الملخّص:
الإنسان كينونة جوهرها العقل والحريّة والعمل والانتماء وكلّ ما من شأنه أن يمسّ هذه المكوّنات الأساسيّة فإنّه يدفع الشخصيّة بطريقة أو بأخرى إلى الاغتراب. وتبرز في أسلوب التنشئة الاجتماعيّة وأنماطها المختلفة في الثقافة العربيّة منظومة بالغة التنوّع من المخاوف والاكراهات تسعى من خلالها النظم التربوية العربيّة أسريّة كانت أو مدرسيّة أو حتّى اجتماعيّة إلى الضبط الاجتماعيّ بدل تكريس الحرية المترتّبة عن المعرفة، وهو يجعل الشخصيّة العربيّة بصورة عامّة تعيش حالة اغتراب، إذ تعاني الجمود والقصور والسلبيّة، ومختلف صور الضعف والمعاناة الوجوديّة، وهي حقيقة تشير إليها أغلب الدراسات الجارية في هذا المجال. وتسعى هذه الورقة البحثيّة إلى تفكيك هذه الظاهرة ودراسة أسبابها ملمّحة في الآن ذاته إلى سبل علاجها.
الكلمات المفاتيح: الاغتراب التربويّ، الشخصيّة العربيّة، الاستلاب القمع التربويّ، الهوية، التنشئة الاجتماعيّة.
Abstract:
The human being is an entity whose essence is reason, freedom, work and belonging, and everything that may affect these basic components, in one way or another, pushes the personality to alienation. This appears in the method of socialization and its various patterns in the Arab culture, with a very diverse system of fears and compulsions. Such a system emerges, through which the Arab educational systems (whether family, school, or even social) seek social control instead of promoting the freedom resulting from knowledge. This pushes the Arab personality, in general, into a state of alienation. Hence, the Arab personality is suffering stagnation, shortcomings, and negativity, and various forms of weakness and existential suffering that is a fact indicated by most of the studies conducted in this field. This research paper seeks to dismantle this phenomenon and study its causes, referring simultaneously to ways to treat it.
Key words: educational alienation, the Arab personality, alienation, educational oppression, identity, socialization.
1- مقدمة:
يرتسم جدل القمع والهويّة والاغتراب في قلب الثقافات العالميّة المعاصرة، وتأخذ ثلاثيّة هذا الجدل صورة ظاهرة اجتماعيّا وثقافيّا تضرب جذورها في عمق الحياة الاجتماعيّة للشعوب الإنسانيّة المعاصرة. ولا تشكّل الحياة الاجتماعيّة في البلدان العربيّة استثناء، إذ تسجّل هذه الظاهرة حضورها الشامل في الثقافة العربيّة المعاصرة. فالإنسان العربيّ يولد اليوم في أجواء التسلّط والإكراه، وينمو في مؤسّسات التغريب، وينتهي إلى زنزانات الخوف. وشروط الحياة التي تحيط بالإنسان العربيّ تشكل مصدر تهديد ينال من حقيقة وجوده الإنسانيّ، وتشلّ لديه طاقة الفعل والحضور والإبداع.
تبدأ رحلة اغتراب الشخصيّة العربيّة، من القهر التربويّ في العائلة، إلى القمع المعرفيّ في المدرسة، وتنتهي إلى الإرهاب الاجتماعيّ في داخل المؤسّسات. وفي هذه الدراما المأساويّة يعيش الإنسان العربي دوامات القهر والهزيمة والاعتباط.
وهكذا، فالإنسان العربيّ اليوم يعاني – وحاله لا يختلف كثيرا عن حال الإنسان في البلدان النامية – منظومة بالغة التنوّع من المخاوف تحيط بوجوده وتتحكّم فيه، فهو يواجه الخوف من الاستعمار والصهيونيّة وإسرائيل، والخوف من الحرب الطائفيّة، ومن التعصّب الدينيّ، ومن الفقر، ومن الحرب الأهليّة، ومن التعسف الاجتماعيّ في الوظيفة والعمل، ومن السّلطة وأجهزة الأمن، ومن المرض والشيخوخة، وأخير الخوف من التمييز العنصري. ويكمن في أصل كل خوف من هذا النسق غول القهر والقمع والإكراه والتعذيب، وينشأ الإنسان في منظومة هذه المخاوف جميعها مقموعا مقهورا بكل ما في هذه الكلمات من دلالات ومعان، استبطنتها اللغة معبّرة عن الواقع الاضطهادي الذي يكتنف العربيّ، إذ تعتبر اللّغة مرآة الواقع، فهي تجسّد في فيض مفرداتها ما يفيض به هذا الواقع لا من مكونات ماديّة محسوسة فحسب، بل تعبر أيضا عن المفاهيم والتصورات السائدة. فلغة قبائل الإسكيمو في القطب المتجمد الشمالي مثلا، غنيّة بمفردات الثلج غنى لا نظير له في اللّغات الأخرى وهو غنى يعبّر في نهاية المطاف عن الغنى في واقع الحياة الثلجيّة في منطقة القطب الثلجي. وشبيه بهذا ما تفيض به اللّغة العربيّة قديما من مفردات في وصف الصحراء والسيف، وما تفيض به حاضرا من وصف الإكراه أو القمع باعتباره سمة الوجود العربيّ الراهن وخصوصيّته. إن الخطاب المتداول في اللغة العربيّة اليوم مشحون إلى حد كبير بالمفردات التي تصف القمع والإكراه والإرهاب والتخويف والبطش والعنف والاضطهاد والظلم والقهر، وهي مفردات تفيض على اللّسان بغزارة وفي تدفّق يفوق في اندفاعاته أغلب المفردات والكلمات شيوعا واستخداما، إنّ الّلغة العربيّة تعكس الواقع المرير الذي يحيط بالإنسان العربيّ ويحاصره بكل مظاهر العنف والفوضى والاعتباط حتّى صيّره يعاني اغترابا في فضائه الاجتماعيّ والثقافيّ.
إنّ الاغتراب ظاهرة اجتماعيّة تدخل في نسيج الحياة الثقافيّة الاجتماعيّة العربيّة، وتترامى أبعاد هذه الظاهرة في كل مناحي الوجود الاجتماعيّ والثقافيّ، وهي نتاج القمع التاريخيّ والسياسيّ والأخلاقيّ والتربويّ والاقتصاديّ. وليس الاغتراب نتيجة فحسب بل هو نتيجة وسبب في آن واحد لأن ممارسة القمع والإرهاب ظاهرة اغترابية بحد ذاتها، لذا يكمن الاغتراب في أصل العنف، ويكمن العنف في أصل الاغتراب وتتداخل الظاهرتان في كينونة واحدة يتعانق فيها السبب بالنتيجة والشكل بالمضمون، ممّا يعني أنّ الشخصيّة الاغترابيّة شخصيّة قمعيّة، والشخصيّة القمعيّة شخصيّة اغترابيّة في الآن الواحد. فالأب المقموع المستلب يمارس إكراهاته في أسرته ويمارس عدوانه التربويّ على الوجود الإنسانيّ لأطفاله، والمرؤوس المضطهد اغترابيّ يمارس القمع على من هو دونه في سلم التراتب. وهكذا تتبدّى الثقافة القمعية الاغترابية في كيان واحد أو صورة واحدة، فالإنسان في ثقافة القمع والاستلاب يكون في الوقت الواحد: مستَلبا وسالِبا، قاهرا ومقهورا، غالبا ومغلوبا، آمرا ومأمورا، مغتَربا ومغرِّبا، فتتجسد حينئذ وحدة القمع والاغتراب في كينونة واحدة لا تنفصل عراها في الشخصية المهزومة.
إن معالجة قضيّة الاغتراب والقمع، مسألة تتعدّى حدود الباحث الواحد والبحث الواحد، فالمسألة تتّسم بطابع الشمول وتسجّل حضورها في مناحي الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والعلميّة المختلفة. وإذا كان بحث مثل هذه القضية الشاملة يتجاوز إمكانيّاتنا، فإن مقالتنا هذه تكتفي بالبحث في ظلال الجانب التربويّ لجدل القمع والشخصيّة والاغتراب، بغية الكشف عن بعض ملامح القهر التربويّ أو القمع التربويّ الكامن في أصل وضعيّة الاغتراب الإنسانيّ في الشخصيّة العربيّة.
إنّ في عمق الجدل الشامل بين الإنسان والاغتراب تبرز التنشئة الاجتماعيّة La Socialization حاضنا ثقافيّا يتشّكل فيه الإنسان وينمو وفق المعايير الثقافيّة التربويّة التي تحدّدها الثقافة عينها. وتبرز في أسلوب التنشئة الاجتماعيّة وأنماطها المختلفة مسألة البناء الداخلي لجوهر الإنسان. فالشخصيّة لا تعدو أن تكون تشكيلا ثقافيّا تربويّا تحدّده طبيعة الحاضن الثقافيّ الذي نشأت في ظلاله، في معنى أن طبيعة الشخصيّة الإنسانيّة مرتهنة إلى حد كبير بطبيعة أسلوب التنشئة الاجتماعية، باعتباره قالبا ثقافيّا يهب الإنسان خصائص إنسانيّته، وتشكّل مرونة الحاضن الثقافيّ، وقدرته على التكيّف وفقا لمعطيات الطبيعة الإنسانيّة الفرديّة، والتوافق مع متطلباتها، الشرط الموضوعيّ لنشأة الشخصيّة الإنسانيّة وتطوّرها ومدى قدرتها على الحضور والتماسك والإبداع، لذا يلجأ اليوم علماء النفس والتربية إلى أسلوب التنشئة الاجتماعيّة السائدة في بعض المجتمعات الإنسانيّة لتفسير بعض الأحداث التاريخيّة الاغترابية. وتأكيد لهذا التصور وتدعيما له يطيب لنا في هذا المقام أن نسرد واقعة تاريخيّة هامّة تبيّن لنا إلى أي حد تكمن أهمية التنشئة الاجتماعيّة في بناء الإنسان وتحقيق تكامله النفسيّ والاجتماعيّ أو في سحق وجوده ودفعه إلى دائرة الاغتراب.
في نيسان من عام 1945، في أثناء الحرب العالمية الثانية، هاجمت الأساطيل الأمريكية جزيرة أوكيناوا التي تسيطر عليها القوات اليابانية، وبدأت تقصف الجزيرة بأطنان من القنابل ونيران المدفعيّة والطيران لمدة ثلاثة أشهر دون توقّف، حتّى أذابت الصخور والكهوف والمغاور، التي كانت الملجأ الوحيد للجنود اليابانيّين والسكان الأصليّين للجزيرة، وفيما بعد دخلت القوات الأمريكيّة الجزيرة وألقت القبض على من بقي على قيد الحياة من الجنود اليابانيّين والسكان الأصليّين. وقد لاحظ علماء النفس أن الجنود اليابانيّين الأسرى (وهم من الكوماندوس الذين تم اختيارهم وتدريبهم بعناية فائقة على خوض المعارك) كانوا يعانون من اضطرابات وأمراض نفسيّة بالغة الخطورة، وكانت دهشة علماء النفس كبيرة جدا عندما لاحظوا بالمقابل أن هذه الاضطرابات كانت متدنيّة جدا عند السكان الأصليّين. ومن أجل تفسير هذه الظاهرة ومعرفة أسباب التباين بين طرفي المعادلة، أجريت أبحاث نفسيّة وتكنولوجيّة، تبيّن بمقتضاها للعلماء أن سبب انخفاض درجة الاضطرابات النفسيّة لدى السكان الأصليّين للجزيرة ناجم عن أسلوب التنشئة الاجتماعيّة لسكان الجزيرة الأصليّين. نستنتج أنّ أسلوب التنشئة في الجزيرة، كما تبيّن، يغدق على الطفل حبّا بلا حدود، ويمنحه حريّة واسعة جدّا، ولا سيّما أثناء الرضاعة، وتسامحا كبيرا فيما يتعلّق باللّعب وضبط الإخراج ويترك حتى يسير على قدميه دون إكراه. فالتنشئة الاجتماعيّة السائدة في الجزيرة تنشئة تنتفي فيها كلّ أشكال الإكراه والعنف والتوتّر. وقد أرجع العلماء مستوى الصحة النفسيّة العالية جدا لسكان الجزيرة الأصليّين، وقدرتهم على مواجهة الرعب والخوف ولحظات الجحيم، إلى أسلوب التنشئة الاجتماعيّة الّذي منحهم طاقة هائلة في مواجهة الصعاب، وتحديّات الوجود بثبات جأش وقوة، بدرجة أكبر من الجنود اليابانيّين الّذين أُعدِّوا لويلات الحرب ومواجهة الجحيم[1].
إنّ السمات الشخصيّة في مثل الثقة بالنفس، واللّامبالاة، والاتكاليّة، والقدرة على الإنجاز، والشعور بالنقص، أو تأكيد الذات، والفرديّة، والميل للتعاون وغيرها، تعود إلى درجة الشدة أو اللّيونة المستخدمتيْن في أسلوب التنشئة الاجتماعيّة السائدة في مجتمع ما.
2- في مفهوم الشخصيّة:
يُشتقّ مفهوم الشخصية ” Personnalité” من الكلمة اليونانيّة “Persona ” التي تعنـي في الأصل قناعا، وليس من السهل أبدا الظفر بتعريف جامع مانع لهذا المفهوم، إذ أحصى جوردن ألبورت (Gordon Allport) عام 1937 خمسين تعريفا للشخصيّة، ومتح منها تعريفا متوازنا معتبرا “الشخصيّة هي تنظيم ديناميّ لوضعيّات نفسـيّة فيزيائيّة تحـقق للفـرد تكيّفـه مع الوسط الاجتماعيّ [2]“، فالشـخصية إذن ليسـت وجـودا ماديّا فحسب، بل هي كيان متناسق من التصوّرات الحـرة والأحاسيس الروحيّة والمشاعر.
يورد أحمد زكي بدوي تعريفا للشخصيّة قوامه أن “الشخصية نظام متكامل من الخصائص الجسميّة والوجدانيّة والنزوعيّة والإدراكيّة التي تعيّن هوية الفرد وتميّزه عن غيره من الأفراد تمييزا بينا “[3]. ويعرف جان ديبوا (Dubois Jean) الشخصيّة بأنّها مجموعة العناصر التي تشكّل السلوك وردود أفعال الأشخاص إزاء المواقف الحياتيّة“[4].
ويعتبر إليكس ميكشللي الشخصيّة منظومة متكاملة من المعطيات الماديّة والنفسيّة والمعنويّة والاجتماعيّة تنطوي على نسق من عمليّات التكامل المعرفيّ وتتميّز بوحدتها التي تتجسد في الروح الداخليّة التي تنطوي خاصة على الإحساس بالهويّة والشعور بها.
إنّ الشخصيّة وحدة من المشاعر الداخليّة أساسها الشعور بالاستمراريّة والتمايز والديمومة والجهد المركزيّ، في معنى أنّها وحدة من العناصر الماديّة والنفسيّة المتكاملة، والتي تجعل الشخص يتمايز عمّا سواه ويشعر بتباينه ووحدته الذاتية[5]. فالشخصيّة في نهاية الأمر، وحدة من السمات النفسيّة والثقافيّة والبيولوجيّة والعقليّة المتكاملة، وفيها تنعكس ثقافة المجتمع وأساليب التنشئة الاجتماعيّة السائدة فيه.
3- الشخصيّة والثقافة:
تتحدّد السمات الأساسيّة للشخصيّة في مجتمع ما بطابع الثقافة السائدة فيه، إذ ترتبط بنية الشخصيّة على حدّ تعبير بودونBoudon ” ارتباطا وثيقا بالثقافة المحدّدة لمجتمع معيّن”ـ؟ رأي أكّده أيضا كاردينر (Kardiner) في مثل قوله ” إن كل نظام اجتماعيّ ثقافيّ يتميّز بشخصيّة مرجعيّة فالأنا هي ترسّب ثقافيّ، وبالتالي فالشخصيّة الثقافيّة تتباين من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر”[6]، لذا تعكس الشخصيّة إلى حد كبير السمات الثقافيّة لمجتمع الانتماء، أمر يبرزه التباين السلوكيّ الّذي يظهر بين شخصيْن ينتميان إلى ثقافتيْن مختلفتيْن، إذ يمكن تمييز رجل فرنسيّ عن رجل إنكليزيّ من خلال بعض أنماط السلوك التي يقوم بها كل منهما. إن الشخصيّة المرجعيّة كما ينظر إليها كل من كاردينر ولينتون نوع من التشكيل النفسيّ الخاصّ بمجتمع ما والذي يحددّ أسلوب الحياة.” إنّ أعضاء مجتمع ما، غالبا ما، يحملون نسقا مشتركا من السمات الثقافيّة لمجتمعهم والتي تحّدد نمط الشخصيّة أساسية لهذه الثقافة”[7]. ويعتبر دوراند (Durand) “أن نظام القيم والمواقف المشتركة بين أعضاء الجماعة، يترجم إلى أشكال متعدّدة من السلوك الصريح والذي يرتبط بمواقف معينه”[8].
نستنتج في وضوح، أنّ لكلّ ثقافة شخصيّة أساسيّة مرجعيّة تعكس صورة القيم السائدة أو الصيغة النفسيّة للحياة الاجتماعيّة والثقافيّة القائمة، كما يمكن أن نستنتج أيضا، وجود شخصيّات مرجعيّة ثقافيّة لكلّ ثقافة فرعيّة أو مجتمع فرعيّ في إطار المجتمع الكبير. إنّ الشخصيّة وفقا للمنظور الاجتماعيّ الثقافيّ هي التشكيل الثقافيّ المشترك بين أفراد المجتمع وهي كما يعرفها كاردنر وجاك بيرك، “السمات النفسيّة والعقليّة العامة التي يشترك فيها معظم أفراد المجتمع”[9]، ويصطلح عليها رالف لنتون (R. Linton) بالشخصيّة المنواليّة وهو يعني بها نمط الشخصيّة المتواتر حضوره بين مختلف أنماط الشخصيّة في مجتمع محدد”[10]، ويميّز كلوكهون وزميلاه “مري” و”شنيدر”، (1953) في كتابهم الشخصية في الطبيعة والمجتمع والثقافة في الشخصية بين ثلاثة مستويات هي[11]:
أ- كلّ إنسان يشبه جميع الناس في بعض الجوانب.
ب- كلّ إنسان يشبه بعض الناس.
ج- كلّ إنسان لا يشبه أي إنسان آخر.
ونحن نرى في هذا السياق أن المستوى الأول يمثل الشخصيّة الإنسانيّة بينما يمثّل المستوى الثاني الشخصيّة الثقافيّة القوميّة أو الأساسيّة لمجتمع ما، بينما يمثّل النموذج الأخير الشخصيّة الفرديّة أو الهويّة الفرديّة والذاتيّة للفرد.
4- مظاهر اغتراب الشخصيّة العربيّة:
ظهر مفهوم الاغتراب “Alienation ” لأوّل مرة في عام 1837 في كتابات فالريه (Falret سنة الوفاة) معبّرا به عن مظاهر الاضطراب العقليّ، وبدأ هذا المفهوم فيما بعد، يوظّف في مجال علم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس الاجتماعيّ[12]. وينطوي المعنى الأول لهذه الكلمة التي اشتقّت من الكلمة اليونانيّة persona على معنى نقل الملكيّة من شخص إلى آخر إكراها. وقد استخدم الفيلسوف الفرنسيّ جان جاك روسو ت. 1778م (Jean-Jacques Rousseau) مفهوم الاغتراب، بمعنى تحوّل الإنسان إلى عبد للمؤسّسات الاجتماعيّة والنماذج السلوكيّة التي أنشأها وذلك في سياق تطوّر التاريخ الإنسانيّ.
ويعتبر ماركس الاغتراب، العملية التي يتحوّل فيها الإنسان إلى حالة تشيؤ كأن يُستعبَد من خلال العمل، ويصبح بقوّة عمله سلعة تباع في الأسواق. فالعمل وفق رأي ماركس هو الذي طوّر الإنسان، ولكن زجّ به في أكفان العبودية وزنزانات القهر[13]، فالعمل في نظره يخلق الإنسان ويطوّره، ولكنه يمتصّ في الوقت نفسه كلّ قواه ويستعبده. ويأخذ مفهوم الاغتراب عند هيغل حالة الفكر عندما يصبح غريبا على نفسه. ويحدّد مولفان سومان Melvin Seeman خمسة أبعاد أساسيّة لمفهوم الاغتراب هي: الحرمان من السلطة، وغياب معنى الحياة، وغياب للمعايير، ومن ثم غياب للقيم، وإحساس بالغربة عن الذات [14]. ويعني هذا المفهوم بصورة عامة كلّ أشكال القهر ومشاعر البؤس والشقاء التي يعاني منها الإنسان في الحياة.
الإنسان كينونة جوهرها العقل والحرية والعمل والانتماء وكلّ ما من شأنه أن يمسّ هذه المكوّنات الأساسيّة فإنّه يدفع الشخصيّة بطريقة أو بأخرى إلى حالتيْ اغتراب واستلاب. إنّ الاغتراب في حدود ما ننظر إليه ونوظّفه في هذه المقالة هو: الوضعيّة التي ينال فيها القهر والتسلّط والعبودية من جوهر الإنسان، وهو الحالة التي تتعرّض فيها إرادة الإنسان أو عقله أو نفسه للاغتصاب والقهر والاعتداء والتشويه. لذا نتبيّن تمثلا بين أدوات الاغتراب وأدوات القهر، وهي كلّ ما من شأنه أن يعاند نمو الشخصيّة الإنسانيّة وازدهارها وتفتّحها، وتتبدّى مظاهر الاغتراب في أشكال أحاسيس مفرطة بالدونية، واللامبالاة، والقهر، والضعف، والقصور والسلبيّة، والانهزاميّة. وتلك هي البوابة المنهجيّة لمفهومنا عن اغتراب الشخصيّة.
ويشير مفهوم الاغتراب إلى الحالات التي تتعرّض فيها وحدة الشخصيّة للانشطار، أو للضّعف والانهيار، بتأثير العمليّات الثقافيّة والاجتماعيّة التي تتمّ داخل المجتمع. فالعقد النفسيّة، وحالات الاضطراب النفسيّ، أو التناقضات تشكّل صورة من صور الأزمة الاغترابيّة التي تعتري الشخصيّة، فيعني مفهوم الاغتراب في بعض من دلالاته ومعانيه أن تنمو الشخصيّة نموّا مشوّها ينتهي بها إلى فقدان مقوّمات الإحساس المتكامل بالوجود والديمومة. ومفهوم الاغتراب هو أيضا، الحالة التي يتعرّض فيها جوهر الشخصيّة للقسر والإكراه. فعندما تتعرض الشخصيّة الإنسانيّة في جوهرها العقليّ، أو الثقافيّ، أو الاجتماعيّ، لنوع من التشويه والاغتصاب، تحدث عندئذ عمليّة اغتراب وتشويه. ووفقا لهذه الصيغة يمكن القول إن مفهوم الاغتراب في الشخصيّة يتحدّد بالجوانب التالية:
– حالات عدم التكيّف النفسي التي تعانيها الشخصيّة: عدم الثقة بالنفس، القلق المستمرّ، الرهاب الاجتماعيّ، المخاوف المرضيّة.
– غياب الإحساس بالتماسك والتكامل الداخليّ في الشخصيّة.
– حالة ديمومة العقد النفسيّة التي تعتري الشخصيّة: عقدة أوديب، عقدة الخصاء، عقدة النقص، عقدة الاضطهاد…الخ.
– ضعف أحاسيس الشعور بالهويّة مثل: الشعور بالانتماء، الشعور بالجهد المركزي، الشعور بالحبّ، الثقة بالنفس، الشعور بالقيمة، غياب الإحساس بالأمن.
يستبطن إذن مفهوم الاغتراب أوجها متنوّعة ومظاهر مختلفة فهل نأت الشخصيّة العربيّة بنفسها منه أم أنها تعاني الاغتراب؟ وما نعنيه هنا بالشخصيّة العربيّة، الشخصيّة المنواليّة أو الشخصية الأساسيّة أو الملامح الأساسيّة الثقافيّة والسيكولوجيّة للشخصيّة العربيّة. تميل أغلب الدراسات والأبحاث الجارية في هذا الميدان، والتجارب أيضا التي حصدها المفكّرون العرب، والخبرة الحياتيّة للإنسان العربيّ والمثقّف العربيّ تؤكد أن الشخصية العربيّة هي في حالة استلاب واغتراب. ومن أجل التواضع قليلا في معرض الإجابة عن هذا السؤال لماذا لا نطرح السؤال بصور أخرى. هل تصان حريّة الإنسان العربيّ؟ وهل يحظى بحماية القانون والمؤسّسات؟ هل يعاني الإنسان العربيّ وعيا مشوّها؟ هل يعاني إكراهات شروط الحياة الماديّة؟ في مستوى دخوله الماليّة وفي مستوى أمنه الاجتماعيّ والماديّ؟ هل هناك حروب أهليّة وطائفيّة في البلدان العربيّة؟ هل تعاني الشعوب العربيّة الأنظمة الشموليّة؟ هل يعيش الإنسان العربيّ بعيدا عن تهديد الجحافل العسكريّة وأدوات الحرب الأمريكيّة والإسرائيليّة؟ هل تُغتصَب فلسطين؟ هل يموت أطفال العراق جوعا؟ هل ما زالت دماء الأبرياء في الجزائر تهدر؟ هل تجتاح الجيوش التركيّة أراضي العراق؟ وهل يعاني شعب لبنان القهر والموت والدمار في الحروب الأهليّة وفي قانا؟ هل يعيش المواطن السوريّ اليوم في حالة أمن والجيوش التركيّة والإسرائيلية تحاصره من الجنوب والشمال والقهر الاقتصاديّ والاجتماعيّ يأتيه من تحت ومن فوق؟ هذه هي إجابتنا عن سؤال الاغتراب والاستلاب الذي يعانيه الإنسان العربي!
تعيش الشخصيّة العربيّة بصورة عامّة حالة اغتراب، فهي تعاني الجمود والقصور والسلبيّة، ومختلف مواطن الضعف والمعاناة الوجوديّة، وهي حقيقة تشير إليها أغلب الدراسات الجارية في هذا المجال[15]. ويمكن في هذا السياق أن نسرد قائمة طويلة من السمات السلبيّة للشخصيّة العربيّة، وهي سمات أكّد عليها الباحثون والدارسون في هذا الميدان ومن أبرزها: فقدان الثقة بالنفس، وغياب التلقائيّة والابتكاريّة، والشخصيّة الحالمة، واللاّمبالاة والخجل والخوف[16]. وقد تقصّى عديد الباحثين في دراساتهم سمات الاغتراب في الشخصية العربية، ونذكر على وجه الخصوص أعمال فؤاد زكريا التي يرسم من خلالها صورة مأساويّة للشخصيّة العربيّة قوامها سمات الخداع والنفاق واللاّمسوؤليّة والخضوع الأعمى والسلبيّة[17]. ونستطيع سرد عدد كبير من الأبحاث التي ترى الشخصية العربية تعيش أزمة دائمة وحقيقيّة. وبوسعنا هنا أن نتساءل، ما العوامل التي أدّت إلى تشكّل مثل هذه الشخصيّة القوميّة أو المنواليّة المحزنة؟ الإجابة ليست يسيرة ومع ذلك يمكن القول، إن عوامل ضعف الشخصيّة العربية متعددة وأهمها الأنماط الثقافيّة السائدة، والعوامل التاريخيّة والاستعماريّة والاقتصاديّة والتربوية، وغايتنا من البحث في أساليب التنشئة الاجتماعية إدراك الأسباب التربويّة التي تدفع الشخصيّة عامّة والشخصيّة العربيّة خاصّة إلى دوامات القهر والاغتراب، وهذا يتطلّب أولا ضبط مفهوم التنشئة الاجتماعيّة في خصائصها وأبعادها.
5- التنشئة الاجتماعيّة:
لا يمكن للمرء أن يظفر بتعريف جامع مانع للتنشئة الاجتماعيّة. ومن أجل بناء صورة واضحة لمفهوم التنشئة الاجتماعيّة، يمكن القول: إنّ التنشئة الاجتماعيّة هي منظومة العمليّات التي يعتمدها المجتمع في نقل ثقافته، بما تنطوي عليه هذه الثقافة من مفاهيم وقيم وعادات وتقاليد، إلى أفراده. ويمكن تعريف التنشـئة الاجتماعيـة بأنها العمليـة التـي يتـم من خلالها، دمج الفرد في المجـتمع، ودمج ثقافة المجتمع في الفرد[18].
يعـرّف غي روشي (Guy Rocher) التنشئة الاجتماعيّة “بأنها منظومة الأوّليّات التي تمكن الفـرد، عـلى مدى حياته، من تعلم واستبطان القيم الاجتماعيّة والثقافيّة السائدة في وسطـه الاجتماعيّ”[19].
ويعد دوركهايم ت. 1917 (David Émile Durkheim) أوّل من استخدم مفهوم التنشئة الاجتماعيّة Socialisation بمعناه التربويّ[20]، وأوّل من عمل على صوغ الملامح العلميّة لنظريّة التنشئة الاجتماعيّة، يقول دوركهايم محدّدا غاية التربية: إن الإنسان الذي تريد التربية أن تحقّقه فينا ليس هو الإنسان على غرار ما أودعته الطبيعة بل الإنسان على غرار ما يريده المجتمع[21]. إنّ التربية هي التأثير الذي تمارسه الأجيال الراشدة في الأجيال التي لم ترشد بعد، ووظيفتها إزاحة الجانب البيولوجيّ من نفسيّة الطفل لصالح نماذج من السلوك الاجتماعيّ المنظّم [22]. فالتنشئة هي العمليّة التي يتمّ فيها ومن خلالها دمج ثقافة المجتمع في الفرد ودمج الفرد في ثقافة المجتمع، وهي وفقا لهذا المعنى العمليّة الجدليّة التي تربط بين الفرد وبين ثقافة المجتمع، وهي العمليّة التي يتمّ فيها بناء الثقافة داخل الفرد من خلال إزاحة الجانب البيولوجي فيه لصالح الجانب الاجتماعي أو الانتقال بالإنسان من حالته البيولوجية إلى حالته الاجتماعيّة.
يقول دوركهايم في كتابه التربية والمجتمع :” يوجد في كلّ منّا كائنان لا يمكن الفصل بينهما إلا على نحو تجريديّ، أحدهما نتاج لكل الحالات الذهنيّة الخاصّة بنا وبحياتنا الشخصيّة وهو ما يطلق عليه الكائن الفرديّ؛ أما الكائن الآخر فهو نظام من الأفكار والمشاعر والعادات، التي لا تعبّر عن شخصيّتنا بل عن شخصيّة الجماعة والمجتمع الذي ننتمي إليه : كالعقائد الدينيّة، والممارسات الأخلاقيّة، والتقاليد والمشاعر الجمعيّة من أي نوع، وهي تشكل في مجموعها الكائن الاجتماعيّ الآخر، وبالتالي فإنّ بناء هذا الكائن الاجتماعيّ يمثّل في نهاية المطاف هدف التربية وغايتها[23]“.
وعلى خلاف دوركهايم يركز فرويد ت 1939 (Sigmund Freud) على أهميّة التوحد أو التقمّص في عمليّة التنشئة الاجتماعيّة ويعرف التقمّص بأنه عمليّة نفسيّة يتمثّل فيها الفرد مظهرا من مظاهر الآخر أو خاصة من خواصّه أو صفة من صفاته[24]. وتتيح عملية التقمّص للفرد أن يتمثّل أدوارا اجتماعية جديدة، وأن يستبطن مفاهيم وتصورات وقيم المجتمع الذي يعيش فيه، وذلك عبر سلسلة من العلاقات التي يقيمها الفرد مع الأشخاص الذين يحيطون به، والذين يشكلون موضوع تقمّصه، أو نماذج لسلوكه. وتبرز أوّليات التنشئة الاجتماعية عند فرويد في نظريّته حول مكوّنات الشخصيّة، وفي جدل العلاقات القائمة بين هذه المكوّنات تبرز أهميّة العلاقة بين الجانب البيولوجيّ والجانب الاجتماعيّ: فالهوLe ça ينطوي على الحالة الفطرية الأوّلية عند الكائن؛ بينما يشكل الأنا الأعلى Le sur-moi الجانب الاجتماعيّ الثقافيّ في شخص الفرد، ويرمز إلى العادات والتقاليد الجمعيّة السائدة في المجتمع، لذا يمثّل التفاعل الذي يتمّ بين الأنا الأعلى والهو عبر تدخل الأناLemoi، الجانب الأساسيّ في عمليّة التنشئة الاجتماعيّة، وعن طريق التفاعل بين عضوية الكائن وثقافة المجتمع يستطيع الفرد أن يتكوّن اجتماعيّا وأن يحظى بعضويّة الجماعة.
نلحظ في هذا الجانب تقاربا كبيرا بين نظرية فرويد ونظرية دوركهايم في العلاقة بين البيولوجيّ والاجتماعيّ، بين العقل الجمعيّ الذي يشكل شخصيّة الفرد عند دوركهايم، وبين الأنا الأعلى الذي يمثّل الجانب الاجتماعيّ في شخصيّة الفرد عند فرويد. فالتباين الأساسي بين النظريتيْن يكمن في أهميّة المصدر في عمليّة التنشئة. فبينما ركّز دوركهايم على الجانب الاجتماعيّ الخارجي في تكوين الفرد وإعداده لحياة الجماعة، ويتمثّل هذا الجانب الخارجيّ في “الضمير الجماعي ” الذي يمارس إكراها على ضمائر الأفراد، ركّز فرويد على الفضاء الداخليّ للشخص مؤكّدا أنّ عمليّة التنشئة تتمّ بالدرجة الأولى وفق أواليات داخليّة نفسيّة ماثلة في جدل العلاقة بين الفرديّ والاجتماعيّ. وتنطوي كل ثقافة على معايير سلوكية خاصة بتربية الأطفال وتحدّد في الوقت نفسه أهمّ المشكلات الرئيسة التي تواجه الطفل والطريقة التي يمكن للطفل من خلالها أن يواجه مشكلاته.
6- التسلط التربوي واغتراب الشخصية:
يُقصد بأسلوب التنشئة الاجتماعيّة، الكيفيّة التي يتمّ من خلالها بناء الثقافة في الفرد وتشكيله على نحو اجتماعيّ، ومهما كان المحتوى القيميّ للثقافة التي تنقل إلى الأفراد، فإنّ أسلوب التنشئة الاجتماعية يلعب دورا كبيرا في التأثير سلبا أو إيجابا في بنية الشخصيّة. وهذا يعني أنه يمكن لأسلوب التنشئة الاجتماعيّة الذي تعتمده بعض القبائل البدائية أن يكون أكثر كفاءة، من جهة المبدأ، لتحقيق نماء الشخصيّة وتطوّرها وذلك بالقياس إلى الأساليب التي تعتمدها الثقافات المتقدمة حضاريا. وتتمايز أساليب التنشئة الاجتماعيّة المعتمدة في درجة الشدة المستخدمة، وفي مدى اعتمادها على الأساليب العلمية في بناء شخصيّة الفرد وتربيتهم.
وتتبـاين أساليب التنشـئة الاجتماعيـة من مجتمع إلى آخر، وتتغاير من ثقافة إلى أخرى. إذ يحدّد كـل مجـتمع أنماط التنشئة الاجتماعية وأشكالها التي تلبي حاجاته الثقافية. فأساليب التنشئة الاجتماعيّة تعكس أساليب السلطة الموظفة في المجتمع وفي مؤسساته”[25]، في معنى أن أساليب التنشـئة الاجتماعيـّة مرهونـة بنوع السلطة المستخدمة في تربية الأطفال ودرجتها، فبعض المجتمعات تعتمد أساليب العقاب والتسلّط والتخويف في التنشئة الاجتماعية، أمر مـن شأنه التأثير في مضمون التنشئة الاجتماعيّة وفي شخصيّة الأفراد الذين يخضعون لأسلوب الشدة في تنشئتهم الاجتماعية.
لقـد بينـت الأبحاث الأنتروبولوجيـة، حـول التنشئة الاجتماعيّة، عند بعض قبائل الميلانيزبـا في جنوب شرق آسيا، أن التنشئة الاجتماعيّة التي تقوم على أسلوب التسـامح تـؤدي إلى إيجـاد شخصيّات غير عدوانية. وكشفت الدراسة التاريخيـّة التـي أجرتهـا مـارجريت ميـد (M. Mead) أن المثل الأعلى للرّجال في قبيلـة “ارابش ” فـي غينيا الجديدة هو الوداعة والمسالمة والرقة كالنساء تمامـا، وذلـك على خـلاف الحـال فـي قبيلـة ” موندوجومر “إذ المثل الأعلى للرجولة هو الخشونة والفظاظة والعدوانيّة، ولاحظت الباحثة أيضا، أن الرجل في قبيلـة “تشامبولي “مثال للوداعة والرقة وأنه يقوم بالأعمال اللّينة كالحفر والـرقص، فـي حـين تقوم المرأة بالأعمال الخشنة مثل صيد السمك ونسج الشباك وهي العنصر الذي يسود ويهيمن في مجتمع أبوي[26].
أدّت النتـائج التي توصلت إليها ميد، في دراستها هذه، أن تباين سمات الشخصيّة المنواليّة بيـن القبـائل المتجاورة يعود إلى تباين أساليب التنشئة الاجتماعيّة بين هذه القبائل. ويضاف إلى ذلك أن هذه الدراسة أدّت إلى تغير وجهـات نظر علماء النفس فيما يتعلّق بمرحلة المراهقة؛ ففي مجتمع “سامو” لا وجود لهذه المرحلة بصراعاتها واضطراباتها، وهذا يعني أن الاضطرابات النفسيّة ليست حالة لازمة لمرحلة المراهقة، وإنما نتاج لأساليب التنشئة الاجتماعيّة ومضامينها. فجماعات الأرابش( Arapech ) تعتبر الطفل خيٍرا في ذاته، لذا يجـب أن يحـظى بالرعاية والحب والحنان والحرية ممّا يزيل كافة أشكال الصراعات التي يعيشها الطفل[27].
وفـي هـذا السـياق يقول سلفادور جيني (Salvador Jenny) ” عندما يكون هناك تباين بين مجتمع وآخـر فـي مسـتوى تسلّطه وتسامحه، أو في مناحي نظرته الفلسفيّة، أو الجماليّة، فـإن ذلـك يعـود إلى أنمـاط التنشئة الاجتماعيّة السائدة فيه[28].
وتخـتلف عمليـة التنشـئة الاجتماعية من جهة بساطتها وتعقيدها من مجتمع إلى آخـر، فلكـلّ مجتمع مستوى نمـوه التـاريخيّ وأنمـاطه الثقافـة ومشـكلاته القيميّة ومطالبه وحاجاته. “وتكون التنشئة الاجتماعيّة بسيطة في المجتمعات البسيطة وتقوم على التقليد والتلقين أكثر من قيامها على التمييز والتفكير، أما في المجتمعات المعقـّدة فـإن هـذه العمليـة تتعـدّد فـي صورها، وفي الوسائط التي تقوم بها، وترتكز على حفز التفكير وحسن الاختيار ” [29].
ويتـأثّر شـكل التنشـئة الاجتماعيـّة ومضمـونها بعـدد من العوامل كالطبقة الاجتماعيّة، والمعتقـد، والبيئـة الطبيعيـّة، والنظام السياسيّ القائم، كما يتأثّر بالوضع الاقتصـاديّ والمسـتوى التعليمـيّ الحـاصل عنـد الأبـوين أو فـي إطـار الفئـة الاجتماعيّة [30].
إجمالا يمكن القول إن أساليب التنشئة الاجتماعيّة التي تعتمد الإسراف في استخدام الشدّة أو التساهل، تؤدّي إلى بناء شخصيّات اغترابيّة ضعيفة وغير متكاملة. وكلما اتّجهت هذه الأساليب نحو اعتماد المنطق العلميّ في التنشئة الاجتماعيّة كانت أكثر قدرة على بناء شخصيّات سليمة متكاملة.
يعتبر الاتّجاه العلميّ في التنشئة الاجتماعية نمطا من التنشئة الاجتماعيّة القائم على أسس علمية، ويهدف إلى بناء الشخصيّة الإنسانيّة المتكاملة، وينطلق هذا الاتجاه من عقلنة مختلف الظروف والشروط الموضوعيّة المؤثرة في الشخصيّة. وتعتمد التنشئة الاجتماعيّة العلمية على معطيات العلم والنظريات العلميّة في التربية. ويمكن الإشارة إلى النماذج التالية للنظريّات العالميّة المتنامية في هذا الميدان ومنها:
1-كيف تنمو قدرات التفكير عند الطفل (جان بياجيهJ. Piaget، نموذجا).
2- كيف تنمو القدرات الانفعاليّة (سيغموند فرويد S. Freud، نموذجا).
3-كيف تنمو القدرات الاجتماعيّة (إميل دوركهايمE. Durkheim نموذجا).
4- تحديد حاجات نمو الشخصيّة (أبراهام ماوسلو A. Maslowنموذجا).
ويمكن الإشارة أيضا إلى معطيات علم نفس الطفولة والمراهقة وعلم النفس التربويّ كمنطلقات أساسية لأساليب التنشئة الاجتماعيّة العلميّة.
تبيّن نتائج دراسات الباحثة الأنتروبولوجية الأمريكية مارغريت ميد (Margret Mead)[31] التي أجرتها في جنوب شرق آسيا في غينيا الجديدة، وعرضت نتائجها في كتابها المشهور الجنس والطبائع في ثلاث مجتمعات بدائية، الأهمية الكبيرة للعلاقة الجوهريّة التي تربط بين الطباع وبين أسلوب التنشئة الاجتماعيّة أثناء مرحلة الطفولة المبكرة.
وتبرز دراسات ميد أهمية الطريقة التي يتمّ بها إرضاع الأطفال ومدى تأثير هذه الطريقة في بناء شخصيّات عدوانيّة أو متسامحة. لقد لاحظت ميد وجود اختلاف كبير بين شخصيّة الراشدين في قبيلتي الآرابيش والموندوغومور: فالرجال والنساء في قبيلة الآرابيش يتميّزون بسمات الرقّة والنعومة والوداعة والطيبة والصدق والتفاؤل، بينما يتميّز رجال ونساء قبيلة الموندوغمور بالشدة والصرامة والفظاظة وقسوة القلب إنهم آكلة لحوم وصيادو رؤوس. وفسّرت الباحثة هذه الظاهرة بأسلوب التربية السائد في كلا القبيلتيْن فالطفل في الآرابش يعامل برقة ووداعة متناهية جدا، ويحظى بعناية فائقة من قبل الأبويْن فهو يجد دائما من يحمله على أكفه، والأم ترضع طفلها في كل لحظة يعلن فيها عن حاجته ويوضع عادة قريبا من ثدي الأم، وتترك له الفرصة متاحة دائما في أن يتوقف عن الرضاع ليبتسم ويرتاح ويعاود من جديد، ولا يُعنف عندما يخرج فضلاته ولا يكره على السير إلا عندما يحين موعد سيره، ولا يفطم إلا بعد أمد طويل[32]. أما الطفل في قبيلة الموندوغومور (Mundugumor)[33]، فيُربَّى على مبدأ العدوانيّة والتسلّط إذ يتمّ فطامه فجأة، ولا يسمح له بالرضاع من ثدي أمّه إلا فترة قصيرة جدا، ويُطرَد عن ثدي أمّه في أية لحظة يتوقف فيها ليأخذ قسطا من الراحة، والأمهات يرضعن أطفالهن وقوفا، ويمنع الطفل أثناء ذلك من تحريك يديْه ويبعد بسرعة إلى السلة الخشبيّة التي يوضع فيها. إنّ حياة الطفل في هذه القبيلة مشحونة بالعنف والقهر والعناء، ولحظات الرضاعة هي لحظات بؤس وشقاء، وهذا مكمن أصل المظاهر الاغترابيّة لشخصيّة الموندوغمور.
وإجمالا يمكن القول: إن أساليب التنشئة الاجتماعيّة التسلطيّة الاعتباطيّة تؤدي بصور عامّة إلى هدم الشخصيّة الإنسانيّة واغترابها، وعلى خلاف ذلك تعمل التنشئة الاجتماعيّة المعتدلة والتي تنطلق من معطيات التجربة الإنسانيّة العلميّة في التربيّة على بناء الشخصيّات الإنسانيّة المتكاملة.
تنمو الشخصيّة في الأجواء الحرّة، وتزدهر في البيئات السمحاء، وهي حقيقة تجسّدها خلاصة الفكر التربوي منذ القدم حتّى اليوم، فالعلاقات التربويّة الديمقراطيّة تشكّل منطلق العطاء والإبداع في صوره المختلفة، وتلك حقيقة تاريخيّة أثبتتها التجربة الطويلة للحياة الإنسانيّة، وأكّدتها الأبحاث والدراسات في مجال علم النفس، معتبرة تفتح العقل وبناء المعرفة أمران مرهونان بمعطيات الحريّة التي يجب أن تسود في المناخ التربوي الذي يحيط بالأطفال والناشئة.
نستنتج أنّ أسلوب القمع والتسلّط يوجد في أصل مظاهر اغتراب الشخصيّة التي تتجسد في منظومة من العقد النفسيّة مثل: عقدة النقص، عقدة الخصاء، والخصاء الذهني، عقدة أوديب، عقدة الإهمال، عقدة المنافسة الأخوية، عقدة الذنب، وعقدة فقدان الأمن. لذا يمكن أن نجد جذورا لمختلف مظاهر الاضطرابات والأمراض النفسية في أسلوب القمع التربوي.
7- الأسرة والشخصيّة:
الأسرة هي البوتقة التي تتشكّل فيها شخصيّة الفرد. وقد أجمعت تجارب العلماء وتأملاتهم على أهمية الأسرة في رسم خصائص شخصيّات الأطفال ولا سيما في السنوات الأولى من حياتهم. وأجمعت هذه التجارب أيضا، على أن الأسرة هي أمضى سلاح يعتمده المجتمع في عملية التنشئة الاجتماعيّة، وفي بناء شخصيّة الإنسان القادر على الفعل والمبادرة والإبداع. ويتوقّف أثر الأسرة في عمليّة التنشئة الاجتماعيّة على عوامل أبرزها، بنية الأسرة وخصائصها الوجدانيّة، وكذلك مستواها الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
عندما يبلغ الطفل الثالثة من عمره يكون قد أنجز – كما يبين زازو[34]– الجانب الأساسي من تراثه الوراثي. وتعود أهميّة الأسرة في بناء شخصيّة الطفل إلى العوامل التالية:
1- أهميّة السنوات الأولى من حياة الفرد كما يؤكّد العلماء والباحثون.
2- النمو الكبير للطفل خلال سنوات حياته الأولى: تشير الدراسات الجارية أن دماغ الطفل يصل إلى 90% من وزنه في الخامسة من العمر وإلى 95% من وزنه في العاشرة من العمر[35].
3- قدرات الطفل على التعلّم في هذه المرحلة، إذ يقدر بلوم (Benjamin. S. Bloom) أن الطفل يكتسب 33% من معارفه في السادسة من العمر، وترتفع هذه النسبة إلى 75% في الثالثة عشرة من العمر وإلى 100% في الثامنة عشرة من العمر وذلك كما هو في الجدول التالي[36]:
النسب المئويّة لنموّ التعلّم العامّ حتى سنّ الثامنة عشرة في تصنيف بلوم
الأعمار | النموّ في كل مرحلة عمرية | التراكم في كل مرحلة |
من الولادة حتى 6 سنوات | 33% | 33% |
من 6 سنوات حتى13 | 42% | 75% |
من 13 سنة حتى 18 | 25% | 100 % |
ويؤكد غلين دومان ت 2013 (Glenn Doman) أن 89% من حجم الدماغ الطبيعيّ ينمو خلال السنوات الخمس الأولى[37]، ويؤكد كلّ من ميداني كلاين، وآنا فرويد، والفرد أدلر، وأريكسون، وفروم، ولاكان الأهميّة المطلقة لحياة الطفولة المبكرة في نمو الشخصيّة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أهميّة ما يُسمّى بالمراحل الحرجة للتطوّر مثل: مرحلة المرآة عند لاكان، المرحلة الأوديبية عند فرويد، مرحلة الرضاعة عند ميداني كلاين، ومرحلة تشكل الهوية عند أريكسون، ومرحلة إرضاء الحاجات عند ماسلو. ويعيش الأطفال هذه المراحل الحرجة قبل بلوغهم الخامسة من العمر[38].
8- جدل القمع التربويّ والخصاء السيكولوجيّ:
العقدة النفسيّة مجموعة ذكريات وأفكار مشحونة بالانفعال[39]، وغني عن البيان أن العنف التربويّ يوجد في أصل العقد جميعها تقريبا، فهو من أصول عقدة أوديب، وعقدة الإهمال، وعقدة النقص، كما في عقدة الذنب، وعقدة العار. وتمثّل عقدة الخصاء الذهنيّ والنفسيّ الصورة الحيّة لآليّة تشكل الاغتراب في الشخصيّة الإنسانيّة، وتجسّد في الآن ذاته نتائج القمع والعنف والإكراه في التربية. ولئن كان الخصاء في أصل دلالته منحصرا في قطع الأعضاء[40] التناسلية وبترها واجتثاثها على المستوى الجسدي[41]، فإنّ له في المستوى النفسيّ والذهنيّ أهميّة لا نظير لها من حيث الخطورة ومن حيث القدرة على تحقيق الاغتراب الشامل في الشخصية الإنسانية.
يشعر الطفل بخوف لا يحتمل لمجرد أن يُهدّد بقطع أعضائه التناسليّة، ويؤدي هذا الخوف إلى رهاب الخصاء، إذ لمّا يهدد الأطفال بقطع أعضائهم التناسلية غالبا ما يركضون واضعين أيديهم على أعضائهم لحمايتها من خطر مأساوي داهم، من ذلك مثلا يُقال للطفل في بعض الثقافات ومنها العربية: إذا لم تكن عاقلا سيأتي ليلا من يقطع برعمك الصغير الذي تفخر به هل فهمت؟ [42]هذا التهديد بالقطع والبتر يتحوّل إلى نوع من الخصاء النفسي والعقلي! لماذا لأنّ الطفل سيصاب بحالة ذعر وخوف دائميْن عندما يريد أن يقدم على أيّ عمل ما لأن الخطأ يعني دائما قلق الخصاء، ممّا يجعل الطفل يتحاشى القيام بأي شيء ليتجنّب هذا الفعل الرهيب يعني القطع والبتر. يقضي الطفل ليال طوالا لا يغشى النوم عينيه خوفا من هذا القادم الذي يترصدّه، ويتخفى في مكان ما حتّى لا تستأصل أعضاءه التناسلية، وليتجنّب الطفل حالة الرعب والخوف، عليه دائما أن يكون عاقلا مطيعا وصغيرا مؤدبا متجنّبا القيام بأيّ فعل وحتى أيّ تفكير لينجو من مصيره الرهيب. تؤدّي هذه المواقف بالطفل إلى حالة الخصاء النفسيّ والعقليّ، وهي الحالة التي يفقد الطفل بمقتضاها كل إمكانيّات النموّ النفسيّ والعقليّ والانفعاليّ، فالطفل يبقى طفلا خجلا ضعيفا لا يمكنه أن ينجح في فعل أو عمل. إنّ الخصاء النفسي هو قتل لقابليّات الطفل وهدم لإمكانيّات نموه. وهذا يمثل واحدا من أهم مظاهر الاغتراب وأخطرها في الشخصيّة الإنسانيّة.
ويمكن القول بصورة أخرى إنّ عقدة الخصاء الذهني هي ” الصعوبة التي يعانيها المرء في تأكيد ذاته على نحو مستقل ومسؤول” [43]. نستنج في وضوح أنّ عقدة الخصاء لا تقتصر أبدا على مفهوم قطع الأعضاء التناسليّة بل على صيغ التهديد العنيفة التي تضع الطفل في دوامة رهابات مأساويّة بالغة العنف والخطورة. فالتهديد بقطع بعض أجزاء الجسم والضرب والتحطيم وغير ذلك يؤدي إلى عقدة الخصاء الذهنيّ. ويمكن الحديث هنا عن عقدة أوديب وفقا لصورة عقدة الخصاء فالطفل لا يستطيع أن يتوحّد مع شخص أبيه، ويتمثّل خصائص جنسه إذا كان الأب قاسيا وعنيفا.
9- تسلّط العلاقات الاجتماعيّة والاغتراب:
تلعب العلاقات الاجتماعيّة السائدة في المجتمعات العربيّة دورا كبيرا في استلاب الشخصية، لأنّ التنشئة الاجتماعيّة لا تتمّ في إطار الأسرة فحسب، بل في سياق المجتمع لذا يمكن القول إن التنشئة الاجتماعيّة هي عمليّة تواصل اجتماعيّ. وهذا يعني بالضرورة أن العلاقات الاجتماعيّة السائدة في المجتمع تمثّل بوتقة للتشكّل التربوي ومنطلق لبناء الهوية.
تبيّن الأبحاث الجارية في ميدان الثقافة العربيّة أن الثقافة العربيّة تعاني من العلاقات الاجتماعيّة التي تأخذ طابع الإكراه والقهر والتسلط وتضرب هذه العلاقات جذورها في العائلة والمدرسة والحياة العامّة للأفراد في إطار هذه المجتمعات: وتتمثّل هذه العلاقات في علاقات التسلّط التي يخضع بموجبها الصغار للكبار، والأبناء للآباء، والإناث للذكور، والفقراء للأغنياء، والضعفاء للأقوياء. فالمجتمع العربيّ مجتمع أبوي بطرياركي يشكّل فيها الأب بنماذجه المختلفة محور السلطة والحياة ومنطلق الوجود. وتتجسد هذه العلاقات في الشارع والأسرة والجامعة.
فالفرد في حياتنا الاجتماعيّة إما أن يكون غالبا أو مغلوبا، آمرا أو مأمورا، تابعا أو متبوعا، قاهرا أو مقهور، معلما أو متعلما، في غياب تامّ للعلاقات الأفقيّة في معنى أنّ العلاقات السائدة، هي علاقات تلعب دورا بترياّ خصائيّا وسلبيّا في بنية الشخصيّة العربيّة.
10- من مظاهر القمع إلى مظاهر الاغتراب:
تتعدّد المفاهيم التي تشير إلى ظاهرة استخدام القوّة والقسر في التربية، ويجد الباحث نفسه إزاء مفردات عديدة متداخلة جدّا في وصف ظاهرة العنف والتطرف في توظيف السلطة. ومن هذه الكلمات تمثيلا لا حصرا، يشار إلى: العنف التربوي، القمع التربوي، الإرهاب التربوي، التسلط التربوي، الإكراه التربوي، الاضطهاد التربوي، الاستلاب التربوي، القهر التربوي، إضافة إلى كلمات أخرى عديدة توظف من أجل هذه الغاية نفسها [44]. من جهة المبدأ يصلح أي مفهوم من المفاهيم السابقة ليوظف مكان الآخر فالخط الفاصل بين هذه المفاهيم لا يرى بالعين المجردة وقد يكون هناك من الخطوط ما يكتشف بالمجهر.
ويتضمن مفهوم القمع الذي وقع عليه اختيارنا ووظفناه في مجال التربية ثلاثة عناصر أساسية وهي:
أ) فكرة الشدة (كما في العاصفة أو الإعصار)
ب) فكرة الإيذاء (كما في الوفاة بحادثة)
ج) فكرة القوّة العضوية أو المادية[45].
إنّ ما نعنيه بالقمع في هذا السياق (وهذا ينسحب على المفاهيم السابقة) هو استخدام أقصى درجات الشدّة والقوة ضد الآخر لإخضاعه وإلغاء وجوده المعنويّ والشخصيّ ماديّا أو معنويّا بصورة جزئية أو كلية. والقمع قد يكون نفسيّا أو رمزياّ أو ماديّا وقد يشتمل على جميع هذه الجوانب دفعة واحدة[46].
يقوم مفهوم القمع على مبدإ الإلزام والإكراه والإفراط في استخدام السلطة الأبوية، ويقوم على مبدإ العلاقات العموديّة العلاقات بين السيد والمسود بين الكبير والصغير بين القوي والضعيف بين التابع والمتبوع، ويمارس العنف هنا بأشكاله النفسية والفيزيائيّة ويقوم:
1-على أساس التباين في القوّة بين الأب والأم.
2- اللّجوء إلى العنف بأشكاله.
3- المجافاة الانفعالية والعاطفية بين الآباء والأبناء.
4-وجود حواجز نفسية وتربوية بين الآباء والأبناء.
ويتمّ اللجوء هنا إلى أساليب القمع والازدراء والاحتقار والتهكم والامتهان والتبخيس، وأحكام الدونية والتخويف والحرمان والعقاب الجسدي، في غياب كامل لعلاقات الحبّ والحنان والتساند والتعاطف.
ويكمن أسلوب التسلط هذا في أصل العقد والأمراض النفسية مثل: عقدة النقص، عقدة الخصاء والخصاء الذهني، عقدة أوديب، عقدة الإهمال، عقدة المنافسة الأخوية، عقدة الذنب، وعقدة فقدان الأمن. والاتجاه التسلطي في التربية يمكنه أن يفسر مختلف مظاهر الاضطرابات والأمراض النفسية.
إنّ السّلطة كما بينا ظاهرة طبيعيّة ضروريّة للحياة الاجتماعيّة والتربويّة ومن غير السلطة تتحوّل الحياة الاجتماعيّة ومنها التربويّة إلى جحيم لا يطاق. أما التّسلط فهو الإفراط السلبي في ممارسة السلطة، ويعني ذلك استخدام أساليب القمع والإكراه وأساليب العنف في السيطرة على الآخر من أجل مجرد إخضاعه والهيمنة على وجوده، فتنحرف هذه الممارسة عن غاياتها الإيجابية الساعية إلى تنظيم الحياة بصورة إيجابية. ومن هذا القبيل يمكن الإشارة إلى الممارسات الديكتاتورية التي تجعل من مصالح بعض الأفراد في موقع السلطة غاية السلطة ومنتهاها.
– فبينما تسعى السلطة إلى تنظيم الحياة وضبطها وتوجيهها، يسعى التسلط إلى مجرد الهيمنة والسيطرة والإخضاع.
– في ممارسة السلطة توظّف القوة لغايات اجتماعيّة بينما تستخدم هذه القوة بصورة عبثية في حالة التسلط.
– القوة وسيلة السلطة في تحقيق الغايات بينما هي غاية في ممارسة التسلّط.
باختصار السلطة هي التنظيم والفعل الغائي الهادف إلى البناء والتنظيم، وهي التوظيف المعتدل للقوة من أجل تحقيق الغايات، أما التسلّط فهو الإفراط في ممارسة القهر والعنف من أجل الهيمنة والسيطرة والإخضاع.
لا يمكن الإحاطة أبدا بالنتائج المتعدّدة التي تترتّب على ممارسة أساليب القمع والإرهاب في تنشئة الأطفال وتربيتهم، والتي تبدأ، وفقا لجرعات العنف التي يتعرض لها الطفل، من الاضطرابات النفسية بأشكالها المختلفة إلى الوقوع تحت تأثير مركّبات الضعف والنقص والإحساس بالدونية ومشاعر الذنب، وبعدها إلى حالات الأمراض النفسية والانهيارات الفصامية الخطرة. إن تعرض الفرد لمثل هذه الاضطرابات والأمراض مرهون بعوامل متعددة أبرزها:
1- درجة العنف التي تعرّض لها.
2- المرحلة الأكثر تعرضا لإكراهات السلطة مع الإشارة إلى طبيعة كل مرحلة وخاصّة السنوات الخمس الأولى من العمر التي تشكل أخطر مراحل البناء الوجودي للإنسان.
3- مدى ممارسة أحد الوالدين أو كلاهما للعنف.
4- طبيعة العلاقات الأسرية وأجواء الأسرة الانفعالية التي غالبا ما تكون مشحونة بالعنف.
5- مدى استخدام العنف في المدرسة.
6- مدى هيمنة العلاقات التسلطية أو درجة الإكراهات السائدة في الوسط الذي يحيط بالطفل والتي قد تعزز الآثار السلبية للعنف الذي تمارسه الأسرة أو تخفّف منه.
7- الوضعيّة السيكولوجية الخاصة بالطفل: بعض الأطفال أكثر هشاشة وبعضهم أكثر قدرة على المقاومة.
تؤكد الدراسات النفسيّة والتربويّة على أهمية الحرية والسلطة في بناء شخصية الطفل كما يؤكد علماء النفس على أهميّة المناخ الانفعالي الذي يحيط بالأطفال والناشئة وتأثيره في بناء شخصية الطفل. وغني عن البيان أن تصورات الراشدين عن طبيعة الطفل تلعب دورا حاسما في تكوين اتجاهاتهم ومواقفهم من الأطفال ومن إمكانيات تربيتهم.
وفي هذا الخصوص يرى كامبال يونغ (Kimabal Young) أن كل ثقافة تنطوي على مجموعة من العناصر التي يمكن من خلالها تحديد أوّليات بناء الشخصيّة وعناصر تشكّلها ويمكن إدراج هذه العناصر في المحاور التالية[47] :
1- درجة الشدّة المستخدمة في عملية التنشئة الاجتماعيّة والتعليم.
2- حجم الإحباطات التي يتعرض لها الشخص في سياق نموه.
3- درجة الحب الذي يغدقه الكبار على الصغار.
4- مدى حضور مبدأ العقاب والضبط الأخلاقي.
5- تصور الذات المفروضة على الطفل.
ولا يمكن لهذه القائمة من العناصر أن تكون شاملة فهناك عدد كبير من العناصر الثقافيّة الأخرى التي تلعب دورا كبيرا في تشكيل الشخصية وبنائها. ومن هذه العناصر يمكن الإشارة إلى طريقة تقميط الطفل وإلى الإكراهات الجسدية التي يتعرض لها وإلى نمط التجارب الخاصّة التي يباشرها الأطفال مع الوسط الذي يعيشون فيه. تشكّل هذه العناصر متغيرات تربوية واجتماعية بالغة الأهمية والخصوصية في مجال بناء الشخصيّة وتشكّلها [48]. يؤدّي غالبا الاتجاه التسلطي إلى تكوين شخصيّة يعتريها الخوف الدائم، أو الرهاب الدائم الذي يتمثل في مخاوف مرضية غير طبيعية، وهي مخاوف تجعل الطفل في حالة إنسانية ذات طابع مأساوي. فالفرد الذي ترعرع في وسط التسلط والإرهاب غالبا ما يكون خائفا من السلطة، يعتريه الخجل، ويشعر بالخوف من الآخرين، ويشعر بعدم الكفاءة، غير واثق من نفسه في أوقات كثيرة، وهو في كل الأحوال يجسّد شخصيّة ليس لها القدرة على التمتّع بالحياة والتأثير فيها على نحو إيجابي.
وغالبا ما تؤدي الأساليب التسلطية في التربية إلى بناء شخصيات انطوائيّة انسيابيّة غير واثقة من نفسها، توجه عدوانها نحو ذاتها. فالتلاميذ الذين عاشوا أجواء اسر متسلطة يرهبون حتى من تقديم الإجابات الصحيحة في المدرسة خوفا من ارتكاب الخطأ وعدم الثقة وخوفا من السخرية المحتملة ومن التأنيب. فهم يفتقرون إلى الأمان ويرهبون الكبار ويشكون في قدراتهم، ويرهبون الأنظار التي تقع عليهم لأنهم يشعرون دائما بمشاعر الخزي والعار الوجوديين، ويشعرون بشلل وجودي ذي طابع مأساويّ يقتل فيهم كل المشاعر الإنسانيّة النبيلة والساميّة. إنّ الشكّ في أنفسهم يحيط بهم من كل حدب وصوب، ويبدو في مظهرهم، وفي الأشياء التي تحيط بهم والتي يحيطون بها، إنه شك في أنفسهم وفي الآخرين، وفي الوجود الإنسانيّ برمته.
ويترتب على الإفراط في استخدام التسلط بناء شخصية متمرّدة خارجة عن قواعد السلوك وعن كل قانون وسلطة، طلبا لتفجير مكبوتات القهر والمعاناة الناجمة عما تعرضت أو تتعرض له من ضروب القسوة. وعلى هذا ” فإن السلوك العدواني الذي يتجه نحو ممتلكات المجتمع، دون أيّ إحساس بالذنب أو التأنيب يصدر عن أشخاص لم يشعروا بانتمائهم لأسرهم أو حبهم لها وهم بذلك يفجرون مكبوتات الألم الصاعق بالعدوان والتدمير على كل شيء يقعون عليه بعيدا عن أنظار المجتمع. إنّ الإنسان الذي يفتقر إلى الحب وخاصة حب والديْه، والذي واجه في ماضيه قسوتهم، يصعب عليه أن يفيض بالرحمة والحب تجاه الآخرين، وكيف يفعل ذلك وأقرب الناس إليه لم يرحموا إنسانيته في طفولته. لذا يمكن القول إنّ التسلّط التربوي ينمي في الشخصيّة قيم البغض والضغينة والتسلّط والتصلّب والجمود والكراهيّة والقلق والخجل والاضطراب والإثم ومركب النقص وفقدان القدرة على التكيف والاتكالية وروح الانهزام.
وعلى المستوى المعرفي لا يمكن لهذه التربية أن تنمي في الإنسان القدرة على الإبداع والابتكار وحب التحصيل أو الميل إلى تأكيد الذات وحضورها، بل تؤكد في النفس الإحساس بالدونية والقصور وروح الهزيمة والاتكال والشعور بالنقص والتبخيس الذاتي.
تبين الدراسات الجارية في ميدان التربية وعلم النفس، أن تربية التسلّط تؤدي إلى نتائج نفسية بالغة الخطورة وتفيد المقارنات الجارية بين النتائج التي يعززها أسلوبا التنشئة الديمقراطية والتسلطية، إلى وجود فروق نوعية في الآثار المتروكة يمكن أن ترسم على النحو التالي.
آثار التنشئة التسلطيّة |
| آثار التنشئة الديمقراطيّة |
التبعية | 1 | الاستقلال |
الأنانيّة (مركزية الذات) | 2 | النزعة الاجتماعيّة |
كسل وإحباط | 3 | المواظبة والإنجاز |
الاضطرابات الانفعالية | 4 | التوازن الذاتي (ضبط الذات) |
التوافقية | 5 | الإبداع |
العدوانية | 6 | المودة |
القلق | 7 | الإحساس بالأمن |
الحزن والاكتئاب | 8 | الفرح والسعادة |
يعلن الجدول أن تربية الإكراه والتسلط تؤدي إلى عمليّة هدم في الشخصيّة، وإلى حالة أزميّة متواصلة ومستمرة تفقد فيه الشخصيّة مشاعر الإحساس بالأمن والانتماء والثقة ومختلف أسس البناء التي سبق لنا الإشارة إليها أعلاه.
وتبين الدراسات الجارية في ميدان التنشئة الاجتماعيّة أن الأساليب التسلطيّة والتقليديّة في التربية تؤدي إلى هدم البنية النفسيّة والاجتماعيّة والعقليّة للشخصيّة عند الأطفال. وعلى خلاف ذلك تبين هذه الدراسات أن الأطفال الذين يعيشون في أوساط أسريّة تعتمد التنشئة الاجتماعيّة الديمقراطيّة يتميزون بالسمات التالية [49]:
1-أكثر ذكاء وقدرة على التحصيل.
2-أكثر قدرة على التكيّف الاجتماعي.
3-أكثر قدرة على الإنجاز.
4-أكثر قدرة على الانهماك في نشاط عقلي تحت ظروف صعبة.
5-أكثر اعتمادا على النفس وميلا إلى الاستقلال.
6-أكثر اتّصافا بالود وأقل عدوانية.
7-أكثر تلقائية وأصالة وابتكار.
وعلى خلاف ذلك فإن الأطفال الذين يعانون من عقد النقص والقصور والدونية هم هؤلاء الأطفال الذين خضعوا لتنشئة اجتماعيّة تقليديّة متصلبّة في مراحل طفولتهم الصغرى.
وتنطلق التربية المتسلّطة من مبادئ تربويّة أبويّة المنشأ تقليديّة الاتّجاه ومنها: أنّ الطفل الصغير صفحة بيضاء، وأنّ التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وأنّ الطفل راشد صغير له ما للكبير من قدرات خاصّة على المستوى الأخلاقي، وأنّ الطفل ينطوي على نزعة شريرة يجب أن تستأصل بالعقاب والإكراه، وهي من مبرّرات استخدام العقاب ضدّه في كل شاردة وواردة. وإجمالا تفتقر الأجواء التربويّة التسلّطية إلى العلاقات الإنسانيّة الدافئة، وتوجد بين أفراد هذه الأسر حواجز نفسيّة واجتماعيّة وأخلاقيّة تدفع الطفل إلى مزيد من أحاسيس البؤس والشقاء والعدمية.
11- مظاهر القمع والتسلّط في التربية العربيّة:
يعيش الطفل العربيّ في عالم من العنف المفروض داخل الأسرة والمتأتّي من السلطة الأبوية [50]. وهو في هذا السياق يعيش بين إكراهات الحبّ الأموميذ وبين إكراهات القسر الأبويذ، فحبّ الأم العربيّة لأبنائها – رغم حرارته العاطفيّة – يغلب عليه الطابع التملّكي. يقول مصطفى حجازي في هذا الصدد: “تفرض الأم هيمنتها العاطفيّة على أطفالها. وتشلّ في نفوسهم كل رغبات الاستقلال، وتحيطهم بعالم من الخرافات والغيبيات والمخاوف، فينشأ الطفل انفعاليا خرافيا عاجزا عن التصدي للواقع من خلال الحسّ النقدي والتفكير العقلاني”[51]. ممّا يعني أنّ الطفل يعيش بين إكراهيْن بين حبّ الأم الذي يسحق شخصيّته وبين تسلّط الأب الذي يمحق وجوده.
يُعدّ اتّجاه القمع والتسلط والإكراه في التربية واحدا من أبرز ّ التربويّة السائدة في مجتمعاتنا العربية. ويقوم هذا الاتّجاه على مبدإ الإلزام والإكراه والإفراط في استخدام السلطة الأبوية في تربية الأطفال وتنشئتهم. وينطلق التسلّط التربوي من مبدإ العلاقات العموديّة التي تتجسّد في إطار الأسرة والتي تتمثل في علاقات القوة التي تأخذ صورة العنف بأشكاله النفسيّة والفيزيائيّة والجسديّة. فضلا على أنّ السلوك التسلّطي يقوم على المبادئ التالية:
– يقوم السلوك التسلّطي على أساس التباين في القوّة والمقدرة في مستوياتها المختلفة وذلك على المستوى العقلي والانفعالي والفيزيائي. ويتجلّى هذا التفاوت في القدرة في التباين بين قوّة الآباء والأبناء بين الذكور والإناث، بين الصغار والكبار. ويتيح هذا التفاوت للطرف الأقوى دائما ممارسة السلطة والتأثير على الطرف الأضعف: سلطة الأب على الابن.
– يتمّ اللّجوء إلى العنف بأشكاله المختلفة الرمزيّة والنفسيّة والماديّة.
– يقوم على مبدإ المجافاة الانفعاليّة والعاطفيّة بين الآباء والأبناء ويتمثّل ذلك بوجود حواجز نفسية وتربوي كبيرة بين أفرد الأسرة الواحدة.
– لا يسمح للأبناء داخل الأسرة بإبداء آرائهم أو توجيه انتقاداتهم وإن حدث ذلك فإن هذه الآراء والانتقادات قد تكون مصدر سخريّة وعقاب بالنسبة إليهم.
يستخدم الآباء في إطار الأسر العربية المتسلّطة أساليب القمع النفسيّ والجسديّ في تربية أطفالهم. ويمكن لنا أن نميّز في هذا الصدد بين مجموعتيْن:
تشمل المجموعة الأولى أساليب القمع النفسيّ مثل: الازدراء والاحتقار والامتهان والسخرية والتهكم والتبخيس وأحكام الدونية وتوجيه الألفاظ النابية، وأساليب التخويف وأساليب الحرمان المختلفة كالزجر والنهي، غالبا ما تعتمد العقوبات النفسية التي يكون أثرها أكثر خطرا من آثار العقوبة الجسدية في التأثير على شخصية الطفل وهدمها. ومن الأساليب النفسية المعتمدة في هذا الخصوص طريق إشعار الطفل بالذنب كلّما أتى سلوكا غير مرغوب فيه أو كلما عبّر عن رغبة من رغباته، ويتجسّد ذلك في أساليب التحقير والازدراء أو التقليل من شأنه الأبناء ومن قيمة سلوكهم، فبعض الآباء والأمهات يبحثون عن أخطاء الطفل ويبدون ملاحظات نقدية هدامة لسلوكه، مما يفقد الطفل ثقته بذاته، ويجعله مترددا في أي عمل يقدم عليه خوفا من حرمانه من رضا الكبار وحبهم. وغني عن البيان أن التأنيب النفسيّ العنيف يفقد الطفل ثقته في ذاته ويضعه في متناول مشاعر الدونية والقصور. يعامل بعض الآباء أطفالهم بروح القسوة والتعسف ظنا منهم أنهم بذلك يقومون اعوجاجهم ويصلحون حالهم. ولكن وعلى خلاف ذلك يفقدون الطفل تدريجيا أهم مقومات تكامله النفس ونموه الانفعالي والعقلي.
وتشمل المجموعة الثانية أساليب العقاب البدني والفيزيائي مثل: الضرب بأشكاله المختلفة وبأدواته المتنوعة والحرمان والسجن والمنع.
وينطوي الاتّجاه التسلّطي في التربية على مجموعة من الأوامر والنواهي والتعليمات الصارمة التي تفرض على الأطفال والناشئة داخل الأسرة، وينزّل العقاب على كل من يتجاوز هذه الحدود والنواهي.
أمّا عن نمط القيم والمفاهيم السائدة في أجواء الأسر المتسلّطة، فتظهر قيم العنف والإكراه والقسر والخضوع والتراتب والعلاقات العموديّة، مقابل ضمور قيم المودة والتفاهم والحوار والمحبّة. و يمكن التنويه في مستوى العلاقة بين أفراد الأسرة بعلاقات التجافي القائمة على مبادئ التباين بين أطراف هذه العلاقة. فالعلاقات القائمة في الأسرة المتسلّطة هي علاقات قوامها مركب العلاقة بين الكبير والصغير بين القوي والضعيف بين السيد والمسود بين الغالب والمغلوب بين الآمر والمأمور وذلك كله دون وجود حدود وسطى لطبيعة التطرّف في هذه العلاقات القائمة بين أفراد الأسرة. وتسود في الأوساط التربويّة المتسلّطة غالبا، العلاقات التي تفتقر إلى الحب والحنان والتساند والدعم النفسي والتعزيز والمساندة والتفاهم والحوار بين أطراف العائلة وخاصة بين الآباء والأبناء، فيسود التنافر العاطفي وتهيمن أساليب التسلّط والتعنيف وانفعالات الغضب والعدوان وتسود النزعة إلى إيجاد الحلول التربوية عن طريق القوة والقهر. وفي المناخ التسلطي يفرض الآباء على الأبناء أنماط سلوكهم وحركتهم وفعاليّاتهم ولا يسمح لهم بإبداء الرأي أو الاعتراض.
يرى خلدون النقيب في هذا السياق أن الأزمة الثقافيّة تكمن في الأزمة التربويّة. ويقول في هذا الخصوص: ” في المشكل التربوي تكمن عمليّة إعادة إنتاج عناصر الأزمة التي يعانيها الفكر العربي والثقافة العربية “[52]. فالنظم التربوية العربيّة تسعى إلى الضبط الاجتماعيّ بدلا من تكريس الحرية المترتّبة على المعرفة، وإلى توليد المسايرة والانصياع لمعايير الجماعة للمحافظة على الوضع القائم بدلا من زرع روح التمرد المبدع البناء “[53].
إن نظرة متأنية إلى واقع التربية العربيّة تؤّكد أن التربية مغرقة في تقليديتها وذلك على مستوى المدرسة وعلى مستوى الأسرة وفيما يلي نصف ملامح هذه التربية:
1-أسلوب التنشئة الاجتماعيّة أسلوب تقليدي يعتمد على التسلط والإكراه.
3- يسود أسلوب الضرب والعقاب الجسدي في المدرسة والأسرة.
4- يسود أسلوب التحقير والإذلال والازدراء يسود في الأسرة والمدرسة.
5- تتداخل في أساليب التنشئة العربيّة أساليب الشدة والتذبذب والمحاباة والترك والحماية الزائدة بنسب مختلفة.
6- تعتمد التربية العربية على المبادئ التقليدية ومنها:
–الطفل شرير بطبعه– تقديم التعليم على التربية – الطفل راشد صغير – التربية إعداد للحياة وليست هي الحياة – التربية ترويض وليست تحرير. ومثل هذه التربية تنمي في الإنسان كل مشاعر الضعف والنقص والقصور والدونية والإحساس بالذنب، وتؤدي به إلى حالة اغتراب شاملة.
لقد بيّنت إحدى الدراسات التي أجرتها الدكتورة إحسان محمد الدمرداش في مصر العربية في عام 1980 أنّ الأمّهات المصريّات يعتمّدن الأسلوب التقليدي القديم في تربية الأطفال، وهو أسلوب الشدّة في تربية الأطفال، وأكّدت هذه الدراسة أنّ الأم المصرية تنظر إلى حرية الطفل في التعبير والمناقشة بوصفها جرأة شديدة لا يسمحن بها، وذهب الآباء إلى حد التوصية بمبدإ الضرب لأن ما نشاهده من مظاهر مرضية يعود برأيهم إلى التربية المتساهلة والحرة في مرحلة الطفولة[54].
وفي دراسة أجرتها جامعة الإسكندرية حول موضوع بناء الإنسان المصري وأساليب التنشئة الاجتماعية السائدة لديه تبين ما يلي [55]:
1- المجتمع المصري مجتمع أبوي بالدرجة الأولى
2- تقوم الأم بالدور الرئيسي في التنشئة الاجتماعية
3- تقوم التنشئة الاجتماعية على أساس الشدة والعنف.
إنّ إحدى الأركان الأساسيّة للتنشئة الاجتماعيّة في الثقافة العربيّة تتمحور حول مبدإ تطبيع الطفل العربيّ على الانصياع والخضوع للكبار، سواء أكان ذلك عن طريق التسلط أم عن طريق الرعاية الزائدة[56].
وتبيّن دراسة أخرى أجريت في المجتمع المصري حول عيّنة قوامها ألف أسرة مصرية عام 1974 تبين أن قيمة الفرد ومكانته تتحدّدان بعوامل الجنس والسن وليس بما يسهم فيه الفرد من نشاط أو بما يتحمله من مسؤوليات مما يؤدي إلى إنتاج شخصيات جامدة متسلطة هذا من جهة، وتبين الدراسة من جهة أخرى أن الأب هو مركز السلطة وأن الأجواء السائدة في الأسرة هي أجواء التسلط وأن هذه الأجواء تعطّل إمكانيّات الإبداع وتدفع الفرد إلى دوائر الجمود والانصياع والسلبية [57]. وبينت الدراسة أيضا أن الأسرة العربية المصرية تستخدم العقاب البدني في التربية، ولا سيما في البيئات الشعبية بينما تلجأ إلى إثارة الألم النفسي عند أسر الطبقات الوسطى.
وتشير جلّ الدراسات العربية الجارية أنّ التنشئة الاجتماعيّة العربيّة تسعى إلى أن تخلق الطاعة والأدب عند الطفل. والأساليب التي يلجأ إليها غالبا هي العقاب البدني ثم خلق المخاوف عند الطفل عن طريق كائنات خرافيّة[58]. وتكاد تجمع الدراسات الجارية أنّ الأسرة العربيّة تركن إلى أسلوب التسلّط وليس ذلك غريبا فالآباء يرزحون تحت عبء التسلط كقيمة في الثقافة العربية وهي قيمة تسود الحياة الاجتماعية برمتها في الثقافة العربية المعاصرة ويكاد يكون هذا التسلط واحدا في البلدان العربية جميعها على اختلاف ثقافاتها الفرعية[59].
وتبين صورة الأمثال الشعبية العربية أن التربية العربية تتمحور حول القيم التقليديّة ولا سيما قيم العنف والضرب والترويض ويمكن أن نذكر منها على سبيل المثال: العلم في الصغر كالنقش في الحجر. ما بيربى ولد ليفنى جسد، اضرب ابنك وأحسن تأديبه، أكسر للعيل ضلع بيطلع له اثنين[60]، يلّي ما بيقسى قلبه ما بيربي ولدو، ويقول الأب العربيّ لمعلم ابنه على سبيل المثال: أعطيك ابني لحما وعظما فلك اللّحم ولي العظم، ويعني ذلك أنّ الأب يشجّع المعلّم على استخدام كل أعمال القسوة والضرب لتربية الطفل. هذه الأقوال المأثورة تعبر عن خلاصة ثقافة أبويّة إرهابيّة متسلّطة يمكنها أن تقتل في الأطفال كلّ معاني الفعل ونوازع الوجود والعطاء.
يصف حليم بركات أنماط التنشئة الاجتماعيّة العربيّة بأنّها: ما تزال تشدّد على العقاب الجسدي والترهيب، أكثر مما تشدد على الإقناع كما تؤكد على أهمية الضغط الخارجي والتهديد والقمع السلطوي، إنها تركز على مبدإ الحماية والطاعة والامتثال والخوف من الأخطار وتجاوز الحدود المرسومة حيث تنشأ عن ذلك نزعة نحو الفرديّة والأنانيّة والتأكيد على الذات ونحو الإحساس الشامل بالغربة والاغتراب[61]. رأي يدعّمه وصف هشام شرابي في مقدمات لدراسة المجتمع العربي مظاهر العنف والقهر التي يعاني منها الطفل العربي، والسائدة في إطار التنشئة العربية. يشعر الطفل العربي أنّ أباه يضطهد، وهو في الوقت نفسه يشعر أنّ أمّه تسحقه وتحطم شخصيته.
إنّ التنشئة العربيّة تنمي في الطفل الإذعان للسلطة والخوف منها. ويشير شرابي إلى أسلوب التخجيل الذي تعتمده الأسرة العربية، وإلى أساليب التهكّم والازدراء والتبخيس، وخلق الإحساس بالدونية، وهي أساليب تؤدي فيما تؤدي إليه إلى مشاعر الدونية وإلى عقد النقص والقصور والشعور بالذنب [62]. فالطفل العربي يتعلّم كيف يقمع عدوانيته تجاه السلطة وكيف يتحاشى مواجهتها وهذا بالضبط ما يؤدي إلى الاتكاليّة والخضوع [63]. وتسعى التنشئة الاجتماعية العربية إلى إخضاع الفرد وكسر شوكته. ويخلص شرابي إلى القول بأن الوسائل الأساسيّة للإخضاع في الثقافة العربية هي العقاب الجسدي والتخجيل والاستهزاء والقمع. وذلك كله يؤدي إلى عقد العار والنقص والإحساس بالقصور والدونية[64].
تشير أغلب الدراسات العربية الجارية[65] في ميدان التنشئة الاجتماعيّة إلى شيوع أنماط التربية المتسلّطة المحافظة والتي تسعى إلى بناء شخصيّات مطواعة تميل إلى الإذعان والتبعيّة وتنتفي فيها إمكانيات النقد والحوار والمناقشة والإبداع. فالتسلط يؤدي إلى حالة من ضعف الثقة بالنفس وفقدان القدرة على ممارسة الأدوار الإيجابية وميل كبير إلى الخضوع والاستكانة لكلّ أشكال السلطة ومن ثم فقدان المبادرة الذاتية والعمل التلقائي ” [66]
تشير الدراسة التي أجرتها نجاة البياتي في العراق أنّ الأمّهات العراقيّات يمارسن العقاب البدني، وتبيّن الدراسة التي أجراها قاسم عزاق أنّ الأسر التونسيّة تستعمل أساليب الترهيب والعنف والضرب بكثرة وأن الأمهات يستخدمن الشدة بصورة خاصة مع البنات [67]
إنّ أنماط التنشئة الاجتماعيّة السائدة في الوطن العربي هي أنماط تقليديّة وغير سوية وأبرزها كما تحددها الباحثة كافية رمضان هي التسلّط والحماية الزائدة والقسوة في المعاملة والإهمال والنبذ والتذبذب في المعاملة وهي النماذج التي تؤدي إلى هدم الشخصيّة وشحنها بكل إمكانيات الضعف والقصور والسلبية [68].
تؤكد جملة الأحداث التي تمر بها الأمة العربية أن الفرد العربي لا زال يعاني أزمة في تنشئته الشخصية، وأنّ هذه الأزمة وليدة مجموعة من الاضطهادات والإحباطات التي يتعرض لها الفرد العربي في طفولته وفي شبابه ومن والديه ومن الشارع، ومن أجهزة السلطة [69]“.
يعتبر عبد الهادي عبد الرحمن أنّ الوسائل التربوية المعتمدة في التربية العربية ” تشبه كثيرا وسائل غسل الدماغ أي أنها وسائل ترديديه تعتمد أساسا على حشو الرؤوس بمادة كثيفة ثقيلة تزرع زرعا في مخزون الذاكرة عند أطفالنا وتلاميذنا وطلابنا ” [70].
12- تناقضات التربية العربيّة واستلاب الشخصيّة:
يرى فاروق خورشيد: ” أن أطفالنا يعيشون منذ بداية التعليم الأول في بلادنا ازدواجيّة لغوية وازدواجية فكرية وازدواجية اجتماعيّة تؤثر سلبا في البنية العقلية والسلوكية للناشئة [71]“. فالطفل في حياته اليوميّة يتكلّم لغة غير هذه التي يتعلمها في المدرسة أو هذه التي يطالعها في الكتب أو تلك التي يستمع إليها في الإذاعة والتلفزيون.
وتشكّل هذه الازدواجية اللّغوية واحدا من عناصر عديدة تؤدي بدورها إلى نوع من الازدواجيّة الفكريّة ومن هذه العوامل هذا التناقض الكبير بين المثال والواقع بين عالم واقعي تحكمه الانتماءات الدينية والطائفية والمذهبية والعقائدية والإقليمية وبين عالم مثالي ترتسم فيه القيم القومية والإنسانية ذات الطابع الشمولي.
فالازدواجية الفكرية واللغوية تؤدي إلى ازدواجية سلوكية وهي المحصلة الحقيقية لكل أنواع المتنافرات والتناقضات التي يعيشها الإنسان العربي، والتي تشكّل في نهاية الأمر أزمة هويته ووجوده [72]. ومن أهم العناصر التي تؤدي إلى أزمة الشخصية العربية يمكن أن يشار إلى:
- نمط التربية المتباين بين الأسرة والمدرسة وهيمنة أسلوب التعليم والتلقي وغياب الروح النقدية في العمل التربوي بصورة عامة[73].
- القمع السياسي والإرهاب الفكري الذي تمارسه الأنظمة العربية الشمولية.
- الخطاب السياسي المتنافر في مقدماته ونتائجه وآنياته وشموله.
- الفوضى والعبثية في مظاهر الحياة اليومية بمختلف وجوهها وتجلياتها بدءا من أبسط وقائع الحياة (شراء رغيف الخبز) حتى أكثرها تعقيدا (الدفاع عن أطروحة دكتوراه)[74].”
تسعى النظم التربوية العربية إلى الضبط الاجتماعي بدلا من تكريس الحرية المترتبة على المعرفة، وإلى توليد المسايرة والانصياع لمعايير الجماعة للمحافظة على الوضع القائم بدلا من زرع روح التمرد المبدع البناء” [75]. يقول النقيب: إن المدرسة العربية تسعى إلى تلقين الطالب مبدأ الطاعة العمياء والمحافظة على قيم ومعايير المجتمع التي تحافظ على وضعية المجتمع الراهنة. فجزء كبير مما يتعلمه الطالب ليس له علاقة بمحتويات الكتب والدروس وإنما هو سعي إلى تلقين الطالب الطاعة وجعل التلميذ يستهلك سلبيا كل التجهيزات القيمية والأيديولوجية التي يزخر بها أي مجتمع[76].
ما الذي يمنع العقل من أن يكون عقلا مبدعا؟ ثمة عائقان هامّان: المحرمات الثقافية ونظام التعليم، فالمحرمات الثقافية تمنع الإنسان من ممارسة الفكر الناقد. وتظل قيمة الطاعة في المجتمع الأبوي هي القيمة العليا.. (وبالتالي) أنظمتنا التعليمية تلقينية تطالب بالحفظ وإعادة الإنتاج ولا تسمح بالاختلاف [77]“. ويمكن أن يشار إلى سيل من المفارقات التربوية التي توجد في أصل الأزمة التربوية ويمكن باختصار الإشارة إلى المفارقات التربوية التالية:
– مفارقة اللغة بين العامية والفصحى.
– المفارقات التربوية التي توجد في قلب الحياة الأسرية إذ نجد غالبا التناقض في الأساليب التربوية بين أسلوب الأب والأم في التربية، فغالبا ما يعتمد الأب أسلوب الشدة في التربية، بينما تعتمد الأم أسلوب الحماية، ويضاف إلى ذلك التذبذب في معاملة الأبناء وعدم وجود نظام ثابت للمعاملة. وذلك ينعكس على البنية الذهنية القيميّة للفرد ويؤدي إلى اضطراب الشخصية واغترابها في آن واحد.
– التناقضات التي توجد داخل المدرسة بين المناهج؛ ومثال ذلك التناقضات التي توجد بين مقرّر التربية الدينية والفيزياء أو التربية الوطنية والتربية القومية. فالمناهج في المدرسة العربيّة غالبا ما تنطوي على تناقضات ومفارقات مذهلة وخاصة بين أساليب وطرائق التدريس المعتمدة التي تبدأ من أقصى الشدة إلى أعلى درجات التسيب والإهمال.
– التناقضات التربوية بين المدرسة والأسرة في أساليب التنشئة الاجتماعيّة وفي محتوى التعليم ومضامينه الأساسية إذ غاليا ما تعتمد الأسرة مبادئ تربوية تناقض وتعارض هذه التي يجدها الأطفال في داخل المدرسة.
– التناقض بين قيم المدرسة وبين قيم الحياة الاجتماعية من جهة، ثم التناقض بين الأسرة والحياة الاجتماعية من جهة ثانيه. وهذه التناقضات تشكّل في مجملها موقد التناقض الذي يتجلى في صورة أزمة قيم مستشرية في الثقافة والمجتمع.
تلك هي أهم التناقضات التربوية التي تكمن في أصل أزمة الهويّة والقيم والشخصيّة العربية. فالشخصيّة العربية تتحوّل تحت تأثير هذه التناقضات الحادة إلى شخصية ازدواجية اغترابية، متباينة الوجوه، متناقضة في داخلها يعتريها الضعف والتشويش والتنافر.
ويضاف إلى ذلك كله أنّ الثقافة العربية تعاني في مضامينها من أزمة قيم تتمثل فـي انشـطارات ثقافية متنوعة، وتعود هذه الأزمة إلى صراعات قيمية بين قيم الماضي والحاضر، بين قيم الثقافة التقليدية وقيم الثقافات المعاصرة. وتعـود هـذه الأزمة في أكثر صورها وضوحاً إلى عدم قدرة الثقافة العربية عـلى احـتواء القيـم الجـديدة التي تطرحها الثورات العلمية التكنولوجية المتقدمة في كافة المستويات. وهذا بدوره ينعكس سلبا على بنية الشخصية العربية ويؤدي إلى اغترابها.
13- خاتمة ورؤية إجماليّة:
تجمع بين مظاهر الاغتراب ومظاهر القمع التربوي علاقة سببية دائرية معقّدة، إذ يشكل كل منهما سبب ونتيجة لحضور الآخر. لقد تبيّن لنا في المستوى التربوي في الوطن العربي كيف يوضع الإنسان في دائرة الاغتراب والجمود من خلال أساليب التنشئة الاجتماعية القسرية التي تنطلق من القمع وتصنعه في الآن الواحد. وتبيّن لنا أنّ جدل الاغتراب والقمع والشخصية جدل يرتسم في قلب الثقافة الإنسانيّة المعاصرة وهو يظهر على أشده في عمق الثقافة العربيّة ولا سيما في مجال التربية والفعل التربوي.
حاولنا في هذه الدراسة أن نسلط الضوء على واقع التنشئة الاجتماعية العربية بما تنطوي عليه من إشكاليات القمع التربوي وبما تؤدي إليه من مظاهر اغترابية في الشخصية العربية المعاصرة. ومن أجل هذه الغاية ترتب علينا أن نصف الخصائص الاغترابية للشخصية العربية التي تبدّت في نسق من الدراسات والأبحاث العربية الميدانية والتأملية. ومن ثم ترتب علينا أيضا أن نصف واقع التنشئة الاجتماعية العربية وأن نحدد بعض نواحي القمع الذي يشكل حضوره في عمق التربية العربية بصورة عامة. ومن ثم تطلب منا الأمر أن نصف أدوات التربية القمعية المستخدمة ومبادئها واتجاهاتها السائدة في الوطن العربي.
وفي النهاية قدّمنا وصفا لواقع القمع الجسدي الذي يمارس في سوريا عبر دراسة ميدانية أجريناها في عام 1995 والتي بينت بأدلة قطعية على أن القمع سائد في التربية العربية وأن هذا الأسلوب التربوي يوجد إلى حد كبير في أصل الشخصية العربية الاغترابية التي تعاني من أزمة وجودية شاملة.
ويضاف إلى ذلك كله أن الجهد يركز في هذه المقالة على تحديد المفاهيم المستخدمة تحديدا علميا واضحا فدخلنا البوابات الصعبة للمفاهيم المستخدمة، وهي البوابات التي غالبا ما يتجنب الباحثون العرب الولوج في متاهاتها وذلك لما تطرحه هذه المداخل من إكراهات إبيستيمولوجية صعبة[78] .
وليس أمامنا في نهاية هذا البحث إلا القول بأن جدل الاغتراب والقمع والهوية يشكل واحدا مت الظواهر الاجتماعية الإنسانية المعقدة وهي ظاهرة تترامى أطرافها في نواحي الحياة الاجتماعية واتجاهاتها المختلفة. وجهدنا المتواضع في هذه المقالة يسعى إلى رسم بعض ظلال هذه القضية في المستوى التربوي في المجتمع العربي المعاصر.
وإذا كان من بقية تقال يمكن لنا نتساءل هل يجب على المربين العرب، والمخلصين من أبناء الوطن العربي الكبير، العمل المستمر على تطوير مجتمعاتهم، لتكريس ظاهرة الديمقراطية في العمل التربوي وفي المجالات المختلفة إذا الهدف هو حماية الإنسان العربي من غوائل السقوط في دائرة الاغتراب الشامل؟ والله من وراء القصد.
[1]– Frank R. Donovan: Education stricte et éducation- libérale, Robert Laffont, Paris, 1968. (P.74)
[2]– Gordon Allport, Personality : A psychological interpretation. GW Allport -psycnet.apa.org .1937
[3]– أحمد زكي بدوي: معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1978، ص 311.
[4]– Jean Dubois: Dictionnaire du français contemporain، Larousse, paris , 1989.
[5]– أليكس ميكشللي: الهوية، ترجمة علي وطفة، دار معد، دمشق ن 1993، ص 15، ص 129.
[6]– علي وطفة: علم الاجتماع التربوي، جامعة دمشق، مطبعة الاتحاد، دمشق، 1993، ص 246.
[7]-Gilbert. Durand : les grands textes de la sociologie moderne, Bordas, Paris, 1969. p.91.
[8]-Ibid.
[9]– محمود قنبر: التربية وترقية المجتمع، دار سعد الصباح، الكويت 1992، ص 101.
[10]– انظر السيد ياسين: الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر، بيروت دار التنوير، 1981.
[11]– ليفون مليكان وجهينة سلطان العيسى: مؤشرات في الشخصيّة المنواليّة القطرية: دراسة ميدانية لعينة من الطلاب الجامعيين القطريين، مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، الدوحة 1987، ص 34.
[12]– كمال دسوقي: ذخيرة تعريفات مصطلحات أعلام علوم النفس، المجلد الأول، الدار الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة 1988 ص77.
[13]– انظر: حسن محمد حسن حماد: الاغتراب عند إيريك فروم، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1995.
[14]– Madeleine Grawitz : Lexique des sciences sociales, Dalloz, Paris, 1983, P.12
[15]– تبرز الصورة الأزميّة للشخصية المصرية في كتابات كل من محمد عبده وطه حسين وجمال حمدان وعبد العزيز الرفاعي وفؤاد زكريا وحامد عمار. ويظهر هذه الصورة في الشخصية الفلسطينية والسورية صادق جلال العظم وجميل صليبا؛ وتبرز هذه الصورة في كتابات هشام جعيط والبشير بن سلامة عن الشخصية التونسية، وتتبدى أيضا في دراسات جابر عبد الحميد جابر وعبد الجليل الطاهر عن الشخصية العراقية. وللمزيد يمكن العودة إلى كتاب محمود قنبر: التربية وترقية المجتمع، دار سعد الصباح، الكويت 1992 ز الفصل الرابع.
[16]– محمود قنبر: التربية وترقية المجتمع، دار سعد الصباح، الكويت 1992. ص 114.
[17]– انظر فؤاد زكريا بين التعليم وقيم المجتمع، الفكر المعاصر، عدد 73، مارس 1971.
[18] -علي وطفة: علم الاجتماع التربوي، جامعة دمشق مطبعة الاتحاد، دمشق، 1993 ص 37.
[19]– Guy Roger، Action sociale: Introduction a la sociologie Générale 1968. M. H., Paris 1983. p.132
[20]– وطفة علي: علم الاجتماع التربوي، مرجع سابق، ص 39.
[21]– غي أفانزيني: الجمود والتجديد في التربية المدرسية، ترجمة عبد الله عبد الدايم، دار العلم للملايين، بيروت 1981 ص 330.
[22]– ريناتاغوروفا: مقدمة في علم الاجتماع التربوي، ترجمة نزار عيون السود، دار دمشق، دمشق 1984 ص 105.
[23]– إميل دوركهايم: التربية والمجتمع، ترجمة علي أسعد وطفة، دار معد، دمشق 1996 (نص الغلاف).
[24]– مارسيل بوستيك، العلاقة التربوية، ترجمة محمد بشير النحاس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1981 ص 170.
[25]– عبد الكريم اليافي، تمهيد في علم الاجتماع، مطبعة جامعة دمشق1964، ص 175.
[26]– محمد مصطفى زيدان: نبيل السمالوطي، علم النفس التربوي، دار الشروق جده، 1985، ص 37.
[27]– محـمد ليـب النجيحي، الاسس الاجتماعية للتربية، المكتبة الانجلو مصرية، الطبعة الثانية، القاهرة1965 ص 35.
[28]– Henri Modras: Elements de la sociologie, Armend colin, paris,1975.p86.
[29]– محمد الهادي عفيفي، التربية والتغير الثقافي، مكتبة الانجلو، مصرية، الطبعة الثانية، القاهرة 1964 ص 109.
[30]– إبراهيم ناصر، علم الاجتماع التربوي، الجامعة الاردنية كلية التربية، عمّان 1984. ص 37.
[31]– أوتو كلينبرغ: علم النفس الاجتماعي، ترجمة حافظ الجمالي، دار مكتبة الحياة، الطبعة الثانية، بيروت 1967، ص 397.
[32]– فيليب برنو، آلان بيرو، أدمون بلان، ميشيل كورناتون، فرانسوا لوجاندر، بيير فيو: المجتمع والعنف، ترجمة الياس زحلاوي، وزارة الثقافة دمشق، 1976، ص 76.
[33]– بيار إيرني: أتنولوجيا التربية، ترجمة عدنان الأمين، معهد الإنماء العربي، بيروت 1992، ص 96.
[34]– فريق من الباحثين: علم النفس وميادينه، ترجمة وجيه أسعد، الدار المتحدة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1993. (ص: 78).
[35]– خالد الطحان: دراسة بعض العوامل التي تسهم في التحصيل الدراسي ودور الأسرة فيها، المعلم العربي، السنة 31، عدد7 تموز، 1978 ص3.
[36]– عبد الرحيم صالح عبد الله: الأسرة وتعاونها مع المدرسة في تربية الأطفال، كلية الآداب جامعة الكويت 1979 ص9.
[37]– علي وطفة: علم الاجتماع التربوي، مرجع سابق، ص79.
[38]– جان كلود فيلو: اللاشعور بحث في أعماق النفس الإنسانية، ترجمة علي وطفة، دار معد، دمشق، 1996.
[39]– روجيه موكيالي: العقد النفسية، تعريب موريس شربل، عويدات، 1988، ص19.
[40]– لا يتوقف مفهوم الخصاء عند حدود قطع الأعضاء التناسلية، بل يتجاوز هذا التصور إلى مختلف أشكال القطع والبتر مثل تهديد الطفل بكسر اليد، وقطع الراس وكسره، وقرف الرقبة، وقلع العين، وشمط الأذن … وهذا التهديد بالقطع يؤدي مفعوله الخصائي الذي يتمثل في الخوف الشديد. وتفيض العادات التربوية في الوطن العربي باستخدام هذه التهديدات الخصائية بصورة واضحة.
[41]– بيير داكو: الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث، تعريب وجيه أسعد، الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق 1985، ص 269.
[42]– المرجع السابق ص 270
[43]– روجر موشيلّي: العقد النفسية، تعريب وجيه أسعد، دار البشائر، 1991، ص 70.
[44]– انظر: المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية: ظاهرة العنف، العدد 132، اليونيسكو، مركز مطبوعات اليونيسكو، القاهرة، 1989.
[45]– روبرت ف. لتكة (Robert F. Litke): العنف والقدرة، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية: ظاهرة العنف، العدد 132، اليونيسكو، مركز مطبوعات اليونيسكو، القاهرة، 1989. ص ص 5-15.
[46]– انظر عبد الإله بلقيز: العنف السياسي في الوطن العربي، المستقبل العربي، عدد 9،1996 ص ص68-101.
-[47]Jean-Claude Filloux: La personnalité, P.U.F., Onzième corrigée, Paris, Que sais-je, NO 756. Paris. 1986,
[48]-Ibid.
[49]– عبد الرحيم صالح عبد الله: الأسرة كعامل تربوي وتعاونها مع المدرسة في تربية الأطفال، الإتحاد العام لنساء العراق، بغداد، 1979 ص 11.
[50]– مصطفى حجازي: التخلف الاجتماعي، سيكولوجية الإنسان المقهور، معهد الإنماء العربي، الطبعة الخامسة، بيروت، 1989.
[51]– المرجع السابق: ص 82.
[52] – خلدون حسن النقيب: المشطكل التربوي والثورة الصامته: دراسة في سوسيولوجيا الثقافة، المستقبل العربي، عدد 174، آب/ أغسطس عدد 8، 1993 ص ص67-86 – 68.
[53] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[54]– إحسان محمد الدمرداش: الديمقراطية وأنماط التنشئة الاجتماعية في المجتمع، بحث أعد لمؤتمر رابطة الدراسة الحديثة الذي عقد في نيسان (أبريل) في القاهرة عام 1984 بعنوان الديمقراطية والتعليم في مصر.
[55]– جامعة الاسكندرية: أبحاث إعادة بناء الإنسان المصري (التنشئة الاجتماعية واحتياجات الطفولة) التقرير الثالث، لإسكندرية، 1979.
[56]– محمد عماد إسماعيل: الأطفال مرآة المجتمع، النمو النفسي الاجتماعي للطفل في سنواته التكوينية، عالم المعرفة، مارس (آذار) 1986، ص331.
[57]– انظر محمد عماد اسماعيل & نجيب اسكندر ابراهيم & رشدي منصور: كيف نربي أطفالنا: التنشئة الاجتماعية للطفل في التنشئة الاجتماعية، دار النهضة العربية القاهرة، 1974.
[58]– محمد عماد الدين إسماعيل: الأطفال مرآة المجتمع، مرجع سابق، ص 232.
[59]– المرجع نفسه، ص 232.
[60]– وحيدة العظمة: أمثال شعبية في صحة الأسرة والتربية السكانية وسلامة البيئة، وزارة الثقافة، مديرية محو الأمية دمشق، 1995، ص ص 137 – 146.
[61]– حليم بركات: المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1991.
[62]– هشام شرابي: مقدمات لدراسة المجتمع العربي، دار الطليعة بيروت، الطبعة الرابعة، 1991. ص ص: 31-35.
[63]– المرجع نفسه، ص 47.
[64]– المرجع نفسه: ص83.
[65]– يمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى دراسة سلمى محمود جمعة حول التنشئة الاجتماعية في مصر عام 1982، ومحمد جسوس في المغرب عام 1985، وعبد الفتاح القرشي في الكويت 1988، ونجاة خضر عباسي في العراق عام 1974.
[66]– كافية رمضان: أنماط التنشئة الأسرية في المجتمع العربي، حولية كلية التربية في جامعة قطر، العدد السابع، 1990 ص ص 57-83. ص 68.
[67]– المرجع نفسه، ص 69.
[68]– المرجع نفسه.
[69]– عز الدين دياب: الشخصية والثقافة: محاولة لفهم دور الفرد في النهضة العربية المعاصرة، شؤون عربية، حزيران / يونيو، عدد 4، 1981. ص ص ص: 125-138 135.
[70]– عبد الهادي عبد الرحمن: الذهنية العربية: منظور لغوي، دراسات عربية، عدد 3/4 كانون الثاني /شباط 1993 (ص ص: 11- 30، ص: 16.
[71]– فاروق خورشيد: هموم كاتب العصر، دار الشروق، بيروت 1981.
[72]– عبد المعطي سويد: التناقض الوجداني في الشخصية العربية، دار الحوار، اللاذقية، 1992.
[73]– عبد المعطي سويد: التناقض الوجداني في الشخصية العربية، المرجع السابق.
[74]– يشير عبد المعطي سويد إلى مثل هذه العوامل بوصفها عوامل ذاتية وهي برأينا عوامل موضوعية وليست ذاتية البتة.
[75]– خلدون حسن النقيب: المشكل التربوي والثورة الصامته: دراسة في سوسيولوجيا الثقافة، المستقبل العربي، عدد 174، آب / أغسطس عدد 8، 1993. ص:67-86 ص 68.
[76]– انظر: خلدون حسن النقيب: المشكل التربوي والثورة الصامتة: المرجع السابق.
[77]– مصطفى صفوان: صناعة القهر: علاقة التعليم بالإبداع في المجتمع العربي، الناقد العدد الواحد والسبعون إيار/ مايو 1994، ص ص: 42-46 ص 44.
[78]– بعض الكتاب العرب يتجنب أن يخوض في تحديد المفاهيم الأساسية التي ترتكز إليها أعمالهم العلمية. وغالبا ما تقع في أيدينا كتب ودراسات وأبحاث عن قضايا بالغة الأهمية والخصوصية ويدهشنا أن الكتاب لم يتطرقوا أبدا إلى تحديد أو تعريف المفاهيم العلمية الواردة في كتبهم. ويمكن لنا في هذا السياق أن نشير إلى كتاب محمد زيدان حمدان: أزمة التربية في البلدان العربية: واقع ومشكلات وآفاق، دار التوجيه الحديثة، عمان، الأردن، 1991. يقع كتب حمدان في 307 صفحات ومع أن الكتاب يدور من أوله إلى آخره حول الأزمة التربوية إلا أننا لم نعثر أبدا على تعريف واحد للأزمة أو إلى تحديد لمكونات المفهوم، مع أن الباحث يذكر عدد كبير جدا من الأزمات التي يصنفها في معادلات وفصول. ومثل هذه الأعمال والحق يقال تعبر عن مأساة المفهوم الذي يشكل مدخلا أساسيا في بنية التفكير ونمو التفكير.
قائمة المراجع:
العربيّة:
الكتب:
- أفانزيني (غي): الجمود والتجديد في التربية المدرسية، ترجمة عبد الله عبد الدايم، دار العلم للملايين، بيروت 1981.
- إيرني (بيار): أتنولوجيا التربية، ترجمة عدنان الأمين، معهد الإنماء العربي، بيروت 1992.
- بركات (حليم): المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1991.
- برنو(فيليب)، آلان بيرو، أدمون بلان، ميشيل كورناتون، فرانسوا لوجاندر، بيير فيو: المجتمع والعنف، ترجمة الياس زحلاوي، وزارة الثقافة دمشق، 1976.
- بوستيك (مارسيل) العلاقة التربوية، ترجمة محمد بشير النحاس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1981.
- حجازي (مصطفى): التخلف الاجتماعي، سيكولوجية الإنسان المقهور، معهد الإنماء العربي، الطبعة الخامسة، بيروت، 1989.
- خورشيد (فاروق): هموم كاتب العصر، دار الشروق، بيروت 1981
- دوركهايم (إميل): التربية والمجتمع، ترجمة علي أسعد وطفة، دار معد، دمشق 1996.
- داكو (بيير): الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث، تعريب وجيه أسعد، الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق 1985.
- الدمرداش (إحسان محمد) الديمقراطية وأنماط التنشئة الاجتماعية في المجتمع، بحث أعد لمؤتمر رابطة الدراسة الحديثة الذي عقد في نيسان (أبريل) في القاهرة عام 1984 بعنوان الديمقراطية والتعليم في مصر.
- زيدان (محمد مصطفى): نبيل السمالوطي، علم النفس التربوي، دار الشروق جده، 1985.
- سويد (عبد المعطي): التناقض الوجداني في الشخصية العربية، دار الحوار، اللاذقية، 1992.
- شرابي (هشام): مقدمات لدراسة المجتمع العربي، دار الطليعة بيروت، الطبعة الرابعة، 1991.
- صالح عبد الله (عبد الرحيم): الأسرة وتعاونها مع المدرسة في تربية الأطفال، كلية الآداب جامعة الكويت 1979.باط 1993
- العظمة (وحيدة:) أمثال شعبية في صحة الأسرة والتربية السكانية وسلامة البيئة، وزارة الثقافة، مديرية محو الأمية دمشق، 1995.
- عفيفي (محمد الهادي): التربية والتغير الثقافي، مكتبة الانجلو، المصرية، الطبعة الثانية، القاهرة1964.
- غورو (فاريناتا): مقدمة في علم الاجتماع التربوي، ترجمة نزار عيون السود، دار دمشق، دمشق 1984.
- فريق من الباحثين: علم النفس وميادينه، ترجمة وجيه أسعد، الدار المتحدة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1993
- فيلو (جان كلود): اللاشعور بحث في أعماق النفس الإنسانية، ترجمة علي وطفة، دار معد، دمشق، 1996.
- كلينبرغ (أوتو): علم النفس الاجتماعي، ترجمة حافظ الجمالي، دار مكتبة الحياة، الطبعة الثانية، بيروت 1967.
- قنبر (محمود): التربية وترقية المجتمع، دار سعد الصباح، الكويت 1992.
- موشيلّي (روجر): العقد النفسية، تعريب وجيه أسعد، دار البشائر 1991.
- ميكشللي (أليك): الهوية، ترجمة علي وطفة، دار معد، دمشق 1993.
- موكيالي (روجيه): العقد النفسية، تعريب موريس شربل، عويدات 1988.
- مليكان (ليفون) وجهينة سلطان العيسى: مؤشرات في الشخصيّة المنواليّة القطرية: دراسة ميدانية لعينة من الطلاب الجامعيين القطريين، مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، الدوحة 1987.
- ليـب النجيحي (محـمد)، الاسس الاجتماعية للتربية، المكتبة الانجلو مصرية، الطبعة الثانية، القاهرة1965.
- ناصر (إبراهيم)، علم الاجتماع التربوي، الجامعة الاردنية كلية التربية، عمّان 1984.
- وطفة (علي): علم الاجتماع التربوي، جامعة دمشق، مطبعة الاتحاد، دمشق 1993
- ليافي (عبد الكريم)، تمهيد في علم الاجتماع، مطبعة جامعة دمشق1964.
الدوريّات:
- دياب (عز الدين): الشخصية والثقافة: محاولة لفهم دور الفرد في النهضة العربية المعاصرة، شؤون عربية، حزيران / يونيو، عدد 4، 1981.
- حسن النقيب (خلدون): المشكل التربوي والثورة الصامته: دراسة في سوسيولوجيا الثقافة، المستقبل العربي، عدد 174، آب / أغسطس عدد 8، 1993.
- الطحان (خالد): دراسة بعض العوامل التي تسهم في التحصيل الدراسي ودور الأسرة فيها، المعلم العربي، السنة 31، عدد7 تموز، 1978.
- عبد الرحمن (عبد الهادي): الذهنية العربية: منظور لغوي، دراسات عربية، عدد 3/4 كانون الثاني/1988
- صفوان (مصطفى): صناعة القهر: علاقة التعليم بالإبداع في المجتمع العربي، الناقد العدد الواحد والسبعون إيار/ مايو 1994.
- فلتكة روبرت (ROBERT F.Litke ): العنف والقدرة، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية: ظاهرة العنف، العدد 132، اليونيسكو، مركز مطبوعات اليونيسكو، القاهرة، 1989.
- محمد (عماد إسماعيل): الأطفال مرآة المجتمع، النمو النفسي الاجتماعي للطفل في سنواته التكوينية، عالم المعرفة، مارس (آذار) 1986.
المعاجم:
- زكي بدوي (أحمد): معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1978.
- دسوقي (كمال): ذخيرة تعريفات مصطلحات أعلام علوم النفس، المجلد الأول، الدار الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة 1988.
الأجنبيّة:
الكتب:
- Durand (Gilbert) : les grands textes de la sociologie moderne, Bordas, Paris, 1969.
- Donovan (Frank R). : Education stricte et educationlibérale, Robert Laffont, Paris, 1968.
- Modras (Henri) : Elements de la sociologie, Armend colin, paris,1975.
- Roger (Guy), Action sociale : Introduction à la sociologie Générale 1968.
الدوريّات:
- Filloux (Jean-Claude) : La personnalité, P.U.F., Onzième corrigée, Paris, Que sais-je, NO 756. Paris. 1986,
- Grawitz (MADELEINE) : Lexique des sciences sociales, Dalloz, Paris, 1983
المعاجم:
- Jean Dubois : Dictionnaire du français contemporain, Larousse, paris, 1989.
4 تعليقات
مقال “الاغتراب التربوي في الشخصية العربية” يسلط الضوء على قضية هامة ومعقدة تؤثر على العديد من الأفراد في المجتمع العربي. يستكشف المقال تأثيرات الاغتراب التربوي على تكوين شخصية الفرد وتطورها.
يشير المقال إلى أن الاغتراب التربوي يحدث عندما ينتقل الفرد من بلده الأصلي إلى بلد آخر لأسباب مختلفة مثل التعليم أو العمل. وهذا التغيير المفاجئ في بيئة الفرد يؤدي إلى تحديات نفسية واجتماعية قد تؤثر على نموه وتطوره.
إحدى التأثيرات المهمة للاغتراب التربوي هي فقدان انتماء الشخص لثقافته وجذوره. قد يشعر الفرد بالغُــــــــــُـــُروب والانزلاق بين ثقافات مختلفة، مما يؤدي إلى صعوبة في تحديد هوية شخصية ثابتة. كذلك، قد يظهر انحسار في استخدام لغته الأصلية وانغلاق اجتماعي، مما يزيد من شعوره بالانزواء.
إضافة إلى ذلك، قد تظهر صعوبات أكاديمية ناتجة عن فروقات في مناهج التعليم وأساليب التدريس بين بلده الأصلي والبلاد المستضافة. هذا قد يؤدي إلى انخفاض في مستوى التحصيل الأكاديمي للطالب، ما قد يؤثِّـََََََََََُُُُُُُُُُُُِِِِِِِِّّّّّّّّّّّّْْْْْْْْْْْْرو على فرص حصوله على فرص دراسية أو فروض عمل جديدة.
مقالة مفيده دكتور ، الاغتراب للدراسه في الشخصية العريه ظاهرة في المجتمع الاغلبيه يغترب لطلب العلم وهذا يوثر علي الشخص احيانا من ناحية ايجابيه لتثقيف للشخص و تنميه عقله وايضا على الشخصيه العربيه لها تأثير سلبي بسبب المجتمع العربي وثقافته .
مقال رائع أكثر ما أعجبني فیھ ھو فكرة تس ّجیل ظاھرة الاغتراب حضورھا الشامل في الثقافة العرب ّیة المعاصرة. فالإنسان العرب ّي یولد الیوم في أجواء التسلّط والإكراه، وینمو في مؤ ّسسات التغریب، وینتھي إلى زنزانات الخوف. وشروط الحیاة التي تحیط بالإنسان العرب ّي تشكل مصدر تھدید ینال من حقیقة وجوده الإنسان ّي، وتش ّل لدیھ طاقة الفعل والحضور والإبداع، كما أعجبتني فكرة الحدیث بموضوعیة عن
التن ّوع من المخاوف تحیط بوجوده وتتح ّكم فیھ، فھو یواجھ الخوف من الاستعمار والصھیون ّیة وإسرائیل، والخوف من الحرب الطائف ّیة، ومن التع ّصب الدین ّي، ومن الفقر، ومن الحرب الأھل ّیة، ومن التعسف الاجتماع ّي في الوظیفة والعمل، ومن ال ّسلطة وأجھزة الأمن، حیث أعجبني تعریفھ : إ ّن الاغتراب ظاھرة اجتماع ّیة تدخل في نسیج الحیاة الثقاف ّیة الاجتماع ّیة العرب ّیة، تترامى أبعاد ھذه الظاھرة في كل مناحي الوجود الاجتماع ّي والثقاف ّي، وھي نتاج القمع التاریخ ّي والسیاس ّي والأخلاق ّي والتربو ّي والاقتصاد ّي. ولیس الاغتراب نتیجة فحسب بل ھو نتیجة وسبب في آن واحد وحل ذلك بالتنشئة
الاجتماعیة كطابع ثقافي، لذلك أعجبتني المقالة كثیرا واستفدت منھا
مقالة الاغتراب التربوي في الشخصية العربية :
اكثر ما شد انتباهي بين المقالات هو عنوان هذه المقالة ، فما وجدت نفسي إلا قد هرعت اقرأها قراءة تحليلية ودقيقة ، فاستنتجت منها معنى الاغتراب وفي الآن ذاته استنتجت انني سبق وقد رأيت جميع مظاهره واشكاله في الوطن العربي لكنني كنت اجهله اصطلاحاً ، وانني اتفق كل الاتفاق بأن الوطن العربي لا يكاد يخلو من معضلة الاغتراب ، فالانسان العربي هتكت حريته وسلبت منه طمأنينته وقمعت أفكاره فتلاشت أحلامه وانتحرت ارادته ، وقد تعرض هذا العربي المغترب للابتزاز العاطفي من قبل والديه والجانب المؤسف بأنه لم تنتهي ازمة هذا الانسان إلى هنا وحسب ، واحب ان اعبر اكثر عن انجذابي لهذه المقالة هو عرض شخصكم الكريم أيها الدكتور الفاضل لعقدة الخصاء وكيف ان الطفل العربي يتزعزع امانه العائلي عن طريق تهديده بافكار الخصاء المتوحشة التي يُهَدد بها ، والمؤسف اكثر ان هذا الطفل سلبت منه حريته في التعبير وحقه في ارتكاب الأخطاء التي تساعده للتعلم ، ويترعرع هذا الطفل في ظل ابوين متسلطين ويفتقد الى الدعم والحب والاحتواء ، فينعكس كل هذا الفقد على جوانب حياته كلها ، وظاهرة الاغتراب لا تقف لهذا الحد بل تستمر حتى تنتقل من شخص لآخر فالظالم كان مظلوماً في وقت ما والمُغتصِب كان مغتصَباً في زمنٍ ما . لكن ما أتساءل عنه بشدة كيف يمكننا ان نضع حداً للاغتراب وقد اصبح في كل حدبٍ وصوب منا !؟