ترحّل أقصوصة “قنص الموت” لأصيل الشّابي:

قنص الموت

الملخّص:

أقصوصة قنص الموت عيّنة أدبية لسيرة حلاّق طرق باب مهنته وهو صبيّ غضّ يافع صغير، وانتهى من ممارستها شيخا وقد شحّت بمكاسبها عمّا يمكنه أن يغطّي حاجاته بيسر وسهولة، مبرزا سيرورة التّحوّلات التي شهدها كما شهدتها مهنته في قريته مرتع صباه. وتكمن قيمة هذه الأقصوصة في تبئيرها على بعض الحقائق الإنسانيّة والوجوديّة، التقطها الصبيّ السّارد،  في طزاجتها وحرارتها، مضيفا عليها من سمة العفويّة عنوانا يزيد المتلقّي لها تعلّقا وحرصا على متابعتها.

الكلمات المفاتيح : السياق- السيميولوجيا- البنيوية – الذاتية – الموضوعية- التمثلات- الشعرية .

Abstract

Death sniper recounts a literary biography of a barber knocking on the door of his career as a young child. He ended her practice as an elder, and she charged her gains for what he could easily cover, highlighting his needs. Highlighting the pace of transformation that he has undergone, as in his career in his village. The value of This short story in the fact that they are based on certain human and existential realities. It was picked up by the Sard Boy, in her freshness and heat. With a spontaneous theme, the reader gets more attached and keener to follow.

keywords: context- semiology- structuralism- subjective- objective- representations- poetic.


1- مقدمة:

تحضر أقصوصة قنص الموت للقاصّ والنّاقد التّونسيّ أصيل الشّابي[1]، باعتبارها سيرة حياتيّة إنسانيّة ووجوديّة فلسفيّة لحلاّق طرق باب مهنته وهو صبيّ غضّ يافع صغير، وانتهى من ممارستها شيخا وقد شحّت بمكاسبها عمّا يمكنه أن يغطّي حاجاته بيسر وسهولة، مبرزا سيرورة التّحوّلات التي شهدها كما شهدتها مهنته في قريته موطن نشأته ومراتع صباه ومسكنه في الآن والهنا. وهذه القصّة تبوح لمتلقّيها منذ البداية بسمتها الدّالة عليها، ألا وهي التّكثيف اللّغوي والدّلاليّ والتّركيز والدقّة، لذا سلك صاحبها في إنشائها مسلك البلاغة، الّتي هي مناسبة المقال لمقتضى الحال: بلاغة الكلمة والصّورة والموضوع والفكرة والشّعور، وبلاغة المتخيّل حين يقف الواقع بملابساته وظروفه الحافّة وإكراهاته ومفارقاته وتناقضاته ومكبوتاته عاجزا عن الإبانة عنه. فضلا عن ذلك، فإنّ مُنتج خطاب السّرد القصصيّ دائم النّوسان بين طرفيْن أساسيين، هما: الإبداع بما هو تحرّر، والرّقابة بما هي وعي بالقيود والحدود السّياقيّة والمقاميّة، راجيا من خلال انتشائه بفعل الإنتاج والإنشاء تحقيقَ معادلة بين الخنوع لسلطة الرّقيب من جهة والتحرّر من القواعد المتواضع عليها من جهة أخرى. فكيف كان تفاعل الكتابة مع هذيْن الطّرفيْن: أي الحريّة والرّقابة، والواقعيّة والتّخييل في قصّة “قنص الموت”، خاصّة إذا علمنا أنّ الفضاء التّداوليّ منحكم في إنشائه ومصوغ بقواعد الشّعريّة وسننها؟

وبناء على ما ارتأينا من خصوصيّة لهذا النّص وروحه وآفاقه الدّلاليّة المشرعة، لم نجد بدّا لإجلاء مقاصده وتحقيق أهدافه وكشف رهاناته ووظائف علاماته من أن نستدعيَ المقاربة السّيميولوجيّة لما انكشف لنا منها من مزايا، لعلّ أهمّها توسيعها رقعتها الدّلاليّة حين افتراض تطبيقها على هذه القصّة. وهي إذ تنضاف إلى المقاربة البنيويّة والهيكليّة والاجتماعيّة والتّكوينيّة والحواريّة والتّناصيّة والنّصانيّة إنّما تندمج ضمن متعدّد من الأنساق أو المسالك، ومتنوّع من المعابر للولوج إلى أعماق النصّ، سعيا إلى استكناه أغواره وفضّ ملغزاته وتجلية معمّياته ورفع الإغماض عنه وإعلاء مضمراته الدّلاليّة، خاصّة وأنّ نصّنا الذي نُعالج ينسجم مع أبعاد السّيميولوجيا الاجتماعيّة ومقصديّاتها، باعتبارها علما لا يكتفي بدراسة هذه العلامات بنيويّا، أي داخل فضاء النصّ المغلق، بل يتعدّاه إلى رصد أثرها صلب الحياة الاجتماعيّة، وهو علم قد يشكّل فرعا من علم النّفس الاجتماعيّ وبالتّالي من علم النّفس العامّ. علما وأنّ السّيميولوجيا، من سيميو (Sémion) الإغريقيّة وتعني العلامة، ومهمّته هي التّعرّف إلى كنه هذه العلامات وإلى القوانين التي تحكمها، ممّا قد يقتضي المزاوجة بين مفهوم العلامة عند سوسير ذات وظيفة التوحيديّة بين المفهوم والصّورة السّمعيّة أي التّوحيد بين الدّال والمدلول، ومفهوم سيميوزيس (Sémiosis) عند بيرس، الذي هو الصّيرورة التي يعمل بموجبها شيء ما، بوصفه دليلا، وتحتوي هذه الصّيرورة بالضّرورة عوامل ثلاثة: المأثول وهو الطّرف الأوّل من علاقة ثلاثيّة، ويسمّى طرفها الثّاني موضوعها، ويسمّى طرفها الثّالث مؤوّلها (Interprétant). ولعلّ دراسة هذه العلامة أو تحليلها يمكن أن تكون في مستوى أول وهو اللّغة، وهذا المستوى يُعرف بالمؤول المباشر. والمؤول المباشر هو مصطلح استخدمه “شارل ساندرز بيرس” في كتابه ” Ecrits sur le signe “و يعني به “المستوى المعنوي الذّي تقترحه العلامة بشكل مباشر، ويتم الكشف عنّه من خلال إدراك العلامة نفسها، وهو ما نسميه عادة بمعنى العلامة]…[وإنّ حدود تأويله مرتبة بمعطيات الموضوع المباشر، وعناصر تأويله ليست سوى ما هو معطى داخل العلامة بشكل مباشر]…[إنّ وظيفته الأساسية إعطاء نقطة الانطلاق للدلالة]…[وهذا المؤول المباشر لا يستدعي أيّ جهد للكشف عنه، لأنّه يحيل مباشرة على ما هو معطى من خلال جذر اللّفظ المستعمل في العنوان، ومادته اللّغوية ذاتها، أي أنّ الحصول على هذا المعنى يستبعد كلّ استعمال استعاري أو إيحائي للّفظ المؤول…” [2]. ولكنّ المؤول المباشر يُعدّ أمرا سيميائيا؛ باعتباره أساسا في عملية تأويل لاحقة؛ فيصبح في ضوء المقاربة السيميائية تأويلية تنطلق من أجل بناء كونها الدلالي، من علامة لغوية تحيل على معنى مباشر، لتستهدف إعادة بناء قصّدية النّصّ، وفق مقتضيات الأفراد والتّركيب والتّعريف والتّنكير والغموض والوضوح.

 في ضوء هذه الثنائيات المحددة لنسق العلامات التّي تُبنى عليّها دلالات النّصّ يتحدد مسار القراءة السيميائية، باعتبارها تنشيطا لذاكرة العلامة، وتحريرا لدلالاتها من إرغامات الوجود الكونيّ إلى أوسع الأكوان المولّدة لها و الكاشفة عنها.        

2- سيرة الصبيّ من المتعيّن الكائن وجودا إلى الممثّل الكامن بيانا وخلودا:

ينبغي علينا كي نكشف عن مناطق الغموض في سيرة شخصيّة الصّبي أن نتساءل عن دواعي تأليف قصّة تتحدّث عن حياة صبّي يروي سيرته الشّخصيّة وهو الذي فارق مقاعد الدّراسة مبكرّا، عن رضى وطواعيّة، وهو لها كاره ومنها نافر، وقد عبّر عن نفوره من المدرسة رغم ما تشحنه به أمّه غالبا من نفيس رقائق وآداب وتعاليم ووسائل ترغيب ووصايا تمجّد العلم وتُعلي من قيمة العلماء، و رغم ما يلقاه من والده من تعنيف بدني وإهانة (الصّفع) بسبب نكوصه عن الامتثال لأداء الواجب المدرسيّ أي عدم مطاوعته إرادة الأسرة وخياراتها القائمة على الكلف الباذخ بالعلم وبذل جهد الطّاقة من أجل التدرّج في معابره الصّعبة ومساراته المنيرة. يقول السّارد: “لم يكره أحد الدّراسة مثلما كرهتها أنا، كانت ببساطة شيئا تافها، شيئا لا يروق لي، وكانت أمّي المسكينة تخطفني من صفعات أبي المهلكة وتجلسني في حضنها وتشرع في مدح العلم والعلماء، كانت تتحدّث إليّ وتتأمّل عيني كأنّها تبحث عن ذلك الخيط الرّفيع الذي لا يرى أبدا [..] ذلك الخيط الذي نستطيع بواسطته أن نحرّك أحاسيس أحدهم تجاه شيء ما، شيء بغيظ، وكنت أنا لا أفكّر سوى باللّعب”[3].

يبدو أنّ أهمّ ما يمكن أن يستخلص وينتبه إليه ويقيّم ويخرج من الكائن وجودا إلى الكامن بيانا وخلودا، يقع من خلال عرض نموذج حياة الصبّي، منذ شبّ على ممارسة مهنة الحلاقة إلى أن تغيّرت أطواره، شيئا فشيئا، بما طرأ على الأجيال وذائقتها الجماليّة، في مجال فنّ الحلاقة، وما تلقّته من تأثيرات التّثاقف مع الغرب. وليس في ما حصل للحلاّق من الغرابة في شيء، فهذا على كلّ النّاس بل قدر تاريخيّ لسيرورة الزّمن وتقلّب الحدثان، ومتحقّق أمره في مختلف المهن. فالإنسان ابن أغيار، ولا يقرّ لدنيا النّاس حال من القرار. ولكنّ الخصوصيّة المائزة لسيرة هذا الصّبي، إذا استثنينا لحظة بداية دخوله مهنة الحلاقة، حيث زُجّ به زجّا في هذه المهنة وما كان له اختيار، هي أنّه ّ بعد ذلك تلقّاها بالقبول وكلِف بها أيّما كلفٍ، يقول السّارد: “لذلك عندما يئسوا منّي وجاءوا بي إلى هنا تصوّرت في البداية أنّني سألعب، سألعب فقط، وكانت تلك الطّقطقة التي ينشئها الحلاّق بالمقصّ والمشط عملا رائعا”[4].

وكلّ ما أتى بعد اللّحظة الأولى الّتي كان مسيّرا فيها بالكليّة، يكشف عن اختيار في الحياة، واختيار المرء مثلما يقول الجاحظ “قطعة من عقله”. ولذلك خضعت سرديّة السّارد لخطّة عقلانيّة محكمة، تقوم في تمفصلاتها وتحوّلاتها المتباينة على التّرتيب والتّبويب والتّنظيم، واستنادا إليها فقط يمكن أن يتمّ تفجير هذا الكامن الفائض بتمثّلات (Représentations) بلغت بها اللّغة مبلغا لا سبيل إلى مدافعته أو الوقوف في وجه موجه الهادر السيّال. وفي الحقيقة فإنّ عمليّة التّفجير المذكورة وما تحيل عليه من كشف وإبانة، وتداعيات وإعلاء، لا تقع إلاّ بتوسّط السّرد أي اللّغة. لأنّ السّرد هو العملية التّي يقوم بها السّارد، أو الحاكي، أو الرّاوي، وينتج عنها النّصّ القصصي المشتمل على اللّفظ؛  أي الخطاب القصصي؛ والحكاية؛ أي الملفوظ القصصي[5].

  والسّرد إذن هو طريقة الرّاوي في الحكي أي في تقديم الحكاية. والحكاية هي؛ أولا، سلسلة الأحداث، إنّها المادة الأولية الّتي نبني منها السّردية أي أنّها مضمون الحكي وموضوعاته. والسّرد تبعا لهذا التّعريف بالحكاية، هو طريقة تشكيل المادّة الأوّليّة [6].

و في تعريفات السّرد الأكثر بداهة “هو تجربة زمنيّة مدركة من خلال فعل تمثيل، ذلك أنّنا لا يتسنّى لنا صياغة حدود زمنيّة من خلال خطاب ظاهرتيّ مباشر، فالزّمنيّة تشترط توسّط الخطاب غير المباشر الذي يوّفره السّرد. وبمعنى آخر، إنّ الأصل في الإمساك بالدّلالات لا يكون إلاّ من طبيعة الملموس والمحقّق، لأنّه هو الذي يُغني التّجربة التّأويليّة ويمنحها تلويناتها وأبعادها الثّقافيّة المتنوّعة، إنّه يخصّصها ويشخّصها في نصوص مكتوبة أو منطوقة أو واقعة أو شكل ثقافيّ، لأنّ التّجربة الإنسانيّة كليّة وتحتاج لكي تكشف عن نفسها إلى موادٍ تعبيريّة بالغة الغنى والتّنوّع.

وهذا ما تبدّى لنا من خلال تصوّر ريكور للسّرد باعتباره آليّة التّوسّط، إذ من خلالها يمكن من خلالها للذّات أن تقوم بتحويل أحكام وحقائق مجرّدة إلى كيانات مجسّدة أو سلوكيّات محسوسة. يقول بول ريكور في كتابه من النّصّ إلى الفعل: “فالزّمن لا يمكن أن يكون إلاّ محكيّا، ولا وجود لزمن خارج تجربة إنسانيّة تعبّر عن نفسها من خلال فعلٍ وردّ فعلٍ، أي يجب أن تكون منظّمة في الممارسة الإنسانيّة لا خارجها، لذلك فالوجود الوحيد الممكن هو الوجود المشخّص”[7].

       هذا الوجود المشخّص عينه الذي تحدّث عنه ريكور بوصفه خصيصة مائزة للسّرد، هو ما يفتح شهيّتنا النّقديّة لتعميق النّظر فيه، بالعودة إلى نظريّة جماليّة التلقّي لهانس روبرت ياوس، وفعل القراءة لآيزر. وهو ما من شأنه أن يسمح للقارئ أن يكون طرفا منتجا، لا مستهلكا فقط. ذلك أنّ النصّ “جهاز خارق للّغة، يُعيد توزيع نظامها، رابطا بين كلام إبلاغيّ هدفه الإعلام المباشر، و ملفوظات مختلفة، متقدّمة عليه، أو متزامنة معه”[8]، وهو طريقة اشتغال وفهم مخصوصين، يتبناها روّاد نظريّة النصّ، باعتبار أنّ كلّ نصّ هو ملتقى نصوص، تتقاطع وتتحاور وتتراكب وتتشابك لتأليف نسيج النصّ بما هو في نهاية المطاف بناء معيّن، ذو معمار مخصوص.

وإذا أقبلنا على هذا النصّ بخطّة حفر أركيولوجيّ فوكويّة، في دلالات الفضاء زمانا ومكانا، تكشّفت لنا أسئلة عن المنعطفات والتّمثّلات الجوهريّة في علاقة المكان والزّمان مع اللّغة وتحوّلها من موضوع لغويّ إلى ذات فاعلة، تعرف كيف تفصح عن نفسها، من خلال مراكمة جملة من التّمثيلات وتنضيدها وحشدها وإدارة سياق اللّغة من مجرّد إطارٍ حاوٍ للشّخصيّة وعامر بها إلى خطاب بيانيّ، فاتن بتواتر ذكريات الزّمن الجميل، مضمّخ بحشدٍ لا متناه من الأشواق والمواجد، لكأنّ المكان (محلّ الحلاقة، البيت، وجه الصبيّ) يستحيل ضميرا متكلّما، صادحا بخزين التّمثيلات السّاكنة في ظلال المرجع الذّاتيّ الحميم، وفي الآن ذاته يمثّل فضاء للتّحرّك والتّساوق مع التّعبير ووجوه الإفصاح، حتّى تصبح للمكان رائحته التي يظلّ حيّا بها في حال الحضور كما في حال الغياب، لكأنّ الفضاءات المتنوّعة والأمكنة المتعدّدة تنقلب مدخلا وجيها لترصيد حضور الشّخصيّة الرّئيسيّة (الحلاّق) في بورصة رمزيّات أقصوصتنا المدروسة. إذنْ فالخطاب السّرديّ في هذه القصّة القصيرة له أدوات إجرائيّة مرِنة وموارد نصّيّة وتخييليّة كثيفة، أهّلته لرسم مسالك المعنى واجتراح كون مفهوميّ ،متشابك ومتعاضد، لا ينقطع عن التّكرار والدّوران.

2- 1- قصّة الحياة بين التذكّر والتّفكّر:

إنّ الزّمان والمكان لا يصير كلّ منهما إنسانا إلاّ عندما يصيرا محكيين، وهو ما يجعلنا ندرك حقيقة مهمّة مفادها أنّ الارتقاء بزمان الكون أو مكانه إلى زمان الإنسان أو المكان المشحون بالإنسانيّة ينبغي أن يمرّ وجوبا، في منافذ المحكيّ وتثنيّاته. وهو ما يعني أنّ كلّ ما نحكيه يحدث في الزّمن، ويستغرق زمنا ويجري زمنيّا، وما يحدث في الزّمن يمكن أن يُحكي. ويمكن لأيّ سيرورة زمنيّة ألاّ يعترف لها بهذه الصّفة إلاّ بقدر ما هي قابلة للحكي بطريقة أو بأخرى. بمعنى آخر إنّ الزّمن يصير إنسانيّا في الحدود التي يتمفصل فيها بطريقة سرديّة. إنّ السّرد بهذا المنظور يمنح الأشياء أبعادا تزيحها عن دوائر النّفعيّة والمباشراتيّة إلى ما يشكّل عمقا دلاليّا وأداة حاسمة في تنظيم التّجربة الإنسانيّة.

وبناء على ما تقدّم، فإنّ توصيف المكان في أقصوصة “قنص الموت” فعل يتشّكل من الذّاكرة (ذاكرة الصبيّ). وبالتّالي يتداخل في كتابة الأقصوصة ما يسمّى بالقصّ النّفسيّ ومحكيّ الطّفولة. يقول السّارد: “أصبت بالإحباط.. علا الأحمر وجهي”. ولمّا كانت هذه الكتابة تعوّل على التّخييل الذّاتيّ (Fonctionnalisation de soi) والقصّ النّفسيّ، فقد حضرت ثنائيّة الأنا والآخر في توصيف وجه الصّبيّ ناقلة لنا ثنائيّة منظوريّة أي صورة الأنا في منظار الآخر، وهذا تمثيل ذاتيّ أقرب إلى الخيال لأنّ الذّات تبدو أكثر شفافيّة وهشاشة فلا يتمّ إنتاج الصّورة، في كلّ الأحوال بطريقة موضوعيّة، يقول: “ضحكوا عليّ.. صفّقوا”[9]. ويقول أيضا، واصفا جهد أمّه وعنَتها في إقناعه بضرورة الاهتمام بدراسته وإيلائها المكانة التي تستحقّ: “وتتأمّل عينيّ كأنّها تبحث عن ذلك الخيط الرّفيع الذي لا يرى أبدا”[10]. جهد أشبه بمن ينفخ في قربة مقطوعة، بل هو صنو من يرقم في الماء أو يخطّ إصبعه على الرّمال، باعتبار أنّ فكرة مفارقة مقاعد الدّراسة فكرة مركوزة في ذهن الطّفل أشبعت بمشاعر النّفور والتّصميم على الاهتمام بأيّ شغل يكون بديلا عن الدّراسة وأتعابها ومتلازماتها من جديّة وبذل ونفس طويل.

هذا ما نلاحظه أوّلا من خلال الأسلوب الذي وُصفت به ملامح وجه الأمّ، (هيئة أو حال التّأمّل) الباحثة عن تغيير ابنها من حال التّقاعس والتّراخي في طلب العلم إلى حال الإكبار للعلم والتّعلّق به حدّ التولّه البالغ مرتبة تقديسه. فهي تتوسّل لتحقيق هدفها بمساعيها الدّائمة لشحن ابنها رمزيّا وتحريك همّته ونخوته، ووصله بروح التعلّق بعظائم الأهداف وسامق الغايات في الحياة، ويبدو الطّفل من خلال توصيف الأمّ وحالها معه، كأنّه يهفو إلى كنه أسرار العوالم الخفيّة الملغزة لعالمه الذّاتيّ الحميم، ونحن نعلم أنّ معرفة الذّات ليست أمرا ثابتا قارّا، ولا منجزا منتهيا معلوما، بل هي أمر مكتسب يُكتشف بالبحث والمكابدة والمصابرة، آن اختبار كينونة الذّات وأوانها في علاقتها بذاتها وكذا في علاقتها بالآخرين، وبالتّالي بدا لنا  الصّبيّ، من خلال عرض توصيف حال أمّه معه، يتسلّل شيئا فشيئا إلى قبو شخصيّته الصّموتة الغامضة، محاولا النّفاذ بسحر رشيق إلى سيرورته المتغافلة.

ثمّ ثانيا إنّ محكيّ الطّفولة يتداخل في هذه الأقصوصة مع كتابة البورتريه، ذلك الجنس الذي له خصوصيّاته ومقدّماته النّوعيّة وهو في أدقّ تعريفاته: “مقام نصيّ وصفيّ، يبني شخصيّة تتّصل بأنموذج بشريّ”[11]. ويقوم على البنية الوصفيّة القائمة على التّكثيف والدّوران حول المركز، على خلاف البنية السّيريّة التعاقبيّة التي تقوم على علاقات سببيّة سرديّة، ترابطيّة متنامية. وإنّا لمطمئنّين إلى ما خلص إليه ميشال بوجور (Michel Beaujour) الّذي يرى أنّه متى ثبت أنّ البنية منطقيّة فهي بورتري، ومتى ثبت أنّها سرديّة فهي سيرة. ولعلّ من خصائص هذا البورتريه أنّه يُضفي على المشاهد الإنسانيّة والصّور المعروضة مسحة كاركاتوريّة. والكاريكاتور خادم أمين، لا شكّ، لأجناس أدب الذّات التي تبئّر على عالم الطّفل الدّاخليّ وعلى كيفيّة استبطانه للعلامة (طول الأذنين) في متصوّر الكبار والصّغار. وقد انبنت علاقته مع الكبار على النّفور والكراهيّة والتّقزّز، فهم يأنفون منه على أساس صغر سنّه، وهو ما أحمى في داخله إرادة الإمعان في التّنكيل بهم، كلّما سنحت له المناسبة بذلك. ونرصده وهو يعبّر عن طبيعة العلاقة العاقدة بينهما القائمة على الامتعاض والسّخرية والازدراء، الكاشفة عن رؤية تنبجس من تحت ركام دراميّ هادر وشفّاف ومن حدود تلك الومضات مقاطع ملفوظات سرديّة متتابعة مترابطة ترابطا منطقيّا، يقول: “لم يعجبني نفورهم منّي، كانوا يتجنّبون تسلّمي رؤوسهم رغم خبرتي، فكنت أراقبهم وأحاول أن أقف على ما يصنعه الحلاّق بهم فلا أرى في النّهاية إلاّ رؤوسا مسلوخة، كرؤوس البصل تثير الشّفقة[12].

وقد أفصح الصبّي عن الاختلاف، بينه وبين معلّمه، في الذّوق الجماليّ للهيئة التي يحسن أن يكون عليها الرّأس وكذا الرّؤية لماهيّة الحلاقة، فهو ينظر إلى المهنة باعتبارها فنّا يقتضي كفاءة في الأداء ومهارات وتجارب، تختلف باختلاف الرّؤوس وأحجامها، في حين يرى المعلّم أنّ دور الحلاقة فقط هي ” ما يجعل المرء نظيفا، وكنت أعتقد أنّه لا يفعل شيئا غير أن يجعل الرّؤوس قبيحة، يترك الأذنين تبرزان كالعورة، ولهذا كان إذا حلق أحدنا شعره وبرزت أذناه ترصّدناه في زقاق من الأزقّة، حتّى إذا ظهر أمطرناه بالحجر والثمّار وناديناه لأيّام متوالية: يا ذا الأذنين، فكان لا يخرج من البيت حتّى ينبت شعره قليلا أو يخرج في غفلة منّا”[13]. ويضيف: “وعندما كبرت عرفت أنّ نعت أحدهم بطول الأذنين شتيمة، ربّما لهذا كان الكبار يغطّون رؤوسهم حاجبين عن الأعين آذانهم، فطويل الأذنين تفكيره قليل، لهذا يأخذ برأي هذا وذاك، ويكون نتيجة ذلك سهل الانقياد[14].

إنّ هذه الصّفات الجسديّة التي تنصبّ في خانة التّوصيف بالقبح وعدم القبول، تقابلها صولة سلوكيّة واعتداد بالذّات من قبل الكبار، ومن هنا يتعالق الجدولان: جدول الصّفات الجسديّة (Prosographie) وجدول الصّفات الخلقيّة (L’étopée)، ولعلّ هذا التّعالق يستند إلى تناقض، وهذا التّناقض بين كبر السنّ وما يختزنه من وفرة التّجارب والعقل الرّاشد ومتعلّقاته من حكمة وتعقّل وحصافة ونباهة وبداهة، صفات، لعمري، تؤسّس لسلطة الشّخصيّة وسموق وضعها الاعتباريّ في المجتمع، وبين طول الأذنين والإمعان في تعريتهما بتعرية الرّأس من الشّعر، وهي من العيوب الخلقيّة في الثّقافة الشّعبيّة، بما أنّ طويل الأذنين قليل التّفكير، سطحيّ في فهمه، وفي اختياراته، وفي نظرته لذاته وللآخرين وللوجود، ولعلّ هذا التّناقض البالغ حدّ التّقاطب، هو ما يصنع الطّرفة ويثير السّخرية ويقدح زناد الإضحاك.

2-2- تسريد المتخيّل:

نشهد، منذ بداية القصّة القصيرة، إعلانا عن فاتحة الحكاية، وقد أجملتها ولخّصتها بأسلوب أدبيّ مشوّق وراق، يجتذب إليه القارئ ويُوقعه أسير غواية السّرد الذي يُحكم قبضته عليه، ويلزمه تتبّع تفاصيله في طيّ المسرود وفي أعطاف طبقاته اللّغويّة، وهو ما نستشفّه من قول السّارد: “أتذكّر جيّدا كيف اصطحبني أبي أوّل مرّة معه إلى الحلاّق، كان المكان ضيّقا، وكان بعضهم ينتظر دوره على كراسي حجريّة مكسوّة بالجليز، يومها رأيت وجهي يحيط بي في المرايا المعلّقة على الحيطان القديمة المتورّمة فأصبت بالإحباط، علا الأحمر وجهي، تأمّل الآخرون الحمرة، ضحكوا عليّ وصفّقوا بأيديهم، فزعت إلى الهرب غير أنّ أحد الجالسين رفعني في الهواء وأنا أبكي تحت نظر أبي. بعدئذ قال لي الحلاّق: انشر المناشف في الخارج، في ذلك اليوم بدأت عملي وسط الخوف، كان أبي قد اتّفق مع الحلاّق وانتهى الأمر”[15].

وعليه فقد قامت هذه البداية النّصيّة على الإجمال لا التّفصيل، مؤثرة الاختزال على التّمديد، مثلما وضعت المتلقّي أمام نبذة من نبذات المتن. ولعلّ أهميّة هذه البداية تكمن في ما نهضت به من نسج خيوط اللّعبة السّرديّة، وقد أشعرت بتحويرات وتغييرات طارئة على قانون اللّعبة، معمول به، بموجب التحوّلات الخطابيّة، ذلك أنّه من السّنن التي اعتمدتها القصّة الحديثة، الاشتغال على آليّات التّناص، مادامت القصّة مهيّأة نوعا ما للانفتاح وإن بشكل بارق وغير مكثّف على مجموعة من النّصوص سواء كانت من جنسها أو من أجناس أخرى، فكلّ نصّ، حسب جوليا كرستيفا يُبني في شكل فسيفساء من الإحالات، وهو خلاصة امتصاص وتحويل نصّ آخر”. وعليه فإنّنا نلاحظ حضور أسلوب التّهجين (L’hybridation)، ويعني عند باختين “المزج بين لغتين اجتماعيّتين في ملفوظ واحد. إنّه لقاء في حلبة هذا الملفوظ بين وعيين لغويين مفصولين بحقبة أو باختلاف اجتماعيّ أو بهما معا[16]. واستنادا على هذا الأسلوب الذي استحال تقنية انحكمت بها مقاطع الأقصوصة السردية والاستطردات والحوارات التي  تتجادل عبرها الذات الفردية والجماعية، فقد تحققت لذات الصبي عن ذاته، بوساطة السرد، مغانم معرفية واستكشافية، ما كان ليدركها لولا فضل الأسلوب المذكور، الذي نمثّل له بقول السارد على سبيل الذكر لا الحصر:كان معلّمي يعتقد أنّ الحلاقة هي ما يجعل المرء نظيفا، وكنت أعتقد أنّه لا يفعل شيئا غير أن يجعل الرّؤوس قبيحة، يترك الأذنين تبرزان كالعورة، ولهذا كان إذا حلق أحدنا شعره وبرزت أذناه ترصّدناه في زقاق من الأزقّة، حتّى إذا ظهر أمطرناه بالحجر والثمّار وناديناه لأيّام متوالية: يا ذا الأذنين…”[17] .

إنّنا نقرأ موقفين مختلفين، ولغتين متصارعتين تبرزان بجلاء من خلال التقاطب الحاصل بين سلوك المعلم الذي مرد على عدم الانسياق وراء التّقليعات الجديدة أو الموضات أو النّماذج الحديثة في إبداعات الحلاقة، لذا بدا نافرا من كلّ جديد، ضائقا ذرعا بكلّ طارف منها، وبين سلوك موقف الصبيّ الذي بدا متمرّدا على أسلوب القدماء في التّفكير، العاكفين على ثقافة الإلف والحسّ المشترك، النّاكصين عن رياح التّغيير السّموم التي لا تُردّ. وموقف ثالث يجسّده العُرف الاجتماعيّ الجاري ومنظومة القيم المرتبطه به، ومردّه التصدّي لمرأى عراء الأذنين ومواجهته بالسّخرية اللاذعة والازدراء وما يمازجهما ويضيف عليهما من تأويلات قدحيّة ذات قيم سلبيّة، يعبّر عنها وإن بغير قصدٍ. هذا عن المتخيّل الحكائي والمتخيّل اللّغوي، فماذا عن السّيميائيات الاجتماعيّة، ذات الفائدة الجمّة والدّور الحاسم، في الكشف عن مضمرات النصّ وطبقاته الدّلاليّة المتراكبة والعميقة؟

3- سيميائيّات الأقصوصة: التّحوّل من السّيميولوجيا العامّة إلى السّيميولوجيا الاجتماعيّة:

نقصد بالسّيميولوجيا الاجتماعيّة تلك التي تركّز على الكيفيّة التي ينظّم بها النّاس استخدام الموارد السّيميائيّة، في سياق ممارسات ومؤسّسات سيميائيّة محدّدة. واستنادا على تنظيرات عالم العلامات (السّيميائيّات) الفرنسيّ غريماس فإنّ كسر قوقعة العلامة وانفتاحها على المجتمع والواقع الخارجي ضرورة ملحة أشبه بالقدر المقدور . وعليه فقد ذهب إلى أن العلامات لا يمكن أن تكون مفيدة في ذاتها، بل لا تكون كذلك إذا لم نبحث عمّا يكون مخفيّا تحتها، فخلف العلامات كما يقول: “تختفي لعبة الدّلالات، ويقود التّحليل المعمّق إلى هدم هيكل العلامة وتحطيمه كي تظهر عوالم الدّلالة”[18]. إذن فنحن في أمسّ الحاجة إلى السّيميولوجيا الاجتماعيّة لقدرتها على تحليل مثل هذه الظّواهر المختلفة وكذلك على استثمار الموارد السيميائية وتوظيف طاقات سيميائيّة لإنتاج الدلالات التي يمكن أن تفيدها، فما من عمل سيميائيّ إذا إلاّ وهو رابط بين الموارد والقدرات السّيميائيّة، أو بين العبارات السّيميائيّة مهما كان نوعها والدّلالات الموصولة بها.

يقول برتران رسال (Bertrand Russell): “المثل هو فكر فردٍ وحكمة الجميع”[19]. وسنعنى بثلاثة أمثلة، هما: أوّلهما، “يتعلّم الحجامة في رؤوس اليتامى”، والمثل أو القول السّائر يعزى حسب كتب الأخبار إلى أبي العتاهية، وثانيهما: “إذا كان تحبّ تعلّم ولدك الكلام هزّه للحجّام”. وأمّا ثالثهما: “الرّاجل ما يعيبه إلاّ جيبه”.

علما وأنّا سنصرف اهتمامنا إلى هذه الأمثلة الواردة في هذه الأقصوصة، أوّلا باعتبارها صيغا قوليّة حكميّة قافزة على تفاصيل المعيش اليوميّ، بما تكتنزه من حشد ثرّ من المضمرات (Sous-entendus)، وهي معلومات “يبقى تفعيلها رهين خصائص معيّنة للسّياق التلفّظيّ”، وهذا يفترض أنّ للنّصوص سطوحا لسانيّة تتضافر فيما بينها لتفضي إلى عوالم دلاليّة متوارية، تشرّع للحديث عن الضّمنيّ الثّقافيّ (L’implicit Culturel). النّصوص التي تشكّل الخطاب سليلة نظام معرفيّ واجتماعيّ ينشره بين الجمهور ويفسّره ويشرعنه على نحو هادئ وصامت لا يثير السّؤال أو المقاومة، وكأنّما هذه المعرفة التي تؤسّس الضّمنيّ الثّقافيّ، ليست إلّا “قوّة الإجماع المشترك” التي توحّد النّخبة والجمهور معا.

وأمّا ثانيا فإنّ انهمامنا بهذه الأمثلة سيكون من جانبها التّداولي، الذي سيتمّ فيه تسليط الانتباه على العلامات في علاقتها بمستعملها وبمن يؤوّلها، بما هي عمل قوليّ له سياقات استخدام معلومة، هي التي تؤمّن فعله بما أنّه عمل لغويّ. والأمثال باعتبارها أعمالا لغويّة لا تفيد في الغالب الأعمّ مغزاها الحرفيّ، بل هي تنسج شبكة علاميّة أو نظاما ذا طبقات. فأولاها طبقة الدّلالة، وهي الدّلالة الحرفيّة التي تتحوّل بدورها إلى دالّ على دلالة غير حرفيّة أو رمزيّة. إنّ الأمثال في الأقوال أي في المسموعات مثل الصّور في المرئيّات، لكنّها ليست من الصّور الأيقونيّة التي تصلها بما تجسّده علاقة تشابه في شيء، بل هي من الصّور الرّمزيّة، التي ترتبط بما ممثّله علاقة اعتباطيّة، من ذلك لو استلمنا المثل الأوّل وأخذناه بشيء من التّحليل والتّفكيك وإعادة التّركيب: “تعلّم الحجامة في رؤوس اليتامى”. فهذا المثل في ظاهره رسالة يسأل من خلالها باثّ مجهول مخاطبا غير معلوم، كذلك أن يتعلّم حرفة تزيين الشّعر بتكثيف دورات الخبرة والممارسة وطلب الاحتراف في الحجامة بتجريب ذلك على اليتامى، لأنّ وضعهم الاعتباريّ المتدهور، ببساطة، لا يسمح لهم أن يضعوا شروطا على من ينفق عليهم أو على من يُسدي إليهم معروفا ويقوم بتزيين رؤوسهم، فهم بالكاد يحيون حياة الدّون والكفاف. فلا جرأة لديهم على الإنكار أو الامتعاض أو التّجرّد من تطبيق أوامر من يعولونهم من أبناء المجتمع الذي إليه ينتمون، يقول السّارد: “ذات مرّة عندما زارني واحد من أصحابي القدامى أغريته بركوب الكرسيّ الدوّار الذي اشتراه معلّمي تماشيا مع تطوّر العصر والحلاقة، وفي غفلة منه أعملت المقصّ في شعره، يومئذ لم يستطع ذلك الصّاحب فعل شيء غير البكاء، أمّا أنا فقد أمسكت بالمشط والمقصّ… وانطلاقا من ذلك اليوم استشرت شهرتي في البلدة”[20].

ولعلّ أهميّة هذا الشّاهد تكمن في نطقه بما صمت عن البوح به ظاهر اللّفظ أي لفظ الأمثلة كيانا متعيّنا مرئيّا، فاحتجنا إلى أن نفكّكه وأن نفجّره بيانا ومعنى ورمزا يختزن بنية المثل النّفسيّة الجامعة لللاّمفكّر فيه بلغة أركون[21] ، والمسكوت عنه واللاّوعي الجماعيّ لمجتمع معيّن. ومنتهى قصدنا بالمعنى المضمر والمختبئ خلف غلالة جسد اللّفظ الظّاهر للمثل المذكور، هو أنّ الحجامة لم تكف أن تعني وظيفة قص الشعر تحديدا وإنّما أطلقت على عموم الحرف فأصبحت بمثابة اسم جامع لها. ونكتة هذا المثل وخلاصته أنّ سلوك معلمي الحرف هو نفسه لم يتغير في العصور القديمة والحديثة على السواء، فهو يقوم على عدم الإفضاء للصبي بأسرار المهنة ومماطلته في منحه ما يريد الحصول عليه، والتراخي في نصحه، بل تجد الواحد منهم يسعى جاهدا أن يُطيل جهله بأسراره ، حتّى يتيسّر له استغلال صبيه أطول فترة ممكنة. فالنّتيجة المسجّلة أنّ الصّنعة افتكاك وسرقة أو كالسّرقة أو لا تكون. فهي تفتكّ افتكاكا، ولا تمنح هديّة سائغة من العارف بأفانينها لصبيانه. ولعلّه من تمام العبث أن يذهب بنا الظنّ أو أن نسعى لإقناع غيرنا بأنّ الحلاّق أو أيّ صاحب حرفة سيصبّ أسرار المهنة صبّا في ذهن صبيّه حتّى يخلق منافسا له شرسا جحودا، مزاحما له في رزقه. وقد أكّد الصبيّ هذا المعنى، حين تحدّث عن جدول عمله اليوميّ، الذي كان محصورا في كنس الشّعر المتناثر على القاعة أو الشّراء، وكأنّ نشاطه هذا قد حدّد أفق حريّته وسوّره بسياج اللاّمنطق وضيّق على نُسيمات الإبداع بمحبس منحسر الأبعاد رتيب الحركات، ما يعني أنّ المعلّم قد تحوّل بهذا السّلوك القاهر  لصبّيه، النّاقض لغزل ملكاته الخلاّقة، من عونٍ مساعدٍ إلى عون مناوئ. يقول السّارد: ” لكنّه كان في الغالب يكلّفني بكنس الشّعر المقصوص ورميه في الزّبالة، وكان عندما يتحدّث عن النّساء ويريد تسمية بعضهنّ يكلّفني بإحضار قهوة، في ذلك الزّمن شعرت بالنّضج، فقد أصبحت أعرف أسماء النّاس، ما يحبّون وما يكرهون، بيوتهم في الحارة أو في القصبة أو في البطحاء أو في الأحياء، أحوالهم، أولادهم، ما يطبخون وما يشربون، ما ينتظرون وما لا ينتظرون، كنت أحدّث أمّي بذلك فتقول لي: أخيرا أصبحت رجلا، كانت الرّجولة بالنّسبة إليها هي المعرفة، وكان أبي من ناحيته يجالسني وهو يشرب الشّاي ويدخّن ويقول لي: الرّجل من كانت له صنعة يجيدها”[22].

ولمّا ضجر الصّبيّ من إهمال الحلاّق له، وصدّه عن تعلّم الحرفة، وتلهيته بوظائف حافّة أو محيطة بالحلاقة،  ليس من شأنها أن تُؤثّر، سلبا أو إيجابا، في الإحاطة بأفانينها خُبرا، ذكر أنّه فكّر في الفرار من هذه المهنة، مرارا وتكرارا، مثلما كان من انعقاد همّته، في زمن الطّفولة، على  الفرار من الدّراسة ومضيّه في إنفاذه. يقول السّارد: “أفتح الباب في الصّباح وأغلقهما في المساء، وكان معلّمي يعتبر ذلك تدريبا على المسؤوليّة ودافعا لحبّ المكان، وكنت أنا أفكّر في الهروب من الحلاقة كما هربت من الدّراسة، ولكنّني كنت خائفا من فقدان رجولتي إذا أنا فقدت صنعتي، صنعتي التي أصبح أبي بفضلها يشرب مبتهجا الشّاي معي، فالرّجل عند أمّي من يعين أباه بالمال ويسمع كلامه”.

وبعد أن أفضنا في تفكيك المثل الأوّل وأوفيناه من العناية ما يستحقّه، آن لنا أن نتناول بالشّرح والاستقصاء المثل الثّاني، وهو: “إذا كان تحبّ تعلّم ولدك الكلام هزّه للحجّام”. ولعلّ ظاهر اللّفظ يشي بأنّ الخطاب قائم بين باث غير معلوم ومخاطب أو مرسل إليه غُفل كذلك، ولعلّ غُفليّة كليهما ليست سوى أسلوب مقصود للخروج من صيغة النّصيحة، التي تنطلق لفظا لسانيّا محسوسا جاريا بين شخصين، إلى صيغة لفظيّة مجرّدة، تتحوّل بفعل التّكرار والتّلاسن بها إلى ما يشبه القاعدة المتداولة المحرزة على صفة العموميّة والإطلاق وقوّة الانتشار وسعة التّداول. فظاهر المثل نصيحة، يلتمس بها حمل الصّبيّ لعلاج الحُبسة أو عقدة الاضطراب النّطقيّ أو تأخرّه عن الانتظام النّطقيّ الذي تقتضيه سنّ معيّنة، والقرينة المانعة من إيراد هذه الفرضيّة وقبولها أنّ من يشكو تأخّرا في النطّق أو عسرا فيه (Dyslexie) أو عسرا في الحساب (Dyscalculie) أو في الإملاء (Dysorthographie) يُختلف به إلى مختصّ في تقويم النّطق أو طبيب نفساني أو مختصّ في الأمراض العصبيّة، لفكّ عقال النّطق أو أزمة الخلط بين الحروف أو.. ولا يُختلف به إلى الحجّام. وهو ما يعني أنّ ما يوكل لمحلّ الحلاّق تحقيقه هو انطلاق ألسنة، وانثيال قرائح، وتفتّح ثقافات من يؤمّون المكان، بما يرسلونه من تحليلات للوقائع والموضوعات، وتجاوبات، وبما يدلون به من معارضات ومشادّات وملاسنات وخصومات وفذلكات وطرائف، وبإبراز القدرة والكفاءة المكينة على إثارة المسائل ومناقشتها، وذلك على اعتبار أنّ كلّ إناء بما فيه يرشح مثلما يقال، والمحلّ عامر بالنّاس كبارا وصغارا، فتُعرض على مسامع الصّبيّ كلّ يوم مئات التّجارب ويتمّ ترصيد خزين من الأمثلة والحكم  في بورصة رمزيّات الطّفل، ناهيك عمّا يمرّ على ذهنه من طرائف الحكايا وعجيب الأحاجي ومذهل الألغاز، ومثلها من رشح الأفكار والقيم والتّصورات المتعلّقة بالعلاقات بين النّساء والرّجال، والأخرى المتعلّقة بالسّياسة وكذا بالاقتصاد وبالثّقافة وشؤونها المتفرّعة والمتنوّعة. يقول السّارد واصفا ما لاحظه من مغامز ومطاعن تتعلّق بسلوك الكبار: “في ذلك الوقت كان الشّيوخ وحتّى الكهول يجيئون إلى الحانوت بسراويلهم المشدودة بأقفال أسفل الرّكب، وكنت أضحك عليهم وهم يتحرّكون أمامي بسبب ذلك الانتفاخ الذي يجرّونه وراءهم من مكان إلى مكان. فقد كنت أنا مثل أندادي أرتدي سروالا قصيرا، لا تشدّه الأقفال في الأسفل، وحتّى أبي لم يستعمل تلك السّراويل المنتفخة، ربّما بسبب التّأثيرات الأوروبيّة، وكانوا قبل جلوسهم على كرسيّ الحلاقة يسلّمونني ما يضعونه على رؤوسهم، فكانت أصابعي تضع على المشاجب الشّواشي الحمر والشّيلان البيضاء الطّويلة، وكان أحد الشّيوخ يجيء فلا تطيب له الحلاقة إلاّ وهو يغنّي، كانت أغنياته جميلة مّما جعل معلّمي يعفيه من الدّفع، كانت كلماته عن جمال المرأة ومشيتها وبياضها وما تسبّبه للرّجل من عذاب، وكنت أنا آنذاك أكاد أشعر تماما بما يعانيه هؤلاء الشّيوخ من فرط ولههم”[23].

ويتفاعل الصبيّ مع الزّبائن على اختلاف مشاربهم وتنوّع منازعهم وتباين انتماءاتهم الهوويّة والثّقافيّة بالسّخرية تارة وبالشّفقة عليهم تارة أخرى، وبكشف عوراتهم ومثالبهم وتصّاعد المكبوتات وخسيس الشّهوات وأراذل الرّغائب المقموعة من بواطن الشّيوخ طورا آخر. ومن هنا نمت عنده ملكة الملاحظة وشبّ روح النّقد واكتسب ثقافة اجتماعيّة، لا بأس بها، دافعة إيّاه في اتّجاه تعزيز قدراته التّواصليّة والتّفاعليّة مع النّاس.

المثل الثّالث: “الرّاجل ما يعيبه إلاّ جيبه”. وهو مثل في معناه الحرفيّ يحيل على ظاهر لفظه أي الرجل الذي يفتقر جيبه إلى النّقود أو المال، وفي الحقيقة يبدو أنّ علاقة الجيب بالرّزق علاقة مكينة طبيعتها الجزئيّة، فما يختبئ في الجيب جزء ممّا يذخر به الرّجل في بيته وفي حياته الخاصّة من ممتلكات. وهذه الحكمة عادة ما يشي بها مقول الأمّ ومقول الأب حتّى يواصل الابن العمل لمساعدة والده في الإنفاق على إخوته الذين يزدادون مع كلّ ربيع جديد. وهو ما يؤكّد أنّ منظومة القيم يعاد إنتاجها بشكل إجباريّ قهريّ في مجال سلوك الطّفل، بفعل التّأطير، الذي يتلقّاه من والديه ومن محيطيه العائليّ الموسّع بصفة يوميّة، وهذه القيم هي التي يسميّها السّوسيولوجيّ الفرنسيّ بيير بورديو (P. Bourdieu) بالدّوكسا[24].  يقول السّارد مبرزا انتظارات والديه منه، إزاء ما تستدعيه النّفقات المستجدّة لعائلة واسعة العدد: “في ذلك الوقت كان أبي يحدّثني عن مصاعب الحياة، ما يلزم إخوتي الخمسة من ثياب جديدة، وكانت قريبات أمّي يأتين إلى بيتنا، ينظرن إلى أمّي فوق فراشها ويتأمّلن وجه أخي الذي ولد حديثا، يبحثن عن شبيه له في العائلة أو بين الأقارب. وكان أبي يشعر بالفخر لأنّه أنجب الأولاد، أمّا أنا فقد شعرت بأنّني مسؤول عن إخوتي، أحسست أنّني أب صغير بلا شوارب يعمل من أجلهم، يضعهم أمامه ويحلق لهم، يمازحهم، وعندما أفرغ أرى آذانهم المدلاة من جماجمهم اليابسة، أتذكّر كيف كانوا ينزلقون من بين يدي ويلتفّون حول أخي الرّضيع برؤوسهم الضّحلة الملساء”[25].

إن ّ مفهوم التّمثّلات الاجتماعيّة بوجه عامّ، وما استحال منها إلـى عـوائـق ثقافية بوجه خاصّ، مفهوم علائقيّ متشابك، يـتـعـذّر المسك بـآلـيّات اشتغاله بمعزل عـن شبكة الـعـلاقات الـتـي تربطه بالـمـؤثـرات الواعية واللاّواعية، بالذّاكرة وبالخيال، بالوجدان وبالعقل. فمقاربة التّمثّلات الاجتماعيّة والثّقافيّة بوساطة السّيمولوجيا الاجتماعيّة وما تنفتح عليه من تأويلات متعدّدة وقراءات مختلفة ومتباينة ترفد الدّلالات الظّاهرة بالمعاني الثّاوية خلف البنيات السّطحيّة للنّص. فالسّيميولوجيا الاجتماعيّة تفتح معبرا لإمكانات ثرّة لقنص الدّلالات العميقة العالقة في أصقاع النّص وبين تثنيّات طبقاته المتراكبة والمنضّدة. إنّ الثّقافة العالمة التي تمنحنا من نفحاتها فسحات غانمة، مخصبة بالاستمتاع بثمرات السّيميولوجيا الاجتماعيّة، التي تزخر بكثير مـن الـصّـور والـرّمـوز الفلسفيّة والقراءات المتخصّصة البينيّة (Interdisciplinarité). 

4- خاتمة:

على ما تمتاز به أقصوصة “قنص الموت” من خصائص الواقعيّة الأدبيّة، المتأتيّة من التزامها بقضيّة من واقع الحياة، ومن مواءمة الأقوال لثقافة شخصيّة الطّفل وطبعها ومستواها وروحها ومسالك فكرها وأحاسيسها ووجدانها، المختلفة عن مسالك غيرها، فإنّها قد جسّدت بحقّ رحلة سرديّة شائقة، تسربلت بين أصابع ذكيّة لمّاحة وعميقة، أمكن لها أن تعزف لحن خصوصيّتها وتشكّل عالمها الفنيّ على وتر التّخييليّ والذّاتي رغم ملامستها الواقع تارة وتعبيرها عنه، فما من أدب إلاّ وله لمسة خيال في بناء نصّه ونحت أفق إبداعه وتلقّيه. هذا وقد اكتسبت هذه الأقصوصة، على حدّ تقديرنا، سمة العيّنة الأدبيّة الدّالة على الأدب التّونسيّ المعاصر، بسبب ما نهضت به من تبئير على بعض الحقائق الإنسانيّة والوجوديّة، التقطها الصبيّ السّارد،  في طزاجتها وحرارتها، مُضفيا عليها من سمة العفويّة والتّلقائيّة عنوانا يزيد المتلقّي لها تعلّقا وحرصا على متابعتها، خاصّة وقد قدّمت بعدسة مكبّرة، تتقاطع في رسم ملامحها وإبراز مكامنها منظورات متعدّدة وآراء متنوّعة وقيم تمتح من فيض معين إنسانيّ زاخر متدفّق. وهكذا فقد مثّلت هـذه الثّقافة العالمة الّتي هندست الفكرة وقادت خيوط اللّعبة السّرديّة رافـدا مـن الـرّوافـد المغذّية للـتّـمـثـّلات والـصّـور والرّموز والاتّجاهات الـفـلـسـفـيّة والدّراسات السيّميائيّة الجديدة، لذلك نستنتج أنّه لكي تنهض الأمثلة السّائرة في المجتمع بوظيفتها التي عُهدت إليها ووكّلت بها، بعد أن شهدت دلالتها تحوّلات من معناها الظّاهريّ السّطحيّ العالق باللّفظ اللّغويّ إلى الدّلالات العميقة الغائرة المشبعة بروح التّنوّع والتّعدّد، والمتناثرة، في أصقاع النصّ، المقتنصة ببلاغة التّأويل وأهميّة القراءة وتواتر القراءات. فالقارئ أو المتلقّي هو الذي أمّن بعثا جديدا وروحا طريفة سرت في أوصال جسد اللفّظ المحنّط والمقيّد بإكراهات الّلفظ الخارجيّ. إنّها روح السّياق ومادّته التي تتشكّل من طينتها جمهرة المعاني وصنوف الدّلالات الاجتماعيّة. فالمعاني، إذنْ، ليست سوى حقائق قدّت على سمت التّداول والتّفاعل مع دنيا النّاس، وإكراهات الواقع والمجتمع والتّاريخ.


-[1] قاص تونسي، عضو اتّحاد الكتّاب التونسيين، له مجموعتان قصصيتان ” آخر أندلسي” ضمن سلسلة كتاب تمبكتو و”المداعبة”. نشر القصّة القصيرة في مجلّات وصحف تونسيّة وعربيّة مثل” الحياة الثقافيّة” و” المسار” و” أخبار الأدب” المصريّة و”القدس العربي” اللّندنية و”الدستور” العراقيّة، وله مجموعة قصصيّة جديدة قيد النشر بعنوان” القوبرنادور”.

[2]– عامر الحلواني، التحليل السّيميائي والمشروع التأويلي، صفاقس:  مطبعة سوجيك، الطبعة الأولى 2010 ، ص105.

[3]– أصيل الشابي، المداعبة، ميسكلياني، (د.ت)، ص98.

[4]– الصدر نفسه، ص103.        

[5]– سمير المرزوقي و جميل شاكر، مدخل إلى نظرية القصّة تحليلا وتطبيقا، العراق: دار الشؤون الثقافية العامة/ أفاق عربية الطبعة الأولى، 1986،  ص 73-74 .

[6]– إبراهيم صالح، الفضاء ولغة السرد في روايات عبد الرحمن منيف، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2003. ص 124 

[7]– الصادق قسومة، باطن الشخصية القصصية: خلفياته وأدواته و قضاياه، تونس: دار الجنوب للنشر، ط 1، 2008، ص170.

[8]– أحمد السماوي، في نظرية الأقصوصة، صفاقس: مطبعة التّسفير الفني، الطبعة الأولى ،2003. ص70.

[9]– أصيل الشابي، المداعبة، مصدر سابق، ص72.

[10]– المصدر نفسه، ص74.

[11]– انظر: جليلة الطريطر، مقومات السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث (بحث في المرجعيات)،  تونس: مركز النّشر الجامعي ومؤسسة سعيدان للنّشر، تونس، ط1ص119.

[12]– أصيل الشابي، المداعبة،  مصدر سابق، ص73.

[13]– المصدر نفسه، ص75.

[14]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[15]– المصدر نفسه، ص73.

[16]– Mikhaïl Bakhtine, Esthétique et théorie du roman . Traduit du russe par Darida Olivier, Edition Gallimard, paris, 1978, p 158.

[17]– أصيل الشابي، المداعبة، مصدر سابق، ص71.

-[18] انظر: سعيد بن كراد، مدخل إلى السيميائيات السردية، الجزائر، منشورات الاختلاف، الطبعة الثانية، 2003، ص147.

[19]– برتراند رسل، بحوث غير مألوفة، ترجمة سمير عبدة، دمشق : حلبوني، ط1، 2009، ص15.

[20]– أصيل الشابي، المداعبة، مصدر سابق، ص70.

[21]– انظر: لمحمد أركون،  الإسلام الأخلاق والسياسة ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، منشورات مركز الإنماء القومي، ط1، 1990، ص150.

[22]– أصيل الشابي، المداعبة، مصدر سابق، ص71.

[23]– أصيل الشابي، المداعبة، مصدر سابق، ص72.

[24]– P. Bourdieu, Le sens pratique, Edition Minuit, Paris, 1980, p 115.

[25]– أصيل الشابي، المداعبة، مصدر سابق، ص75.

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد