مفعول المقام في صناعة الخطاب وتأويله

كليلة ودمنة

الملخّص:

تتأسس دراسة مسألة تأثير المقام في الخطاب إنتاجا وتلقّيا على وعي منهجي بأهمّيّة المقام في بناء الخطاب وتأويله سواء في تأثيره بمختلف أنواعه وعناصره السياقيّة في صياغة الخطاب أو في حمله المتكلّم على اختيارات مخصوصة دون أخرى تستجيب لشرط المطابقة بين المقام وبين الخطاب. كما ينهض هذا البحث على الاعتناء بالمقام ينال داخليّو الخارجي. أمّا المقام الأول، فاتصل بالشخصيات التي كانت تتحاور فيه سواء في القصّة الإطار أو القصص المضمّنة. وأما المقام الثاني فتضمن ما حفّ بعمليّة ترجمة “باب الأسد والثور” ومختلف أبواب كتاب “كليلة ودمنة” من عناصر مقاميّة متداخلة ما اتّصل منها بالمترجم أو بالسلطة السياسيّة القائمة آنذاك. وهي عناصر أثرت تأثيرا بيّنا في خطاب ابن المقفّع بنية وأسلوبا وإستراتيجيّة.

الكلمات المفاتيح: مفعول، مقام، عناصر سياقية، خطاب سردي، تأويل

Abstract:

The study of the influence of the setting in the discourse (as produced or perceived) is based on a systematic awareness of the importance of such a setting in constructing and interpreting the discourse, whether in its influence, in its various types and contextual elements. Through formulating the discourse, the speaker makes specific choices that respond to the condition of matching between setting and the discourse. This study deals with internal and external settings. As for the first one, it is linked with actors of frame story or inline stories. The second one accentuates the translation process of the “lion and the Ox” and all chapters of “Kalīlawa-Dimna” in relationship to the settings related either to the translator or to the political authority of the time. All these elements impacted Ibn al-Muqaffa` speech at different levels: structure, style and strategy.

Keywords: Effect, context, context elements, narrative discourse, interpretation. 


1- المقدّمة:

يُعّدّ مصطلح “المقام” من أكثر المصطلحات دورانا على الألسن سواء في التفكير البلاغيّ القديم[1] أو الحديث[2]. وقد تواتر استعماله وتلوّنت تعريفاته[3].واقترنت به مصطلحات أخرى من قبيل “مقام الخطاب” و”مقام التواصل” و”مقام التلفّظ” و”سياق الموقف” و”المساق” و”سياق المقام”. فلحقته طبقة من الدلالات والمقاصد كثيفة، واعتراه من الغموض ما صار به قلقا، وأصبح في حاجة إلى جواره اللغويّ لمعرفة المقصود به.

ولا يستمدّ المقام أهمّيته من وجوده في ذاته بقدر ما يستمدّها من آثاره في الخطاب ومفعوله فيه إنشاء وتأويلا. والخطاب بدوره لا يكشف دلالته إلّا بتنزيله في المقام الذي قيل فيه، وربطه بجميع العناصر المقاميّة الكائنة زمن التلفّظ به. فالعلاقة بين المقام وبين الخطاب علاقة تلازميّة[4]، فكلّ منهما يؤثّر في الآخر بطريقة أو بأخرى. ولعلّ تأثير المقام في الخطاب يكون أشدّ لأن المقام يكون عادة سابقا للخطاب. ولا يكتسب الخطاب قيمته إلّا متى استجاب لمختلف العناصر المقاميّة الحاضرة أثناء إنتاجه.

ويزداد المقام أهمّية متى ورد في القصّ التخييليّ. فينقسم قسميْن[5]: مقام داخليّ[6] يكون من إنشاء الراويّ أو الكاتب من حيث هو ذات تاريخيّة. فيوجّه خطاب الشخصيّات المتحاورة ويتحكّم فيه. ومقام خارجيّ يشمل الكاتب والقارئ التاريخيّيْن ومختلف العناصر الحاضرة خصوصا في زمن الكتابة. فيكون له أشكال مختلفة من التأثير في الخطاب. ففيم يتمثّل تأثير المقام في الخطاب؟ وما درجات ذلك التأثير؟ وكيف يتشكّل الخطاب في تفاعل مع العناصر المقاميّة؟ وما دور المقام في بيان المضمر وتأويل الخطاب؟

واخترنا للإجابة عن تلك الأسئلة النظر في “باب الأسد والثور” الوارد في كتاب “كليلة ودمنة” الذي ترجمه عبد الله بن المقفّع. ويردّ اختبارنا هذا الباب إلى سببيْن: يتّصل السبب الأوّل بطبيعة المقام الداخليّ. فهو في هذا الباب مقامات عديدة ومتنوّعة ساهمت عناصرها المختلفة في توجيه خطاب الشخصيّات وجهة معيّنة. ويتّصل السبب الثاني بالمقام الخارجيّ. فقد حفّت بعمليّة ترجمة “باب الأسد والثور” ومختلف أبواب كتاب “كليلة ودمنة” عناصر مقاميّة متداخلة لا سيّما ما اتّصل منها بالمترجم أو السلطة السياسيّة القائمة آنذاك، ممّا جعل اختيارات الترجمة خاضعة لتلك المؤثّرات المقاميّة. فكيف كان تأثير المقام الداخليّ في خطاب الشخصيّات؟

2- المقام الداخليّ:

إنّ المقام الداخليّ[7] في “باب الأسد والثور” مقامات عدّة وأنواع مختلفة. وكان لتأثيرها في الخطاب صناعة وتقبّلا وجوه متباينة. ونقف على المقام الوارد في القصّة الإطار انطلاقا من المثال التالي:

– “قال دبشليم ملك الهند لبيدبا رأس فلاسفته: اضرب لي مثل الرجلين المتحابّين يقطع بينهما الكذوب الخئون (كذا) ويحملهما على العداوة والشنآن. قال بيدبا الفيلسوف: إذا ابتليَ الرجلان المتحابّان بأن يدخل بينهما الخئون الكذوب تقاطعا وتدابرا وفسد ما بينهما من المحبّة”[8].

تكوّن هذا المثال من مقاميْن اثنيْن: أوّلهما “مقام خفيّ، اختفى طرفا الحوار فيه، وهما الراوي الأوّليّ (Narrateur primaire) والقارئ، ولم يجمع بينهما مقام تلفّظ واحد. ورغم خفاء هذا المقام وعدم ظهور عناصره السياقيّة فإنّه حاضر أبدا بحضور فعل السرد. ويُستفاد نوع المقام من الخطاب، وهو مقام سرد وإخبار. وله تأثير مباشر في الخطاب. فقد استجاب الخطاب لقاعدة الكمّ[9]، وتضمّن القدر الضروريّ الكافي من المعلومات التي يحتاجها المرويّ له. فعُيّن طرفا الحوار اسما ووضعا مؤسّسيّا. ورُسمت العلاقة بينهما. فالمتكلّم أو طرف الحوار الأوّل دبشليم، وهو ملك من ملوك الهند. والسامع أو طرف الحوار الثاني بيدبا، وهو كبير الفلاسفة. فمدار الإخبار على تفاعل قوليّ بين ملك، هو صاحب سلطة سياسيّة في مملكته والقائم بأمر تصريف شؤونها، وفيلسوف، هو مرجع في علمه وصاحب سلطة علميّة. وتحدّدت العلاقة بينهما بحاجة الملك للعالم. فيتهيّأ المرويّ له لتقبّل نوع معيّن من الخطاب ساهمت عناصر المقام في تحديد سماته وخصائصه.

وأمّا المقام الثاني فمقام صريح “طرفاه المعلنان”[10]دبشليم وبيدبا، وهما طرفا القصّة الإطار. وقد انتفت عناصره السياقيّة[11] فلا نجد إلّا طرفيّ التلفّظ ونوع المقام، وهو مقام تعلّم. ولهذه العناصر السياقيّة تأثير عميق في الخطاب بنية وموضوعا وأعمالا لغويّة. ويظهر تأثير المقام في الخطاب في مستوى البنية في خضوع الخطاب لثنائيّة الاستخبار والإخبار أو الطلب والاستجابة. فدبشليم المتعلّم يطلب وبيدبا المعلّم يستجيب. وأمّا في مستوى الموضوع فإنّ دبشليم يطلب مثلا يكون حجّة تؤكّد فكرة مفادها “أنّ الرجلين المتحابّين يقطع بينهما الكذوب الخؤون ويحملهما على العداوة والشنآن”[12]. وبيدبا يستجيب فيضرب له مثل الأسد والثور باعتبارهما متحابّين، ودمنة باعتباره الكذوب الخؤون.

ويتجلّى تأثير المقام في الخطاب في مستوى الأعمال اللغويّة في ما أنجزته كلّ شخصيّة. فدبشليم ملك. ويسمح له وضعه المؤسّسيّ هذا أن يأمر على وجه الاستعلاء كلّ مخاطَب. وظهر ذلك في عمل الأمر الوارد في بداية خطابه “اضرب لي”. وأمّا دبشليم فرغم سلطته العلميّة فهو أدنى منزلة من الملك، وملزم بإظهار الطاعة والولاء للملك. وقد كان دبشليم واعيا بسلطة المقام، فوجد نفسه ملزما بتكييف خطابه مع إكراهات المقام. ولذلك جاء خطابه تقريرا لما ورد في كلام الملك. ويظهر التقرير في جواب الشرط “تقاطعا وتدابرا وفسد ما بينهما من المحبّة”[13].

وأمّا المقامات الواردة في القصص المضمّنة فقد تنوّعت، وتباين تأثير عناصرها السياقيّة في بناء الخطاب. ونذكر من تلك المقامات أبرزها وأشدّها تأثيرا في تشكيل الخطاب.

2- 1- مقام النصح:

تواترت في القصص المضمّنة في “باب الأسد والثور” المقامات القائمة على النصح. ونقف على مدى تأثيرها في صناعة الخطاب اعتمادا على المثال التالي:

– نصح تاجر مكثر أبناءه فقال: “يا بنيّ إنّ صاحب الدنيا يطلب ثلاثة أمور لن يدركها إلّا بأربعة أشياء: أما الثلاثة التي يطلب، فالسعة في الرزق والمنزلة في الناس والزاد للآخرة، وأمّا الأربعة التي يحتاج إليها في درك هذه الثلاثة، فاكتساب المال من أحسن وجه يكون، ثم حسن القيام على ما اكتسب منه، ثم استثماره، ثم إنفاقه فيما يصلح المعيشة ويرضي الأهل والإخوان، فيعود عليه نفعه في الآخرة”[14].

تضمّن هذا المثال مقاما تفاعليّا تكوّنت عناصره السياقيّة من أطراف التلفّظ، وهي الأب والأبناء، ونوع المقام، وهو مقام نصح ولوم ووعظ. وقد زوّد الراوي المرويّ له بمقدار من المعلومات تعرّف بأطراف الحوار وتبرّر نوع المقام ومقاصده، قائلا: “كان بأرض دستابند تاجر مكثر، وكان له بنون. فلمّا أدركوا أسرعوا في مال أبيهم، ولم يحترفوا حرفةً تردّ عليه وعليهم”.[15] فالأب تاجر ثريّ حسن التدبير، وفي سعة من المال. وأمّا الأبناء فأغرار متلافون لمال أبيهم، قعود عن تحصيل صناعة وطلب الرزق.

وكان لنوع المقام وعناصره السياقيّة المختلفة تأثير عميق في بناء الخطاب بناء تميّز بعدّة خصائص. فجاء من حيث النوع يرشح بنفس حِكْميّ استمدّه الأب المتكلّم من تجربته في الحياة وبصره بعظائم الأمور ودقائقها. وورد الخطاب من حيث البنى التركيبيّة جملا اسميّة قصيرة. وهي اسميّة لتقرّر حقائق. وهي قصيرة ليسهل على الأبناء تمثّلها وحفظها. واقتصر الخطاب من الناحية البلاغيّة على حجّة التقسيم (Argument de division). وهي حجّة تستقصي المقسّم وتسبر أجزاءه. فتؤدّي إلى “تقوية حضوره في الأذهان”[16]، و “تسدّ على السامع كلّ منافذ المناورة والمخاتلة”[17]. ولمّا كان مقام التحريض يباين مقام النصح، فلعل وجوه تأثيره في الخطاب تكون متباينة.

2-2- مقام التحريض:

يعدّ مقام التحريض أبرز المقامات الواردة في “باب الأسد والثور” نظرا إلى أنّ دمنة قد اعتمد التحريض للإيقاع بين الأسد والثور. وقد حمله مقام التحريض على صياغة خطابه صياغة تستجيب لشرط المطابقة بين المقام وبين الخطاب. ونوضّح ذلك انطلاقا من المثال التالي:

– قال دمنة للأسد: “حدّثني الأمين الصادق عندي أن شتربة خلا برؤوس جندك، فقال لهم: قد عجمت الأسد، وبلوت رأيه ومكيدته وقوته، فاستبان لي في كلّ ذلك ضعف، وإنّه كائن لي وله شأنٌ، وأنّه لمّا بلغني هذا عرفت أنّ شتربة خئون غادر، وقد عرف أنّك أكرمته الكرامة كلّها، وجعلته نظير نفسك، فهو يظنّ أنّه مثلك. وأنّك متى زُلت عن مكانك صار له مُلكك، فهو لا يدع جهداً. فإنّه كان يُقال: إذا عرف الملك من الرجل أنّه قد ساواه في الرأي والمنزلة والهيبة والمال، والتبع، فليصرعه، فإنّه إن لم يفعل كان هو المصروع. وأنت أيّها الملك أعلم بالأمور وأبلغ فيها رأيا. وأنا أرى أن تحتال للأمر قبل أن يفوتك، ثمّ لا تستدركه”[18].

تضمّن هذا المثال مقاما، ذُكرت من عناصره السياقيّة ثلاثة: المتكلّم وهو دمنة، والسامع وهو الأسد، ونوع المقام وهو مقام تحريض. ولهذه العناصر تأثير عميق في الخطاب بنية وأسلوبا وإستراتيجية. فقد تكوّن خطاب دمنة من حيث البنية من سند ومتن. ومن أبرز وظائف السند الإيهام بالواقعيّة، فيصدّق السامع ما قيل له. وتكوّن المتن من خبر وحجّة ورأي. مدار الخبر على ما كان من أمر شتربة من تدبير للإطاحة بالأسد. وجاءت حجّة الشاهد القوليّ تحفيزا للأسد على المبادرة بالقضاء على شتربة قبل فوات الأوان. وورد الرأي نصيحة تعزّز الحجّة في مستوى التحفيز.

ويتعلّق الوصف باختيار جدولين منه: شمل الجدول الأوّل الصفات الموجبة. وقد أُسندت إلى الراوي الذي تحمّل منه دمنة الخبر. فهو أمين وصادق. ومن شأن هاتيْن الصفتيْن أن توقعا التصديق في ذهن الأسد بما يقوله دمنة. وشمل الجدول الثاني الصفات السالبة، وأُسندت إلى شتربة. فهو خائن وغادر. وهما صفتان تحملان الأسد على تأديب شتربة على مقدار خيانته وغدره. والمقابلة بين الصفات المتناقضة في ذهن السامع في الوقت نفسه تزيد من درجة وضوحها، فتحفّز السامع على اتّخاذ موقف مّا، والعمل على تحقيقه.

وأمّا الإستراتيجيّة فهي إستراتيجيّة التضليل. فقد غالط دمنة الأسد، ونقل إليه ما لم يكن من أمر شتربة. وأوغر قلب الأسد، وعمل على أن ينزع من ذهنه صورة شتربة القائمة على الحكمة وسداد الرأي، ويزرع مكانها صورة أخرى قوامها الخيانة والغدر. وقد حمل مقام التحريض دمنة على مغالطة الأسد وتضليله لينجح في مسعاه المتمثّل في الإيقاع بشتربة. ولكنّ دمنة يجد نفسه أحيانا في مقامات زجر ذات خطاب مختلف.

2- 3- مقام الزجر:

تعدّدت المقامات القائمة على الزجر. واختلفت وجوه تأثيرها في تشكيل الخطاب. وسنبيّن ذلك استنادا إلى ما ورد في المثال التالي:

-قال دمنة لكليلة: “ما ترى يا أخي؟ ما شأن الملك مقيماً في مكانه لا يتحوّل ولا ينشط كما كان يفعل؟ قال كليلة: ما شأنك أنت والمسألة عمّا ليس لك ولا يعنيك؟ أمّا نحن فحالنا حال صدق، ونحن على باب الملك واجدون ما نأكل، ولسنا من أهل المرتبة التي يتناول أهلها كلام الملوك وما يكون من أمورهم، فاسكت عن هذا”[19].

تكوّن المقام في هذا المثال من العناصر السياقيّة التالية: طرفيْ الحوار، وهما كليلة ودمنة، ونوع المقام، وهو مقام زجر وردع. وكان كليلة واعيا بسمات أخيه دمنة الذهنية والخلقيّة والاجتماعيّة. فهو داهية وشرّير وطموح وقليل الهمّة وغفل لا يعرفه الأسد. فكان لسمات دمنة والمقام الزاجر تأثير قويّ في خطاب كليلة. وظهر ذلك التأثير في اختيار كليلة لأعمال لغويّة تتميّز بالملاءمة[20]. فبدأ خطابه بالاستفهام. وقد خرج الاستفهام عن معناه الحقيقيّ إلى معنى بلاغيّ تمثّل في تبكيت دمنة وإفحامه حسب بيرلمان[21]. وأردف كليلة الاستفهام بالتأكيد. فرسّخ فكرة في ذهن دمنة مفادها الثبات على الصدق والقناعة بالموجود. ثم دعّم ذلك بالنفيّ. فوجّه الملفوظ وذهن دمنة قصرا إلى نتيجة واحدة[22] مفادها أنّهما لم يبلغا بعد مرتبة من يجوز له الكلام في أمور الملك وشؤونه. ثمّ عزّز كليلة خطابه بالأمر. ومداره على الزام دمنة بالإعراض عن موضوع كلامه، وعدم الحديث في شؤون الملك. ومتى لم يرعو دمنة فإنّه يجد نفسه في مقام توبيخ ذي خطاب حادّ.

2- 4- مقام التوبيخ:

لمقام التوبيخ دور كبير في بناء الخطاب وتشكيله. ونبيّن ذلك اعتمادا على المثال التالي:

– قال كليلة لدمنة: “أيّها الفسل، انظر إلى حيلتك، ما أنكدها وأوخم عاقبتها. فقد فضحت الأسد وأهلكت شتربة، وفرّقت كلمة الجند، مع ما استبان لي من خُرقك فيما ادّعيت فيه الرفق. أولست تعلم أنّ أعجز الرأي ما كلّف صاحبه القتال، وهو في غنى عنه؟”[23].

تكوّن المقام الوارد في هذا المثال من العناصر السياقيّة التالية: المتكلّم وهو كليلة، والسامع وهو دمنة، ونوع المقام وهو مقام توبيخ وتقريع. وتمثّل تأثير تلك العناصر في الخطاب في الاختيارات المعجميّة[24] الواصفة للفاعل وفعله ونتائجه. فقد نودي الفاعل دمنة بالفسل والخُرق، والفسل من الرجال الرذل. ووُصف فعله بالنكد ووخامة العاقبة، والعجز. وتمثّلت نتائجه في فضيحة الملك وهلاك البريء وتفريق الجند. وتشترك هذه الاختيارات المعجميّة في إبراز عظيم الذنب الذي ارتكبه دمنة، والحطّ من مروءته، والقدح في رجاحة عقله، واتّهامه بالقصور في التدبير.

يتّضح ممّا تقدّم أنّ المقام الداخليّ بمختلف أنواعه وعناصره السياقيّة يؤثّر في صياغة الخطاب، ويحمل المتكلّم على اختيارات معيّنة دون أخرى، من أجل الاستجابة لشرط المطابقة بين المقام وبين الخطاب. ولعل المقام الخارجيّ تكون له مظاهر أخرى مختلفة من التأثير في الخطاب إنتاجا وتأويلا.

3- المقام الخارجيّ:

إنّ الانتقال من المقام الداخليّ إلى المقام الخارجيّ يخرجنا من وضعيّات تلفّظيّة داخل الخطاب إلى وضعيّة تواصليّة بين الكاتب والمتلقّي[25]. ويصبح النصّ “تمشّيا تلفّظيّا مسجّلا في وضعيّة تواصليّة”[26]. ويشمل المقام الخارجيّ جميع الاعتبارات المقاميّة[27] القائمة أثناء ترجمة عبد الله بن المقفّع كتاب “كليلة ودمنة”. في باب “الأسد والثور”. ونذكر من تلك الاعتبارات أكثرها تأثيرا في عبد الله بن المقفّع لاختياره ترجمة كتاب “كليلة ودمنة” دون غيره من الكتب الأخرى سواء الفارسيّة أو الهنديّة.

– المنشئ: لم يكن عبد الله بن المقفّع مجرّد مترجم ترجم كتاب “كليلة ودمنة” من الفارسيّة إلى العربيّ. بل غيّر فيه وطوّعه وزاد عليه. يظهر التغيير والتطويع في الأسلوب. فقد وظّف أسلوبا يتماشى وطبيعة النثر الفنّيّ العربيّ، ونفث فيه من روحه ما وفكره ما جعله يرشح بقضايا واقعه. وتظهر الزيادة في إضافة باب في أوّل الكتاب يُعرف بـ “باب عرض الكتاب لعبد الله بن المقفّع”[28]. ومن أبرز وظائف هذا الباب توجيه القارئ إلى نوع معيّن من القراءة يقوم على تجاوز المعاني الظاهرة إلي المعاني الباطنة.

ومجرّد ذكر اسم عبد الله بن المقفّع أو قراءته في سفر كتاب “كليلة ودمنة” يرسم في ذهن القارئ صورة سابقة للخطاب (Éthos prédiscursif)[29] عن الرجل مختلفة الوجوه ومتعدّدة الأبعاد. فمن جهة الانتماء العرقيّ والثقافيّ نشأ ابن المقفّع مجوسيّا من أتباع المذهب المانويّ. ثم أسلم. واشتهر خُلقيّا بالكرم والإيثار والوفاء. ومن جهة السمات الذهنيّة عُرف بالذكاء والفطنة وسعة الاطّلاع وغزارة العلم. وارتفعت مكانته العلميّة بين معاصريه حتى شُبّه بالخليل بن أحمد الفراهيديّ.

وأمّا من جهة أوضاعه السياسيّة والاجتماعيّة فقد كان خصما للحكم العباسيّ وتحديدا الخليفة أبي جعفر المنصور. ومن مظاهر نقده للحكم العباسيّ كشف عيوب النظام الإداريّ المعتمد في الخلافة العبّاسيّة، وتفضيله النظام الإداريّ الفارسيّ على النظام الإداريّ العربيّ. وكان في خلاف كبير مع والي البصرة سُفيان بن مُعاوية بن يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة. ودأب على الاستهانة به باستمرار.

– المتلقّي: يشمل المتلقّي القارئ العربيّ عموما. ويمكن أن نخصّ بالذكر خصوم ابن المقفّع السياسيّين والاجتماعيّين، وتحديدا الخليفة العبّاسيّ المنصور، ووالي البصرة سفيان بن معاوية. وقد قُتل ابن المقفّع على يد سفيان بن معاوية بإيعاز من أبي جعفر المنصور، متهماً بالزندقة.

– المقام: إنّ للمقام وجهين ظاهرا وباطنا: يتمثّل الوجه الظاهر في التعليم والتهذيب. فقد قال الفيلسوف للملك في آخر باب “الأسد والثور”: “فكان في صنع دمنة –في صغره وضعفه وهو أرذل السباع وأحقرها- بالأسد والثور ما شغب بينهما، وألّب كلّ واحد منها على صاحبه، حتّى قطع ودّهما وإخاءهما من الأعاجيب والعبر لذوي الألباب في الاتّقاء والحذر لأهل النميمة والوهس، والنظر فيما يزوّقون من خديعتهم ومكرهم وسعايتهم. وذوو العقول أحقّ أن يتّقوا كذب أولئك ويتجنّبوا عطبهم، ويفحصوا عن هذه الأشياء منهم، ثمّ لا يقدموا على شيء من أقاويلهم إلّا عن تثبّت وضياء ونور، وأن يرفضوا كلّ ما عرفوا ذلك منه”[30]

ويتمثّل الوجه الثاني الباطن في النقد والإصلاح[31]. يتمثّل النقد في قول ابن المقفّع: “فأوّل ما ينبغي لمن طلب هذا الكتاب أن يبتدئ فيه بجودة قراءته والتثبّت فيه… فليس ينبغي أن يجاوز شيئا إلى غيره حتى يحكمه ويتثبّت فيه وفي قراءته وإحكامه. فعليه بالفهم لما يقرأ والمعرفة حتى يضع كلّ شيء موضعه وينسبه إلى معناه، ولا يعرض في نفسه أنّه إذا أحكم القراءة له وعرف ظاهر القول فقد فرغ ممّا ينبغي له أن يعرف منه[32].ويتمثّل الإصلاح في قول ابن المقفّع: “فمن قرأ هذا الكتاب فليقتد بما في هذا الباب. فإنّني أرجو أن يزيده بصرا ومعرفة. فإذا عرفه اكتفى واستغنى عن غيره، وإن لم يعرفه لم ينتفع به”[33]

وأثّرت كلّ تلك الاعتبارات في إنتاج الخطاب وتحكّمت فيه بنية وأسلوبا واستراتيجيّة[34]. يظهر تأثير الاعتبارات المقاميّة في مستوى البنية في تواتر البنية الحجاجيّة. وننطلق في بيان ذلك من الأمثلة التالية:

– المثال 1: “قال بيدبا: إذا ابتلي المتحابّان بأن يدخل بينهما الكذوب المحتال، لم يلبثا أن يتقاطعا ويتدابرا. ومن أمثال ذلك أنّه كان بأرض دستابند تاجر مكثر وكان له بنون”[35]

– المثال 2: “قال دمنة: من استصغر أمر عدوه وتهاون به أصابه ما أصاب وكيل البحر من الطيطوى. قال شتربة: وكيف كان ذلك؟ قال دمنة: زعموا أنّ”[36].

– المثال 3: “قال كليلة: أمّا إذا كان هذا رأيك فإنّي أحذّرك صحبة السلطان، فإنّ في صحبة السلطان خطرا عظيما. وقد قالت العلماء: أمور ثلاثة لا يجترئ عليه إلّا الأهوج، ولا يسلم منه إلا القليل: صحبة السلطان، وائتمان النساء على الأسرار، وشرب السمّ للتجربة”[37].

تكوّن كلام الشخصيّات في هذه الأمثلة الثلاثة من جزأين: الأطروحة والحجّة. وإذا كانت الأطروحة لا تزيد على كونها رأيا أو موقفا فإنّ الحجّة تنوّعت. فهي تارة تمثيل حكائيّ أو حجّة سرديّة مثلما هو الأمر في المثاليْن الأوّل والثاني، وترد مسبوقة بـ “ومن أمثال ذلك” أو “زعموا أنّ”، وهي طورا تكون شاهدا قوليّا مسندا إلى العلماء والحكماء، مثلما هو الأمر في المثال الثالث.

ويظهر تأثير الاعتبارات المقاميّة في مستوى الأسلوب في تواتر التأكيد على ألسنة الشخصيّات وهي تتحاور. ويمكن بيان ذلك انطلاقا من الأمثلة التالية:

– المثال 1: قال الأسد لدمنة: “لقد تركتني كارها لمجاورة شتربة”[38].

– المثال 2: قال دمنة لكليلة: “إن المنازل متنازعةٌ مشتركةٌ على قدر المروءة، فالمرء ترفعه مروءته من المنزلة الوضيعة إلى المنزلة الرفيعة؛ ومن لا مروءة له يحط نفسه من المنزلة الرفيعة إلى المنزلة الوضيعة”[39].

– المثال 3: قال شتربة لدمنة: “لعمري لقد طمعت فاستلذذت، فأراني قد انتهيت إلى الذي فيه الموت”[40].

لجأت الشخصيّات في هذه الأمثلة إلى التأكيد. وتمثّل في إدخال أداتيْ التأكيد “لقد” و “إنّ” في بداية الكلام في المثالين الأوّل والثاني، وإدخال مؤكّديْن “لعمري” و”لقد” في بداية الكلام في المثال الثالث. ويرد الكلام مؤكّدا بأداة تأكيد واحدة إذا كان المقام مقام شكّ وتردّد. ويرد مؤكّدا بأداتيْن إذا كان المقام مقام إنكار وجحود.

ولئن ورد الكلام على لسان الشخصيّات فنحن نقدّر أنّ التأكيد من صنع ابن المقفّع. فهو يعلم أنّه موضع اشتباه لكونه مناوئا لرأسيْ الحكم في عصره: والي البصرة والخليفة العبّاسيّ الثانيّ وكلّ من ناصرهم. ولذلك فإنّ هؤلاء سيكونون في محلّ شكّ وتردّد في قبول مقالته، وسيجحدون الحقائق التي يعرضها عليهم. وقد أكّد ابن المقفّع الخطاب بأداة التوكيد واحدة لدفع الشكّ والتردّد من الأذهان، ثم أكّد خطابه بأداتيْ تأكيد لدفع الإنكار والجحود من الأذهان، من أجل حملها على التسليم بما ورد في الخطاب من حقائق وحكم ومواقف.

ويظهر تأثير الاعتبارات المقاميّة في الخطاب في مستوى الاستراتيجيّة. فقد آثر عبد الله بن المقفّع ترجمة كتاب “كليلة ودمنة” لمّا وجده قائما على إستراتيجيّة التمثيل[41]. ويتجلّى التمثيل في مستويين: يظهر المستوى الأوّل في مماثلة المجتمع الإنسانيّ بالمجتمع الحيوانيّ. ويظهر المستوى الثاني في تواتر حجّة التمثيل السرديّ. وقد مكّنت إستراتيجيّة التمثيل ابن المقفّع من نقد واقعه خاصة الواقع السياسيّ. ونوضّح ذلك انطلاقا من الأمثلة التالية:

المثال 1: “وكان بقربه أسد يُقال له بنكله… وكان مزهوّا متكبّرا منفرداً مكتفيا برأيه. وإنّ ذلك الأسد لمّا سمع خوار الثور، ولم يكن رأى ثورا قط، ولا سمع خواره، رُعب منه، وكره أن يفطن لذلك جنده، فلم يبرح مكانه”[42].

المثال 2: قال كليلة: “إنّ السلطان لا يتوخّى بكرامته أفضل من بحضرته، ولكنّه يؤثر بذلك من قرب منه”[43].

المثال 3: قال دمنة: “إنّ إرادة الأسد لما يريد ليس لشيء ممّا ذكرت من تحميل الأشرار ولا غير ذلك، ولكنّه الغدر والفجور، فإنّه جبّار غدّار، أوّل طعامه حلاوى وآخره مرارة، بل أكثره سمّ مميت”[44].

المثال4: قال دمنة: “قد أذكرني أمرك شيئاً سمعته، فإنّه يقال: إنّ السلطان إذا كان صالحاً، ووزراؤه وزراء سوءٍ، منعوا خيره، فلا يقدر أحدٌ أن يدنو منه”[45].

إنّ الأسد المتحدّث عنه في المثال الأوّل تمثيل لكلّ حاكم، وذُكرت من خصاله الاستبداد والجبن. والسلطان المتحدّث عنه في المثالين الثاني والثالث إطلاق وتعميم لكلّ حاكم كذلك. وذُكرت من خصاله في المثال الثاني إيثار قرابته وتجاهل الفضلاء ممّن حوله. ووُصف وزراء السلطان في المثال الثالث بكونهم وزراء سوء لأنّهم يستأثرون بخير الملك، ويمنعون وصول الآخرين إليه.

ويبدو أنّ مقاصد ابن المقفّع تتجاوز مستوى المجتمع الحيواني لتحيل إلى المجتمع الإنسانيّ. فهو يقول: “ولم يول العقلاء من أهل كلّ ومان يلتمسون أن يُعقل عنهم، ويحتالون لذلك بصنوف الحيل، ويطلبون إخراج ما عندهم من العلل”[46]. فإستراتيجيّة التمثيل هي حيلة من الحيل التي وظّفها ابن المقفّع لإبلاغ موقفه من رموز الخلافة العبّاسيّة في عصره[47]. فليس المقصود بالأسد والسلطان والوزراء سوى أبي جعفر المنصور ووزرائه أوّلا، وسفيان بن معاوية وأعوانه ثانيا. وفي ذلك نقد لاذع للخليفة العباسيّ وتشهير بوزرائه وولاته وأعوانهم[48].

4- الخاتمة:

وهكذا نصل إلى أنّ المقام في “باب الأسد والثور” مقامان كبيران لكلّ منهما تأثير مختلف في صناعة الخطاب. المقام الأوّل هو المقام الداخليّ ، أو المقام الذي كانت الشخصيّات تتحاور فيه سواء في القصّة الإطار أو القصص المضمّنة. وقد ورد مقامات عدّة، فاختلفت أنواعه وتنوّعت عناصره السياقيّة من مقام إلى آخر. وساهم نوع المقام ومختلف تلك العناصر المقاميّة في التأثير في خطاب كلّ شخصيّة في مستويات مختلفة. فجاء الخطاب مستجيبا لمقتضى الحال الكائنة زمن التلفّظ به.

وأمّا المقام الثاني فمقام خارجيّ يشمل ابن المقفع باعتباره مترجم الكتاب، والقارئ العربيّ عموما والسلطة العباسيّة خصوصا. وساهمت جميع العناصر المقاميّة القائمة زمن القيام بالترجمة في التأثير في خطاب ابن المقفّع بنية وأسلوبا وإستراتيجيّة.

 ويمكن القول إنّ الخطاب سواء في ظاهره أو مضمره يشتمل بالضرورة على العناصر المقاميّة الحافة بعمليّة إنتاجه[49]. وهو يكتسب خصائصه البنائيّة والفنّيّة وأبعاده الدلاليّة من تأثّره بالمقام. فالمقام هو الذي يصنع المقال أكثر ممّا يصنعه قائله. ولذلك عُرّف الكلام البليغ قديما بكونه الكلام المطابق لمقتضى الحال[50].

5- المصدر والمراجع:

المصدر:

  1. بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، تحقيق عبد الوهاب عزام وطه حسين، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014.

المراجع العربيّة:

  1. بلبولة (مصطفى)، لدفيج فيتجنشتين من النسق إلى السياق، ضمن نظريّة السياق بين التوصيف والتأصيل والإجراء، سلسلة الآن، ع 5، نشر مشترك، ط 1، 2015.
  2. الجاحظ (عمرو)، البيان والتبيين، موسوعة الشعر العربيّ، الإصدار الأوّل، 2009.
  3. جار الله (أحمد حسين)، المقصديّة والتشكيل البنائيّ في كتاب كليلة ودمنة، مجلّة كلّيّة التربية، ع 4، م 2، 2001.
  4. ديك (فان)، النصّ والسياق استقصاء البحث في الخطاب الدلاليّ والتداوليّ، ترجمة عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2000.
  5. بن رمضان (صالح)، التواصل الأدبيّ من التداوليّة إلى الإدراكيّة، المركز الثقافيّ العربيّ والنادي الأدبيّ بالرياض، ط 1، 2015.
  6. بن رمضان (فرج)، مكانة المعنى وصفاته في الحكاية المثليّة، حوليّات الجامعة التونسيّة، ع 46، 2002.
  7. سلوان (توماس)، موسوعة البلاغة، ترجمة نخبة، المركز القوميّ للترجمة، ط 1، القاهرة، 2016، ج1.
  8. شارودو (باتريك)ومنغنو (دومينيك)، معجم تحليل الخطاب، ترجمة عبد القادر المهيري وحمادي صمّود، دار سيناترا، تونس، 2008.
  9. الشهري (عبد الهادي بن ظافر)، استراتيجيات الخطاب مقاربة لغويّة تداوليّة، دار الكتاب الجديدة المتّحدة، ط 1، بيروت، 2004.
  10. شكري (الطوانسي)، المقام في البلاغة العربيّة دراسة تداولية، عالم الفكر، المجلّد 42، العدد 1، سبتمبر 2013.
  11. العمامي(محمّد نجيب)، مقاربة النصّ السرديّ التخييليّ من وجهة نظر تداوليّة “المقامة البغداديّة” للهمذاني أنموذجا، ضمن بحوث في النصّ السرديّ، دار نهى للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، صفاقس، 2005.
  12. بن عيّاد (محمّد)، المقام في الأدب العربيّ، مطبعة التّسفير الفنّيّ، صفاقس، 2004.
  13. فاركا (كبدي)، المقام في الأجناس الخطابيّة والأجناس الأدبيّة، ترجمة محمّد العمريّ، ضمن كتاب نظريّة الأدب في القرن العشرين، ترجمة وتقديم محمّد العمري، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1996.
  14. القزويني (جلال الدين)، الإيضاح في علوم البلاغة، موسوعة الشعر العربيّ، الإصدار الأوّل، 2009.
  15. كحّولي (محمّد الناصر)، الحجاج الخطابيّ أسسه وتقنيّاته في “ثمرات الأوراق” لابن حجّة الحموي، دار زينب، ط 1، قليبية، 2017.
  16. المبخوت (شكري)، الاستدلال البلاغيّ، دار المعرفة للنشر وكلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات بجامعة منوبة-وحدة البحث في “تحليل الخطاب”، ط 1، 2006.
  17. مشبال(محمد)، الحجاج والتأويل في النصّ السرديّ عند الجاحظ، نشر مشترك، ط 1، 2015.
  18. مجموعة من المؤلّفين، معجم السّرديات، إشراف محمّد القاضي، نشر مشترك، ط 1، 2010.

المراجع الأجنبيّة:

  1. Amossy (Ruth), L’argumentation dans le discours, Armand Colin, Paris, 2013.
  2. Aristote, Rhétorique, trad. C-E Ruelle, le livre de poche, Librairie Générale Française, Paris, 1991.
  3. Breton (Philippe), L’argumentation dans la communication, Editions La Découverte, Paris, 1996.
  4. Ducrot (Oswald), Les échelles argumentatives, Editions de Minuit, Paris, 1989.
  5. Florea (LigiaStela), Pour une approche linguistique et pragmatique du texte littéraire, Editions eliteratura, Bucarest, 2015.
  6. Grice (Paul), Logique et conversation, in Communications, No 30, Seuil, 1979.
  7. Grinschpoun (Marie-France), L’analyse de discours, Donner du sens aux dires, Entrick B. Éditions, 2ème édition, Paris, 2013.
  8. Perelman (Chaim) et Tyteca (Lucie Olbrechts), Traité de l’argumentation: La nouvelle rhétorique, Éditions de l’université de Bruxelles, 6ème édition, Bruxelles, 20

المراجع الإلكترونيّة:

  1. البهلول (عبد الله)، مصادر القوّة الإقناعيّة في المثال المخترع، مثال البوم والغربان أنموذجا، ضمن “مؤمنون بلا حدود”، mominoun.com, 03/02/2016.

[1]– نشير على سبيل الذكر إلى:

– Aristote, Rhétorique, trad. C-E Ruelle, le livre de poche, Librairie Générale Française, Paris, 1991, p. 261 (1395 b).

– الجاحظ، البيان والتبيين، موسوعة الشعر العربيّ، الإصدار الأوّل، 2009، ص 112.

[2]– يُنظر مثلا:

– فان ديك، النصّ والسياق استقصاء البحث في الخطاب الدلاليّ والتداوليّ، ترجمة عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2000، ص ص 255-274.

محمّد بن عيّاد، المقام في الأدب العربيّ، مطبعة التّسفير الفنّيّ، صفاقس، 2004.

[3]– ورد في معجم السّرديات ما يلي: “يُقصد بالمقام في البحوث اللّغويّة والبلاغيّة والأدبيّة مكان القول ومناسبته وأطرافه وظروف إنشائه والعوامل المباشرة وغير المباشرة في إنجازه”

مجموعة من المؤلّفين، معجم السّرديات، إشراف محمّد القاضي، نشر مشترك، ط 1، 2010، ص 403.

وورد في معجم تحليل الخطاب ما يلي: “إنّ سياق عنصر مّا “س” هو مبدئيّا كلّ ما يحيط بهذا العنصر. وعندما تكون “س” وحدة لغويّة (من طبيعة وكمّ متغيّرين: صوتم، صرفم، كلمة، جملة، ملفوظ)، فإنّ محيط “س” يكون في الآن نفسه من طبيعة لغويّة (المحيط اللّغويّ) وغير لغويّة (السّياق المقاميّ الاجتماعيّ الثّقافيّ). ويستعمل لفظ “سياق” بحسب المؤلّفين للإحالة خاصّة إمّا إلى المحيط اللغويّ للوحدة (ويفضّل آخرون تسميته جريا على استعمال بدأ يعمّ contexte) وإمّا إلى مقام التخاطب.

باتريك شارودو، دومينيك منغنو، معجم تحليل الخطاب، ترجمة عبد القادر المهيري وحمادي صمّود، دار سيناترا، تونس، 2008، ص 133

[4]– صاغ شكري المبخوت قاعدة قابلة للعكس والطرد، بحيث يكون لها صنو.

– إذا كان في الكلام توكيد فمقامه المناسب هو التردّد أو الإنكار.

– إذا كان المقام مقام تردّد أو إنكار ناسبه كلام مؤكّد.

شكري المبخوت، الاستدلال البلاغيّ، دار المعرفة للنشر وكلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات بجامعة منوبة-وحدة البحث في “تحليل الخطاب”، ط 1، 2006، ص 26.

[5]– يقول شكري الطونسي: “يمكن القول بوجود نوعين أو قسمين من السياق، سياق النصّ وسياق المقام. وهي ثنائيّة تأخذ تسميات مختلفة لدى الدارسين”.

 شكري الطوانسي، المقام في البلاغة العربيّة دراسة تداولية، عالم الفكر، المجلّد 42، العدد 1، سبتمبر 2013، ص 66

[6]– ميّز كبدي فاركا بين مقاميْن أدبيّيْن في قوله: “المقام الداخليّ بين الناس، تلك العلاقات الماثلة داخل عمل أدبيّ. والمقام الخارجيّ، أي العلاقات بين العمل الأدبيّ والذي يوجّه إليه هذا العمل”.

كبدي فاركا، المقام في الأجناس الخطابيّة والأجناس الأدبيّة، ترجمة محمّد العمريّ، ضمن كتاب نظريّة الأدب في القرن العشرين، ترجمة وتقديم محمّد العمري، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1996، ص 120.

[7]– يقسّم محمّد بن عيّاد المقام بحسب مستويات ثلاثة مختلفة: المقام النصّيّ والمقام التلفّظيّ والمقام الكونيّ. المقام النصّيّ أصل تعبيريّ والمقام التلفّظيّ أصل تبئيريّ والمقام الكونيّ أصل تغييريّ.

محمّد بن عيّاد، المقام في الأدب العربيّ، ص 10

[8]– بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، تحقيق عبد الوهاب عزام وطه حسين، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014. ص 73.

[9]– تلزم مقولة الكمّ المتكلّم بأن يفيد المتقبّل بكمّ من المعلومات على قدر حاجته إليها. وتقوم على قاعدتين:

– لتكن إفادتك محتوية على الحدّ المطلوب من المعلومات.

– لا تجعل إفادتك تحتوي أكثر من الحدّ المطلوب من المعلومات.

Paul Grice, Logique et conversation, in Communications, No 30, Seuil, 1979.

[10]– محمّد نجيب العمامي، مقاربة النصّ السرديّ التخييليّ من وجهة نظر تداوليّة “المقامة البغداديّة” للهمذاني أنموذجا، ضمن بحوث في النصّ السرديّ، دار نهى للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، صفاقس، 2005، ص 104.

[11]– يقوم تصوّر فيليب بروتون للمقام على ما اصطلح عليه بالمثلّث الحجاجيّ (Triangle argumentatif). ويتكوّن من العناصر السياقيّة التالية:

-موقف الخطيب: ينتمي هذا الموقف إلى مجال الشبيه بالحقيقة (Vraisemblable).وهو بمثابة الأطروحة والفكرة ووجهة النظر. وهو موجود قبل أن يصبح موضوعا حجاجيّا. ويمكن للمرء أن يحتفظ به لنفسه ولا يسعى إلى إقناع الآخرين به أو حتى إعلامهم به.

– الخطيب: وهو الذي يحاجج لنفسه أو للآخرين كالمحامي مثلا.

– الحجّة: المقصود بها الرأي أثناء الإقناع به، وهو يجري في إطار الاستدلال الحجاجيّ. ويمكن أن تكون الحجّة مكتوبة في شكل كلمة أو رسالة أو كتاب أو إرساليّة إلكترونيّة أو مسموعة مباشرة أو غير مباشرة مثلا لراديو أو الهاتف ويمكن أن تكون صورة.

– السامع: وهو من يسعى الخطيب إلى إقناعه بالانخراط فيا لرأي الذي اقترحه عليه. ويمكن أن يكون شخصا أو جمهورا أو مجموعة من جمهور، ويمكن أن يكون هو نفسه في إطار الإقناع الذاتيّ.

– سياق التقبّل: المقصود به مجموع الآراء والقيم والأحكام التي يشترك فيها سامع مفترض مع الخطيب، وتكون سابقة لعمل المحاجّة وتنهض بدور فيتقبّل الحجاج سواء بالموافقة أو الرفض.

Philippe Breton, L’argumentation dans la communication, Editions La Découverte, Paris, 1996, pp. 17-18.

[12]– بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص73.

[13]– المصدر نفسه، ص73.

[14]– المصدر نفسه، ص 73.

[15]– المصدر نفسه، ص 73.

[16] -Chaim Perelmanet Lucie Olbrechts-Tyteca, Traité de l’argumentation: La nouvelle rhétorique, Éditions de l’université de Bruxelles, 6èmeédition, Bruxelles, 2008, pp. 316-317.

[17]– محمّد الناصر كحّولي، الحجاج الخطابيّ أسسه وتقنيّاته في “ثمرات الأوراق” لابن حجّة الحموي، دار زينب، ط 1، قليبية، 2017، ص 140.

[18]– بن المقفّع (عبد الله)، مصدر سابق، ص88.

[19]– المصدر نفسه، ص75.

[20]– تتمثّل الفكرة الأساسيّة للملاءمة في أنّ الكلمة لن تكتسب فعاليتها ما لم تكن متناسبة مع السمات الخاصّة للمتحدّث أو الموضوع أو المتلقّي أو المناسبة أو الوسيط.

توماس أ سلوان، موسوعة البلاغة، ترجمة نخبة، المركز القوميّ للترجمة، ط 1، القاهرة، 2016، ج 1، ص 610.

[21] -Chaim Perelman et Lucie Olbrechts-Tyteca, Traité de l’argumentation: La nouvelle rhétorique, op. cit. p. 214.

[22]-Oswald Ducrot, Les échelles argumentatives, Editions de Minuit, Paris, 1989, p. 7.

[23]– بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص99.

[24]– إنّ التعابير –حسب فلاسفة أوكسفورد وفيتجنشتين- لا معنى لها إلّا في سياق محدّد، أي إنّ اللفظ يأخذ معناه من المناسبة التي استعمل فيها.

– مصطفى بلبولة، لدفيتجنشتين من النسق إلى السياق، ضمن نظريّة السياق بين التوصيف والتأصيل والإجراء، سلسلة الآن، ع 5، نشر مشترك، ط 1، 2015، ص 43.

[25]– يقول صالح بن رمضان: “إنّ الاستناد إلى مقولة التخاطب يساعد الدارس الأدبيّ أيّة مساعدة على تمييز المتكلّم من المتلفّظ، والمخاطب من المروي له، أي التمييز بين الوضعيّة التلفّظيّة داخل الخطاب ووضعيّة التواصل بين الذات الحقيقيّة الكاتبة والذات الحقيقيّة المتلقّية”.

– صالح بن رمضان، التواصل الأدبيّ من التداوليّة إلى الإدراكيّة، المركز الثقافيّ العربيّ والنادي الأدبيّ بالرياض، ط 1، 2015، ص 98.

[26]– Ligia Stela Florea, Pour une approche linguistique et pragmatique du texte littéraire, Editions eliteratura, Bucarest, 2015, p. 19.

[27]– يقول شكري الطوانسيعن عناصر السياق المقاميّ: “الإطار أو المحيط المادّيّ الفيزيقيّ، الزّمانيّ والمكانيّ الذي يقع فيه فعل التّلفّظ والمشاركين في الحدث الكلاميّ: هويّتهم وهيئتهم ووضعيتهم الاجتماعيّة وما يكون بينهم من علاقات وروابط تسبق التّلفّظ وأثناءه ورؤية بعضهم بعضا، وما يعتقده الواحد عن الاخر وما يجمعهم من سنن لغويّة وثقافيّة واجتماعيّة مشتركة تأخذ صورة مواضعات عامّة أو معايير أو قيم، وما يصدرون عنه من معارف وأحكام واعتقادات ومقاصد ونوايا وميول ورغبات ومصالح وما يحدسون به من افتراضات واقتضاءات واحتمالات. هذا إلى جانب موضوع التّلفظ (أو عالمه) وشكله التّعبيريّ بأعرافه وتقاليده التي يعترف بها اجتماعيّا (وتاريخيّا) ضمن ثقافة مّا. يُنظر:

شكري الطوانسي، المقام في البلاغة العربيّة: دراسة تداولية، ص 64.

[28]– بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص ص 45-51.

[29]-Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, Armand Colin, Paris, 2013, p. 94.

[30]– بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص 105.

[31]– اقتصر أحمد حسين جار الله على ثلاثة مقاصد: مقصد تاريخيّ ومقصد المتعة والتسلية ومقصد التعليم والتأديب.

أحمد حسين جار الله، المقصديّة والتشكيل البنائيّ في كتاب كليلة ودمنة، مجلّة كلّيّة التربية، ع 4، م 2، 2001، ص ص 18-19.

[32]– بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص 46.

[33]– المصدر نفسه، ص51

[34]– يتطابق الخطاب كلّ الحالات مع السياق.

Marie-France Grinschpoun, L’analyse de discours, Donner du sens aux dires, Entrick B. Éditions, 2ème édition, Paris, 2013, p. 11.

[35]– بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص73.

[36]– المصدر نفسه، ص 96.

[37]– المصدر نفسه، ص 78.

[38]– المصدر نفسه، ص90.

[39]– المصدر نفسه، ص76.

[40]– المصدر نفسه، ص93.

[41] – ذكر عبد الهادي الشهري عدّة استراتيجيّات للخطاب، من بينها الإستراتيجيّة التلميحيّة.

عبد الهادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات الخطاب مقاربة لغويّة تداوليّة، دار الكتاب الجديدة المتّحدة، ط 1، بيروت، 2004، ص 370.

[42]– بن المقفّع (عبد الله)، كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص 75.

[43]– المصدر نفسه، ص 77.

[44]– المصدر نفسه، ص93

[45]– المصدر نفسه، ص 72.

[46]– المصدر نفسه، ص45

[47]يقول فرج بن رمضان عن خصائص الحكاية المثليّة: إنّ السرد القصصيّ غير مطلوب لذاته ولا لغاية فنّيّة خالصة، وإنّما يُطلب في المقام الأوّل بوصفه مطيّة لبلوغ الهدف الوعظيّ التعليميّ”.

فرج بن رمضان، مكانة المعنى وصفاته في الحكاية المثليّة، حوليّات الجامعة التونسيّة، ع 46، 2002، ص 268.

[48]– يقول عبد الله البهلول: “وأهمّ من ذلك كلّه، في تقديرنا، طرق الموضوع السياسيّ باعتماد تقنية المثال والتمثيل”.

عبد الله البهلول،مصادر القوّة الإقناعيّة في المثال المخترع، مثال البوم والغربان أنموذجا، ضمن “مؤمنون بلا حدود”،www.mominoun.com, 03/02/2016، (تمّت زيارته يوم 7/11/2018، في الساعة 23).

ص 32.

[49]– يقول محمّد مشبال عن نصوص الجاحظ السرديّة: “تسمح لنا نصوص الجاحظ السرديّة في ضوء التلقّي التداوليّ أن نماثل بين خطابها وبين المقامات التواصليّة”.

محمد مشبال، الحجاج والتأويل في النصّ السرديّ عند الجاحظ، نشر مشترك، ط 1، 2015، ص 40.

[50]– القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، موسوعة الشعر العربيّ، الإصدار الأوّل، 2009، ص 9.

مقالات أخرى

كتاب : بصائر سياسية إسلامية للثورة السورية

التنوير في مواجهة الطغيان السياسي الكهنوتي

الطائفة العلوية في قفص الاتهام: قراءة سوسيولوجية

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد