لا شك أن الدین الإسلامي، شكل قفزة نوعية ومهمة في التاریخ الإنساني، بما قدمه هذا الدین من نظم وتشریعات، تكفل حریة الإنسان الفردیة والاجتماعیة، وتسعى نحو تحقیق السعادة للإنسان في هذه الحیاة.
وتبدأ هذه النظم والتشریعات ببیان أن اﷲ سبحانه وتعالى، قد أوكل للإنسان خلافته في هذه الأرض بعد تكریمه إیاه، وتفضیله على الملائكة، قال تعالى ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خلیفة قالوا أتجعل فیها من یفسد فیها ویسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾.
وقال تعالى ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطیبات وفضلناهم على كثیر ممن خلقنا تفضیلا ﴾.
فأصبح الإنسان هو الذي یسخر جمیع المخلوقات له ..
ومن هنا أبرز هذا التكریم الرباني للإنسان، التعبیر الذي ینبغي أن یسعى الإنسان للحفاظ علیه في هذه الدنیا وهو إنسانیته ..
والعمل على توفیر جمیع السبل والوسائل للحفاظ على هذا التكریم. وینبغي التأكید في هذا الإطار، أن التكریم الإلهي لم یكن خاص بإنسان دون الآخر، وإنما هو تكریم لنوع الانسان بدون تمایز أو فروق عرقیة أو طبقیة أو عنصري أو ما أشبه. (كلكم سواسیة كأسنان المشط).
ومن تجلیات هذا التكریم أن جعل اﷲ سبحانه وتعالى الإختلاف بین الناس حالة طبیعیة في الوجود الإنساني، لأن الباري عز وجل قد خلق البشر مختلفین من نواحي عدیدة.
- لكونهم من ذكر وأنثى ﴿وأنه خلق الزوجین الذكر والأنثى ﴾.
- مختلفین لإختلاف ألسنتهم وألوانهم ﴿ومن آیاته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم﴾.
- مختلفین لإختلاف عقائدهم ﴿هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ﴾.
وعلى ضوء هذا الاختلاف تنشأ الوحدات الاجتماعیة المستقلة، لكن لا لكي تتباعد عن بعضها وإنما لكي تتعارف.
فالتعارف هو المنظور القرآني لتجاوز الآثار السیئة والسلبیة لحالة الاختلاف: ﴿یا أیها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اﷲ أتقاكم ﴾.
ویقول المرحوم الشیخ محمد أبوزهرة في تفسیر هذه الایة (إن التعارف یوجب التعاون في رفع الحق، وخفض الباطل وسیادة الفضیلة والمساواة العادلة بین الناس، وأن یدفع الظلم عن كل بني الإنسان وأن یقف أهل كل إقلیم أنفسهم لمساندة الضعیف في أي أرض من أرض ﷲ، حتى لا یفسد الظلم أهل الأرض ).
ولقد أثبت القرآن الحكیم الحق في الاختلاف لجمیع البشر، واعتبر أن الاختلاف في العقائد والأفهام والمواقف، هو سنة من سنن اﷲ تعالى في الأرض.
فقد قال تعالى: ﴿ولا تكونن من الذین كذبوا بآیات اﷲ فتكون من الخاسرین ﴾.
ومن الطبیعي أن الاقرار بحق الاختلاف، یستلزم الاقرار بالتعددیة والتنوع في المجتمع، وحینما ننظر إلى الصحیفة التي كتبت كدستور للدولة الإسلامیة الأولى، تتوضح في بنودها الإقرار والاعتراف التام بحالة الاختلاف والتنوع والتعددیة، فقد جاء فیها: (هذا كتاب محمد (ص) بین المؤمنین والمسلمین من قریش ویثرب، من تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قریش على ربعتهم یتعاقلون بینهم، وهم یفدون عانیهم بالمعروف والقسط بین المؤمنین وبنو ساعدة على ربعتهم یتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانیها بالمعروف والقسط بین المؤمنین ). وعلى الصعید السیاسي العملي أیضا، لا شك أن تجربة الامام علي (ع) مع الخوارج تؤكد حقیقة إعتراف الإسلام بالاختلاف والتعددیة في المجتمع الإنساني، قال تعالى ﴿ولا ینهاكم اﷲ عن الذین لم یقاتلوكم في الدین ولم یخرجوكم من دیاركم أن تبروهم وتقسطوا إلیهم إن اﷲ یحب المقسطین ﴾.
وتاریخیا لم یكن ینظر مفكرو الأمة وأئمتها للإختلاف كمصدر ضعف وتراجع، بل إعتبروه تعبیرا عن غنى الثقافة وزخم الحضارة المرتبطین بعمق التجربة التاریخیة وإتساع الانتشار الجغرافي.
وجماع القول في هذه المسألة أن الاختلاف حالة طبیعیة ومتناغمة مع نوامیس الوجود الإنساني، إذ (إقتضت مشیئة اﷲ أن یخلق الناس مختلفین متباینین في قدارتهم الفكریة، وفي أمزجتهم وفي أذواقهم.
فتختلف بسبب ذلك أنظارهم وفهومهم، ویعطي هذا الاختلاف والتنوع للحیاة مظهر التجدد، ویبعدها عن التكرار والرابة. ویمكن تنویع الانتاج الإنسان ومن تكثیر الصور الفكریة للموضوع الواحد.
ویظل هذا الاختلاف المنتج للتنوع إیجابیا ومفیدا، وما دام نابعا عن تلك الفروق الفطریة وعن التابین الموضوعي في البحث عن الحق ).
وبهذا فإن الاختلاف في حدوده الطبیعیة هو أصل الوحدة، ومصدر الحریة ومنبع التقدم والتطور، ماعلینا إلا أن ننزع من أذهاننا روح التشاؤم ونعمق روح الثقة بالعقل والانسان، عندئذ یصبح الحوار ونحن مختلفین ممكنا، وتصبح الحریة والاحترام المتبادل شرطا لاستمرار هذا الحوار.
ویقول المارودي في كتابه نصیحة الملوك حول أن الاختلاف مسألة طبیعیة “كلام كل كتاب وأخبار كل نبي لا یخلو من إحتمال تأویلات مختلفة، لأن ذلك موجود في الكلام بنفس طباعه وكلام أولى بهذه الصفات من كلام اﷲ اجل ذكره، إذا كان أفصح الكلام وأوجزه وأكثره رموزا وأجمعه للمعاني الكثیرة. ولا بد في الدین من وقوع الحوادث الطارئة التي یحتاج إلى النظر فیها والنوازل التي لا یستغنى العلماء عن استخراجها ولذلك صار لكل رأي تتبع ومشرعون وأئمة ومؤتمون كان سببا لإختلاف الامم وإنشقاق عصاها “.
فالاختلاف حسب هذا القول أمر طبیعي بطبیعة النص الشرعي المقدس وما یؤدي إلیه من تأویل متعدد وقراءات مختلفة، ولكن ینبغي القول”أن الاختلاف الذي یسمح به الشرع هو نتیجة طبیعیة ومنطقیة لمشرعیة الاجتهاد لأن من المستحیل القبول بالاجتهاد دون القبول بآثاره التي من جملتها إختلاف أنظار المجتهدین “.
وبالتالي فإن حمل الناس على الرأي والفهم الواحد یناقض حقیقة الاجتهاد والنوامیس الكونیة فیما یرتبط بالاختلاف البشري.
كما أن حمل الناس على الرأي الواحد یناقض الفكر الدیمقراطي المعاصر إذ أن”الاختلاف في المفهوم الدیمقراطي لیس تفتیتا وتجزئة بل هو بدیل عن كل استداد مغلف بغلاف الوحدة، حین تكون هذه الأخیرة مجرد تغطیة للإنفراد بالسلطة … نعم هناك سلبیات ومزالق للتعددیة حتى في مستوى التعبیر المؤسسي الدیمقراطي، إلا أن عیوب الدیمقراطیة تصحح بالدیمقراطیة ولیس بالغائها “.
ولكننا في الوقت الذي نعتبر أن الاختلاف حالة طبیعیة مرتبطة بالوجود الانساني، نرفض الاختلاف المطلق أو ما یصطلح علیه ب (الاختلاف من اجل الاختلاف)، لأن معنى هذا الاختلاف هو التشتیت الدائم والمستمر للاراء والأفكار ویبقى كل منها منغلق على ذاته رافض للاخر، كل منهما یشكل عصبیة لا تقبل التعایش والحوار، فهو صراع عصبوي حتى لو تجلبب بجلباب الاختلاف. لذا فنحن نرفض هذه الاشكال من الاختلاف، لأنها تؤدي إلى الفوضى في النظام الاجتماعي العام.
ولهذا فإن السؤال الذي یطرح في هذا المجال هو كیف ندیر اختلافاتنا أو ما هي السبل الناجعة لإدارة الاختلاف …
1-الاعتدال
دائما التطرف في كلا الاتجاهین (الحب والبغض) یصادر الحقیقة، ویشرع للاستبداد وإقصاء الرأي
الاخر. هذا تطرف یدعي لصاحبه من حیث یشعر أو لا یشعر أن الناطق الأوحد بإسم الدین والقیم.
فالتطرف یحرم الناس المشاركة في صنع الحقیقة والمعرفة، ویصادر منهم الحق في الاختلاف، له وحده (المتطرف) الحق في أن یخالفهم، ولیس لهم أي حق في إبداء رأي مخالف له ..
وینبغي القول في هذا الصدد، أنه لا یوجد على وجه هذه البسیطة إنسان (ماعدا المعصوم) یمتلك
مركز إصدار الحقیقة، وان قوله هو القول الفصل في كل شيء .. ف “لیس من حق أحد أن یقف أمام
الملأ ویقول: أنا الإسلام ! لیس من حق أجد أن یتحصن بكتاب اﷲ، ثم یعلنا علینا من ورائه أن من نصره وأیده فقد دخل في زمرة المؤمنین الصالحین ومن خذله أو عارضه فقد خرج على كتاب اﷲ، وصار من أعداء اﷲ المارقین !، لیس من حق أحد أن یزعم بأنه یتمتع بحصانة إسلامیة خصته بها السماء من دون كل المسملین، فرفعته فوق كل الرؤوس، ونزهته عن النقد والسؤال، وإحاطته بسیاج من العصمة والقداسة “.
إن التطرف یؤدي بصاحبه إلى الشدة، وتستولي علیه روح الضیق بالمخالفین ویسارع إلى اتهامهم في أفكارهم ونیاتهم وأخذهم بالشبهة وسوء الظن.
وحین یسود التطرف تستباح الحقیقة، ویزیف الواقع وتنتهك السمعة والكرامة، ویرجم أصحاب الرأي المخالف على حد تعبیر الدكتور أحمد كمال أبوالمجد .. لأن التطرف في العلاقات الإنسانیة یجعل صاحبه منفصل دائما عن الذات ومبررا لكل ما یصدر عنها منتقدا غیره إیاه جارحا لكل ما یصدر عنه.
لهذا نجد أن الإسلام یؤكد على مسألة التسامح بین الأخوة، والابتعاد عن سوء الظن والتشهیر
والاسقاط وما أشبه .. فقد جاء في الحدیث الشریف (ضع أمر أخیك على أحسنه حتى یأتیكمنه یغلبك، ولا تظن بكلمة خرجت من أخیك سوءا وأنت تجد له في الخیر محملا).
(أطلب لأخیك عذرا فإن لم تجد له عذرا فإلتمس له عذرا )
(ألا أخبركم بأفضل من درجة الصیام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البین فإن فساد ذات البین هي الحالقة ).
لهذا فإن صدر الإسلام یتسع لإختلاف الاراء، فلا نضیقه بأهوائنا ونوازعنا الذاتیه السیئة، فلا بد لنا أن ندیر خلافاتنا بصفاء قلب وعفة لسان وحرص متبادل على صون الكرامات وحفظ المودات، وأن
نبتعد عن قوارص الكلم وفنون التجریح والتشهیر والإسقاط، وكل ما یسبب ویؤدي إلى شحن النفوس بالضغین والبغضاء.
2-مدنیة الاختلاف
بما أن الاختلاف مسألة طبیعیة في الاجتماع الإنساني لذلك ینبغي الابتعاد قدر المستطاع عن جعل هذا الاختلاف وكأنه خلاف بین الحق والباطل.
إننا ولكي ندیر إختلافاتنا بشكل إیجابي ینبغي لنا تحویل الاختلاف إلى حالة مدنیة موضوعیة، لا إلى خلاف دیني، لأنه إختلاف في تحدید مصادیق القیم والمباديء المتفق علیها من قبل الطرفین.
“ویبقى من خاصائص الحوار الدیني، خصوصا في إطار الإسلام الذي یتمیز بشموله والارتباط
الاساسي بین عقیدته وشریعته وادابه، أن من الیسیر على الأطراف في حوار دائر حول أمور السیاسة والاجتماع والاقتصاد، أن یضفي علیه بعضهم طابعا دینیا، وأن یلقى على مائدة الحوار بنص یتعرض من قریب أو بعید لموضوع الخلاف بین المتحاورین وبذلك یكتسب الحوار كل ما یحیط
بأمور الدین من قداسة، وكل ما یلحق المخطئین فیها من شبهات الإثم، والانحیاز للضلال فیتحول
الحوار إلى محاكمة … یضطر في المخالف إلى توجیه جهده كله للدفاع عن نفسه، وإثبات براءته من خطیئة الاستخفاف بالنصوص والاجتراء على اﷲ والقول في الدین بالهوى. لقد كان من اثار هذه الظاهرة غیاب المنهج النقدي عن كثیر من القضایا المهمة في نطاق البحث الدیني، وخوف كثیر من العلمات الثقات لتمتد إلى النیل من الجهر بارائهم حتى لا یتعرضوا لحملات تتجاوز الرأي وتقییمه …
لتمتد إلى النیل من دینهم وتقواهم وأمانتهم وحسن نوایاهم “.
لذلك من الضروري الابتعاد عن حالات تدیین الاختلاف أو إعطائه طابعا دینیا بحیث تصبح عملیة
الاختلاف وكأنها صراع بین الحق والباطل .. فما دام الاختلاف ظاهرة طبیعیة على مستوى البشریة،
لذلك من الخطأ الفادح سلب صفة البشریة من خلافاتنا ووحهات نظرنا المتباینة، وفي إطار مدنیة
الاختلاف وبششریته، لا بد من التحلي بصفة الموضوعیة حین الاختلاف. والموضوعیة منهج بهدف مقاربة اراء وأفكار الاخر المختلف بدون زیادة أو نقیصة … كما أنها تقتضي أن لا ینظر المرء إلى الاخر المختلف من علو، وإنما هي رؤیة متساویة وقریبة منه.
3-الاتفاق على خریطة المستقبل
عادة حینما یكون الحوار بین المختلفین حول قضایا الماضي ومشاركة كل طرف في صنعه عادة لا یتوصولون إلى حلول بل إلى المزید من الإصرار المتبادل على الاراء والافكار، لذلك ینبغي أن تكون جلسات المختلفین وحوارتهم حول غدهم لا أمسهم، وقد تكون الایة القرانیة (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ) تشیر إلى ذلك.
4-فریضة الحوار
إن غیاب فریضة الحوار هو الذي یحول كل اختلاف فكري أو اجتماعي أو سیاسي إلى حرب ساخنة، وتجدد أسبابها وشروطها بإستمرار حالة الجفاء وغیاب فقه الحوار.
إن تكریس قیمة الحوار في أوساطنا وأجوائنا هو الذي یجعل الاختلاف في وضعه الطبیعي ودون أن یؤثر ذلك على القواسم المشتركة لدى الطرفین. ومن المؤكد أن التعصب هو أحد أشكال الإنحطاط والتخلف في العلاقات الانسانیة التي تؤسس للعداء والقطیعة بدل التعایش والحوار المتواصل.
فالحوار والمجادلة بالتي هي أحسن كان لها الفضل في رد الكثیر من الاراء الوافدة والدخیلة.
فلا یمكننا أن نمنع الانسان من عدم إبداء رأیه أو التعبیر عن افكاره، ولكننا بإمكاننا محاورته ومناقشته .
فالإمام علي (ع) حینما ظهرت أفكار الخوارج مثلا لم یحاربهم، وإنما حاورهم وناقشهم وكان موقفه
منهم، موقف المجادل الذي یقارع الرأي الباطل بالرأي السدید مؤیدا ذلك بالأدلة والبراهین والوقائع الساطعة. “بوسعك أن تتبین مدى حمایة الإسلام لحق التعبیر عن الرأي أیا كان صاحبه، إذا تأملت في قوله عز وجل من الایة السابقة (وجادلهم بالتي هي أحسن) فإن المجادلة لا تكون إلا في جو یصغي
في كل من الطرفین إلى الرأي الاخر، وإذا كانت المجادلة لبیان الحق وتمییزه عن الباطل واجبا كلف
اﷲ به المسلمین، فلا شك أن تهيء مناخه، من الإصغاء إلى الرأي الاخر، ومهما كان جانحا، واحب
هو الاخر، إذ أن ما لا یتم الواجب إلا به فهو اجب، وهذا الواجب لا یتم إلا بتمكین صاحب الرأي الجانح (في اعتقادنا نحن) من التعبیر بكل أمان عن رأیه، إذ بذلك توجد المادة التي یدور حولها الجدل والحوار “.
وینبغي التذكیر في هذا المجال أنه لا یوجد مجتمع في التاریخ الإنساني، لا تتعایش في رؤى
وأیدولوجیات مختلفة ومتباینة، ذلك لأنه ینطوي بالضرورة على مصالح متغایرة، ویمارس إختیارات مختلفة. ولكن التقدم والتطور لا یكون من نصیب إلا المجتمع الذي استطاع أن یوجد علاقة إیجابیة وحسنة ومتعایشة بین هذه الرؤى والمدارس الفكریة المختلفة.
وعن طریق هذه العلاقة الایجابیة والمتعایشة التي تربط هذه الرؤى یحتضن المجتمع عناصر التقدم
والنطور في مختلف الأبعاد والحقول، وبهذه العملیة نحول إختلافاتنا إلى مصدر لتطویر ذاتیتنا الفردیة والجماعیة، وبهذا نغني ثقافتنا ونعید توازننا الاجتماعي التاریخ. فالاختلاف في حدوده الطبیعیة لیس مرضا یجب التخلص منه والقضاء علیه، بل هو محرك المجتمع نحو الأفضل، ومصدر دینامیته، وهوو یقود لو أحسنا أدارته إلى المزید من النضج والوعي والتكامل.
عن طریق هذه الأمور نستطیع أن ننجح في إدارة خلافاتنا، ونفقه أن نتعاون من بعضنا البعض دون أن تتطابق وجهات نظرنا في كل شيء.
وحتى تكتمل صورة التعامل الایجابي مع ظاهرة الاختلافات في المجتمعات البشریة، هذه مجمعة من الوصوایا والقضایا التي تحول دون تحول الاختلافات إلى عوامل هدم وتخریب في المجتمع:
أ- ضرورة عدم الاكتفاء بأدنى الفهم والمعرفة، وإنما تهیئة النفوس والعقول إلى إستقبال أقصى الفهم والمعرفة. إذ أن الكثیر من الاختلافات تأخذ سبیلها السيء والسلبي من جراء الفهم الناقص للمسألة
التي جار حولها الخلاف، لذلك وقبل أن یرتب أحد أطراف الاختلاف أي قناعة أو موقف، لا بد من أن یفهم المسألة بشكل كامل بحیث توفر لدیه المعرفة التامة حول المسألة المعنیة.
- – ضرورة إحترام حق الرأي، إذ أننا لا یمكننا أن نصادر حق الإنسان في التعبیر عن ارائته وقناعاته ولا شك أن الاختلاف فرض احترام حق الرأي، لذلك نحن مطالبون بأن لا نشن على الطرف
الاخر (المختلف) نعوت تؤدي إلى التسقیط والتخوین وما أشبه، لأننا نحترم رأیه ونجعل هذا الاختلاف في هذه الدائرة.
- – إخراج الذات من دائرة الاختلاف، وهذا یقتضي أن نعتبر أنفسنا مختلفین ضمن مختلفین، لا أن الاخرین هم وحدهم المختلفون معه أي المخالفین. وینبغي الابتعاد عن التعالي، تعالي كل خصم على
خصمة بإدعاء احتكار العلم الكوني و واستعمال النص المقدس لفرض سلطته هو على الجمیع. وقد قال تعالى: (قل من یرزقكم من السموات والأرض قل اﷲ وإنا وإیاكم لعلى هدى أو في ضلال مبین ) .
- – ضرورة حضور البعد الأخلاقي في الاختلاف، إذ أن طائفة لیست قلیلة من الاسباب والامور التي تجعل حالة الاختلاف، من حالة طبیعیة إلى مسألة تؤدي إلى التخریب ووجود حالات التصدع الداخلي. كل ذلك یحدث بفعل غیاب القضیة الاخلاقیة في مسائل الاختلاف، لذلك فمن الضروري، وحتى نحافظ على طبیعة الاختلاف، من وجود الضوابط والقیم الاخلاقیة التي تجعل الاختلاف في حدوده الطبیعیة. وقدیما قیل أن الخلاف لا یفسد للود قضیة. ونحن نرى سیرة أهل البیت (ع) مع معارضیهم، والمختلفین معهم عقائدیا أو فكریا أو سیاسیا، یتعاملون معهم وفق الضوابط الاخلاقیة، لأن تجاوز هذه الضوابط یحول مسألة الاختلاف إلا سلاح هدام لكل نقاط القوة والنشاطات الایجابیة في الساحة.
- – ضرورة التواصل بین العلماء والدعاة، فلكي لا تتوسع شقة الاختلافات، وتتحول إلى صراعات
ینبغي التواصل الدائم بین العلماء والدعاة وكل من یشكل حالة عامة في المجتمع. لأن هذا التواصل یبدد الغیوم السلبیة للاختلاف. ویعرف وجهة نظر كل طرف للاخر بشكل مباشر.
ویشیر إلى هذه المسألة مصطفى بن حمزة بقوله “الخطر في هذه التقابلات لا یكمن في الاختلاف في
حد ذاته، وإنما یكمن في افراز هذا الاختلاف لروح التشرذم والشتت ما دام الدعاة یعجزون عن مد جسور التلاقي والتواصل بینهم، وما داموا یتعصبون ویتشددون في تمسكهم بما تأدى الیه اجتهادهم
وما داموا یرون أن ما عنجهم هم الحق الذي لا خلاف فیه … وان ما عند مخالفهم هو الباطل الذي لا خلاف فیه. وعلى أساسه یرسمون مواقع جدیدة تستنزف جهادهم وطاقتهم. إذ یتصورون أن مخالفهم یجب أن یكون موضوع دعوتهم وارشادهم فیجعلون الأوكد من عملهم زحزحته عما هو علیه من رأي، هو أیضا ولید اجتهاد ونتیجة نظر في الأدلة الشرعیة “.
لذلك فلیس المطلوب أن تتطابق وجهات نظرنا جمیعا في كل شيء ولكن المطلوب هو بقاء التعاون واستمرار المحبة والود لبعضنا البعض، وان لا نسحب اختلافنا في حقل من حقول الحیاة إلى بقیة الحقول والجوانب.
وأخیر ولكي لا نقتل إنجازاتنا ومكاسبنا جمیعا بأیدینا تعالوا نتعلم كیف نختلف.