبقات، الفئات، الشرائح) والتّي تبدو مستقرّة على مدى فترة زمنيّة إلى حدّ ما طويلة..”[17] . ما يعني أنّ هذه الاستخدامات هي التّي تضفي معنى على تلك التكنولوجيا. أو بعبارة مغايرة لا يمكن التوقّف عند التكنولوجيا في حدّ ذاتها بل لابدّ من تجاوز ذلك إلى “الممارسات التي تخلّفها وكذا المعاني التي تولّدها، فهي لا تملك قيمة مادّية فحسب ولكن قيمة رمزيّة أيضا”[18].

6- الغشّ في الامتحانات : محاولة في رصد الجذور والآثار:

يعتبر بعض الباحثين المهتمّين بهذه المسألة أنّ “الغشّ في الامتحانات ليس وليد اليوم، بل إنّ تاريخه بدأ مع الامتحانات التّحريريّة”[19]، حيث المُمتحَن مدعوّ إلى الإجابة كتابيّا عن الأسئلة الموجّهة إليه. وبعبارة مغايرة، كان ظهور الغشّ في الامتحانات نتيجة اعتماد الامتحانات المكتوبة، التّي تتطلّب جهدا من نوع خاصّ سواء على مستوى فهم الأسئلة المطروحة أو على مستوى الأجوبة المقدّمة.

ويربط باحثون آخرون الغشّ في الامتحان بتحوّل آخر مهمّ عرفته أنظمة التّعليم في العالم حين انتقلت “من أنظمة لنشر الثّقافة العامّة والتّحصيل المعرفيّ إلى أنظمة تمنح الشّهادات التعليميّة التّي تعدّ رخصة للحصول على مركز أو وظيفة أو على الجاه”[20]. بمعنى أنّ الغشّ في الامتحان جاء نتيجة ظهور الشّهادات العلميّة وارتباطها بالمنزلة الاجتماعيّة أي بالدور الجديد الذي صارت تؤدّيه الشهادة العلميّة في تحديد منزلة الحاصلين عليها، فقد كانت الشهادة عنوان الارتقاء في السلم الاجتماعيّ.

ولظاهرة الغشّ في تونس بعد تاريخيّ، فقد تعرّض الشيخ الطاهر بن عاشور لهذه المسألة في كتابه “أليس الصبح بقريب” عند حديثه عن الإخلال في الامتحانات لدى طلبة جامع الزيتونة، فقال “ومن الإخلال في الامتحانات خلل آخر وهو سوء يقظة المراقبين بسبب اتّخاذ المراقبين من عامّة أعوان دار الشّريعة، وعامّة مستخدمي خزائن الكتب وبيت النظارة بالجامع، فهم لجهلهم لا يتفطّنون لطرق استعانة الممتحنين بعضهم ببعض، ولقلّتهم لا يحيطون بما يقع من الإعانة وبتبادل الأوراق، إذ خمسة أو ستة مراقبين أقيموا لحراسة مائة تلميذ، كانت استعارة التلاميذ بعضهم من بعض للمقالات وقت تحريرها واستصحاب فريق منهم لمقالات سبق تحضيرها أمرا متفاقما، يجمع الممتحنين بيت قد ملئ بغير نظام …”[21]. ويُشير ابن عاشور من خلال هذا الإخلال المتمثّل في استعانة الممتحنين بعضهم ببعض عبر تبادل الأوراق إلى الغشّ في الامتحان والذي أرجعه إلى عدم كفاءة المراقبين، وعدم ملاءمة الفضاء للامتحان، وقلّة عدد المراقبين مقارنة بعدد التّلاميذ. ولكنّ حديث ابن عاشور عن الإخلال يبرز أسبابا ويحدّد أطرافا يمكن أن تُساهم في عمليّة الغشّ بطريقة أو بأخرى وهي أطراف من داخل المؤسّسة التعليميّة.

تبرز شهادة ابن عاشور مسألتين تتّصلان بالغشّ، أولهما تتعلّق بقدم الظاهرة، فهي ليست بالجديدة وليست غريبة عن “تقاليد “الامتحان في تونس، وثانيهما وجود الغشّ في امتحانات جامع الزيتونة، حيث كان التّعليم دينيّا بالأساس. وبما أنّ الدّين يمنع الغشّ في المطلق طبق ما وردفي الحديث النّبويّ “من غشّنا فليس منّا”، فمن العجيب أن يلتبس هذا التعليم بمبدأ. “الغاية تبرّر الوسيلة”، وأن يغدوَ النجاح رهين الاستعانة بالغير وتبادل الأوراق حتّى وإن تعلّق الأمر بامتحان في موادّ دينيّة.

جاء الغشّ في سياق توجّه المؤسّسات التّعليميّة إلى الامتحانات التّحريريّة (الكتابيّة) حيث الإجابات تتطلّب، فضلا عن التّركيز، التأليف بين مجموعة من القدرات مثل الفهم والتّحليل والتّأليف…الخ. كما ظهر الغشّ مصاحبا لتوجّه المؤسّسة التعليميّة إلى إشهاد التلاميذ (منحهم شهادات علميّة). وهو ما يجعل الحرص على النّجاح في الامتحان كبيرا ولا يستثني أيّة وسيلة بما في ذلك الغشّ الذي يتخطّى كلّ الحواجز بما فيها الدينيّة (المقدّسة) مثلما يبرز من خلال امتحانات جامع الزيتونة المشار إليها من قبل الطاهر بن عاشور.

بقي أن نشدّد على العوامل المساعدة على الغش، والتّي من شأنها أن تقودنا إلى الأطراف التّي تسهم في الغشّ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فعدم يقظة المراقبين تشير إلى عدم اختصاصهم وعدم وعيهم بأهميّة الامتحان، وعدم توفّر العدد الكافي من المراقبين مقارنة بعدد التّلاميذ، فكلّ ذلك من شأنه أن ييسّر الإخلال بسير الامتحان. فالامتحان مسؤوليّة ليس فقط بالنّسبة إلى التلميذ المُمتحن وإنّما بالنّسبة إلى كلّ الفاعلين التّربويّين الذين يتدخّلون في الامتحان بطريقة أو بأخرى.

ولعلّ الملاحظة الأخرى التّي تسترعي الاهتمام هي الطبيعة الدّاخليّة للغشّ، فالعمليّة تتمّ في قاعة الامتحان، وبالاستعانة بالتلميذ الآخر وفي غفلة من المراقب، وقد يساعد اكتظاظ قاعة الامتحان على ذلك. فنحن أمام عمليّة غشّ داخليّة بحتة، بمعنى أنّ كلّ الأطراف المتدخّلة فيها هي من داخل المؤسّسة التّعليميّة.

لقد كانت نشأة الغشّ في الامتحان في قاعة الفصل أي بين أسوار المؤسّسة التّعليميّة، ولهذا كانت العقوبات كذلك داخليّة بحرمان المترشّح من النّجاح أو من إعادة الامتحان لفترة زمنيّة وبنقلة المراقب المتهاون إلى مركز عمل بعيد عن مقرّ سكناه (نقلة تعسّفيّة). فالغشّ يتمّ في داخل المؤسّسة التّعليميّة والعقوبات تتمّ في إطار إداري بعيد عن العدالة. وعلى الرغم من تلك الإجراءات العقابيّة، استفحلت ظاهرة الغشّ “وشهدت انتشارا واسعا في صفوف التّلامذة والطلبة بمختلف مراحل التّعليم. وأصبحت ممارسة الغشّ أمرا متداولا في الامتحانات العاديّة، أثناء السنة الدّراسيّة، ثم تعدّى ذلك السّلوك إلى الامتحانات الوطنيّة وبالخصوص شهادة البكالوريا[22]” .

ومّما لاشكّ فيه أنّ وراء انتشار ظاهرة الغشّ عوامل ومسبّبات منها “الرّغبة القويّة في الحصول على درجات مرتفعة لتحقيق القبول في الكليات العالية التي تدفع كثيرا من الطلبة إلى ممارسة الغش في الامتحانات. وكذلك فإنّ ضعف قدرات الطّالب وانخفاض دافعيّته يجعلانه يلوذ بالغشّ كبديل[23]. ويمكن أن تُضاف إلى تلك الأسباب أخرى من قبيل ضغط روزنامة الامتحانات ونظرة التلاميذ لبعض المواد التي يعتبر التّلاميذ أنّها غير أساسيّة في تكوينهم [24]. كما يمكن أن نضيف إلى تلك الأسباب أخرى تتّصل بالمراقبين والمشرفين على الامتحانات…الخ.

ومهما يكن من الأسباب – والتّي سنتعرّض إلى بعضها لاحقا- فإن خطورة الغشّ في الامتحان تكمن في انعكاساته على العمليّة التعليميّة التعلّميّة وعلى الفرد وعلى المنظومة التربويّة بل أيضا على أداء الجامعة والشهادات العلميّة. فعلى مستوى الفرد ينمّي الغش ثقافة الاتّكاليّة وعدم بذل الجهد ويساعد على تفشّي ما عبّر عنه المنصف ونّاس بـ “معضلة تدبّر أمرك كيفما اتّفق سلّكها”[25]. بمعنى أنّ مختلف الوسائل مباحة وهذا يجعل من المدرسة فضاء عاجزا عن إكساب النّاشئة قيما من قبيل العمل والتعويل على الذات والاجتهاد والمبادرة.

ينعكس الغشّ سلبا على صورة المعلّم لدى التّلاميذ بالأساس، فهم وإن وصفوا المعلّم المتساهل في الغشّ ب “الحنين” و “الرّجولي”، فإنّهم لا يعتبرونه قدوة. وهنا تكمن خطورة الغشّ، لأنّ افتقاد المعلّم لصفة القدوة يجعله عاجزا لا عن ترسيخ قيم وسلوكيّات عند التلاميذ فقط بل يغدو غير قادر على نقل المعارف. بعبارة أخرى يسهم التّساهل في عمليّات الغشّ في هزّ صورة المعلّم ومن ثم في اهتزاز مكانته الاجتماعيّة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك بعض السلوكيّات الأخرى التّي يأتيها بعض المعلّمين من قبيل التحرّش الجنسيّ ومن قبيل الرّبط بين الدروس الخصوصيّة والأعداد، سنتبيّن خطورة انتشار بعض الظواهر التّي ستؤثّر سلبا في صورة المعلّم القدوة، هذا دون أن ننسى أنّ “التحوّلات التّي عرفها المجتمع وخياراته التّنمويّة أدّت إلى ظهور فئات جديدة وأفول دور فئات أخرى قديمة ومنها المعلّمون” [26]. فـ “بمرور الزمن بدأت صورة المعلّم (المربّي) تخترق بتضمينات سلبيّة لدى الرأي العام المحلّي. ولم يعد مطمح الصّغار أن يصبحوا معلّمين وأساتذة (رمز السّلطة، والاحترام والوقار، والأناقة…) كما تقهقر نموذج “العريس المعلّم” عند الفتيات لصالح “العريس المحامي” و “العريس الطبيب” ثم “العريس التّاجر” وقس على ذلك “العريس المهاجر”[27]. فالتّساهل في الغشّ يعمّق من تدهور صورة المعلّم في المجتمع، والتّي هي اليوم ليست على درجة عالية من الاحترام.

أمّا على مستوى المؤسّسة التّعليميّة، فلا يبدو تأثير الغشّ أقلّ خطورة عمّا هو عليه لدى الفرد المتعلّم أو لدى المعلّم. فالمدرسة موكول إليها مهام عديدة منها التنشئة السّليمة للأطفال. فإذا انتشر الغش واستباح الغشّاشون لوائح المدرسة انعكس ذلك سلبا على أداء المدرسة لرسالتها، ويؤدّي ذلك الى مشاكل نفسيّة عند الكثيرين من المتعلّمين بسبب التّضارب بين القيم التّي تنشد المدرسة ترسيخها لدى التلاميذ وبين الواقع اليوميّ الذي تشقّه ممارسات على النّقيض تماما من تلك القيم. بمعنى أنّ انتشار الغشّ في المدرسة يفقدها القدرة على تجذير القيم الإنسانيّة الكبرى لدى النّاشئة، هذا فضلا عن كونه يفقد الشهادات العلميّة التّي تمنحها تلك المؤسّسة قيمتها، بعد أن تتراجع قيم الجدارة والاعتماد على الذات والمثابرة لصالح قيم “دبّر رأسك” “تصرّف” “سلّكها”.

وعلى الرّغم من كلّ هذه الآثار السلبيّة للغشّ في مختلف مكوّنات العمليّة التّعليميّة التعلّميّة، يظلّ الغشّ كابوسا يتهدّد امتحان شهادة البكالوريا (الثانويّة العامة)، لذلك تشتدّ المراقبة ويتمّ تجنيد مختلف الفاعلين التّربويّين لضمان حسن سير ذلك الامتحان، وهو ما يوجب التأمّل بعمق في هذه الفرادة التّي تمنح لامتحان البكالوريا ولمقاومة الغشّ.

7- الغشّ في البكالوريا: التكنولوجيا الحديثة توسّع الفضاء وتزيد من عدد الأطراف المتدخّلة فيه:

في كلّ سنة ومع اقتراب امتحان البكالوريا (الثانويّة العامة) تشتدّ حمّى المحافظة على نقاوة ذلك الامتحان من كلّ الشوائب ولاسيّما من الغش. لذلك يشدّد المسؤولون في وزارة التربية على حسن الاستعداد لهذا الامتحان واتّخاذ مختلف التّدابير والإجراءات الكفيلة بأن يجري بسلاسة وفي ظروف طيّبة تتساوى فيها حظوظ جميع المترشّحات والمترشّحين. وفي مقابل استعدادات الأطراف الرّسميّة التّي تكاد تجعل نجاح الموسم الدّراسيّ رهين نجاح امتحان البكالوريا، يبدأ بعض المترشّحين وبعض مناصريهم الاستعداد للغشّ الذي شهد في السنوات الأخيرة تناميا ملحوظا وتطوّرا في استخدام التكنولوجيات الحديثة حتّى أنّ هذه الأخيرة أحدثت نقلة نوعيّة في الغشّ تتمثّل في ظهور روافد له من خارج أسوار المدرسة وتوسيع دائرة المشاركين فيه وهما مسألتان سنوضحهما لاحقا.

وما لاشكّ فيه، أن الغشّ في البكالوريا مسألة مركّبة ومتعدّدة الأبعاد، ولذلك اخترنا في هذه الدّراسة تناولها عبر التّركيز على عناصر نقدّر أنّها تساعد على فهم الظاهرة وتفسيرها كما تحفّز على الاستمرار في البحث فيها. وهذه العناصر هي الآتية:

  • البكالوريا ومنزلتها في المخيال الجماعيّ؛
  • البكالوريا وإشكالية التّقييم؛
  • البكالوريا ومسألة أخلاقيّات استخدام التكنولوجيات الحديثة؛
  • البكالوريا واختلال منظومة القيم في المجتمع التونسيّ.

7-1- البكالوريا و صورتها في المخيال الجماعيّ:

يشكّل اجتياز امتحان البكالوريا حدثا مميّزا تستعدّ له العائلات التونسيّة والمغاربيّة استعدادا خاصّا. فمنذ بداية العام الدّراسيّ تعمل الأسر على تمكين بناتها وأبنائها من الدروس الخصوصيّة حتّى وإن كان ذلك الأمر مكلفا ومرهقا لميزانيّة الأسرة. وتتجلّى من خلال ذلك الحرص على الدّروس الخصوصيّة صورة البكالوريا باعتبارها امتحانا حاسما ومحدّدا لمسار التلميذ(ة).

لا تقتصر استعدادات الأسر على تمكين التّلاميذ من الدّروس الخصوصيّة بل تتجاوز ذلك إلى توفير ظروف ملائمة للمراجعة في البيت (الهدوء، الأكل، القهوة…). وتبذل الأمّهات في هذا الإطار جهدا كبيرا لتوفير كلّ ظروف الدّراسة بالبيت للمترشّح (ة) لامتحان البكالوريا. كما تبدي تلك الأسر تساهلا كبيرا مع بناتها خاصة خلال فترة التحضير للامتحان فتسمح لهن بقضاء الليل عند صديقاتهن والمبيت خارج المنزل وذلك تشجيعا وتحفيزا لهنّ على حسن الإعداد للامتحان.

تكشف هذه الاستعدادات وغيرها عن صورة امتحان البكالوريا والهالة التّي تُضفى عليه، والتّي تجعل حالة الاستعداد في البيوت أقرب إلى حالة الاستنفار التّي يجنّد فيها الجميع خدمة للمترشّح (ة) لذلك الامتحان. بل إنّ الأمر قد يدفع البعض إلى القيام بسلوكيات غريبة مثل اللّجوء إلى العرّافات أو إلى أئمة المساجد والرّقاة طلبا للبركة …الخ[28]. بمعنى ثانٍ تعكس استعدادات مختلف الأطراف (الوزارة- المؤسّسات التعليميّة- الأسر- التلاميذ…) هالة تمّ إضفاؤها على امتحان البكالوريا. وقد دخلت وسائل الإعلام منذ سنوات على الخطّ، وبادرت إلى تخصيص حصص إذاعيّة و تلفزيّة تتمّ خلالها استضافة مختصّين في علم النّفس وعلم الاجتماع ومربّين وكذلك أولياء للحديث عن كيفيّة حسن الاستعداد لامتحان البكالوريا وتقديم النّصائح التّي تيسّر للمترشّحين والمترشّحات عمليّة اجتياز الامتحان. ولئن تحوّلت تلك الحصص الإعلاميّة في غالب الأحيان إلى حوارات مع أولياء المترشّحين أكثر منه مع المترشّحين أنفسهم، فإنّها ضاعفت من الهالة المضفاة على امتحان البكالوريا والتّي جعلته في المخيال الجماعيّ امتحانا مصيريّا.

تسترعي مختلف الاستعدادات الانتباه لأنها تعكس منزلة ذلك الامتحان في المخيال الجماعيّ. فهو امتحان مصيريّ، أهمّ بكثير من كلّ الامتحانات التّي سبقته بل إنّه ينسخ نتائجها، إذ لا تبقى في الذاكرة الجماعيّة إلا نتيجة البكالوريا، ومعدّل البكالوريا والتوجيه المترتّب عن ذلك المعدّل. وفي سياق تلك الصّورة التّي رُسمت للبكالوريا بدأت الاحتفالات بالحصول على تلك الشهادة توصف بفرحة العمر[29]، وهي الصفة التّي تطلق في تونس على فرحة الزّواج كذلك. وقد أخذت الفرحة بالحصول على البكالوريا “شكلا خرافيا بالنسبة إلى البعض لا ينساه كلّ من حضرها، إذ لم تعد المفرقعات والزغاريد لوحدها تكفي بالنسبة إلى الأولاد والبنات. وفي بعض الأحيان تتخطّى الفرحة جدران البيت لتستقرّ في أفضية تؤجّر للغرض، أو يتمّ اللّجوء في أحيان أخرى إلى أفكار مبتكرة كتنظيم مأدبة عشاء على الشّاطئ أو الغابة أو اختيار موقع ذي شهرة عالمية حتّى إن كلّفهم الأمر مساهمة بين أكثر من شخصين ناجحين[30]“.

هكذا يتحوّل النّجاح في البكالوريا إلى مناسبة احتفاليّة كبرى تتطلّب إمكانيّات ماديّة لا يستهان بها، كما يفتح بابا للمنافسة بين العائلات لا سيّما الموسرة منها في إقامة حفلات النّجاح وفي نوعيّة الهدايا المقدّمة التّي قد تكون لدى بعضهم هاتفا محمولا من آخر طراز، ولدى قلّة من الميسورين سيّارة. وبهذا تكون الهالة التي تضفى على امتحان البكالوريا عامل ضغط على المترشّحات والمترشّحين لاجتيازه. وعليه لا يتردّد بعض منهم في ركوب المخاطرة للنّجاح. فللمسألة صدى اجتماعيّ أكثر منه تعليميّ وتربويّ. ولهذا إذا كان النّجاح سيؤدّي إلى تلك الاحتفالات وإلى هدايا باهظة الثّمن فلا غرابة أن يؤدّي الفشل إلى انتكاسة نفسيّة بل وإلى ردّة فعل عنيفة قد تصل في حالات نادرة إلى الموت[31].

رُسمت لامتحان البكالوريا إذن صورة جعلت النّجاح فيه أمرا يستوجب التّكريم، فكانت النتيجة أن بات الفشل فيه أمرا مخيفا يعمل الجميع على تفاديه بشتّى الطرق. بمعنى أنّ الصّورة التّي رسخت في الذاكرة الجماعيّة للمغاربة عامّة وللتونسيّين خاصّة هي صورة تجعل امتحان البكالوريا يستدعي حسن الاستعداد ولكنّه يتطلّب أيضا ركوب المخاطر بالنسبة إلى البعض، وهنا يتأتّى الغشّ. فعلى الرّغم من مخاطره، لا يتردّد الكثير من المترشّحين في اللّجوء إليه سعيا منهم لتحقيق التفوّق في ذلك الامتحان “المصيريّ” الذي يتوّج مسارا طويلا ويرسم خطوط المستقبل باعتبار ارتباطه بالتّوجيه الجامعيّ، فيكون الغشّ بذلك تعبيرا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن تفاعل التّلاميذ مع هالة أضفيت على البكالوريا وصورة لها رسخت مع الزمن في الذاكرة الجماعيّة.

7-2- الباكالوريا ومسألة التّقييم:

يقول الباحث المغربيّ محمّد الشهب “… ومن خلاصات الملفّ أنّ عمليّة الغشّ تحوّلت إلى سلوك رسميّ لدى عدد من التّلاميذ، سلوك ينمّ عن قيمة أخلاقيّة تعتبر الغشّ حنكة ويقظة…، وهكذا أصبح التلميذ يعتبر أنّ الغشّ وممارسته حقّ يجب الدّفاع عنه والدّخول في مواجهات صريحة ضد من يريد أن يحرمه من ممارسته…أمّا عن أسباب الظاهرة فيرجعها الملف- أساسا- إلى نظام امتحانات الباكالوريا، وبالخصوص إلى طبيعة هذا النّظام الذي يختزل كلّ العمليّة التّعليميّة في الامتحانات ويهمّش الجوانب التربويّة والمعرفيّة والتكوينيّة للتلميذ”[32].  ويستوقفنا الجزء الأخير من هذا الشّاهد الذي يقدّم تفسيرا لانتشار ظاهرة الغشّ في كونها تعود إلى نظام امتحان البكالوريا الذي يختزل العمليّة التعليميّة- التعلّميّة والتربويّة في بعد واحد ألا وهو الامتحان.

وبشيء من التّفصيل، نقول يُجرى امتحان البكالوريا في أيّام معدودات (ستّة أيّام)، ووفق روزنامة يتمّ ضبطها منذ بداية العام الدّراسي، ووفق تراتيب تحوّلت في أغلبها مع مرور الوقت إلى نوع من العرف الذي يحكم عمليّة سير ذلك الامتحان. ولكنّ هذه الخصوصيّة لا ينبغي أن تخفي عنّا خاصيّة جوهريّة لهذا الامتحان الوطنيّ ألا وهي أنّه يتوّج مسيرة امتدّت على سنوات وفي ذات الوقت يرسم ملامح المستقبل لما له من علاقة وطيدة وقويّة بالتّوجيه الجامعيّ. ومن هذه الخاصيّة نتبيّن أهميّة تلك الأيّام المحدودة في إيجاد نوع من التّمفصل بين الماضي (المسار الدراسيّ) والحاضر (لحظة البكالوريا) والمستقبل (التّعليم الجامعيّ). فتصبح تلك الأيّام المعدودات حاسمة في تحديد مصير التلميذ (ة).

يبدو جليّا من خلال اختزال عمليّة التّقييم في أيّام محدودة أنّ الغاية هي تقييم معارف لا غير بمعنى أن التّقييم في هذا الامتحان الوطنيّ الذي يتوّج مسارا تعليميّا لا يلامس إلا الجانب المعرفيّ (تعلّم لتعرف) ولا يولي اهتماما كبيرا لباقي مكوّنات العمليّة التعليميّة- التعلّميّة والتّربويّة التّي هي متعدّدة الجوانب. ويكفي أن نذكّر في هذا السّياق بالأبعاد التّي حدّدتها اليونسكو في تقريرها المعنون: التعليم ذلك الكنز المكنون، تعلّم لتعرف، تعلّم لتعمل، تعلّم لتكون، تعلّم لتشارك الآخرين[33]. وبعبارة أخرى، يتّسم امتحان البكالوريا بكونه يركّز على تقييم مكوّن المعارف لا غير، وهو بالتّالي يهمّش البعد التربويّ والتّكوينيّ. ولعلّ الملاحظة الأبرز في هذا الإطار هو أنّ نتائجه معزولة عن نتائج مسار دراسيّ طويل بذل فيه التلميذ(ة) جهودا كبيرة، ليصبح ذلك الامتحان لحظة مميّزة في الحكم على مسار لا تؤخذ فيه النّتائج السّابقة بعين الاعتبار. وهنا يبدو من الوجيه التّساؤل عمّا إذا كان من المنطقيّ أن تحسم أيّام معدودات مسارا امتدّ على سنوات وتحدّد معالم مستقبل؟

تختزل التّراتيب المنظّمة لامتحان البكالوريا مسيرة دراسيّة في أيّام معدودات، ولا تركّز إلا على مكوّن واحد من مكوّنات العمليّة التعليميّة- التعلّميّة والتربويّة، فتعطي للبكالوريا معنى الامتحان وليس معنى التّقييم، وهو معنى مفارق للمقاربات البيداغوجيّة الموجّهة للفعل التّربويّ والتّي تنتصر إلى التّقييم على حساب الامتحانات. بمعنى أنّ القائمين على الشأن التّربويّ لم يتخلّصوا بعد من سلطة الامتحان. وبتعبير مغاير، لا يزال امتحان البكالوريا سجين علم الامتحاناتla docimologie بمعناه التقليديّ، حيث ينصبّ الاهتمام على العلامات والتنقيط[34].

يضفي هذا المعنى على امتحان البكالوريا صفة الامتحان المخصّص لترتيب التلاميذ بناء على العلامات المتحصّل عليها خلال هذا الاختبار لا غير، ومن ثم توجيههم إلى شعب محدّدة تنسجم بالأساس مع النّقاط المتحصّل عليها، فلا تتمّ مراعاة رغبات المترشّحين ولا حتّى تثمين مجهوداتهم التّي بُذلت في سنوات سابقة والتّي يُفترض أن تؤدّي دورا في رسم مستقبلهم التّعليميّ كما الاجتماعيّ. وعليه لا يخلو امتحان البكالوريا من حيف بإنكاره لما سبقه من امتحانات، وهو ما يدفعنا إلى التّساؤل عمّا إذا كان الحرص على إنجاز ذلك الامتحان في نفس الظّروف بالنسبة إلى كلّ التّلاميذ المعنيّين كافيا لضمان تكافؤ الفرص بينهم؟ إنّنا نعتقد أن حسن تنظيم امتحان البكالوريا عنصر أساسيّ من مجموعة عناصر تضمن تكافؤ الفرص. بمعنى أنّه طالما كانت طريقة تنظيم الامتحان تركّز على مكوّن المعارف -الأمر الذي أفضى إلى انتشار الدّروس الخصوصيّة حتّى أنّ الكثير من التّلاميذ يفضّلون عدم الحضور في الفصل والانتظام في حضور الدّروس الخصوصيّة[35]-. فإنّه لا يعدّ محطّة تقييميّة شاملة، لأنّ هذه الدّروس في حدّ ذاتها مصدر من مصادر انتهاك مبدأ تكافؤ الفرص، نظرا لأنّها وثيقة الصلة بمعطيات عديدة لعلّ أهمّها الموقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ للوليّ.

يثير اختزال هذا الامتحان لمسار دراسيّ وتحديده لمستقبل التلميذ (ة) أسئلة كثيرة في ذهن التّلاميذ الذين سيجتهدون في البحث عن سبل رفع التحدّي الذي يطرحه؛ وهنا يبرز الغشّ خيارا بالنسبة إلى عدد منهم. وهو ما يعني أنّ نظام الامتحانات حامل لثغرة رئيسيّة هي تركيز اهتمام المتعلّمات والمتعلّمين على النّجاح أكثر منه على التّكوين وخاصة التكوّن الذاتيّ l’autoformation فيكون السعي إلى النّجاح حثيثا، ومعه تتحوّل الدّروس الخصوصيّة إلى عمليّات بيضاء يتدرّب خلالها التّلاميذ على أنواع من التّمارين. وكلّما تتالت التّمارين وكثرت ضمن التلميذ (ة) فرصا أكثر في النّجاح، وهنا تبرز إشكاليّة أخرى لا تقلّ خطورة عن تغييب البعدين التّربويّ والتّكوينيّ ألا وهي إشكاليّة التّفكير والمبادرة إلى إيجاد الحلول بدل تطبيق تمشيّات جاهزة يعتمدها المتعلّم عندما يكون في وضعيّة معيّنة، وإزاء مسألة معيّنة. أليس في طريقة تنظيم الامتحان، حينئذ، ما يهمّش القدرة على الإبداع والتّفكير بحرّية ويضعف الثّقة في النفس؟

ضمن هذا السياق الذي يعطي الحظوة للمعارف ولتطبيق تمشيات وطرائق تمّ التدرّب كثيرا على استخدامها يجد بعض التّلاميذ أنفسهم في وضعيّة التّفكير في بدائل من بينها الغشّ. بمعنى أنّ التفكير في تحقيق النّجاح وتجنّب الإهانة التّي تلحق بالفاشل (عند الامتحان يكرم المرء أو يهان)، تفرض على عدد من التّلاميذ التّفكير في سبل تجنّب الإهانة -خاصّة أمام الهالة التّي أضفيت على امتحان البكالوريا- فيكون الغشّ من البدائل المطروحة.

يتحوّل امتحان البكالوريا، إذن، إلى عامل ضغط على التلميذ(ة) لأسباب متعدّدة كنّا أشرنا إلى بعض منها، وبذلك يصبح هاجس المتعلّمات والمتعلّمين البحث عن سبل الخلاص من هذا الضغط، ومن خلال ذلك تجنّب الإهانة خاصّة أمام الاستعدادات التّي تبديها الأطراف المختلفة المتدخّلة في هذا الامتحان، وأمام الأهميّة القصوى التّي تحظى بها نتائجه ومنها تحكّمها في مصير التلميذ(ة). ومن هنا يكون لمنطق التّقييم المعتمد في امتحان البكالوريا تأثير في أنماط ردّات فعل التّلاميذ نحوه.

7-3- البكالوريا واستخدام التكنولوجيات الحديثة:

اتّسم الغش في امتحان البكالوريا في السّنوات الأخيرة بدخول معطى جديد ألا وهو استخدام التكنولوجيات الحديثة في الغشّ في البكالوريا. وقد أسهم ذلك في بروز فاعلين جدد في عمليّة الغشّ، منهم من يروّج تلك التكنولوجيات ومنهم من يقدّم الأجوبة بمقابل…الخ. وضمن هذا الإطار جاء في موقع موزاييك fm بتاريخ9/6/2022 (17:14) وتحت عنوان “الغشّ تجارة” ما يأتي: “تمكّنت الوحدات الأمنيّة من القبض على شبكة مختصّة في الغشّ في امتحانات البكالوريا تنشط بين تونس والقصرين وسيدي بوزيد، ومن بينهم مزوّد يبيعهم المعدّات اللاّزمة من أجهزة لا سلكيّة وسمّاعات ذات تكنولوجيا متطوّرة. وتمّ إثر ذلك نصب كمين محكم لهم بالطريق الوطنيّة الرّابطة بين تونس والقصرين. وكان المزوّد على متن شاحنة خفيفة رفقة 4 أشخاص آخرين بحوزتهم 6 أجهزة لاسلكيّة و10 سمّاعات ذات تكنولوجيا متطورة و100 بطارية متطوّرة لا يتجاوز قطرها 1 مم. واعترف المظنون فيهم أنهم قاموا باقتناء هذه المعدّات من شخص يقطن في مدينة فريانة بولاية القصرين مقابل 450 دينارا للجهاز الواحد ثم يقومون ببيعه بـ 600 دينار فيما يتمّ تمكينهم من الإجابة على الامتحانات بمبلغ جملي قدره 1200 دينارا”.

ويبرز هذا الخبر تحوّلا في عمليّات الغشّ على مستويات عدّة منها:

  • تحوّل أدوات الغشّ إلى نوع من أنواع التّجارة الممنوعة؛
  • انتقال عمليّة الغشّ من الفضاء التّربويّ – المدرسيّ (قاعة الامتحان…) إلى خارجه حيث تقديم الإجابة بمقابل ماليّ، وهذا ضرب آخر من ضروب التّجارة ودليل على أنّ للغشّ امتدادا في المحيط السوسيو-اقتصاديّ للمدرسة.
  • دقّة التكنولوجيا المعروضة وصغر حجمها بما ييسّر للتّلاميذ استخدامها في الامتحان، وهو ما بفصح عن تحوّل نوعيّ في أدوات الغشّ ووسائله،
  • تحوّل مسألة الغشّ إلى مسألة أمن وطنيّ، حيث الأمن يلاحق المروّجين لهذه التكنولوجيا ويعمل على تقديمهم للقضاء؛
  • تعدّد الأطراف التي باتت تساهم في عمليّة الغشّ وتنوّعها، وهذا مؤشّر على نوع من الاستهتار بقيمة الشهادات العلميّة.

وعلى هذا الأساس تكون التكنولوجيات الحديثة قد وسّعت من دائرة المعنيّين بالغشّ على أكثر من مستوى؛ الأمر الذي يعكس تحوّلا خطيرا في عمليّة الغشّ في امتحان البكالوريا. خاصّة أمام تواتر أخبار عن استخدام بعض المترشحات والمترشحين لهذه الوسائل مستفيدين من اللّباس أحيانا[36] ومن القدرة على وضعها في الأذن على الرّغم من المخاطر التّي تحملها حيث جاء في صحيفة القدس العربيّ بتاريخ 24 يونيو 2022 وتحت عنوان “المغرب: مظاهر سلبيّة مرتبطة بامتحانات الثانويّة العامة واتّحاد جمعيّات الطلبة يشتكي للصحافة أنّ ” أحد الطلاب المرشحين لامتحانات الثانويّة العامّة نُقل من مركز الامتحان في مدينة فاس إلى قسم المستعجلات في المستشفى المحلّي، وذلك بعد شعوره بآلام شديدة في أذنه مباشرة بعد التوصّل بورقة الامتحان على إثر انحشار سمّاعة دقيقة تستعمل في الغش بداخل أذنه.

وقال مصدر إن هذا الحادث تسبّب في حالة استنفار لإدارة التّعليم والسّلطة الأمنيّة المختصّة، في الوقت الذي فتح فيه تحقيق في الموضوع حيث تبيّن من خلال المعطيات أن الطّالب المعنيّ كان يرغب في ممارسة الغشّ باستعمال سماّعة دقيقة في أذنه، إلاّ أنّ هذه السّماعة ونظرا الى صغر حجمها الذي يقارب حبّة عدس نفذت إلى عمق الأذن لتستقرّ هناك وتتسبّب للمعني في ألم وصداع شديدين.

وأضافت الصحيفة ذاتها أن الكوادر الطبيّة تدخّلت على الفور من أجل محاولة إسعاف الطّالب وإخراج تلك السمّاعة الدقيقة التي استقرّت بداخل أذنه فيما استمعت الإدارة الأمنيّة بعد هذه العمليّة إلى الطّالب بهدف الحصول منه على أدقّ التّفاصيل والملابسات المرتبطة بهذه القضيّة ومحاولة الوصول إلى مصدر هذه السماعة التّي تعتبر من أدوات الغشّ الممنوعة، وذلك قصد توقيف مروّجها وإحالته إلى المحاكمة”. وهو ما يبرز دخول أطراف أخرى منها الأطباء الأمر الذي يقودنا إلى الجدل الذي عرفته تونس بعد إشارة وزير التربية إلى إمكانيّة تورط بعض الأطباء في وضع سماعات في آذان مترشحين عبر عمليّة جراحيّة بسيطة، وهو الأمر الذي رفضته عمادة الأطباء التّي نفت تورّط هذا السلك في عمليّات من هذا القبيل مشدّدة على استعدادها لمعاقبة كلّ من يتورّط من الأطباء في هذه الأمور[37].

لقد أصبح الغشّ في امتحان البكالوريا أكثر تعقيدا، وباتت أطرافه متعدّدة، فلم يعد التّلاميذ ومراقبوهم المسؤولين وحدهم عن عمليّات الغشّ بل انضمّ إليهم أولياء بل ومعلّمون أي أفراد كان ينتظر منهم أن يحفّزوا أبناءهم على العمل والاجتهاد. بمعنى أنّه عند الحديث عن الغشّ باستخدام التكنولوجيات الحديثة المتطوّرة نحن نثير بالضرورة مسألة تتجاوز التلميذ (ة) إلى أطراف أخرى. وفي هذا الإطار ذكر موقع أنباء تونس Kapitalis أنّه “إثر توفّر معلومات تفيد باستعمال تلميذة لهاتفها الجوّال داخل قاعة القسم أثناء اجتياز امتحان البكالوريا واستغلاله في الإجابة على الاختبار، تولّت فرقة الأبحاث والتفتيش التابعة للحرس الوطني في القصرين يوم أمس البحث في الموضوع وإجراء عمليات فنيّة ليتبيّن أنّ معلم ابتدائي مباشر، يتولّى إرسال إجابة الاختبار للتلميذة.

وتمكّنت فرقة الأبحاث والتفتيش التابعة للحرس الوطني في القصرين بعد نصب كمين محكم من إلقاء القبض على المعلّم، وأذنت النيابة العمومية، باستشارتها، بالاحتفاظ بالمعلم ومباشرة الأبحاث في شأنه واتّخاذ الإجراءات القانونيّة اللاّزمة حسب ما أوردته إذاعة “اكسبرس أف أم” اليوم السبت 11 جوان 2022[38]“.

يبدو الأمر مثيرا للانتباه لأنّ الشريك في الغشّ معلّم، أي شخصيّة خبرت الامتحانات وتثمّن قيمتها في المسار الدّراسي للتلميذ(ة). ولكن الأمر لا يقتصر على أهل التّعليم – على أنّ مشاركتهم في الغشّ تعدّ في اعتقادنا الأخطر- بل تشمل كذلك الأولياء، فقد أورد موقع العين الإخباريّة أن “محكمة غرداية (جنوب الجزائر) قضت بوضع سيّدة في الحبس المؤقّت لقيامها بمساعدة ابنتها على الغشّ أثناء اجتيازها مادّة التّاريخ والجغرافيا لنيل شهادة التّعليم المتوسّط بالتّواصل معها بالهاتف النّقال[39]“.

ولا تقتصر الأطراف المشاركة على الأطراف المشار إليها أعلاه، فقد ذكرت صحيفة مغربية أنّ رئيس جماعة محليّة ضبط في حالة غشّ[40]، كما أنّ تونس شهدت سنة 2014 “صدور مذكرات توقيف بحق أكثر من 20 تونسيا بتهمة استعمال الغشّ بالهواتف الجوّالة في امتحان البكالوريا (الثانويّة العامة) الذي يتأهّل الناجحون فيه إلى التّعليم العالي، بحسب ما أعلنت مصادر قضائيّة اليوم الأربعاء (11 يونيو/ حزيران 2014) [41]“.

ويكشف تعدّد الأطراف المشاركة في عمليّة الغشّ عن التحوّل الكبير الذي أحدثته تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في الغشّ في البكالوريا، ولربّما في امتحانات أخرى. فقد تعدّدت الأطراف المساهمة فيه، واتّسعت دائرة الغشّ ولم تعد مقتصرة على الفضاء المدرسيّ. وعليه بات الأمر أكثر خطورة، لأنّه صار يعكس ثقافة فرعيّة بدأت في الانتشار محورها “دبّر راسك”.

وتثير النّتائج المترتّبة عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال المتطوّرة في عمليّات الغشّ في البكالوريا مسألة في غاية الأهميّة ألا وهي أخلاقيّات استخدام تلك التكنولوجيا. بمعنى أن اكتساح تلك التكنولوجيا اليوم لجميع جوانب حياتنا صار واقعا وحقيقة لا يمكن التغاضي عنهما ولا التنكّر لهما، حتّى أنّ المجال الخاصّ تقلّص بشكل لا نظير له في تاريخ البشريّة حيث باتت الحياة الشخصيّة والحميميّة للأفراد مهدّدة، فالجميع يُصوِّر ويُصوَّر، ولا أحد في مأمن من أن تلتقط له صور وتنشر على مواقع التّواصل الاجتماعيّ بعلمه أو دون علمه، بل إنّ من الصّور ما بات مصدر ابتزاز واستغلال. فقد بلغ استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال درجة الهوس، وصار مكوّنا من مكوّنات الحياة اليوميّة للإنسان بشكل عام، ولبعض الشرائح العمريّة مثل الشباب، ومع ذلك لا يمكن أن يعتبر الغشّ في الامتحانات بتوظيف هذه التكنولوجيات مسألة ترتبط بسوء توظيف تلك التكنولوجيا لا غير. ولكن في المقابل لابدّ من الإقرار بأنّه، بقدر الأهميّة المتزايدة لهذه التكنولوجيّات في حياتنا، فإنّها تثير أسئلة تتّصل بأخلاقيّات استخدامها وذلك ليتمّ تفادي توظيفها بصفة سلبيّة في حياتنا عامّة وفي امتحاناتنا المدرسيّة والجامعيّة خاصّة.

لقد كشف الغش في امتحانات المرحلة الثّانويّة في السنوات الأخيرة تطوّرا كبيرا في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تُوظّف تلك التكنولوجيا في تجويد التّعليم والتعلّم وفي تحسين المكتسبات والتّحصيل. ولكنّ تلك التكنولوجيا تحوّلت من وسائط ميسّرة للتعلّم ومن وسائل للتعلّم عن بعد بما يعنيه ذلك من قدرة على جسر الفجوة بين المتعلّمين المنحدرين من أوساط اجتماعيّة متباينة، إلى وسيلة من وسائل الغشّ والتّخطيط للغشّ في الامتحان، وفي ذلك دلالة كافية على انحراف استخدام شرائح واسعة من المجتمع لتلك التكنولوجيا بعد أن صار شعار “الغاية تبرّر الوسيلة” مهيمنا في كثير من المجتمعات، الّتي تشهد تنامي نزعات الأنانيّة وحبّ الذّات وهوس الرّبح.

ضمن هذا السّياق يعكس الغشّ في الامتحانات وباستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال ثقافة “الغاية تبرّر الوسيلة” التّي يمكن أن تساعدنا على فهم ظواهر عديدة لعلّ أبرزها تضخّم حجم القطاع الموازي في الاقتصاد التّونسيّ. فالمهمّ هو النّجاح أو تحقيق الرّبح بأقلّ جهد ممكن. ولا غرابة فيأن تصبح التكنولوجيات الحديثة وسيلة من بين سائل مختلفة يمكن أن تستخدم للغش بل لتحقيق الرّبح (عبر البيع أو من خلال تقديم الأجوبة). ألا تستعمل تلك الوسائط وغيرها من قبيل وسائل الإعلام في الإشهار وفي الدّعاية مع ما يشتمل عليه هذان الفعلان من مبالغة وتهويل بل من مغالطة. فالوسائل التكنولوجية في هذه الحالة لا تعدو أن تكون وسائط في استراتيجيّات وضعها وحدّدها فاعلون لهم غاياتهم وأهدافهم.

انحرف المتعلّمون بالتكنولوجيات الحديثة وحادوا بها عن مهامّها الأصلية التّي تتنزّل في سياق تيسير التعلّم وتذليل صعوبات التعلّم التي كثيرا ما وقفت حاجزا أمام الكثيرين ومنعتهم من مواصلة مسارهم التعليميّ. لكن تلك التكنولوجيا حوّلت المتعلّمين إلى مراهنين، فاستخدامها في الغشّ عمليّة مخاطرة قد تُفضي إلى النّجاح كما قد تؤدّي إلى الفشل والعقوبة المشدّدة التي تمنع صاحبها من إجراء اختبار الثّانويّة العامّة (الباكالوريا في تونس) مدّة 5 سنوات مثلا، بل قد تزجّ ببعض المشاركين في العمليّة في السّجن.

إنّ الحاجة تبدو ماسّة وملحّة لتوطين أخلاقيّات استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال الحديثة والمتطوّرة لدى مختلف شرائح المجتمع وخاصّة منهم الصّغار والشّباب. فالتّشبّع بالأخلاقيّات أي بالمعايير الأخلاقيّة الموجّهة لاستخدام تلك التكنولوجيا يساعد على تفادي توظيفها في الغشّ في الامتحانات وفي انتهاك خصوصيّات البشر. بمعنى أنّ الإقبال اليوم على تلك التكنولوجيات يصحبه جهل بأخلاقياتها أو تجاهل لتلك الأخلاقيّات الأمر الذي جعل توظيفها في الغشّ لا يلقى صدّا من أطراف عديدة، بل على العكس من ذلك انبرى البعض ساعيا إلى الاستفادة من تلك التقانة.

ليست التكنولوجيات الحديثة صناعات بريئة ولا صناعات خبيثة، وحده الإنسان الذي يستخدمها بالطريقة التّي يراها مناسبة. وعليه بات من الضّروريّ الأخذ بعين الاعتبار في عمليّة إدماج تلك التكنولوجيات في عمليّة التّعليم والتعلّم ما هو أعمق بكثير من البعد التّقنيّ، إنّه البعد الأخلاقيّ للاستخدام وذلك حتّى يتمّ الحدّ – ولو بقدر – من الاستخدامات السلبيّة. ولكن هذا لا يعني التخلّي عن الإجراءات القانونيّة ولا عن حملات التوعية التّي ينبغي أن تكون مستمرّة وغير مناسباتيّة. فالتّوعية بأخطار الاستخدام السّلبيّ لتلك التّكنولوجيا الحديثة مهمّة طالما امتدّت على فترة زمنيّة طويلة، وطالما اتّسعت وشملت فئات أوسع، وطالما شارك فيه فاعلون معنيّون وفي حالتنا هذه التّلاميذ.

لا يمكن اعتبار التكنولوجيا الحديثة المتطوّرة، في حدّ ذاتها، عاملا محفّزا على الغشّ في البكالوريا، لكن مع ذلك لا يمكن إنكار التحوّل الذي أحدثته في عمليّات الغشّ وخاصّة على مستوى الأطراف المتدخّلة، الأمر الذي يستوجب بالأساس مقاربة أخرى لتوطين تلك التكنولوجيات في مجتمعاتنا، مقاربة تستند إلى التوعية وتجاوز الطابع التّقني لتلك الوسائط حتّى لا تختزل في بعد واحد من أبعادها.

أوجد الإنسان الوسائط التكنولوجية لتيسّر له الحياة الجماعيّة وتقلّص من تأثير الجغرافيا والزمان على حدّ سواء، لكن تلك الوسائط صارت مصدر قلق، لأنّه كان يفترض أن تساعد على كسر الفجوة بين مختلف الشرائح الاجتماعيّة ولكنها وسّعتها. وكان يفترض أن تُوجد حلولا لمشاكل، فأضحت تخلق مشاكل أخرى معقّدة، تطيح بأعرق مؤسّسة اجتماعيّة أوجدها الإنسان لنقل منظومة القيم من الأجيال الراشدة إلى تلك الأقلّ نضجا حسب ايميل دوركايمE. Durkheim. ومن هنا يكون من الضروريّ الاشتغال على توطين تلك الوسائط ضمن منظومة قيم تؤطّر استخدامها وتوجّهه نحو ما هو إنسانيّ أي نحو ترسيخ القيم الإنسانيّة الكبرى مثل المساواة والإنصاف والعدالة…الخ.

من هذا المنطلق تتأتى أهميّة التوعية والأخلاقيّات وخاصة تدخّل مختلف الأطراف بما فيها الطرف النّقابي. فمقاومة الغشّ فعل جماعيّ يترجم ثقافة التعاون لا الاتّهام والإدانة. فالأطراف النّقابيّة دأبت على إدانة الطّرف الإداريّ واتّهامه بالعجز عن تأمين تلك الامتحانات الوطنيّة[42]، والحال أنّ نجاح امتحان البكالوريا – على الرّغم من الشّوائب التّي تشوبه- يتطلّب تظافر جهود مختلف الفاعلين التربويّين. وبتعبير مغاير، إن الاتّهامات المتبادلة بين الفاعلين التربويّين لا تساعد على تجنّب تلك الإشكاليّات وفي مقدّمتها توظيف التكنولوجيات الحديثة في الغشّ.

7-4- الغشّ في البكالوريا باعتباره شكلا من اختلال المعايير:

في دراسة نُشرت تحت عنوان “التغيّر في أنساق القيم ووسائل تحقيق الأهداف: نموذج الغش في الامتحانات[43]“، قدّم الباحثان مصطفى عمر التير وعثمان علي أميمن تفسيرا للغشّ في الامتحانات باعتباره شكلا من أشكال الأنوميا أو اللامعياريّة. وتعتبر الدراسة في غاية الأهميّة لأنّها تطرح مسألة اختلال المعايير في مؤسّسة وظائفها “عموما ومقاصدها جُعلت من أجل القضاء على مختلف أشكال الأنوميا والحدّ منها مهما كان نوعها[44]“.

تعني “كلمة اللامعياريّة المشتقّة من الكلمة اللاتينيّة Anomie، انعدام القانون أو انعدام الخطة، أو انعدام الثقة أو تعني الشّك. وقد أوردت بعض القواميس الكلمة على شكل « Anomie » لتعني حالة من الاضطراب أو اختلال النّظام أو الشكّ أو عدم اليقين، أو الحياة بدون قانون. وعندما يستخدمها المتخصّصون في العلوم الاجتماعيّة فإنّهم يشيرون إلى خاصيّة تتعلّق بالبناء الاجتماعيّ، أو بأحد الأنظمة الاجتماعيّة التّي يتركّب منها، وليست إلى حالة ذهنيّة. فهي تعبّر عن انهيار المعايير الاجتماعيّة التّي تحكم السّلوك، كما تعبّر أيضا عن ضعف التّماسك الاجتماعيّ. وعندما تنتشر حالة اللامعياريّة بشكل واسع بين أعضاء مجتمع من المجتمعات، تفقد القواعد التّي تحكم السّلوك فيه مفعولها أو قوتها[45]. ويعتبر دوركايم من أبرز علماء الاجتماع الذين وظّفوا هذا المفهوم وروّجوا له في أدبيات العلوم الاجتماعيّة، كما أن ميرتونMerton قدّم بدوره إسهاما مهمّا في نشر هذا المفهوم وتوظيفه.

وباعتبار أن “نظريّة اللاّمعياريّة في آخر أشكالها تصلح لتفسير مجال واسع من أنماط السّلوك المنحرف”[46]، فإنّها تساعد على تفسير سلوك الغشّ في الامتحان. بمعنى، نظرا لأنّ سلوك الغشّ في الامتحانات، يخالف ما تنصّ عليه القوانين واللّوائح التّي تنظّم العمليّة التّعليميّة، فهو بذلك لون من ألوان السّلوك غير السويّ. وعليه يمكن أن اللّجوء إلى نظريّة اللاّمعياريّة لفهم وتفسير تلك الظاهرة التّي بدأت تلقي بثقلها على سير امتحان البكالوريا.

يتجلّى اختلال المعايير من خلال مؤشّرات عدّة منها انخراط بعض الأولياء في عمليّة الغشّ، إمّا بتمكين أبنائهم وبناتهم من شراء تلك التّجهيزات الدقيقة، أو بغضّ الطرف عنهم، أو بتقديم الأجوبة مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه. فالمفترض أنّ الأولياء يمنعون منظوريهم من الانخراط في هذه العمليّة الخطيرة التّي قد تترتّب عنها عواقب وخيمة، فإذا بهم يسهمون فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. بمعنى أنّ تغيّرا ما حدث في رؤية الأسرة لسبل النّجاح حتّى بات بعض الأولياء يضفون نوعا من الشرعيّة على ذلك السّلوك المخالف للتّراتيب المنظّمة لامتحان البكالوريا والمناقض للقيم التّي تشتغل المدرسة على ترسيخها وتجذيرها لدى النّاشئة مثل العمل والجديّة والتّعويل على الذات واحترام القانون (بما في ذلك القانون المدرسيّ في مختلف أبعاده وخاصة في بعده المتّصل بالامتحانات). وقد يُحيلنا هذا السّلوك الأسريّ إلى سلوك آخر ما فتئ ينتشر اليوم بين الأسر التونسيّة ويتمثّل في تقديم المساعدة الماليّة للرّاغبين في الهجرة غير الشرعيّة من الأبناء، حيث لم تعد العائلات تولي اعتبارا لخطر ذلك الصّنف من الهجرة، ولذلك فهي على استعداد لتقديم المساعدة المالية لأبنائها حتّى يستطيعوا “الحرقة” أي الهجرة بطريقة غير نظاميّة.

يبرز اختلال المعايير كذلك من خلال سلوك بعض المعلّمين الذين يتساهلون مع الغشّ أو حتّى الذين يقدّمون أجوبة عن الامتحانات مثلما سلفت الإشارة إليه، بدعوى مساعدة التّلاميذ على اجتياز الامتحان، وأنّ هذا التّساهل مرتبط فقط بهذا الامتحان لأنّه مصيريّ، أو بدعوى أنّ المراقبين في جهات أخرى يتساهلون مع المترشّحين…الخ. كما تتمظهر اللامعياريّة من خلال تحويل الدّروس الخصوصيّة إلى ورشات تدريب على إنجاز تمارين مشابهة لتلك التّي قد يتضمّنها امتحان البكالوريا دون العمل على مساعدة التّلاميذ على معالجة نقاط ضعفهم في هذه المادّة الدّراسيّة أو تلك، فتتحوّل تلك الدّروس إلى مصدر مال بالنسبة إلى المعلّمين ووسيلة لاجتياز الامتحان لا غير بالنسبة إلى التّلاميذ. فهذه الدروس “تبدو مقاصدها تعليميّة تكوينيّة في الظاهر وتراهن على تحسين مستوى التّلميذ الذي يشكو بعض الصعوبات في بعض المواد…إلا أنّ واقعها وباطنها دون ذلك فقد تضمحلّ رهانات التّكوين والتّعليم أمام حقيقة الاستثمار والمكاسب الماديّة الهائلة التّي يجنيها المربّون من وراء هذا النّشاط، إلى درجة أنّه أضحى النّشاط الأوّل عند المربّي ويسعى إليه جاهدا من أجل كسب أكثر ما يمكن من الزبائن…”[47]. فتلك الدّروس انحرفت عن وظيفتها الرئيسيّة (تحسين مستويات التّلاميذ ونوعيّة تكوينهم) وصار الهاجس الذي يحكمها هو الرّبح المالي. وقد تدعّم هذا الانحراف حسب ما صرّح به “الغالبيّة من التّلاميذ في الدّروس الخصوصيّة[48]“، إذ أنّ “التّمارين التّي تقدّم لهم في الامتحان تكاد تكون نفسها الّتي وقع التطرّق إليها في السّاعات الزائدة. كما يتمتّع التّلاميذ الزبائن عند مربّيهم بأحسن الأعداد في حين يظلّ بقيّة التّلاميذ في مرتبة ثانية[49] .

تتجلّى اللاّمعياريّة أيضا من خلال سلوك مروّجي هذه التكنولوجيا الحديثة فيتعاملون معها باعتبارها مجرّد بضاعة تعود عليهم بالربح غير عابئين بآثارها السّلبيّة في سمعة الشهادات الوطنيّة وفي مستويات التلاميذ وفي مردود المؤسّسة التّعليميّة وفي تكافؤ الفرص بين المتعلّمين. بمعنى أنّ اختزال تلك التكنولوجيا في بضاعة مناسباتيّة يشكّل ضربا من ضروب اللاّمعياريّة التّي تعيش على وقعها فئات من المجتمع التونسيّ، فتبادر إلى ترويج مختلف أنواع الممنوعات بهدف الرّبح وغُنم الأموال بغضّ النّظر عن مصدرها. لقد كان لدخول هؤلاء “التّجار الجدد” دور في نقل الغشّ من مغامرة في جلّ الأحيان فرديّة، إلى عمل منظّم ومتعدّد الأطراف.

تبدو اللاّمعياريّة واضحة أيضا من خلال إقبال عدد من التّلاميذ على شراء تلك الأجهزة وتوظيفها في امتحان البكالوريا، والانخراط ضمن جماعات صغيرة، ذات ثقافات فرعيّة تبرّر النّجاح بعضّ النّظر عن الوسائل المؤدّية إليه، فلا يعبأ التّلاميذ بخطورة ذلك الأمر. إنّ سلوك التّلاميذ، وهم يقبلون على شراء تلك التّجهيزات والتّواصل مع الشّبكات التّي تروّجها، يعكس حرصا على النّجاح وإن تحقّق بأساليب غير شرعيّة، أي دون احترام القوانين المدرسيّة ولا احترام بقيّة التّلاميذ الذين يبذلون جهدا للنّجاح، ولا حتّى احترام لجهود معلّمين بذلوا تضحيات من أجل إنجاح التلاميذ.

تبدو اللاّمعياريّة واضحة من خلال السلوكيات المذكورة أعلاه، وهي تترجم رؤية براغماتيّة تحكم سلوك عديد الفاعلين الاجتماعيّين داخل الفضاء المدرسيّ وخارجه، والذين لا يرون شروطا محدّدة للنّجاح وللربح، فالغاية تبرّر الوسيلة. ويبدو انّ هذا المنطق ليس بمعزل عن المنطق المهيمن في المجتمع التونسيّ اليوم، وفي سائر المجتمعات المغاربيّة بل وفي جلّ مجتمعات العالم حيث يظلّ هاجس الرّبح والمصلحة الخاصّة طاغيا، وإلا كيف نفسّر تهرّب كبار الأثرياء من أداء الضرائب، وكيف نبرّر سلوكيات مختلفة اجتاحت مجالات الرياضة والتّجارة …الخ.

8- خاتمة:

تعدّ مسألة الغشّ في امتحان البكالوريا وجها من وجوه الغشّ في الامتحانات المدرسيّة والجامعيّة. ولكنّها تحظى بأهميّة خاصّة نتيجة الهالة التّي أضفيت على البكالوريا على الرّغم من اقتناع الجميع بأنّ الحصول على تلك الشّهادة قد لا يفضي بالضرورة إلى الارتقاء في السلّم الاجتماعي، فأعداد الحاصلين على تلك الشهادة والذين تعثّروا في مسارهم التّعليميّ أو أتمّوا ذلك المسار دون أن يقدروا على الولوج إلى عالم الشغل غير قليلة. ومع ذلك ينبغي أن تتمّ دراسة ظاهرة الغشّ في الوسط المدرسيّ بشكل عام، وفي البكالوريا بشكل خاص من زوايا مختلفة. وقد حاولنا في هذه الدراسة الإشارة إلى بعض المداخل الممكنة من قبيل التّقييم، والتمثّلات الجماعيّة للبكالوريا واستخدامات التكنولوجيات الحديثة وأخلاقياتها فضلا عن مدخل الأنوميا واختلال المعايير.

المراجع:

باللّغة العربيّة:

  • بلعز (الطاهر)؛ مدخل إلى الدوسيمولوجيا : دراسة نقديّة، التّواصل في اللّغات والآداب، عدد46-2016التير (مصطفى عمر) وأميمن (عثمان علي)؛ الغشّ في الامتحانات كمظهر من مظاهر اللاّمعياريّة في المجتمع، الفكر العربيّ شتاء 1999، العدد الخامس وتسعون، السنة العاشرة (1).
  • التير (مصطفى عمر) وأميمن (عثمان علي)؛ التغيّر في أنساق القم ووسائل تحقيق الأهداف، بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2003.
  • حسين الكندري (لطيفة)؛ ظاهرة الغش في الاختبارات: أسبابها وأشكالها من منظور طلبة كليّة التّربية الأساسيّة في دولة الكويت؛ بحث مموّل من الهيئة العامّة للتّعليم التّطبيقيّ والتدريب، رقم 32- 09- BE، الكويت، 1431 هـ – 2010م.
  • سامي خابور (رشا) حجازي (عبد الحكيم ياسين)؛ أسباب انتشار ظاهرة الغشّ في الامتحانات لدى طلبة المرحلة الثّانويّة في مدارس مديريّة تربية لواء الرمثا، مجلّة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدّراسات التربويّة والنّفسيّة، المجلّد الثّالث ع (10) نيسان 2015.
  • الشهب (محمّد)؛ المدرسة والسّلوك الانحرافيّ: دراسة اجتماعيّة تربويّة، الدار البيضاء، مطبعة النّجاح الجديدة، 2000.
  • بوصبع (سلاف)؛ سوسيولوجيا الاستخدام بين الاتّجاهات الميكروسوسيولوجية والتوجهات الماكروسوسيولوجية، مجلّة الحكمة للدراسات الإعلاميّة والاتّصاليّة، المجلد5، العدد1 ، 2017.
  • بن صالح (يوسف)؛ الأنوميا الاجتماعيّة وتأثيرها في المدرسة، مجلة دراسات، المجلد09، العدد01/السنة 2020.
  • عاشور (محمّد الطاهر ابن)؛ أليس الصبح بقريب: التعليم العربيّ الإسلاميّ: دراسة تاريخيّة وآراء إصلاحيّة، القاهرة، دار السّلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 1427هـ- 2006م
  • عالم (عمران إبراهيم)؛ ظاهرة الغش في الامتحانات: أسبابها وطرق الحدّ منها، مجلّة الشريعة والدراسات الإسلاميّة، العدد (18) رمضان 1432 ه – أغسطس 2011م.
  • عمريّة (بشير)؛ الغشّ في الامتحانات: دراسة تحليليّة نقديّة لمجموعة من الدّراسات والمفاهيم والإجراءات المنهجيّة والنّتائج، مجلّة السّراج في التربية وقضايا المجتمع، العدد الثّامن (8)، ديسمبر 2018.
  • فلوح (أحمد)؛ آراء الطلبة نحو ظاهرة الغشّ في الوسط الجامعيّ، مجلّة العلوم النفسيّة والتربويّة 7 (2) ديسمبر 2018.
  • انصيرة (رجاء) وابراهيميّ (الطاهر)؛ واقع إدماج تكنولوجيا المعلومات بالمدرسة الجزائريّة في ظلّ مقاييس منظمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة “التّعليم المتوسّط نموذجا”، مجلّة علوم الإنسان والمجتمع، المجلد 07، العدد27، الجزء الأول، جوان 2018.
  • وزارة التربية والتّكوين (الجمهوريّة التّونسيّة)؛ القانون التّوجيهيّ للتربية والتّعليم المدرسيّ: القانون عدد80-2002 بتاريخ 23 جويلية 2002.
  • ونّاس (المنصف)؛ الشخصيّة التّونسيّة محاولة في فهم الشخصيّة العربيّة، تونس، الدار المتوسطية للنشر، 2011م – 1432ه.
  • اليونسكو؛ التّعليم ذلك الكنز المكنون، القاهرة، مركز مطبوعات اليونسكو بالقاهرة، 1999.

باللّغة الفرنسيّة:

  • Frenette (E) &alt, Etude sur la propension à tricher aux examens à l’université : élaboration et processus de validation du questionnaire sur la tricherie aux examens à l’université (QTEU), Mesure et Evaluation en Education, 2019, vol.42, n°2.
  • Michaut (C), les nouveaux outils de la tricherie scolaire au lycée, Recherche en Education, n°16-juin2013.
  • Vieira (L) & Pinède (N), (eds) ; Enjeux et Usages des TIC : aspects sociaux et culturels, t1, Bordeaux, Presses universitaires de Bordeaux, 2005.

[1]– يوسف شكري فرحات؛ معجم الطلاّب عربيّ- عربيّ، بيروت دار الكتب العلميّة، 2001، ورد عند أحمد فلوح؛ آراء الطلبة نحو ظاهرة الغشّ في الوسط الجامعيّ، مجلّة العلوم النفسيّة والتربويّة 7 (2) ديسمبر 2018، ص94.

[2]– عمران إبراهيم عالم؛ ظاهرة الغشّ في الامتحانات: أسبابها وطرق الحدّ منها، مجلّة الشّريعة والدّراسات الإسلاميّة، العدد (18) رمضان 1432 ه – أغسطس 2011م، ص7.

[3]– محمّد الشهب؛ المدرسة والسّلوك الانحرافيّ: دراسة اجتماعيّة تربويّة، الدّار البيضاء، مطبعة النّجاح الجديدة، 2000، ص19.

[4]– Michaut (C), les nouveaux outils de la tricherie scolaire au lycée, Recherche en Education, n°16-juin2013, p 132.

[5]– علي عبد ربّه؛ انتشار ظاهرة الغشّ بين طلاّب الجامعة وأثرها على مستواهم التّعليميّ وعلاقتها بالكفايات الإنتاجيّة للنّظام التّعليميّ، ص65 ورد عند بشير عمريّة؛ الغشّ في الامتحانات: دراسة تحليليّة نقديّة لمجموعة من الدّراسات والمفاهيم والإجراءات المنهجيّة والنّتائج، مجلّة السّراج في التربية وقضايا المجتمع، العدد الثّامن (8)، ديسمبر 2018، ص8.

[6]– Michaut (C), op., cit, p 132.

[7]– Ibid.

[8]– Frenette (E) &alt, Etude sur la propension à tricher aux examens à l’université : élaboration et processus de validation du questionnaire sur la tricherie aux examens à l’université (QTEU), Mesure et Evaluation en Education, 2019, vol.42, n°2, Pp.3-4.

[9]– لطيفة حسين الكندري؛ ظاهرة الغشّ في الاختبارات: أسبابها وأشكالها من منظور طلبة كليّة التّربية الأساسيّة في دولة الكويت؛ بحث مموّل من الهيئة العامّة للتّعليم التّطبيقيّ والتدريب، رقم 32- 09- BE، الكويت، 1431 هـ – 2010 م، ص6.

[10]– مصطفى عمر التير وعثمان علي أميمن؛ الغشّ في الامتحانات كمظهر من مظاهر اللاّمعياريّة في المجتمع، الفكر العربيّ شتاء 1999، العدد الخامس وتسعون، السنة العاشرة (1)، ص157.

[11]– محمّد الطّاهر بن عاشور؛ أليس الصبح بقريب: التعليم العربيّ الإسلاميّ: دراسة تاريخيّة وآراء إصلاحيّة، القاهرة، دار السّلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 1427هـ- 2006م، ص206.

[12]– نصّ الفصل 61 من القانون التّوجيهيّ للتربية والتّعليم المدرسيّ (القانون عدد 80-2002بتاريخ 23 جويلية 2002) على أنّه “يمكن في نهاية الدّراسة بالتّعليم الأساسيّ، ولكلّ راغب في ذلك اجتياز امتحان وطنيّ للحصول على “شهادة ختم التّعليم الأساسيّ” حسب تراتيب تضبط بقرار من الوزير المكلّف بالتربية. علما وأنّ هذه الشّهادة كانت في منطلقها إجباريّة.

[13]– في هذا السّياق نشر موقع Ifm.tn يوم 6 جوان 2022 (13:28) ما يأتي: “أعلن وزير التربية…اليوم الاثنين 6 جوان خلال النّدوة الصّحفيّة الخاصّة بالامتحانات الوطنيّة دورة 2022، أنّ أصغر مترشّح لاجتياز البكالوريا عمره أقلّ من 17 سنة وهو من جهة صفاقس فيما يبلغ عمر أكبر مترشّح 72 عاما وهو من معتمديّة وادي مليز التّابعة لولاية جندوبة”.

[14]– بلغ عدد المساجين المترشّحين لامتحان البكالوريا دورة (2022) 16 مترشّحا. وقد شدّد وزير التربية على أنّهم سيجتازون الامتحان في نفس ظروف المترشّحين الآخرين (عن موقع Ifm.tn يوم 6 جوان 2022 (13:28).

[15]– رجاء انصيرة والطاهر ابراهيميّ؛ واقع إدماج تكنولوجيا المعلومات بالمدرسة الجزائريّة في ظلّ مقاييس منظمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة “التّعليم المتوسّط نموذجا”، مجلّة علوم الإنسان والمجتمع، المجلد 07، العدد27، الجزء الأول، جوان 2018، ص22-23.

[16]– المرجع نفسه، ص23.

[17]– Proulx (S), Penser les usages des TIC aujourd’hui : Enjeux, modèles tendances, in Vieira (L) & Pinède (N); (eds); Enjeux et Usages des TIC : aspects sociaux et culturels, t1, Bordeaux, Presses universitaires de Bordeaux, 2005, P.9.

[18]– للتوسّع في نظرية الاستخدامات الاجتماعيّة يرجى الرّجوع إلى سلاف بوصبع؛ سوسيولوجيا الاستخدام بين الاتّجاهات الميكروسوسيولوجية والتوجهات الماكرو سوسيولوجية، مجلّة الحكمة للدّراسات الإعلاميّة والاتّصاليّة، المجلد5، العدد1 ، 2017، ص156-171.

[19]– رشا سامي خابور وعبد الحكيم ياسين حجازي؛ أسباب انتشار ظاهرة الغشّ في الامتحانات لدى طلبة المرحلة الثّانويّة في مدارس مديريّة تربية لواء الرمثا، مجلّة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدّراسات التربويّة والنّفسيّة، المجلّد الثّالث ع (10) نيسان 2015، ص264.

[20]– المرجع نفسه، ص265.

[21]– محمّد الطّاهر بن عاشور؛ مرجع سّابق، ص209.

[22]– الهادي بوحوش ومنجي العكروت؛ الغشّ في امتحان البكالوريا التّونسيّة، المدوّنة البيداغوجيّة، تونس، 2013.

[23]–  ورد عند بشير عمرية، مرجع سّابق، ص9.

[24]– وفي هذا الصدد يقول يحي (طالب بالسنة الرابعة الثانوية -رياضيات) إنه اتّصل بإحدى الصفحات من أجل اقتناء سماعات الكترونيّة وأضاف أن زملاءه استعدّوا وتسلّحوا ببعض الوسائل الالكترونيّة كالسمّاعات والأقلام. وبرّر يحي ذلك بالقول إنه “كطالب في تخصّص علميّ، فإن بعض الموادّ كالتّاريخ والجغرافيا التّي تتطلّب حفظا عن ظهر قلب، وتعتبر إضاعة للوقت تجبرنا على الغشّ أحيانا”. لكن يحي مع ذلك لا يشجّع الغشّ في المواد الأساسيّة والعلميّة لأنّها بحسب رأيه هي التّي تُظهر مستوى التّلميذ الحقيقيّ. ورد عند هدى الطرابلسي؛ سوق أدوات الغش ّتزهر في تونس مع امتحانات البكالوريا، Independent عربية، الأحد 12 يونيو 2022 (19:15).

[25]– المنصف ونّاس؛ الشخصيّة التّونسيّة محاولة في فهم الشخصيّة العربيّة، تونس، الدار المتوسطية للنشر، 2011م – 1432ه، ص301- 308.

[26]– محمّد نجيب بوطالب؛ الأبعاد الاجتماعيّة والثّقافيّة لأزمة أنموذج القدوة في المدرسة العربيّة المعاصرة (حالة التّعليم في تونس)، كرّاسات مركز الدّراسات والبحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، خارج السلسلة، تونس 2005، ص279.

[27]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[28]– انظر في هذا المجال؛ سلطاني بركاتي؛ البكالوريا ليست النّهاية، الشروق الجزائريّة 18/7/2022.

[29]– أنظر راضية مرباح؛ بورصة إكراميّات النّاجحين تلهب الجيوب: هدايا البكالوريا من العطور والصابون إلى الذهب والآيفون، الشروق أون لاين 19/7/2022.

[30]– المرجع نفسه.

[31]– سلطاني بركاني؛ البكالوريا ليست النّهاية، مرجع سابق.

[32]– محمّد الشهب؛ المدرسة والسّلوك الانحرافيّ: دراسة اجتماعيّة تربويّة، مرجع سابق، ص41.

[33]– اليونسكو؛ التّعليم ذلك الكنز المكنون، القاهرة، مركز مطبوعات اليونسكو بالقاهرة، 1999، ص77.

[34]– حول مسألة الدوسيمولوجياla docimologie يمكن الرّجوع إلى:

الطاهر بلعز؛ مدخل إلى الدوسيمولوجيا : دراسة نقديّة، التّواصل في اللّغات والآداب، عدد46، 2016، ص157- 176.

[35]– من مقابلة مع بعض تلاميذ البكالوريا بجهة بنزرت (شمال تونس).

[36]– يمكن الرّجوع في هذا الإطار إلى مقال خمار وبلوتوث: الغشّ بالأذن في باكالوريا الجزائر ؛ موقع العين الإخباريّة بتاريخ 15/6/2022 (01:43 ص بتوقيت أبوظبي والذي جاء فيه ” بعد تضييق الخناق القانونيّ والقضائيّ على الغشّ بامتحانات البكالوريا في الجزائر عادت “موضة” “الخمار والبلوتوث” وكشفت امتحانات الثّانوية العامّة بالجزائر عن أمرين الأوّل هو التّطبيق الصّارم للغشّ بعد ان أعلنت السّلطات الجزائرية “الحرب على الغش في الامتحانات” بعقوبات تصل الى 15 سنة سجنا نافذا غير قابلة للنقض وهو ما أدّى الى تراجع حالات الغش في امتحانات البكالوريا مقارنة بالسنوات الماضية.

الأمر الثاني كان عودة “موضة” البلوتوث” خلال بكالوريا 2022 لكن اللاّفت أن معظم أبطال الوقائع من “الإناث” والغريب في قصص الغش الجديدة تورّط “أمّهات” وصفحات عبر مواقع التواصل.

“العين الإخبارية” التقت سيدة جزائرية كانت مع 4 من صديقات لها في شارع “البريد المركزي” في العاصمة الجزائرية، وصباح الثلاثاء وهي تخبر صديقاتها عن “بلوتوث” تحت الخمار.

استوقفتها “العين الإخباريّة” لتسألها عن حقيقة الخمار والبلوتوث فكشفت بأنّها أستاذة وخرجت للتو من حراسة امتحان البكالوريا في إحدى الثانويات القريبة لكنها تحفظّت عن ذكر اسمها.

الأستاذة قالت ل “للعين الإخبارية” “إن أستاذا كان معها في الحراسة شاهد طالبة وهي تغشّ في الامتحان بعد أن سمعوا صوتا غريبا صادرا عن أذنها”.

وتابعت “الطالبة ترتدي الحجاب، لم يكن ظاهرا عليها أي ارتباك لكن ما فضحها صوت غريب في الصفّ، اقتربنا أنا والأستاذ الذي كان معي من كل طالب وإذا بالصوت من أذن تلك الطالبة التّي كانت تستعمل بلوتوث صغير جدّا”.

وأوضحت أنه تمّ توقيفها وإخراجها من الصفّ وتحرير محضر بالحادث على أن تقوم الجهات المعنيّة ببقية التّفاصيل القانونيّة. كما أكّدت الأستاذة بأن ظاهرة استعمال “البلوتوث” في الغشّ بالامتحان عادت خلال البكالوريا هذا العام بعد تضييق الخناق القانوني على طلبة البكالوريا ولفتت إلى أن هذه الموضة القديمة تجدّدت مع الطالبات أكثر حيث يجدن سهولة في وضعه تحت الخمار”.

[37]– من المهمّ الرّجوع في هذا السّياق إلى : موقع أصوات مغاربية maghrebvoices اتّهامات لأطباء تونسيين بزرع سماعات في آذان تلاميذ لمساعدتهم على الغش بالبكالوريا بتاريخ 13يونيو 2022 .

[38]– أنباء تونس Kapitalis؛ كان يرسل إجابة الاختبار لتلميذة: تورط معلم ابتدائي في الغش في امتحان البكالوريا بالقصرين، 11 يونيو 2022.

[39]– العين الإخبارة؛ خمار وبلوتوث “الغش بالأذن” في بكالوريا الجزائر؛ الأربعاء 15/6/2022 (01:43 ص بتوقيت أبو ظبي)

[40]– جاء في موقع أخبارنا المغربية بتاريخ 14/7/2022 في مقال لمحمد الميموني حمل عنوان فضيحة بطاطا …ضبط رئيس جماعة متلبّسا بالغشّ في اختبارات الباكالوريا ما يلي ” أفادت مصادر محلّية بطاطا أن أستاذا مكلفا بحراسة اختبارات الدورة الاستدراكيّة لشهادة الباكالوريا، ضبط مترشّحا ضمن فئة الأحرار متلبّسا في حالة غشّ.  ووفقا لذات المصدر، فبعد التحقّق من هويّة المعني بالأمر تبيّن أنّه يشغل منصب رئيس جماعة بإقليم طاطا وينتمي على حزب مشارك في الأغلبيّة الحكوميّة. هذا وقد جرى التّعامل مع رئيس الجماعة “الغشّاش” وفقا لما تنصّ عليه الإجراءات القانونيّة المعمول بها، إذ تمّ سحب ورقة الاختبار منه وحرّر محضر رسميّ في الواقعة قبل إخراجه من مركز الامتحان.

[41]– الوسط (البحرين)؛ العدد4295 10 يونيو 2014 م الموافق 12 شعبان 1435 هـ..

[42]– أنظر هدى الطرابلسي؛ سوق أدوات الغشّ الالكترونيّة تزدهر في تونس مع امتحانات البكالوريا على موقع Independent عربية، الأحد 12 يونيو 2022 (19:15)، وفيه تورد موقف الكاتب العام للجامعة العامة للتّعليم الثّانوي الذي علّق على واقعة تسريب امتحان الفلسفة بالقول عبر صفحته في موقع “فيسبوك” “مرّة أخرى يفشلون في تأمين الامتحانات الوطنيّة، فضيحة تتكرّر كلّ سنة وتفسد قيمة الامتحان، وتجعل منّا مسخرة بين الأمم.  كل ذلك هدم ممنهج لقيمة المعرفة ومكانة المدرسة”.

[43]– مصطفى عمر التير وعثمان أميمن؛ التغيّر في أنساق القيم ووسائل تحقيق الأهداف، بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2003

[44]– يوسف بن صالح؛ الأنوميا الاجتماعيّة وتأثيرها في المدرسة، مجلة دراسات، المجلد09، العدد01/السنة 2020، ص36.

[45]– مصطفى عمر التير وعثمان أميمن، التغيّر في أنساق القيم ووسائل تحقيق الأهداف، مرجع سّابق، ص75.

[46]– مصطفى عمر التير وعثمان أميمن؛ الغش في الامتحانات كمظهر من…، مرجع سابق، ص145.

[47]– يوسف بن صالح، الأنوميا الاجتماعيّة وتأثيرها في المدرسة، مرجع سابق، ص44-45.

[48]– المرجع نفسه، ص45.

[49]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

مقالات أخرى

ملامح السّرد المقاوم

التّعليم عن بعد

إشكاليّة العدالة والدّيمقراطية

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد