الملخّص:
احتفت الثّقافة العربيّة لا سيّما في الفترة الممتدّة بين القرنين الثّاني والسّادس للهجرة بعمليّة التّخاطب، فتنوّعت المؤلّفات وتعدّدت الدّراسات النّحويّة والأدبيّة والبلاغيّة التي ضبطت جملة من القوانين المسيّرة لمبدإ التّفاهم الخاضع بدوره لمفهوم النّظام والانسجام داخل اللّغة المستعملة. وهو ما من شأنه أن يضمن للخطاب تبليغ مقاصده، إذ الغرض ممّا نقول هو “الفهم والإفهام”. وعلى هذا الآساس خُلق النّظام النّحوي والنّظريّة النّحويّة العربيّة بمستوياتها المختلفة (الصّوتيّة والصّرفيّة والمعجميّة والتّركيبيّة والدّلاليّة) للإبانة عن المعاني. وهنا تبرز مكانة “الإعراب” الذي يحتلّ المركز فيها، “إذ عُلم أنّ الألفاظ مغلقة على معانيها حتّى يكون هو الذي يفتحها، وأنّ الأغراض كامنة فيها حتّى يكون هو المستخرج لها” على حدّ عبارة “عبد القاهر الجرجاني”. وهذا ما سنعمل على إبرازه في هذه الورقة البحثيّة التي سنركّز فيها على قيمة الإعراب في مستوى التّفريق بين المعاني.
كلمات مفاتيح: الإعراب، النّظريّة، النّحو، المعنى، النّظام.
Abstract:
Communication was celebrated in the Arab civilization especially between the second sixth centuries of “alhijra”. As a result, there was a great variety in writings and grammatical, literary and rhetorical studies that regulated a range of rules guiding the principle of understanding which in turn adhered to the concept of coherence and cohesion with the language in use. This was meant to make discourse meaningful as the end was to achieve understandability. In this light, the grammatical system and theory were devised- at several levels: (phonetics, conjugation, lexic, syntax and semantics. . .) to unveil the meanings. Here emerges parsing as at the heart of the aforementioned theory, “It has been known that meanings remain detained in their terms until parsing comes in to decipher them and that intentions are latent within until it elicits them”, as “ABDALKAHER ALJORJANI” puts it. This paper is intended to highlight the importance of parsing in the distinction between meanings.
Key words: parsing, theory, grammar, meaning, system.
1- المقدمة:
يُعتبر المعنى من القضايا المهمّة التي شغلت النّحاة القدامى، وقد قادتنا آراؤهم في مفهوم النّحو إلى أنّ المعنى يتحقّق في التّركيب أو البنية النحويّة بما هي علاقة تعلّق بين الألفاظ ومعانيها في سلك النّظْم، وبين الواجد العامل الأوّل (المتكلّم)، والموجود أو المعمول (الكلام). وهنا تظهر المكانة الأساسيّة “للإعراب” “لأنّه لبّ الإبانة عن روح المعاني”، ذلك أنه ينتج عن عوامل نحويّة تحدّد محلاّت ومواقع الألفاظ. وهذا الأمر مفيد لرفع اللّبس والغموض.
وبناءً عليه تمّ اعتباره في النظريّة النحويّة العربيّة حجر الأساس الذي تنبني عليه دلالة اللّفظ على المعنى، وهو مركز “علم النّحو”. وتظهر أهمّيته من خلال تحكّمه في مختلف المعاني الموجودة في مستويات اللّغة (تصريفيّة، معجميّة، تركيبيّة خاصّة)، وعلى هذا الأساس يمكن القول إنّ الإعراب بما هو اختلاف اللّفظ في الحركات يدلّ على اختلاف المعاني النفسيّة التي يُرفع عنها الإبهام في ذهن المتلقّي، وبذلك يُعتبر هامّا للفصل بين المعاني وهو ما من شأنه أن يُبعد الغرابةَ عن كلام المتكلّم العامل. فماهي مظاهر هذه المركزيّة؟
2- المستويات النحويّة ومركزيّة الإعراب فيها:
من أبرز الأمثلة على أهميّة الإعراب ما ذكره ابن قتيبة في كتابه “تأويل مشكل القرآن”، إذ يقول: «ولو أنّ قارئا قرأ: ﴿ فَلاَ يُحْزِنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّون وَمَا يُعْلِنُونَ﴾[1]، وترك الابتداء بـ”إنّ” وأعمل القولَ فيها بالنّصب على مذهب من ينصب “أنّ” بالقول كما ينصبها بالظنّ، لَقَلَبَ المعنى عن جهته وأزاله عن طريقته، وجعل النبيّ محزونا لقولهم: “إنّ الله يعلم ما يُسرّون وما يعلنون”، وهذا كفر ممن تعمّده وضرب من اللّحن لا تجوز الصلاة به، ولا يجوز للمؤمنين أن يتجوّزوا فيه… أفما ترى الإعراب كيف فرّق بين هذين المعنيين»[2]، حتّى أنّ صاحب “الكتاب” سيبويه قد خصّه بباب وسمّه بـ”باب مجاري أواخر الكلم من العربيّة”، وذكر فيها ثمانية مجار طبقا لقوله: «وهي تجري على ثمانية مجار: على النّصب والجرّ والرّفع والجزم والفتح والكسر والضّمّ والوقف»[3]، ويمكن تلخيص هذه المجاري في أربعة محلاّت وهي الرّفع والنّصب والجرّ والجزم، وقد فسّر سيبويه هذه المجاري في قوله: «إنّما ذَكرتُ لك ثمانية مجار لأفرّق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة لما يحدث فيه العامل وليس شيء منها إلاّ وهو يزول عنه، وبين ما يُبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل التي لكلّ عامل منها ضرب من اللّفظ في الحرف وذلك الحرف حرف الإعراب»[4]، ومن أمثلة ذلك:
- “جاءَ زيـدٌ”.
- “رأيتُ زيـْدًا”.
- “مَرَرْتُ بـزيدٍ”.
- “لمْ يأْتِ زيـدٌ”.
فالرّفع والنّصب والجرّ والجزم محلاّت إعرابيّـة تفرّق بين معاني الألفاظ المكرّرة، «فالرّفع مثلا علم الفاعليّة أي علامتها»[5]، على حدّ عبارة الرّضي الاستراباذي الذي عرّف المعرب بقوله: «سُمّي المعرب معربا لأنّ الإعراب إبانة المعنى والكشف عنه»([6]). وقد اشترط في ذلك مجيء الإعراب في آخر الكلمة للدلالة على وظيفتها النحويّة النظميّة حتى أنّ علامات الإعراب تدخل على الاسم مثلا فتجعله منتميا إلى عمدة الكلام أو فضْلته، يقول في هذا السّياق: «إنّما جُعل الإعراب في آخر الكلمة لأنه دالّ على وصف الاسم أي كونه عمدة أو فضلـة»[7]، وبذلك فعلْم الإعراب مهمّ في الفصل بين معاني الألفاظ، «إذ يبيّن فاضلَها من مفضولها»[8].
وانطلاقا من تعريف سيبويه للإعراب جاءت عدّة دراسات أخرى متوسّعة في مفهومه، إذ هو «تغيير يلحق أواخرَ الكلم»[9]. فقد أفرده ابن جنيّ بباب مستقلّ في كتاب “الخصائص” وسمّه بـ”باب القول على الإعراب”، معرّفا إيّاه تعريفا مهمّا بقوله: «هو الإبانة على المعاني بالألفاظ»[10]، محدّدا موقفه من ذلك في أمثلة:
“شكرَ سعيدا أبوه “أكرمَ سعيدا أباه”
⇓ ⇓
” الرّفع للفاعل + النصّب للمفعول
⇓
الإفادة والوضوح
وتبعا لذلك يقول: «أعربتُ عن الشيء إذا أوضحتُ عنه وفلانٌ مُعرب عمّا في نفسه، أي مبين له وموضّح له»[11].
وتظهر الغاية الأساسيّة من استعمال المتكلّم للإعراب في توضيح المعاني وبيانها تحقيقا للفائدة أو الإفادة، حتّى أنّ “السيوطي” اعتبره تمييزا للمعاني، إذ يقول في كتاب “المزهر في علوم اللغة وأنواعها”: «الإعراب فيه تميّز المعاني وفيه يوقف على أغراض المتكلّمين وذلك أنّ قائلا لو قال غير معرب:
- “ما أحسن زيد”، لم يوقف على مراده، فإذا قال:
- “ما أحْسَنَ زيدًا!”
- “ما أحسنُ زيـدًا؟”
- ” ما أحسنَ زيدٌ
أبان بالإعراب عن المعنى الذي أراده، فالعرب يفرّقون بالحركات وغيرها بين المعاني»[12].
والملاحَظ ممّا سبق أنّ النحاة مجمعون على أهميّة الإعراب في تبيان المعنى، ولذلك طرحوا مجموعة من القضايا المتّصلة بمعنويته ودور التعلّق والمتكلّم في الإعراب عن المعاني، وقد علّلوا سبب دخول الإعراب في الكلام «فلولاه ما مُيّز فاعل من مفعول، ولا مضاف من مضاف إليه، ولا تعجّب من استفهام، ولا نعت من تأكيد»[13].
وتأسيسا على ما تقدّم يمكن القول إنّ “الإعراب” عند النحاة هو “مفتاح المعاني التركيبيّة” في اللّغة العربيّة، وهو ضروريّ للفصل بين الوحدات المعجميّة ووظائفها داخل الجملة من أجل زيادة الوضوح والبيان. ولا اختلاف إذن في أنه يمثّل عمود المعنى من خلال حسن البيان والإبلاغ، وفي هذا السّياق يقول أبو القاسم الزجّاجي: «الإعراب أصله البيان، يُقال أعْرَبَ الرّجلُ عن حاجته إذا أبان عنها، ورجلٌ مُعْرِبٌ، أي مُبينٌ عن نفسه»[14].
لا غرو أن يرتكز اهتمام بعضهم إذن على الإعراب دون غيره من مستويات النظام، فيعرّف به النحو، بل يجعل المصطلحين مترادفين وهو ما عبّر عنه “الزجّاجي” بقوله: «ويُسمّى النّحوُ إعرابا والإعراب نحوا سماعا لأنّ الغرض طلب علم واحدٍ»[15].
وهذه الخصيصة (الإعراب) محوريّة لأنها تخوّل للمتكلّم العامل التصرّف في مواقع الألفاظ بالتّقديم تارة وبالتّأخير تارة أخرى، وهو ما أكّده العسكري في كتاب “الصناعتين” بقوله: «ينبغي أن ترتَّب الألفاظ ترتيبا صحيحا، فنقدّم منها ما يحسن تقديمه ونؤخّر منها ما يحسن تأخيره»[16] دون الوقوع في اللُّبس وهو ما يتحاشاه المتحاورون باللغة، إذ القصد من الكلام هو التواصل والإفهام لا الغرابة والتعقيد المعنوي، ومن أمثلة ذلك: الفروق في الخبـر:
«”زيـدٌ منطلِقٌ” | “زيـدٌ هو المنطَلِقُ”
“زيـدٌ ينطلِقُ” | “زيـْدٌ هو منطلِقُ”
زيـدٌ المنطَلِقُ” | “ينطلقُ زيـدٌ”»[17].
“المنـْطَلِقُ زيدٌ” |
لقد فهم عبد القاهر الجرجاني هذه المنزلة المحوريّة الرّفيعة للإعراب، إذ عبّر عنها في مصنّفه “دلائل الإعجاز” معتبرا أنّ الإعراب مفتاح معاني الألفاظ: «قد عُلم أنّ الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها وأنّ الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها، وأنّه المعيار الذي لا يُتبيّن نقصان كلام ورجحانه حتى يُعرض عليه، والمقياس الذي لا يُعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه»[18]، ونذكر هنا مثلا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ ﴾[19]، ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِئٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾[20]، فلو قمنا برفع لفظ الجلالة في المثال الأوّل ونصب لفظ رسوله في المثال الثاني لصار المعنى:
– أنّ الله هو الذي يخشى العلماءَ ويخاف منهم.
– أنّ الله بريء من المشركين ومن رسوله أيضا.
ألا ترى كيف فرّق الإعرابُ بين هذه المعاني المتباينة، وما العلامات الإعرابيّة إلاّ وسيلة لتلك المعاني.
لقد انبنت النظريّة العربيّة على فكرة أساسيّة مفادها أنّ مركز النحو هو الإعراب الذي يتّصل بدوره بمفهوم العامل والمعمول أو المسند والمسند إليه، وما ينجرّ عنهما من معان، وهذه الفكرة الرّئيسيّة أكّدها الأستاذ خالد ميلاد بقوله: «إنّ العمل الإعرابيّ مفهوم اعتمده النّحاة لتعليل ظاهرة الإعراب الذي اعتبروه معنى يأتلف بالتّركيب والتعلّق واختلاف الحركات»[21]، وعليه، فالعمل والإعراب هما العاملان الرئيسيان المحقّقان لتناسب العناصر داخل التّركيب بقوله: «ليس العمل في عُرف نُحاتِنا سوى معنى أثمرته العلاقة المجرّدة بين العامل والمعمول، حيث تكون العلاقة المولّدة هي الإسناد»[22]، وهذه العلاقة الإسناديّة كما بيّنها النحاة العرب تقوم على الفائدة أو الإفادة وبالتالي تؤدي إلى معنى.
وقد كان الاستراباذي في “شرح الكفاية في النّحو” واعيا كلّ الوعي بأهميّة العامل، ولذلك حدّد الهدف من وجوده بقوله: «العامل هو ما به يتقوّم المعنى»[23]، ففي الجملة التالية:
انطلقَ الـرّجُلُ
↓
مسند عامل →← مسند إليه معمـول
يتحدّد المعنى المجرّد الحاصل من جمع العامل مع المعمول (المسند+ المسند إليه)، وبذلك تمّ اعتبار أنه «لا بدّ لكلّ عمل من عامل»[24]، فعمل الإخبار في المثال السابق يحققه وجود العامل والمعمول، أي وجود الإسناد المفيد، وهو ما أثبته الأستاذ خالد ميلاد بقوله: «فالفعل هو العامل في الفاعل وأنه بتمامه يكون عاملا في المفعول، وذهبوا إلى أنّ الفعل هو أوّل العوامل وأقواها، كما ذهبوا إلى أنّ الحرف يليه في العمل… ومعنى الحرف لديهم متأتّ من كونه يتضمّن معنى الفعل»[25]، مثال:
1 | نجـح زيـدٌ | الإخبار عن نجاح زيدٍ | الإخبـار |
2 | قد نجحَ زيـدٌ | التأكيد على نجاح زيدٍ | |
3 | lهل نجحَ زيـدٌ؟ | الاستفهام عن نجاح زيدٍ | الإنشـاء |
4 | أ نجحَ زيـدٌ! | التعجّب من نجاح زيدٍ | |
5 | لم ينجحْ زيـدٌ | نفي نجاح زيـدٍ | |
6 | سينجحُ زيـدٌ | استشراف نجاح زيدٍ |
فالملاحَظ في هذه الأبنية النحويّة أنها أوّلا من إنشاء المتكلّم، وثانيا أنها تقوم على علاقات إسناديّة، وثالثا أنّ العلاقة بين العامل (المسنَد) والمعمول (المسند إليه) داخلها يحتلّ فيها الفاعل محلاّ قارّا لا يتغيّر رغم تغيّر الحروف الطارئة على الفعل (قد، هل، لم، الألف، السّين)، فضلا عن أنّ العلاقة بين عنصري العمدة في الجمل المختلفة بقيت محافظة على بنيتها واستقرارها «وإن تصدّرها ما تصدّرها من الأعمال المختلفة الطارئة عليها»[26]. وما الأعمال النحويّة الموجودة فيها (الإخبار، التأكيد، الاستفهام، التعجّب والنفي والاستشراف)، إلاّ «أعمالا إعرابيّة يؤلّفها المتكلّم ليحكم بها أو يسأل أو يأمر أو ينادي، أو ينفي أو يتعجّب»[27]، والحروف الموجودة فيها ليس لها أيّ معنى وهي مفردة بل يتحدّد معناها فيما يتعلّق بها من أفعال وألفاظ، ولذلك «اعتبرها النحاة آلة العامل المتكلّم وفعله الذي يعمل فيها بعده مما له به تعلّق وارتباط»[28]. وبناء على هذا الأساس، «فالعمل النحوي في الحقيقة إنّما هو عمل المتكلّم وما الإعراب إلاّ علامات من آثار عمل المتكلّم العامل المعرب بواسطة الإعراب ومضامّة الألفاظ للألفاظ، فتأليف الإعراب هو العمل النحوي الذي يُنجزه المتكلّم العامل، وهذا العمل المنجز هو المعنى المحصّل من تأليف الإعراب وهو القصد»[29]. وهذا الأمر نلخّصه في المنوالين التاليين:
ومن هذا المنطلق نستنتج أنه «كلّما تعلّق اسم باسم أو فعل باسم، دلّ ذلك على إنشاء نحويّ يُحدثه المتكلّم حينما وُجد ذلك التعلّق»[30].
وهذا الأمر يبرز دور المتكلّم في بناء الكلام، فهو «المعرب العامل الحقيقي المختفي وراء الألفاظ والعلامات الظاهرة»[31].
ونظرا لأهميّة العوامل في استغناء الكلام وقيام المعنى، فإنّ ابن جنيّ قد قسّمها في كتاب “الخصائص” إلى نوعين في قوله: «إنّما قال النحويّون… عامل لفظيّ وعامل معنويّ ليروْكَ أنّ بعض العمل يأتي مسبّبا عن لفظ يصحبه، كـ”مررتُ بزيد”، و”ليتَ عمرا قائمٌ”، وبعضه يأتي عاريا من مصاحبة لفظ يتعلّق به، كرفع المبتدأ بالابتداء ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم، هذا ظاهر الأمر… فأمّا في الحقيقة ومحصول الحديث، فالعمل مع الرّفع والنّصب والجرّ والجزم إنّما هو للمتكلّم نفسه لا شيء غيره…. فتقول: رفعتُ هذا لأنه فاعل، ونصبتُ هذا لأنه مفعول، فهذا اعتبار معنويّ لا لفظيّ»[32].
فالعمل كما ذهبنا إلى ذلك سابقا هو ما يحدثه المتكلّم من آثار في الألفاظ عبر ضمّها إلى بعضها البعض في بنية واحدة مجرّدة تراعى فيها جملة من الاعتبارات كالتذكير والتأنيث، التعريف والتنكير، التقديم والتأخير، الفصل والوصل… وكلّ هذه الاعتبارات يتدخّل فيها “مبدأ المناسبة” الضامن لائتلافها داخل التركيب والبنية النحويّـة.
2- 1- مقولة الجنس:
تُعتبر مقولة الجنس من أهمّ المقولات في مختلف المستويات النحويّـة (صوتيّة، معجميّة، صرفيّة، تركيبيّـة…)، وتبرز هذه الأهميّة في سياق تلازم المعنى المقالي والمعنى المقامي، وذلك في إطار عمليّة التواصل بما هي عمليّة نظميّة نحويّة أوّلا، وعمليّة تداوليّة ثانيا.
وتضطلع هذه المقولة بدور تمييزي، إذ يمكن من خلالها التمييز بين الوحدات المعجميّة (تذكيرها وتأنيثها)، سواء كان ذلك في مستوى العلامات أو الأصوات أو في مستوى تعالق وحدات التركيب من جهة انسجام عناصره وفق “مبدأ المناسبة”. وهذا الأمر يؤكّد التلازم بين صفة التأنيث للمؤنّث، وصفة التّذكير للمذكّر، وهو ما يُثبت بدوره شدّة الترابط بين الصفة والشخص، مثلا:
- “مررتُ بزيد الظريف” انتظام البنية النحويّة وفق نسق متكامـل متشاكل.
- “مررتُ بالمرأة الظّريفـة”
وبهذا المعنى تتجلّى لنا أهميّة سمة “العلائقيّة” بين المبنى والمعنى ضمن العُرف الاجتماعي الذي يدور فيه الخطاب وملابسات استعمال الوحدات المعجميّة.
ومن أبرز الأدلّة على أهميّة مقولة الجنس في بناء الفائدة أنّ النحاة العرب جعلوا مثلا “تاء” التأنيث في الفعل الماضي (ذهَبتْ، أكلتْ، خرجتْ…)، و”تاء” التأنيث في الفعل المضارع (هي تخرج، هما تخرجان)، إضافة إلى: حرف الهاء + الفتحة الطويلة، ضربتها – عاقبتُها…
هذا إلى جانب:
– التمييز بين المذكّر والمؤنّث في الصّفات والمشتقات: سليم/سليمة، قائل/قائلة، فرح/فرحة…
– التمييز بين المذكّر والمؤنّث في اسم الجنس: نحل/نحلة، ورد/وردة…
وضمن هذا المجال أكّد العلماء العرب على أهميّة جنس الكلمة (مؤنث، مذكّر) في السّياق التركيبي الذي قلنا أنّ الإسناد يضطلع فيه بدور أساسي في بناء الفائدة، فقولنا مثلا:
- زيـدٌ تضحكُ.
- بشرى يضحك.
لا صحّة له من جهة “التناسب” الذي هو تطابق في الجنس.
وبهذا المعنى يصبح الجنس في إطار “المناسبة والتناسب” مقوّما أساسيّا من مقوّمات ضمان الفائدة والمقصد المراد من التّأليف، أي ضمان إبلاغيّة الرسالة والخطاب، ومن ثمّة تمّ اعتباره من أوكد العناصر المساهمة في اتّساق الجملة وترابطها.
ومن هنا نستنتج أنّ “مبدأ المناسبة” يوجّه مقولة الجنس النحوي في التركيب ويساهم في التحام عناصر التأليف، ولذلك يعتبر التذكير والتأنيث شكلا نحويّا بيانيّا في الآن ذاته في إطار العرف الاجتماعي الذي يقوم على مصطلحات التواضع والتواطؤ التي هي من مرادفات المناسبة في الاستعمال.
2-2- ظاهرة التعيين (التعريف/التنكيـر):
اهتمّ النحاة العرب بظاهرة التّعيين باعتبارها من مقوّمات تحقّق المعنى والفائدة في الكلام، فقد تحدّث عنها سيبويه في معرض حديثه عن الإسناد، حيث اشترط في المبتدأ (المسند إليه) أن لا يكون “نكرة محضة” تجنّبا للّبس وابتعاد الخطاب عن مقصده وهو ما نجده في الأمثلة التالية:
– كان إنسانٌ حليما
– كان رجلٌ منطلقا
على اعتبار أنّ الجملتين غير مفيدتين للسّامع، ومن ثمّة فهما لاحنتان، والعرب في سلوكهم هذا المسلك في أحاديثهم كرهوا أن يقربوا باب لبُسَ أي كرهوا أن يبدؤوا بما فيه اللّبس لئلاّ يقع تشويش على المخاطَب في تلقّي الرسالة الإبلاغيّة»[33].
وبناء على فكرة سيبويه فقد توسّعت الدراسات النحويّة العربيّة، فعبد القاهر الجرجاني على وجه الخصوص في “دلائل الإعجاز” مثلا خصّص جزءا لظاهرة التّعيين محلّلا فيه الفروق النّاتجة عن هذه الظاهرة. ومن أمثلة ذلك الفروق في الإثبات، «أنّك تقول زيدٌ منطلقٌ وزيدٌ المنطلق، والمنطلق زيد، فيكون لك في كلّ واحد من هذه الأحوال غرض خاصّ وفائدة لا تكون في الباقي: اِعلمْ أنّكَ إذا قلتَ:
- زيـدٌ منطق: كان كلامك مع من لم يعلم أنّ انطلاقا كان لا من زيد ولا من عمرو فأنتَ تفيد ذلك ابتداءً.
- زيدٌ المنطلق: كان كلامكَ مع من عرف أنّ انطلاقا كان إمّا من زيد وإمّا من عمرو، فأنت تعلمه أنه كان من زيد دون غيره»[34].
وكذلك قوله في الصّفة: «جاءَني رجلٌ ظريـفٌ، مررتُ بزيد الظّريفُ»[35].
فلو قلنا “جاءني رجل الظريفُ”، و”مررتُ بزيد ظريفٌ” لاختلّ توازن الجملة ومعناها، ومن هذه الأمثلة نتوصّل إلى أنّ “مفهوم المناسبة” مهمّ لاستقامة المعنى من خلال توظيف ظاهرة التّعيين (التعريف والتنكير) في الكلام.
2- 3- التقديم والتأخير:
يُعتبر مبحث التقديم والتأخير من المباحث الأثيرة في النظريّة النحويّة العربيّة لاسيما في المستوى التركيبي الإعرابي القائم على ائتلاف الألفاظ وفق قوانين النحو وضوابطه، إذ يمكن للمتكلّم العامل الأوّل التّصرّف في مواضع ورتب الألفاظ بتقديم ما يحسن تقديمه وتأخير ما يحسن تأخيره –على اعتبار أنّ عدّة معان كالنفي والتعجّب والأمر والاستفهام والإثبات والنّداء تتناوب على الجملة- . وفي هذا السّياق يقول محمد الشاوش محدّدا وظيفة التقديم والتأخير: «للتقديم والتّأخير دور حاسم في تحديد المعنى الحاصل من الجملة وذلك بتحكّمها في تحديد حيّز المعنى الحاصل من الجملة إثباتا ونفيا واستفهاما وأمرا ونهيا»[36].
وقد ذكره سيبويه في “باب الفاعل الذي يتعدّاه فعله إلى مفعول”، ومن ذلك قولك: «ضربَ زيدا عبدُ الله، لأنّك إنّما أردتَ به مؤخرا ما أردتَ به مقدّما، ولم ترد أن تشغل الفعل بأوّل منه وإن كان مؤخّرا في اللّفظ»[37].
وجعل له ابن جنيّ فصلا كاملا اصطلح عليه “فصل في التقديم والتأخير”، مقسّما إيّاه إلى ضربين: “أحدهما يقبله القياس”، و”الأخر يسهّله الاضطرار”، وضرب لذلك جملة من الأمثلة:
- « كتقديم المفعول على الفاعل:
– ضرب زيـدا عمرو
– زيـدًا ضرب عمرو
- تقديم الظّرف :
- قام عندكَ زيدٌ
- عندكَ قام زيـدٌ
- يوم الجمعة سـارَ
- تقديم الحال:
- جاءَ ضاحكًا زيـدٌ
- كذلك الاستثناء:
- ما قام إلاّ زيدًا أحدٌ»[38].
فالملاحَظ أنّ بنية الجمل قد تغيّرت، ولكن المحلاّت الإعرابيّة حافظت على خصوصية الكلمات التي تمّ تأخيرها وتقديمها، فالفاعل بقي فاعلا والمفعول بقي مفعولا… مثال: «طمعا في بِرّكَ زرْتُكَ»[39]، إذ تمّ تقديم المفعول لأجله على الفعل والفاعل والمفعول به.
كذلك عبّر ابن يعيش عن فكرة التقديم والتأخير في “شرح المفصّل”، إذ يقول: «يجوز تقديم الخبر على المبتدأ… مثال: قائم زيدٌ، ذاهبٌ عمرو»[40]، دون إخلال ببنية الجملة ومعناها.
وتدعّم مبحث التقديم والتأخير عند عبد القاهر الجرجاني في نظريته في المعنى، القائمة على النظم والنحو والتركيب، فرأى في كتابه “دلائل الإعجاز” أنّ التقديم والتأخير: «باب كثير الفوائد، جمّ المحاسن، واسع التصرّف… يُفضي بك إلى لطيفة، ولا تزال ترى شعرا يروقك مسمعه ويلطف لديك موقعه، ثم تنظر فتجد سبب أن راقكَ ولطف عندك أن قُدّم فيه شيء وحُوّل اللّفظُ عن مكان إلى مكان»[41]. ويأتي التقديم عنده على وجهين: «تقديم يُقال إنه على نية التأخير، كخبر المبتدإ إذا قدّمته على المبتدإ، والمفعول إذا قدّمته على الفاعل: “منطلق زيد”، “ضرب عمرا زيد”. والثاني تقديم لا على نية التأخير ولكن على أن تنقل الشيء من حكم إلى حكم كتقديم المفعول على الفعل فيصبح فاعلا: زيدا ضربتهُ»[42].
وهذا المبحث حسب الجرجاني يأتي به المتكلّم العامل الأوّل لتبيين موقع الفائدة في الكلام أولا، ويأتي به ثانيا للتّفريق بين المعاني المتباينة التي تدور في ذهن المتكلّم العامل والتي يريد تبليغها إلى المتلقّي… وفي هذا السياق تطرّق الجرجاني إلى جملة من الأصناف التي يدخل فيها التقديم والتأخير، وهو ما نلخّصه في الجدول التالي:
موضع التقديم والتأخيـر | المثـال | المعنـى | الصفحة في “دلائل الإعجاز” |
تقديم المسند إليه مع الاستفهام التقريري والإنكاري | “أأنتَ قلتَ هذا الشّعرَ؟”. | “أنكرتَ أن يكون القائل ولم تنكر الشعرَ”. | 89-90 |
التقديم والتأخير في الاسم والمضارع مع الاسم | – “أأنتَ تفعل؟”. – “أ هو يفعل؟”. | “كنتَ وجّهتَ الإنكارَ إلى نفس المذكور وأبيت أن تكون بموضع أن يجيء منه الفعل”. | 92 |
تقديم المفعول على الفعل مع الاستفهـام | “أزيدًا ضربتَ؟”. | “كنتَ قد أنكرتَ أن يكون زيد بمثابة أن يُضرب أو بموضع أن يجترأ عليه…” | 95 |
التقديم والتأخير مع النّفـي | – “ما فعلتُ”. – “ما أنا فعلتُ”. | – “نفيتُ عنكَ فعلا لم يثبت أنه مفعول”. – “كنتَ نفيتَ عنك فعلا ثبت أنه مفعول”. | 96 |
التقديم والتأخير : المفعـول المنفيّ | “ما زيدا ضربتُ”. | “كان المعنى على أنّ ضربا وقع منك على إنسان وظُنّ أنّ ذلك الإنسان زيد فنفيت أن يكون إيّاه”. | 98 |
تقديم النّكرة على الفعل وعكسه | – “أَ رجُلٌ جاءك؟”. – “أرجُلٌ كنتَ عرفتَه من قبل أعطاكَ هذا أم رجلٌ لم تعرفه؟”. | – “تسأله عن جنس من جاءَه أَرجلٌ هو أم امرأة”. – “كان السّؤال عن المعطي أكان ممن عرفته قبل أم كان إنسانا لم تتقدّم منه معرفة”. | 109 |
وهذه الفروق في المعنى حسب الجدول نابعة من مبدأ التقديم والتّأخير وبذلك نقول: «إنّ التّقديم والتّأخير لا يأتي لإبراز الفائدة في الكلام أو عدم الفائدة فقط، وإنّما يأتي لتمييز المعاني المختلفة التي تدور في ذهن السامع والتي يريد إيصالها إلى المستمع»[43] شريطة أن تكون البنية النحويّة جارية على “قانون المناسبة” وقواعد النّحو والنّظم الصّحيح.
2- 4- الفصل والوصل:
هذا المفهوم نجد آثاره خاصّة عند صاحب كتاب “دلائل الإعجاز في علم المعاني”، إذ بيّن أنه «قد بلغ من قوّة الأمر في ذلك أنهم جعلوه حدا للبلاغة، فقد جاء عن بعضهم أنه سُئل عنها فقال: معرفة الفصل والوصل»[44]. ومن أمثلة ذلك قولكَ:
– «”زيـدٌ طويل القامة وعمرو شاعرٌ”: كان خلافا لأنه لا مشاكلة ولا تعلّق بين طول القامة وبين الشعر، وإنّما الواجب أن يُقال: “زيدٌ كاتبٌ وعمرو شاعر”، “زيدٌ طويل القامة وعمرو قصير”»[45].
أفلا ترى كيف ساهم حرف العطف “الواو” في وصل الكلام بعضه ببعض حتى أدّت الجملة بأكملها معنى مفيدا يقبله النظام العام للتّواصل اللّغوي.
ومن بين الحروف الأخرى التي لا تفيد أيّة معنى وهي منعزلة عن سياق التركيب نذكر “الفاء”، “ثم”، “أو”… فتظهر أهميّتها في التركيب واستعمالها المخصوص داخل النظام النحوي، فإذا قلتَ:
– «أعطاني فشكرتُهُ ← ظهر بالفاء أنّ الشكر كان معقّبا على العطاء مسبّبا له.
– خرجتُ ثم خرج زيد ← أفادت “ثم”ّ أنّ خروجه كان بعد خروجك وأنّ مهلة وقعت بينهما.
– يعطيكَ أو يَكْسوكَ ← دلّت “أو” على أنه يفعل واحدا منهما لا بعينه.
– مرَرْتُ برجل خُلُقه حسن وخلقه قبيح ← أشركت الجملة الثانية في حكم الأولى.
– هو يضـرّ وينفع ← أفادت “الواو” أنك أوجبتَ له الفعلين جميعا»[46].
فإنّك تلاحظ أنّ حروف الرّبط ساهمت في وصل الكلام بعضه ببعض حتى لكأنّه “سبيكة واحدة”، فلو عمدت إلى حذف هذه الأدوات من نسق الكلام لأصبحت المفردات داخل هذه البنى النحويّة غير مستقيمة، ولانعدم المعنى من ورائها وبالتالي عدم تحقيقها للإفادة.
وعليه، فإنّ صحّة الكلام تتحقّق من خلال استحضار مفهوم التّلاؤم عند استعمال هذه الحروف التي تسهم في تناسب الوحدات وتتاليها داخل التركيب، وبهذا المعنى يعتبر مبدأ المناسبة متدخّلا أيضا في هذا المستوى.
وخلاصة ما نذهب إليه من خلال تتبّعنا لمفهوم الإعراب أنّ النظريّة اللّغويّة العربيّة تقوم أساسا على مفهوم “العمل النحوي” الذي يحتلّ فيه “الإعراب” المركز الذي يقوم بمهمّة الإبانة عن المعاني، «وأنّ العامل الحقيقي الواضع للمعاني النحويّة في ائتلافها إنّما هو المتكلّم»[47] الذي يوظّف “مبدأ المناسبة” في المستويات النحويّة المختلفة (صوتيّة، صرفيّة، اشتقاقيّة، تركيبيّة، معجميّة…) والاعتبارات المتعدّدة (التقديم والتأخير، التذكير والتأنيث، الفصل والوصل، التعريف والتنكير…). وهو ما نلخّصه في الخطاطة التاليـة:
إنّنا إذا دقّقنا النظر في كلّ ما سبق، سيتوضّح لنا أنّ الفكر النحويّ يتأسّس على مفاهيم هامّة من بينها النّظام والنّظم والإعراب والمناسبة أو الفائدة، وهذه المفاهيم في حقيقة الأمر مرتبطة ببعضها البعض ومؤدّية إلى غاية واحدة وهي المساهمة في انتظام الكلام وتحقيق الإفادة من ورائـه. والمقصود بـ”الدال” نظـم: «”التّأليف، نَظَمَهُ ينْظُمُهُ نَظْمًا ونظامًا، نظّمه فانتظم وتنظّم، ونظّمتُ اللّؤلؤَ أي جمعْتُهُ في السّلك… ونَظَمَ الكلامَ، ونَظَمَ الأشياءَ نَظْمًا، ألّفها وضمّ بعضها إلى بعض… وانتظمَ الشيءُ، تألّف واتّسق، يُقال: نظم الأشياء جميعا ضمّ بعضها إلى بعض»[48]. فالنّظْمُ في الكلام تبعا لهذا هو صورة للنّظام في النظريّة النحويّة العربيّة، ويقوم أساسا على الاتّساق الحاصل داخل الخطاب تبعا لقواعد النحو وأحكامه المرتكزة على التركيب والتّرتيب والتّأليف، وهو ما أكّده عبد القاهر الجرجاني بقوله: «واَعلمْ أنّك إذا رجعتَ إلى نفسكَ علمتَ علما لا يعترضه الشكّ أن لا نظْم في الكلم ولا ترتيب حتى يُعَلَّق بعضها ببعض، ويُبنى بعضها على بعض وتُجعل هذه بسبب من تلك»[49].
والنّظم لا يعدو أن يكون «توخّي معاني النحو في معاني الكلم»[50]، إذ يكون أوّلا في المعاني وثانيا في الألفاظ؛ «أمّا أن تتصوّر في الألفاظ أن تكون المقصودة قبل المعاني بالنّظم والتّرتيب، وأن يكون الفكر في النّظم الذي يتواصفه البلغاء فكرا في نظام الألفاظ، أو أن تحتاج بعد ترتيب المعاني إلى فكر تستأنفه لأن تجيء بالألفاظ على نسقها، فباطل من الظنّ ووهم يُتخيّل إلى من لا يُوفّي النّظر حقّه»[51]. وهو ما أكّده الشّريف الجرجاني في كتاب “التعريفات” بقوله: «النّظم في الاصطلاح تأليف الكلمات والجمل مترتّبة متناسبة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل»[52].
وهذا التوخّي لمعاني النّحو إذن يكون عن طريق التّناسب والتّعلّق الحاصل بين معاني الألفاظ بعضها ببعض، وهو ما يتحقّق عبر التفاعل بين معاني النحو ودلالات الكلم المعجميّة، ولم يبق بعد ذلك «إلاّ أن يكون المعنى في ضمّ الكلمة إلى الكلمة توخّي معنى من معاني النّحو فيما بينها»[53]. الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق المزيّة المطلوبة من الكلام، «مزيّة فيما طريقه الفكر والنّظر»[54].
والملاحظ أنه عندما يوجد التركيب أو النّظم يوجد العمل الإعرابي القائم على تنظيم الوحدات النظميّة الكلاميّة طبقا لما يقتضيه النحو، وما يريده المتكلّم العامل من وضع تلك البنية النحويّة المجرّدة أو الإسناد المتحقّق عبر إحكام الصّلة أو المناسبة بين طرفي الإسناد (مسند+مسند إليه):
- تبعا لما تتطلّبه الأبنية الصّرفيّة والاشتقاقيّة والتصريفيّة والمعجميّة والتركيبيّة «واعتمادا على التنسيق الشكلي بين أبنية المعجم وأبنية الإعراب، يحدث الوسم اللّفظي الدالّ على انتقال الدلالة المعجميّة الاشتقاقيّة إلى الدلالة الإعرابيّة الوظائفيّة لتكوين بنية دلاليّة جديدة كانت محتملة في النظام وصارت موافِقة لمقام المتكلّم»[55].
- ومن ناحية ثانية احتراما لقواعد التذكير والتأنيث، التّعريف والتّنكير، التّقديم والتّأخير، الفصل والوصل، في إطار التأليف والتركيب وحسن السّبك والرّصف -على حدّ عبارة أبي هلال العسكري- حتى نحصل من مجموع ذلك على المقصد والفائدة المطلوبين من الكـلام.
- وقد كنّا أكّدنا أنّ النّظم يتحقّق في التّركيب، وأنّ الإعراب أيضا يتحقّق في التركيب أي بعد توظيف اللّفظ داخل نسق الجملة واستعماله استعمالا مخصوصا فيها؛ والتّركيب كما ذهب إلى ذلك عبد القاهر الجرجاني هو النحو «الذي هو ليس مجموعة من العلاقات والمنظومات الجامدة، وإنّما هو نظام متحرّك وحركته سابقة للتّخاطب»[56].
وتأسيسا على هذه الأفكار -التي توصّلنا إليها سابقا- ننتهي إلى أنّ النحو في حقيقة معناه هو نظام بأكمله مركّب من جملة من المكوّنات التي تسيّرها مبادئ وقوانين عامّة يحتكم إليه المتكلّم العامل في عمليّة البناء ويحتكم إليه المتلقّي في عمليّة الفهم. «فاللّغة نظام أي أنّها تمثّل مجموعة من المستويات الصوتيّة والصّرفيّة والتركيبيّة وتربط بينها مجموعة من العلاقات، وهذه العلاقات هي التي تكوّن النّظام»[57].
وقد تجلّى مفهوم النّظم والنظام عند السكّاكي في “مفتاح العلوم” في مستويات مختلفة :
- علـم الصّرف
- علم النّحـو
- علم المعاني
فالنّظم في علم الصّرف هو انتظام مخصوص للحروف والذي من شأنه أن يعطينا معاني مختلفة من مثل الحروف التاليـة:
(غ.م.ر) التي يمكن أن نشتقّ منها كلمات مختلفة الدلالات من قبيل: غَمـَرَ، مَرَغَ، رغَمَ، غَرُمَ… ولكلّ من هذه المصطلحات معناه، «ويُسمّى المنتظم منها إذ ذاك “وزن الكلمة”»[58]، أو “المناسبات والأقيسة” على حدّ عبارة السكّاكي.
وعليه، فالانتظام في علم الصّرف بما هو تعلّق بين الحروف وتناسب بينها في سلك التركيب، شرط أساسي لوجود هذه الهيئة المخصوصة بين الأسماء والأفعال. «والانتظام بهذا التصوّر هو أساس الاشتقاق، إذ يُعطينا الكلمة، ويعطينا هيئة الكلمة وهي الوزن… وفعل الانتظام يقتضي مادّة الانتظام الذي ينتج عنه منتظم، ولهذا المنتظم هيئات وصور[59]:
والنّظم في علم النّحو هو انتظام للمعاني والكلم في سلك التركيب، وهو ما يعطينا معنى واحدا من مجموعها، أي يُعطينا معنى الجملة كاملة، أي علاقة المسند بالمسند إليه وبالمتمّمات. والمحدث للانتظام في التركيب هو الإعراب والتعلّق، وهو ما يبيّنه قول السكّاكي في حدّه للنحو بأنه: «أن تنحو معرفة كيفيّة التركيب بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقا»[60].
وكيفيّة التركيب حسب السكاكي تتطلّب هيئة أو هيئات أو مناسبة يجب مراعاتها، والمقصود بالهيئات هنا هي تلك العلاقات التركيبية الحاصلة بين الألفاظ والتعلّق القائم بين معانيها على وجه يقبله النّظام ومبدأ الائتلاف، وهذا المعنى أكّده صاحب “مفتاح العلوم” بقوله: «وأعني بكيفيّة التركيب تقديم بعض الكلم على بعض ورعاية ما يكون من الهيئات»[61]، وهو ما يعطينا أبنية نحويّة مجرّدة تمثّل مدار اشتغال النحو، مثال:
«- هو الحقّ بيّنـا.
- الحقّ بيّنٌ.
- جاء زيد راكبا.
- زيـدٌ راكبٌ.
- ضُربَ اللّصُّ مكْتوفًا.
- اللّصُّ مكتـوفٌ»[62].
فالعامل الأوّل لانتظام هذه الأمثلة هو المتكلّم، والعامل الثاني هو الإعراب المبين عن المعاني. وكنتيجة لذلك فالانتظام بهذا التصوّر هو أساس علم النّحو، فهو حاصل بين الكلمات عن طريق مفهوم الإعراب، وبين المعاني عن طريق التّناسب والتعلّق…
والانتظام في علم المعاني ليس موقوفا على الكلم أو الألفاظ أو الحروف فقط، بل أيضا يقوم على «انتظام الجملة مع أخرى، فصلها أو وصلها، والإيجاز معها أو الإطناب… فحسن الكلام تأليفه مطابقا لذلك»[63]. وانتظام الجملة مع الجملة يؤدّي إلى شدّة تماسك بناء النصّ وإخراجه محكما منسجما مراعاة لمقتضى الحال، ذلك أنّ «المقصود بعلم المعاني هو تتبّع خواصّ تراكيب الكلام في الإفادة وما يتّصل بها من الاستحسان وغيره ليُحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره»[64].
فالملاحظ من خلال هذا التّعريف أنّ علم المعاني يقوم على ثلاث ركائـز:
- خواصّ تراكيب الكلام: تراكيب البلغاء.
- الإفادة وما يتّصل بها من الاستحسان وغيره: الإفادة شرط للإسناد، وتعلّق بالتركيب.
- الاحتراز عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره: والمقصود بالحال هنا حال المتكلّم، الذي يتميّز عنده مقتضى الحال بالتفاوت، إذ يقول السكّاكي: «اِعلم أنّ مقتضى الحال عند المتكلّم يتفاوت»[65]، وهو قائم على تفاوت مقامات الكلام، إذ أنّ «مقام التشكّر يُباين مقام الشكاية، ومقام التهنئة يباين التعزية، والمدح يباين الذمّ»[66].
وبهذه الاعتبارات المناسبة يطابق الكلام مقتضى الحال، أي تمام المراد منه. ونمثّل عموما لهذا الانتظام في علم المعاني بـ”الرسم التالي”[67]:
وبذلك يتقرّر الانتظام – بما هو تناسب- «في أنّ مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال»[68] على حدّ عبارة السّكاكي.
4- الخاتمة:
على هذه السّبيل فهم نُحاتُنا أنّ هذه المصطلحات: “النظام”، “الإعراب” “المناسبة”، “النّظم”، صورة للنّظام النّحوي. ومن هذا المنطلق بيّنوا أنّ “الإعراب” حاصل في التركيب، ولذلك سعوا إلى تأكيد أنّ المفردات أو الوحدات التّلفّظيّة تكتسب قيمتها إلاّ عند دخولها في التركيب الذي ينظّمه الإعراب ويبين عن دلالاته، وهو ما وجده السكاكي في مصطلح “تربية الفائدة” في قوله: «إذا كان المراد تربية الفائدة كما إذا قيّدته بشيء ممّا يتّصل به من نحو المصدر كنحو: “ضُربتُ ضربا شديدا”، أو ظرف زمان كنحو: “ضربت يوم الجمعة”، أو ظرف مكان كنحو: ضُربتُ أمامكَ»[69].وقد توسّع مجدي بن صوف في بيان هذا المصطلح، فبيّن أنه «إذا كانت الفائدة في النّحو أو المعاني تكون قائمة على الإسناد، فإنّ تربية الفائدة تقوم على تمام الإسناد، وتقييد الفعل بالمفاعيل كالمفعول المطلق أو الظرف أو الحال… التي يعتبرها السكاكي مربّية للفائدة الحاصلة أصلا في الإسناد مطلقا…»[70].
وعلى هذا الأساس إذن نتوصّل إلى أنّ “النّظم” مظهر من مظاهر الانتظام الذي بناه صاحب “مفتاح العلوم” على مفهوم الفائدة، «هذا المفهوم الذي اقترن ببنية الإسناد أوّلا، ثم المتكلّم البليغ ثانيا، وأخيرا بما يفيض من هذه الفائدة من أثر اقتضاء الفعل لبعض المتمّمات ممّا أعطانا مفهوم “تربية الفائدة”»[71]، المحقّق في البنية النحويّة المجرّدة بمستوياتها المتنوّعة (الصّوتيّة والصّرفية والمعجميّة والتّركيبيّة والدّلاليّة)، التي يشكّل فيها الإعراب قطب الرّحى في نظريّة المعنى عبر تفريقه بين استعمالات الألفاظ داخل نظام أو نسق الجملة المؤلّفة من مجموعة التّوليفات والوحدات المعجميّة طبقا لما تقتضيه المقولات النّحوية المختلفة.
[1]– سورة، يس، الآية 76.
[2]– ابن قتيبة: تأويل مشكل القرآن، شرح أحمد صقـر، دار التراث، ط2، 1973، ص14-15.
[3]– أبو بشر عمرو بن عثمان سيبويه: الكتاب، تحقيق عبد السّلام محمّد هارون، مكتبة الخانجي القاهرة، ط3، 1988، جI، ص9.
[4]– المصدر نفسه، جI، ص10.
[5]– الرّضي الاستراباذي: شرح الكافية في النّحو، وبهامشه حاشية السّيد شريف الجرجاني، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، (د.ط.ت)، جI، ص24.
[6]– الرّضي الاستراباذي: شرح الكافية في النّحو، وبهامشه حاشية السّيد شريف الجرجاني، ص24.
[7]– المصدر نفسه، ص25.
[8]– عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجـاز في علم المعاني، تصحيح محمّد عبده ومحمّد محمود التّركزي، دار المعرفة للطّباعة والنّشر، بيروت لبنان، 1978، ص6.
[9]– محمد بن أبي سعيد الأنباري: أسـرار العربيّة، تحقيق محمد بهجة البيطار، مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق، ص18.
[10]– أبو الفتح عثمان بن جنّي: كتاب الخصائص، تحقيق محمّد علي النّجار، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، ط4، 1999، جI، ص36.
[11]– المصدر نفسه، ص37.
[12]– جلال الدّين السّيوطي: المُزْهر في علوم اللغة وأنواعها، شرح محمّد جاد المولى بك ومحمّد أبو الفضل ابراهيم وعلي محمّد البجاوي، المكتبة العصرية صيدا بيروت، 1992، جI، ص329.
[13]– المصدر نفسه، ص327-328.
[14]– أبو القاسم الزجّاجي: الإيضاح في علل النّحو، تحقيق مازن المبارك، نشر دار العروبة، مطبعة المدني، المؤسّسة السعوديّة بمصر، 1959، ص91.
[15]– المصدر نفسه، ص91.
[16]– أبو هلال العسكري: كتاب الصّناعتين: الكتابة والشّعر، تحقيق محمّد علي البجاوي ومحمّد أبو الفضل ابراهيم، المكتبة العصرية صيدا بيروت، دت، ص151.
[17]– عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز في علم المعاني، مصدر سابق، ص64.
[18]– المصدر نفسه، ص23.
[19]– سورة فاطر الآية: 28.
[20]– سورة التوبة الآية: 3.
[21]– خالد ميلاد: الإنشاء في العربيّة بين التركيب والدلالة: دراسة نحويّة تداوليّة، نشر جامعة منّوبة، كلّية الآداب منّوبة والمؤسسة العربية للتّوزيع بتونس، ط1، 2001، ص525.
[22]– خالد ميلاد: الإنشاء في العربيّة بين التركيب والدلالة: دراسة نحويّة تداوليّة، مرجع سابق، ص527.
[23]– الرّضي الاستراباذي: شرح الكافية في النحو، مصدر سابق، جI، ص25.
[24]– خالد ميلاد: الإنشاء في العربيّة بين التركيب والدلالة: دراسة نحويّة تداوليّة، مرجع سابق، ص526.
[25]– المرجع نفسه، ص526.
[26]– خالد ميلاد: الإنشاء في العربيّة بين التركيب والدلالة: دراسة نحويّة تداوليّة، مرجع سابق، ص530.
[27]– المرجع نفسه، ص532.
[28]– المرجع نفسه، ص534.
[29]– المرجع نفسه، ص531.
[30]– خالد ميلاد: الإنشاء في العربيّة بين التركيب والدلالة: دراسة نحويّة تداوليّة، مرجع سابق، ص535.
[31]– خالد ميلاد: الإنشاء في العربيّة بين التركيب والدلالة: دراسة نحويّة تداوليّة، مرجع سابق، ص532-533.
[32]– اُنظر أبا الفتح عثمان بن جنّي: كتاب الخصائص، مصدر سابق، جI، ص110-111، ويمكن العودة إلى شرح المفصّل لابن يعيش، جI، ص49، إذ يقول: «الاسم المعرب ما اختلف آخره باختلاف العوامل لفظا أو محلاّ بحركة أو حرف، فاختلافه لفظا بحركة في كلّ ما كان حرف إعرابه صحيحا أو جاريا مجراه كقولكَ: جاء الرجلُ/رأيتُ الرجلَ/مررتُ بالرجل»، كذلك الإعراب في اصطلاح النحويين «تغيّر آخر الكلمة لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا وتقديرا». [أبو عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير)، تحقيق صاحب أبو جناح، عالم الكتب بيروت-لبنان، ط1، 1999، جI، ص102].
[33]– مسعود صحراوي: التّداوليّـة عند العلماء العرب: دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلاميّة في التّراث اللّساني العربي، دار الطّليعة بيروت لبنان، ط1، 2005، ص189.
[34]– عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز في علم المعاني، مصدر سابق، ص136.
[35]– المصدر نفسه، ص26.
[36]– محمّد الشّاوش: أصول تحليل الخطاب في النظريّة النحويّة العربيّة، تأسيس نحو النصّ، عالم الكتاب الحديث، د.ت، جI، ص526.
[37]– أبو بشر عمرو بن عثمان سيبويه: الكتاب، مصدر سابق، جI، ص34.
[38]– أبو الفتح عثمان بن جنّي: كتاب الخصائص، مصدر سابق، ج II، ص384.
[39]– المصدر نفسه، ص485.
[40]– موفّق الدّين بن يعيش: شـرح المفصّل، عالم الكتب بيروت لبنان، جI، ص12.
[41]– عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز في علم المعاني، مصدر سابق، ص83.
[42]– المصدر نفسه: ص83-84.
[43]– عبد السّلام عشير: عندما نتواصل نتغيّر: مقاربة تداوليّـة معرفيّة لآليات التواصل والحجاج، أفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء المغرب، 2006، ص75.
[44]– عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز في علم المعاني، مصدر سابق، ص170.
[45]– المصدر نفسه، ص143.
[46]– المصدر نفسه: ص171-172-173-174.
[47]– خالد ميلاد: الإنشاء في العربيّة بين التركيب والدّلالة: دراسة نحويّة تداوليّـة، مرجع سابق، ص 528.
[48]– أحمد سيّـد محمد عمّار: نظريّة الإعجاز القرآني وأثرها في النّقد العربي القديم، دار الفكر، دمشق-سوريّـة، ط1، 1998، ص121.
[49]– عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز في علم المعاني، مصدر سابق، ص44.
[50]– المصدر نفسه، ص277.
[51]– المصدر نفسه، ص43.
[52]– الشّريف الجرجاني : كتاب التعريفـات، دار الشّؤون الثّقافية العامّة، آفاق عربيّة، العراق بغداد، د.ط، ص132.
[53]– عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز في علم المعاني، مصدر سابق، ص301.
[54]– المصدر نفسه، ص302.
[55]– صلاح الدين الشّريف: الشّرط والإنشاء النّحوي للكون: بحث في الأسس البسيطة المولّدة للأبنية والدّلالات، سلسلة اللّسانيات، كلية الآداب، جامعة منوبة-تونس 2002، جI، ص340.
[56]– المرجع نفسه، ص182.
[57]– مجدي بن صوف: علم الأدب عند السكّاكي، مسكيلياني للنّشر، المعهد العالي للدّراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بتونس، ط1، 2010، ص22-23.
[58]– أبو يعقوب يوسف السّكّاكي: مفتاح العلـوم، مطبعة التّقدم العلمية بمصر، د.ط.ت، ص7.
[59]– مجدي بن صوف: علم الأدب عند السكّاكي، مرجع سابق، ص86-87.
[60]– أبو يعقوب يوسف السّكّاكي: مفتاح العلـوم، مصدر سابق، ص33.
[61]– المصدر نفسه، ص33.
[62]– مجدي بن صوف: علم الأدب عند السكّاكي، مرجع سابق، ص89.
[63]– أبو يعقوب يوسف السّكّاكي: مفتاح العلـوم، مصدر سابق، ص73.
[64]– المصدر نفسه، ص70.
[65]– المصدر نفسه، ص70.
[66]– المصدر نفسه، ص73.
[67]– مجدي بن صوف: علم الأدب عند السكّاكي، مرجع سابق، ص91.
[68] أبو يعقوب يوسف السّكّاكي: مفتاح العلـوم، مصدر سابق، ص76.
[69]– المصدر نفسه، ص90.
[70]– مجدي بن صوف: علم الأدب عند السكّاكي، مرجع سابق، ص238.
[71]– مجدي بن صوف: علم الأدب عند السكّاكي، مرجع سابق، ص238.
المصادر والمراجع :
المصادر:
- القرآن الكريم.
- الاستراباذي (الرّضي): شرح الكافية في النّحو، وبهامشه حاشية السّيد شريف الجرجاني، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، (د.ط.ت).
- الإشبيلي (أبو عصفور): شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير)، تحقيق صاحب أبو جناح، عالم الكتب بيروت-لبنان، ط1، 1999.
- الأنباري (محمد بن أبي سعيد): أسـرار العربيّة، تحقيق محمد بهجة البيطار، مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق.
- الجرجاني (عبد القاهر): دلائل الإعجـاز في علم المعاني، تصحيح محمّد عبده ومحمّد محمود التّركزي، دار المعرفة للطّباعة والنّشر، بيروت لبنان، 1978.
- ابن جنّي (أبو الفتح عثمان): كتاب الخصائص، تحقيق محمّد علي النّجار، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، ط4، 1999.
- الزجّاجي(أبو القاسم): الإيضاح في علل النّحو، تحقيق مازن المبارك، نشر دار العروبة، مطبعة المدني، المؤسّسة السعوديّة بمصر، 1959.
- السّكاكي (أبو يعقوب يوسف): مفتاح العلـوم، مطبعة التّقدم العلمية بمصر، د.ط.ت.
- سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان): الكتاب، تحقيق عبد السّلام محمّد هارون، مكتبة الخانجي القاهرة، ط3، 1988.
- السّيوطي (جلال الدّين): المُزْهر في علوم اللغة وأنواعها، شرح محمّد جاد المولى بك ومحمّد أبو الفضل ابراهيم وعلي محمّد البجاوي، المكتبة العصرية صيدا بيروت، 1992.
- الشّريف (الجرجاني): كتاب التعريفـات، دار الشّؤون الثّقافية العامّة، آفاق عربيّة، العراق بغداد، د.ط.
- العسكري (أبو هلال): كتاب الصّناعتين: الكتابة والشّعر، تحقيق محمّد علي البجاوي ومحمّد أبو الفضل ابراهيم، المكتبة العصرية صيدا بيروت، دت.
- ابن قتيبة: تأويل مشكل القرآن، شرح أحمد صقـر، دار التراث، ط2، 1973.
- ابن يعيش (موفّق الدّين): شـرح المفصّل، عالم الكتب بيروت لبنان، د.ط.ت.
المراجع:
- الشّاوش (محمّد): أصول تحليل الخطاب في النظريّة النحويّة العربيّة، تأسيس نحو النصّ، عالم الكتاب الحديث، د.ت.
- الشريف (صلاح الدين): الشّرط والإنشاء النّحوي للكون: بحث في الأسس البسيطة المولّدة للأبنية والدّلالات، سلسلة اللّسانيات، كلية الآداب، جامعة منوبة-تونس 2002.
- صحراوي (مسعود): التّداوليّـة عند العلماء العرب: دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلاميّة في التّراث اللّساني العربي، دار الطّليعة بيروت لبنان، ط1، 2005.
- ابن صوف (مجدي): علم الأدب عند السكّاكي، مسكيلياني للنّشر، المعهد العالي للدّراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بتونس، ط1، 2010.
- عشير (عبد السّلام): عندما نتواصل نتغيّر: مقاربة تداوليّـة معرفيّة لآليات التواصل والحجاج، أفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء المغرب، 2006.
- عمّـار (أحمد سيّـد محمد): نظريّة الإعجاز القرآني وأثرها في النّقد العربي القديم، دار الفكر، دمشق-سوريّـة، ط1، 1998.
- ميلاد (خالد): الإنشاء في العربيّة بين التركيب والدلالة: دراسة نحويّة تداوليّة، نشر جامعة منّوبة ، كلّية الآداب منّوبة والمؤسسة العربية للتّوزيع بتونس، ط1، 2001.