حقوق المرأة الاقتصاديّة بين العالميّة وخصوصيّة الثقافيّة العربيّة

حقوق المرأة الاقتصاديّة

الملخّص:

اهتمّت الورقة البحثيّة بمرجعيّات مقالة حقوق الإنسان عامّة وحقوق المرأة الاقتصاديّة خاصّة وبسياقاتهما التاريخيّة والثقافيّة، وقد تبيّنت لنا اختلافات جوهريّة في الرؤية الحقوقيّة بين ثقافة التكليف الإلهي وثقافة الحقّ الإنسانيّ، بين ثقافة حدّدت منزلة الإنسان في الكون باعتباره خادم الجماعة وخاضعا لها، وعبدا خاشعا لشريعة الله لا لشريعة العباد، في عقليّة متمسّكة بدونيّة منزلة المرأة التي تراها ناقصة دينا وقاصرة عقلا وتابعة لولي أمرها أي الرجل، في ذهنيّة إيمانيّة قائمة على مبدإ التكليف لا مبدإ الحقّ ، وثقافة أخرى مصدر حقوق المرأة الاقتصاديّة، تعتبر الإنسان مبدعا قادرا على الترقّي بمنزلته، ومتحكّما في حاضره ومستقبله، وفاعلا في العالم الخارجيّ بإرادته البشريّة، وهو المبتدأ والمنتهى، فكيف يمكن رأب الصدع ورتق الفتق بين الرؤيتيْن؟

رأت الورقة البحثيّة أنّ حقوق المرأة الاقتصاديّة ليست مقولات وقوانين دوليّة، ولا معاهدات واتّفاقيّات موقّعة من قبل المسؤولين فحسب، وإنّما مدار المسألة في اعتقادنا، الثقافة في مفهومها الشامل، وخصوصا ما ارتبط منها بالوعي الدينيّ الذي لم يتمكّن بعدُ من تجديد ذاته لينفتح على راهن المرأة المسلمة، وظلّ يرنو إلى سياسة مسلمة القرن الحادي والعشرين بمقولات فقهاء ومشرّعي القرون الأولى للهجرة.

الكلمات المفاتيح:  حقوق، امرأة، دين، شريعة إسلاميّة

Abstract:

The research paper focused on the founding references endorsing the idea of human rights in general and women’s economic rights in particular, and their historical and cultural contexts. Fundamental differences have emerged in the legal vision between the culture of divine commission and the culture of human rights, between a culture that defines the position of man in the universe as the servant of the community and subject to it, and a submissive slave to God’s law and not to the law of people, in a mentality that adheres to the inferior status of women and regards   them as deficient both in religion and in mental capacities and  views them to be subservient to their guardian, i.e. the male, in a mentality of faith based on the principle of submission, not the principle of truth and Another opposing culture that  stands as the source of women’s economic rights, by considering human beings to be creators capable of controlling their  present and future, and being  influential on the external world through their human will. The emerging question is how to bridge the gap between the two different views?

The research paper considered that women’s economic rights are not just international sayings and laws, nor treaties and agreements signed by officials only, but the issue, in our opinion, is culture in its broad concept, especially when it comes to  religious awareness that has not yet been able to renew itself to open up to the current Muslim woman and  kept looking to Muslim politics of the twenty-first century within the framework of the sayings of jurists and legislators of the first centuries of the Hegira.

Keywords: Rights, women, religion, Islamic law.


1- تمهيد:

أثارت مسألة المرأة في الفكر العربيّ المعاصر إشكاليّات مختلفة منذ عصر النهضة إلى اليوم، تعلّق بعضها بالبعد الشخصي والأسريّ والاجتماعيّ للمرأة، وتعلّق بعضها الآخر ببعديْها الاقتصاديّ والثقافيّ، وسطع نجم مفكّرين في هذه المباحث سواء من دعاة تحديث منزلة المرأة في المجتمعات العربيّة أو من أنصار ما أقرّه الفكر الإسلاميّ لها من منزلة ووظيفة. ولكنّ قضايا المرأة ظلّت في الأغلب الأعمّ، جداليّة الطابع، وخلافيّة الرأي، لا اتّفاق في أمرها إلا ما صار منها واقعا.

 وإنّ المسائل الفكريّة ذات الصلة بالمرأة لمتجدّدة الإشكاليّات ومتنامية القضايا، في ضوء ما يفرزه تقدّم العمران البشريّ وتطوّره من نوازل ذات صلة بمنزلة المرأة ودورها في ثقافات المجتمعات المختلفة. ومن أحرج قضايا المرأة العربيّة الإسلاميّة، ومن أشدّها حساسيّة ما لامس الهُويّة الثقافيّة، في معنى القضايا التي توجّه أسئلتها إلى المسلّمات الثقافيّة، خاصّة يقينيّات التمثّل الدينيّ. في مثل مساواتها مع الرجل في القوامة والحقوق الاقتصاديّة، ولذلك ظلّت قضايا المرأة في الخطاب العربيّ المعاصر موسومة بتوتّر المواقف، وتباعد الرؤى واختلافها اختلافا يصل حدّ التّحارب المذهبيّ والطائفيّ والإيديولوجي، لتباين المرتكزات عقائديّا وفكريّا، وتنوّع مرجعيّات نموذج المرأة المرغوب تسويده في المجتمعات العربيّة.

إنّ من عوامل تعسّر القضايا الفكريّة المتعلّقة بالمرأة، وتعقّد طرحها في المجتمعات العربيّة الإسلاميّة، وتكاثف عوائق الاتّفاق في شأنها، استتباعاتِها المتوقّعةَ على البنية الاجتماعيّة، وعلى النّظام الثقافيّ، وعلى المنظومة الأخلاقيّة القيميّة في مجالات ذات نرجسيّة في الذهنيّة العربيّة المسلمة، مثل المنظومة التشريعيّة، لأنّها إلهيّة في المخيال الجمعيّ، ومثل النظام الأسريّ، أفضل الأنظمة في الوجدان العربيّ.

لا شكّ أنّ إشكاليّة حقوق المرأة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لا تكمن في ماهيّتها، حقوقا ومكاسب ماديّة ورمزيّة فحسب، بل تكمن أيضا في مرجعيّاتها الفكريّة المستحدثة التي لا يستسيغها الضمير الجمعيّ العربيّ إلاّ لِمامًا، ولا يستطيب العيش في ظلّها إلاّ مُكرها، في مجتمعات لا ترى الكون إلا بعيون الماضي وتصوّراته الفكريّة، وتخشى مواجهة الحاضر وبناء المستقبل.

نروم أوّلا، في هذه الورقة البحثيّة، الاشتغال على بعضٍ من الاختلافات الجوهريّة في الرؤية الحقوقيّة بين ثقافة الحقّ الإنسانيّ، وثقافة التكليف الإلهيّ، اختلافات لها تأثيرها البالغ في حقوق المرأة الاقتصاديّة في المجتمعات العربيّة، فكيف ارتسمت صورة الإنسان في الرؤيتيْن؟ وهل من سبيل إلى الوصل فيما بينهما من فصل ؟ ونسعى ثانيا، إلى النظر في عوامل ضمور حقوق المرأة الاقتصاديّة في المجتمعات العربيّة، وعيا وممارسة، فما الذي يجعل الضمير الجمعيّ العربيّ لا يستسيغ هذه الحقوق ولا يطمئنّ إليها؟ ونفترض ثالثا، أنّ الوعي الدينيّ السائد، وخصوصا تمثّل الأحكام الشرعيّة ومقاصدها، من أبرز عوامل ترهّل حقوق المرأة الاقتصاديّة في المجتمعات العربيّة، فهل “الشريعة الإسلاميّة” مسار استكماليّ أم أحكام نهائيّة؟ وهل أنّ ما تراهن عليه الورقة العلميّة من تنوير الفكر الدينيّ وتحديثه كفيل بالارتقاء بحقوق المرأة الاقتصاديّة؟

2- حقوق المرأة الاقتصاديّة: المرتكزات والحدود:

إنّ الحقوق عامّة والحقوق الاقتصاديّة خاصّة، وإن كانت إنسانيّة لا تمييز إثنيّ ولا جندريّ فيها نظريّا، إلاّ أنّها ليست معطى جاهزا صالحا في كلّ السياقات الثقافيّة والاجتماعيّة،  لذا كانت دوما مرتبطة بثقافات الشعوب والمجتمعات وبمدى تطوّر رؤيتها الفكريّة للإنسان، امرأة كان أو رجلا، ولمنزلته في الكون، ولما تسند إليه الثقافة السائدة من مهام وأدوار، وهي مسائل تختلف من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى.  

2- 1- حقوق الإنسان والهُويّة الثقافيّة:

إنّ حقوق الإنسان نتاج تنامي الوعي الإنسانيّ تاريخيّا باحتياجاته الطبيعيّة التي لا يستقيم منطق الحياة المتوازنة دونها، ولا يرتقي الإنسان في مدارج الإنسانيّة إلاّ بتحقّقها. وتطوّرت هذه الحقوق من حقوق سياسيّة ومدنيّة، إلى حقوق اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة، وصولا إلى الحقوق البيئيّة والتنمويّة، وجميعها حقوق يمتلكها الإنسان بما هو إنسان، ولا معنى لإنسانيّته – رجلا أكان أو امرأة – دونها. ولا يمكن إلغاء هذه الحقوق من قبل النّظم السياسيّة والنّظم الاجتماعيّة السائدة، لأنّها من طبيعة الإنسان وماهيّته، بشهادة النصّ الدينيّ نفسه، في مثل قوله في (الإسراء 17/70) ⦅ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِبَاتِ وَفَضَّلْنَاهمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاَ⦆. حقوق لا تشترط صفات محدّدة في الإنسان، ولا تتطلّب خصائص ثقافيّة ولا حضاريّة، إنّها مرتكز كرامة الفرد وإنسانيّته، ثابتة ثبات وجود الإنسان، ويؤكّد ابن منظور ذلك في ما بيّنه من معانٍ مختلفة للحقّ[1].

 إنّها حقوق واجبة وشاملة لكافة البشر، مهما كان جنسهم، أو لونهم، أو دينهم، ولهذا التعريف سند فيما نصّت عليه المادّة الأولى من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان: “يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق”. وتجد الصفة الإنسانيّة الشاملة للحقوق سندها أيضا في المادّة الثانية من الإعلان نفسه: “لكلّ إنسان حقّ التمتّع بجميع الحقوق والحرّيات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أيّ نوع لا سيما بسبب العنصر أو اللّون أو الجنس أو اللّغة أو الدّين أو الرّأي…”[2]، والقصد من العالميّة شموليّة الحقوق الناسَ كافّةً لا تمييز فيها بين الذكر والأنثى، وقد بناها فلاسفتها على فرضيّة سابقة على اختلاف الثقافات الإنسانيّة أسموها “الحالة الطبيعيّة” (State of nature). وهي حقوق غير قابلة للتجزئة. يقول جورج بيردو Georges Burdeau: “لا يمكن أن تتجزّأ حقوق الإنسان دون مساس بالكرامة الإنسانيّة”[3].

نستنتج من سرديّة حقوق الإنسان عامّة، والحقوق الاقتصاديّة خاصّة حرصها، مواثيق ومعاهدات، على البعد العالميّ في معنى شموليّتها لجميع البشر دون أيّ تمييز حتّى الجندريّ منه، “فالهدف من استعمال كلمة الإنسان هو التأكيد على أنّ حقوق الإنسان ملك لجميع البشر دون تمييز، فهي لصيقة بالبشر أيّا كانت ألوانهم وأجناسهم أو ثقافتهم… يتمتعون بهذه الحقوق على قدم المساواة باعتبارهم بشرا”[4]. ونستنج كذلك، ارتباط عالميّة حقوق الإنسان بالإنسان المجرّد، لأنّها جاءت ردّة فعل على نظريّة الحقّ الإلهيّ التي جعلت الأقليّة تتحكّم في الأغلبيّة، وأكّدت المساواة في الكرامة الإنسانيّة، التي يشترك في نواتها الصلبة الناس أجمعين.

 ونتبيّن أيضا، أنّ حقوق الإنسان عامّة، وحقوق المرأة الاقتصاديّة خاصّة، تجاوزت مستوى المبادئ الفاضلة التي تحضّ عليها الأخلاق القويمة أو تعاليم الأديان، وأصبحت التزامات قانونيّة تُعاقَبُ الدول التي لا تحترمها، لذلك تُسارع بعض الدول العربيّة مثل تونس إلى إقرار مدوّنة حرّيات فرديّة تتطلّع إلى ضمان الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة للمرأة[5].

 ونخلص إلى أنّه رغم تأكيد المقاربات التراثيّة على تجذّر حقوق المرأة الاقتصاديّة والاجتماعيّة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، وتأصّلها في النصّ الدينيّ الذي جعل المرأة المسلمة أكثر تفوّقا في الحقوق على سائر النساء[6]، فإنّ لا اختلاف بين الدارسين في حداثة المرجعيّات الفلسفيّة والفكريّة لحقوق المرأة الاقتصاديّة، وحداثة سياقاتها الثقافيّة التي انبنت على مفهوم المرأة الكونيّة المجرّدة، والتي يُنظَر إليها غاية في حدّ ذاتها، لا تابعة للرجل، ولا ينقصها عقل ولا دين، ولم تُخلَقْ لإسعاد الغير بل لإسعاد ذاتها. إنّها المرأة التي صِيغَ نموذجُها في سياق تمثّل الإنسان في الفلسفة الحديثة، وإبراز مركزيّته في الكون، والتي تعتبر الإنسان مبدعا قادرا على الترقّي بمنزلته، ومتحكّما في مستقبله، وفاعلا في العالم الخارجيّ بإرادته البشريّة. إنّه الإنسان المبتدأ والمنتهى “لأنّ أصول الوعي الحديث قائمة على أساس أصالة الإنسان وحريّته واختياره… وقد جعل عقله مصدرا للحكم في القضايا الخياليّة، وفي رؤيته للعالم والطبيعة وأخذ يفعّل قدراته وطاقاته من أجل تغيير العالم لا تفسيره”[7]، فهو الكائن الوحيد العاقل في الطبيعة، ولا يعطي الاختلاف في النوع الاجتماعيّ قيمة مضافة للفرد، ولا تقاس الكرامة الإنسانيّة بالروابط الاجتماعيّة ولا بالانتماءات العقائديّة ولا المذهبيّة، ولا حتّى بالتقوى والتعبّد. وبذلك يتساوى أفراد المجتمع في القيمة الذاتيّة المتأسّسة على محور حقوق الإنسان الكونيّة.

  إنّ هذا التمثّل للإنسان، ذَكرا أكان أو أنثى، يختلف عن مسلّمات الثقافة العربيّة الإسلاميّة التي حدّدت منزلة الإنسان في الكون، ورسمت طبيعة علاقته بالجسم الاجتماعيّ وبالطبيعة وبالله، باعتباره خادم الجماعة وخاضعا لها، وعبدا خاشعا لشريعة الله لا لشريعة العباد، مردّدا دوما “ليس أحد منّا يحيا لنفسه ولا أحد منّا يموت لنفسه، فإن حَيِينا، فإنّنا نحيا لربّ العالمين، وإن مِتْنا فإنّنا له نموت، أحياء كنّا أو أمواتا فإنّما نحن لربّ العالمين”[8]، في عقليّة إيمانيّة قائمة على مبدإ التكليف لا مبدإ الحقّ، وفي بنية اجتماعيّة تقليديّة، في هذا السياق الثقافي صمّم العقل التشريعيّ/الذكوريّ صورة المرأة في المجتمع، وحدّد دورها، دون اعتبار حقوقها الأساسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.

لئن كان الاختلاف جليّا بين التصوّر الحديث للإنسان والتصوّر الإسلاميّ، فإنّه يزداد حدّة وعمقا فيّ أنظمة سياسيّة ذات مرجعيّة ذكوريّة، تشريعا فقهيّا وقوانين وضعيّة، وفي مجتمعات نامية، ما تزال تعاني الأمّيّة والفقر والأوبئة، وترى حقوق المرأة الاقتصاديّة ترفا ثقافيّا، وتخمة حضاريّة، وتعتبرها مطلب شعوب حقّقت حاجاتها الضروريّة والكماليّة.

وهذا الموقف الذي يُنكر حقوق المرأة الاقتصاديّة تدعّمه اتّجاهات فكريّة وسياسيّة، تقرأ عالميّة حقوق الإنسان إيديولوجيا وسياسيّا، وتعتبرها وجْها من وجوه الهيمنة الثقافيّة، ووليدة الفلسفة السياسيّة الغربيّة، ولم تساهم ثقافة المجتمعات الأخرى في صياغتها، ولا سيّما أنّ الدول العظمى جعلت حقوق الإنسان ورقة ضغط، ضدّ كل نظام يتعارض مع سياستها الدوليّة. وهذا التوجّه تؤكّده بدورها الدراسات الانتروبولوجيّة الحديثة بنفيها فكرة الإنسان المجرّد، مرتكز فلسفة حقوق الإنسان، وتقرّه أيضا فلسفة ما بعد الحداثة بإنكارها فكرة عالميّة حقوق الإنسان وكونيّتها، “أمّا في عصر ما بعد الحداثة، فلا يمكن القول بحقيقة وجود منظومة واحدة من حقوق الإنسان في العالم، فعصر ما بعد الحداثة يقرّ بالتعدّد والاختلاف، بما في ذلك التنوّع في القيم الأخلاقيّة والتنوّع في نظم حقوق الإنسان”[9].

 لئن كانت وجوه الاعتراض على كونيّة الحقوق الإنسانيّة عامّة، وحقوق المرأة الاقتصاديّة خاصّة متنوّعة، سياسيّا وفلسفيّا وانتروبولوجيّا، فهل يؤدّي ذلك إلى إنكار هذه الحقوق في الثقافة العربيّة الإسلاميّة؟ وهل الإنسان العربيّ ذو ماهيّة مختلفة لا تحتاج إلى حقوق إنسانيّة؟ وهل الدونيّة هي قدر المرأة العربيّة دون سواها؟ وهل قدر الحقوق الاقتصاديّة أن تظلّ غريبة عن الحضارات والثقافات غير الغربيّة؟ أليس الأصل الأنطلوجيّ هو التماثل في الإنسانيّة؟ ثمّ أليست السعادة – غاية المواثيق الدوليّة والنصوص الدينيّة – نزعة طبيعيّة متأصّلة في الإنسانيّة لا تحكمها الجغرافيا ولا الثقافة ولا النوع الاجتماعيّ؟

2-2- سياقات حقوق المرأة الاقتصاديّة:

إنّ حقوق الإنسان السياسيّة والمدنيّة التي بشّر بها الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948، لا تمارس إلاّ في إطار نظـام اقتصاديّ واجتماعيّ وثقافيّ، لذلك كان الاهتمام بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة باعتبارها حقوقاً محوريّة ولا تـستقيم الحقوق السياسيّة والمدنيّة دونها لأنّ قـصور منظومة “الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة” في أيّ مجتمع من المجتمعات يعرقل ممارسة الحقـوق السياسيّة والمدنيّة بالشكل المطلوب، فظهر بعد مخاض عسير، العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة[10]، ويتمثّل في جملة من الحقوق ذات المنحى الاجتماعيّ والاقتصاديّ، وتعني الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة في معجم القانون “مجموعة الحقوق والحريّات ذات الطابع الاقتصاديّ والاجتماعيّ الّتي تقرّرها الإعلانات أو الاتّفاقات الدوليّة أو الدساتير، وتتضمّن حقّ الملكيّة، وحقّ العمل وحرّيته، وحريّة التجارة والصناعة، وحقّ الرعاية الصحيّة، وحقّ الرعاية الاجتماعيّة، وحقوق الأسرة”[11].

 ركّز العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة في مادّته الثالثة على ضرورة تعهّد الدول الأطراف في هذا العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حقّ التمتّع بجميع الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة المنصوص عليها في هذا العهد، الذي يُلزم في مادّته السادسة الدول الأطراف بأن تتيح لكلّ شخص دون تمييز، إمكانيّة كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحريّة، ويطالبها باتّخاذ التدابير الضروريّة لصون هذا الحقّ.

ليس القصد من المساواة بين الجنسيْن التماثل، بل المساواة الموضوعيّة بين الجنسيْن في الانتفاع بفرص التمكين من الحقوق، دون اعتبار الاختلافات البيولوجيّة. والمساواة اصطلاحا هي “عدم التمييز بين إنسان وآخر أو مواطن وآخر، بسبب الجنس، أـو اللّون، أـو المذهب، أو العقيدة، أو الوضع الاجتماعيّ، فضلا عن تمتّع الجميع بالحقوق والحريّات العامّة، مع التزامهم بالواجبات العامّة دون أيّ تفرقة”[12]. ولا تقبل ثقافةُ الحقوق، غيرَ الإنسانيّة معيارا في الانتفاع بالإمكانيّات والفرص، ولا تسمح أن تصير الاختلافات التي تستند إلى الطبيعة أساسا لبناء تراتبيّة اجتماعيّة تقوم على ثنائيّة مسيطر وخاضع.

وتخوّل هذه الرؤية للمرأة، نوعا اجتماعيّا، أن تتخطّى دونيّة منزلتها عالميّا واجتماعيّا وحتّى أسريّا، بامتلاكها منظومة قانونيّة دوليّة تحميها من عنف التمثّلات الجندريّة، إذ يَحضر القانون الدوليّ لحقوق الإنسان التمييز ضدّ المرأة، وتعني العبارة في “اتّفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة” “أيّ تفرقة، أو استبعاد، أو تقييد، يتمّ على أساس الجنس، ويكون من آثاره وأعراضه توهينُ أو إحباطُ الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة في الميادين السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة”[13]، ويَطلب العهد الدوليّ للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة من الدول الموقّعة عليه، أن تكفل هذه الدول مساواة الرجل والمرأة في التمتّع بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وأن تَتَّخِذَ التدابيرَ اللاّزمةَ لصون هذا الحقّ، وتأمين ممارسته كاملا، بل هي ملزمة بتقديم تقارير عن التدابير التي تكون قد اتّخذتها، وعن التقدّم المُحرَز من قبلها في طريق ضمان الحقوق المعترف بها في العهد الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، والّذي أكّد في مادّته الثالثة، أن “تتعهّد الدول الأطراف في هذا العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حقّ التمتّع بجميع الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة المنصوص عليها في هذا العهد”[14].

رغم أنّ حقوق المرأة الاقتصاديّة أصبحت حقيقة، وإن نسبيّا، وأضحى البعض منها، بفضل تزايد الاهتمام الدوليّ بها من المسلّمات، كالحقّ في العمل والضمان الاجتماعيّ، فإنّ مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان تشير إلى أنّه “في المستوى العالميّ، تمثّل النساء سبعين بالمائة من المليار ومائتيْ ألف شخص الذين يعيشون في الفقر، ورغم ذلك فإنّهنّ لا تتمتّعْن بالأولويّة في البرامج الاجتماعيّة والسياسيّة التي تستهدف تأمين الصحّة والتعليم والسكن والغذاء”[15]. أمّا في العالم العربيّ، فإنّ المؤشّرات تظهر فروقات كبيرة بين النساء العربيّات والرجال العرب، وتسجّل المنطقة العربيّة أدنى المستويات من جهة حقوق المرأة الاقتصاديّة، رغم الارتفاع الحاصل في معدّل إسهام المرأة العربيّة في القوى العاملة،    فإنّ هذا المعدّل “يبقى الأدنى بسائر الأقاليم، فقد كشفت إحصائيات منظمة العمل الدوليّة، أنّ نسبة مشاركة الإناث العربيّات في القوى العاملة لا يتجاوز 26 بالمائة مقارنة بنسبة الإناث العاملات في العالم البالغة 52 بالمائة”[16]. ورغم وجود إجماع رسميّ، على أهميّة إشراك المرأة في جهود تنمية الدول العربيّة الإسلاميّة فإنّ هذه الجهود ظلّت تمييزيّة، وقد ارتبطت الاتّجاهات السياسيّة المتّصلة بتمكين المرأة من حقوقها الاقتصاديّة بالمصالح السياسيّة للأنظمة، بدلا من ارتباطها بقيم تمكين المرأة، وتحقيق المساواة والرؤية التنمويّة الشاملة، لهيمنة رواسب النظرة السلبيّة إلى المرأة المتأصّلة في اللاّوعي العربيّ، والتي كثيراً ما تلتحف الدين.

نتبيّن من خلال المؤشّرات والإحصائيات السابقة، أنّ عالميّة حقوق المرأة الاقتصاديّة،  رغم تأكيد نصوصها على البعديْن الدوليّ والعالميّ المميزيْن لها، وعلى تأصّلها في الطبيعة الإنسانيّة، فإنّها ظلّت ضامرة الحضور، وعيا وممارسة، لا سيّما في المجال العربيّ الإسلاميّ، ممّا يؤكّد أنّ المبدأ القائل بتمتّع جميع الأفراد بحقوق الإنسان على أساس المساواة مفهوم بالغ الحساسيّة، صادم لكثير من الأعراف السائدة والتقاليد والمعتقدات الدينيّة.

3- حقوق المرأة الاقتصادية في الثقافة العربيّة بين الموجود والمنشود:

لم تبق الحقوق الاقتصاديّة للمرأة اختيارا زمن العولمة، بل أضحت في المرحلة الرّاهنة معيارا لتقدّم المجتمعات وتطوّرها في سياق استراتيجيّات التنمية الشاملة، وليس بمقدور الدول والمجتمعات رفضُها في ظلّ سياسات النظام العالميّ الجديد التي جعلت منها أداة فاعلة في السياسة الدوليّة.

ومهما اختلفت المرجعيّات الفكريّة، وتعدّدت الأنساق الثقافيّة، وتنوّعت البُنَى الاجتماعيّة والنّظم الاقتصاديّة، فإنّ تحقيق كرامة المرأة وسعادتها باعتبارها إنسانا، يظلّ مطلبا تحتّمه الطبيعة البشريّة، ومشتركا بين القيم الإنسانيّة، بل ويستجيب قبل كلّ شيء، لروح الشرائع السماويّة، وقد وعدت آيات القرآن الكريم الأنثى كما الذّكر بالحياة الطيّبة  ⦆مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ⦆( النحل 16/ 76)، وطِيبُ الحياة وروْعها هما ما تتطلّع إليهما الحركة النسويّة في جميع أرجاء العالم. إنّهما الصياغة الإجرائيّة للحقوق الاقتصاديّة للمرأة.

إنّ لنموذج المرأة العربيّة الموروث تاريخيّته التي طوتها الصيرورة الاجتماعيّة والثقافيّة،  وإنّ المجتمعات العربيّة لم تعد قادرة على الاحتفاظ به في ظلّ العولمة، والسياسات الدوليّة المتشابكة، وفي ظلّ التغيّرات النوعيّة في نمط حياة المسلم. ولئن تطوّرت المجتمعات العربيّة الإسلاميّة اقتصاديّا واجتماعيّا وثقافيّا، فإنّ هذا التطوّر لم يواكبه تطوّر الذهنيّة الجماعيّة التي ظلّت تحتكم إلى نظم الماضي أكثر من احتكامها إلى عقلانيّة الحاضر، ولا سيّما أنّ الثقافة العربيّة الإسلاميّة لم تعرف قطيعات ابستمولوجيّة.

لئن كانت هذه الورقة البحثيّة، لا تُنْكر البعديْن السياسيّ والقانونيّ لإشكاليّة حقوق المرأة الاقتصاديّة في المجتمعات العربيّة الإسلاميّة التي “أخفقت سياساتها إلى حدّ كبير في معالجة أوجه الانحياز الجندريّ والممارسات التمييزيّة السائدة في سوق الشغل”[17]، ولا تُنْكر أيضا، واقع اقتصاديّات البلدان العربيّة المتدهور أصلا، فإنّها تقرّ أنّ المساواة في الحقوق الاقتصاديّة، حقّ أساسيّ مهما كانت أزمات الواقع، متى كان هذا الحقّ متأصّلا في البنى الثقافيّة والاجتماعيّة، ومكوّنا بنيويّا في الوعي الجمعيّ الذي يعتبر العامل الدينيّ مرتكزه الرئيس. 

3- 1- العامل الديني وحقوق المرأة الاقتصاديّة:

إنّ للعامل الدينيّ، نصّا مؤسّسا ونصوصا مصاحبة، دورا محوريّا في بنية الثقافة العربيّة الإسلاميّة، وفي مسيرتها التاريخيّة، وإنّه المتحكّم الرئيس في نسق حركيّتها وديناميكيّة تفاعلها مع الواقع باعتباره الفاعلَ المهمَّ في صياغة الذهنيّة الجماعيّة. وإن الوعي الدينيّ المعاصر ظلّ سجين الأرتودكسيّة الموروثة متمسّكا بمواقف القدماء، لذلك بقيت تصوّرات الأوائل لا سيّما المكرّسة لدونيّة المرأة مهيمنة على الذهنيّة الجماعيّة في سياقات اجتماعيّة وثقافيّة وحتّى اقتصاديّة مغايرة، فالماضي ما زال مهيمنا على الحاضر، وجاثما على عتبات المستقبل، ولا ريب في هذا السياق الثقافيّ أن يكون الشرخ شاسعا بين العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة ذي المرجعيّة التنويريّة من ناحية، وبين القيم الأخلاقيّة، والتصوّرات الفكريّة السائدة في المجتمعات العربيّة من ناحية أخرى، إذ تستند الحقوق الإنسانيّة في المجتمعات الإيمانيّة إلى المرجعيات الدينيّة، فالله هو صاحب الحقّ.  يقول راشد الغنوشي: “أصل الحقوق والحريّات هو الذات الإلهيّة… يؤكّد التصوّر الإسلاميّ ارتباط كل قيمة واستنادها إلى المصدر الذي تستمدّ منه الموجودات وجودها والغاية منها ومنهاج سيرها … ألا هو الله تبارك وتعالى”[18]. لكن، إذا كانت حقوق الإنسان عامّة، وفق هذا التصوّر، لا تجد في الطبيعة الإنسانيّة، ولا في العقل الإنسانيّ، ولا في الصيرورة الاجتماعيّة مرجعها، بل ترتبط بالعالم الغيبيّ، فكيف السبيل – حسب هذا التصوّر – إلى حقوق المرأة الاقتصاديّة؟

لا شكّ أنّ حقوق الإنسان عامّة، في المجتمعات العربيّة، وحقوق المرأة الاقتصاديّة خاصّة، مرتبطة بالوعي الدينيّ الذي لم يواكب تطوّر المجتمعات العربيّة وتحوّلاتها الاقتصاديّة والثقافيّة. فالفكر الدينيّ، لم يتمكّن بعدُ من تجديد ذاته لينفتح على راهن المرأة المسلمة، بلّ ظلّ يرنو إلى سياسة مسلمة القرن الحادي والعشرين بمقولات فقهاء ومشرّعي القرون الأولى للهجرة، غير مكترث بالتغيّرات الحاصلة، وقد غدت المرأة فاعلا اجتماعيّا وسياسيّا واقتصاديّا وعلميّا، وإن قبل مفكّرو الإسلام المعاصرون مضطرّين مسايرة صيرورة مجتمعات الدول العربيّة، وقد خرجت المرأة العربيّة عن صورتها المنمذجة، وشاركت الرجل حقّها في العمل، فإنّ ذاك يظلّ في تصوّرهم استثناء يدعّم القاعدة، لكن “أن يكون الأصل في المجتمعات أن تخرج المرأة للعمل… فهي حماقة لا يقرّها الإسلام لأنّها تخرج بالمرأة عن وظيفتها الأولى”[19]. ولئن أقرّ هؤلاء المفكرون للمرأة حقوقا ماليّة عديدة، منها حريّة التصرّف في مهرها، وفي ما تكتسبه من ميراثها، وما يمكن أن تحصل عليه من مال، فإنّ تصرّفها يبقى محدودا وتحت وصاية الرجل، وفي ظلّ المنظومة القيميّة والتشريعيّة الإسلاميّة. ممّا يقتضي التفكير في تاريخيّة المنظومة الدينيّة الموروثة لتأسيس منظومة دينيّة جديدة متأصّلة في قيم الأوائل، ومنفتحة في الآن نفسه على روح الإنسانيّة المعاصرة، حتّى لا تظلّ مسلمة اليوم غريبة زمن العولمة.

ليست إذن حقوق المرأة الاقتصاديّة مقولات وقوانين دوليّة، ولا معاهدات واتّفاقيّات موقّعة من قبل المسؤولين فحسب، وإنّما مدار المسألة في اعتقادنا، الثقافة في مفهومها الشمال، وخصوصا ما ترسّخ منها من تصوّرات ثابتة نُزّلت منزلة المقدّس في الذهنيّة الجماعيّة. فتقتضي هذه الحقوق دون شكّ، مساءلات نقديّة للثقافة العربيّة الإسلاميّة، وخاصّة المجال الدينيّ، بهدف تأسيس لبنات وعي جديد يستوعبها، في معنى إعادة قراءة النصّ الدينيّ الموسّع، قراءة عقلانيّة نقديّة، لا تكتفي باستخراج الأحكام وعلّاتها، بل تدرس تاريخيّتها، وتَمْتَحُّ الحكمة منها ومن مقاصدها، وتطوّعها للحاجيّات الراهنة، قراءة لا تقارب النصّ في جزئيّاته بل في كلّياته، فتتنزّل حقوق المرأة الاقتصاديّة عندئذ منزلتها، لا في المنظومة التشريعيّة فحسب، بل في البنية الثقافيّة العربيّة المعاصرة، وتزيح بذلك غرابتها عن السياقات العربيّة أيضا.

لئن كانت حقوق المرأة الاقتصاديّة في معاهدات الأمم المتحدة ومواثيقها مسألة حقوقيّة سياسيّة بالدرجة الأولى، فإنّها في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، مسألة دينيّة تشريعيّة أساسا، لارتباطها من ناحية، بآيات أحكام في مسائل دقيقة مثل الميراث والشهادة وغيرها، ولارتباطها من ناحية أخرى، بنظام قيميّ أخلاقيّ متوارث يُعتبر العامل الدينيّ محدّدا له، ولا سيّما مفهوم القوامة الذي يظلّ مرتكزا رئيسا في تحديد ما للمرأة من حقوق في علاقتها بالرجل، بناء على ما ورد في الآية 34 من سورة النساء (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا⦆. وقد فسّر ابن كثير (ت 774ه) “الرِّجَال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء” بقوله: “أَيْ الرَّجُل قَيِّم عَلَى الْمَرْأَة أَيْ هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِم عَلَيْهَا وَمُؤَدِّبهَا إِذَا اِعْوَجَّتْ”[20]، أمّا رأيه في “بِمَا فَضَّلَ اللَّه بَعْضهمْ عَلَى بَعْض”[21]، فإنّ “الرجال أَفْضَل مِنْ النِّسَاء وَالرَّجُل خَيْر مِنْ الْمَرْأَة”[22]. أقرّ فقهاء الإسلام ومفكّروه التراثيّون خاصّة، أنّ المرأة وإن كانت إنسانا له قيمة في ذاته، إلاّ أنّها لا تساوي الرجل في الحقوق الاقتصاديّة، وليس ذلك إلاّ تقريرا لما كان سائدا في ثقافات تلك المرحلة التاريخيّة وحضاراتها.

إنّ من أخطر المسائل تعارضا في الثقافة العربيّة الإسلاميّة مع الحقوق الاقتصاديّة للمرأة، مسألة المساواة في الميراث لأنّ النصّ الدينيّ فصّلها، ودقّق الأحكام فيها، واعتبرت في المخيال الجمعيّ من الأحكام الإلهيّة غير القابلة للمراجعة أو التغيير، رغم أنّ المرأة في المجتمعات العربيّة لا تستفيد من هذا الحقّ فعليّا إلاّ نسبيّا، فلا التزامَ بالنصّ الديني ممارسةً رغم الحرص على حرفيّته خطابا، وقد يعود ذلك لرواسب وعي ترجع حتّى إلى عهد ما قبل الإسلام، فضلا عن الاختلافات داخل الثقافة العربيّة المسلمة، ممّا يبرز تناقضا في هذا المستوى التشريعي داخل الذهنيّة العربيّة الإسلاميّة بين التمسّك بحرفيّة النصّ شكلا، ومخالفته ممارسة، والتعالي بآراء السّلف نظريّا، وتجاوزها عمليّا، ويقتضي الوصل بين خصوصّيّات حقوق المرأة في السياقات العربيّة الإسلاميّة وبين بعدها العالميّ، البحث في سبل تجاوز التناقضات الداخليّة للثقافة العربيّة من خلال إعادة قراءة مسلّماتها قراءة تحليليّة نقديّة، ومصالحتها مع خصوصيّة المرحلة التاريخيّة، من نحو مفهوم الشريعة الإسلاميّة وتاريخيّة أحكامها، فهل تعني مفردة شريعة في القرآن الأحكامَ الإلهيّة كما تمثّلتها الذهنيّة العربيّة الإسلاميّة؟ وهل النصّ القرآنيّ نصّ أحكام أم نصّ مبادئ وقيم؟ وهل الأحكام وإن تضمّنها النصّ الدينيّ الموسّع هي أحكام مجرّدة عن تاريخيّتها أم هي قواعد تعايش اقتضتها حاجيّات مجتمع له خصوصيّاته، وخاضعة للصيرورة التاريخيّة حتّى زمن الرسول عبر آليّة النّاسخ والمنسوخ؟

3- 2- تأصيل حقوق المرأة الاقتصاديّة في التفكير الدينيّ:

تُعدُّ مراجعة المفاهيم الدينيّة، والتنقيب في جذورها، وتقليب النّظر فيها باستمرار، في ضوء تطوّر علوم الإنسان ومعارفه، شرطا لتطوّر الوعي الجماعيّ المفضي إلى مصالحة المسلم مع التاريخ، والمفضي أيضا، إلى فهم الدين فهما تنويريّا، والتديّن تديّنا متفاعلا مع مشاغل مسلم اليوم. يقول عبد الكريم سروش “لا ينبغي القناعة بأيّ شيء قديم حتّى بالإيمان القديم وحتّى بالهداية القديمة… فهذه الأمور كلّها يجب أن تعاد دراستها من جديد انسجاما مع تطوّر الآفاق المعرفيّة للإنسان”[23]

ترجع حقوق المرأة في الميراث إلى الآيات القرآنيّة الواردة في سورة النساء المدنيّة وتحديدا الآيات 7و 11 و 12 و 176، وترجّح كتب التفسير وكتب أسباب النزول، أنّ آيات الميراث نزلت في حادثة زوجة سعد بن الربيع الذي استشهد في معركة أُحُد، ورفض أخوه تمكين ابنتيْه ممّا ترك والدهما من مال، فجاء الوحي الإلهيّ لإحقاق حقّ كان معدوما[24]، في سياق يروم الارتقاء بمنزلة المرأة الاجتماعيّة، إنسانا مكرّما، وتمكينها من حقوقها، ولكن بما لا يصدم الوعي الجمعيّ السائد.

 إنّ الآيات التشريعيّة، وإن نزلت من عالم الغيب، فإنّ منطلقَها ما أفرزه العمران البشريّ من نوازل قدّم الوحيُ حلولها وفق مبدأ التدرّج، ومنطق الصيرورة التاريخيّة والاجتماعيّة، وفي ضوء ثوابت الدعوة الدينيّة وأصولها القرآنيّة، دون تصادم مع السائد، كما الأمر في الآيات المتعلّقة بالخمرة.

 إنّ الأصل في النصّ الدينيّ تكريم الإنسان دون اعتبار نوعه الاجتماعيّ ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾  (إبراهيم 14/ 34)، وتُلْتمَس المساواة التامّة بين الرجل والمرأة في آيات التكليف ﴿يا أيّها الّذين آمنوا كُتبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكمْ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ﴾ (البقرة2/ 183)، وتُلتمَس المساواةُ التامّة أيضا، في آيات المسؤوليّة الفرديّة يوم الحساب أمام الله ﴿كلُّ نَفْسٍ بِمَا اكتسبت رَهِينَةٌ﴾ (المدثّر74/38)، ممّا جعل المفكّر السوداني محمود محمّد طه (1909- 1985) يؤكّد أنّ “الأصل في الإسلام المساواة التامّة بين الرجال والنساء”[25]، معتبرا أنّ القرآن نزل على مستوييْن: آيات الأصول، وآيات الفروع، آيات الأصول مكيّة تعلّقت بالتوحيد والمعاني الإنسانيّة السامية كالمساواة وإكرام الإنسان، أمّا الفروع فمدنيّة تراجعت فيها الأصول متضمّنة التشريع لتناسب طاقة المجتمع البشريّ زمنها، فالمجتمع العربيّ ذو البنية القبليّة والاقتصاد الرعوي زمن الوحي غير مؤهّل بعد لتقبّل مساواة المرأة مع الرجل مساواة تامّة، وهو الذي كان يئدُها حيّة، ففضّلت الرجال على النّساء، رغم أنّ المساواة هي الأصل كما الأمر في حريّة الإنسان التي هي الأصل في الآيات المكيّة، ولكن الآيات المدنيّة أقرّت نظام الرقيق لأنّ فئة العبيد والإماء الراجعة لبنية اجتماعيّة متوارثة، ولمشروطيّة اقتصاديّة في مجتمع رعوي، جعلت القرآن يختار مسايرة الواقع في أحكام العبد والأمة. وآيات التشريع بما في ذلك تلك التي تضمّنت دونيّة المرأة في الشهادة والميراث كلّها مدنيّة، لم يكن بوسع الإسلام فيها أن يلبيّ كل تطلّعات النّساء في تلك المرحلة، لأنّه يواجه نُظما اجتماعيّة واقتصاديّة وثقافيّة موروثة ومتماسكة البناء وإن شرع في الأخذ بها إلى ما حدّدته الآيات المكيّة، فإنّ المسار لم ينته.

 ليست المسألة آيةً تُنزّل أو حديثا يُروى، إنّما واقعا اجتماعيّا وثقافيّا يشكّل سقفا أعلى للعمليّة التغييريّة التي كان الإسلام يبشّر بها، وليس من السّهل القفز على محدّدات هذا الواقع وقيوده. اختار الدين الجديد مسايرة هذا الواقع، دافعا إيّاه في الوقت ذاته تدريجيّا نحو المساواة بين الرجل والمرأة، بدءا من حقّها في الحياة، إلى تخصيص نصيب لها في الميراث، وصولا إلى المساواة التامّة بينهما في جوهر الدين، أي العلاقة مع الله تكليفا في الدنيا ومحاسبة في الآخرة وهي الأهمّ، وليس تقسيم المواريث، والمساواة في الشهادة، والقوامة، إلاّ من عرضيّ الدين الذي حالت خصائص الواقع الاجتماعيّة والثقافيّة لتلك المرحلة من بلوغ منتهى المساواة فيه. وإذا تغيّرت خصائص الواقع وسماته الرئيسيّة في راهن المجتمعات العربيّة اليوم، وزال ما كان الأساس الماديّ لقوامة الرجل، ودخلت المرأة سوق الشغل، وأضحت مساهِمة في الإنفاق على الأسرة في بيت والديْها وفي بيتها، “ودلّت التجارب في هذا المجال بأنّ النساء إذا وجدنا البيئة الاجتماعيّة، وأُعطيت لهنّ الفرصة الاقتصاديّة، تصلن إلى مجتمع الريادة”[26]، فإنّ من الأصوب العودة إلى القاعدة والأصل والمبدأ الكلّي، وهو المساواة ، ولا يعتبر هذا بدعة، فقد أوقف عمرو بن الخطّاب رضي الله عنه آية المؤلّفة قلوبهم وحكْمها، لأنّ مبرّر عملها والحكم بها قد انتهى، ومبرّرات حكم الميراث الخاصّة بالمرأة قد ولّت، فلم التمسّك بها؟ ألمْ يتخلّ المسلمون اليوم عن أحكام العبد والأمة استجابة لخصائص الواقع وتغيّراته رغم حضورها في النصّ الدينيّ؟

تواجه هذه الرؤية تمثّلات إيمانيّة للشريعة الإسلاميّة باعتبارها، أحكاما إلهيّة مغلقة، ويقتضي منطق البحث غربلة المفاهيم، والتنقيب في الجذور بصورة مستمرّة لتجديد الإيمان، وتصويب التصوّرات السائدة وتدقيقها، مثل مفهوم الشريعة الذي يُعتبَر مركز التبئير في هذه المسألة. لم يكن النصّ القرآنيّ نصّ أحكام ولا تشريع لذلك كانت مفردة شريعة[27] أو مشتقّاتها ضامرة الحضور، ولم تتواتر فيه حسب محمّد فؤاد عبد الباقي في معجمه[28] إلاّ في ستّ مناسبات في قوله ﴿… لِكِلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَا﴾ (المائدة5/48) وقوله﴿…إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ (الأعراف7/163) و﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصّى بِهِ نُوحاً وَالذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْناَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدينَ…أَمْ لَهُمْ شُرَكاَءٌ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ (الشورى42/13-21) وذكرها في قوله﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا﴾(الجاثية 45/18)، وفسّر الزمخشري( ت  538ه) (أَنْ أَقِيمُوا الدِينَ وَلاَ تُتفَرِّقُوا فِيهِ) بقوله “والمراد إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء، وسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها فإنّها مختلفة متفاوتة”[29].

نستنج أنّ مفردة شريعة لا تعني القوانين الدينيّة[30]، بل إنّ أصل دلالتها قبل أن تشهد الانزياح الدلاليّ ذي المرجع اليهوديّ، هو المنهج والطريقة، فالشريعة مسار موضوع من قبل الله وعلى الإنسان أن يستكمله. ورد في مقال شريعة في دائرة المعارف الإسلاميّة، “ترادف صيغة شرعة المستعملة في (المائدة 5 /48) ﴿… لِكِلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَا﴾ المنهاج بمعنى المسار أو الطريق[31]، وقد سار الوحي في طريق تكريم المرأة ماديّا واجتماعيّا، وفي منهج إحقاق نصيبها في الميراث الذي كانت قبله محرومة منه، ويُفترض في مسلم اليوم استكماله، فروح الشريعة إنصاف للمرأة، وترقّ بها في سياق الإنسان الكامل، تكليفا وجزاء، فلئن كانت الأحكام والتكاليف مهمّة في المنظومة الدينيّة ، فإنّ روح الشريعة وأهدافها أهمّ. يقول عبد الرحمان بن خلدون “إنّ المطلوبَ في التكاليف كلِّها حصولُ ملكة راسخة في النفس ينشأ عنها علم اضطراريّ للنفس هو التوحيد وهو العقيدة الإيمانيّة وهو الذي تحصل به السعادة “[32].

إنّ الأحكام حسب الزمخشري، مصالح الأمم على حسب أحوالها، وهي متباينة، مكانا وزمانا، ولا ينعدم الدين بتغيّرها. والمهمّ في الدين الإسلاميّ الملكة الكابحة للّنفس لا الأحكام والعقوبات و” النبيّ لم يقهر العالم ولم يثر إعجاب الناس في المجتمعات الأخرى بما جاء به من أحكام الحيض والطلاق والميراث، إنّما الذي سخّر قلوب العرب للنبيّ وأثار إعجاب الآخرين، هو تلك التعاليم الأوليّة للإسلام والتي تمثّل جوهر الدين.. عبادة الله”[33]، والأهمّ في اعتقادنا من التمسّك بحرفيّة الأحكام، الالتزام بمنهج الرسالة الدينيّة، والسير على سبيلها في مستوى استخراج الأحكام استخراجا يسير بها نحو التطوّر والاستكمال، التزام مرجعه القرآن، وهدفه استنهاض الفضائل والقيم في الإنسان، لأنّ الإسلام دينا موجِّه الإنسان نحو القيم الإنسانيّة الأخلاقيّة “ولكنّه ليس بأيّة حال قائمة أحكام جاهزة صالحة… للمجتمعات الزراعيّة والتجاريّة”[34].

أمّا إذا نظرنا في ماهيّة الدين ومكوّناته في بعدها الشامل، فإنّ الدين وفق رؤية عبد الكريم سروش، بناء من ثلاث طبقات: في المركز مجموعة العقائد والرؤية الكونيّة للعالم، وحول هذا المركز الغطاء الأخلاقيّ، وحوله الغطاء التشريعيّ، وجميع أجزاء الإسلام التاريخيّة مثل الأحكام المتعلّقة بالمرأة كالميراث هي من الغطاء الثالث للدّين، فهي عرضيّة المنزلة لا جوهريّة المكانة، ولا يتغيّر الدين بتغيّرها لأنّها ليست من ذاتيّة الدين ولا من مركزه. إنّ النصّ الدينيّ متضمّن ” لمطلق ثابت يمكن وصفه بأنّه من الدين في ذاته، وما هو اجتماعيّ قابل للتغيير… والأخلاق الكليّة وحدها هي التشريع أو القانون المطلق في الدين وحين يقوم النصّ بإنزالها تطبيقا على الواقع متبنيّا خيارات اجتماعيّة فهو يعلن أنّ شقّا من البنية الدينيّة اجتماعيّ وبالتالي قابل للتطوّر”[35].

لن يفضي هذا التوجّه إلى إنكار الدين ولا التديّن، ولا الأحكام والتشريعات القرآنيّة، بل يفضي إلى “النّظر في علّة الأوامر والنواهي القرآنيّة والعبرة والحكمة منها”[36]، ومواصلة السير على منهجها في سنّ ما يحتاجه الجسم الاجتماعيّ من تشريعات لإحكام انتظامه بما يتناغم مع راهن المرأة المسلمة، ويضمن حقوقها الاقتصاديّة، وقد أضحت فاعلا اقتصاديّا. يقول عبد الكريم سروش في هذا السياق “الراسخون في العلم يعرفون جيّدا أنّ ممارسة الدين في التاريخ مقترنة بأحوال العمران بحيث أنه لو تبدّلت تلك الظروف والحالات إلى ظروف أخرى وحالات أخرى فإنّ تلك الأحكام تتبدّل”[37]. فتغيير تشريعات المعاملات لا يُلْحق ضيما بمجموعة العقائد جوهر الدين.

إنّ التشريع وليد الضغط الاجتماعيّ، فهو من النسبيّ لا المطلق في الدين، وليست التشريعات إلاّ إمكانيّة من إمكانات تطبيق ما رسمته الآيات المكيّة من مبادئ وقيم وركّزتها في الضمير الدينيّ، فأجراها التشريع في السياق الاجتماعيّ حكما متفاعلا مع المرحلة المدنيّة، وإن لم يبلغ منتهاه حتّى لا يصطدم مع البُنى السائدة، فإنّه رسم مقاصده وأهدافه في مسائل غير عقائديّة لتكون المتغيّرات في الجسم الاجتماعيّ كفيلة بالوصول إلى المنشود، ولمّا تغيّرت منزلة المرأة اجتماعيّا واقتصاديّا وعلميّا، فإنّ هذا التغيّر يستوجب لها حقوقا اقتصاديّة تقتضي تأصيلا ثقافيّا/دينيّا يستكمل ما خطّ الرسول الكريم أسسه.

4- تخلص الورقة البحثيّة إلى النتائج التالية:

  • الحقوق الاقتصاديّة للمرأة من مكتسبات العالم الحديث المغاير في مرجعيّاته الفكريّة والفلسفيّه وفي قيمه ومبادئه للعالم القديم.
  • عالميّة حقوق المرأة الاقتصاديّة نسبيّة لأنّ لا وجود للمرأة المجرّدة، بل إنّ الأعراف والتقاليد والنظم الأخلاقيّة تتلبّس بالمرأة أكثر من الرجل في كلّ الثقافات، لذا فإنّ هذه الحقوق تعاني صدّا حتّى في المجتمعات الغربيّة.
  • تحتاج حقوق المرأة الاقتصاديّة في المجتمعات العربيّة إلى تنوير الوعي الدينيّ لتحديث تمثل النصّ الدينيّ الموسّع، في رؤية عقلانيّة نقديّة تتسلّح بالتاريخيّة آليّة معرفيّة، وتُنسّب ما كان في المعاملات مطلقا.

5- قائمة المراجع والمصادر:

المراجع العربيّة:

الكتب:

  1. القرآن الكريم، رواية قالون .
  2. بوعلاقي (محمّد الصادق)، تجديد المقاربة الأكاديميّة التونسيّة في الفكر الديني: في المنطلقات والرؤى والحدود، ط1، دار شامة للنشر تونس 2020.
  3. تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعيّ للأمم المتحدة، الدورة الموضوعة لعام 2008 نيورك 30 حزيران – 25 تموز 2008.
  4. الجواد ياسين (عباس)، الدين والتديّن النصّ والتشريع والاجتماع، ط1، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت/ القاهرة، 2012.
  5. ابن خلدون (عبد الرحمان)، مقدّمة كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ط3، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، بيروت1967.
  6. الرشيدي (أحمد)، حوارات القرن جديد، حقوق الإنسان في الوطن العربيّ، طبعة دار الفكر المعاصر، دمشق سوريا، د- ت.
  7. الزمخشري (محمود بن عمر)، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، طبعة دار المعرفة بيروت، – د ت-.
  8. سروش (عبد الكريم) – السياسة والتديّن: دقائق نظريّة ومآزق عمليّة، تعريب أحمد القابنجي، ط1، دار الانتشار العربي، بيروت لبنان 2009ـ
  9. بسط التجربة النبويّة، ترجمة أحمد القابنجي، ط، دار الفكر الجديد، العراق 2006.
  10. – الشرفي (عبد المجيد) – الإسلام والحداثة، ط2، الدار التونسيّة للنشر، تونس، 1991.
  11. الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ط2، دار الطليعة، بيروت، تموز – يوليو، 2008.
  12. الغنوشي (راشد)، الحريات العامّة في الإسلام، ط1، مركز دراسات الوحدة العربيّة ، بيروت 1999.
  13. ابن عاشور (عاشور)، الضمير والتشريع: العقليّة المدنيّة والحقوق الحديثة، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب 1998.
  14. العشماوي (محمّد سعيد)، أصول الشريعة الإسلاميّة، ط4، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1986.
  15. علمي (نسرين)، تصحيح الانحياز السياسي ضدّ الحقوق الاقتصاديّة للمرأة العربيّة، ورقة معدّة لاجتماع مجموعة الخبراء النساء والتمكين الاقتصادي في التحولات العربيّة، المكتب الإقليمي للدول العربيّة التابعة لمنظّمة العمل الدوليّة بيروت 21 _ 22 ماي 2013.
  16. قطب (محمّد)، شبهات حول الإسلام، ط21، دار الشروق، القاهرة 1992.
  17. ابن كثير (اسماعيل بن عمر)، تفسير القرآن العظيم، طبعة دار ابن حزم، 2000.
  18. محمّد (حمو)، التنمية الاجتماعيّة النسويّة لتمكين المرأة اقتصاديّا وتحقيق ريادتمها في مجتمع الأعمال، ضمن كتاب، المرأة المغاربيّة بين مساعي التمكين وإكراهات الواقع، ط1، منشورات مركز تكامل للدراسات والأبحاث، مطبعة قرطبة، أكادير 2020.
  19. محمّد طه (محمود)، نحو مشروع مستقبلي للإسلام، ثلاثة من الأعمال الأساسيّة، ط1، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة 2012.
  20. الميساوي (محمّد)، حقوق الإنسان والحريّات العامّة بين القانون والتشريعات المحليّة، ط1، دار العرفان، أكادير المغرب 2016.
  21. النيسابوري (أبو الحسن على بن أحمد الواحدي)، أسباب النزول، طبعة منقّحة ومزيدة، تخريج وتدقيق عصام بن عبد المحسن الحميدان، طبعة دار الإصلاح، الدمّام د – ت.

المعاجم:

  1. معجم القانون مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة، طبعة  الهيأة العامّة لشؤون المطابع الأميريّة، القاهرة 1999.
  2. -محمّد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ط دار الكتب المصريّة، القاهرة 1364 هجريّا،.
  3. ابن منظور، لسان العرب ،ط1، دار صادر بيروت د – ت.

المراجع الأجنبيّة:

الكتب:

  1. Burdeau Georges, La Démocratie , Éd, Seuil, 1956 .
  2. Réseau international sur les droits économiques sociaux et culturels.
  3. Fiche d’information sur les D E SC des femmes Droits économiques, sociaux et culturels des femmes.

الموسوعات:

  1. Encyclopédie de l’islam, nouvelle édition, Leiden, Brill, 1998 .

المواقع الإلكترونيّة:

  1. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة.  http://hrlibrary.umn.edu/arab/b001.html
  2. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948

[1]– ابن منظور، لسان العرب، ط1، دار صادر بيروت، د – ت،  مادّة (ح،ق،ق).

[2]– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اعتُمِد ونُشِر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948   http://hrlibrary.umn.edu/arab/b001.html

[3]– Georges Burdeau, la démocratie, éd Seuil, 1956, p 98.

[4]– محمّد الميساوي، حقوق الإنسان والحريّات العامّة بين القانون والتشريعات المحليّة، ط1، دار العرفان، أكادير المملكة المغربيّة 2016،  ص 114.

[5]– انظر، تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة بتونس، المنشور على صفحة رئاسة الجمهوريّة التونسيّة بتاريخ 12 جوان 2018.

[6]– انظر، أحمد الرشيدي، حوارات لقرن جديد، حقوق الإنسان في الوطن العربيّ، وانظر، كتاب د محمّد عمارة، فلسفة الميراث في الإسلام.

[7]– عبد الكريم سروش، السياسة والتديّن: دقائق نظريّة ومآزق عمليّة، تعريب أحمد القابنجي، ط1، دار الانتشار العربيّ بيروت لبنان 2009، ص 23.

[8]– عياض ابن عاشور، الضمير والتشريع: العقليّة المدنيّة والحقوق الحديثة، ط1، المركز الثقافي العربيّ، الدار البيضاء المغرب 1996، ص 174.

[9]– عبد الكريم سروش، السياسة والتديّن: دقائق نظريّة ومآزق عمليّة، مرجع سابق، ص 212.

[10]-العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، اعتمدته الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر من سنة 1966 بموجب القرار 2200 (د – 21) ودخل حيّز التنفيذ في 3 جانفي 1976 بعد مصادقة 35 دولة وهو وليد تفاعل منظّمات عالميّة مختلفة منها منظّمة العمل الدوليّة التي دعت إلى ضرورة التنصيص على الحق في العمل. https://www.escr-net.org/ar

[11]– معجم القانون، مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة، طبعة الهيأة العامّة لشؤون المطابع الأميريّة، القاهرة 1999، ص 14.

[12]-المرجع نفسه، ص 26.

[13]–  تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعيّ للأمم المتحدة، الدورة الموضوعة لعام 2008 نيورك 30 حزيران – 25 تموز 2008، البند 14 (ز) من جدول الأعمال ، ص 9.

[14]– العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، مرجع سابق، ص 15.

[15]– Fiche d’ information sur les D E SC des femmes Droits économiques, sociaux et culturels des femmes, Réseau international sur les droits économiques sociaux et culturels, p 11.

[16]– نسرين علمي، تصحيح الانحياز السياساتي ضد الحقوق الاقتصادية للمرأة العربية، ورقة معدّة لاجتماع الخبراء “النساء والتمكين الاقتصادي في التحولات العربية، المكتب الإقليمي للدول العربيّة التابع لمنظمة العمل الدولي، 21- 22 ماي 2013، بيروت لبنان، ص 6. 

[17]– نسرين علمي، تصحيح الانحياز السياسي ضدّ الحقوق الاقتصاديّة للمرأة العربيّة، مرجع سابق ، ص 4.

[18]– راشد الغنوشي، الحريات العامّة في الإسلام، ط1، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت 1999، ص 41.

[19]– محمّد قطب، شبهات حول الإسلام، ط21، دار الشروق، القاهرة 1992، ص 136.

[20]– إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، طبعة دار ابن حزم 2000، ص 450.

[21]– المرجع نفسه، ص 451.

[22]– المرجع نفسه.

[23]– عبد الكريم سروش، السياسة والتديّن: دقائق نظريّة ومآزق عمليّة، مرجع سابق، ص 8.

[24]– أبو الحسن على بن أحمد الواحدي النيسابوري، أسباب النزول، طبعة منقّحة ومزيدة، تخريج وتدقيق عصام بن عبد المحسن الحميدان، طبعة دار الإصلاح، الدمّام ، د- ت،  ص 143- 144.

[25]– محمود محمّد طه، نحو مشروع مستقبلي للإسلام، ثلاثة من الأعمال الأساسيّة،ط1، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة 2012. ص 200.

[26]– حمّو محمّد، التنمية الاجتماعيّة النسويّة لتمكين المرأة اقتصاديّا وتحقيق ريادتمها في مجتمع الأعمال، ضمن كتاب،  المرأة المغاربيّة بين مساعي التمكين وإكراهات الواقع، ط1، منشورات مركز تكامل للدراسات والأبحاث، مطبعة قرطبة، أكادير 2020،  ص 113.

[27]– في حين “وردت كلمة شريعة بلفظها العبري في التوراة حوالي مائتيْ مرّة ويعتبر الفكر الدينيّ اليهوديّ من أهمّ عوامل شحن لفظ الشريعة العربيّة بمعاني قواعد التأثيم والجزاء الدينيّة في الفكر الإسلاميّ شحنا ولّد مصطلح “الشريعة الإسلاميّة”، “يظهر أنّه منذ تعريب العهد القديم من قبل سعيد بن يوسف الفيّومي المعروف بسعديا (ت 330هجريّا) أصبحت “شريعة” مكوّنا أساسيّا وقاسما مشتركا بين المعجميْن الدينيّيْن العبريّ والعربيّ.

– Encyclopédie de l’islam, nouvelle édition, Leiden, Brill, 1998 , p 331 .                       

[28]– محمّد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ط دار الكتب المصريّة، القاهرة 1364، ص 391.

[29]– الزمخشري، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، طبعة دار المعرفة بيروت، د – ت،ج 3، ص – ص 399 – 400..

[30]– انظر محمّد الصادق بوعلاقي، تجديد الفكر الديني من خلال المقاربة الأكاديميّة التونسيّة: في المرتكزات والرؤى والحدود، ط1، دار شامة للنشر تونس 2020.

[31]– Encyclopédie de l’islam, nouvelle édition, Leiden, Brill, 1998, p 332 .                             

[32]– عبد الرحمان ابن خلدون، مقدّمة كتاب العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر،ط3 ، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبنانيّة، بيروت 1967، ص- ص 827 – 828. 

[33]– عبد الكريم سروش، السياسة والتديّن: دقائق نظريّة ومآزق عمليّة، مرجع سابق، ص 303.

[34]– عبد المجيد الشرفي، الإسلام والحداثة،ط2، الدار التونسيّة للنشر، تونس 1991،  ص 180.

[35]– عبّاس الجواد ياسين، الدين والتديّن النصّ و التشريع والاجتماع،ط1، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت/ القاهرة 2012،   ص 8.

[36]– عبد المجيد الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ،ط2، دار الطليعة للنشر، بيروت تموز – يوليو 2008،  ص 73.

[37]– عبد الكريم سروش، بسط التجربة النبويّة، ترجمة أحمد القابنجي، طبعة دار الفكر الجديد، العراق 2006، ص – ص 82 – 83.

مقالات أخرى

ملامح السّرد المقاوم

التّعليم عن بعد

إشكاليّة العدالة والدّيمقراطية

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد