ثقافة التسامح لدى الشّباب الجامعيّ

الشّباب الجامعيّ

الملخّص:

تهدف الدّراســة الرّاهنــة إلى رصــد ثقافة التّسامح لدى طـلاب جامعة بني سويف، والتّعرّف على صوره المختلفة التي يتبنونها، والكشف عن المحدّدات الاجتماعيّة والثّقافيّة لهذه العمليّة.

وقد استندنا في هذا البحث إلى رؤية (يورجن هابرماس) Habermas حول التّسامح التي انبثقت من مشروعه الفكريّ الكبير الموسوم بنظريّة الفعل التّواصلي. مطوّعين منهج المسح الاجتماعي، لذا قمنا باختيار عينة طبقية بلغ حجمها 300 طالبا وطالبة من مختلف كليات جامعة بني سويف، خلال الفصل الدراسي الثاني من العام الجامعي 2020 / 2021.

وحاولنا في مرحلة أخرى صياغة مقياس تكوّن من 35 بندا لقياس درجة التّسامح، موزعة على ثلاثة أبعاد: التّسامح الديني، التّسامح الاجتماعي. التّسامح الفكري.

وقد أفضى بنا البحث إلى الإقرار بالحضـور القوي والواضح لثقافة التسـامح بين أفراد العينة، وبوجود أشكال عدّة للتسامح يؤمن بها الشباب الجامعي في مجتمع البحث وهي التسامح الديني، والتسامح الفكري، والتسامح الاجتماعي،

واتّضح لنا في هذه الدّراسة أيضا أن هناك علاقة بين متغير النوع ودرجة التسامح، حيث تبيّن أنّ الإناث أكثر تسامحا من الذكور، كما تبيّن أنّ هناك علاقة أيضا بين نمط التعليم والتسامح، فالدارسون للعلوم الاجتماعية أكثر تسامحا من الدارسين للعلوم الطبيعية.

الكلمات المفاتيح: التسامح – التسامح الديني – التسامح الاجتماعي – الفعل التواصلي – يورجين هابرماس.

Abstract:

 The present study aims at monitoring the culture of tolerance among students at Beni Suef University, identifying the different forms of tolerance that they adopt. The study also aims at revealing the social and cultural determinants of this process.

 The study is based on Jürgen Habermas’ vision about tolerance, which emerged from his great intellectual project called The Theory of Communicative Action.

 The study relies on the Social Survey method, using the Sample method, where a stratified sample of 300 students was selected from the various colleges of Beni Suef University, during the second term of the academic year2020/2021.

 The researcher has formulated a scale of tolerance, consisting of 35 items to measure the degree of tolerance, distributed over three dimensions: Religious tolerance, social tolerance, and Intellectual tolerance.

 The study revealed a strong and clear presence of a culture of tolerance among the sample members, and the study showed that there are several forms of tolerance, namely religious tolerance, intellectual tolerance, and social tolerance,

The study showed that there is a relationship between the gender variable and the degree of tolerance, as it was found that females are more tolerant than males, and there is also a relationship between education and tolerance, as students of social sciences are more tolerant than students of physical sciences.

Key Words: Tolerance – Religious Tolerance – Social Tolerance – The Theory of Communicative Action – Jürgen Habermas.


1- مقدمة:

يرتكز المجتمع الإنسانيّ على دعائم اجتماعيّة وثقافيّة وأخلاقيّة، تعمل على بقائه واسـتقراره وتسهم في تطـوّره، وتمثّل القيم الاجتماعيّة والثقافية واحـدة من أهـم تلك الركـائز، حيث تمثل المنهل الذي يستمد منه أفراد المجتمع شروط وجودهم ومعايير تفاعلاتهم الاجتماعيّة، ويعد التّسامح Toleranceواحدا من أهمّ القيم الإنسانيّة التي تسهم بإيجابية في بقاء المجتمع وتطوره.

والواقع أنّ التسامح يعد فضيلة مدنية وضرورة أخلاقية واجتماعية، خاصة في المجتمعات التي تتسم بالتّنوع السياسي، والدّيني، والطائفي. ولذلك فإنّ وجود التسامح لا يعد ضرورة لازمة للمجتمعات التي تعاني من نزاعات أو صراعات فحسب، بل إنّ وجوده يعد ضرورة لازمة لكلّ المجتمعات حتى في أوقات السلم عندما يكون المجتمع ذا مكونات اجتماعية متباينة. (علي مراد وفاتن رزاق 1:2012)

وإذا كان حضور التسامح بين كافة الجماعات والفئات الاجتماعية أمرا مهمّا وحتميّا في كل وقت، فإنّ حضوره بين الشـّباب الجـامعي في اللحظة الآنية يعدّ أمرا أكثر أهمية وإلحاحا؛ ذلك أن الشباب الجامعي هو ذلك الجيل المنوط به حمل المسئولية الاجتماعية في مختلف المجالات في المستقبل القريب، وبالتّالي سيسهم بفكره في نشر قيم التسامح، ويتصدّى بسلوكه لكل صور التّعصب والتمييز في كافة الفضاءات الاجتماعية.

وبناء على ما سـبق تأتي الدّراســة الرّاهنــة للكشــف عن واقع ثقافة التّسـامح لدى طلاب جامعة بني سويف، وجوانب تلك الثقافة، ورصد أبرز محـدّداتها الاجتماعيـّة والثقافيّة.

2- مشكلة الدراسة وتساؤلاتها:

تتحدد مشكلة الدراســة الراهنــة في رصــد ثقافة التسامح لدى طـلاب جامعة بني سويف، والتّعرف على صور التسامح المختلفة التي يتبنونها، والكشف عن المحددات الاجتماعية والثقافية لهذه العملية، بمعنى الكشف عن دور الأبعاد الاجتماعية والثقافية في تنمية قيم التسامح المتعدّدة أو إقصائها.

واستنادا إلى ذلك تحاول الدراسة الإجابة عن سؤال رئيس تتولّد عنه مجموعة من التّساؤلات الفرعية. فالتساؤل الرئيس هو: ما مدى حضور قيم التسامح في فكر طلاب جامعة بني سـويف وسلوكهم؟ وما هي أبرز أنماط التسـامح التي يؤمن بها هؤلاء الطـلاب ويمارسـونها؟ وما هي أهمّ المحددات الاجتماعية والثقافية التي تنمي قيم التسامح لديهم أو تسهم في غيابها؟

وتتفرع عن السؤال السابق الإشكاليات الآتية

  • ما مستوى حضور ثقافة التسامح لدى عينة الدراســـة؟ وما هي أهمّ صورها وأشكالها؟
  • ما مستوى التسامح الديني والفكري السائد في مجتمع البحث؟ وما هي أبرز ملامحهما؟
  • ما درجة التسامح الاجتماعي لدى مجتمع البحث؟ وما هي أهم تجلياته؟
  • ما دور بعض العوامل الاجتماعية كالنوع ونمط التعليم ومكان الإقامة ومحل الميلاد والمستوى الاقتصادي والانتماء الديني في تبني قيم التسامح؟

3- أهمية الدراسة:

للدراسة الحالية أهمية نظرية وتطبيقية في آن، فالأهمية النظرية، تنبع من أهمية التسامح وضرورته، بوصفه قيمة اجتماعية وأخلاقية. حيث تطمح الدراسة إلى رصد أبعاده المختلفة، وإبراز أهمية التعاطي السوسيولوجي للظاهرة، والتّعرف على مدى ثراء التّراث السّوسيولوجي في رصد الظاهرة وتفسير كافة جوانبها.

أما على المستوى التّطبيقي، فلا شك أنّ ثمّة ضرورة اجتماعيّة وأخلاقيّة وسياسيّة لبثّ قيم التّسامح وقبول الاختلاف ونبذ التّعصب والتّطرف بين فئات المجتمع وخاصة الشباب منه، وبالتالي يمكن الاستفادة من نتائج الدّراسة في التّعرّف على واقع ثقافة التّسامح لدى الشّباب الجامعي، ومن ثمّ يمكن وضع خطّة علميّة لنشر تلك الثقافة وتنميتها ومحاصرة كل صور التّعصب والتّطرف واللاتسامح ، وتصحيح المفاهيم والأفكار المغلوطة التي تحاول بعض قوى التطرف بثّها بين فئات المجتمع فيما يتعلّق بالتسامح وقبول الاختلاف. ولا شك أنّ سيادة ثقافة التّسامح وحضورها تمثّل الحاضنة الاجتماعيّة والثّقافيّة لكلّ برامج التنمية الاجتماعية والاقتصاديّة، فالمجتمع المتسامح هو المجتمع الأكثر انفتاحا على التّغيرّ والتطور في كافة المجالات.

4- الإطار النظري للدراسة:

يتشكّل الإطار النظري للدراسة من تحديد مفهوم التّسامح، ورصد جذوره الفكرية، ثمّ عرض الاتجاهات النّظرية المفسّرة له.

4- 1- مفهوم التسامح: الدلالات اللغوية والجذور التاريخية والمضامين المعاصرة:

نشأ مصطلح التسامح في سـياق ثقافة مختلفة وظـروف تاريخيـة متباينة؛ ولأسباب اجتماعيّة وثقافيّة لم تمرّ بها كلّ المجتمعات الإنسانيّة، ثم انتقل هذا المصطلح إلى مناطق وسياقات ثقافيّة مغايرة حكمتها ظروف تاريخية مختلفة، فقد انبثق مبدأ التّسامح أساسا من عصر التّنوير الأوروبي في القرنين السّابع عشر والثامن عشر ، وتكاملت صياغته الفلسفية على أيدي فلاسفة التنوير الكبار: جون لوك، فولتير، وبيركلي وغيرهم. (أشرف عبد الوهاب 66:2005)

والحقّ أنّ المتأمّل في جذور الدّلالات اللغويّة لمصطلح التّسامح يجد فيها اختلافا كبيرا بين اللّغة العربيّة واللغات الأوروبية، وبوجه خاص في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويرتبط ذلك الاختلاف في جزء منه بالبنية اللّغوية من جهة، وبالسّياق التّاريخي الحضاري الذي برز فيه المصطلح من جهة أخرى.

ففي اللغة العربية، نجد في المعجم الوسيط (سمَحَ) – سمْحا ، وسماحا، وسماحة : لان وسهل. ويقال: سمح العود: استوى وتجرّد من العقد، وانقاد بعد استصعاب، وسمح فلان: بذل في العسر واليسر عن كرم وسخاء، ويقال سمح له بحاجة يسرها له. و (سمُح) – سماحة وسُمُوحة: صار من أهل السماحة فهو سمْح. وسميح. و (أسمح): سمح ويقال أسْمَحَتْ نفسُه ذلت واطاعت وانقادت، (سامحه) بكذا، وفيه وافقه على مطلوبه، وسامحه بذنبه: عفا عنه، ويقال في الدعاء سامحك الله. (سمَّح) : سَمَحَ. أي صار سيرا سهلا، وسمّح الشيء جعله لينا سهلا، ويقال سمّح الرمح وغيره: ليّنه وثقّفه، وسمَّح فلانا ساهله، و (تسامح) في كذا: تساهل. و (تسمَّح) فيه تسامح، و(السماح) التّسامح والتّساهل. ومنه بيع السماح وهو البيع بأقلّ من الثمن المناسب. (المعجم الوسيط 447:2004)

ومن الجدير بالذّكر في هذا السّياق أنّ كلمة “التسامح” في اللغة العربيّة القديمة لم تعرف الدلالات الحديثة التي يحيل إليها المصطلح في الوقت الراهن، فهذه الكلمة لم تتجاوز – كما بينا منذ قليل – معاني التّساهل واليسر وغضّ النظر عن غير المرضيّ، لكنّنا نجد ما ينهض بهذه الدلالات – وبنسب متفاوتة – موزّعاً بين عبارات ومصطلحات أخرى، مثل “الوفاق، المسامحة، التسالم، العدل، التفهّم، التحابّ”. وهي تمثّل الجهاز الاصطلاحي الذي اعتمدته الخطابات الاجتماعيّة والفلسفيّة الرامية إلى تشريع الاختلاف والتأليف بين المجموعات البشريّة في الحضارة الإسلامية. (ناجية الوريمي 2016: 10 – 11).

ويذهب محمد أركون ( 1928 – 2010 ) إلى أنّه على الرغم من أنّ النّصوص الكبرى للفكر العربي الإسلامي كانت تتضمن البذور الأولى لفكرة التّسامح، وتدلّ على الطريق المؤدّي إليه بالمعنى الحديث للكلمة، ويتجلى ذلك عند أعلام هذا الفكر مثل الحسن البصري والجاحظ و الكندي والتوحيدي والمعري. إلا أنّنا لا يمكن أن نتحدّث عن التّسامح كممارسة شائعة في البيئة الإسلاميّة؛ بسبب البُنى الاجتماعيّة السّائدة والأطر الفكريّة المهيمنة، فقد كابدت المجتمعات الإسلاميّة أوضاعا صعبة منذ القرن الثالث عشر الميلادي، فمنذ ذلك الوقت شهدت عمليّات فرز واضحة للجماعات العرقيّة والثقافيّة والنّخب الحضريّة والطّبقات الشّعبية، وأقيمت من ثمّ الجدران والحواجز بينها. (محمد أركون 1995: 113 – 114)

وخلافًا لموقف أركون، جاء موقف محمّد عابد الجابري موسّعاً دائرةَ التسامح لتشمل تيّاراً كاملاً هو التيّار القدريّ والإرجائيّ في بداية الدولة العربيّة الإسلاميّة. فقد ظهر هذا المفهوم – حسب رأيه- في فكر أوائل المتكلّمين “القدريّة والمرجئة”، ومثّل محورًا ً قائمًا بذاته من محاور اهتماماتهم الفكريّة، وذلك من خلال مسألة “الإيمان” ذلك أنّ عدم تكفير هؤلاء المتكلمين لمرتكب الكبيرة، يعكس هامشًا واسعًا من التسامح، وقع فيه الفصل بين الإيمان والعمل. إنّ العمل لا يبطل الإيمان، حتّى وإن تعلّق الأمر بارتكاب معصية أو بعدم القيام ببعض الواجبات الدينيّة. . . . ويصل الجابري إلى استنتاج مفاده أنّ “الجيل الأوّل من المثقّفين في الحضارة العربيّة الإسلاميّة راح يدافع عن مفهوم للإيمان قائم على الاعتدال والتسامح، مفهوم ليبراليّ إذا جاز استعمال هذه الكلمة في هذا السياق ”، و يقدّم الجابري فكر ابن رشد باعتباره “قمّة التسامح”، يقول: “ويبلغ التسامح قمّته في موقف ابن رشد من آراء المخالفين والخصوم، حينما يلوم الغزالي على كونه لا يحاول أن يتفهّم موقف الخصم، بل يحكم بفساده دون اعتبار المقدّمات التي أدّت إلى هذا الموقف. (ناجية الوريمي 9:2016)

وفي اللغة الإنجليزية هناك مقابلان لكلمة تسامح، الأول Tolerance والثاني Toleration ، يشير الأول إلى استعداد الشخص لتحمّل معتقدات وممارسات وعادات تختلف عمّا يعتقد فيه، أما المعنى الثاني فيشير بدرجة أكبر إلى التسامح الديني، فهو يعني السّماح بوجود الآراء الدّينية وأشكال العبادة المناقضة للمعتقد السّائد. وتاريخيا كان مصطلح Toleration هو السائد في القرن السادس عشر في مواجهة الحروب الدينيّة التي شهدتها أوروبا، ولذلك تميز مفهوم التّسامح في ذلك الوقت بالصبغة الدينية، وكان مجرد سلوك فاضل، مما يفترض ضمنا عدم وجود مساواة بين طرفي التسامح، وبذلك يصبح المفهوم محيلا على تسامح الأعلى مع الأدنى، أما مصطلح Tolerance فلا يفترض هذا التّدرج، بل يعني المساواة بين كلّ الأطراف، وتبعا لذلك يعني التّسامح احترام المختلف مهما كان مصدر اختلافه، فتحوّل التسامح من مفهوم ذي طابع هرمي يقوم على تفضيل طرف على طرف إلى حقّ لكلّ البشر .(أشرف عبد الوهاب 67:2005)

وقد اشــتق مصطلح Tolerance من الفعل اللاتيني tolerare الـذي يعـني التّحمّل، أي تحمّل الأفكار والرّؤى وأنماط الحيـاة المتباينة والاعـتراف بها. وكون الشّـخص متسامحا يعنى إدراكـه للاختلافات وقبولها في الحياة اليوميّة، وتعد وجـهة نظر الشـخص متسـامحة إذا قبل الشـخص معتقدات الآخرين وأنماطهم السلوكية رغم اختلافها عن معتقداته وأنماط ســلوكه الخاصة. (Miloloža, Ivana et.al. 2014: 291)

وتشير كلمة التسامح في المعاجم الإنجليزية إلى معظم المعاني السابقة، ففي معجم التراث الأمريكي للغة الإنجليزية The American Heritage Dictionary of the English Language على سبيل المثال يعني التسامح القدرة على تحمّل المشقّة والألم، كما يعني القدرة على الاعتراف بمعتقدات وممارسات الآخرين واحترامها، وقبول الاختلاف حول معايير معيّنة، وأن يكون الشّخص متسامحا يعني قدرته على تحمّل معتقدات الآخرين وممارساتهم وسماتهم المتباينة. (Soukhanov, Anne 1992: 7481)

وتاريخيّا، ظـهرت كلمة التّسـامح في أوروبا في وقت مبـكر من القــرن الثاني الميـلادي، وذلك في تأملات The Meditations ماركوس أوريليوس (121 – 180 م) الذي عبرّ عن مضمون التسامح في العبارة التالية: (خُلق البشر من أجل بعضهم البعض، إذن علمهم جيدا أو تحملهم All men are made one for another, either then teach them better, or bear with them (Doorn, V. Marjoka 2014:2)

والحقيقة أنّ مصطلح التّسامح ومعناه قد ورد في عدّة مواضع في كتاب التّأملات، ففي الكتاب الأول يقول أوريليوس: ” تعلّمت من سكستوس Sextus الأريحيّة . . . ومفهوم الحياة التي تعاش وفقا للطبيعة، ووقارا في غير تكلّف، ورعاية مصالح الأصدقاء، والتّسـامح تجـاه الجهـال من الناس وتجـاه راكبي رؤوسهم، والتّلطف مع الجميع” ويذكر في الكتاب الثاني : قل لنفسك حين تقوم في الصباح اليوم سأقابل من الناس من هو متطفل، ومن هو جاحد، ومن هو عنيف، وسألتقي بالغادر والحسود والأناني، أما أنا وقد أدركت طبيعة الخير ، وعرفت أنه جميل، وبصرت بطبيعة الشر وعرفت أنه قبيح، وعرفت أن مرتكب الرّذائل لا يختلف عني أدنى اختـلاف في طبيعته ذاتها، فنحن لا تجمعنا قرابـة الدم والعـرق فقط، بل قرابة الانتساب إلى نفس العقل، ونفس القبس الإلهي، ولذلك فلن يَسُوؤَني أي واحد منهم، ولن أسخط عليه، فقد خُلقنا للتعاون شأننا شأن اليدين والقدمين، والجفنين، إن التّشاحن والعداوة مناقضان للطبيعة” (ماركوس أويريليوس 2010: 11، 44).

لقد تبنى الفلاسفة فكرة التّسامح – النّابعة من قرابة الدّم وقرابة العقل – من وقت أوريليوس إلى يومنا هذا، كوسيلة للتغلب على الاختلافات العميقة بين الجماعات المتنوعة – خاصة المتباينة دينيا – في المجتمع. لقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً قبل أن تتبنى الديمقراطيـات الحديثة سـياسـة التّسامح بوصفها سياسة إدارية كما نعرفها اليوم. والحقيقة أنّ جذور مضمون التّسـامح وجـدت في المقاومـة الفعليّة للطغيان والقمع قبل فترة طويلة من اكتساب الكلمة رواجها في المعاجم العلمية. (Doorn, V. Marjoka 2014:2).

وعلى الرغم من أنّ تشكّل مفهوم التسامح يرجع إلى مراحل قديمة في التّاريخ الإنساني، تؤكد معظم الدّراسات التي تناولته من منظور تاريخي أنّه لم يتحوّل إلى مفهوم مركزي في الخطاب السّياسي والفلسفي والاجتماعي إلا في فترة ما عُرف بالإصلاح الديني التي تلت الحروب الدينيّة والسياسيّة التي اجتاحت سائر البلدان الأوروبية في القرن السابع عشر (منير الكشو 15:2019).

ويذكر هابرماس أنّ اللغة الألمانية لم تستعر كلمة التسامح Toleranz من اللغتين اللاتينية والفرنسية إلاّ في فترة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر، وقد استخدم المعنى الضيق لها وهو التسامح مع الطوائف الدينية الأخرى، وفي سياق القرنين السادس والسابع عشر تحول مفهوم التسامح الديني religious toleration إلى مصطلح قانوني (Habermas 2003: 2).

ويعتقد كثير من الباحثين أنّ مؤسس المذهب البروتستانتي المعروف (مارتن لوثر) Martin Luther (1483 – 1546) هو أوّل من استخدم مصطلح التّسامح في العصر الحديث، وذلك في حدود عام 1541، وذلك عندما ربط التسامح بحرية الاعتقاد، والإيمان، والضمير، وتزامن ذلك مع انبثاق النزعة الإنسانية لدى مجموعة من اللاهوتيين المسيحيين الذين أثّروا بقوة في إصلاح الكنيسة الكاثوليكية، مثل إراسموس Erasmus ومونتان Montan ، و دي لوسبيتال De Lospital (أشرف عبد الوهاب 2005: 69).

وفي خضم القرن السادس عشر المضطرب بدأ المؤلّفون في أوروبا باستخدام كلمة التسامح في منشوراتهم للاحتجاج على محاكم التّفتيش والاضطهاد الواقع على من يوصفون بالزنادقة أو المهرطقين. وكان سيباستيان كاستيليو Sebastian Castellio (1515-1563) أحد المفكرين البارزين في عصره الذين دافعوا علانية وبقوة عن التّسامح الديني والسياسي، وانشغل “كاستيليو” بالتسامح الديني وانطلق من قضية أساسية وهي أنّ من يصدر حكما على معتقدات الآخرين يحل محل الله، ويرى كاستيليو أنّ اضطهاد غير المتدينين يؤدّي إلى قلاقل واضطرابات، ولذلك فقد كانت دعوته للتسامح بمثابة دعوة للاستقرار والتعايش السّلمي، وعلى مدار القرن الثامن عشر لم يتجلّ فقط النّضال من أجل الحرية الدينية، وإنّما ظهر النّضال من أجل التسامح العلماني ومعارضة الدّين بطريقة سلميّة (Doorn, V. Marjoka 2014:2– 3).

وقد ساهم فلاسفة عصر التّنوير الكبار – سبينوزا، و روسو، وفولتير ، وجون لوك في إثراء المفهوم، وتوسيع حقول استعماله. حيث كتب سبينوزا (1632 – 1677) في الفصل الأخير من رسالته في اللاهوت والسّياسة: “إنّ أسـوأ موقف توضـع فيه الدولة هـو ذلك الذي تبعث فيه إلى المنفى بالشرفاء من رعاياها وكأنهم مجرمون، لا لشيء إلا لأنهم اعتنقوا آراء مخالفة لا يستطيعون إخفاءها، وكتب روسو (1712 – 1778) في العقد الاجتماعي: “يخطئ أولئك الذين يفصلون بين اللاتسامح المدني واللاتسامح الديني، فهذان النّوعان لا انفصام بينهما. إذ من المتعذّر العيش بسلام إلى جانب من نعتقد أنّهم هالكون (صالح شقير وساطع رضوان 2014: 142).

إنّ الدّين يظل – في رأي سبينوزا – مسألة شخصيّة: فكلّ مواطن بوصفه عضوا في الجماعة السياسية -وكذا الأمير – يحقّ له ممارسة الدين الذي يختار؛ إذ التديّن شأن شخصيّ. فلا دين الملك يُلزم المواطنين، ولا دين المواطنين يُلزم الملك. إنّ رسالة اللاهوت والسياسة تؤكّد الفصل الكامل بين الفلسفة واللاهوت، وتعلن عن استقلالهما المتبادل(منير الكشو 21:2019).

وفي ذات السياق كتب جون لوك (1632 – 1706) “رسالة في التسامح” باللغة اللاتينية في منفاه في هولندا دون كتابة اسمه في عام ،1689 وكان التسامح الديني لب اهتمامه، حيث أكّد أنّه ليس من حق أحد أن ينتهك باسم الدين الحقوق المدنية، أو أن يقتحم الأمور الدنيوية. ويستلزم التسامح الديني ألاّ يكون للدولة دين؛ إنّ خلاص النفوس من شأن الله وحده، كما أنّ الله لم يفوض أحدا في أن يفرض على الآخرين دينا معينا (جون لوك 1997:7).

ودعا “لوك “في كتابه إلى القضاء على بنية التفكير الأحادي المطلق، وروح التعصب الديني المغلق، وإقامة الدين على العقل، وبناء منظومة حقوق تؤسس لمفهوم التسامح تعتمد مبدأ الفصل بين دور الكنيسة ودور الدولة، ومبدأ المساواة في الحقوق بين جميع الطوائف الدينية. ويقول جون لوك في الكتاب: “يجب أن تتّخذ الكنائس من التّسامح أساسا لحريتها، وأن تعلم أنّ حرية الضمير حقّ طبيعي لكلّ إنسان يخصّها كما يخص المنشقّين عنها، و أنّ لا إكراه في الدين سواء بالقانون أو بالقوة (صالح شقير وساطع رضوان 2014: 142).

إنّ الحقبة التي شهدت بزوغ التسامح العلماني في أوربا (1650 – 1750) والتي يسمّيها البعض التنوير الجذري radical enlightenment هي التي مهّدت الطريق لتأسيس النّظم الدّيمقراطية الليبرالية في أوروبا، كما نعرفها اليوم، ومن الجدير بالذكر، أنّه في حالات كثيرة لم تكن تسوية النزاعات الدينيّة هي فقط التي عزّزت فكرة التسامح، وإنّما الحاجة إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والديني ساهمت أيضا في ذلك (Doorn, V. Marjoka 2014:3).

واستنادا إلى هذا الموروث التاريخي والحضاري، جاءت التّعريفات المعاصرة للمصطلح، فتُعرّف منظمة اليونسكو التسامح بأنّه الاحترام والقبول والاعتراف بالتّنوع الثّري بين ثقافات العالم، واحترام الأشكال المتباينة في التّعبير، وتقدير الصّفات الإنسانيّة لدينا، ويتعزّز التسامح بالمعرفة والانفتاح والتواصل وحرية الفكر والضمير والمعتقد. إنّ التسامح هو الانسجام في سياق التباين، وهو ليس واجبا أخلاقيّا فقط، وإنّما هو أيضا التزام سياسي وقانوني، وفضيلة تسهم في إحلال ثقافة السّلام محل ثقافة الحرب (UNESCO, 1995: 71).

ووفقا لمواثيق الأمم المتحدة، يعرف التسامح بأنّه الاعتراف والاحترام المتبادل، ومراعاة الحقوق والحريات لجميع الناس، دون تمييز على أساس الخصائص الاجتماعيّة والطبقيّة والدينيّة والإثنيّة أو غيرها من الصفات، ويرى بعض علماء الترّبية أنّ التسامح هو كلمة السّر في نبذ العنف والتّخلي عن العدوان، ويتجلى في قدرة الفرد على إدراك أنّ آراء الآخرين، وطرائقهم في الحياة، وأنماط سلوكهم، والعديد من سماتهم الأخرى تختلف عن سماته وطرائقه هو، ومن ثمّ يعترف بها دون مواجهة أو اعتراض(Mitin, Sergei et.al. 2017:1194).

ويتمثل مفهوم التسامح في وجهين: فهو (قيمة) حينما ينظر إليه من وجهة النّظر الاجتماعية، و(فضيلة) حينما ينظر إليه من جانب الفرد الذي يمارسه، (فبوصفه قيمة ليس التسامح ذا قيمة فحسب، بل هو قيمة في ذاته، فلا يمكن أن يُستبدل بأشياء تفوقه أهمية ومنفعة ولا يمكن أن يكون له ثمن، وأن يُبادل أو يقايض بقيم أخرى مثل الأمن أو المنفعة سواء أكانت فردية أو عامة دون أن يفقد صفته كقيمة. وبوصفه فضيلة فالتسامح هو الجُهد الذي يقوم به الفاعل الأخلاقي المُتسامح لتحقيق مُقتضى السلوك القويم الذي لا يكون مجرّد تطبيق لقاعدة سابقة عن الفعل ذاته ولا استجابة لأمر متعال، وإنّما هو الفعل الذي ينشد خيرا يتحدّد من خلال جهده الذاتي، وهو تحقيق لذات تسترشد بأنوارها الخاصة للتعرّف على المعيار القويم للسلوك المتبصّر ) (منير الكشو 2019: 5).

وهكذا أضحى التسامح مفهوما مهما وضروريا للتعايش بين البشر، وأصبح فضيلة وقيمة إنسانية رفيعة تتبناها المنظمات الاجتماعية والسياسية، والهيئات الدولية لتحقيق السلام والرفاهية للمجتمع الإنساني، وساهم العلماء في تخصصات علمية شتى في بلورة مفهومه وتحديد أبعاده المختلفة.

والحقّ أنّ مصطلح التسامح لم يعد قاصرا في الوقت الراهن على التسامح نحو التنوع الديني فقط، بل اتسع ليشمل التوجهات السياسية المتباينة، وقضايا مثل التنوع العرقي، النوع الاجتماعي، الموت الرحيم euthanasia والإجهاض. ويبقى القاسم المشترك أنّ أهمية التسامح تظهر عندما تكون المعتقدات مثيرة للجدل، والعلاقات بين الجماعات متضاربة (Doorn, V. Marjoka 2014:3).

ويقصد بالتسامح في الدّراسة الحاليّة قبول الاختلاف مع الآخر واحترام أفكاره ومعتقداته الدينية والاجتماعية، والاعتراف بحقه في ممارسة شعائره الدينية، وعدم القيام بأيّ سلوك تمييزي ضدّه لناء على هذا الاختلاف. ويقصد بثقافة التسامح مجموعة القيم والمبادئ المرتبطة بقبول الآخر المختلف والتعايش معه.

4- 2- الاتجاه النظري للدراسة:

تعتمد الدراسة على رؤية (يورجن هابرماس) Habermas حول التسامح التي انبثقت من مشروعه الفكري الكبير الموسوم بنظرية الفعل التّواصلي The Theory of Communicative Action

يعدّ هابرماس بلا شك واحدا من أكثر المنظرين الاجتماعيين شهرة في الوقت الراهن، وتشهد على ذلك أعماله المتميزة والتّراث الهائل الذي أنتجه، وثمّة أسباب معلومة لتلك الشهرة الهائلة، منها دعوته السياسية الأخلاقية لطريق ثالث بين الاشتراكية اللينينية والدّيمقراطية الغربية العليلة، والمدى الواسع من النظم العلمية والأطر النظرية التي استقى منها دلائله ومناقشاته، وغزواته لتخوم علمية جديدة لم يسبقه إليها أحد، وصعوبة أسلوب كتاباته ومناقشاته التي اتخذها بعض معجبيه دليلا على عمقها وثرائها. (Van den Berg 1990:161)

وقد درس هابرماس على يد أدورنو سنوات عدة، ويعد بشكل عام الوريث الأساسي المعاصر لتركة مدرسة فرانكفورت، وعلى الرغم من وجود أفكار مشتركة جلية بينه وبين أسلافه، إلا أنّه نحى بالمدرسة منحى مغايرا، وركز معظم جهده على تحليل الفعل والبُنى الاجتماعية، وقدم نظرية اجتماعية نقدية حول الفعل التواصلي، ومنتقدا ما أسماه العقل الأداتي الوضعي. (إيان كريب 1999: 305 – 308).

قدّم هابرماس نظريّة شاملة حوّل الفعل التّواصلي، اعتمد في صياغتها على رؤى سوسيولوجيّة وسيكولوجيّة ولغويّة وفلسفيّة عميقة، ودمج بطريقة مبدعة الرؤى المتباينة لدوركايم وماركس وفيبر وبارسونز حول البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع الغربي – وأسس هابرماس مفهومه الخاص المغاير للنسق System ، فالنسق من وجهة نظره هو ذلك البناء الذي يرتب العديد من وظائف الحياة اليومية من خلال وسائط المال والسلطة، ويستعير هابرماس مفهوم (عالم الحياة أو العالم المعيش) Lifeworld من الفينومينولوجيا، حيث يتم تحليل الخطاب اليومي من أجل تشييد نظرية تنبثق من خبرة الحياة اليومية. إنّ العالم المعيش هو المكان الذي يتفاعل فيه الناس في الحياة اليومية، يتبادلون الأفكار فيما بينهم، ويصوغون بطريقة تواصلية بناءة القيم والمعتقدات الخاصة بهم، ويوجد هذا العالم في المنزل، والمجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني (Gouthro, Patricia A. 2002).

يرى هابرماس أنّ الحداثة الغربية قد انتهت إلى ما يعرف بالعقل الأداتي Instrumental Reason وهو العقل التّقني الوضعي القائم على التّكميم والقياس والموجه نحو ما هو عملي ونفعي، بحيث غدا الفكر بمثابة آلة رياضية، وتم اختزال العقل في الملاحظة والتجريب، وتصنيف الوقائع وفق المقولات الكمية والصور المنطقية ابتغاء صياغة قوانين حتمية، ولذلك تمّ إعلاء قيمة الرياضيات والإحصاء، لدرجة اعتبار كل ما لا يتطابق مع معايير الحساب والكم والتقنين أمرا مشبوها ومضادا للتنوير، وتم – استنادا إلى ذلك – إقصاء القيم الدينية والجمالية والأخلاقية والفلسفية التي اعتبرت أمورا ميتافيزيقية لا علاقة لها بالمعرفة العلمية (كمال بو منير 2010: 13 – 14).

إنّ إخضاع الطبيعة والإنسان – حسب ما يرى هابرماس و رواد مدرسة فرانكفورت – للتجريب والتكميم الرياضي حسب ما ترى الفلسفة الوضعية، جعل العقل عاجزا تماما عن إدراك العمليات الاجتماعية والإنسانية في سياقها الشامل الذي يتخطى حدودها المباشرة، وجعله عاجزا كذلك عن إدراك المعاني الكلية للمعطيات الجزئية المحسوسة، وبذلك أصبح العقل الأداتي أسير الملاحظة والتجربة الآنية، وغير قادر على تجاوز الحاضر لفهم الماضي واستشراف المستقبل (كمال بو منير 2010: 29 – 30).

ولذلك انتقد هابرماس هذا العقل الذي سلب من الإنسان إنسانيته، إذ أنّه خلص – من خـلال قراءاته المتعمقة للتراث السـوسـيولوجي والفلسـفي الغربي – كما تجلّى في فكر هيجل وفيبر وجورج هربرت ميد وهـوركهايمر وأدورنو وغيرهم – إلى أنّ نقد العقل الأداتي الوضعي هو في جوهره نقد لظواهر التشيؤ réification والاغتراب Alienation التي سادت المجتمعات الرأسمالية الغربية، حيث تحول الإنسان إلى مجرد أداة للإنتاج و الاستهلاك، واستحالت العلاقات الاجتماعية إلى علاقات مادية (شيئيّة) chosification، لقد أفضى العقل الأداتي إذن إلى رؤية ٍ كمية إحصائيّة للطبيعة والإنسان والمجتمع (Habermas, Jurgen 1984: 366 – 368).

من أجل ذلك اعتبر هابرماس أنّ الحداثة مشروع لم يكتمل بعد، ورأى أنّ حل أزمات العقلانية وقيم التنوير ليس في التخلي عنه، وإنّما ينبغي إكماله وتصحيحه، ولذا فقد وضع (هابرماس) العقل التواصلي في مقابل العقل الأداتي، وخلص إلى أنّ الخروج من القفص الحديدي للعقل الأداتي الحسابي لا يكون بنفيه والاتجاه نحو اللاعقلانية، وإنّما يكون بالاعتماد على العقل التواصلي (عزمي بشارة 2015: 812).

وتأسيسا على ما سبق، قدم هابرماس نقدا قاسيا للعقل الأداتي، وطرح بديلا له وهو الفعل التواصلي أو العقل التواصلي، ويقصد به التفاعل الذي يحدد طبيعة العلاقات الاجتماعية أو الإنسانية في فترة زمنية معينة، بواسطة الرموز والمعايير التي تحدد تطلعات أفراد المجتمع وتشكل فهمهم لذواتهم، ويتحدد ذلك في المجالات الأخلاقية والجمالية والسياسية، ابتغاء تحقيق التفاهم والاتفاق. ولهذا يتم استبعاد الإكراه والعنف والسيطرة؛ لأنّ الفعل التّواصلي عنده يرتكز على مقاربة تهدف إلى تحقيق اتفاق مبني على قناعات متبادلة بين أفراد المجتمع، فيتحقق إجماع عقلاني يمكن أن يغيّر مسار الفعل الأداتي وتأسيس العقلانية التواصلية (كمال بو منير 2010: 34).

ويعرّفُ هابرماس ابتداء الفعل التواصلي بأنّه التّفاعل بين ذاتين two subjectsأو فاعلين على الأقل قادرين على الكلام والفعل، وقادرين كذلك على تأسيس علاقات شخصية مشتركة سواء أكانت لغوية أو غير لغوية، ويسعى الفاعلون إلى التوصل لفهم Understanding سياق الفعل والتخطيط لاستيعابه من أجل تحقيق التوافق والتفاهم، ويشير مصطلح التفاهم أو التفسير هنا إلى التفاعل الاجتماعي والفكري للوصول إلى الإجماع أو الاتفاق (Habermas, Jurgen 1984: 86).

إنّ الفعل التواصلي يمثل محاولة مبدعة من جانب هابرماس لتجاوز الفعل الأداتي، إنّه أداة لتنمية البعد الموضوعي والإنساني للعقل، وآلية تتجاوز العقل المتمركز حول الذات والعقل الشمولي الوضعي المنغلق، الذي يفتت الواقع ويجزئه. فالعقل لم يعد جوهرا – سواء أكان الجوهر ذاتا أو موضوعا – بل غدا فاعلية ودينامية ؛ لقد صاغ هابرماس الفعل التواصلي من أجل بلورة إجماع يعبر عن المساواة داخل مجال عام يسترد الفرد من خلاله جانبا من ذاتيته ويدمجها في فعل جماعي قائم على التواصل والتفاهم، كما جاء الفعل التواصلي لتجاوز العلاقات الاجتماعية القائمة على الإكراه والهيمنة، واستبدالها بعلاقات اجتماعية سليمة، قائمة على الحوار والنقاش والتفاهم (نور الدين علوش 2013).

واستنادا لما سبق يمكن فهم رؤية هابرماس للتسامح بوصفه نموذجا للفعل التواصلي أو العقلانية التواصلية، فالفعل التواصلي يهدف – كما يرى هابرماس – إلى تحقيق تفاهم بين الفاعلين الاجتماعيين، وحجر الأساس الذي يقوم عليه هذا التفاهم هو إمكانية استخدام الأسس العقلية لإيجاد اعتراف الذوات فيما بينها Intersubjective recognition ولا يتأسس ذلك الاعتراف إلا على الصدق والحوار والقابلية للنقد. (Habermas, Jurgen 1984:x).

ففي إطار الفعل التواصلي تعتمد محصلة التفاعل على مدى قدرة المشاركين على الاتفاق فيما بينهم حول تقييم علاقاتهم المتبادلة، ويمكن أن ينجح التّفاعل فقط عندما يستطيع المشاركون تحقيق توافق واعتراف وتفاهم فيما بينهم رغم الاستجابات المتباينة حول بعض القضايا (Habermas, Jurgen 1984:106).

وتأسيسا على ما سبق يؤكد هابرماس على ضرورة إعادة التفكير في التصورات والرؤى التقليدية (الليبرالية) المتعلقة بالتسامح (والمرتبطة بدورها بالفعل الأداتي)، ومن ثم الحفاظ على التسامح كمفهوم وممارسة، وتجنب الأخطاء والتناقضات المرتبطة بتلك الرؤى التي تتمثل في جانبين الأول: الاعتقاد أنّ كلّ فعل للتسامح يجب أن يحدّ من نطاق السلوك الذي يجب على الجميع قبوله ، وبالتالي وضع خط فاصل لما لا يمكن تحمله، وطالما تم رسم هذا الخط بطريقة استبدادية، أي من جانب واحد ، فإنّ وصمة الاستبعاد التعسفي تظل منغمسة في التسامح. وبالتالي فإن شرط التسامح هو عدم التسامح أو تقييده، أما التناقض الثاني فيتعلق بالأطراف المشاركة في فعل التسامح، حيث يسمح أحد الطرفين للطرف الآخر بقدر معين من الاختلاف عن الحياة الطبيعية شريطة ألا يتجاوز عتبة التسامح (Habermas, Jurgen 2004: 6-7).

لذلك يرفض هابرماس ذلك التسامح المشروط، ويرى أنّ التسامح الحقيقي يتطلب أن يتبادل جميع المعنيين بقضية معينة وجهات نظر الآخرين، وينبغي أن يوافق كل شخص طوعا على الظروف التي يرغب أن يمارس التسامح في ظلها، وبالتالي يساهم التسامح في كسر شوكة التعصب The thorn of intolerance (Habermas, Jurgen 2004:7).

والواقع أنّ سبب نقد هابرماس للمقاربة التقليدية للتسامح هو عدم اكتراثها بأفكار الآخر وآرائه، ووضعها خارج النقاش حفاظا على حرية الأفراد حسب زعمها، بينما يؤكد هابرماس على ضرورة مناقشة هذه المعتقدات على أساس المبالاة بما يؤمن به الآخر، والحرص على تفهمه، والتواصل الحرّ معه؛ بحيث لا يترتب على ذلك أن يكون التسامح هنا تسامحًا مفروضًا بحكم الأخلاق والفضائل فقط. إنّ معايير التّسامح تتحدّد – في رأي هابرماس – في ضوء التفاعل والنقاش الحرّ. بمعنى آخر يريد هابرماس أن نقبل بما هو قائم من تناقضات معرفية متبادلة بين الأفراد، وعدّها تناقضات غير محلولة للتوِ واللحظةِ. ولكن وجود هذه التناقضات في الآراء والأفكار والمعتقدات لا يعني عدم القيام بمناقشتها (محمود عبد الله 2018: 217 – 218).

وفيما يتعلق بالتسامح الديني يرى هابرماس أنّ التّعايش بين الجماعات المتباينة دينيا يتأسس على مبدأ القبول والاعتراف المتبادل، ويرتكز على حظر استغلال السلطة السياسية لأغراض تبشيرية، ومنع السلطات الدينية من التدخل لفرض معتقداتها بشكل إجباري على أفرادها، ويقوم أيضا على حق الأفراد في التعبير عن معتقداتهم، وفي ذات الوقت عدم الاستياء من ممارسة الآخرين لدياناتهم في ظل دستور ديمقراطي. إنّ التسامح الديني يمكن أن يمارس بطريقة مرنة في ظل ظروف يقبل فيها مواطنو المجتمع الدّيمقراطي بعضهم بعضا، وعندما يصبح المخاطبون بالقانون مشاركين في وضعه، فإنّ الامتثال القانوني للتسامح يندمج مع الالتزام الذاتي بالتسامح كسلوك فاضل (Habermas, Jurgen 2004:7).

من الواضح إذن أنّ هابرماس يحرص على تأسيس عقلية تواصليّة ترسخ لفلسفة تسامحيّة جديدة، وتحقق أخـلاقيّات للتّفاهم والحـوار والنّقاش في المجـال العـام من أجـل إخراج الذات من أفقها الضيق، وانطلاقها نحو التّواصل والمشاركة والتبادل الفكري. ويسعى هابرماس – من جهة أخرى – إلى توطيد عُرى التسامح الكوني المرتبط بالديمقراطية وتحقيق السلام العالمي، وترسيخ مواطنة إنسانية مبنية على أساس أخلاقي تشاركي وعقل تواصلي منفتح ومتنوع ومختلف، يضمن تواصلا يتسم بالوضوح والجدّية والصدق، وتنكشف بذلك الأبعاد الكونية التي تقر بانفتاح الهويات متعددة الرؤى والثقافات بعضها على بعضها، وصنع مجتمع كوني إنساني متسامح (كمال طيرشي 2015).

5- الدراسات السابقة:

حظي موضوع التسامح بقدر هائل من الاهتمام تجلى في عدد كبير من الدراسات والبحوث في مختلف المجالات، بحيث أضحى لدينا تراث علمي معتبر من مختلف النظم الفكرية خاصة الفلسفة وعلم النفس والسياسة حول الظاهرة، وقد كان الإسهام السوسيولوجي حاضرا بقوة في سياق هذا التراث.

وســوف نعرض في هذا السياق طائفة من الدراسات العربية والأجنبية التي تنتمي لنظم علمية متباينة، تمثل نماذج لتناول الأبعاد المختلفة للظاهرة، وسيتم عرض الدراسات تاريخيا من الأقدم إلى الأحدث.

أجرى أشرف عبد الوهاب دراسة بعنوان: التسامح الاجتماعي بين التراث والتغير (أشرف عبد الوهاب 2005)، تحدّد هدفها في محاولة إلقاء الضوء على قيمة التسامح الاجتماعي والثقافي في المجتمع المصري، وكيف تتجلى هذه القيمة في التراث الثقافي في المجتمع، وقد اقتضى ذلك تحديد نوعين من الأهداف:

  • الأهداف النظرية: تدور حول تحديد مفهوم التسامح وخصائصه، وعلاقاته ببعض المفاهيم الأخرى، ودراسة تجليات التسامح في التراث النظري والفكري، مع تتبع الجذور التاريخية لنشأة المفهوم، وكذلك إبراز المحددات الاجتماعية للتسامح.
  • الأهداف التطبيقية: قياس مدى تسامح الجمهور المصري، وعلاقة هذا التسامح ببعض مؤشرات رأس المال الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وبحث طبيعة تجليات التسامح في الحياة اليومية، والكشف عن مدى التغير والثبات في قيمة التسامح في المجتمع المصري.

وقد اعتمدت الدراسة على الأسلوب الوصفي التحليلي والأسلوب المقارن، كما تمّ إجراء تحليل ثانوي للبيانات، حيث عمد الباحث إلى تحليل البيانات الإحصائية الخاصة بالدراسة، كما قام بتحليل البيانات الإٌحصائية والتّقارير الرّسميّة التي تعكس خصائص مجتمع البحث. وكانت استمارة المقابلة هي الأداة الأساسية لجمع البيانات. وقد تضمنت الاستمارة مقياسا للتسامح تكون من 65 بندا. وتمثل مجتمع البحث في ثلاث محافظات تم اختيارها عمديا وهي: محافظات أسيط (ممثلة للوجه القبلي) والمنوفية (ممثلة للوجه البحري) والقاهرة كقاسم مشترك بين الوجهين القبلي والبحري.

وأوضحت نتائج الدراسة ارتفاع نسبة معتدلي التسامح بشكل عام في المحافظات الثلاثة إذ بلغت نسبتهم (43.2%) يليهم ذوو التسامح المنخفض (31.2%) ثم مرتفعو التسامح (25.6%). ويعني ذلك سيادة نمط التسامح بشكل عام في المجتمع المصري، حيث يبلغ متوسطو التسامح ومرتفعو التسامح معا (74.4%) من جمالي عينة الدراسة.

وكشفت الدراسة عن وجود فروق واضحة في متوسط التسامح بين محافظات الدراسة، ولوحظ وجود تفاوت شديد في مستويات التسامح بين محافظتي القاهرة والمنوفية، وهو ما لم يلاحظ في محافظة أسيوط. وكشفت الدراسة سيادة فئة متوسطي التسامح بين جميع مناطق الدراسة تقريبا.

وبينت الدراسة أنّ سكان الريف أكثر تسامحا من سكان الحضر، وأنّ الذكور أكثر تسامحا من الإناث، وأنّ المتزوجين أكثر تسامحا من العزاب، كما أنّ هناك علاقة دالة إحصائيا بين الدين والتسامح، حيث ارتفعت نسبة منخفضي التسامح لدى المسيحيين، وتبين انتفاء العلاقة بين كل من مستوى التعليم والمستوى الاجتماعي الاقتصادي ودرجة التسامح.

وفي دراسة صالح ذياب هندي ومها سلامة الغويري (صالح هندي ومها الغويري 2008) عن قيم التسامح المتضمنة في كتاب التربية الإسلامية للصفّ العاشر الأساسي في الأردن، حدّد الباحثان هدف الدّراسة في الكشف عن قيم التّسامح التي يتضمنها كتاب التّربية الإسلامية للصف العاشر الأساسيّ، والكيفيّة التي تتوزّع فيه، وأثر الجنس في تقدير معلمي التربية الإسلاميّة لأهميّتها؛ وذلك من خلال محاولتها الإجابة عن أسئلة ثلاثة تتناول هذه الجوانب. تكوّن مجتمع الدراسة من (104) معلمين ومعلمات للتربية الإسلامية، موزعين على ( 35 ) مدرسة أساسية، وتم اختيار عيّنة الدّراسة من بين أفراد هذا المجتمع بطريقة عشوائية، فبلغ عددها ( 71 ) معلمًا ومعلمة موزعين على ( 27 ) مدرسة أساسية تشتمل على الصف العاشر.

واستخدم الباحثان في جمع البيانات أداتين، إحداهما قائمة تحليل والثانية استبانة مكوّنة من ( 45 ) فقرة صنفت في سبع مجالات. وجرى التّأكد من صدق وثبات الأداتين بالطرق العلميّة التي تتبّع عادة في هذا الشّأن. وبلغ ثبات القائمة باستخدام معادلة كوبر Cooper (0.89 ) في حين بلغ ثبات استبانة بحساب معامل ألفا 0.95 ). .) ، وللإجابة عن الأسئلة الثلاثة للدراسة استخدمت المتوسطات والانحرافات المعيارية والنسب المئوية والتكرارات واختبار “ت”.

وقد أظهرت نتائج الدراسة أنّ عدد قيم التسامح المتضمنة في كتاب التربية الإسلامية (31 ) قيمة وعدد تكراراتها( ( 85، كما أنّ أكثر شكل من أشكال الكتاب الذي وردت فيه قيم التسامح كان محتوى الفقرات. واتّضح أنّ جميع قيم التسامح الواردة في الاستبانة كانت ذات درجة كبيرة في أهميتها في تقدير المعلمين والمعلمات، كما تبين أنّ درجة تقدير معلمي التربية الإسلامية لأهمية قيم التسامح لا تختلف باختلاف جنسهم. ؛ حيث أظهرت نتائج اختبار T-test عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى (∝= 0.05 ) بين متوسطات تقدير المعلمين وتقدير المعلمات. وانتهت الدراسة إلى جملة من التّوصيات من أهمّها الاهتمام بقيم التسامح عند تأليف كتب التربية الإسلاميّة من جديد أو عند تطويرها، كما اقترحت إجراء بعض البحوث والدراسات ذات الصلة بموضوعها.

وأجرى محمد حسن محمد المزين (محمد حسن المزين 2009) دراسة عن دور الجامعات الفلسطينية في تعزيز قيم التسامح لدى طلبتها، تحدّد هدفها في التّعرف على دور الجامعات الفلسطينية في تعزيز قيم التسامح لدى الطلاب، ولتحقيق ذلك الهدف حاول الباحث الإجابة عن عدة تساؤلات منها: ما واقع ثقافة التسامح في الجامعات الفلسطينية بمحافظات غزة؟ وما مجالات التسامح الأكثر شيوعا والتي تعززها تلك الجامعات في غزة؟ وما درجة اختلاف دور الجامعات الفلسطينية في تعزيز قيم التسامح باختلاف الجامعة والتخصص الدراسي والنوع؟

استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، وقام بتصميم أداة الدراسة وهي استبانة اشتملت على 84 فقرة موزعة على ستة محاور تغطي أبعاد الدراسة. وتكون مجتمع الدراسة من طلاب جامعات الأزهر والأقصى والجامعة الإسلامية ممّن هم في مرحلة التّخرج (المستوى الرابع والخامس) والمسجّلين في الفصل الدراسي الثاني (2008/2009). وتم تطبيق الدراسة على عيّنة عشوائيّة قوامها 294 طالبا وطالبة.

أوضحت نتائج الدراسة أنّ ثقافة التّسامح تسود بدرجة متوسطة بين طلاب الجامعات الفلسطينية في غزة حسب مقياس ليكرت الخماسي، إذ بلغت نسبتها 70.2%. كما أنّ قيم التسامح الاجتماعي هي أكثر قيم التسامح شيوعا، يليها على الترتيب قيم التسامح العلمي، والديني، والفكري، وجاءت قيم التسامح السياسي أقل القيم شيوعا. وكشفت الدراسة أنّ دور الجامعات الفلسطينية في تعزيز قيم التسامح لدى دارسيها قد تراوح بين الضعيف والمتوسط، وتبيّن وجود فروق دالة إحصائيا في دور الجامعات الفلسطينية في تعزيز هذه القيم حسب متغيرّي الجامعة، وعدم وجود فروق دالة إحصائيا فيما يتعلق بمتغيّري التخصص الدراسي والنوع.

وأجرت الباحثة (مريم بنت صالح أحمد الغامدي2010) دراسة بعنوان ثقافة التسامح مع الآخر ومدى انتشارها بين طلاب وطالبات جامعة طيبة ، تحدّد هدفها في التّعرف على ثقافة التّسامح مع الآخر ومدى انتشارها بين طلاب وطالبات جامعة طيبة، والكشف عن الفروق بين آراء الطلاب والطالبات حول تقبل التنوع الثقافي، وقياس اتجاههم في التعامل مع الآخر تبعا للمتغيرات الآتية: نوع الكلية، تعليم الوالدين، السفر خارج المملكة، الصّداقة مع الآخر. واستخدمت الدراسة المنهج الوصفي المسحي، وتمّ بناء استبيان لجمع المعلومات التي تقيس ثقافة التّسامح مع الآخر، وتكوّنت الأداة من محورين، الأول يقيس مدى تقبّل الطلاب والطالبات للتّنوع الثّقافي اشتمل على 34 نموذجا من ثقافات بعض دول العالم، أمّا المحور الثاني فقد كان يقيس درجة اتجاه الطلاب والطالبات في التّعامل مع الآخر اشتمل على 30 عبارة.

خرجت الدّراسة بالعديد من النتائج منها: أنّ درجة تقبل أفراد العيّنة للنماذج الثّقافية تراوحت بين المنخفضة جدا والمرتفعة، وأنّ درجة المتوسّط العام لهذا القبول كانت منخفضة، كما أنّ درجة متوسط الاتجاه نحو الآخر تراوحت بين الإيجابي جدا والمحايد، والمتوسّــط العام إيجابي، وبلغت أعلى متوسطات درجة تقبّل نماذج الثّقافات الأخرى بين الذين تملك أمهاتهم مؤهّلات عليا، وبلغت أدنى المتوسّطات الطّالبات اللاتي ينتمين للقسم الأدبية بكلية التّربية. وأوضحت الدّراسة وجود فروق إحصائية في درجة تقبّل نماذج الثقافات الأخرى بين الذكور والإناث لصالح الذكور، كما أوضحت وجود فروق إحصائية في درجة تقبل نماذج الثقافات الأخرى بين الذين سافروا لدولة غير إسلامية، والذين لم يسافروا لدولة غير إسلامية لصالح الفئة الأولى.

وفي الدراسة التي أجراها ريدجرين وآخـرون (Rydgren et.al,. 2013)عن الصداقة والثقة والتسامح بين الأعراق Interethnic Friendship, Trust, and Tolerance: حاول الباحثون كشف العلاقة بين الثقة الاجتماعية والتسامح في إطار سياق اجتماعي مفعم بالعنف هو المجتمع العراقي، وقام الباحثون أولاً بفحص مدى ارتباط روابط الصداقة التي تتجاوز الحدود الإثنية بمساحات تفاعلية محددة – مثل الجيرة، وأماكن العمل ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وثانيًا رصـد مدى ارتباط الصداقات بين الأعراق بالثقة والتسامح.

جمعت بيانات الدراسة من مدينتي كركوك وإربيل اللتين تتسمان بالتنوع الإثني الكبير، حيث يعيش فيهما الأكراد والعرب والتّركمان والأشوريون، واستخدمت صحيفة استبيان مكونة من 53 سؤالا لجمع المادة الميدانية، بلغ حجم العينة 2264 مفردة تم اختيارهم بطريقة عشوائية طبقية.

كشفت الدراسة أنّ الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات متباينة عرقيا لديهم قدر أكبر من روابط الصداقة التي تتجاوز الحدود الإثنية، وبالتالي فإنّهم يتّسمون بدرجة عالية من التّسامح الاجتماعي والثقة في الجماعات العرقية الأخرى.

وأجرت جاستينا ساروسيك وزملاؤها (Sarosiek, Justyna et.al. (2014 دراسة حول تسامح طلاب جامعة بايليستوك Bialystok الطبية مع التنوع العرقي واللغوي والديني في بولندا، تحدّد هدف الدراسة في تقدير مستوى التسامح لدى طلاب الجامعة نحو الاختلافات العرقية واللغوية والدينية.

أجريت الدراسة على عينة عشوائية قوامها 198 طالبا وطالبا بالجامعة الطبية في تخصصات التمريض والطب، والعلاج الطبيعي Physiotherapy وعلوم التغذية Dietetics، والطب الإشعاعي Radiology والإنقاذ الطبي Medical Rescue، وتمّ صياغة صحيفة استبيان لجمع المادة الميدانية.

كشفت نتائج الدراسة عن أن الغالبية العظمى من الطلاب (96%) يتمتعون بقدر عال أو متوسط من التسامح بشكل عام، وعبر أكثر من نصف العينة عن دعمهم القوي لفكرة فتح جامعتهم للطلاب الأجانب، كما اتضح وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين متغيري العمر والسنة الدراسية ومستوى التسامح نحو التنوع العرقي واللغوي والديني، حيث تبيّن أنّ الطلاب الأكبر سنا أكثر تسامحا من الطلاب الأصغر سنا، وذلك نتيجة تراكم خبراتهم الاجتماعية وتنوع علاقاتهم الاجتماعية.

وحاول بدر فلاح الحربي (الحربي 2014) في دراسته الموسومة (التسامح وعلاقته بالهناء الذاتي لدى مراجعي المراكز الصحية التابعة لمنطقة حائل) الإجابة عن تساؤل رئيس هو: ما طبيعة العلاقة بين التسامح والهناء الذاتي لدى مراجعي المراكز الصحية التابعة لمنطقة حائل؟ يعرف الباحث الهناء الذاتي إجرائيا بأنّه الرضا عن الحياة وغياب المشاعر السلبية وحضور المشاعر الايجابية ويتحدد هذا البعد بالدرجة التي يحصل عليها المراجع للمراكز الصحية التابعة لمنطقة حائل من خلال إجابته لمقياس “الهناء الذاتي” الذي أعده Corey Keyes وقام مرعي سلامة يونس بترجمته وتقنينه في البيئة العربية.

تكونت عينة الدراسة من607 مستجيبًا من الجنسين لدى مراجعي المراكز الصحية التابعة لمنطقة حائل. واستخدم الباحث مقياس التسامح لهيرتلند Heartland Forgiveness Scale ويتكون من 18 عبارة موزعة على ثلاثة محاور، المحور الأول يقيس التسامح مع الذاتForgiveness of self ، ويتكون من ست عبارات( من 1 – 6) ويقيس المحور الثاني التسامح مع الآخرين Forgiveness of others ، ويتضمن ست عبارات (من 7 – 12) 12 ، أما المحور الثالث فيقيس التسامح في المواقف غير المتحكم فيها Forgiveness of situations ويتشكل من ست عبارات (من 13 – 18).

أما مقياس الهناء الشخصي/ الذاتي فهو (MHC-SF ) Mental Health Continuum – Short Form والذي قام بإعداده (Corey Keyes 2006) والذي يتكون من 14 عبارة ممثلة لثلاثة محاور أساسية وهي: العبارات من 1 – 3 لتقدير الهناء الانفعالي، العبارات من 4 – 8 لتقدير الهناء الاجتماعي، أما العبارات من 9 – 14 فهي لتقدير الهناء النفسي.

وقد خلصت الدراسة إلى وجود علاقة دالة موجبة بين التسامح والهناء الذاتي) الشخصي) ووجود فروق دالة إحصائياً في التسامح والهناء الذاتي / الشخصي طبقًا للفئة العمرية. وأوصت الدراسة بضرورة اهتمام وسائل الإعلام بالجوانب القيمية والأخلاقية؛ لتعزيز قيمة التسامح وتأكيد دوره في تحقيق الهناء الذاتي وإجراء المزيد من الأبحاث والدراسات حول موضوع التسامح، وتأكيد ارتباطه بالصحة النفسية وعلم النفس الإيجابي لا سيما دوره في تحقيق الهناء الذاتي بالتطبيق على عينات متباينة.

وأجرت “إيفانا ميلولوزا) وزملاؤها (Miloloža, Ivana et.al. 2014) دراسة في كرواتيا عن التسامح مع الاختلاف لدى الطلاب Tolerance for Disagreement for Students تحدد هدفها في التعرف على مدى استعداد طلاب كلية الإعلام بجامعة كوبريفكا Koprivnica بكرواتيا للتسامح مع آراء الأشخاص الآخرين المختلفين معهم.

اعتمدت الدراسة على مقياس التسامح مع الاختلافTolerance for Disagreement Scale (TFD) الذي صاغه جيمس مكروسكي James C. McCroskey وتكون المقياس من 15 عبارة تتضمن مؤشرات عن مدى قبول أو رفض أفكار وأفعال محددة، وبلغ عدد الاستجابات 5 استجابات أوافق جدا – أوافق – محايد – غير موافق – غير موافق على الإطلاق. وتم إجراء الدراسة على الطلاب الذين اجتازوا اختبار القبول بالكلية وبلغ عددهم 147 طالبا، 60% من الإناث، و40% من الذكور.

أظهرت نتائج الدراسة أنّ طلاب كليّة الإعلام يتسامحون جيدا مع الأفراد المختلفين عنهم أثناء التواصل معهم، حيث أظهر أكثر من ثلث العينة مستوى عاليا من التسامح مع الاختلاف (37٪)، في حين أظهر 60.9٪ من الأشخاص مستوى متوسطا من عدم التسامح مع الاختلاف. وتبين أنّ متغيري النوع والسن لا يؤثران في عملية التسامح لدى الطلاب.

وأجرى (مناف فتحي الجبوري (الجبوري 2014) بحثا استهدف التعرف على مستوى التسامح لدى طلاب جامعة كربلاء بالعراق، وقياس مستوى التسامح وفقا لمتغير النوع، واستهدفت أيضا قياس مستوى التماسك الاجتماعي لدى الطلاب وفقا لمتغير النوع، ثم الكشف عن العلاقة بين التسامح والتماسك الاجتماعي.

تألفت عينة البحث من مائة طالب وطالبة من طلاب المرحلة الثالثة بالأقسام المختلفة في كلية التربية للعلوم الإنسانية بجامعة كربلاء في الفترة الصباحية للعام الجامعي 2012 – 2013م. أعد الباحث مقياسا للتسامح، وتبنى مقياس (محمد رجال) للتماسك الاجتماعي الذي صيغ في 2007، وتمت معالجة البيانات إحصائيا باستخدام مربع كاي، والاختبار التائي T. test ومعامل ارتباط بيرسون.

كشفت نتائج البحث أنّ طلاب جامعة كربلاء لا يتمتعون بالتسامح، ولا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث في مستوى التسامح، كما أشارت النتائج إلى تمتع الطلاب بمستوى عال من التماسك الاجتماعي، و وإلى انعدام الفروق ذات الدلالة الإحصائية بين الجنسين في مستوى التماسك الاجتماعي، وإلى عدم وجود علاقة إحصائية بين التسامح والتماسك الاجتماعي.

وفي الدراسة التي أجراها كل من ناظري مسلم ومنصور نور (Muslim, Nazri and Noor, M. Mansor 2014) حول التسامح العرقي بين الطلاب في مؤســسـات التعليم العالي العامــة في ماليـــزيا، Ethnic Tolerance among Students of Public Higher Learning Institutions in Malaysia حــاول الباحثــان التعرف على مستوى التسامح العرقي بين الطلاب في عشر مؤسسات للتعليم العالي. وحدّدا الأهداف الرئيسة للدراسة في الكشف عن مدى وعي الطلاب بالفروق العرقية، والتعرف على مدى تقبلهم لتلك الفروق والارتياح معها، ومشاركة الآخرين المختلفين عرقيا، ثم الكشف عن مدى اعتزاز الطلاب بالتنوع العرقي في المجتمع الماليزي.

وقد تم الحصول على بيانات الدراسة من خلال صحيفة استبيان، وتم الاعتماد على برنامج SPSS في تحليل المادة الميدانية، بلغ حجم العينة 6580 طالبا وطالبة موزعين على عشر مؤسسات تعليمية حكومية. تم اختيارهم بطريقة العينة الطبقية.

أظهرت نتائج الدراسة وجود مستوى مرتفع من التسامح بين الطلاب، حيث تبين أنّ ثمة وعيا واضحا بتنوع الثقافات واللغات والأديان، وأقر المبحوثون بارتياحهم لهذا التنوع، وبقدرتهم على قبوله، كما أكّد الباحثون حرصهم مشاركة الآخرين المختلفين عنهم، وأوضحت النتائج اعتزاز الطلاب بالتنوع العرقي في ماليزيا.

وأجرى هادي عاشق الشمري (الشمري 2015) دراسة بعنوان العلاقة بين المسئولية الاجتماعية وثقافة التسامح لدى طلبة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، كان الهدف منها رصد العلاقة بين المسئولية الاجتماعية التي يلتزم بها طلاب جامعة نايف للعلوم الأمنية وانتشار ثقافة التسامح بينهم.

ولتحقيق أهداف البحث اعتمد الباحث على مقياس المسئولية الاجتماعية الذي صاغه الحارثي، ومقياس ثقافة التسامح الذي أعده الباحث؛ وذلك للكشف عن تلك العلاقة. واعتمد الباحث على عينة طبقية بل قوامها 500 طالبا، وأجاب على الاستبانات 481 طالبا فقط.

أشارت نتائج البحث إلى وجود درجة عالية من المسئولية الاجتماعية في مجتمع البحث، وإلى أنّ ثقافة التسامح متوفرة بدرجة كبيرة لدى عينة الدراسة. كما كشفت نتائج البحث عن وجود علاقة إيجابية طردية بين المسؤولية الاجتماعية وثقافة التسامح، وعن توفّر فروق دالة إحصائياً في المسئولية الشخصية، تبعاً لمتغيري الفئة العمرية والحالة الزواجية، مثلما رصدت أيضا وجود فروق دالة إحصائياً في درجة ثقافة التسامح تبعًا لمتغيري الفئة العمرية ومستوى الدخل الشهري.

أما الدراسة التي أجراها كل من فالينتينا أنانينا ودانيل دانيلوف (Ananina, Valentena and Danilov, Daniil 2015) فتنطلق من مقدمة مهمة وهي أنّ البحوث السوسيولوجية للتسامح بين الشباب لها أهمية عملية كبيرة، خاصة في المجتمعات متنوعة الأعراق الثقافات. تناولت الدراسة قضية تشكيل التسامح العرقي بين طلاب الجامعات في روسيا، وتحدد الهدف الأساسي لها في استكشاف العوامل الرئيسية المؤثرة في تشكيل التسامح العرقي في البيئة الطلابية في المجتمع الروسي الحديث.

أجري البحث في الفترة من أبريل إلى سبتمبر 2014 في مقاطعة الأورال الفيدرالية التي تضم 120 جماعة عرقية (منهم 6 جماعات رئيسية)، و 40 طائفة دينية، و 1300 مؤسسة دينية. واعتمد البحث بشكل أساسي على مجموعة من البيانات المستقاة من التعداد السكاني في روسيا عام 2010.

وتم اختيار عينة حجمها 216 عضوا من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأورال، تمت مقابلتهم مقابلات متعمقة للكشف عن العوامل المؤثرة في التسامح بين الطلاب.

كشف تحليل نتائج الدراسة عن أهم العوامل المؤثّرة على مستوى التسامح العرقي لطلاب جامعة الأورال الفيدرالية، وهي ابتكار مناهج جديدة في التدريس للطلاب تكشف أهمية التنوع العرقي والثقافي، وتدعم عملية الاندماج بين الطلاب المختلفين عرقيا وثقافيا، والتواصل الجيد مع الطلاب واحتواء الطلاب المختلفين عرقيا، فعندما يدخل شاب بيئة اجتماعية جديدة، فإنّ عالمه الداخلي يكون مليئا بقيم المجتمع الذي كان يعيش فيه. ومن العوامل المهمة كذلك تحديث المقررات الدراسية باستمرار.

وفي الدراسة التي أجرتها فازيلا إدريس وزملاؤها (Idris, Fazilah et.al. 2016) عن تأثير الدين على التسامح العرقي في ماليزيا، تم الاعتماد على نظريتي الاختيار العقلاني Rational Choice Theory (RCT) والسلوك المقصود أو المخطط Theory of Planned Behaviour (TPB) في تفسير العلاقة بين الدين والتسامح العرقي في المجتمع الماليزي، إذ يرى الباحثون أنّ هناك قدرا زهيدا من الأبحاث التي تناولت التسامح العرقي من المنظور السوسيولوجي. وتحاول الدراسة توفير الطرق والوسائل العلمية لغرس التسامح بين الأعراق في ماليزيا، والمساعدة في مواجهة كل صور التعصب العرقي والديني.

اعتمدت الدراسة على منهجية وصفية تحليلية، فتمت مراجعة التراث العلمي باستخدام قاعد البيانات الإلكترونية المعروفة مثل الباحث العلمي في جوجل Google Scholar و موقع “سكوبس” Scopus وغيرهما من قواعد البيانات العالمية، كما استخدم الباحثون الجداول الرياضية والخرائط الذهنية لعرض القضايا النظرية للدراسة.

كشفت الدراسة أنّه وفقا لنظرية الاختيار الرشيد يمكن أن يتأثر التسامح العرقي بالمعتقد الديني لدى أولئك الذين يؤمنون أنّ الله سيعوضهم خيرا جزاء لذلك التسامح. أما وفقا لنظرية السلوك المخطط فإنّ الدين يمكن أن يؤثر في السلوك والمعايير الذاتية وكيفية ممارسة التسامح العرقي. وتوصي الدراسة بضرورة الاعتماد على النماذج النظرية السوسيولوجية في الدراسات المستقبلية المتعلقة بالتسامح من أجل تقديم فهما أكثر اتساعا وعمقا لأبعاده المتعددة.

وتناولت دراسة نورة بنت سعد البقمي (2017) علاقة التسامح والانتقام بسمات الشخصية لدى عينة من طلبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فلقد هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على طبيعة العلاقة بين كل من التسامح والانتقام وسمات الشخصية لدى طلبة الجامعة، كذلك الكشف عن الفروق في التسامح والانتقام بين الذكور والإناث.

أجري البحث على عينة مكونة من 423 طالب وطالبة من طلبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وباستخدام مقياس سمة التسامح (الذي عربته الباحثة( ومقياس الانتقام )تعريب الباحثة( ومقياس العوامل الخمسة الكبرى للشخصية تعريب جرادات وأبو غزال (2010)

أشارت النتائج إلى وجود ارتباط سالب ودال إحصائيًّا بين التسامح والانتقام، كما ظهرت ارتباطات موجبة ودالة إحصائيّا بين التسامح وكل من الانبساطية، والمقبولية، ويقظة الضمير، والانفتاح على الخبرة، في حين كان الارتباط سالبًا ودالاًّ إحصائيًّا بين التسامح والعصابية، كما وجدت علاقة سالبة ودالة إحصائياً بين الانتقام وكل من الانبساطية، ويقظة الضمير، والانفتاح على الخبرة، والمقبولية، وعلاقة موجبة ودالة إحصائياً بين الانتقام والعصابية. كما ظهرت فروق بين الجنسين في التسامح وكانت الفروق باتجاه الإناث، في حين كانت الفروق في الانتقام بين الجنسين دالة وباتجاه الذكور، وتمت مناقشة النتائج في ضوء الإطار النظري والدراسات السابقة.

أما الدراسة الأخيرة فقد أجراها (أرتيم إسلاموفا ) وزملاؤه ( (Islamova, E. Artem et al. 2017وتحدد هدفها في الكشف عن آليات تشكيل سلوك التسامح لدى الطلاب Students’ Tolerant Behavior Formation Mechanisms وانطلقت الدراسة من قضية مهمة وهي أنّ دمج الطلاب في أشكال معينة من الأنشطة الاجتماعية التي تنمي الوعي بقيمة التسامح، يخلق لديهم القدرة على قيام بأفعال متسامحة في الواقع الفعلي.

تكوّنت عينة الدراسة من 500 طالب، و500 عضو هيئة تدريس من طلاب الجامعة الفيدرالية الشمالية Southern Federal University في روسيا، تم اختيارهم بطريقة العينة متعددة المراحل.

كشفت نتائج الدراسة أنّ أهم الآليات التي تساهم في تشكيل سلوك وقيم التسامح لدى الطلاب هي تنظيم بيئة خاصة بممارسة التسامح (تتضمن أنشطة من قبيل إجراء مسابقة للمهارات المهنية، ومسابقة لأفضل صحيفة حائط عن التسامح)، مشاركة الطلاب في أنشطة تنمي التسامح (مثل مشاركة الطلاب في حملات اجتماعية كـ (أعطوا الأطفال الأمل) (التواصل بين الأجيال) وضع باقات الورد على مقابر المحاربين القدماء على اختلاف انتماءاتهم العرقية)، خلق مواقف وبناء استراتيجيات للتعاون القائم على التباينات العرقية والدينية والثقافية (مثل عقد اجتماع مشترك مع إمام المسجد ورئيس الدير)، وتنمية التفاهم والقبول بين الجماعات المتباينة عرقيا وثقافيا ودينيا.

يتضح مما سبق عرضه بشكل موجز من بعض جوانب الجهد البحثي حول التسامح أنّ غالبية الدراسات تناولت بعض التسامح وجوانبه المختلفة، وركزت معظم الدراسات على التسامح العرقي والديني، بيد أنّ اللافت للنّظر هو عدم وجود دراسة تهتمّ بالتسامح الاجتماعي والفكري، كما أنّ أغلب الدراسات تفتقد الحس السوسيولوجي في التحليل. ومن هنا، تتجلى أهمية الدراسة الحالية التي تهتم بشكل مباشر ومكثف بالأبعاد والمحددات الاجتماعية والثقافية للتسامح بين طلاب جامعة بني سويف.

6- البناء المنهجي للدراسة:

تعتمد الدراسة على منهج المسح الاجتماعي Social Survey وذلك بطريق العينة Sample، حيث تم اختيار عينة عشوائية طبقية بلغ حجمها 300 طالبا وطالبة من مختلف كليات جامعة بني سويف، وذلك خلال الفصل الدراسي الثاني من العام الجامعي 2020 / 2021، وقد روعي في الاختيار تمثيل كليات العلوم الاجتماعية (كالآداب والحقوق والخدمة الاجتماعية والأقسام الأدبية بكلية التربية) وكليات العلوم الطبيعية (كالطب والصيدلة والعلاج الطبيعي وطب الأسنان والهندسة والزراعة والتمريض والأقسام العلمية بكلية التربية).

وقد قام الباحث بصياغة مقياس للتسامح لتطبيقه على عينة الدراسة، و اعتمد الباحث في صياغة هذا المقياس على مراجعة العديد من الدراسات العربية والأجنبية، حيث تم الرجوع إلى مقياس التسامح الثقافي الذي أعده ميشيل بلاك جاسر (Gasser 1994) و المقياس الذي صاغته إلين جرينبرجر (Greenberger 2001) وكذلك المقياس الذي صاغه توماي وبايرتل وويتمان Thomae, M., Birtel, & Wittemann, J. 2016)) بالإضافة إلى الاطلاع على المقاييس التي صاغها بعض الباحثين العرب، مثل (أشرف عبد الوهاب 2005) و (مريم بنت صالح الغامدي 2010) و (جاسم عيدي 2010) و (أحمد عبد اللطيف أبو سعد 2011) وكذلك (عماد خليل أبو هاشم 2014).

وتكون المقياس من 35 عبارة لقياس درجة التسامح، موزعة على ثلاثة أبعاد:

  • التسامح الديني 14 عبارة.
  • التسامح الاجتماعي 10 عبارات.
  • التسامح الفكري 11 عبارة.

وقد تم وضع ثلاث استجابات لكل عبارة توضح مدى موافقة المبحوث عليها، وتم وزن تلك الاستجابات كما يلي:

موافق

محايد

غير موافق

3

2

1

 

اعتمد الباحث على بعض الإجراءات المنهجية الكفيلة بضمان درجة ملائمة من صدق وثبات المقياس، وذلك على النحو التالي:

  • قياس الصدق: ثم عُرض المقياس على مجموعة من أعضاء هيئة التدريس بقسم علم الاجتماع، الذين أفادوا بصدق المقياس أي أنّه يقيس بالفعل ما أعدّ لقياسه، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات، حيث تمت إضافة بعض العبارات واستبعاد أخرى، وإجراء تعديل في الصياغة اللغوية لبعضها الآخر.
  • قام الباحث بإجراء اختبار قبلي pre-test للمقياس على عينة صغيرة بلغ حجمها ثلاثين طالبا وطالبة من كلية الآداب جامعة بني سويف؛ للتأكد من الاتساق الداخلي للمقياس .
  • واعتمد الباحث على معامل ألفا كرونباخ Cornbach Alpha لقياس ثبات المقياس، وبلغ معامل الثبات الكلي للمقياس 0.92 وهو ما يؤكد تمتع المقياس بدرجة ثبات عالية.

وتم حساب درجة التسامح لدى عينة البحث من خلال المعادلة الآتية:

الحد الأقصى للاستجابة – الحد الأدنى للاستجابة 3 – 1 = 2

المدى=ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = ــــــــــــــــــ = 66.6

عدد الاستجابات 3

وبتطبيق المعادلة السابقة تم حساب درجة التسامح على النحو الآتي:

درجة منخفضة

درجة متوسطة

درجة مرتفعة

1 < 1.67

1.67 < 2.34

2.34 – 3

 

أما المعالجة الإحصائية لمتغيرات الدراسة فقد تمّت باستخدام برنامج (الحزمة الإحصائية للعلوم الاجتماعية) Statistical Package of Social Sciences المعروف اختصارا ببرنامجSPSS حيث تمّت عملية إدخال البيانات وجدولتها واستخدام معامل الارتباط مربع كاي؛ للكشف عن الارتباط بين متغيرات الدراسة.

7- نتائج الدراسة:

جاءت الدراسة الميدانية بمجموعة متنوعة من النتائج، نعرض أهمها فيما يلي:

7- 1- خصائص العينة:

اتسمت عينة الدراسة بمجموعة من الخصائص نوضحها في النقاط الآتية:

  • من حيث النوع، بلغت نسبة الذكور 57.3 % في حين لم تتجاوز نسبة الإناث 42.7% من مجموع العينة.
  • وفيما يتعلق بالفئات العمرية فقد توزعت العينة على ثلاث مراحل عمرية، فالذين تقل أعمارهم عن 20عاما بلغت نسبتهم 31%، والذين تتراوح أعمارهم بين 20 – 22 عاما فقد بلغت نسبتهم 49%، أما من تزيد أعمارهم عن 22 عاما فقد بلغت نسبتهم 20% من مجموع العينة.
  • و فيما يتعلق بنوعية التعليم الجامعي، فقد بلغت نسبة طلاب كليات العلوم الاجتماعية 62%، ولم تتجاوز نسبة طلاب كليات العلوم الطبيعية 38%من مجموع العينة.
  • واتضح أن غالبية أفراد العينة ينتمون لأصول ريفية إذ بلغت نسبتهم 60% من مجموع العينة، كما أن غالبيتهم يقيمون حاليا في الريف إذ بلغت نسبتهم 56%.
  • ومن حيث الديانة، بلغت نسبة المسلمين 74% ، ونسبة المسيحيين 26% من مجموع العينة.

وفيما يتعلق بمستوى الدخل الشهري فقد كان هذا المستوى متوسطا بشكل عام لدى أكثر من نصف العينة 52%، ويتميز 37% بمستوى دخل مرتفع، وهناك 11% من ذوي الدخول المنخفضة.

7- 2- واقع ثقافة التسامح بين طلاب جامعة بني سويف، وأهم صورها:

 كشفت الدراسة عن حضـور قوي وواضح لثقافة التسـامح بين أفراد العينة، حيث بلغ المتوسط الحسابي 2.42، بانحراف معياري قدره 538، وقد جاءت درجات التسامح الديني والتسامح الاجتماعي والتسامح الفكري كلها مرتفعة، وتبعا لذلك جاء معدل التسامح العام هو الآخر مرتفعا، ويتضح ذلك من الجدول التالي:

جدول (1) درجات التسامح وصوره بين أفراد العينة

م

المحور

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

درجة التسامح

الترتيب

1

التسامح الديني

2.33

819.

مرتفعة

3

2

التسامح الاجتماعي

2.39

495.

مرتفعة

2

3

التسامح الفكري

2.51

520.

مرتفعة

1

المعدل العام للتسامح

2.42

538.

مرتفعة

 

 

وتتفق تلك النتيجة مع ما توصلت إليه دراسة أشرف عبد الوهاب (2005) من سيادة نمط التسامح بشكل عام في المجتمع المصري، حيث بلغت نسبة متوسطي التسامح ومرتفعي التسامح معا (74.4%) من إجمالي عينة الدراسة، كما تتفق مع ما انتهت إليه دراسة جاستينا ساروسيك وزملائها (Sarosiek, Justyna et.al. 2014). من أن الغالبية العظمى من الطلاب (96%) يتمتعون بقدر عال أو متوسط من التسامح بشكل عام، وعبر أكثر من نصف العينة عن دعمهم القوي لفكرة فتح جامعتهم للطلاب الأجانب، كذلك تتفق مع ما توصلت إليه دراسة إيفانا ميلولوزا) وزملائها (Miloloža, Ivana et.al. 2014) من أنّ الطلاب في عينة الدراسة يتسامحون جيدا مع الأفراد المختلفين عنهم أثناء التواصل معهم.

كما تتفق نتائج الدراسة مع ما توصلت إليه الدراسة التي أجراها كل من ناظري مسلم ومنصور نور (Muslim, Nazri and Noor, M. Mansor 2014) حول التسامح العرقي بين الطلاب في مؤســسـات التعليم العالي العامــة في ماليـــزيا، والتي كشفت عن وجود مستوى مرتفع من التسامح بين الطلاب، حيث تبين أنّ ثمة وعيا واضحا بتنوع الثقافات واللغات والأديان، وأقرّ المبحوثون بارتياحهم لهذا التنوع، وبقدرتهم على قبوله، كما أكدوا على حرصهم مشاركة الآخرين المختلفين عنهم، وأوضحت النتائج اعتزاز الطلاب بالتنوع العرقي في ماليزيا.

غير أنّ تلك النتيجة تختلف مع ما توصلت إليه دراسة (مناف فتحي الجبوري (2014) من أن طلاب جامعة كربلاء لا يتمتعون بالتسامح، نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية التي عاشها العراق منذ الغزو الأمريكي في 2003، وأرجع الباحث ذلك إلى الظروف الاجتماعية والسياسية التي يمر بها المجتمع العراقي منذ عام 2003.

7- 3- التسامح الديني: أبرز ملامحه وإشكالياته:

يمثل التسامح الديني واحدا من أهم صور التسامح وأكثرها تأثيرا في حياة المجتمعات، ذلك أنّه يرتبط بالمقدس الذي يطرح غالبا إجابات نهائية للأسئلة الكبرى، وهي إجابات مطلقة لا تقبل الشك، وثمة تباين واضح في تلك الإجابات بين الأديان والمذاهب المختلفة، وهو ما قد يفضي إلى الانغلاق على الذات وعدم قبول الرؤى المتباينة.

ويشير التسامح الديني – في أحد معانيه – إلى درجة قبول معتقدات الآخرين المختلفة عن معتقدات الشخص ذاته، والتعامل معها بإنصاف، وأيضا الاعتراف بحق الآخرين في التمسك بمعتقداتهم وآرائهم الدينية والحرية في أداء كلّ أشكال العبادات الدينية، والتمتّع بكافة الحقوق الاجتماعية بغض النظر عن الاختلاف في الانتماء الديني. (Kilani, A. 1996: 273)

ويفترض التّسامح الديني وجود رؤى دينية متباينة، وسياق اجتماعي تعدّدي يعزز الحقوق المتساوية، والتكيف والقبول والعيش المشترك بين المختلفين، رغم الاختلاف بين العقائد والمذاهب، فالتسامح الديني فضيلة إنسانية وأخلاقية -مثل الفضائل الأخرى كالاحترام والتواضع -يحق للناس بموجبها أن تختار وتمارس ما تعتقده، دون رفض أو تمييز من قبل الآخرين. (Benson, I. 2016 :293)

وقد كشفت نتائج الدراسة عن درجة مرتفعة من التسامح الديني بين أفراد العينة، ورصدت الدراسة العديد من جوانب التسامح الديني يوضحها الجدول الآتي:

جدول (2) ملامح التسامح الديني

م

الفقرة

المتوسط

الانحراف

الدرجة

الترتيب

1

أدافع عن المظلوم حتى وإن كان على غير ديني

2.80

495.

مرتفعة

2

2

لدي صداقة متينة مع من يختلفون معي في الدين

2.23

865.

متوسطة

8

3

أقبل المشاركة في أنشطة ثقافية واجتماعية مع المختلفين معي في الدين

2.04

928.

متوسطة

11

4

أحترم معتقدات الديانات الأخرى حتى ولو لم أؤمن بها

2.36

749.

مرتفعة

4

5

ٌأقرأ في الكتب المقدسة للديانات الأخرى

1.44

659.

متوسطة

14

6

لا أنزعج كمسلم من سماع التراتيل والصلوات الصـادرة من الكنيسـة /

ولا يزعجني كمسيحي صــوت الآذان وخطبـة الجمعة في المساجد

2.07

885.

متوسطة

10

7

أشارك زميلي المختلف عني في الدين مناسباته الدينية

2.28

881.

متوسطة

7

8

أرفـض التعصـب والغلو في الديـن

2.55

562.

مرتفعة

3

9

حماية المسلم للكنائس والدفاع عنها واجب ديني ووطني وأخلاقي

2.33

823.

مرتفعة

6

10

احترام المسيحي للمساجد قيمة دينية ووطنية وأخلاقية

2.35

867.

مرتفعة

5

11

اتقبل المناقشة في الأمور الدينية مع المختلف عني في الدين

2.13

871.

متوسطة

9

12

أقر بحرية أي شخص في اعتناق الدين الذي يختاره بلا إكراه

1.55

877.

متوسطة

13

13

أؤمن بكرامة الإنسان بصرف النظر عن دينه أو مذهبه أو لونه

2.85

498.

مرتفعة

1

14

أئتمن صديقي المختلف عني في الدين على بعض أسراري

1.86

889.

متوسطة

12

المعدل العام للتسامح الديني

2.33

819.

مرتفعة

 

 

يكشف الجدول السابق عن وجود تباينات واضحة في مؤشرات التسامح الديني، تعكس تعقد هذا النمط من التسامح، فالملاحظ أن هناك جوانب مرتفعة من التسامح الديني، وهي تلك الجوانب المرتبطة بالقيم الإنسانية العامة، فنجد أنّ أعلى مؤشرات التسامح الديني هي الإيمان بكرامة الإنسان بصرف النظر عن دينه أو مذهبه أو لونه ( بمتوسط حسابي قدره 2.85) يليه الدّفاع عن المظلوم حتى وإن كان مخالفا في الدين، (2.80) ثم رفض الغلو والتعصب في الدين (2.55) ثم احترام معتقدات الديانات الأخرى حتى ولو لم يؤمن بها (2.36) يلي ذلك احترام المسيحي للمساجد قيمة دينية ووطنية وأخلاقية (2035) ثم حماية المسلم للكنائس والدفاع عنها واجب ديني ووطني وأخلاقي (2.33).

ونلاحظ أنّ ثمة جوانب متوسطة للتسامح الديني، وهي جوانب مرتبطة في جزء منها بالممارسات والأفعال العلاقات الاجتماعية الواقعية مثل مشاركة من ينتمي لدين مخالف مناسباته الدينية (متوسط حسابي قدره 2.28) ووجود صداقة متينة مع المغاير في الدين (2.23) وتقبل المناقشة في الأمور الدينية (2.13) وعدم الانزعاج من سماع التراتيل والخطب من دور العبادة المغايرة. (2.07) وقبول المشاركة في أنشطة ثقافية واجتماعية مع المختلفين في الدين (2.04).

ونلاحظ أخيرا أنّ ثمة جوانب شائكة للتسامح لا يمكن تجاوزها تمثل (عتبة للتسامح) حسب رؤية هابرماس، منها ائتمان الصديق المختلف في الدين على بعض الأسرار (1.86) والإقرار بحرية أي شخص في اعتناق الدين الذي يختاره بلا إكراه (1.55) ثم القراءة في الكتب المقدسة للديانات الأخرى (1.44).

والحقيقة أنّ حرية اعتناق الفرد للدين الذي يختاره يمثل أكثر مؤشرات التسامح الديني صعوبة؛ نظرا لأن الدين في المجتمع الشرقي يمثل جزءا من رأس المال الرمزي والاجتماعي للفرد، ويرتبط الخروج من الدين بوصمة اجتماعية تصيب الجماعة القرابية بأسرها ولا تقف فقط عند الفرد.

وتتفق هذه النتائج مع رؤية هابرماس للتسامح الديني، حيث يرى أنّ التّعايش بين الجماعات المتباينة دينيا يتأسس على مبدأ القبول والاعتراف المتبادل، . . . و يقوم أيضا على حق الأفراد في التعبير عن معتقداتهم، وفي ذات الوقت عدم الاستياء من ممارسة الآخرين لدياناتهم في ظل دستور ديمقراطي. إنّ التسامح الديني يمكن أن يمارس بطريقة مرنة في ظل ظروف يقبل فيها مواطنو المجتمع الدّيمقراطي بعضهم بعضا، وعندما يصبح المخاطبون بالقانون مشاركين في وضعه، فإن الامتثال القانوني للتسامح يندمج مع الالتزام الذاتي بالتسامح كسلوك فاضل. (Habermas, Jurgen 2004:7).

7- 4- درجة التسامح الاجتماعي لدى مجتمع البحث وأهم تجلياته:

يعد التسامح الاجتماعي إحدى الآليات المهمة في التماسك الاجتماعي، ويقصد بالتسامح الاجتماعي بشكل عام قبول “الخصائص النسبية التي يتمتع بها الأشخاص عند الولادة مثل العرق أو لون البشرة أو يكتسبونها في التنشئة الاجتماعية المبكرة كاللغة والعادات والطقوس الاجتماعية” (Doorn, V. Marjoka 2014:4)

ويمثّل التسامح الاجتماعي عنصرا مهما وداعما من عناصر رأس المال الاجتماعي social capital الذي يتضمن شبكات العلاقات الاجتماعية، والثّقة بين أفراد المجتمع ومعايير المساواة في التعامل بين أفراد المجتمع، وبالتالي يسهم التسامح الاجتماعي في الحفاظ عليه واستمراره من خلال تأسيس علاقات اجتماعية منسجمة ومتوازنة بين أفراد المجتمع وجماعاته المختلفة. (Kobayashi, Tetsuro 2010:546)

وقد كشفت نتائج الدراسة عن درجة مرتفعة من التسامح الاجتماعي بين أفراد العينة، كما رصدت الدراسة العديد من تجليات التسامح الاجتماعي يوضحها الجدول التالي:

جدول (3) جوانب التسامح الاجتماعي

م

الفقرة

المتوسط

الانحراف

الدرجة

الترتيب

1

ينبغي أن يكون الناس جميعا متساوين في الحقوق والواجبات

2.91

398.

مرتفعة

1

2

لا يضايقني أن تكون المرأة رئيسة لي في العمل

2.47

824.

مرتفعة

4

3

دور المرأة في المجتمع ضروري وحيوي

2.61

766.

مرتفعة

3

4

أوافق على الاختلاط بين الذكور والإناث في مراحل التعليم المختلفة

2.30

856.

متوسطة

6

5

أؤمن بأن النساء شقائق الرجال

2.28

889.

متوسطة

7

6

أحترم طريقة تعبير الآخرين عن عاداتهم

2.12

953

متوسطة

8

7

يجب توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة حتى لا تحدث بطالة بين الأصحاء

1.87

937.

متوسطة

10

8

اتقبل عادات وتقاليد بعض الشعوب رغم غرابتها

2.39

792

مرتفعة

5

9

أرفض استخدام قصار القامة كوسيلة للإضحاك في الأفلام والمسرحيات

2.71

629.

مرتفعة

2

10

أتحاشى الاختلاط بمن هم دوني في المستوى الاجتماعي والاقتصادي

1.98

929.

متوسطة

9

المعدل العام للتسامح الاجتماعي

2.39

495.

مرتفعة

 

يكشف الجدول السابق أنّ هناك درجة عالية من التسامح الاجتماعي العام تتمثل في الاعتقاد في ضرورة أن يكون الناس جميعا متساوون في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية (بمتوسط حسابي قدره 2.91) يلي ذلك التعاطف مع إحدى الفئات الاجتماعية التي تتعرض للتمييز وهي فئة قصار القامة ، من خلال رفض استخدامهم وسيلة للإضحاك في الأفلام والمسرحيات والأعمال الدرامية المختلفة (2.71).

وتظهر الدراسة درجة عالية من التسامح نحو المرأة وقضاياها، فثمة موافقة عالية على أنّ دور المرأة في المجتمع ضروري وحيوي (بمتوسط حسابي قدره 2.61) ولا يرى الذكور بأسا في أن تكون المرأة رئيسة لهم في العمل (2.47) كما لا ترى عينة الدراسة غضاضة في الاختلاط بين الذكور والإناث في مراحل التعليم المختلفة (2.30) وثمة إيمان بأنّ النساء شقائق الرجال (2.28).

ونلاحظ أنّ هناك تسامحا نحو ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال الموافقة على تخصيص نسبة لهم في التوظيف الحكومي ( 1.87)، ومن جانب آخر نلاحظ أنّ هناك درجة متوسطة من التسامح فيما يتعلق بالاختلاط والتفاعل مع الفئات الأدنى من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.

وتتماس تلك النتائج مع ما ذهب إليه (هابرماس) بالتأكيد على تحقيق التسامح الاجتماعي من خلال توطيد عُرى التسامح الكوني المرتبط بالديمقراطية وتحقيق السلام العالمي، وترسيخ مواطنة إنسانية مبنية على أساس أخلاقي تشاركي وعقل تواصلي منفتح ومتنوع ومختلف، يضمن تواصلا يتّسم بالوضوح والجدّية والصدق، وتنكشف بذلك الأبعاد الكونية التي تقر بانفتاح الهويات متعددة الرؤى والثقافات بعضها على بعضها، وصنع مجتمع كوني إنساني متسامح (كمال طيرشي 2015).

7- 5- مستوى التسامح الفكري لدى مجتمع البحث، وأهم مؤشراته:

يعدّ التسامح الفكري مؤشرا واضحا على مدى وجود ثقافة التسامح وانتشارها في جماعة معينة أو مجتمع محدد، ويقصد بالتسامح الفكري الانفتاح على الرؤى والأفكار والتجارب المختلفة والمرونة في مناقشتها، والبعد عن التعصب لفكرة محددة أو رأي معين، والقدرة على تقبل وجهات نظر الآخرين واحترامها رغم الاختلاف معها (Shearman, Sachiyo and Levine, Timothy 2006: 275).

ويمثل التسامح الفكري النقيض لمصطلح التصلب أو الجمود الفكري (الدوجمائية) Dogmatism ويرجع أصل هذا المصطلح إلى كلمة Dogma المشتقة من الكلمة اليونانية (δόγμα) التي تعني حرفيا ما يعتقد المرء أنه صحيح، وتعرف الدوجمائية بأنها عدم الرغبة في معرفة أو قبول أو احترام آراء وأفكار وسلوكيات الآخرين، ويتسم الأشخاص الدوجمائيون dogmatic persons بالتعصب والحماس الزائد لأفكارهم، كما يتبنون طريقة غير نقدية في التفكير، ويفترضون أنّ معتقداتهم حقائق ثابتة ونهائية في كل زمان ومكان. إنّ هؤلاء الأشخاص لا يرغبون في معرفة آراء الآخرين – خاصة عندما تكون تلك الآراء مخالفة لمعتقداتهم الخاصة – ولا يمكنهم فهم وتحليل الرؤى المغايرة لرؤاهم ولا يقبلونها حتى عندما تكون أكثر عقلانية وأفضل مما يعتقدون (Malmir, Maryam 2019:5 6).

ولذلك يحاول الدوجمائيون على الدوام تجنب المعلومات التي تتعارض مع أفكارهم، ويتمركزون حول معتقداتهم واتجاهاتهم الخاصة ولا يبدون مرونة في المناقشات الفكرية، ويميلون إلى الانعزال والنأي بفكرهم المتصلب (Shearman, Sachiyo and Levine, Timothy 2006: 276).

وقد كشفت نتائج الدراسة عن درجة مرتفعة من التسامح الفكري في مجتمع البحث، وبالتالي درجة منخفضة من الدوجمائية، ورصدت الدراسة أهم مؤشرات التسامح الفكري كما يوضحها الجدول الآتي:

جدول (4) مؤشرات التسامح الفكري

م

الفقرة

المتوسط

الانحراف

الدرجة

الترتيب

1

من الضروري نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر في مجتمعنا

2.50

720.

مرتفعة

3

2

رأيي هو الصواب ورأي غيري خطأ

1.90

940.

متوسطة

10

3

أميل إلى استخدام النقد البناء عندما أتحاور مع الآراء الأخرى

2.81

513.

مرتفعة

2

4

لا أتنازل عن فكري وآرائي وإنما أحترم فكر الآخر وحريته في التعبير عنه

2.48

869.

مرتفعة

4

5

الاختلاف في الرأي لا ينبغي أن يفسد للود قضية

2.85

444.

مرتفعة

1

7

أقدر وأحترم آراء الآخرين مهما كانت درجة بساطتها

2.05

942.

متوسطة

5

8

أقرأ عن كل النظريات والمذاهب الفكرية والفلسفية

1.93

775.

متوسطة

9

9

أؤمن بالحوار وتبادل الآراء مع الآخرين مهما اختلفت معهم

2.01

925.

متوسطة

8

10

أتعامل بإيجابية وانفتاح مع الآخر حتى لو كان مختلفا عني في الرأي

2.04

931.

متوسطة

6

11

أي مذهب فكري به جوانب إيجابية مهما قيل عن سلبياته وقصوره

2.02

921.

متوسطة

7

المعدل العام للتسامح الفكري

2.62

520.

مرتفعة

 

 

يرصد الجدول السابق أهم المؤشرات الدالة على وجود التسامح الفكري في عينة الدراسة، يأتي على رأس تلك المؤشرات الاعتقاد بأنّ الاختلاف في الرأي لا ينبغي أن يفسد للود قضية (بمتوسط حسابي قدره (2.85) يلي ذلك الميل إلى استخدام النقد البناء في الحوار مع الآخرين (2.81) ثم الاعتقاد بأنّ من الضروري نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر في مجتمعنا (2.50) ثم عدم التنازل عن الأفكار والآراء الخاصة مع احترام فكر الآخر وحريته في التعبير عنه.

يلي ذلك مجموعة من المؤشرات الداعمة لما سبق وإن كان قبولها بدرجة متوسطة، مثل تقدير واحترام آراء الآخرين مهما كانت درجة بساطتها(2.05) والتعامل بإيجابية وانفتاح مع الآخر حتى لو كان مختلفا في الرأي (2.04) والتعامل بإيجابية وانفتاح مع الآخر حتى لو كان مختلفا عني في الرأي (2.04) والإقرار بأنّ أي مذهب فكري به جوانب إيجابية مهما قيل عن سلبياته وقصوره (2.02) والإيمان بالحوار وتبادل الآراء مع الآخرين مهما كان الاختلاف معهم (2.01) ثم القراءة عن كل النظريات والمذاهب الفكرية والفلسفية (1.93).

وثمة مؤشر واحد فقط يتناقض مع التسامح الفكري تمت الموافقة عليه بدرجة متوسطة وهو الاعتقاد بأنّ الرأي الشخصي صواب ورأي الآخرين خطأ (1.90).

وتتفق تلك النتائج مع ما يطرحه (هابرماس) من ضرورة تأسيس عقلية تواصلية ترسخ لفلسفة تسامحية جديدة، وتحقق أخـلاقيات للتّفاهم والحـوار والنّقاش في المجـال العـام من أجـل إخراج الذات من أفقها الضيق، وانطلاقها نحو التواصل والمشاركة والتبادل الفكري (كمال طيرشي 2015).

ونلاحظ بشكل عام من خلال النتائج السابقة أنّ درجة التسامح في المجالات الثلاثة مرتفعة، وأنّ ذلك يعد مؤشرا مهما يكشف عن وعي بارز لدى الشباب الجامعي بأهمية التسامح ودوره في الحفاظ على تماسك المجتمع كما تؤشر تلك النتائج على تراجع اتجاهات التعصب والتطرف لدى هذا الجيل.

7- 6- دور بعض العوامل الاجتماعية كالنوع ونمط التعليم ومكان لإقامة ومحل الميلاد والمستوى الاقتصادي والانتماء الديني في تبني قيم التسامح؟

7- 6- 1- النوع وارتباطه بالتسامح:

جدول (5) يوضح العلاقة بين النوع ومستوى التسامح

النوع

مستوى التسامح

المجموع

 

 

قيمة (كا2)

11.13

 

منخفض

متوسط

مرتفع

العدد

%

العدد

%

العدد

%

العدد

%

ذكر

6

4

95

55

71

41

172

100

أنثى

0

0

54

42

74

58

128

100

المجموع

6

3

149

49

145

48

300

100

يكشف الجدول السابق أنّ ثمّة تباينا ملحوظا بين الذكور والإناث في مستوى التسامح، فالإناث أكثر تسامحا من الذكور بشكل عام، حيث أنّ مستوى التسامح مرتفع لدى 58% من الإناث مقابل 41% من الذكور، كما أنّ نسبة متوسطي التسامح بين الإناث أقلّ من نسبتهم بين الذكور، (42% مقابل 55%). وتنعدم نسبة منخفضي التسامح لدى الإناث مقابل 4% بين الذكور. وبذلك فإنّ معطيات الجــدول تؤكد أنّ النـوع Gender يمثـل متغيرا حاســما في مستوى التسامح.

ومن أجل التأكد من العلاقة بين النوع ومستوى التسامح تم حساب قيمة (كا2) التي بلغت 11.13 وهي ذات دلالة إحصائية مما يؤكد قوة العلاقة بين المتغيرين.

وهذه النتيجة تتفق مع ما توصلت إليه دراسة (نورة البقمي 2017) ولكنها تختلف مع ما توصلت إليه دراسة كل من (مريم الغامدي 2010) و (أشرف عبد الوهاب 2005) من أنّ الذكور أكثر تسامحا من الإناث.

7- 6- 2- نمط التعليم (التخصص الدراسي):

يلعب التعليم دورًا مهمًا في تنمية التواصل البشري على كافة المستويات، وفي مختلف جوانب النشاط البشري. ويساهم إشراك الطلاب في عملية التعلم في تنمية شخصياتهم، ورفع مستوى الثقافة العامة والمهنية، والكشف عن قدرات الطلاب وإمكانياتهم، ومن ثم يتشكل التسامح بكافة أشكاله: الاجتماعي والفكري والعرقي والديني. إنّ التعليم (والتدريب أيضا) يضمن صياغة قدر ملائم من التسامح بين الطلاب. (Baklashova T.A. et.al., 2015:336-337)

 وقد رصدت الدراسة العلاقة بين نمط التعليم ومستوى التسامح فيما يلي:

جدول (6)

نمط التعليم

مستوى التسامح

المجموع

 

 

قيمة (كا2)

12.95

 

منخفض

متوسط

مرتفع

العدد

%

العدد

%

العدد

%

العدد

%

العلوم الإنسانية

2

1

79

43

104

56

185

100

العلوم الطبيعية

4

3

70

61

41

36

115

100

المجموع

6

3

149

49

145

48

300

100

يتضح من الجدول السابق أنّ هناك اختلافا واضحا بين طلاب كليات العلوم الاجتماعية وطلاب كليات العلوم الطبيعية في مستوى التسامح، فطلاب كليات العلوم الاجتماعية أكثر تسامحا بشكل عام من طلاب كليات العلوم الطبيعية، حيث أن 56% من طلاب العلوم الاجتماعية لديهم مستوى مرتفع من التسامح، مقابل 36% من طلاب العلوم الطبيعية، كما أنّ نسبة متوسطي ومنخفضي التسامح بين طلاب العلوم الاجتماعية أقل من نسبتهم بين طلاب العلوم الطبيعية، (44% مقابل 64%)

وتكشف معطيات الجــدول أهمية العلوم الاجتماعية في تنمية ثقافة التسامح وترسيخها، ودورها في الحد من ظواهر التعصب والتطرف؛ من أجل ذلك فثمة إلحاح من جانب علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا على ضرورة إدراج مقررات من العلوم الإنسانية في الكليات التطبيقية، حيث أنّ تدريس تلك العلوم في كليات العلوم الطبيعية من شأنه أن يسهم في تطور وعي الطلاب بذواتهم، ويغير من كثير من اتجاهاتهم وأفكارهم ورؤاهم نحو العديد من القضايا والموضوعات الاجتماعية والتي لا يتيسر لهم فهمها في إطار تخصصاتهم الأصلية.

ومن أجل التأكد من العلاقة بين نمط التعليم ومستوى التسامح تم حساب قيمة (كا2) التي بلغت 12.95 وهي ذات دلالة إحصائية مما يؤكد قوة العلاقة بين المتغيرين.

7- 6- 3- محل الميلاد:

يتضح من الجدول التالي أنّ ثمة تباينا ضئيلا بين الطلاب الريفيين والطلاب الحضريين فيما يتعلق بمستوى التسامح، فالطلاب الريفيون أكثر تسامحا من الطلاب الحضريين، حيث أنّ 52% من الطلاب الريفيين لديهم مستوى مرتفع من التسامح، مقابل 43% من الطلاب الحضريين، كما أن نسبة متوسطي ومنخفضي التسامح بين الطلاب الريفيين أقلّ من نسبتهم بين الطلاب الحضريين (48% مقابل 51%)

ومن أجل التأكد من العلاقة بين محل الميلاد ومستوى التسامح تم حساب قيمة (كا2) التي بلغت 2.10 وهي غير دالة إحصائيا مما يؤكد انعدام العلاقة بين المتغيرين.

جدول (7)

محل الميلاد

مستوى التسامح

المجموع

 

 

قيمة (كا2)

2.10

 

منخفض

متوسط

مرتفع

العدد

%

العدد

%

العدد

%

العدد

%

ريف

3

2

84

46

93

52

180

100

حضر

3

3

65

54

52

43

120

100

المجموع

6

3

149

49

145

48

300

100

 

7- 6- 4- محل الإقامة:

جدول (8)

محل الإقامة

مستوى التسامح

المجموع

 

 

قيمة (كا2)

3.75

 

منخفض

متوسط

مرتفع

العدد

%

العدد

%

العدد

%

العدد

%

ريف

3

2

76

45

90

53

169

100

حضر

3

3

73

55

55

42

131

100

المجموع

6

3

149

49

145

48

300

100

يتضح من الجدول السابق أنّ هناك تقاربا كبيرا بين الطلاب المقيمين في الريف والطلاب المقيمين في الحضر فيما يتعلق بمستوى التسامح، فالطلاب المقيمون في الريف أكثر تسامحا قليلا من الطلاب المقيمين في الحضر، حيث أنّ 53% من الطلاب المقيمين في الريف لديهم مستوى مرتفع من التسامح، مقابل 43% من الطلاب الحضريين، كما أنّ نسبة متوسطي ومنخفضي التسامح بين الطلاب الريفيين أقل من نسبتهم بين الطلاب الحضريين (47% مقابل 58%) .

ومن أجل التأكد من العلاقة بين محل الميلاد ومستوى التسامح تم حساب قيمة (كا2) التي بلغت 3.75 وهي غير دالة إحصائيا ممّا يؤكد انعدام العلاقة بين المتغيرين.

ويتضح مما سبق أنّ متغيري محل الإقامة ومحل الميلاد ليس لهما تأثير واضح في درجة التسامح، وهذا يعني أنّه لا وجود لفروق ريفية حضرية فيما يتعلق بدرجة التسامح. وتختلف تلك النتيجة مع ما توصل إليه أشرف عبد الوهاب (2005) من أنّ الريفيين أكثر تسامحا من الحضريين، وتؤكد نتائج دراستنا أنّ هناك تغيرا إيجابيا فيما يتعلق بمستوى التسامح في الحضر.

7- 6- 5- المستوى الاقتصادي:

جدول (9)

المستوى الاقتصادي

مستوى التسامح

المجموع

 

 

قيمة (كا2)

13.38

 

منخفض

متوسط

مرتفع

العدد

%

العدد

%

العدد

%

العدد

%

منخفض

0

0

12

35

22

65

34

100

متوسط

3

2

47

30

105

68

155

100

مرتفع

3

3

90

81

18

16

111

100

المجموع

6

3

149

49

145

48

300

100

من خلال قراءة الجدول السابق يتضح أنّ هناك تقاربا ملحوظا في درجة التسامح بين الطلاب في المستويات الاقتصادية المختلفة، فالملاحظ أنّ مستوى التسامح مرتفع بين المستويات للاقتصادية المختلفة، وأنّ الفروق بينهم غير ذات دلالة، ومن أجل التأكد من العلاقة بين المستوى الاقتصادي ودرجة التسامح تم حساب قيمة (كا2) التي بلغت 11.38 وهي غير دالة إحصائيا مما يؤكد انعدام العلاقة بين المتغيرين.

وتتفق تلك النتيجة مع دراسة أشرف عبد الوهاب (2005)، وتتفق كذلك مع العديد من الدراسات الأخرى المتواترة، والحقيقة المستوى الاقتصادي لا يعد عاملا مؤثرا في التسامح؛ لأنّ ثقافة التسامح وقيمه أعمق وأقوى من أن تتأثر بالعوامل المادية المباشرة، وإنّما ترتبط بالبنية القيمية العميقة في المجتمع.

7- 6-6- الانتماء الديني:

يبين الجدول التالي أنّ هناك تقاربا واضحا بين الطلاب المسلمين والطلاب المسيحيين فيما يتعلق بمستوى التسامح، وتكشف قراءة الجدول أنّ متغير الانتماء الديني لا يمثل عاملا حازما في تبني قيم التسامح، ومن أجل التأكد من ذلك تم حساب قيمة (كا2) التي بلغت 11.6 وهي غير دالة إحصائيا مما يؤكد انعدام العلاقة بين متغير الانتماء الديني ودرجة التسامح.

وتتسق تلك النتيجة مع النتيجة العامة للدراسة المتعلقة بارتفاع درجة التسامح الديني في عينة الدراسة، وتمثل تلك النتيجة مؤشرا عاما على تراجع قيم التعصب الديني في جيل الشباب، وتنامي الوعي بأهمية العيش المشترك في إطار الإيمان بالتنوع، واحترام الاختلاف الديني والفكري.

جدول (10)

الديانة

مستوى التسامح

المجموع

 

 

قيمة (كا2)

11.6

 

منخفض

متوسط

مرتفع

العدد

%

العدد

%

العدد

%

العدد

%

مسلم

4

2

112

51

107

47

223

100

مسيحي

2

3

37

48

38

49

77

100

المجموع

6

3

149

49

145

48

300

100

8-    خاتمة: مناقشة نتائج الدراسة:

تحددت مشكلة الدراسة الراهنة في رصد قيمة التسامح طلاب جامعة بني سويف، والتعرف على صور التسامح المختلفة التي يتبنونها، والكشف عن المحددات الاجتماعية والثقافية لهذه القيم، بمعنى الكشف عن دور الأبعاد الاجتماعية والثقافية في تنمية قيم التسامح أو إقصائها.

واستنادا إلى ذلك حاولت الدراسة الإجابة عن سؤال رئيس تولّدت عنه مجموعة من التساؤلات الفرعية، فالتساؤل الرئيس هو ما مدى حضور قيمة التسامح في فكر طلاب جامعة بني سويف وسلوكهم؟ وما هي أبرز أنماط التسامح التي يؤمن بها هؤلاء الطلاب؟ وما هي أهم المحددات الاجتماعية والثقافية التي تنمي قيمة التسامح لديهم أو تساهم في إقصائها؟

وسوف نجمل فيما يلي بصورة مكثفة ما توصلت إليه الدراسة الميدانية من نتائج متعلقة بهذه التساؤلات:

  • ما مستوى حضور قيمة التسامح بشكل عام لدى عينة الدراســـة؟

 – كشفت الدراسة عن حضـور قوي وواضح لثقافة التسـامح بين أفراد العينة، حيث بلغ المتوسط الحسابي 2.42، بانحراف معياري قدره 538.

  • ما هي أهم أشكال التسامح التي يؤمن بها الشباب الجامعي في مجتمع البحث؟

 – بينت الدراسة وجود عدة أشكال للتسامح يؤمن بها الشباب الجامعي في مجتمع البحث وهي التسامح الديني، والتسامح الفكري، والتسامح الاجتماعي، وقد جاءت درجات التسامح الديني والتسامح الاجتماعي والتسامح الفكري كلها مرتفعة، وتبعا لذلك جاء معدل التسامح العام مرتفعا.

  • ما هو دور بعض العوامل الاجتماعية كالنوع ونمط التعليم (التخصص الدراسي) ومحل الميلاد ومحل الإقامة والمستوى الاقتصادي والانتماء الديني في تبني قيمة التسامح؟
  • رصدت الدراسة أنّ هناك علاقة بين متغير النوع ودرجة التسامح، حيث تبين أنّ الإناث أكثر تسامحا من الذكور، وأنّ هناك علاقة أيضا بين نمط التعليم والتسامح، فالدارسون للعلوم الاجتماعية أكثر تسامحا من الدارسين للعلوم الطبيعية.

ولم يتأكد من الدراسة وجود علاقة بين متغيرات: محل الميلاد، ومكان الإقامة والمستوى الاقتصادي والانتماء الديني من جهة وثقافة التسامح من جهة أخرى. وقد حققت النتائج السابقة أهداف الدراسة وأجابت على تساؤلاتها.

9-    قائمة المراجع:

المراجع العربية:

  1. أركون (محمد) (1995)، من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ترجمة هاشم صالح، بيروت- لندن، دار الساقي، بيروت – لندن.
  2. أوريليوس (ماركوس)، (2010)، التأملات، ترجمة عادل مصطفى، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة.
  3. البداينة (ذياب موسى)، (2011)، قيم التسامح في مناهج التعليم الجامعي، المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، المجلد 27، العدد 53.
  4. بشارة (عزمي)، (2015)،” الدين والعلمانية في سياق تاريخي”، الجزء الثاني – المجلد الأول، بيروت، المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات.
  5. الجبوري (مناف فتحي)، (2014)، التسامح الفكري وعلاقته بالتماسك الاجتماعي لدى طلاب الجامعة، مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، جامعة واسط، العراق، المجلد السادس، العدد الرابع عشر.
  6. الحربي (بدر فلاح)، (2014)، التسامح وعلاقته بالهناء الذاتي لدى مراجعي المراكز الصحية التابعة لمنطقة حائل، رسالة ماجستير، قسم علم النفس، كلية التربية، جامعة أم القرى.
  7. أبو سعد (أحمد عبد اللطيف)، (2011)، “دليل المقاييس النفسية والتربوية” الجزء الأول، مركز ديبونو لتعليم التفكير، عمان، الأردن.
  8. بنت سعد البقمي (نورة)، (2017)، التسامح والانتقام وعلاقتهما بسمات الشخصية لدى عينة من طلبة الجامعة، مجلة العلوم النفسية والتربوية، الجامعة الإسلامية، غزة، المجلد 25، العدد الثالث.
  9. شقير (صالح) ورضوان (ساطع نسيب)، (2014)، تفعيل مفهوم التسامح فلسفيا، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد 36، العدد. 5.
  10. الشمري (هادي عاشق)، (2015)، العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية وثقافة التسامح لدى طلاب جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، المجلة الدولية التربوية المتخصصة، مركز ديبونو لتعليم التفكير،عمان، الأردن، المجلد الرابع، العدد السادس.
  11. بنت صالح أحمد الغامدي (مريم)، (2010)، ثقافة التسامح مع الآخر ومدى انتشارها بين طلاب وطالبات جامعة طيبة، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة طيبة بالمدينة المنورة.
  12. طيرشي (كمال)، (2015)، فلسفة الاختلاف والتسامح، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط.
  13. عبد الله (محمود)، (2018)، التسامح في الفلسفة الغربيّة: قراءة سوسيولوجيّة في تفكيكيّة جاك دريدا، مجلة التفاهم، العدد 61.
  14. عبد الوهاب (أشرف)، (2005)، “التسامح الاجتماعي بين التراث والتغير”، سلسة التراث والتغير الاجتماعي، الكتاب الثاني عشر، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية – كلية الآداب، جامعة القاهرة.
  15. عدلان (رويدي)، (2018)، سؤال التسامح بين اللحظة الدريدية واللحظة الهابرماسية، مجلة الحوار الثقافي، جامعة عبد الحميد بن باديس، الجزائر، المجلد السابع، العدد الثاني.
  16. علوش (نور الدين)، (2013)، نظرية الفعل التواصلي عند هابرماس: قراءة في المنطلقات والأبعاد، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط
  17. عيدي (جاسم)، (2010)، دراسة مقارنة في التسامح الاجتماعي وفقا لمستويات الذكاء الثقافي لدى طلبة الجامعة، رسالة ماجستير كلية التربية، الجامعة المستنصرية، بغداد.
  18. كريب (إيان)، (1999)، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 244.
  19. الكشو (منير)، (2019)، مفهوم التسامح: صعوبة التعريف وتحولات الواقع، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط.
  20. لوك (جون)، (1997)، رسالة في التسامح، ترجمة منى أبو سِنة، المجلس الأعلى للثقافة، المشرع القومي للترجمة، القاهرة.
  21. مجمع اللغة العربية (2004)، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة.
  22. مراد (علي) و رزاق (فاتن)، (2012)، التسامح في بعض الحضارات الشرقية، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية، بغداد، العدد 22.
  23. المزين (محمد حسن)، (2009)، دور الجامعات الفلسطينية في تعزيز قيم التسامح لدى طلبتها من وجهة نظرهم، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة الأزهر، غزة.
  24. بو منير (كمال)، (2010)، النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون.
  25. أبو هاشم (عماد خليل)،(2014)، خبرات الطفولة وعلاقتها بالتسامح مقابل التعصب لدى طلبة المرحلة الثانوية العامة بمحافظات قطاع غزة، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة الأزهر، غزة.
  26. هندي (صالح) و الغويري (مها)، (2008)، قيم التسامح المتضمنة في كتاب التربية الإسلامية للصف العاشر الأساسي في الأردن وتقدير أهميتها من وجهة نظر معلمي التربية الإسلامية، مجلة دراسات العلوم التربوية، الأردن، المجلد 35، العدد الثاني.
  27. الوريمي (ناجية)، (2016)، في مفهوم التسامح، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط.

المراجع الأجنبية:

  1. Ananina, Valentena and Danilov, Daniil (2015) Ethnic Tolerance Formation Among Students of Russian Universities: Current State, Problems, and Perspectives, Procedia – Social and Behavioral Sciences, No. 214.
  2. Baklashova T.A. et.al., (2015) The Effects of Education on Tolerance: Research of Students’ Social and Ethnic Attitudes, Mediterranean Journal of Social Sciences, MCSER Publishing, Rome-Italy, Vol. 6. No. 1S3.
  3. Benson, Igbion (2016) Theory and praxis of religious tolerance, Ogirisi: a new journal of African studies, vol., 12.
  4. Gasser, M. B. (1994) Construction of a scale of cultural tolerance. Unpublished master’s thesis, University of Minnesota, Minneapolis.
  5. Gouthro, Patricia A. (2002). “Habermasian Theory and the Development of Critical Theoretical Discourses in Adult Education,” Adult Education Research Conference. http://newprairiepress.org/aerc/2002/papers/20
  6. Greenberger, E., (2001) Psychosocial maturity inventory (PSM) Form D. School of social ecology, University of California, Irvine, CA 92697.
  7. Habermas, Jurgen (1984) The Theory of Communicative Action: Vol. 1, Reasn and The Rationalizatin of Society, Beacon Press, Boston.
  8. Habermas, Jurgen (2003) Intolerance and discrimination, International Journal of c Constitutional Law, Vol.1, No.1.
  9. Idris, Fazilah et.al. (2016) The Effect of Religion on Ethnic Tolerance in Malaysia: The Application of Rational Choice Theory (RCT) and the Theory of Planned Behaviour (TPB), International Education Studies; Vol. 9, No. 11.
  10. Islamova, E. Artem et al. (2017) Students’ Tolerant Behavior Formation Mechanisms, International Electronic Journal of Mathematics Education, Vol. 12, No. 1.
  11. Kilani, Abdul Razaq (1996) Issues and trends on religious tolerance in Nigeria: the contemporary scene, Journal of Muslim Minority Affairs, Vol. 16, Issue 2.
  12. Kobayashi, Tetsuro (2010) Bridging Social Capital in Online Communities: Heterogeneity and Social Tolerance of Online Game Players in Japan, Human Communication Research, No. 36.
  13. Malmir, Maryam (2019) Ethical and Social Consequences of Dogmatism in Society, International Journal of Ethics & Society (IJES) 1, No. 3.
  14. Miloloža, Ivana et.al. (2014) Tolerance for Disagreement for Students, International Conference on Education Reform and Modern Management (ERMM) Atlantis Press, Zagreb, Croatia.
  15. Mitin, Sergei et.al. (2017) Value and Meaning Attitudes as a Factor of Forming Tolerant Ethnic Consciousness in the Multicultural Milieu of a Higher Education Institution, Eurasian Journal of Analytical Chemistry, Vol. 12, No.7.
  16. Muslim, Nazri and Noor, M. Mansor (2014) Ethnic Tolerance among Students of Public Higher Learning Institutions in Malaysia, World Applied Sciences Journal, Vol. 29 No. (3).
  17. Rydgren, et.al, (2013) Interethnic Friendship, Trust, and Tolerance: Findings from Two North Iraqi Cities, AJS, Vol. 118, No.6.
  18. Sarosiek, Justyna et.al. (2014) Tolerance of the students at the Medical University in Białystok for different race, language and religion, Arch Physiother Glob Res; Vol. 18, No. (1)
  19. Shearman, Sachiyo and Levine, Timothy (2006) Dogmatism Updated: A Scale Revision and Validation, Communication Quarterly, Vol. 54, No. 3.
  20. Soukhanov, Anne (ed.) (1992) The American Heritage Dictionary of the English Language, Houghton Mifflin, Boston.
  21. Thomae, M., Birtel, M.D. & Wittemann, J. (2016). The Interpersonal Tolerance Scale (IPTS): Scale Development and Validation. Paper presented at the 2016 Annual Meeting of The International Society of Political Psychology, Warsaw, Poland, 13th –16th July 2016.
  22. Van Doorn, Marjoka (2014) The nature of tolerance and the social circumstances in which it emerges, Current Sociology, Vol. 62, No. 6.
  23. Van den Berg, Axel (1990) Habermas and Modernity: A Critique of the Theory of Communicative Action, Current Perspectives in Social Theory, Vol. 10.
  24. UNESCO, General Conference (1995) Declaration of the Principles of Tolerance, 16th of Novemeber 1995.

 

مقالات أخرى

التّعليم عن بعد

إشكاليّة العدالة والدّيمقراطية

البيت

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد