ضد الفتنة الطائفية – بقلم – محمد محفوظ

تعيش المنطقة العربية والإسلامية توترات طائفية ومذهبية، لم تشهدها المنطقة من قبل. ويبدو أن الصمت إزاء هذه التوترات ومتوالياتها المختلفة، سيفضي إلى المزيد من المآزق الداخلية التي تعانيها هذه المنطقة وبالذات في هذه اللحظة التاريخية الحساسة والحاسمة في آن . وكما هو معلوم أن قمة مكة المكرمة التي دعا إلى عقدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بين دول العالم الإسلامي تحت يافطة التضامن الإسلامي، كانت رسالتها الأساسية هي رفض الفتن الطائفية في العالم الإسلامي، وضرورة العمل على معالجة الملفات الهامة على هذا الصعيد .وكلنا أمل أن تنجز توصيات هذه القمة الإسلامية وبالذات على صعيد تطوير العلاقة بين المسلمين جميعا.

وانطلاقا من ضرورة البحث عن حلول ومعالجات حقيقية لهذه المعضلة، من الضروري كخطوة أولى الاعتراف بهذه المعضلة ومخاطرها الكارثية على الجميع .

وإن المطلوب من الجميع ليس الانسياق وراء هذه التوترات، وإنما العمل على إدارتها بشكل صحيح كمقدمة ضرورية من أجل معالجة جذورها وأسبابها المباشرة وغير المباشرة. ولو قرر كل واحد منا، أن لا يكون طرفا في هذه المشكلة، ولا يغذيها بقول أو ممارسة، فإننا سنحصل على بيئة اجتماعية قادرة على خلق تأثير ايجابي ونوعي تجاه هذه المعضلة .وعلى كل حال فإن هذه التوترات تتطلب معالجة عاجلة وحكيمة، حتى لا تتحول إلى أزمات اجتماعية وسياسية تهدد أمن المنطقة، وتدخلها في نفق المناطق التي تعيش أزمات مستعصية ومزمنة في آن. ومن الطبيعي القول أنه لا يخلو أي مجتمع من المجتمعات من وجود مشاكل وأزمات، ولكن المجتمعات تختلف عن بعضها في طريقة التعامل مع المشاكل والأزمات ..

فالمجتمعات المتقدمة تتعامل مع مشكلاتها وأزماتها بعقلية علمية – موضوعية، بحيث تعمل على تحديد الأسباب الجوهرية للمشكلة، وسبل معالجتها .. وعلى ضوء هذا الفهم والتحديد، تبدأ مشوار معالجة هذه الأزمة أو المشكلة..

فهي لا تنكر المشاكل، وإنما تعترف بها .. ولا تكتفي بالاعتراف بوجود مشكلة، وإنما تبحث عن عواملها وأسبابها الحقيقية، والسبل والآليات القادرة على معالجة هذه المشاكل والأزمات.

أما المجتمعات المتخلفة، فهي تخضع لمشاكلها، وتنكرها في العلن، أو لا تعترف بها بصراحة وشفافية، ولا تبحث عن حلول علمية لأزماتها .. فلذلك هي تستفحل وتتفاقم دون وجود إرادة صادقة للحل والمعالجة ..

فالمجتمعات الإنسانية قاطبة، تصاب بالمشاكل والأزمات، ولكن طريقة التعامل مع هذه المشاكل والأزمات، هو الذي يحدد نوعية المجتمع .. فإذا كان معترفا بها وساعيا لدراسة ومعرفة أسبابها وعواملها المباشرة وغير المباشرة، وعاقد العزم على معالجة الأمر، فهو من المجتمعات المتقدمة، لأنه لا يهرب من مشاكله، ولا يخاف من مواجهة عثرات الطريق والمسيرة.

أما إذا كان المجتمع يهرب من أزماته، ويتحايل على مشكلاته، ولا يمتلك الإرادة الصادقة والصلبة لمعالجتها، فهو من المجتمعات المتخلفة، حتى لو امتلك سلع الحضارة الحديثة، وإمكانات مالية واقتصادية طائلة .

ولعل مما يؤخذ على مجتمعاتنا، أنها لا تعترف لأسباب سيكولوجية وثقافية واجتماعية بمشكلاتها، ولا تعقد العزم الحقيقي لمعالجتها .. لهذا فإن المشاكل مهما كانت طبيعتها تستفحل في محيطنا الاجتماعي وتستوطن، دون تحريك ساكن، أو القيام بخطوات ملموسة وجادة للحل والمعالجة .

فإذا أصيب المجتمع لأي سبب من الأسباب بمشكلة مالية، فهو لا يبحث في أسبابها الجوهرية، وإنما الاكتفاء بالتأفف، وكأن التأفف هو علاج لهذه المشكلة المالية .. وإذا كانت العلاقات البينية بين مكونات وأطياف المجتمع الواحد باردة أو جامدة، أو يشوبها سوء الظن والفهم، فالمجتمع عبر قواه المختلفة، بدل أن يبادر لإنهاء هذه المشكلة بالوسائل المتاحة أمامه، فإنه يبدأ بتناقل الأخبار والمعلومات حول هذه المسألة، دون أن يبادر أحد بعلاج هذه المشكلة أو محاولة العلاج ..

وكأن المهمة الأساسية الملقاة على عاتق أبناء المجتمع، هو الانشغال بالقيل والقال .. لهذا فإن المشاكل التي تبرز في مجتمعنا سواء لأسباب موضوعية أو ذاتية، لا تتوفر الإرادة الصلبة لمعالجتها .. ومع الزمن تتعقد هذه المشاكل، وتأخذ أبعادا نفسية وشخصية ومجتمعية، وتصبح بعد فترة، وكأنها من لوازم مجتمعنا ..

من هنا فإننا نقول: إن التكتم على المشاكل لا ينفع ولا يفيد، وإغفال الأزمات مهما كان حجمها يكلفنا الكثير ..

وإن الخيار الحقيقي الذي يجب أن نلتزم به، في كل مؤسساتنا وأعمالنا، هو الاعتراف بالمشاكل، وعدم إغفالها أو نكرانها أو التكتم عليها، والعمل على دراستها بدقة وموضوعية ومن ثم عقد العزم على تفكيك المشكلة ومعالجتها ..

وأود في هذا السياق، أن أتحدث عن العلاقات الإسلامية ( السنية – الشيعية ) في العالم الإسلامي .. حيث لا زال التغافل عن هذه المشكلة أو التكتم عليها هو السائد .. بينما المصلحة تقتضي المكاشفة والمصارحة، لمعرفة الأمور على حقيقتها كمقدمة ضرورية للمعالجة أو التعامل بحكمة مع آثارها ومتوالياتها ..

وإننا نعتقد أن هذه المشكلة من أعقد المشاكل التي تواجه العالم الإسلامي اليوم وأصعبها وأخطرها على الراهن والمستقبل .. وإن المصلحة العامة تقتضي مقاربة هذه المسألة بجدية علمية وموضوعية، بعيدا عن السجالات المذهبية والمماحكات الأيدلوجية، للوصول إلى حلول ومعالجات عملية، تخرج العالم الإسلامي برمته من أتون أزمة مركبة وخطيرة وذات مفاعيل متداخلة .. وإن استمرار حالة التلاوم بين الأطراف الإسلامية، لا ينهي حالة الاحتقان التي بدأت تأخذ أشكالا وصورا عديدة، كما أن تحميل أحد الأطراف مسؤولية ما يجري لا يوصلنا إلى معالجة حقيقية للأمر .. وكل طرف بدوره يبرأ نفسه من مسؤولية وصول الأمور إلى هذه الحالة التي يشهدها العالم الإسلامي اليوم .. ولكن وعلى المستوى الفعلي، تتحول مادة التلاوم، إلى مادة إضافية تعزز الجفاء والاحتقان المتبادلين ..

فالعلاقات الإسلامية – الإسلامية، تمر بأسوأ مراحلها، وغياب المبادرات الجادة لإصلاح هذه العلاقة، ينذر بانحدار جديد على مستوى هذه العلاقة وعلى مستوى جسور الثقة بين الأطياف المذهبية في الأمة ..

من هنا فإننا ندعو حكماء الأمة وعلماءها وفعالياتها الدينية والثقافية والسياسية، إلى الالتفات إلى هذه المسألة، والبحث عن حلول ناجعة، توقف عملية الانحدار وتفكك عناصر الاحتقان والتوتر، وتدفع باتجاه بناء العلاقة على قاعدة الاحترام المتبادل ومقتضيات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان ..

وفي هذا الإطار ندعو إلى الأفكار التالية:

1- العلاقة جد عميقة بين التعصب الديني والمذهبي والعنف السياسي والاجتماعي .. لهذا فإن تفكيك عناصر التعصب المذهبي، يساهم في بناء علاقات إسلامية – إسلامية معتدلة ومستقرة وإيجابية .. ونحن هنا لا نتهم طرف دون آخر، لأننا نعتقد أن حالة التعصب المذهبي تسربت إلى كل الأطراف والشرائح .. وإن المهمة الملقاة على عاتق العلماء والدعاة ومؤسسات البحث ومعاهد التفكير والمؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، هو نقد ظاهرة التعصب الديني والمذهبي، ورفع الغطاء الديني والاجتماعي عن كل الممارسات التعصبية، وذلك لتهيئة المناخ النفسي والاجتماعي والثقافي لنسج علاقات إيجابية بين مختلف أطراف وأطياف الأمة ..

2- تتعدد صور وموضوعات التوتر بين الأطياف المذهبية بين موضوعات ذات طابع تاريخي، وبين موضوعات راهنة متعلقة بهواجس العلاقة وعناصر القوة الذاتية والمفترضة لدى كل طرف .. وأعتقد من الصعوبة بمكان إنهاء حالة التنافس الراهن، ولكن ما ندعو إليه هو ممارسة هذا التنافس بوسائل سلمية – حضارية، وبعيدا عن نزعات العنف والفصل والاستئصال ..

أما بالنسبة إلى الموضوعات ذات الطابع التاريخي، فإننا جميعا لن نتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، كما أنه من الصعوبة أن تتطابق وجهات نظر الجميع حول أحداث التاريخ ورجاله .. لهذا فإن المطلوب على هذا الصعيد من جميع الأطراف هو الاحترام المتبادل ورفض وتجريم الإساءة لأي طرف من الأطراف .. فمقتضى الشراكة الإسلامية هو أن نحترم قناعات بعضنا البعض، ورفض أي شكل من أشكال الإساءة لأي طرف أو شخصية تاريخية أو معاصرة ..

وبهذه الآليات تتمكن المجتمعات الإسلامية المعاصرة، من تنفيس الاحتقانات، وضبط نزعات التطرف والتعصب، وبناء علاقات إيجابية بين جميع الأطراف على قاعدة احترام التعدد والتنوع دون التضحية بمقتضيات ومتطلبات الوحدة ..

وجماع القول: إن إطلاق العنان للعداء أو العداوات المذهبية في المنطقة العربية، ينذر بكوارث ومخاطر حقيقية على كل الصعد والمستويات ..

وإن المطلوب من جميع الجهات العمل على وأد الفتن الطائفية، وتجسير العلاقة بين أطياف الأمة على أسس الحوار والتسامح والعدالة وصيانة حقوق الإنسان ..

 

 

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد