الملخّص:
تمحورت هذه الدراسة حول “العلاج بالمعنى” لا من زاوية الطبيب النفسيّ والعلاج الإكلينيكيّ، بل من الزاوية المعرفيّة التي تعتبر الإنسان صانع معانيه. وأنّ ضياع المعنى خطر يهدّد الذّات. وأنّ من لا يصنع معانيه الخاصّة مهدّد بالشعور بالاغتراب وضعف المناعة الفكريّة، وفق قاعدة: “إنّ المعاني تُبنى ولا تُعطى”. ويعيش في النهاية بهويّة مستعارة.
وخلصت إلى أنّ الذّات العربيّة المعاصرة تفكّر بمرجعيّات مستعارة، وداخل صناديق أنساق مغلقة. ولم تُنتج هذه الذّات بعدُ معانيها الخاصّة التي تستجيب لاشتراطات العصر وظروفه. واكتفت بالعيش على استعمال معاني الأوّلين وتوسيعها، كرها، بالتفسير والتأويل حتى تلائم منطلقاتها العقديّة والمذهبيّة من جهة، وبتدوير منتجات الآخر/ الغرب من المعاني والدلالات والرموز من جهة أخرى. مكرّسة في الوعي، في الحالين معا، “ثقافة الأجوبة”.
كلمات مفاتيح: الهويّة المستعارة – الأنساق الثّقافيّة – خارج الصندوق – العلاج بالمعنى.
Abstract:
This study talked about “Logo therapy-treatment with meaning” not from the point of view of the psychiatrist and clinical treatment but talked about it from the cognitive point of view that considers man to be the maker of meanings, that the loss of meaning is a threat to the self, and that those who do not make their meanings are threatened by a sense of alienation and weak intellectual immunity, according to the rule of “meanings are adopted and not given”, and ultimately live with a borrowed identity.
And I concluded that the contemporary Arab self thinks with borrowed references, and within closed boxes of formats, and this self has not yet produced its own meanings that respond to the requirements and conditions of the era, and contented itself with living on the use of the meanings of the ancients and expanding them unwillingly, with interpretation and interpretation to suit their doctrinal and doctrinal premises, and by recycling the products of the other. The West of meanings, connotations and symbols on the other hand. Dedicated to awareness, in both cases, “a culture of answers”.
Key words: borrowed identity – Cultural patterns -. Out of the box- Logo therapy/ treatment with meaning.
1- توطئة:
من التعابير التي درج النّاس على قولها تأفّفا وتحسّرا على ما آلت إليه أمور الحياة وهيمنة فوضى القيم: “لم يعد هناك معنى”. ونقول بالدّارجة المغربيّة: “ما بقى معنى” أو “ما كاين معنى”. كما تشيع بين النّاس اليوم عبارات: “أبحث عن معنى لحياتي”، “حياتي أصبحت بلا معنى”….. ومن خلال هذه التعابير تظهر حاجة الكائن البشريّ الملحّة للمعنى من أجل أن يُوجد. فالمعنى شرط من شروط وجوده في المقام الأوّل. كما أنّها تعابير تضمر جمل من الدلالات مثل: الشّقاء الوجوديّ، الاحباط الوجوديّ، موت المعنى، الفراغ من المعنى/أزمة المعنى، وغياب الرضا عن الذّات، وسطوة حالة اللاغرضيّ، وافتقاد الهدف، وعدم الثّقة في المستقبل وفقدان شهيّة العيش.
إنّ الفراغ من المعنى بلبل حياة الأفراد وجعلها فوضى عارمة. فالعديد من الدّراسات النفسيّة تشير إلى أنّ الإنسان لا يشعر بالسعادة في حياته ما لم يجد لحياته معنى. ويشعر بأنّ لأفعاله دلالة وجدوى. وأنّ فشل المرء في استخدام حرّيته في تحقيق إمكاناته الإنسانيّة، وفشله في النهوض بمسؤوليّات هذه الحريّة يؤدّي، في النهاية، إلى فقدانه الشعور بالوجود، وانبعاث حالة من اللامعنى، متوّجا ذلك الأمر بالانسحاب من مواجهة الحياة والاستقالة منها. والحال أنّ ” الخاصيّة المميّزة للإنسان أنّه يستطيع أن يحيا بواسطة تطلّعه إلى المستقبل”[1].
إنّ الرضا عن النّفس وتحقيق الأمن النّفسيّ وما يتفرّع عنه من مفاهيم مثل: الطمأنينة الانفعاليّة والاستقرار النّفسيّ والتكيّف الذّاتيّ والتّوازن الانفعاليّ، أصبح من أوّلويات الأفراد في عالمنا المعاصر، بل هو أعزّ ما يُطلب اليوم. فهو حبل النّجاة في ظلّ ما يعرفه العالم من ثورات صناعيّة، وزحف تكنولوجيّ مدهش، وهيمنة للإيديولوجيّة التقنيّة المقيتة التي أضحت سلطة فوق كلّ السّلطات، وسطوة غير مسبوقة لحضارة الاستهلاك المتوحّش، في عالم غارق في التفاهة واللامعنى. في عصر المابعديات: ما بعد العقل، ما بعد القيم، ما بعد التاريخ وما بعد الإنسان، والحديث عن الإنسان المعزّز رقميّا كما تصفه تيّارات ما بعد الإنسانيّة Post humanism أو الإنسانيّة العابرة Transhumanism[2]، وما نتج عن كلّ هذا من اغتراب الإنسان الذي أضحى يعاني خصاصا نفسيّا كبيرا نظرا لتصحّر مساحات كبيرة من إنسانيته.
إنّ خلف الوجه البشوش لحضارة العصر يستتر وجه قبيح. فالمجتمع الحديث يعاني مشكلة اغتراب الإنسان، اغترابه عن نفسه وعن مجتمعه إلى الحدّ الذي استحالت فيه هذه الحضارة إلى ما يمكن نعته بـ “مقبرة الإنسان”. فلقد اغتالت التقنيّة كلّ ما هو إنسانيّ في الإنسانيّ، بما في ذلك معانيه التي يحيا بها. فقد جرّدته منها. فبقي عاريا مفضوحا بلا حرمة وبلا سيادة على مملكة معانيه. وهذا ما يعطي المشروعيّة للسّؤال عن مستقبل الإنسان “الإنسانيّ”، أي الإنسان الواعي الفاعل النّاقد المؤوّل، في ظلّ سيرورة هذا “التدمير الذّاتيّ” المتتالي.
إنّ الإنسان مخلوق يبحث عن معنى. وهو صانع معان وخالق دلالات. فالمعنى هو الحياة، ذلك أنّ “الفهم ليس شيئا يقوم به الإنسان، بل هو شيء يكوّنه”.[3] فويل لمن لا يرى في حياته معنى. وويل لمن لا يرى معنى حياته إلّا من خلال أعين الآخرين. إنّ الأهمّ ليس ما نتوقّعه من الحياة وإنّما ما تتوقّعه الحياة منّا. فالحياة هي ما نصنعه نحن من معان. وما نهبها من دلالات. فعلى قدر ما نمنحها من معان ودلالات تكون. فحياتنا هي معانينا ودلالاتنا. وعلى هذا، فالإنسان كائن معرفيّ في المقام الأوّل إذ يُوجد في وجود معرفيّ. أو هو الكائن الذي يُوجد بالمعنى وللمعنى. فالإنسان معنى بدرجة أولى. فهو يحيا في عالم من المعاني التي تصنعها معجزة اللّغة. فالعالم مجرّد تأويلات لصراع الإرادات. وما غير ذلك، سوى نوافل ومستحبّات لجبر ما سبق وحمايته وتزكيته وتذكير الغافل عنه.
وعلى هذا، فإنّ “سؤال المعنى يرادف سؤال الإنسان نفسه من حيث أنّ المعنى هو في النهاية تأويل الإنسان لذاته ولمعرفته تأويلا نمائيّا يكتسب نظاما ومنطلقا داخليّا فيتحقّق عالما. وهذا ما تسمّيه الحضارة أو التاريخ رحلة الإنسان إلى المعنى، إلى تحرّره من ذاته المجهولة دوما ليجدها في المعرفة. وعليه، فالإنسان سيصبح من خلال المعنى مبدأ المعرفة”[4].
وبعد كلّ هذ، هل يستقيم القول بوجود عالم خام خارج سيطرة المعاني وسلطة اللّغة وسطوة التسميّة؟ وهل يستقيم لنا الحديث عن وجود عالم من دون لغة. وبالتّالي، من وجود معان، والحال أنّنا لا نُوجد إلّا من خلال اللّغة/ المعاني؟
وإذا قلنا أنّ الإنسان مشروع مستمر ومفتوح على التغيّر الدائم، فإنّ ذلك يعني أنّه هو الذي شرع في أن يكون، لا ما أراد أن يكون. شرع في أن يُوجد من خلال إنتاج الاكتفاء الذّاتي من المعاني والدلالات والرموز. فلا يتحقّق الوجود إلّا حين الاستقلال في توليد المعاني. فأن تُنتج المعاني و “تُطلق الأسماء معناه أن تكون سيدا” كما يقول نيتشه[5]. فاستراتيجيّة التسميّة والتعيين هي استراتيجيّة تسيّد وهيمنة وتسلّط.
وبذلك، فإنّنا نعتقد أنّ أهمّ مشكل في الوجود الإنسانيّ هو: “مشكل المعنى” أو بالأحرى مشكل “إرادة المعنى”. فأن “يُوجد الإنسان” معادل “للقدرة على أن يُوجد”. والقدرة هنا، تشمل مسؤوليّة الفرد على إنتاج معانيه الخاصّة، ومن مداخل “أن يُوجد” التفكير النقدي في جملة من الأنساق الثقافيّة المتوارثة والمهيمنة، البارزة والمضمرة، الموجّهة للوعي والضّابطة لفعل توليد المعاني.
إنّنا، للأسف، نحيا من خلال أنساق ثقافيّة متغوّلة. تحكّمت في مجالنا الحيويّ المتمثّل في فعل توليد المعاني والقيم والأفكار. فنحن لا ننتج إلّا ما تسمح به تلك الأنساق المضمرة. وهي في الحقيقة، أنساق محكومة بشرطها التاريخيّ الذي ولدت فيه. فأن نستمر في التفكير عبرها، هو ضرب في حقيقة التحوّل التاريخيّ والتقدّم الإنسانيّ[6].
فهل يمكن تخيّل إنسان يعيش مجرّدا من المعنى، عارٍ من لباس الدّلالة؟ ولماذا يُجهد الإنسان نفسه لإيجاد معنى لحياته؟ وهل من الضروريّ فعل ذلك؟ وهل المعنى معطى أصليّ، ذو وجود موضوعيّ أم أنّ فعل الوعي هو الذي يضفي على الأشياء معناها؟ هل يمكن أن ينوب أحد عن أحد في بناء معاني الأشياء؟ هل المعنى معطى أم مبني؟ هل المعنى خاصّ أم عامّ؟ بمعنى: هل المعنى شيء متوارث أم أنّ كلّ فرد يصنع معناه الخاصّ، ومسؤول عنه؟ هل المعاني اختلاف أم مماثلة؟ هل يمكن أن نعيش بمعان/مرجعيّات مستعارة؟ وهل يمكن أن يصبح لحياة الفرد معنى من خلال نصائح الآخر ومواعظه وإرشاداته وتوجيهاته؟ وأخيرا، هل بإمكان الإنسان أن يمنح الأشياء معنى والحال أنّه هو ذاته لا يدرك معنى ذاته (الإنسان أشكل على الإنسان)؟ هل يمكن أن يمنح المعنى من لا يعرف معناه أصلا؟ هل هذا يعني أنّ ما نمنحه للحياة من معان لا تتجاوز كونها معان مؤقّتة في الزّمان والمكان. ويستحيل تعريفها تعريفا مطلقا. وبالتالي، تبقى هذه الحياة برمّتها لغزا من الألغاز وسرّا من الأسرار؟
2- أصالة فعل البحث عن المعنى:
لقد خُلق الإنسان ليبحث عن المعنى. ومن دون شكّ، أنّ إنسان اليوم أعياه البحث المضني عن هذا المعنى. فوقف مستريحا في باحة اللامعنى. فاللامعنى هو البديل الوجوديّ، والعزاء الوحيد والمعادل الموضوعيّ لهذا الإنسان المبلبل.
فرغم التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ الكبيرين اللّذين حقّقا رفاهيّة البشريّة في شقّها الماديّ بالخصوص، فإنّ هذا التقدّم فشل في شقّ آخر، لا يقلّ أهميّة عن الأوّل إن لم نقل هو الأهمّ، إذ جعل البشريّة تعاني اليوم أزمة عميقة. هي أزمة “غياب المعنى”. فالكائن الإنسانيّ ليس شيئا واحدا، بل هو أشياء أخرى كثيرة ومتعدّدة، منها المعلوم وكثير منها مجهول. لذلك نقول أنّ الإنسان اليوم في حاجة ماسّة، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى ما يُسّمى “بالعلاج بالمعنى”، وممارسة “رياضة التأويل” قصد إزالة الكثير من الزوائد الفكريّة التي تحتلّ عقله قسرا. وتسكن وعيه قهرا. وتسبّبت له في أزمات مزمنة. وجعلت حياته بلا معنى. و “الإنسان الذي يعتبر حياته بلا معنى ليس مجرّد إنسان غير سعيد، ولكنّه يكاد لا يصلح للحياة” كما ذهب إلى ذلك أينشتاين[7]. إنّ الإنسان في تطلّع دائم إلى تحقيق معنى يجعل حياته تستحق أن تُعاش.
لقد ظهرت حالات مرضيّة كثيرة ومتعدّدة بسبب تفشّي هذا “الوباء” بين النّاس. وقد تمثّل في وباء فقدان المعنى، وفي أمراض ثقافيّة ونفسيّة وفكريّة. فمثّل “العلاج بالمعنى” Logotherapy”[8] نوعا من أنواع العلاج النفسيّ والثقافيّ والفكريّ. وهو علاج ارتبط بالنّمساوي فيكتور ايميل فرانكل[9] الذي يُعدّ رمزا لأهمّ حركة في علم النّفس المعاصر. أو ما يُعرفُ بالعلاج الوجوديّ الفلسفيّ الذي مثّل أحد أهمّ فروع البحث الابستيمولوجيّ الفلسفيّ في التحليل النفسيّ الوجوديّ.
إنّ الإنسان لا يستطيع العيش إلّا إذا عرف أنّ لحياته معنى. فهو لا يتعامل مع الأشياء باعتبار ما هي عليه، بل من خلال ما تعنيه بالنسبة إليه، بمعنى أنّ الأشياء لا “شيء” من دون تدخّل الذّات العانيّة. فهي شيء له معنى بوجود ذات عانيّة. ذات تملأ الأشياء بالمعنى. وهي شيء عديم المعنى في غياب الذّات العانيّة. إنّ الأشياء لا تحمل معانيها على ظهرها. فالأشياء نفهمها من خلال ما نهبها من معنى، ومن خلال ما فهمناه منها وليس بما هي عليه فعلا. فالأشياء أحاديّة في وجودها، متعدّدة في معانيها ودلالاتها، فارغة إلّا من حضورها الماديّ، لكنّها في الآن نفسه متعدّدة كما هي في إدراك البشر. ولهذا، يصبح الشيء الواحد كثيرا ومتعدّدا. ويصير العالم أكثر ممّا هو في الأصل. بهذا، تتعدّد المعاني بتعدّد النّظر. فيصبح الاختلاف سيّد الأشياء. ويضيع المعنى بلا عودة بسبب هذه الكوميديا الموجعة: الكلُّ واحد، والواحد جمعٌ لا نهائي.
من هنا، تتعدّد معاني الموجودات بتعدّد رؤية الإنسان إليها. فـ”الشمس جديدة كلّ يوم” كما قال هيراقليطس، لأنّها تكتسب كلّ يوم معنى جديدا باعتبارها موضوعا مُدرَكا من طرف النّاس. والقصدُ هنا أنّ الأشياء موجودة في العالم، لكنّها فارغة من المعنى، لأنّها مندرجة في نظام الطبيعة، لكنّها تأخذ معناها ممّا يراها عليه الإنسان. وينسى هذا الأخير أنّه مختلق المعاني. وأنّه بشكل ما مختلق الموجودات أيضا. إنّ الأشياء لا تصبح ذات معنى إلّا بفهم الإنسان لها. وعلى هذا الأساس، فالتأويل يقرّ بوجود مادة سابقة على الفعل التأويليّ، ذاته، ولكنّها مادة لا يمكن لها أن تصبح دالّة إلّا ضمن سيرورة تأويليّة. وبعبارة أخرى، فإنّ الموضوع “مستهدف” بوعي هو ذاته لا يمكن أن يُوجد إلّا من خلال تجسّده في موضوع”[10].
إنّ فعل البحث عن المعنى ليس بالفعل الطارئ على الإنسان، ولا بالفعل الكماليّ، وإنّما هو فعل متأصّل عنده، داخل في كينونته، خاصّة وأنّ مسألة الشفافيّة في المعنى هي حالات استثنائيّة. ومن لم يمارس هذا الفعل لم ينفصل بعد “عن الكائنات اللّحظيّة التي لا يلعب الزمن في حياتها أيّ دور. فهي بلا ذاكرة، لا ماض عندها ولا حاضر. لذلك، لا نستعيد من خلال النّشاط التأويليّ المعنى فقط، بل نبعث الحياة من رمادها ونستعيدها. كما تمّ تثبيتها في نواة دلاليّة خفيّة لا يمكن إدراك سرّها إلّا من خلال نشاط تأويليّ لا تغريه واجهات النّصوص”[11] .
ولا شكّ في أنّ الإنسان “دليل وخالق للدلائل”[12]. ولا يعيش إلّا بالتدليل. وقد تمكّن من حيازة هذه الصفات منذ “أن تحرّر من انبهاره أمام الأشياء واضعا لها تسميّات، أيّ منذ أن انصرف إلى إنشاء الدلالة واكتشافها مضيفا إيّاها على الأشياء الطبيعيّة والأشياء الثّقافيّة وعلى ما وراء الأشياء”[13]، أي أنّ حريّة الإنسان كانت مقرونة بالتّمكين الإلهي له المتعلّق بالقدرة على التسميّة “وعلّم آدم الأسماء كلّها”. إنّ خلق الدلائل وتسميّة الأشياء هي عمليّات تأويليّة بالدّرجة الأولى. فالتسميّة تأويل في المبتدأ والخبر.
لكن هل يمكن للإنسان أن يمنح الأشياء معنى والحال أنّه هو ذاته لا يدرك معنى ذاته؟ هل يمكن أن يمنح المعنى من لا يعرف معناه؟
إنّ الإنسان لا يقدر أن يمنح معنى لحياة لا تملك معنى بشكل مسبق، لأنّه بكلّ بساطة هو نفسه لا يدرك معناه أصلا. وبالتّالي، فسلطته في وهب المعنى هي سلطة تقديريّة فقط. سلطة تظلّ حاملة في أحكامها النسبيّة والاحتمال والاختلاف. في هذا المقام، يجوز لنا أن نطرح أشدّ الأسئلة هولا: أيّ معنى لحياة بشريّة بلا معنى طالما أنّ الإنسان هو الذي يفضي إلى تشكّل كلّ ما له علاقة بالمعنى؟
إنّ فكرة أولويّة الوجود تعني أنّ الوجود ليس شيئا ينتمي إلينا، بل نحن من ننتمي إليه. فنحن لا نصنع عالمنا، بل نسكنه فحسب. ولا نفعل شيئا بالوجود لأنّنا بالفعل دائما موجودون في كلّ ما نفعل.
ومادام الأمر كذلك، فالمعنى ليس على صواب كما نزعم. فهو شيء ناقص وغير منته. ذلك أنّ حقيقة الأشياء لن يقدر الإنسان الإمساك بها كما هي. وسيعيش بما يفرضه عليها من معان ودلالات إلى أجل غير مسمّى. وسيظلّ الإنسان يعيش غربته غير ضابط حتى موقع تواجده وهو يعيش فوق هذه الذرّة الصغيرة الزرقاء الباهتة التي تقدّر بحبّة غبار سابحة في محيط الأكوان الشاسع[14]. فما كوكب الأرض سوى أحد العوالم الكائنة بين عدد ضخم لا يُعدّ ولا يُحصى من العوالم الأخرى.
إنّنا نعيش على كوكب صغير محدود التّخوم، وبمحدوديته تكون معرفتنا محدودة. فنحن نعرف في حدود ما يوفّره لنا من قدرات للفهم والمعرفة. إنّ مملكة المعاني ما هي إلّا مملكة الاستعارات والأخطاء. ومن هنا، يأتي الإيمان بالاختلاف باعتباره الوسيلة الوحيدة لإقامة صلح، ولو مؤقّتا، بين كلّ هاته الرؤى التي تدبُّ دبيب النّمل في أذهان البشر.
إنّ الإنسان لا يستطيع أن يكون خالقا للمعنى إلّا إذا تحرّر من سلطة تفكّر بالنيابة عنه، وانتقاله من التفكير بالوكالة إلى التفكير بالأصالة. إنّ وجود مرجعيّات مستعارة “صناديق” تحكم التفكير وتحصره في زوايا ضيّقة محدّدة الإحداثيّات ودرجات الانفراج والضّيق، هو من معوقات إنتاج المعنى. وفي المقابل، من دواعي الشعور بغياب المعنى ذلك الكمّ الغزير من الأفكار المتوارثة والمتراكمة التي نأكلها أكلا لمّا و “نحبّها “حبّا جمّا، ونعيش بها، في نهاية الأمر، “حياتنا “.
فالأفكار لا يكون لها معنى إلّا إذا أنتجتها الذّات المفكّرة من خلال تجربتها الخاصّة. فالتجربة شرط من شروط إضفاء معنى على الأفكار. والتجربة شرط من شروط الفهم. وبهذا المعنى، فإنّ جملة من الأفكار الواردة علينا منذ عصر التدوين كما سمّاه محمد عابد الجابري تبقى غير ذات معنى إن لم ندمجها في بنيتنا المعرفيّة الراهنة. ونخضعها لمنطقنا في الفهم والتأويل. فلكلّ عصر معناه. ومن باب العنف والاضطهاد، أن تجعل معنى ما صالحا لكلّ زمان ومكان، وقادرا على الإجابة عن كلّ الأسئلة المتولّدة من قضايا العصور ومستجدّاتها. لن يكون ذلك، في نظرنا، إلّا بالقهر الإقصاء.
ونظرا إلى أهميّة قطاع “إنتاج المعاني وتوليد الدّلالات”، فإنّ العديد من الدول مجال السيادة، تحتكره لنفسها، مستبعدة النّقاش العموميّ حوله. ويتولّى أمر تدبيره جهات معلومة. تعمد إلى إنتاج المعاني بما يتلاءم مع نظامها الايديولوجيّ والدينيّ والثقافيّ. وتستغلّ وسائل الإعلام قصد قصف العقول وصناعة الرأي والذّوق العامّين، حتى لا يشبّ عمرو عن الطوق ويستطيع تحقيق الاستقلال الذاتيّ في إنتاج المعاني، والخروج من طوق التسليم بالحقيقة الواحدة الثّابتة والأزليّة.
ولا شكّ أنّ الذّات العربيّة، مدار بحثنا هذا، تعاني الكثير من الويلات نتيجة هذا الداء، بل لقد وصل بها داء “غياب المعنى” إلى مراحله المتقدّمة. فهي تعاني خصاصا كبيرا على مستوى توليد المعاني الخاصّة بها، إذ قامت بتصنيم الكثير من المعاني بواسطة عنعنات مختلفة لسلسة من الشخصيّات التي اكتست صبغة الزعامة والبطولة. وشكّلت الأنا الأعلى واللاوعي التاريخيّ الجمعيّ والذاكرة والتمثّلات الجماعيتين لذات الإنسان العربي[15]. وادّعى كلّ واحد من تلك الشخصيّات/الأبطال امتلاكه الحقيقة التي لا تقبل استئناف الفهم، وتمثيله الدّين القويم والفرقة الناجية، وتجسيده الخلاص الفرديّ والجماعيّ.
وبذلك، فإنّ الذّات العربيّة المعاصرة تفكّر بمرجعيّات مستعارة. ولم تُنتج هذه الذّات بعدُ معانيها الخاصّة التي تستجيب لاشتراطات العصر وظروفه. واكتفت بتدوير معاني الأوّلين السّابقين وتوسيعها بالشّرح والتفسير والتمطيط المبالغ فيه مكرّسة في الوعي “ثقافة الأجوبة”. تلك الأجوبة التي اعتلاها الصدأ. وفقدت قيمتها لكثرة الاستعمال وإلباسها، كرها لا طوعا، إشكالات وقضايا أكبر منها بكثير. ونقصد بهذا، أنّ الذّات العربيّة لم تستطع مجاوزة ما أُنتج في عصر التدوين من معان رغم المسافة الزمانيّة والثقافيّة والجغرافيّة التي تفصلها عن ذلك العصر البعيد. و”جعلت خطابها الإصلاحي ملحقا بالتّراث يُقرأ بصفته مدخلا إليه، بدل أن يُقرأ في ذاته ولذاته، أي بصفته تشكّلا خطابيّا متميّزا وجّهته ظروف اجتماعيّة وسياسيّة وثقافيّة مختلفة عن تلك التي وجّهت الخطاب القديم الذي أصبح يُدعى اليوم بالتّراث”.[16] أليس استهلاك معان قديمة، تجاوزت تاريخ الصلاحيّة، يؤدّي إلى هشاشة وعي الذّات المستهلكة وإصابتها بـ “داء فقدان المعنى المزمن”. وبالتّالي، الخروج من مضمار سباق الحضارات وتقدّم الأمم؟
كما أنّ الذّات العربيّة تتدهور حالة “صحّتها النفسيّة والمعرفيّة” عندما تزعم حداثتها وما بعد حداثتها. فتستهلك، مرة أخرى، معاني الغرب وأفكاره دون وعي منها بظروف تخلّق تلك المعاني والأفكار والبيئة، بكلّ ما تحمله كلمة بيئة، من المعاني التي أفرزتها.
وفي الحالتين، المرضين، يغيب ما سمّاه عبد الكبير الخطيبي بالنّقد المزدوج. نقد مزدوج، ينصبّ علينا كما ينصبّ على الغرب. ويأخذ بيننا وبينه. فيرمي إلى تفكيك مفهوم الوحدة التي تثقل كاهلنا، والكلّية التي تجثم علينا. وهو يهدف إلى تقويض اللّاهوت والقضاء على الايديولوجيا التي تقول بالأصل والوحدة المطلقة.[17] كما أنّ نقطة الضعف الأساسيّة والخطيرة في مشروع النّهضة العربيّة الحديثة، عدم الإدراك أو الوعي بأنّ” سلاح النّقد” يجب أن يسبقه ويرافقه “نقد السلاح”. لقد أغفلوا نقد العقل. فراحوا يتصوّرون النّهضة. ويخطّطون لها، بل ويناضلون من أجلها إمّا بعقود “أُعدّت من الماضي” حسب تعبير غرامشي، وإمّا بمفاهيم أنتجها “حاضر” غير حاضرهم[18].
وبالمناسبة، فالثّقافة العربيّة الإسلاميّة تحفل بالعديد من التآليف المكرّسة من حيث لا تدري، وبشكل واضح، لمثل هذه اليقينيّات المعرقلة لحركة التفكير والتجديد والإبداع، وذلك في شكل عناوين وثوقيّة دالّة على الحقيقة المطلقة التي ليست بعدها حقيقة، ومثال ذلك نذكر العناوين الآتية: “نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج “و”نهاية الأرب في فنون الأدب” و”بداية المجتهد ونهاية المقتصد” و”نهاية المطلب في دراية المذهب” و”نهاية الرتبة في طلب الحسبة” و”نهاية الاغتباط بمن رمى الرواة بالاختلاط” و”نهاية السول في شرح منهاج الأصول “و”نهاية الوصول في دراية الأصول” و”نهاية الإقدام في علم الكلام”… وغيرها من كتب النهايات التي جعلت براديغم “النهاية” منهجيّة لإيقاف تجديد التفكير واستئناف النّظر فيما تطرّقت إليه، وفصلت فيه بالحكم النّافذ.
فالنّهاية في هذه الكتب من معانيها الحلّ النهائيّ لمشكل تداوله العلماء واختلفوا فيه. أو قد يتداولونه ويختلفون فيه، أي أنّها قد تكون نقطة نهاية لمشكل لا يزال قيد التوقّع أحيانا، وحلّا استباقيّا لعدم الوقوع في الاختلاف المفترض. إنّ هذه الحلول الاستباقيّة تُعفي العقل العربيّ من التفكير. وتدفعه، كرها لا طوعا، إلى الاستقالة من مقاربة فعل الاجتهاد. فيمارس بذلك التقليم القسري والتصفيف المُحكَم لكلّ مختلف، المريدين والحفظة والمسدّدين لفاتورة الاشتراكات في وقتها، والمحترمين لقاعدة: لا اجتهاد في خلاف له، في بطون كتب السلف، جوابه/حلّه.
لا بدّ إذن، من الانفلات من سطوة الأنساق المغلقة وقيادة حراك ثقافيّ شعاره الخروج عن هذه والانعتاق من الصناديق المغلقة التي كرّست التعليب المعياريّ والتنميط الثقافيّ، وتحويل النهايات المغلقة والأنساق الثابتة إلى بدايات مفتوحة رحبة الآفاق، ومولّدة لإنتاج المختلف والمتعدّد، والتّسامي عن هذه الأنساق ونقدها. وينبغي أنّ يُشكّل “معنى النهاية إمكانا جديدا يفسح المجال أمام كائن فاعل، لا يتعامل مع نفسه بوصفه آية الحقّ ورسول الحقيقة، أو محامي الحريّة والعدالة، أو صفوة الأمّة والبشريّة”.[19] فالنّهايات بدايات ستؤول لا محالة إلى نهايات. فكلّ بداية تحمل في باطنها نهايتها.
إنّ النّسق، بما هو حزمة معايير وضوابط منهجيّة ونظم فكريّة ومعرفيّة، إن شئنا الدقّة، يستبطن دوما ثقافة القهر والإقصاء الرمزيين. فهو لا يجيب إلّا عن الأسئلة التي يطرحها هو وتفرضها معاييره، إذ أنّه غير قادر على كشف حقيقة جديدة. فهو لا يفعل أكثر من التصريح بصنف الحقيقة المضمرة سلفا في داخله. إنّ الأنساق تشوّش على الإنسان إدراك “حقيقة” الأشياء في ذاتها. ولاعتبارها وسيطا بين المرء والأشياء المدركة يجعل حدود الرؤية مرهونة بما تقدّمه من مساحات وآفاق، تمارس الحجب والعمى أكثر ممّا البيان والتبيين. وتضلّل وتعتّم أكثر ممّا توضّح وتُفصح. وتُضعف قدرة الإنسان على التعبير عمّا يراه هو من دون واسطة ولا عنعنة. فيغدو الإنسان كمن لا يرى ولا يسمع ولا يفكّر. وبالتّالي، يفقد قدرته على الوجود والحضور وتسميّة الرّاهن. إنّ الأنساق لا تعمل سوى على إنتاج الإنسان ذي البعد الواحد الذي “يفكّر” بعقل أداتي يخدم النسق لا غير.
إنّ عمليّة الفهم وإنتاج المعنى عمليّة أنطولوجيّة. فأنا أفهم يعني أنا موجود. فعمليّة الفهم “ليست مجرّد عمليّة يقوم بها المرء بين غيرها من العمليّات. إنّها عمليّة أساسيّة. عمليّة فيها ومن خلالها يُوجد المرء بوصفه موجودا إنسانيّا. فالفهم ليس شيئا يقوم به الإنسان بل هو شيء يكوّنه”،[20] ليصبح الفهم شكلا من أشكال الوجود في العالم. أو عنصرا مكوّنا من عناصر الوجود في العالم. ولذلك، فالفهم متحرّر على الدوام من قيود الأنساق وصرامتها وموضوعيتها، لأنّ هناك دائما حقيقة ممكنة. وليس هناك حقيقة بـ “أل” التعريف أبدا. فالحقيقة “حقيقة بالنسبة إليّ” أنا، أمّا أنت فلك حقيقتك. إنّ الحقيقة أصبحت “حقيقة هيرمينوطيقيّة تنفلت من تجريبيّة المنهج وصرامة الأنساق”.[21] إنّ المسألة ليس مسألة إحكام أو صيانة أنفسنا بمقابل التّراث الذي يعبّر عن نفسه من خلال النصوص، بل هي مسألة استبعاد أيّ شيء يمكن أن يمنعنا من فهم التّراث بمقتضى موضوعه[22].
إنّ المنهج، بما يضعه من أنساق، لدى كادامر “ليس هو الوسيلة الوحيدة للاقتراب من الحقيقة، إضافة إلى أنّ الحقيقة ليست مطلقة يقينيّة مكفولة الضّمان من خلال أدوات المنهج، كما لو كانت الحقيقة كنزا يكون العثور عليه مضمونا من خلال خطّة مرسومة على نحو ما وقع في ظنّ ديكارت صاحب “المقال عن المنهج” حينما كان يصوغ قواعده لهداية العقل والبحث عن الحقيقة والعلوم”.[23]
3- أسس العلاج بالمعنى عند فيكتور فرانكل: العيش بالمعنى:
يُعدّ العلاج بالمعنى مدخلا علاجيّا يستند على مبادئ الفلسفة الوجوديّة والاتّجاه الإنسانيّ في علم النفس. وهو علاج يركّز على الوجود الإنسانيّ ومعنى ذلك الوجود. ويهدف إلى تعديل المدخل الفلسفيّ لدى الأفراد وخفض معتقداتهم المحبطة، ومساعدة الشّخص المضطرب على اكتشاف المعنى المفقود في حياته. فالإنسان إذا وجد معنى في أيّ جانب من جوانب حياته سواء أكان جنسا أو قوّة أو ذريّة أو خدمة عامّة أو معاونة إنسانيّة، فإنّ هذا يكون هدفا يسعى إليه ويعيش من أجله[24].
ويؤكّد فرانكل على أنّ أسباب نشأة المرض النفسيّ هو خواء المعنى في حياة الفرد والذي يؤدّي إلى الفراغ الوجوديّ. وأنّ الفرد حينما يجد معنى لحياته فإنّه يصبح صحيحا نفسيّا. ويدرك أهميّة وجوده وقيمته. ويشعر بجودة الحياة. ويعرف أنّ حياته تستحق أن تُعاش. وأنّه يمكن أن يجد معنى لحياته عندما يواجه تجربة أليمة. أو عندما يواجه ضغوطا اجتماعيّة. أو من خلال المعاناة. فالمعاناة قد تزيد المعنى لديه. كما أنّ فرانكل “وجد في بعض الأحيان معنى في الموت، إذ يموت المرء سعيدا من أجل معنى دينيّ أو روحانيّ أو وطنيّ”[25].
فالوجود في العالم ملتبس بالقدرة على الوجود، فأن “يوجد الإنسان” يصبح معادلا “للقدرة على أن يُوجد”. فقولي “أنا موجود” لا معنى له إلّا بقدر ما يتضمّنه من قدرة على استمرار القابليّة على التعديل الذّاتي. وبعبارة أخرى: “أنا موجود” تتضمّن بالضرورة ما أتمتّع به من ديناميّة الصيرورة والتحوّل، وكلّ انخفاض في مستوى الصيرورة يعني انحدارا صوب الموت واللاشيء واللامعنى.
وبذلك نقول أنّ العلاج بالمعنى يندرج في إطار النظريّة الوجوديّة التي قامت على أساس انتقادها لكلّ من التحليل النفسيّ الفرويديّ وعلم النفس الأدلريّ، خاصّة مفهوم الدافعيّة عند كلّ منهما. ويعتبر فرانكل أنّ مبدأ اللّذة الفرويديّ ودافع المكانة الادلريّ غير كافيين لتفسير سلوك الإنسان. ويقترح فرانكل في هذا الصدد “إرادة المعنى”.
إنّ للمعنى دورا مؤثّرا في الحياة الإنسانيّة. فنقص الشعور بالمعنى وعدم تحقيقه من أهمّ الأسباب الرئيسيّة وراء نشأة الاضطرابات السلوكيّة. ويهدف العلاج بالمعنى إلى مساعدة الفرد على اكتشاف وإيجـــــاد المعنى في مواقف حياته المختلــــفة، ومساعدة الشخص على الوعي بتحمّل المسؤوليّة، والوعي بالذّات والقدرات، ومساعدة الفرد على اكتشاف المعاني الأصيلة بداخله والتي قد لا يكون على وعي بها. فيكتشف المعاني الأصيلة بأعماقه. ويدرك أنّ مصيره يتحدّد من خلال اختياراته الحرّة لا المفروضة.
ولقد حدّد فرانكل المبادئ الأساسيّة للعلاج بالمعنى بثلاثة عناصر أساسيّة:
أ-حريّة الإرادة: وهو مفهوم يتعارض مع مفاهيم الحتميّة والسلبيّة والقدريّة. وتعني “في النهاية حريّة الإرادة الإنسانيّة. وإرادة الإنسان هي إرادة كائن محدود. وحريّة الإنسان ليست حريّة من الظروف، وإنّما بالأحرى حريّة اتّخاذ موقف معيّن تُجاه أيّ ظروف قد تواجه الإنسان”[26] .
إنّ الحديث عن حريّة الإرادة هو حديث عن حريّة الفرد في اختيار أفعاله ومعانيه، وتحمّل مسؤوليته الكاملة عن ذلك الاختيار “فالإنسان ليس ببساطة أمرا موجودا، ولكنّه يقرّر دائما وجوده الذي سيكون عليه…وقياسا إلى ذلك، فإنّ لكلّ كائن إنسانيّ حرّيته في أن يتغيّر في كلّ لحظة. فالكائن الإنسانيّ هو كائن يتجاوز ذاته أو يسمو بذاته.[27] فبالرغم من كوننا في اضطرار للخضوع إلى بعض الظروف والأحوال الخارجة عن إرادتنا، إلّا أنّنا نكون أحرارا في اختيار ردود أفعالنا تُجاه كلّ ذلك.
والحديث عن حريّة الإرادة في بناء المعاني والأفعال يرتبط أشدّ الارتباط بمفهوم الوعي بالذّات. ففرانكل يحاول أن يجعل المريض واعيا كلّ الوعي بالتزامه بمسؤولياته. ويترك له حريّة اتّخاذ القرار بشأن إدراكه لنفسه بوصفه شخصا مسؤولا عن اختياره لأهدافه في الحياة. وهو بذلك يشتبك مع مفهوم آخر لا يقلّ أهميّة يتمثّل في مفهوم الوعي بتحمّل مسؤوليّة الاختيارات. فالتّأكيد على الالتزام بالمسؤوليّة جزء لا يتجزأ من العلاج بالمعنى.
ب-التطلّع إلى المستقبل: من “فقد الثّقة في مستقبله، والمستقبل بصفة عامّة، حكم على نفسه بالفناء. وأصبح عرضة للانهيار العقليّ والجسميّ”.[28] إنّ التطلّع إلى المستقبل رهين بما سمّاه فرانكل بالديناميات المعنويّة، ومعناها أن يكون هناك دائما شكل من أشكال التوتر بين إنجازات الفرد وطموحاته، أي بين ما هو عليه الآن وما ينبغي أن يكون عليه مستقبلا. فكلما ضعُف منسوب هذه الديناميات، كلّما أصبحت حياة الفرد بلا معنى وبلا مستقبل. وكلّما ارتفع منسوبها، كلّما اهتمّ بمستقبله وكانت لحياته معنى. إنّ الفرد في تطلّع دائم إلى تجاوز وضعيّة الكائن إلى حال الممكن عبر التّسامي وتصعيد درجة التوتر بين الحالين: الكائن والممكن.
ج-إرادة المعنى: إنّ إرادة المعنى تمثّل عند فرانكل دافعا رئيسيّا في حياة الإنسان، بل إنّها أقوى الدوافع الرئيسيّة. فبغيره لا يكون هناك مبرّر للاستمرار في الحياة. وهو دافع فطريّ ومتفرّد لدى كلّ إنسان، ومختلف في طبيعته وتوجّهه من فرد لآخر، بل ولدى نفس الفرد من موقف لآخر. ويمكن تحقيق هذا الدافع من خلال ما نحقّقه في حياتنا من مهام نكتشف من خلالها ذواتنا وقدراتنا على التحدّي لمعوقات إنجاز هذه المهام.
ومعنى هذا أنّ الإنسان يحتاج إلى شيء ما “ليعيش من أجله، إذ لا يستقيم العيش السليم من دون وجود “شيء” نعيش من أجله، وحتى تكون لحياته معنى. إنّ سعي الإنسان إلى البحث عن معنى هو قوّة أوليّة في حياته وليس تبريرا ثانويّا لحوافزه الغريزيّة. وهذا المعنى فريد ونوعيّ من حيث أنّه لا بدّ أن يتحقّق بواسطة الفرد وحده. ويمكن لهذا أن يحدث، وعندئذ فقط يكتسب هذا المعنى مغزى يُشبع إرادة المعنى عنده”[29].
وبذلك، حاول العلاج بالمعنى أن يعيد للإنسان إنسانيته التي سلبتها اتّجاهات العلاج التقليديّة عندما اقتصرت على الجوانب البيولوجيّة الحيوانيّة مرّة، والجوانب الاجتماعيّة النفسيّة مرّة أخرى، التي ساهمت في تغييب أهمّ عناصر في الإنسان التي تفوق اعتبارها مجرّد إشباع الحاجات أو فرض النفوذ: حرّيته ومسؤوليته على أفعاله وتطلّعه الدائم إلى تحقيق معنى لحياته حتى تستحق أن تُعاش.
لقد انتقل العلاج بالمعنى من “إرادة القوّة” إلى “إرادة المعنى”. فقوّة المعنى أكبر من قوّة القوّة. فالحياة لا تستحق أن تُعاش إلّا إذا كان لها معنى، وليس إذا كان صاحبها ذا قوّة ونفوذ. فكم من ذي قوّة ونفوذ أقدم على الانتحار، أو فكّر فيه على الأقلّ.
وإذا كانت نظريّة التحليل النفسيّ رهنت تحليلاتها بالغرائز الفطريّة وخاصّة الغريزة الجنسيّة. وركّزت النظريّة السلوكيّة على الأحداث الشرطيّة التي تقيّد السلوك الإنسانيّ، فإنّ النظريّة الوجوديّة تعطي أهميّة قصوى للإنسان في الإرادة والاختيار. فالإنسان مسؤول عن اختيار معانيه ودلالاته.
ويخاطب العلاج بالمعنى البعد الروحيّ في الذّات الإنسانيّة. ويهدف إلى مساعدة الفرد على اكتشاف المعاني المفقودة في حياته، والتي كانت سببا في الاضطراب الذي يعانيه مع ذاته ومع الآخر، وذلك من خلال تبصيره بالجوانب الايجابيّة والطاقات والإمكانات التي يمتلكها بدلا من التركيز على مواطن العجز والقصور. ويركّز حول بحث الإنسان عن المعنى في حياته. ففي العلاج بالمعنى يتمّ التركيز على الالتقاء بين الأنا والأنت، وفي هذا الالتقاء يتمّ تحرّر كلا الطرفين من “صممهما” الانطولوجي في اتّجاه تحريرهما من عماهما الانطولوجي.
إنّ تنمية “إرادة المعنى” لدى الإنسان يجعله يخلق لحياته معنى، وعلى أساس ذلك المعنى يعيش. فالإنسان إذا وجد معنى في أيّ جانب من جوانب حياته، فإنّ هذا يكون هدفا يسعى إليه ويعيش من أجله. وقد وجد فرانكل معنى المعاناة، بل أنّه يعوّل عليها كثيرا في اشتقاق معنى يعيش من أجله. كذلك وجد معنى الموت، إذ يموت الإنسان سعيدا من أجل معنى دينيّ أو روحانيّ أو وطنيّ[30].
4- الذّات العربيّة والحاجة إلى العلاج بالمعنى: المعاني تُبُنى ولا تُعطى:
كما أسلفنا، لئن تمحورت هذه الدراسة حول “العلاج بالمعنى”، فإنّها لا تهتمّ به من زاوية الطبيب النفسيّ والعلاج الإكلينيكيّ، بل تقاربه من الزاوية المعرفيّة التي تعتبر الإنسان صانع معانيه ومنشئها. وأنّ ضياع المعنى خطر يهدّد الذّات. وأنّ من لا يصنع معانيه الخاصّة مهدّد بعدم الشعور بالانتماء، ومهدّد بالشعور بالاغتراب والاحتلال وضعف المناعة الفكريّة، وفق قاعدة: “إنّ المعاني تُبنى ولا تُعطى” وقاعدة: ” إن لم تبن معناك فسيبنيه لك الآخرون”. فالعقول لا تقبل الفراغ.
وعليه، فعجزنا عن تشكيل تصوّراتنا ورؤانا للعالم بشكل مستقلّ سيحفّز الآخر على تشكيلها لنا. لذلك، علينا حماية ذواتنا وتصوّراتنا والدفاع عن حكمها الذّاتي في بناء معانيها وتشييد دلالاتها لنكون أحرارا. فصناعة المعاني وتوليد الدلالات أمن قومي ينبغي حمايته من كلّ اختراق خارجيّ يهدّده بزرع معان واستنبات دلالات ليست لنا. ويسومنا سوء العذاب الدلاليّ والمعنويّ.
إنّ الحاجة ماسّة اليوم إلى توزيع عادل لفعل بناء الدلالات والمعاني. فالذّات العربيّة المعاصرة تعاني اليوم من إقصاء وتهميش بسبب التوزيع غير المتكافئ للسلطة الفاعلة في صنع المعاني. أوّلا، من خلال اقصاء الآخر/ الغرب لها من المشاركة في فعل إنتاج المعاني والدلالات وأنماط التفكير. وثانيا، من خلال تكريس سلطة الماضي على الحاضر وسيادة منطق التفكير في المستقبل من خلال الماضي، وهيمنة قاعدة: قياس الشاهد على الغائب، ومقولة” الخاصّة والعامّة”.
فالمعاني السائدة هي معاني الطبقة السائدة من جهة، ومعاني طبقة “عصر التدوين” من جهة ثانية. فاستقرار معنى معيّن لا يعني البتّة الاتّفاق العامّ حوله، وإنّما هو استقرار مبني على أصوات مقموعة ورؤوس مقطوفة. فالذي لا يصنع معانيه، والذي يفكّر بمعاني غيره، والذي يقيس الشاهد على الغائب في تأويلاته، والذي يفكّر بالأشباه والنّظائر، والذي يفكّر بالأصل والمماثلة. هؤلاء جميعهم هم بمرض تكلّس الفكر مصابون. وهم إلى التّداوي بالمعنى محتاجون. ولعلّ من المفاهيم المقترحة للعلاج نجد: حريّة الإرادة – إرادة المعنى – معنى الحياة – التطلّع إلى المستقبل.[31]
وهي مفاهيم تُجمع على دور الذّات في صناعة معانيها الخاصّة. وتحمّلها مسؤوليتها كاملة في اختياراتها. كما تتفق حول ضرورة تمتّع الفرد بالحريّة في صناعة المعنى من دون أنساق سابقة وقبليّات موجّهة. فالفرد غير مرغم على أن يفعل ما يفعله الآخرون. أو يفعل ما يرغب فيه الآخرون منه أن يفعله، لأنّه في كلا الحالين تغيب ذاته. ويغيب معناه الخاصّ. وتغيب إرادته.
فبصناعة الإنسان معناه الخاصّ يشعر بقيمته وبإنسانيته. ويُقبل على الحياة بمعناها الواسع. يتفاعل ويتجاوب معها. ويحقّق التميّز والتفرّد والاختلاف، إذ الإنسان ليس آلة مجترّة لما ينتجه الآخرون. إنّ إرادة المعنى تمثّل دافعا أساسيّا في حياة الإنسان، بل تستحيل الحياة بدون وجود هذه الإرادة. ويصبح لا وجود لمبرّر لعيش هذه الحياة.
وهذه الإرادة لن تترسّخ في وعي الإنسان إذا لم يرتق بالوعي بذاته بوصفه شخصا مسؤولا عن اختياراته وأهدافه. فالإنسان لا يكون إنسانا إلّا حين يتجاوز ذاته. ويرتقي بها إلى ما ورائها. إنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش فردا حرّا إلّا إذا استدرك أنّ لحياته معنى. وأن يهب للأشياء معنى، وذلك على اعتبار أنّنا لا نتعامل مع الأشياء المختلفة باعتبار ما هي عليه، وإنّما نتعامل معها من خلال ما تعنيه بالنسبة إلينا.
بناء على هذا المعنى يحقّ لنا طرح الأسئلة الآتيّة:
هل الإنسان العربي المعاصر خالق لمعانيه أم أنّه يعيش عالة على صندوق “النّقد” الدولي، وصندوق التراث/الكنز الذي لا تنتهي عجائبه؟ هل تجاوز العقل العربي ما جُمع في عصر التدوين أم أنّه لا زال يفكّر بمنظومات فكريّة مستوردة من ذلك العصر؟ ألم يحقّ لنا القول بمرض العقل العربي بتكلّس المعنى. وبالتّالي، فهو في مسيس الحاجة إلى حصص عديدة من التّداوي بالمعنى، وترويض طويل الأمد على ممارسة رياضة التأويل والجري وراء الدلالات؟
هل استطاع العقل العربيّ الإسلاميّ الشّفاء التامّ ممّا أسماه غريغوري باتيسون، الأبّ الروحيّ لمدرسة ألطو بـ “الإكراه المزدوج double bind” باعتباره حالة فصام تعيشها الشخصيّة يترتّب عنها فقدان الاستقلاليّة الذاتيّة. وتبنّي مواقف متناقضة وفاقدة للانسجام، وبالتّالي الشيزوفرنيا الفكريّة؟[32] وهل يتمتّع الإنسان العربيّ بحقوقه في الفهم كاملة أم توجد قنوات خاصّة تنوب عنه في ذلك، وتحتكر سلطة صناعة المعاني وتجارة التأويلات. فيكتفي هو باستهلاك ما تنتجه تلك القنوات الخاصّة؟ وما حدود تدخّل الذّات العربيّة في بناء المعنى وتأويل النّصوص، خاصّة النّصّ الدينيّ هنا؟ ألا يمكن القول بكون الذّات العربيّة لا “تبني” معناها إلّا من خلال الإحالة على السلف/الآخر، إذ لا مشروعيّة لمعنى إلّا بوجود أصل وشبيه ونظير ومثيل ونموذج في التّراث؟ وهل التفكير بالأصل والمماثلة والأشباه والنظائر والنماذج قادر على جعل الذّات تحقّق ذاتها، إن لم نقل تتجاوز ذاتها؟
إنّ المعاني والأفكار التي وصلتنا من الآخر، ونقصد هنا بالآخر التّراث بالذّات، هي ليست معانينا بالضرورة، وإنّما هي معاني أصحابها. وبهذا المعنى، فإنّ تلك المعاني لا تُسعف الذّات العربيّة المعاصرة في التّموقع بشكل إيجابيّ في الجغرافيا المعاصرة، وفي خريطة العولمة والثورة التكنولوجيّة والإعصار الرقميّ. فالذّات التي تستهلك المعاني ولا تنتجها هي ذات معرّضة للتسمّم الفكريّ بشكل كبير. فكثيرة هي المعاني التي تجاوزت تاريخ الصلاحيّة ولا زلنا نستهلكها من خلال التفكير بها وفيها بأنساقها الثابتة التي اعتلاها الصدأ.
لقد تحكّمت في بنية العقل العربيّ نظم معرفيّة ثابتة. شكّلت النموذج الفكريّ والإدراكيّ والإطار النّظريّ له. وكانت بمثابة قوانين إنتاج المعرفة. وشكّلت صناديق مغلقة لهذا العقل أطّرت تفكيره وهيكلته، فيما يشبه نظريّة “غوبلز “في السيطرة على العقول وفق نظريّة التأطير. [33] هذه النّظريّة التي تُهندس وعي الفرد. وتجعله لا يرى إلّا ما أرى أنا، معتمدة استراتيجيّة تجعل عقله ينحصر في اختيارات محدّدة بشكل يجعله غير منفتح على خيارات أخرى أو ما يمكن تسميته بـ “الخيار الثّالث”. وهو ما يضع حجابا يمنع وعيه من الانفتاح على كلّ الخيارات الممكنة. ويحول دون تجاوز المقترح والكائن إلى غير المقترح والممكن. وكأنّي به هنا يفكّر بمنطق “الثّالث المرفوع” ومبدأ “عدم التناقض” اللّذين أصبحا اليوم عائقا أمام التفكير “الصحيح” لتنافيهما مع ما وصلت إليه البحوث الفيزيائيّة المعاصرة، خاصّة فيزياء الكمّ.
إنّ تلك الأنساق والبارديغمات الموروثة التي وصلتنا بالتّواتر منذ عصر التدوين، العصر الذي شكّل نقطة البداية لتكوين النّظم المعرفيّة للثّقافة العربيّة، هي التي نفكّر من خلالها، وبها ننظر إلى العالم، ونحلّل الأشياء والظواهر. وهذه النّظم والأنساق الثّابتة، البارزة والمستترة، هي ما ننعته بالصناديق المغلقة. إنّها مناويل وإطارات تفكير تجاوزت تاريخ صلاحيتها بتجاوز الشّرط التاريخي لظهورها. فأضحت تقيّد أحلام النّاس. وتقتل فيهم الرغبة في ممارسة كلّ جديد مختلف. وتعيق فرصة الانفتاح على كلّ الاحتمالات الممكنة. وتحجب عنهم رؤية المستقبل بجرّها لهم جرّا الى الوراء البعيد.
وهي كأيّ بضاعة إذا تجاوزت تاريخ استهلاكها فإنّها تصبح سامّة، وضررها ثابت، وخطرها لازم. لذلك ينبغي على المؤسّسات، بكافّة أنواعها، تجاوز الفكر الأحاديّ البسيط، والنهوض بمهمّة تجديد الوعي، وإكساب الأفراد كفايات التفكير من خارج الصناديق المغلقة والبراديغمات الموروثة، وتلقيحهم بآليّات الفكر المنظوميّ المركّب، والفكر النسقيّ والتّواصليّ القادر على دفعهم إلى اجتراح معانيهم الذّاتيّة للانخراط بكفاءة عالية في قضايا العصر.
فالعديد من المعاني التي مازالت تحكم رؤيتنا للعالم نعيد تدويرها بشكل فجّ، بل تحوّلت إلى ثوابت لا تقبل الاختلاف حولها و “اكتسبت بالقدم جلالا وقداسة”.[34] فأساس التطوّر ليس إزاحة حكم وإقامة غيره، أو تبديل قانون ورفع شعار جديد، وإنّما يكون “بإدخال تغيير أساسيّ على وعي المجتمع، وإبدال مفاهيمه حول العلاقات الأساسيّة بين الإنسان والإنسان، بينه وبين عالمه الماديّ”.[35]
إنّ الكثير ممّا تنجه الثّقافة العربيّة المعاصرة مرهون بتراكمات نسقيّة تراثيّة منحدرة من الميتولوجيا والدين والعادات، ورهين مركّبات نسقيّة ونظم فكريّة مرجعيّة مستوردة من التّراث. وتمتدّ جذورها إلى عصر التدوين كما أسلفنا، وأحيانا إلى العصر الجاهليّ. وقد ظلّت هذه التّراكمات النسقيّة تشحن الوعي الفرديّ والجماعيّ. وتتحكّم في إنتاج خطاباته وأفكاره ومعانيه ودلالاته ورموزه.
وبناء على ذلك، فالذّات العربيّة المعاصرة تفكّر بمرجعيّات مستعارة تجعلها ذاتا “مطابقة” لا ذاتا “مختلفة”. تماثل الآخر وتطابقه، سواء أكان هذا الآخر موروثا تراثيّا مشروطا بتاريخ إنتاجه، أو كان فكرا غربيّا معاصرا له هو الآخر ملابسات ظهوره الخاصّة. وفي الحالين معا، تكون الذّات العربيّة في وضعيّة حرجة وغير “طبيعيّة”. وضعيّة استعاريّة ليس إلّا، وغير قادرة على بناء نموذجها الخاصّ، على الرغم من تهيّبنا من توصيف “الخاصّ”، إذ لا “خاصّ” اليوم قبل الأمس، في ظلّ عولمة جارفة.
لقد نبهنا المفكّر محمد عابد الجابري إلى هذا من خلال اعتباره “تدوين التّراث أوسع، في حقيقة الأمر، من الرغبة في الانتقال من الثّقافة الشّفويّة إلى الثّقافة المكتوبة، بقدر ما كان” الهدف الكبير منه هو صياغة قوانين الذّاكرة الجمعيّة للأمّة، أي صياغة قوانين تشغيل تلك الذاكرة، وصياغة الآليّات التي على أساسها تنتج المعرفة”،[36] والانتقال من الثّقافة غير المهيكلة إلى الثّقافة المهيكلة. بمعنى آخر، الانتقال من حريّة الإنتاج الثّقافيّ والفكريّ إلى مأسسة الثّقافة وتأميم الفكر وفق أجهزة ضبط ورقابة رسميتين، ووفق “ترسانة قانونيّة” وأنساق ثقافيّة، وأدوات تحليليّة، واستراتيجيّات قرائيّة، وآليّات تأويليّة لجعل الإنسان العربيّ يفكّر بواسطة ثقافة ما ليست ثقافته بالضرورة. ويُنتج بعقل ما ليس عقله بالضرورة، لذلك نقول: إنّ مرحلة التدوين من أكثر المراحل التاريخيّة العربيّة الإسلاميّة إيديولوجية إلى اليوم، حيث تخلّقت فيها الكثير من المنظومات الفكريّة التي امتدّت في الزّمن الثّقافيّ العربيّ الإسلاميّ إلى اليوم.
لذلك ظلّت الذّات العربيّة لا تنتج المعاني إذا كانت في وضعيّة المتلقّي المستهلك. فهي بهذا المعنى، تكون قد قدّمت استقالتها في اتّخاذ القرارات وتقديم الخيارات وصناعة الاقتراحات والبدائل. فتظلّ هذه الذّات تشعر بالغربة عندما تعيش بمعاني غيرها. وتزداد حدّة الغربة حينما تفصلها مسافات جغرافيّة وفكريّة وزمنيّة عن تلك المعاني. والنتيجة الحتميّة لكلّ وضعيّات الإحساس بالاغتراب والإقصاء والوحدة هي الانتحار. فهل تعيش الذّات العربيّة مسلسل انتحارها حلقة حلقة دون أن تعي ذلك؟
ومن جهة أخرى، فالذّات غير المنتجة للمعنى تشعر بعدم مسؤوليتها عمّا يقع، بدعوى أنّ كلّ ما يقع هو نتيجة معاني مستوردة من التّراث لا دخل لها فيها. ولم يعد لتلك المعاني الموروثة معنى. وبذلك، تتعمّق إشكاليّة استقالة العقل العربيّ المعاصر وعدم انخراطه في إنتاج الأفكار القادرة على التعايش بشكل نِدّي مع الأفكار الوافدة من الثّقافة الغربيّة. وهنا، نتحدّث عن العقل العربيّ المستقيل.
إنّ إشراك الذّات في إنتاج المعاني يجعلها تشعر بتحمّل مسؤولياتها. كما يضمن لنا انخراطها، بشكل أو بآخر، في مشروع الحياة، وإحساسها بقيمة حياتها وأهمّيتها. فهذه الذّات لا تشعر بقيمة معنى ما إلّا بالمشاركة في إنتاجه وصناعته. وحين ذلك، تدرك بأنّ للحياة معنى. ويزداد وعيها بالوجود الإنسانيّ وتنمية الشعور بالمسؤوليّة والحريّة وترقيّة “إرادة المعنى” لهذه الحياة.
فالمعاني غير مفصولة عن الذّات. ولا يمكن لنا الحديث عن انتقال المعاني من ذات إلى أخرى، أو انتقال التجارب من ذات إلى أخرى. فهذا باب في الأسطورة والخرافة. كما أنّه لا يمكن لنا الحديث عن معنى يوجد قبل الذّات. فالمعاني لا تكون لها جدوى إلّا حين تكون لها دلالة عند الذّات. ونقصد بالدلالة أن تكون لها وظيفة وقدرة على حلّ المشكلات.
وبذلك نقول، لا ينبغي أن نضع وسائط بين الذّات والمعنى. فتلك الوسائط هي حجاب بين الذّات ومعناها “الحقيقيّ”. هي وسائط تنهض بمهمّة المصفاة التي تخدم، ولا شكّ، رؤية معيّنة للعالم وتوجّها محدّدا. فكلّما تعدّدت الوسائط بين الذّات والمعنى، كلّما فقدت الذّات الكثير من شخصيّتها المعنويّة. وفقدت الاستقلال الذاتيّ في التفكير والنّظر إلى الأشياء.
ونقصد بالواسطة تلك النّظم المعرفيّة المستقرّة في بنية العقل العربيّ التي كرّست لثقافة ثابتة لا تتحرّك إلى الأمام إلّا بالانشداد إلى الوراء. أو كما سمّاها نصر حامد أبو زيد: “ثقافة ليس في الإمكان أفضل ممّا كان، وليست ثقافة بقاء الحال من المحال”.[37] ثقافة الثّبات بدعوى الاستقرار. وثقافة الإيمان بأنّ” التغيير يحمل معه الشرور والمخاطر والمضار أكثر ممّا يحمل من المنافع والفوائد”[38]. وننعتها نحن بثقافة الذاكرة” و”ثقافة التفكير بالأصل”.[39]
إنّ حضور تلك الأنساق المهيمنة/ الأصنام على الذهنيّة العربيّة حول فعل إنتاج المعنى لا تتجاوز كونها مجرّد تمرين مدرسيّ موضوعه الرئيسيّ: اُنسج على منوال الأسلاف. وعندما تريد الذّات المؤوّلة / العانيّة/ الباحثة عن المعنى الإجابة، تحضر تلك الأنساق المهيمنة (العقل المكوَن) ضاغطة على وعي تلك الذّات التي تستجيب كرها وبطريقة لا شعوريّة لشروط تلك الأنساق. وبهذا، نفصل “الذات عن تاريخها. فتصبح غريبة مستلبة أمام حقيقتها”،[40] في حين أنّ “المؤوّل لا يستطيع أبدا أن يخرج من وجهة نظره الذاتيّة والتي تشكّل أفق تأويليته.[41] وهذا ما يجعلنا نمارس، دون وعي منّا، عمليّات تدوير المعرفة وإعادة إنتاج نفس الخطابات. ويتمّ ذلك، في غالب الأحيان، في اطار إخراج مشوّه لأنّ الأصل لا يمكن أن يُعاد كما هو. ولأنّ التقليد لا يخلو من مفارقة بسببها لا يكون الإنسان إنسانا “فالمقلّد يريد أن يُحاكي، أن يكون مثلا، لكنّه لا يعمل في النهاية إلّا على تعيين انفصاله. إنّه لا يعيد ولا يكرّر إلّا ما ليس هو. والمثل ليس هويّة على الإطلاق”[42].
5- خاتمة:
لقد حان وقت انعتاق التفكير من الأنساق المغلقة والصناديق السوداء المتوارثة. وقد لا نختلف في القول بكثرة الصناديق في العالم العربيّ الإسلاميّ. صناديق الماضي وصناديق الحاضر. صناديق الفكر الدينيّ. صناديق العادات والتقاليد والقناعات. صناديق التّراث. صناديق ثقافيّة. صناديق عصر التكنولوجيا. وجميعها شديدة الإقفال ومتينة إحكام الطوق. وعلى باب كلّ صندوق حرّاس غلاظ وسدنة شداد يسوّقون لما يريدون من معان ودلالات بطرق شتّى. ويمارسون قسرا دور الوساطة في الشّرح والتفسير والفهم والتأويل وبناء الدلالات. ويجعلون أمر الانعتاق من أسرها جريمة ورِدّة وخروجا عن القانون. وليس من منصرف من هذا النفق غير تحرير الوعي من دهاليز الصناديق المغلقة التي تجاوزت المنظومات الفكريّة الموجودة التي تتضمّن تاريخ مدّة صلاحيتها. فأصبح خطر التسمّم بالاشتغال بها أمرا ثابتا. نعيش معاناته اليوم عبر ربوع العالم العربيّ والإسلاميّ.
فالحاجة ماسّة اليوم إلى التفكير من خارج المناويل والاطارات والأنساق، والبحث عن المعنى من خارج إطار هذه الصناديق لأنّ النّسق يُلغي الذّات. وينتصر على الإنسان ويستعبده[43]. فالحملة اليوم، في فكر ما بعد الحداثة، هي ضدّ الأنساق وضدّ الإطار لأنّ الاثنين معا يعملان على حرمان الذّات من استقلالها الذّاتي في إنتاج معانيها وصناعة قيمها. ومن لا معنى له لا قيم له. وبهذا المعنى، نصل إلى أنّ الذّات، بصفة عامّة، لا تشعر بجودة الحياة إلّا من خلال إنتاجها معانيها وصناعتها. في حين أنّ تدوير معاني التّراث واجترارها قد يخلق لها مشاكل جمّة أهمّها: الاغتراب وعدم التلاؤم.
[1]– فيكتور ايميل فرانكل: الإنسان يبحث عن المعنى: مقدّمة في العلاج بالمعنى – التّسامي بالنّفس، ترجمة طلعت منصور، دار القلم، الكويت، ط1، 1982، ص103.
[2]– حركة دوليّة تدعم استخدام العلوم والتكنولوجيا الجديدة لتعزيز القدرة الإنسانيّة العقليّة والفيزيائيّة وقدرة التحمّل، وحتى إلغاء ما يعتبر غير مرغوب فيه في معظم الأحيان مثل الغباء، المعاناة، المرض، الشيخوخة وأخيرا التخلّص من الموت.
[3]– عادل مصطفى: فهم الفهم: مدخل إلى الهيرمينوطيقا، نظريّة التأويل من أفلاطون إلى جادامر، دار النهضة العربيّة، بيروت، ط 1، 2003، ص214.
[4]– هلال الجهاد: جماليّات الشعر العربيّ: دراسة في فلسفة الجمال في الوعي الشعريّ العربيّ، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط 1، 2007، ص53.
[5]– عبد السلام بنعبد العالي: ميثولوجيا الواقع، دار توبقال للنّشر، ط1، 1999، ص2.
[6]– للتفصيل أكثر في مفهوم النّسق الثّقافي انظر:
– عبد الله الغذامي: النّقد الثّقافي: قراءة في الأنساق الثّقافيّة العربيّة، المركز الثّقافيّ العربيّ، الدار البيضاء، ط 3، 2005.
[7]– فيكتور إميل فرانكل: إرادة المعنى: أسس وتطبيقات العلاج بالمعنى، ترجمة إيمان فوزي، دار زهراء الشّرق، القاهرة، د.ت، ص63.
[8]– فيكتور ايميل فرانكل: – الإنسان يبحث عن المعنى، مرجع سابق.
– إرادة المعنى، مرجع سابق.
[9]– عالم وبروفيسور نـمساويّ (1905-1997). يُعتبر زعيم المدرسة النمساويّة الثّالثة بعد فرويد وآدلر في العلاج النفسيّ. كان مَعْلَمُهُ الجديد عن أسلافه هو: “العلاج بالمعنى”. دخل تجارب شخصيّة، فضلا عن صدمته بوالده ووالدته وأخوه وزوجته اللّذين قتلوا جميعا في معسكرات وأفران الغاز النازيّة. عانى خلالها من التّهميش في المعتقلات لمدّة ثلاث سنوات. وكان ذلك الشّرارة المحفّزة له للاهتمام الفلسفيّ في مستوى العلاج النفسيّ الوجوديّ.
[10]– سعيد بنكراد: استراتيجيّات التأويل، جامعة محمد الخامس، الرباط، منشورات كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، ط1، 2011، ص49.
[11]– المرجع نفسه، ص8.
[12]– مارسيو داسكال: الاتّجاهات السيميولوجيّة المعاصرة، ترجمة حميد لحميداني، إفريقيا الشّرق، ط1، 1987، ص3.
[13]– المرجع نفسه، ص3.
[14]– كارل ساجان: كوكب الأرض: نقطة زرقاء باهتة- رؤية لمستقبل الإنسان في الفضاء، ترجمة شهرت العالم، سلسلة عالم المعرفة، العدد 254، المجلس الوطنيّ للثّقافة والفنون والآداب، الكويت، 2000.
[15]– للتوسّع انظر: علي زيعور: التحليل النفسيّ للذّات العربيّة: قطاع البطولة والنرجسيّة في الذّات العربيّة- المستعلي والأكبري في التّراث والتحليل النفسي، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1982.
[16]– محمّد الحدّاد: حفريات تأويليّة في الخطاب الإصلاحيّ العربيّ، دار الطليعة، بيروت، ط1، 2002، ص5.
[17]– عبد الكبير الخطيبي: النقد المزدوج، منشورات عكاظ، 2000، ص11-12.
[18]– محمد عابد الجابري: الخطاب العربي المعاصر، دراسات تحليليّة نقديّة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ص9.
[19]– علي حرب: حديث النّهايات: فتوحات العولمة ومآزق الهويّة، المركز الثّقافي، الدار البيضاء – بيروت، ط2، 2004، ص193.
[20]– عادل مصطفى: فهم الفهم. مرجع سابق، ص 214.
[21]– عمارة ناصر: اللّغة والتأويل: مقاربات في الهيرمينوطيقا الغربيّة والتأويل العربيّ الإسلاميّ، مرجع سابق، ص90.
[22]– انظر: – هانز جورج كادامر: الحقيقة والمنهج: الخطوط الأساسيّة التأويليّة الفلسفيّة، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، دار أوبا للطّباعة والنّشر والتوزيع والتنمية الثقافيّة، طرابلس، ط 1، 2007، ص373.
[23]– سعيد توفيق: في ماهية اللّغة وفلسفة التأويل، مجد المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنّشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 2002، ص90.
[24]– فيكتور إميل فرانكل: الإنسان يبحث عن المعنى، مرجع سابق، ص 12.
[25]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[26]– فيكتور إميل فرانكل: إرادة المعنى، مرجع سابق، ص22.
[27]– فيكتور إميل فرانكل: الإنسان يبحث عن المعنى، مرجع سابق، ص 172.
[28]– المرجع نفسه، ص 105.
[29]– فيكتور إميل فرانكلن: الإنسان يبحث عن المعنى، مرجع سابق، ص131.
[30]– المرجع نفسه، ص 12.
[31]– فيكتور إميل فرانكل: إرادة المعنى: أسس وتطبيقات العلاج بالمعنى، مرجع سابق، ص5.
[32]– حسن الخطيبي: مأزق الاكراه المزدوج: حراك ضدّ الصندقة، مجلّة المنهاج، مركز الغدير للدراسات والنّشر، بيروت، العدد 78-88، 2018، ص62.
[33]– نسبة إلى وزير الدعاية الألماني في عهد هتلر الذي قال: عندما تزور صديقا لك في بيته ويسألك: أتشرب شاي أو قهوة؟ فإنّه يستحيل أن يخطر ببالك أن تطلب عصيرا مثلا.
[34]– مرسيا الياد: المقدّس والمدنّس، ترجمة عبد الهادي عبّاس، دار دمشق للطباعة والتوزيع، ط1، 1988، ص5.
[35]– المرجع نفسه، ص5.
[36]– نصر حامد أبو زيد: الخطاب والتأويل، المركز الثّقافيّ العربيّ، ط 1، 2000، ص18.
[37]– نصر حامد أبو زيد: الخطاب والتأويل، مرجع سابق، ص243.
[38]– المرجع نفسه، ص 243.
[39]– حسن الخطـيبــي: قراءة التّراث من التفسير بالنّظائر إلى الوعي الهيرمينوطيقي، مجلّة المنهاج، مركز الغدير للدّراسات والنّشر، بيروت، العدد 76، 2016.
[40]– بول ريكور: الذّات عينها كآخر، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، المنظّمة العربيّة للتّرجمة بيروت، ط1، 2005، ص46.
[41]– المرجع نفسه، ص48.
[42]– عبد الفتاح كليطو: الكتابة والتّناسخ، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، المركز الثّقافيّ العربيّ، ط.1، 1985، ص 220.
[43]– للتوضيح أكثر حول مفهوم النّسق انظر:
– نيكلاس لومان: مدخل إلى نظريّة الأنساق، ترجمة يوسف فهمي حجازي، منشورات الجمل، ط1، 2010.
المراجع:
العربيّة:
- بنكراد (سعيد): استراتيجيّات التأويل، جامعة محمد الخامس، الرّباط، منشورات كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، ط1، 2011.
- توفيق (سعيد): في ماهيّة اللّغة وفلسفة التأويل، مجد المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتوزيع، ط 1، بيروت، 2002.
- الجابري (محمد عابد): الخطاب العربي المعاصر: دراسات تحليليّة نقديّة، مركز دراسات الوحدة العربيّة.
- الحدّاد (محمد): حفريّات تأويليّة في الخطاب الإصلاحيّ العربي، دار الطليعة، ط1، بيروت، 2002.
- حرب (عليّ): حديث النهايات، فتوحات العولمة ومآزق الهويّة، المركز الثقافيّ العربيّ، ط2، الدار البيضاء- بيروت، 2004.
- الخطـيبــي (حسن): مأزق الاكراه المزدوج: حراك ضدّ الصندقة، مجلّة المنهاج، العدد 78-88، مركز الغدير للدّراسات والنّشر، بيروت، 2018. -قراءة التّراث من التفسير بالنّظائر إلى الوعي الهيرمينوطيقيّ، مجلّة المنهاج، العدد 76، مركز الغدير للدّراسات والنّشر، بيروت،2016.
- الخطيبي (عبد الكبير): النّقد المزدوج، منشورات عكاظ، 2000.
- أبو زيد (نصر حامد): الخطاب والتأويل، المركز الثقافيّ العربيّ، ط 1، 2000.
- زيعور(عليّ): التحليل النفسيّ للذّات العربيّة: قطاع البطولة والنرجسيّة في الذّات العربيّة- المستعلي والأكبري في التّراث والتحليل النفسيّ، دار الطليعة، ط1، بيروت، 1982.
- مصطفى(عادل): فهم الفهم: مدخل إلى الهيرمينوطيقا-نظريّة التأويل من أفلاطون إلى جادامر، دار النّهضة العربيّة، ط 1، بيروت، 2003.
- ناصر(عمارة): اللّغة والتأويل: مقاربات في الهيرمينوطيقا الغربيّة والتأويل العربيّ الإسلاميّ، منشورات الاختلاف.
المعرّبة:
- الياد (مرسيا): المقدّس والمدنّس، ترجمة عبد الهادي عباس، دار دمشق للطباعة والتوزيع، ط1.
- داسكال (مارسيو): الاتّجاهات السيميولوجيّة المعاصرة، ترجمة حميد لحميداني، إفريقيا الشرق، ط1، 1987.
- ريكور (بول): الذّات عينها كآخر، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، المنظّمة العربيّة للترجمة، بيروت، ط1، 2005.
- ساجان (كارل): كوكب الأرض: نقطة زرقاء باهتة- رؤية لمستقبل الإنسان في الفضاء، ترجمة شهرت العالم، سلسلة عالم المعرفة، العدد 254، المجلس الوطنيّ للثّقافة والفنون والآداب، الكويت، 2000.
- فرانكل (فيكتور ايميل): إرادة المعنى: أسس وتطبيقات العلاج بالمعنى، ترجمة إيمان فوزي، دار زهراء الشّرق، القاهرة، د.ت. – الإنسان يبحث عن المعنى: مقدّمة في العلاج بالمعنى- التسامي بالنّفس، ترجمة طلعت منصور، دار القلم، ط1، الكويت، 1982.
- كادامر (هانز جورج): الحقيقة والمنهج: الخطوط الأساسيّة التأويليّة الفلسفيّة، ترجمة حسن ناظم وعليّ حاكم صالح، دار أوبا للطّباعة والنّشر والتوزيع والتنمية الثقافيّة، طرابلس، ط 1، 2007.
- كليطو (عبد الفتاح): الكتابة والتّناسخ، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، المركز الثّقافيّ العربيّ، ط.1، 1985.
- لومان (نيكلاس): مدخل إلى نظريّة الأنساق، ترجمة يوسف فهمي حجازي، منشورات الجمل، ط1، 2010.
- هوبزباوم (ايريك): عصر النّهايات القصوى، ترجمة هشام الدجاني، دراسات فكريّة، دمشق، 1998.
1 تعليق
كل الشكر والتقدير