جماليات التجاوب في فعل القراءة

جماليات التجاوب في فعل القراءة

الملخّص:

يهدف هذا البحث إلى مقاربة آليات إنتاج معنى العمل الأدبيّ وِفْقَ ما انطوَتْ عليه نظريّة ولفغانغ آيزر (Wolfgang Iser) الذي يعدّ وأستاذه هانس روبرت ياوس (Hans Robert Jauss) من أهمّ مؤسّسي نظرية التلقي في مدرسة كونستانس الألمانيّة؛ إذ ذهب آيزر إلى أنّ إنتاج معنى العمل الأدبيّ لا يكون إلاّ من خلال المتلقي. وفي حالة غيابه يفقد النصّ معناه. فالمعنى ينتج من التفاعل الحاصل بين البنية اللغويّة للنصّ الأدبيّ، وفعل الفهم لدى المتلقي. وبعبارة أخرى في نقطة التفاعل بينهما.

ويصل آيزر إنتاج المعنى بمفاهيم مُحدّدة هي: وجهة النظر الحركية (أو الجوالة) والاستراتيجية النصّية، إضافة إلى التّفاعل ومفهوم الفراغات….

الكلمات المفاتيح: الجماليات- القراءة- التجاوب- آيزر- المعنى- التقبّل.

Abstract:

This paper examines the way meaning is produced based on the German theorist Wolfgang Iser’s Reader Response theory, a theory which gained prominence in the late 1960s, that focuses on the reader or audience reaction to a particular text. Iser argues that a literary work is not a finished product nor is the reader a passive recipient of information in the text. The reader, instead, is an active agent in creating the meaning of a literary work. Due to the fact that a text is composed of a written portion and an unwritten one, the unwritten portion, or what Iser calls « gaps », calls for the reader’s participation

Keywords: aesthetics, reading, interaction, Wolfgang Iser, meaning, Reader Response theory.


1- عتبات توضيحيّة:

الإيضاح الأوّل: عملي تدبّر لرؤية آيزر لجماليات التّجاوب في فعل القراء. تدبّرٌ عماده أثره:L’acte de lecture دون سواه حرصا على ضمان الدقّة ما استطعنا وتحرّزا من الآثار الحوافّ وتباين القراءات فيها.

الإيضاح الثاني: لن أستخدم المصطلح الشّائع ” التلقّي” لما فيه من معاني المصادفة والحياد والانتهاء (لقِي ربّه/حتفه)،ولا مصطلح “الاستقبال” لأنّه وكما تندّر بذلك واضعوه محيلٌ على الاستقبال الفندقيّ[1]، بل سأستخدم مصطلح ” التقبّل” لما فيه من معنى الموافقة والقبول والرّضا.

الإيضاح الثّالث: “الجمالية” أو “علم الجمال” مصطلح يستعمل في الفكر المعاصر؛ للدلالة على تخصص من تخصصات العلوم الإنسانية التي تُعْنَى بدراسة “الجمال” من حيث هو “مفهوم” في الوجود، ومن حيث هو “تجربة” فنية في الحياة الإنسانية. إنّه علم يبحث في معنى “الجمال” من حيث مفهومه وماهيته ومقاييسه ومقاصده. “والجمالية” في الشيء تَعْنِي أن “الجمال” فيه حقيقة جوهرية وغاية مقصدية. وعلى هذا المعنى انبنت سائر “الفنون الجميلة” بشتى أشكالها التعبيرية والتشكيلية. ومصطلح “الجمالية” أو “علم الجمال” ترجمة لكلمة “استطيقا”/Aesthethic، وهي كلمة ولدت في رحم الفلسفة الغربية من الناحية الاصطلاحية خلال القرن الثامن عشر الميلادي. فقد كان الفيلسوف ” ألكسندر جوتليب باومجارتن”/ Alexander Gottlieb Baumgarten سنة 1750م أول من سك هذا اللفظ، ثم انتقل استعماله إلى سائر الثقافات والعلوم الإنسانية كالأدب والفن[2].

2- المقدّمة:

أخذ الحديث عن جمالية تقبّل النّص الأدبي / Reception Theory حيّزاً واسعاً في الدراسات النّقدية الحديثة، خلال العقود الأربعة الأخيرة تحديدا، حيث كانت الانطلاقة من جامعة كونستانس الألمانية (Constance) على يد العالم الألماني هانس روبرت ياوس Hans Robert Jauss (1921- (1997 ثم تلاه في ذلك وفولفغانغ آيزر Wolfgang Iser(1926-2007)[3] الذي تبنّى آراء مواطنه ياوس[4] بلورةً لمفهوم جديد يحتفي بالعلاقة المتبادلة بين النّص والقارئ إيماناً بما للقارئ من دور فعّال في صياغة معنى النّص واستفادةً من التطوّر الحاصل في مجالات علميّة متعدّدة ،لسانيّة ونفسيّة واجتماعيّة…. واعتراضًا على اقتراحات البنيويّة المتحدّرة من أصول لسانيّة وعقلانيّة.

وقد أوجز ياوس العوامل التي أدّت إلى ظهور النّظريّة في النّقاط التّالية:

– الحاجة إلى تغيير النّماذج لأوضاع جديدة مستجدّة.

– السّخط العامّ تجاه قوانين الأدب ومناهجه التّقليديّة السّائدة والإحساس بتهالكها.

– وصول أزمة الأدبيّة خلال فترة المدّ البنيويّ إلى حدّ لا يمكن قبوله واستمراره.

– توجّه عامّ في كتابات كثيرة نحو القارئ بوصفه العنصر المهمل في ثالوث {المبدع-العمل-المتقبّل}[5].

إنّها إذن حركة تصحيح لزوايا انحراف الفكر النقدي لتعود به إلى قيمة النصّ وأهمّية القارئ، بعد أن تضعضعت الجسور الممتدّة بينهما بفعل الرّمزيّة والماركسيّة والبنيويّة ….مناهجُ سياقيّةٌ أمعنت النظر في النصّ من خارجه، ومن ثمّ كان التركيز في مفهوم التقبّل لدى روّاد النّظريّة على محورين فقط، هما: القارئ والنصّ. و بهذا يكون البحث المنهجي الحديث منطويا على ثلاث مراحل رئيسية: لحظة المؤلف و تمثلت في نقد القرن التّاسع عشر. ثم لحظة النص التي جسدها النقد البنائي في الستينات من القرن الماضي. وأخيرا لحظة القارئ أو المتقبّل كما في اتجاهات ما بعد البنيوية، لاسيما نظرية التقبّل. التي بدا مفهوم الاستجابة فيها ذا أصول متحدّرة من نظريات علم النّفس والمدرسة السّلوكيّة وعلم اجتماع القراءة….

وفي خضم هذه التصورات التي ميزت هذه المناهج النقدية، نشأت نظرية التقبّل نظرية نقدية جديدة مستفيدة من مجالات علميّة متعدّدة نفسيّة ولسانيّة واجتماعيّة… محوّلة الاهتمام من المؤلف والعمل الأدبي إلى النص والقارئ[6]. ومن هنا فإن مشروع نظرية التقبّل-وكما صرّح بذلك كلّ من ياوس وآيزر- لا يقوم على إقصاء المناهج النقدية السابقة، بل يعمل على استثمارها وتجاوز نقائصها في الوقت نفسه[7]. وبذلك تحولت النظرية من مجال النقد الأدبي إلى مجال نقد النقد، أو معرفة المعرفة.

ولا يُنظر في جماليات التّجاوب عند آيزر إلى النّصوص بما هي بنيات تُقدّم المعنى جاهزًا للقارئ، إنّما هي على الأصحّ مقترحات أبنية لتوليد معانٍ محتملةٍ. ولذلك فهذه الأبنيةُ المقترحةُ نفسُها معروضة ومُكيّفةٌ لإدماج القارئ ليعيد بنيَنَتَها من جديد انطلاقا من فعالياته الذهنيّة الخاصّة. هكذا تُصبح البنيةُ الذهنيّة للقارئ أثناء فعل القراءة جزءًا لا ينفصل عن بنية النصّ نفسه. وكلّ معنى ناتج عن التّجاوب التّفاعليّ هو نتاج جديد لا يُطابق النصّ ولا القارئ. إنّه حصيلة اندماج معطيات البنية الذهنيّة وتفاعلها مع بنية النصّ.

إنّه لا أمرَ مهمّا في عمليّة القراءة غير جماليات التّجاوب بين بنية النصّ وقارئه. ولذلك فإنّ دراسة أيّ عمل أدبيّ يجب أن تهتمّ ليس فقط بالنصّ الفعليّ، بل -وبنفس الّدرجة -بالأفعال المرتبطة بالتّجاوب مع النصّ. إنّهما قطبان: فنيّ وجماليّ. الأوّل هو نصّ المؤلّف والثّاني هو التحقّق الذي ينجزه القارئ. وفي ضوء هذا التّقاطب، يتّضح أنّ عمليات التّجاوب لا يمكن بحال أن تكون مطابقة للنصّ ولا هي مطابقة لذاتيّة القارئ، إنّما هي تستمدّ حيويتها من التّفاعل النّامي بينهما[8].

وهذا يعني أنّه منزاحٌ – بالضّرورة – عن النقد السّابق الذي هيمنت عليه ثنائيّة: المؤلّف -النصّ هيمنةً اعتُبرت بموجبها فكرة التقبّل فكرةً مضحكة أو بديهيّة. تماما كفكرة أنّ النصّ ليس في وسعه أن يمتلك المعنى إلاّ أوان قراءته[9].

وعلى طرف نقيض من التفسير التقليديّ الذي يعدّ المعنى مخفيّا/منطويا في النصّ فقد أبان آيزر أنّه نتيجة حتميّة للتفاعل بين النصّ والقارئ بما هو تأثير يتمّ اختباره لا هدفا يجب تحديده، أي التحوّل من النصّ موضوعًا إلى السّلوك إجراءً. نختبر ذلك من خلال المفاهيم الأساسيّة لأفعال القراءة، بين فاعليّة القارئ وفعاليّة النصّ.

3- جماليات التّجاوب: مقترب ظاهراتيّ:

تؤكّد النظريّة الظاهراتيّة في الأدب فكرةً مفادها: إنّه على من يدرس عملا أدبيّا، ألاّ يعنى بالنصّ الفعليّ فحسب، بل عليه أن يعنى-وبدرجة مساوية- بالأفعال التي تتضمّنها الاستجابة لذلك النصّ، وبهذه الطريقة يواجه رومان انغاردن / Roman Ingarden بنية النصّ الأدبي بالطّرائق التي يمكن أن تُدرك بها[10]. فالنصّ بحدّ ذاته يُقدّم “نظرات تخطيطيّة” مختلفة يمكن لموضوع العمل أن يظهر من خلاله غير أنّ تجلّيها التامّ هو من فعل الإدراك، وإذا كان ذلك كذلك، فإنّ للعمل الأدبيّ قطبين يمكن أن ندعوهما القطب الفنيّ /artistic والقطب الجمالي/esthetic يشير القطب الفنيّ إلى النصّ الذي أبدعه المؤلّف، ويشير القطب الجماليّ إلى الإدراك الذي يُنجزه القارئ، وينتج عن هذه القطبيّة الثنائيّة أنّ العمل الأدبيّ لا يمكن أن يتطابق مع النصّ تماما، أو مع إدراك النصّ ، إنّما هو يشغل في الحقيقة منزلة وسطا بين القطبين. فالعمل يتعدّى كونه مجرّد نصّ، لأنّ النصّ يستمدّ حياته من كونه مُدرَكا، وأنّ فعل الإدراك فضلا عن ذلك، مستقلّ عن المزاج الفرديّ للقارئ، رغم أنّ القارئ يتأثّر بنماذج النصّ المختلفة.

إنّ الالتقاء بين النصّ والقارئ هو الذي يحقّق للعمل وجوده، ولا يمكن لهذا الالتقاء أن يُعيّن بدقّة، ولكن يجب أن يبقى دائما التقاءً فعليّا، كما لا ينبغي أن يتماثل بحقيقة النصّ أو بالمزاج الفرديّ للقارئ، لذا يستمدّ العمل طبيعته الدّيناميّة من وجوده الفعلي، وهذا في الحقيقة شرط مسبق لما يترتّب على العمل من تأثير. فعندما يستعمل القارئ المنظورات المتنوعة التي يقدّمها له النصّ لكي يصل النّماذج و”النظرات التخطيطيّة” أحدها بالآخر، فإنّه يجعل العمل في حالة حركة. وهذه العمليّة نفسها تُفضي أساسًا إلى إيقاظ الاستجابات في نفسه. وهكذا فإنّ القراءة تجعل العمل الأدبيّ يتكشّف عن طبيعته الدّيناميّة المتأصّلة. فهذا “لُران شتيرن/Laurence Stern (في رواية ترستردام شاندي) يلاحظ” ما من مؤلّف- يعرف حدود اللّياقة والذّوق الرّفيع-يمكن أن يتجرّأ على التفكير في كلّ شيء: فالاحترام الحقيقيّ الذي تمنحه لفهم القارئ هو أن تشاطره هذا الموضوع وديّا، وأن تترك له -ولنفسك-شيئا ما يتخيّله حسب مزاجه[11].

نخلص إلى اعتبار النصّ الأدبيّ شبيها بالميدان الذي يشترك فيه القارئ والمؤلّف في لعبة التخيّل، فإذا ما قُدّمت القصّة إلى القارئ بتمامها، بحيث لا يُترك له شيء يفعله، فإنّ تخيّله لن يلج الميدان أبدًا، وستكون النتيجةُ المللَ الذي ينشأ عندما يُعرضُ أمامنا كلّ شيء متجزّأً وجافّا. ولذلك ينبغي أن يُتصوّر عمل أدبيّ ما بطريقة سوف تُشرك تخيّل القارئ في تحقيق أمور خاصّة به عبر قراءته، ذلك لأنّ القراءة مُحالٌ أن تكون مُمتِعَةً ما لم تكنْ فعّالة وإبداعيّة وتخييليّة. وفي العمليّة الابداعيّة هذه، إمّا ألاّ يتجاوز النصُّ الحدود بشكل كاف، أو يتجاوزها إلى حدّ بعيد جدّ. ولذلك ربّما نقول إنّ ذلك الملل والإرهاق يُكوّنان الحدود التي بتخطّيها ستفتر جماليات التّجاوب في القارئ. والسّؤال الذي يبرز هو: إلى أيّ حدّ يمكن أن نصف العمليّة وصفا وافيا؟ نختبر ذلك من خلال المفاهيم الأساسيّة لأفعال القراءة، بين فاعليّة القارئ وقابليّة النصّ.

4- المفاهيم الأساسيّة لأفعال القراءة ، بين فاعليّة القارئ وقابليّة النصّ:

لا تنحو العلاقة بين القارئ والنص منحى واحدا كما الشأن في الاتجاه البنيوي أو السميولوجي أو الاجتماعي، إنما هي علاقة تبادلية تسير فيها عملية القراءة في اتجاهين متبادلين: من النصّ إلى القارئ ومن القارئ إلى النصّ. فبقدر ما يقدم النص للقارئ يضفي القارئ على النص أبعاداً جديدة قد لا يكون لها وجود في النص. وبذلك يصح القول بأن التّفاعل خصيبٌ بينهما في الاتّجاهين. فكيف تتم عملية التخصيب هذه؟

إنّ التّفاعل مع النصّ هو أسّ تشكيله واستبطانه بصورة تحقق قراءة أقرب إلى عالم النص وقصديته ورؤيته، ولذلك فإن النص الأدبي يسيطر جزئياً – بوصفه نتاجاً لأفعال الكاتب القصدية على استجابة القارئ ولكنه يحتوي دائماً – إلى درجة ازدادت بصورة عظيمة في الأدب الحديث- على عدد من الفجوات أو العناصر غير المحددة[12]. ويجب على القارئ أن يملأ هذه ذاتياً بطريقة المشاركة الخلاقة مع ما هو معطى في النص الذي أمامه. إن تجربة القراءة عملية ارتقائية من التوقع والإحباط والتأمل وإعادة البناء.

غير أنّ الأمر مشروط في جانبه الآخر بكفاءة القارئ وتمرّسه حتّى يكون على اقتدار لملء الفراغات التي يتركها النّاصّ لذكاء القارئ وفطنت. إذ ما ترك فراغات إلاّ حيلٌ أسلوبية على نحو مُعتمّدٍ لكي يملأها القارئ فهما وتأويلا، يُجلّي بموجبها جماليّة النصّ.

وإنّا لواجدون آيزر مستندا لما ذهب إليه إدوارد إ. جونز / Edward E .Jones وهارولد ب. جرار/B. Gerald Harold في كتابيهما: أسس علم النفس الاجتماعيّ /Foundations of Social Psychology[13] حين اعتبرا التّفاعل مع غير المتوقّع/المألوف -كما الحال في علاقة تعارف وتحابب-إغناءً للتجربة كلاهما يصدر عن مخطّط سلوكيّ مغاير. وكلّما ارتفعت درجة التّغايُر ازداد التّفاعل إثارة وكلّما تناقص صار التّفاعل بين الشّريكين أكثر طقوسيّة[14].

4- 1- فاعليّة القارئ:

لئن كانت القراءة ذوّقيّة انطباعيّة في لحظتها الأولى فإنّ كشفها جماليات النصّ المقروء يخضع لجملة من الاستراتيجيات المجسّدة لفاعليّة القارئ تسمح برؤية مواطن الجمال مكشوفة كانت أو متواريّة. فلا يكون النصّ الأدبيّ بموجب ذلك بنيةَ تقدّم المعنى جاهزا مستوفى بل هو على الأصحّ بنية مقتَرحةٌ ومُكيّفَةٌ حتّى يُعيد القارئ بنيتَها من جديد انطلاقا من فعالياته الذهنيّة الخاصّة. نتاج هذا التّجاوب التّفاعليّ فهم لا هو مطابقٌ القارئ ولا هو مُطابق النص. إنّه حصيلة اندماج معطيات البنية الذهنيّة وتفاعلها مع بنية النصّ.

تتمثّل نقطة البدء في نظريّة آيزر الجماليّة في تلك الصّلات الجدلية الرّابطة بين النصّ والقارئ. وتقوم على جدليّة التفاعل بينهما في ضوء استراتيجيات عدّة منطلقها الاعتراض على المقاربة البنيويّة والاهتمام بدور المتقبّل في مسألتين أساسيتين هما: شروط التّفاعل بين القارئ والنصّ[15] وبناء المعنى/استراتيجيات بناء المعنى[16].

نلخّص مناط اهتمامه في سؤال يُوجزُ مجال بحثه هو: كيف؟ وتحت أيّة ظروف يُكوّنُ النصّ معنى بالنسبة إلى القارئ؟ ذلك أنّ النقد السّابق لجمالية التقبّل لم يُعر الاهتمام لطرف المتقبّل إلاّ باعتبار ذلك مسألة مُسلّمة. بيد أنّ آيزر يجد أنّه من الغريب” أنّنا لا نعرف إلاّ القليل عن كنه ذلك الشيء الذي نعتبره مسألة مُسلّمة “[17].

ما الفهم والتأويل إذن إلاّ إخراجٌ للمعنى الخفيّ في النصّ. فمن الطبيعيّ أن تنتج عن هذا الفهم ثلاثُ نتائجَ:

– خسارة للكاتب

– شعور القارئ إثر كشفه المعنى الخفيّ وكأنّه حلّ لغزًا ولم يبق أمامه غير تهنئة نفسه بهذا الإنجاز.

– إذا كانت وظيفة التأويل هي إخراج المعنى الخفيّ من النصّ الأدبيّ، فإنّ هذا يتضمّن افتراضات مسبقة هي أنّ الكاتب قد يتستّر على معنى واضح يحتفظ به لنفسه…. وباستخراج القارئ المعنى الذي هو جوهر العمل الأدبيّ يصير النصّ مبتذلا، مستهلكا، وهذا لا يقضي على النصّ فحسب، وإنّما يقضي على النقد الأدبيّ أيضًا[18].

4- 2- عمليات الفهم:

تبدو عمليات الفهم مرحليّةً تدرّجيّة أشبه ما تكون بالتّنقيل التّتابعيّ للصّور. تنقيلٌ اصطلح عليه آيزر بـ “تحوّل(حركيّة) وجهة النظر/La mobilité du point de vue”[19] . يستند هذا المفهوم إلى كون النصّ المخيل- أي النص الأدبي- لا يدرَك مرة واحدة ومن الخارج، كما هو الحال بالنسبة إلى الأشياء الجاهزة تجريبيا، بل يستكشف تدريجيا من الداخل. “وهذا المسار الذي يتخذه القارئ- باعتباره جهة نظر متحركة داخل حقل الفهم -هو الذي يؤمّن /يضمَنُ خصوصية الموضوع الجمالي في النص المخيل”[20]. والتلون بألوانه.

و انتهى آيزر -مستندا إلى علم النّفس اللّسانيّ[21] وإلى مفهوم التوقع في ظاهراتية هوسرل/ Edmund Husserl [22] – إلى أن النّقلات القرائية داخل النص على مستوى الجملة الواحدة أو الجمل المتعاقبة تمثل لحظات يتفاعل فيها المحَصل مع المتوقع، حيث يوجد المتقبّل عند تقاطعهما. ويتكشف هذا المسلسل القرائي عن واقعة أساسية هي التحول الدّؤوب لوجهة النظر داخل النص لتنفتح بذلك آفاقه الداخلية.

– التفاعلية:

التّفاعل الخصيب في عُرف آيزر هو شرط لازم لإنتاج المعنى، لاسيما إذا كان القارئ ذا خيال خصب وذهن حاد. ما عاد بموجبهما مكتفيا بالاسترشاد بالتوجيهات النصية ليحقّق مختلف المعاني بل هو يخلّــقها تخليقا[23]. فليس المعنى معطى بصفة قبليّة -كما هو الحال في الخطاب المألوف-إنّما هو إنشاءٌ[24]. وبالتّالي لا يصير الفهم مستوجبا التفسير بل الابتداع والتخليق[25] .

إن النص بهذا الاعتبار لا يحمل قصدا معيّنا يبلغه المؤلّف، ويستخرج معناه كما لو كان مكتملا جاهزا وثابتا. بل هو نشاط سلطةٍ. فعل القراءة فيه مطلقٌ لا مكان فيها لقصد المؤلّف أو النصّ. بل إنّ النصّ النّاجح هو الذي ينشّط ملكات القارئ الفرديّة في الإدراك والمعالجة. ورغم أنّ النصّ قد يجسّد فعلا الأعراف والقيم الاجتماعيّة لقرّائه المحتملين فإنّ وظيفته لا تقوم فقط بعرض مثل هذه المعطيات، بل في استعمالها لكي تضمن فهم النصّ.

بيد أن إبعاد قصدية المؤلِّف إبقاءً على قصديّة القارئ مع ما يواكب ذلك من تعدد القراءات للنص الواحد، بل و تعدد قراءات القارئ الواحد للنص الواحد، كان مسهمًا في دق جرس خطر الفوضى، فوضى التفسير لذا فقد حاول مؤسّسو النّظريّة تقديم ضوابط للتفسير تتمثل في أفق التوقعات التي يجيء بها الفرد إلى النص في بداية فعل القراءة [26] . فما مفهوم أفق التوقع ؟ و ما صلته بفاعليّة القراءة وحرّيتها؟

– أفق التوقع:

نرى آيزر مستثمرا نظريات التحليل النفسيّ للتجاوب الأدبيّ، وتحديدا نظريّة نورمان هولاند ونظريّة سيمون ليسّر/Simon Lesser، اللتين لا تريان الأدب شكلا من أشكال التّواصل فحسب ولا هو تعبير أو صناعة فحسب بل هو تجربةٌ تفاعليّة موصولة بغيرها من التّجارب[27] .

وفي ذات السّياق يتساءل: ما الشّروط التي تهيّئ نصّا ليُنظر إليه بعينيْ قارئ القرون الوسطى أو بعيني قارئ حديث أو من خلال منظور أسطوريّ او منظور التحليل النفسيّ؟ أليس العجز عن الفهم أمارة على استغلاق معنى النصّ؟ يُجيب: لا يمكن أن يكون النصّ هو الذي يُخفي معناه لأنّ الأدب تحرّرٌ وخلاصٌ والقارئ هو الذي ينتج إخفاءً للمعنى الحقيقيّ[28].

واستنادا إلى منظور هولاند النفسيّ يفترض آيزر أنّ عمليّة التّواصل تتمّ من خلال نوع من المطابقة بين البنية النصّية والاستعداد الخاصّ للقارئ، فيمكن للنّصوص أن تُفسّر بسهولة طبقا للبنيات السيكولوجيّة المألوفة حيث يُبلّغُ النصّ المعنى عاكسا البنيات السّيكولوجيّة للقارئ أو يُبلّغُ القارئُ نفسَ المعاني المألوفة أثناء القراءة والتعرّف. ويخلص آيزر إلى اعتبار الصّورة المرآويّة الأفلاطونيّة للنصّ والقارئ لن تكون كافية بالمرّة لتفسير التأثيرات والتّجاوبات التي تُحدثها الأعمال الأدبيّة[29].

إنّ تجاوبًا يعتمد على قارئ بحّاثةٍ عن الصّورة المنعكسة لنفسه، لا يمكن أنّ يُقدّم للقارئ أيّ شيء جديد وهو ما ذهب إليه ياوس حين اعتبر “أفق التوقّع” نظاما من المرجعيات المشكلة بصفة موضوعيّة. وهو مع كلّ عمل في اللّحظة التّاريخيّة التي ينشأ فيها، ينشأ من ثلاثة عوامل أساسيّة : التجربة المسبقة التي اكتسبها الجمهور حول الجنس الذي ينتمي إليه النصّ، شكل الأعمال السّابقة ومواضيعها التي يُفترض معرفتها والتّعارض بين أسلوب اللّغة الشعريّة وأسلوب اللّغة العمليّة/ العالم الخياليّ والواقع اليوميّ[30].

وبالتّالي خلُصَ آيزر إلى أنّ الشيء الحاثّ لا يكمن في المشابهة بل في الاختلاف. وبالتّالي فإنّ عمليّة الفهم برمّتها تتحرّك لجعل غير المألوف مألوفا، بل سيكون الأدب عقيمًا لو كان سبيلا للتعرّف لما هو مألوف فقط[31].

إنّ الأدب -تماما كغيره من الفنون- له تأثير الارتياح/détendre وهو في نهاية المطاف ارتياحٌ/ réconfort[32]. حتى لو جعلنا العمل نشعر بالألم أو الإثم أو القلق، فإنّنا ننتظر منه أن يُعالج تلك التّجارب حتّى نرتضيها وحينها يقدّم الأدب المتعة المنتَظَرةَ منه. متعةً يتناوب فيها القلق والحلّ. هي بعبارة القرن الثامن عشر نوع من الفوضى الجميلة/Le beau désordre[33]. تحرّر القارئ من ضغط التجربة العاديّة.

– حريّة القارئ:

ليس القصد من الحرّية التحرّرَ من الضّوابط الفنيّة أو استقبال النصّ في فوضى لا تخضع للمعايير، ولا قارئا بنيويّا تقف أهمّيته عند سطحيّة الدّور الوصفيّ المنوط به. إنّ النّظريّة تنأى بالقارئ عن النّماذج السّائدة من ناحية وعن الجبريّة التي فرضها النّقد الماركسيّ على الفنّ من ناحية أخرى. فالقارئ الماركسيّ يستقبل النصّ في إطار وضعيّة إيديولوجيّة معيّنة تتوقّف عندها فرديته بكلّ ذاتيتها وميوله ونشاطها الذهنيّ، لتكون في خدمة المذهب أو الطّبقة[34].

هي مسألة تعيق الفهم لأسرها القارئ في نظام عقديّ أو ثقافي محدّد قد يحجب عنه الرّؤية الشّاملة للعمل الأدبيّ، ناهيك عن أنّه قد يرفضه بالكلّية إذا كان مخالفا لقناعاته المذهبيّة. ولهذا يؤكّد روّاد النّظريّة عموما وآيزر خصوصا “أنّ القارئ إذا لم يُحاول التغلّب على التزامه الإيديولوجي فإنّ القراءة الصّحيحة للنصّ ستكون مستحيلة” [35].

– وجهة النظر الحركيّة (الجوّالة)/La mobilité du point de vue :

هي من المفاهيم الأساسيّة التي صاغها آيزر شرحا لاستراتيجيته حول بناء المعنى النصيّ، فهي “تتيح للقارئ التحرّك خلال النصّ كاشفا خلال ذلك المنظورات المختلفة التي يترابط بعضها مع بعض تعديلا للمعنى في القراءة”[36]، لأنّ الموضوع الجماليّ المتشكّل في ذهن المتقبّل لا يمكن إدراكه دفعة واحدة، ولا يمكن تخيّله “إلاّ من خلال المراحل المختلفة والمتتابعة للقراءة “[37].

 ولكي يصوغ المتقبّل موضوعه الجماليّ، فإنّ وجهة نظره الجوّالة لا تتوقّف عن التجوال في فضاء النصّ المتكوّن من مجموعة مراحل كلّ مرحلة تمثّل مظهرا من مظاهره دون أن تمثّله بالكلّية، إذ الموضوع الجماليّ يستلزم النّقص الموجود في كلّ تمظهر على حدة. ولذلك فإنّ عمليّة التركيب تتواصل خلال كلّ مرحلة من مراحل رحلة “وجهة النّظر المتحركة( الجوّالة) “[38]. باعتبار أنّ معنى النص لا يمكنه أن يتحقّق دفعة واحدة بل يأخذ القارئ في اكتسابه تدريجيا. وهذا ما يؤكد أن ثقافة القارئ تعمل على حلّ المخزون الثقافي للنص انطلاقًا من كوْنِهِ بدءًا وصولا إلى غيره من الأكوان مآلا.” ومنتهى حراك القارئ بلوغ التأويل المتسق”[39].

هو إذن تفاعل يغذّيه الاختلاف وعدم التماثل. وقد ماثل آيزر المسألة بالتفاعل بين شخصين في الحقل الاجتماعي، تفاعلا لا يحدث بشكل قويّ إلا عندما يجهل كل واحد منهما هوية الآخر، لأنهما حينئذ يكوّنان عن بعضها البعض تصوّرا غير مطابق للحقيقة، ويتصرفان على أساس هذه الصورة المفترضة عن بعضها البعض[40].

إنّه بقدر ما يكشف النصُّ وجهات نظر متغيّرة لدى القارئ يزكو التّفاعُلُ وتُملأُ الفجواتُ. وبفضل السجلّ النصّي يتشكّل الإطار العامّ للتّواصل بين النصّ والقارئ، الذي به هو تحديدا يستطيع القارئ أن يعيد بناء الوضعية التاريخية التي يحيل إليها النص ويرد عليه الفعل[41]. هذا السجلّ سيُكسِبُ القارئ الوعيَ بالبنية الثّقافيّة التي يطرحها النصّ. وهو ذاته سيعتمد نجاح فعل التواصل اعتمادًا يؤسس بموجبه النص نفسه بما هو عامل ارتباط في وعي القارئ[42].

هذا التفاعل الدّيناميّ بين النص والقارئ[43] يخصّب القراءة إذ يطلق الأفعال التي تؤدي إلى نقل النص إلى وعي القارئ -وهذا يعني أنّ هناك أفعالا لا يطلقها النص وهي تفلت من السيطرة الداخلية للنص. وترتبط عملية التحصيل اللغوي بشحن القارئ بمعارف يحصل عليها من خلال تفاعله مع النص. وتتباين هذه المعارف بتباين المرجعيات الفكرية والمنطلقات اللغوية التي ينطلق منها القارئ في قراءاته، إذ نجد النص يزود قارئه بمعارف شتى، منها ما هو مرتبط بالجانب التركيبي للغة، أو بالجوانب الدلالية المختلفة المرتبطة ببناء النص، وكذا بالدوافع الكامنة وراء إنتاجه، وكذا الخلفيات التي يعتمد عليها المؤلف قصد بلورة موقفه، ومنها ما له علاقة بالجوانب التداولية للنص. ولهذا يفترض في المتلقي أن يكون موسوعة ليتمكن من فهم مكامن النص، حتى يستطيع ملء الفجوات التي تعتريه. وقد تُمكّنُ الموسوعةُ القارئَ النموذجيَ من القيام بدور الاستحضار والاستجماع للمعنى، والتفاعل مع المقروء، والقيام بعملية النفي والإثبات لما يقرأ، أي يقوم بكل ما يتعلق بدور القارئ أثناء القراءة[44].

هكذا يضع آيزر القارئ في مركز مشروعه التأويل. فالقارئ عنده لم يعد طرفا مستهلكا لمعنى النص وقصدية المؤلف وإنما تحوّل إلى عنصر فاعل إلى عملية إنتاج المعنى. وبطبيعة الحال فإن المقصود بالقارئ عند آيزر يختلف عن مجموعة من القراء الذين حُددت هوياتهم مسبقا مثل “القارئ الأعلى/Super reader لـريفاتير، والقارئ المخبر/Informed reader لـفيش[45] والقارئ المقصود/Intended reader لـوولف، لأن هؤلاء القرّاء لهم وجود فعلي وحقيقي. فالنصّ الفنيّ بحسب ريفاتير مثلا عبارة عن مجموعة من الوقائع الأسلوبية الموسومة وغير الموسومة والتمييز بين هذه الوقائع لا يتم إلا من خلال ذات متبصّرة. أما بالنسبة إلى آيزر فإنه يقترح نمطا آخر من القراء سماه القارئ الضمني ويعني به دورا مكتوبا في النص ومجسدا للمقاصد التي يحتوي عليها بشكل افتراضي، إنه بنية نصية وليس شخصا خياليا[46]. وهذه البنية تتوقع قارئا حقيقيا قادرا على التفاعل مع التأثيرات النصية. وتبعًا لما أَنِفَ فإن القارئ الضمني عند آيزر هو دائم الإنجاز والتحقق ولا يمكن تصوره منفصلا عن فعل القراءة.

إن العلاقة التفاعلية للنص ناتجة عن كونه ينطوي على مرجعيات خاصة به ولا يسهم المتلقي في بناء مرجعياته إلاّ عبر تمثله للمعاني المخبوءة في فراغات النصّ. ناهيك عن أنّ الفجوة لدى آيزر ناتجة عن عدم التوافق بين إيحاء النص وتلقي القارئ وهي التي تحقق الاتصال الحقيقي في عملية القراءة[47].

ولن تكون القراءة مثمرة جادة إلا إذا وجد القارئ الافتراضي الخيالي الذي يعيد بناء النص عن طريق نقده وتأويله انطلاقا من تجربة جمالية وفنية بعيدا عن تصور القارئ المعاصر الواقعي. والقارئ الضمني: “ليس له وجود في الواقع، وإنما هو قارئ ضمني، يخلق ساعة قراءة العمل الفني الخيالي. ومن ثم، فهو قارئ له قدرات خيالية شأنه شأن النص. وهولا يرتبط مثله بشكل من أشكال الواقع المحدد، بل يوجه قدراته الخيالية للتحرك مع النص باحثا عن بنائه ومركز القوى فيه وتوازنه، وواضعا يده على الفراغات الجدلية فيه فيملأها باستجابات الإثارة الجمالية التي تحدث له”[48].

ومعلوم أننا لا نستطيع أن نستمر في قراءة العمل الأدبي ما لم نشعر بشيء من الاندماج الوجداني معه، ونحس بأننا مشاركون فيه، معجبين كنّا أم ساخطين. وهذه المشاركة الوجدانية هي الإدراكُ في الوقت نفسه”[49].

– المشاركة في صنع المعنى:

إنّ جماليات التّفاعل بين القارئ والنصّ سيرورة ناميّة صنعُ المعنى منتهاها، أي أنّ القارئ لا يقف عند التّفسير بل يتجاوزه إلى الشّراكة في صوغ المعنى. فيتحوّل التركيز من موضوع النصّ إلى سلوك القراءة بل إلى التّناغم بينهما[50]. هو تصوّر مستمدّ من ظاهراتيّة إنغاردن/ Phenomenology of Roman Ingarden في تحليله للعمل الأدبيّ في ضوء صلاته بالقارئ وتحديدا اعتباره أنّ بنية العمل الأدبيّ ثابتة وإمكانيّة تحقّقه متعدّدة بتعدّد القرّاء وتجاوباتهم[51].

ولتوضيح المسألة ميّز كلّ من آيزر وياوس بين مهمّتين للقارئ هما: مهمّة الإدراك المباشر ومهمّة الاستذهان. أمّا مهمّة الإدراك المباشر فهي المستوى الأوّل في التّعامل مع النصّ: معطياته اللّغويّة والأسلوبيّة، والنتيجة التي يصل إليها القارئ في هذه المرحلة التفسيريّة لا تُسمّى عندهم عملا فنيّا يُحسبُ للقارئ، لأنّ العلاقة بينه وبين النصّ مازالت مفصولة أو معزولة بهذا البناء اللّغويّ، وهو واقع تحت سيطرة الإشارات والرّموز والمفاتيح النصّية، وليست خبرة الأفق الجماليّ الأوّل/اللّغويات النصّية إلاّ بابا لسلسلة من التوفيقات الانطباعيّة الشّخصيّة [52].

أمّا مهمّة الاستذهان أي عمل الذهن والخيال فهي المهمّة التي تتشكّل فيها ذاتيّة القارئ، ويكشف عالما داخليّا تقصُرُ المرحلة الأولى عن إدراكه. فالاستذهان جزء أساسيّ من الخيال الخلاّق الذي ينتج -بشكل غير نهائيّ- مواضيع جماليّة انطلاقا من تدبّر بقع الإبهام أو مواطن الغموض/البياضات واستكمالها. أي أنّ المعنى هو دائما سيرورة للتحقّق لا للاكتشاف[53].

والعمل النّاجح في أفق آيزر يجب ألاّ يكون واضحا تماما لئلا يفتُر اهتمام القارئ ويسأمَ فيكون حينها غير منتج وغير منشدّ إلى ما يقرأ بطريقة فعّالة[54]. ويوضّح انغاردن الطّريقة الفعّالة التي أشار إليها آيزر، فيركّز على التجسيم/التمثيل وأهمّيته في ملء الفراغات بما هو جزء مهمّ في إنشاء جماليّة التّجاوب، إذ أنّ ملأها يحتاج إلى إبداع[55]. وبهذا الاستتباع تمّ التمييز بين المعنى المجسّم والمعنى غير المجسّم. الأوّل يستوجب جهدا ذهنيّا لاستجلاء الغموض وتبديد كثافته، وبه تتحقّق المتعة والمشاركة في صنع المعنى. أمّا الثّاني فيقصر عن ذلك لأنّه لا يحوج إلى الاستذهان. وتأسيسا على ذلك رسم آيزر بعدين يحدّدان مفهومه للتطوير:

-الأوّل: يتضمّن النصّ بوصفه هيكلا لأوجه مخطّطة بناءً ثابتًا يسمح للقارئ بالمشاركة في صنع المعنى.

-الثّاني: يستقصي إجراءات النصّ في القراءة، وفيه يركّز آيزر على الصّورة الذهنيّة بما هي الهدف الجماليّ المتماسك.

5- خاتمة:

لقد تبينّا أنّ نظريّة آيزر هي في صميمها بحث في عمليّة التقبّل وناتج التقبّل وجماليات التقبّل في علاقتهم بالذّات والتوقع/أفق الانتظار. وهي عناصر يتقاطع فيها النّفسيّ والاجتماعيّ والفنيّ. وبالتّالي فإنّ مكمن الصّعوبة في دراسة عمليّة التقبّل لا يتمثّل في طرفيها: النصّ والقارئ، بل في التّجاوبات الحاصلة بينهما التي يصعب حصرها وتوصيفها.

هو مسارٌ استثمر افتراضات “رومان انغاردن”- مسألة البياضات ومواقع اللاّتحديد….-بُغية التأكيد على مفهوم القارئ لا بما هو ذاك المستفيد من النصّ بل بما هو منتجه والعامل على إخراج النصّ ذي الخطاطات المتباينة والمتضايفة والمتفاعلة فنيّا ونفسيّا واجتماعيّا وروحيّا…إلى عالم الممكن إخراجا مشروطا بكفاءة القارئ وخياله[56]. بهذا الاستتباع ليس المعنى مصوغا بصفة نهائيّة وما على القارئ إلاّ العثور عليه بل هو أقرب إلى معنى التأمّل والاستبطان أو الفعل الخلاّق. إنّه لا يرى المعنى منقوصا غير مكتمل ولا هو مستقلّ بذاته، بل هو سيرورة عمادُها جماليات التّجاوب أساسا. جماليات عدّها آيزر مجسّدةً التحوّل الذي طرأ على التأويليّة من دراسة معنى المؤلّف ومعنى النصّ إلى المعنى المنتج بفعل فهم المتقبّل. فوجد أنّ في النصّ أبعادًا لا يمكن تجاوزها في عمليّة تحقّق المعنى الأدبيّ، وأهمّ هذه الأبعاد:

– الاحتمالات التي يتضمّنها النصّ، بوصفها تمثيلا لما كان يطلق عليه انغاردن “المظاهر التخطيطيّة ” وهو مبدأ اعتنقه آيزر.

– الاجراءات التي يحدثها النصّ في عمليّة التقبّل وذلك لأنّ بنية التخيّل التي يُبنى عليها النصّ إنّما تضع المعنى في نسق من الصّورة الذّهنيّة، وذلك لتعميق الطّابع الاحتماليّ الأوّل.

 – البعد الثّالث يتضمّن البناء المخصوص للأدب وفق شروط تحقّق وظيفته التّواصليّة، وذلك باشتماله على حالات تُصَعّدُ التّفاعل بين النصّ والقارئ وتحكُمُهُ.

ليس النصّ إذن تحقيقا للمعنى بل هو تمثيل له مشروط بتقبّل العمل وملء فراغاته فيحوّلها إلى متتاليات من الدّلائل، تصنع جميعها القيمة الجماليّة، تلك التي عدّها إنغاردن “مبدأً فارغا تحقّقه مشروط بجماليات تجاوب القرّاء [57]“، ولو كانت تضحية بالأعراف الكلاسيكيّة.

6- المصادر والمراجع:

المصدر:

  1. Iser, Wolfang : l’acte de lecture ;Théorie de l’effet esthétique ;traduction d’Evelyne Sznycer.
    Bruxelles : Pierre Mardaga Editeur, Bruxelles; 1985.

المراجع العربيّة:

  1. حسن، عبد النّاصر، نظريّة التوصيل وقراءة النصّ الأدبيّ، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، القاهرة1999.
  2. خضر، ناظم عودة، الأصول المعرفيّة لنظريّة التلقّي،ط1، دار الشرق، عمّان، الأردن1997.
  3. درويش، عبد الكريم، فاعليّة القارئ في إنتاج النصّ-المرايا اللاّمتناهية- مجلّة الكرمل، مؤسّسة الكرمل الثقافيّة، فلسطين، صيف2000، العدد:64.
  4. فضل، صلاح، مناهج النقد المعاصر، ميريت للطباعة والنشر, 2002.
  5. اليوسفي، محمد لطفي، كتاب المتاهات والتلاشي في النقد والشعر،ط1، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، 2005.

المراجع الأجنبيّة:

  1. Booth, Wayne C.: The Rhetoric of Fiction; The University of Chicago Press, 1961. Wolfgang Iser, La fiction comme effet, Poétique, vol.10, #3.
  2. Eco, Umberto: ” The Role of the Reader: Explorations in the Semiotics of Texts”.
    London: Hutchinson, 1987.
  3. Fish, Stanley: Literature in the Reader, Affective Stylistics; New Literary History; 1970.
  4. Holub, Robert C, Crossing Borders: Reception Theory, Post structuralism, Deconstruction. Madison: U of Wisconsin P, 1992.
  5. Holub, Robert. C.: Reception Theory: A Critical Introduction. London: Methuen, 1984.
  6. Hunt, John Dixon: The Afterlife of Gardens. Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 2004.
  7. Ingarden, Roman: The literary Work of Art; transl.by George G. Grabowicz- Evanston,1973.
  8. Jaus, Hans Robert: pour une esthétique de la réception; traduit par Claude Maillard préface de Jean Starobinski. Gallimard; paris 1978.
  9. Riffaterre, Michael: Strukturale Stilistik , Vorwort zur französischen Originalausgabe von Daniel Delas. Publication Info. München : List, 1973. Edition, 1. Ausg. Note, Translation of Essais de stylistique structurale by Wilhelm Bolle. (Munich,1973).
  10. Serne, Laurence: Tristram Shandy Gentlman; London; Dent,1956.
  11. Susan, Bennett: A Theory of Production and Reception, eds. Theatre Audiences. New York: Rout ledge, 1990.
  12. Thérien, Gilles: Pour une sémiotique de la lecture, Protée, vol:18, #2 (printemps; 1990).
  13. Terry, Eagleton: “Phenomenology, Hermeneutics, and Reception Theory,” in Literary Theory. University of Minnesota Press, 1996. p. 47 – 78.

المراجع المعرّبة:

  1. أرقون، هنري، الجمالية الماركسيّة، ترجمة، جهاد نعمان، منشورات عويدات، بيروت 1975 .
  2. فولفغانغ آيزر، فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في الأدب، ترجمة، حميد لحمداني والجيلالي الكدية، منشورات مكتبة المناهل، فاس-المغرب 1995 .
  3. تومبكنز، جين .ب.، نقد استجابة القارئ، من الشكلانية إلى ما بعد البنيويّة، ترجمة، حسن ناظم وعلي حاكم،مراجعة وتقديم، محمّد جواد حسن الموسوي، المجلس الأعلى للثقافة، 1999 .
  4. ريكور، بول، نظرية التأويل والخطاب وفائض المعنى، ترجمة، سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، ط2، 2006.
  5. ستيس، ولترت، معنى الجمال، نظرية في الاستطيقا، ترجمة، إمام عبد الفتاح إمام. نشر المجلس الأعلى للثقافة، مصر 2000. طبع بالهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية.
  6. سليمان، سوزان روبين، القارئ في النص مقالات في الجمهور والتأويل، ترجمة، حسن ناظم، دار الكتاب الجديد، ط 1، 2007.
  7. فراي، نورثراب، المعنى الأدبي من الظاهراتية إلى التفكيكية، ترجمة، يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون، بغداد، 1990.
  8. هولب، روبرت سي، نظريّة الاستقبال، ترجمة، رعد عبد الجليل جواد،ط2، دار الحوار، اللاّذقيّة-سوريّة 2007.
  9. هولب، روبرت سي، نظرية التلقي
    مقدمة نقدية ،ترجمة، خالد التوزاني والجلالي الكدية، منشورات علامات، الطبعة الأولى 1999.
  10. ولفغانغ، آيزر، “آفاق نقد استجابة القارئ” ، ترجمة، أحمد بوحسن ومحمد مفتاح، ضمن كتاب “من قضايا التأويل و التلقي”، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، الرباط ، مطبعة النجاح الجديدة ط1، 1994.

الدوريات:

  1. إبراهيم، نبيلة، القارئ في النص: نظرية التأثير والاتصال، مجلة فصول المصرية، المجلد5، العدد1، 1984.
  2. إبش، إلرود، التلقي الأدبي ، ترجمة: محمد برادة، مجلة دراسات سيميائية أدبية ،الدّار البيضاء، المغرب عدد6. خريف- شتاء1992.
  3. آيزر، فولفغانغ، آفاق نقد استجابة القارئ، ترجمة أحمد المديني ، ضمن كتاب : نظريّة الأدب، القراءة، الفهم ، التأويل، نصوص مترجمة،ط1، دار الأمان، الرّباط، المغرب 2004.
  4. آيزر، فولفغانغ، وضعية التأويل، الفنّ الجزئيّ والتأويل الكليّ، ترجمة، حفو نزهة و بوحسن أحمد، مجلة دراسات سيميائيّة أدبيّة لسانيّة، العدد:6. 1992.
  5. ستير، كارل هاينز ،التلقي والتخيّل، ترجمة : بشير القمري، مجلد الأقلام ، عدد3،بغداد1990.
  6. طليمات، عبد العزيز، الوقع الجمالي وآليات إنتاج الوقع عند وولف غانغ إيزر، ترجمة، عبد العزيز طليحات، مجلة دراسات سيميائية، العدد السادس لسنة 1992 .
  7. علوي، حافظ إسماعيل، مدخل إلى نظرية القراءة، مجلة علامات، ج34، 1999.

المواقع الالكترونيّة:

  1. The Aesthetics of Roman Ingarden Teddy Brunius: Philosophy and Phenomenological Research; Vol. 30, No. 4 (Jun., 1970), pp. 590-595. Published by: International Phenomenological Society Article Stable URL: http://www.jstor.org/stable/2105637

[1]– كتب ياوس سنة 1979 بشكل ساخر قال “بالنسبة للأذن الأجنبيّة قد يبدو موضوع “الاستقبال” أكثر ملاءمة لإدارة فندق منه إلى الأدبّ”.

– روبرت سي هولب، نظريّة الاستقبال، ترجمة، رعد عبد الجليل جواد،ط2 ،دار الحوار، اللاّذقيّة- سوريّة 2007، تقديم المؤلّف، ص 7.

 ولقد أشار ياوس إلى أنّ مفهوم “الاستقبال” يُثير إشكالا في ثلاث لغات أوروبيّة: الألمانيّة والفرنسيّة والانكليزيّة. فهو في اللّغة الفرنسيّة والانقليزيّة يتضمّن معنى الاستقبال الفندقي، في حين أنّه في اللّغة الألمانيّة يتفرّد بإشارة جماليّة.

[2]– ولترت ستيس، معنى الجمال، نظرية في الاستطيقا، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام. نشر المجلس الأعلى للثقافة، مصر. 2000. طبع بالهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية. ص94.

[3]– للنّظر في النّظريّة وأعلامها وما بين رؤية آيزر وياوس من صلاتٍ ننصح بالنّظر في المراجع التّالية:

-Bennett, Susan; A Theory of Production and Reception, eds. Theatre Audiences. New York; Rout ledge, 1990.

-Eagleton, Terry. “Phenomenology, Hermeneutics, and Reception Theory,” in Literary Theory. University of Minnesota Press, 1996. Pp. 47-78.

-Holub, Robert C. Crossing Borders; Reception Theory, Post structuralism, Deconstruction. Madison: U of Wisconsin p, 1992.

-Holub, Robert. C. Reception Theory: A Critical Introduction. London; Methuen, 1984.

-Hunt, John Dixon; The Afterlife of Gardens. Philadelphia; University of Pennsylvania Press, 2004.

– إلرود إبش، التلقي الأدبي، ترجمة، محمد برادة، مجلة دراسات سيميائية أدبية ،الدّار البيضاء، المغرب عدد6. خريف- شتاء،1992.

– آيزر، “أفاق نقد استجابة القارئ “ضمن كتاب “من قضايا التأويل و التلقي” منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية الرباط ، مطبعة النجاح الجديدة ط1، 1994.

[4]– لقد اشترك كلّ منهما في إعادة إنشاء نظريّة جديدة للأدب تشدّ الانتباه بعيدا عن الكاتب والنصّ وإعادة التركيز على علاقة النصّ بالقارئ، غير أنّهما اختلفا في المسار الإجرائيّ فبينما انتقل ياوس – باعتباره باحثا نفسيّا- نحو نظريّة الاستقبال عبر اهتمامه بالتّاريخ الأدبيّ، فإنّ آيزر – باعتباره باحثا في التّاريخ الانكليزي- ارتكز جهده على الزّاوية التفسيريّة الموجّهة للنقد الجديد ونظريّة السّرد. ولئن اعتمد ياوس التّأويل متأثّرا بهانز جورج غادامير تحديدا فقد كان اهتمام آيزر ظاهراتيّا، معنيّا بشكل أساسيّ بالنصّ الفرديّ وعلاقة القرّاء به، رغم أنّه لم يستبعد العناصر الاجتماعيّة والتّاريخيّة بما هي روافد مساعدة لتفصيلات النصّ وملتحمة به لا محالةَ. وإذ يُفكّر المرء بأنّ ياوس كان يتعامل مع الاستقبال الكوني فإنّ آيزر وضع نفسه ضمن كونيّة الاستجابة. ففي حين تحرك ياوس، أستاذ اللغات الرومانسية، بصفة مبدئية نحو نظرية التقبّل من خلال اهتمامه بتاريخ الأدب، برز آيزر أستاذ الأدب الإنجليزي، من مجال التوجهات التفسيرية في النقد الجديد ونظرية القصّّ.

روبرت سي هولب، نظريّة الاستقبال، ترجمة، رعد عبد الجليل جواد ،ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريّة – اللاّذقيّة2007، ص144-145.

وبما أن اتجاهيهما قد اختلفا، فإن مصادرهما المعرفية ستتباين بدورها وذلك وفقا لطبيعة كل اتجاه وغايته؛ فياوس تأثر بعلم التأويل (الهرمينوطيقا)، كما تظهر ذلك مصطلحاته الخاصة التي تحفل بها كتبه، مثل،أفق التوقع، ومنطق السؤال والجواب. أما آيزر فقد وجد ضالته في الظاهراتية (الفينومينولوجيا) التي نقل منها – من أعمال رومان إنغاردن بالخصوص – العديد من المفاهيم الأساسية في نظريته عن الوقع الجمالي. وإن الفرق الإجمالي بين التنظيرين يكمن في أن ياوس وسع من دائرة التقبّل وجعلها تنفتح على التاريخ وتنظر إلى تقبل القارئ للنص كما أنه تسلسل يؤخذ كلا واحد. أما آيزر فقد فضل في أعماله أن يسعى إلى تبيان تفاعل القارئ مع النص، دون الالتفات إلى التاريخ الذي يرى أنه يلحق بالمسائل النصية الأكثر تفصيلا.

[5]– عبد النّاصر حسن محمّد، نظريّة التوصيل وقراءة النصّ الأدبيّ، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، القاهرة 1999، ص 99-100.

[6]– إنّ فهم جماليّة التقبّل من الاشكالات التي خلقتها البنيويّة على مستوى التأويل/ الفهم،وعلى مستوى بناء المعنى وصلة البنية بالإدراك، هو خطوة منهجيّة في المقام الأوّل، لأنّ اتّجاه جماليّة التقبّل هو الاتّجاه الذي ظهر في أعقاب البنيويّة، فهو اتّجاه من اتّجاهات ما بعد البنيويّة/Post-structuralism ،إنّها نظريّة تعيد عمليّة فهم الأدب من خلال اشكالات التقبّل.

لمزيد الفائدة، ننظر، ناظم عودة خضر، الأصول المعرفيّة لنظريّة التلقّي،ط1، دار الشّروق، عمان1997، ص121.

[7]– يمكن أن نشير في هذا الصدد إلى أن ياوس مثلا لم يقلل من أهمية التصور الشكلاني للأدب، وخاصة حديث تينيانوف عن مفهوم التطور الأدبي حيث اعترف بأن الفضل في تجديد الفهم التاريخي للأدب يرجع إلى الشكلانيين، وإن كان هذا الفهم لا يتم في إطار إدراك العمل الأدبي في سيرورته التاريخية المتمثلة في وظيفته الاجتماعية والتأثير الذي يمارسه القراء باستمرار. ولهذا السبب نص ياوس على أن تاريخية الأدب لا تنحصر فقط في التطور الداخلي للأشكال، بل تشمل السيرورة العامة للتاريخ أيضا.

Hans Robert Jaus ;pour une esthétique de la réception; traduit par Claude Maillard préface de Jean Starobinski. Gallimard; paris 1978; p 43.

[8]– Wolfang Iser; l’acte de lecture; Théorie de l’effet esthétique ;traduction d’Evelyne Sznycer.
Bruxelles ; Pierre Mardaga Editeur, Bruxelles; 1985; p48.

[9]– Ibid, p48..

[10]– جين .ب. تومبكنز، نقد استجابة القارئ، من الشكلانية إلى ما بعد البنيويّة، ترجمة، حسن ناظم وعلي حاكم، مراجعة وتقديم: محمّد جواد حسن الموسوي، المجلس الأعلى للثقافة، 1999، ص 113 .

[11]– Shandy Gentlman; London;Dent,1956.p79. Laurence Serne; Tristram.

[12]– أورد آيزر مصطلحا مكمّلا لــ “الفجوات” هو “المظاهر الخطاطيّة” تعبيرا عن أنّ النصّ ما هو إلاّ نسيج من الصّلات المُحَضّرة لاستقطاب القارئ. هذا المصطلح لرومان انغاردن.

–  Roman Ingarden; The literary Work of Art; transl.by George G. Grabowicz-Evanston, 1973, p 276.

[13]– L’acte de lecture; op. cit. p 290.

[14]– Ibid; p 191.

الفرق الأساسيّ بين القراءة وجميع أشكال التّفاعل الاجتماعيّ يتجلّى في عدم وجود وضعيّة “وجه لوجه “في القراءة. ووجود البياضات التي تستوجب الملْء عبر إسقاطات القرّاء.

[15]– L’acte de lecture; op. cit. Pp 195-233.

[16]– Ibid; Pp 161-187.

[17]– فولفغانغ آيزر، فعل القراءة ، نظرية جمالية التجاوب في الأدب، ترجمة، حميد لحمداني والجيلالي الكدية، منشورات مكتبة المناهل، فاس-المغرب 1995، ص11 .

[18]– آيزر، وضعية التأويل، الفنّ الجزئيّ والتأويل الكليّ، ترجمة ،حفو نزهة وبوحسن أحمد، مجلة دراسات سيميائيّة أدبيّة لسانيّة، العدد6،1992،ص70.

[19]– L’Acte de lecture, op. Cit. p. 199.

[20]– ما يزيد هذه الوضعية تعقيدا كون النص المخيل لا ينضب معينه حتى وإن سلك طريق التقرير في موضوعات معطاة تجريبيا. صحيح أنه يختار موضوعاته من العالم التجريبي، غير أنه يفصلها عن سياقها التداولي. فيؤدي ذلك إلى “تفجير الإطار المرجعي” المساعد على تحديد المصرح به. ولذلك يظل القارئ مرتبطا بالنص لا بالمرجع.

L’acte de lecture, op. cit. P. 200.

[21]– استثمر ما عرف في هذا المجال بـ “المدى البصري-الصوتي أو فضاء الإدراك، وهو امتداد النص الذي يمكن تبينه في كل لحظة من لحظات القراءة”، هذه اللحظة التي نستطيع، اعتمادا عليها، توقع اللحظة الموالية”. (L’acte de lecture, op. Cit. p20).

[22]– Ibid, p 203.

[23]– روبرت هولب ،نظرية التلقي، ترجمة، عز الدين إسماعيل، ص 158.

[24]– Wolfgang Iser, La fiction comme effet, Poétique, vol.10, #39, p 279.

[25]– روبرت هولب، نظرية التلقّي، مرجع سابق، ص 21.

[26]– L’acte de lecture, op. Cit. Pp 182-183.

[27]– ibid; p77.

[28]– ibid; p85.

[29]– ibid; p82.

[30]– Hans Robert Jauss ;pour une ésthétique de la réception, op. cit. P 90.

[31]– L’acte de lecture; op. Cit. P 83.

[32]– Ibid., p 84.

[33]– عرّف آيزر هذا المصطلح بــ “المتعة الجماليّة المستقاة من اضطراب مؤقّت يكون مرفوقا بتوقّع أنّ هذا النّظام سيعاد إقراره بطريقة ما غير منتَظَرة”.

L’acte de lecture; op. cit. p 85.

[34]– هنري أرقون، الجمالية الماركسيّة، ترجمة، جهاد نعمان، منشورات عويدات، بيروت 1975، ص91.

[35]– روبرت سي هولب، نظريّة الاستقبال، مرجع سابق، ص86.

[36]– L’acte de lecture; op. Cit. P 161.

[37]– Ibid; p 199.

[38]– آيزر، فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في الأدب، ترجمة، حميد الحميداني الحلالي الكدية، مطبعة المناهل، المغرب،ص58.

[39]– L’acte de lecture; op. cit p 245.

[40]– ايزر، فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في الأدب، ص5.

[41]– L’acte de lecture ; op. cit. p 137.

[42]– حافظ إسماعيل علوي، مدخل إلى نظرية القراءة، مجلة علامات، ج34، 1999، ص 94.

[43]– آيزر ، فعل القراءة، نظرية في الاستجابة الدلالية، ص 169.

[44]– Umberto Eco;” The Role of the Reader: Explorations in the Semiotics of Texts”.
London: Hutchinson, 1987; Pp 4-46.

[45]– Stanley Fish ; Literature in the Reader, Affective Stylistics ; New Literary History; 1970, p 132.

[46]– L’acte de lecture ; p 64.

[47]– نورثراب فراي، المعنى الأدبي من الظاهراتية إلى التفكيكية، ترجمة، يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون، بغداد، 1990، ص46.

عبد العزيز طليمات، الوقع الجمالي وآليات إنتاج الوقع عند وولف غانغ إيزر، ترجمة، عبد العزيز طليحات، مجلة دراسات سيميائية، العدد السادس لسنة 1992، ص58.

[48]– نبيلة إبراهيم، القارئ في النص، نظرية التأثير والاتصال، مجلة فصول المصرية، المجلد5، العدد1، 1984، ص103.

[49]– محمد لطفي اليوسفي، كتاب المتاهات والتلاشي في النقد والشعر، ط1، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، 2005، ص 58.

[50]– L’acte de lecture; op. Cit. P 197.

[51]– The Aesthetics of Roman Ingarden Teddy Brunius: Philosophy and Phenomenological Research; Vol. 30, No. 4 (Jun., 1970), Pp. 590-595, Published by: International Phenomenological Society, Article Stable URL: http://www.jstor.org/stable/2105637.

[52]– L’acte de lecture; op. Cit. Pp 179-180.

[53]– Gilles Thérien, Pour une sémiotique de la lecture, Protée, vol:18, #2 (printemps 1990), p 72.

[54]– Wolfgang Iser: L’acte de lecture ; op. Cit. P 91.

[55]– Ibid; Pp 318-319.

[56]– عبد الكريم درويش، فاعليّة القارئ في إنتاج النصّ-المرايا اللاّمتناهية- مجلّة الكرمل، مؤسّسة الكرمل الثقافيّة، فلسطين، صيف 2000 ، العدد 64، ص 222.

[57]– L’acte de lecture; op. cit. p 313.

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد