فلسفة حوار الحضارات عند أحمد زويل

 عندما يترنح الحوار وتغيب ثقافته فلا محل لقبول الآخر آياً كان، فيوماً بعد يوم، وفي منطقتنا العربية والإسلامية تتكاثر أفكار جماعات التخلف، والانغلاق، وإقصاء الآخر، ورفض التحاور، زادها المتاجرة بالدين، لإعمال آلة القتل داخل الديار وخارج الأوطان.. تصدع مخزوننا الفكري وتطلخ دما وأضحت الصورة القاتمة بعبعاً مخيفا لأمم لم يصلها من الإسلام سوي أشلاء حضارة، أو مسخاً حضارياً ذميم، في ظل هذا علا صوت العقل داعياً إلى استئناف حضارتنا الميتة سريرياً منذ أمد بعيد أملاً في الالتحاق بركب الحضارات من جديد.. قراءات تري أن ما نشهده ساحتنا من حراك ومن إرهاصات وعي متجدداً كفيلان ببلوغ المرام، وبوقوف حضارتنا على الأقدام، وأخري تجزم أن في أعناق النخب المشرئبة لتفعيل حوار الحضارات وللفعل فيه بإرادة لا تلين.. بشري بآمال واستعادة بريق ثقافة وحضارة ولو بعد حين؛ وأخص بالذكر هنا حضاراتنا المصرية القديمة.

فلا أحد يدرك الزمن.. رحابة وضيفاَ مثلما يدركه المصريون، ولا أحد يحمل التاريخ على كاهله ويمضي مثلما يفعل المصريون، وملايين المصريين يدركون أن حضارة بلادهم عمرها سبعة آلاف عام.. والمصريون لديهم قناعة واسعة بأن مصر هي العالم، لدرجة أنهم يطلقون عليها ” أم الدنيا”.. سطعت نجوم في القرن التاسع عشر وأخرى في القرن العشرين، فمن “رفاعة الطهطاوي”، إلى “جمال حمدان”.. ومن “أحمد عرابي” إلى “النحاس”.. ومن “الخديوي إسماعيل” إلى “أنور السادات”.. توالت أفكار وسياسات. وفي الطريق ذاته مرت قامة بحجم الإمام “محمد عبده” وثانية بوزن طه حسين، وثالثة بضخامة نجيب محفوظ.. ولكن التحديد الديني الذي بدأه “محمد عبده”، والتجديد الفكري الذي أطلقه “طه حسين” والنقلة الإبداعية التي حققها “نجيب محفوظ” انتهت كلها إلى مشهد مأساوي بائس؛ فقد جاء عقد التسعينات ليشهد غياب “توفيق الحكيم”، و”زكي نجيب محمود”، و”يوسف إدريس”، ومن حولهم.. ثم ساد ظلام كان يقطعه بين حين وآخر صوت العنف والإرهاب؛ كالرعد وطالت يد الإرهاب المفكرين!! (1).

 وهنا سطعت شمس العالم ” أحمد زويل “، جاء ليملآ المسرح بأكمله.. وعاد المصريون إلى سابق ثقتهم بأنفسهم (2)؛ ففي الوقت الذي يرى فيه أهل الرؤية التاريخية والمستقبلية أن ما نعيشه حاضراً من تقد عملي وتكنولوجيا راقية هو مجرد بوادر لما سوف يعيشه الإنسان من أحداث كبار خلال القرن القادم، وكثير منها أحداث بيولوجية تعتمد على التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية – فإن الاكتشاف العلمي: ” كاميرا الفيمتو ثانية”، الذي حصل به العالم المصري أحمد وزيل علي جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999م، ومن قبله “أبو الهول”، والوثائق المصرية الممثلة في البرديات، كلها تشهد على الدور الرائد للمصر في مجال التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية (3).

 و”زويل” قد حفر اسمه بأحرف من نور أضاء به الظلام… رفع سقف طموحات الشباب إلى أبعد مدى ليصبح رمزاً من رموز العلم في مصر والعالم كله؛ وقد وصفه الدكتور “مصطفي الفقي” بأنه: ” رحمه الله: “كان ومضة ضوء في حياتنا القاتمة، إذ فاز عالم مصري الأصل والمولد بجائزة “نوبل” في العلوم، وتلك الجائزة قفزة كبيرة ينال منها التعليم المصري والبحث العلمي معًا، خصوصًا أن الجائزة في الفرع الذى حصل فيه “زويل” هي جائزة مستحقة بكل المعاني لا تخضع لاعتبارات سياسية ولا أهواء قومية، فلا بد أن يأتي العالم الذي يحصل على “نوبل” في العلوم بجديد يخدم البشرية ويمثل قفزة لها إلى الأمام، فهي ليست مثل “نوبل” في الأدب التي تخضع للتوزيع الجغرافي بين الحضارات المختلفة، وليست هي جائزة “نوبل” في السلام التي تخضع للمواقف السياسية ولا تبرأ من شبهة الانحياز عند الاختيار” (4).

 وقد لفت نظرنا فيلسوف العلم الأمريكي الشهير “توماس كون” في كتابه الذائع الصيت “بنية الثورات العلمية” أن بعض الاكتشافات العلمية تعد ثورة علمية لأنها – بحكم تفردها – تغير ممارسة العلم نظرية وممارسة. وهكذا اعتبر إنجاز “جاليليو” ثورة علمية، وكذلك نظرية النسبية التي صاغها “ألبرت أينشتين”، ويضاف إليهم أحمد زويل الذي اكتشف لأول مرة في تاريخ الإنسانية زمناً جديداً هو “الفمتو ثانية”. وقد قرر ذلك بكل وضوح البروفيسور بنجنت نوردن رئيس لجنة جائزة نوبل للكيمياء بالأكاديمية السويدية للعلوم في عبارة بالغة الدلالة “أن استخدام زويل لتقنية الليزر فائقة السرعة “فمتوسكوب” يمكن وضعه في سياقه التاريخي جنباً إلى جنب مع استخدام جاليليو للتليسكوب. الذي صوبه شطر كل شيء مضيء في القبة السماوية الزرقاء. أما زويل فقد صوب ليزر الفيمتوثانية على كل شيء يتحرك في عالم الجزئيات. لقد انتقل زويل بتيلسكوبه هذا إلى آفاق العلم. ويمكننا الآن أن ندرس التحركات الحقيقية للذرات في الجزئيات، ويمكننا أن نتحدث عنها في الزمان والمكان بنفس الطريقة التي نتصور بها تلك الذرات والجزئيات.. فلم تعد الجسيمات أشياء غير مرئية”. وأضاف “روبرت برادوسكي” مؤرخ العلوم والأستاذ بمعهد روشستر للتكنولوجيا “وباختراع هذه الطرق العلمية أصبح زويل كريستوفر كولمبس لعالم الفمتو وأول شاهد عيان للأحداث الكيميائية التي تقع في جزء من مليون بليون جزء من الثانية” (5).

 ولهذا السبب قيل عن زويل بأنه ذلك العالم الذي استطاع أن يمتطى الزمن، وأن يكشف حركته السرية الخفية، وأن يصور ويسجل ما يحدث في واحد على بليون من البليون من الثانية، حقا كما يقال عنه أنه” يمتلئ بالفكرة.. امتلاء الإناء بالسائل” (6).

 واحتفلت المؤسسات الثقافية والسياسية في مصر احتفالاً مهيباً بالدكتور ” أحمد زويل” عند حصوله على جائزة نوبل في علم الليزر، تقديراً لأبحاث أجراها في الولايات المتحدة الأمريكية، ووصل فيها إلى نتائج جديدة التي ذهب إليها مبعوثاً واستقر فيها، وأشار الكثيرون إلى حقيقة أن ” قدرات” العلمية تطورت عندما عاش في بيئة ملائمة تقدر العلم، بل تقدسه، ولا تفرض عليه أية قيود، والأكثر من ذلك تخصص له الدولة والمشروعات الصناعية الكبرى ميزانيات سخية تتزايد كل عام، بل ويجرى تنظيم الحياة الاجتماعية عامة علي أسس علمية، وحين يخرج الباحث إلى الحياة خارج الأكاديمية يحصل على أجر ملائم، ولا يكون مضطراً للهاث وراء لقمة العيش وتبديد طاقته العصبية والذهنية (5)؛ ولذلك يقول “زويل” عبر كتابه “الغربيون عباقرة.. ونحن لسنا أغبياء.. لكن الغرب يساعد الفاشل حتى ينجح.. ونحن نحارب الناجح حتى يفشل” (7). هكذا وصّف ” زويل” واقعنا العربي المتردي، الذي يدفع الشباب فيه ضريبته الأكبر، وهو توصيف يحمل في جوهره مقارنة ثقافية عميقة بين عقليتين متناقضتين في التفكير والتخطيط والتنفيذ، واحدة مبتكرة وبناءة، وأخرى مثبطة وهدامة (8).

  وكان ” زويل” يعيش في سان مارينو بولاية كاليفورنيا، وهو أستاذ كرسي لينوس باولينج في الكيمياء الفيزيائية، وأستاذ الفيزياء في كالتيك. وتم تعيينه أخيراً مبعوثاً علمياً للولايات المتحدة لدى دول الشرق الأوسط؛ نظرا لما يتمتع به من موهبة تساعده في إيصال المعلومات للآخرين (9).

 ولد “أحمد حسن زويل” في 26 فبراير 1946 بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، ثم انتقل مع أسرته إلى مدينة دسوق بكفر الشيخ. التحق بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية وحصل على بكالوريوس العلوم في الكيمياء عام 1967 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وعمل معيدا بالكلية، ثم حصل على درجة الماجستير عن بحث في علم الضوء. سافر “زويل” بعد ذلك إلى الولايات المتحدة في منحة دراسية وحصل على درجة الدكتوراه من “جامعة بنسلفانيا” في علوم الليزر، ثم عمل باحثاً في جامعة كاليفورنيا خلال الفترة بين عامي 1974 و1976م، قبل أن ينتقل إلى العمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) (10).

 تدرج “زويل” في المناصب العلمية الدراسية داخل جامعة (كالتك) إلى أن أصبح أستاذاً رئيسياً لعلم الكيمياء بها وقف أمام ملك السويد في قلب مدينة “ستوكهولم” عام 1999 ليمنحه جائزة نوبل في الكيمياء، عن أبحاثه في مجال “كيمياء الفيمتو”، وهي تكنولوجيا لتصوير التفاعلات بين الجزيئات باستخدام أشعة الليزر، ليصبح أول عالم مصري وعربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء. وفي نفس العام، منحه الرئيس الأسبق حسني مبارك قلادة النيل، وهي أرفع وسام مصري (11).

 مسيرة وأهداف “زويل” العملية لم تنته بحصوله على نوبل فدائمًا ما كان يقول أن “نوبل نقطة في بحر العلم”، ليستمر في مسيرته العلمية، لينجح بعدها في اختراع ميكروسكوب رباعي الأبعاد الذي لا يوجد في العالم منه سوى جهازين، ” إحداهما في أمريكا بالجامعة التي عمل بها، والآخر في مصر بمدينة زويل، ورد اسمه في قائمة الشرف بالولايات المتحدة التي تضم أهم الشخصيات التي ساهمت في النهضة الأمريكية، وجاء اسمه رقم 9 من بين 29 شخصية بارزة باعتباره أهم علماء الليزر في الولايات المتحدة، وفى أبريل 2009، أعلن البيت الأبيض عن اختيار زويل ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا، والذي يضم 20 عالمًا مرموقًا في عدد من المجالات. وفي نوفمبر من العام نفسه، عين كأول مبعوث علمي للولايات المتحدة إلى دول الشرق الأوسط ودعا زويل إلى تكوين قاعدة علمية متكاملة في مصر لتطوير البحث العملي والتعليم، وأطلق مشروع المدينة التكنولوجية التي تحمل اسمه.

  نشر “زويل” أكثر من 350 بحثًا علميًا في المجلات العلمية العالمية المتخصصة و16 كتاباً، من بينها “رحلة عبر الزمن.. الطريق إلى نوبل”، و”عصر العلم” عام 2005، و”حوار الحضارات”، وانتخبته الأكاديمية البابوية، ليصبح عضوا بها، وقد حصل على وسامها الذهبي سنة 2000. كما حصل على جائزة وزارة الطاقة الأميركية السنوية في الكيمياء. وجائزة كارس من جامعة زيورخ، في الكيمياء والطبيعة، وهي أكبر جائزة علمية سويسرية. وانتخب بالإجماع عضواً بالأكاديمية الأميركية للعلوم. كما وضع اسمه في قائمة الشرف في الولايات المتحدة. وقد كرمته مصر، وحصل على عدة جوائز منها، أبرزها قلادة النيل العظمى وهي أعلى وسام مصري، وأطلق اسمه على بعض الشوارع والميادين (12).

  وفي عام 2007 أصيب “زويل” بورم سرطاني في النخاع الشوكي وتوفي في الثاني من أغسطس عام 2016 عن عمر ناهز السبعين عاماً وأوصي زوجة بأن ينقل جثمانه إلى مصر، وأن يوارى الثرى فيها وأقيمت له جنازة عسكرية، وتقدم السيد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” وأسرة زويل المشيعين في ساحة مسجد المشير “طنطاوي” بمنطقة “التجمع الخامس” في شرق القاهرة (13).

 وكتاب “حوار الحضارات” آخر ما كتب الدكتور “أحمد زويل”، وهو عبارة عن نص محاضرة بعنوان ” حوار الحضارات كيف نصنع التاريخ بفضل رؤية جديدة للعالم”، وفيه يؤكد علي فرضية مهمة وهي أن: العلم هو العمود الفقري للحضارات وهو الذى يحدد مصير الشعوب إما للخلود أو للفناء، والتاريخ يذكر أنه قد تم في مصر منذ فجر التاريخ أول تجربة لتحديد عمر الزمن لتكوين أول حضارة في العالم تخرج من التقويم القمري إلى التقويم الشمسي، وعرفوا بشكل دقيق أن السنة ٣٦٥ يوماً، عرفوا ذلك من متابعة فيضان النيل، وأن تحتمس هو أول من صنع ساعة عرفها العالم، وهى موجودة في متحف برلين.. وفي حياة الشعوب لحظات انكسار، وفي هذه اللحظة لا نستطيع الانطلاق علمياً، ولكن علينا أن نحاول التحرك ولو بخطوة طفل، وهذا أفضل من الانتظار بالقاع، وهذه الخطوة في رأيي هي إنشاء مراكز مضيئة علميا وأدبية (14).

 وكتاب “حوار الحضارات” هو عبارة عن محاضرة كان قد ألقاها “زويل” في باريس أمام منظمة اليونسكو، خلال الكتاب قدم حلولا تهدف للوصول لحوار حقيقي بين الحضارات، وقال: أعتقد أن الأبعاد المتواجدة فيما وراء العلم، أي وجودنا الإنساني في خضم الحضارات والثقافات، التي يمكنها أن تتسم أو لا تتسم بالصراع فيما بينها. وبحكم وضعي باحثاً علمياً، فإني أري هذه المسائل معقدة، إلا أن هذا التعقيد بالتحديد، هو الذي يستلزم في إطار بحثنا المتواصل من أجل فهم الإنسان، مقاربة جديدة لا دوغماتية ومعقولة. أكيد أن هنالك من جهة، بحثنا عن الحقيقة وعن معارف جديدة بوساطة العلم؛ غير أن هنالك من جهة أخري أيضا، فهمنا لدلالة وقيمة الحياة من خلال الإيمان. وفي الواقع، فإن أفكاري وتأملاتي موجهة إلى يومنا هذا، من قبل تجربتي من خلال ثلاث حضارات، المصرية والعربية الإسلامية والأمريكية (15).

  ويستطرد “زويل” فيقول: لقد قام بعض المثقفين، من خلال ملاحظتهم للعالم، كما تراءى لهم فجر هذا القرن الجديد، بتشكيل مفاهيم تشاؤمية ومحزنة؛ وهكذا ظهرت في واجهة الساحة الجيوسياسية إنتاجات فكرية، مثل صدام الحضارات (صمويل هنتنغتون) Samuel Huntington، ونهاية التاريخ (فرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama، غير أنه إذا كان هذان المؤلفان، يدافعان عن نظريتيهما بقناعة، فإن أفكارهما تتواجد دوماً محط انتقاد ومناقشة. وبوصفي باحثاً علمياً، فإني لا أدري أي ” فيزياء أساسية” لهذه المفاهيم؛ وبعبارة أخرى، فإن مبدأ حضارياً أساسياً ليس هو ما سيترتب عنه، وضع هذه المفاهيم في حالة صراع فيما بينها، أو وضع حد للتاريخ، من خلال تمكين نظام معين من سحق كافة الأيديولوجيات الأخرى (16).

 ثم يؤكد قائلاً: “بالفعل، فأنا أشاطر الطرح الذي يفيد بأن الفوضى التي يعيشها العالم حالياً، ناتجة في جزء منها عن الجهل قائلاً: “بالفعل عن اللاوعي، أو الذاكرة الانتقائية للماضي، أو انعدام الأفق بالنسبة للمستقبل؛ وفي جزء آخر منها عن البؤس الاقتصادي والحيف السياسي الذي يعيشه الفقراء، والذين يشكلون حوالي 80 % من ساكنة المعمور، المنتشرة حول كوكب الأرض، وتحيي في قلب حضارات مختلفة. وتشكل هاتان النقطتان، الحواجز الرئيسية أمام تطور النظام العاملي؛ وإذا أمكن أن نتجاوزهما يوما ما، فإننا سنصل إلى مستوى أمثل، ألا وهو إرساء حوار بين الحضارات (17).

 وحول سؤال أثاره “أحمد زويل” فيما يخص: حوار أم صدام؟

 فقال “زويل”: يدل لفظ ” حضارة” تبعا للقاموس، على وضع متقدم للمجتمع البشري، وهو وضع تم فيه بلوغ مستويات ثقافية، وعلمية، وصناعية، وحكومية عالية. ونحن، بصفة فردية، متحضرون عندما نصل إلى وضع متقدم من القدرة على التواصل مع الآخرين واحترامهم، بعاداتهم وثقافاتهم ودياناتهم الخاصة؛ أما بصفة جماعية، فإننا نتحدث عن العولمة كوسيلة لتحقيق الرفاهية في العالم. ومع ذلك، فإن العولمة لا يمكنها أن تشكل مفهوماً عملياً، إذا كانت هنالك شقاقات فيما بين الحضارات. وتاريخياً، هناك العديد من الأمثلة المتعلقة بحضارات، تعايشت فيما بينها دون أن تعرف صراعات تذكر (18).

 وتتجسد الحجة المزرية لأطروحة “هنتنغتون” في كون أهم الاختلافات الملاحظة بين الشعوب، في ظل حقبة ما بعد الحرب الباردة، ليست ذات طايع إيديولوجي، أو سياسي، أو اقتصادي، وإنما هي اختلافات ذات طابع ثقافي. وتركز هذه الحجة علي كون الناس يحددون “هنتنجتون” العالم إلى ثماني حضارات رئيسية، وهي: الحضارة الغربية، الأرثودوكسية، الصينية، اليابانية، المسلمة، الهندية، الأمريكية، اللاتينية، والإفريقية (19).

 إن هذا التحليل يطرح في نظر “زويل” إشكالا على مستويات مختلفة؛ ولعل الأسئلة والتعليقات الموالية، قد يكون باستطاعتها أن توضح موقف زويل من هذا التحليل، وذلك على النحو التالي كما يقول زويل:

أولاً: ما هو أساس هذه التقسيمات على مستوى الحضارات؟ إن الشعوب تنتمي لثقافات مختلفة؛ ولقد مارست الأمم وقاربت ثقافات مختلفة وما زالت دائبة على ذلك؛ وبإمكان أمم تنتمي لنفس القارة، أن تخضع لتأثير حضارات مختلفة. بالنسبة لي، بإمكاني، منذ ميلادي إلى غاية اليوم، أن أستمد هويتي في الآن نفسه كمصري، وعربي، ومسلم، وإفريقي، وأسيوي، ومشرقي، ومتوسطي، وأمريكي. وبالملاحظة عن كثب، ولو لواحدة من هذه الحضارات، فإنني ألاحظ أن المصريين أنفسهم ينتمون لحضارة ديناميكية مكللة بهالة من الإرث المتعدد الثقافات: فرعونية وقبطية وإسلامية، دونما حاجة لذكر التأثيرات الفارسية والهيلينية والرومانية والعثمانية (20).

 والقول نفسه كما يقول “زويل”: “يسري علي الحضارتين الأوربية والأمريكية، وحضارات أخرى غالبة في مختلف القارات. إن ثقافات غرب أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، هي أبعد من أن تكون متسقة ومتجانسة. وبالنظر لعدد الثقافات المتواجدة بأوربان والولايات المتحدة الأمريكية، علينا أن نتوقع إذن، صراع حضارات داخل واحدة من بينها، دونما حاجة لملاحظة الحضارات السبع الأخرى؛ غير أنه يلزم الملاحظة بأن الطاقات التي تجمع بين الثقافات والحضارات، ليست نتيجة لمجرد تقسيمات” (21).

ثانياً: هل من الأساسي أن تولد اختلافات الثقافات صراعات بالضرورة؟ يصرح “هنتنجتون” أنه إذا ما فقدت الولايات المتحدة الأمريكية موروثها الأوروبي، أي اللغة الإنجليزية، والديانة المسيحية، والأخلاقيات البروتستانتية، ومصداقيتها السياسية، كالحرية والمساواة على سبيل المثال، فإن مستقبلها سيكون محفوفاً بالمخاطر. وبالنسبة لي، فإني أصل إلى الخلاصة النقيضة؛ إذ من وجهة نظر شخصية، لم أكن أتكلم اللغة الإنجليزية إبان وصولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولست مسيحياً، ولم أتعلم الأخلاقيات البروتستانتية؛ ومع ذلك، فقد اندمجت في ثقافتي الأمريكية الجديدة، مع الحفاظ على ثقافتي أو ثقافتي الأصلية؛ وأنا مقتنع أن ثقافتي، الشرقية والغربية، قد استفادتا من هذا الالتقاء، وبدون أن يولد ذلك أي صدام (22).

 وفي أفق أوسع، فقد تجسدت قوة أمريكا تاريخيا بوتقة الانصهار أو الاندماج؛ إذ أن هذا البلد كما يري زويل قد اغتنى وما يزال، بالتعددية الإثنية والثقافات المختلفة لسكانه. ونتيجة لذلك، فإن التسامح اتجاه الديانات والثقافات المختلفة، قد أصبح جزءً لا يتجزأ من الحضارة الأمريكية. إن الشعب، طالما بإمكانه أن يعيش في ظل نظام سليم دستوريا، على مستويي الحرية والمساواة، فإن الصدامات الدولية لن تكون ذات أهمية بقدر ما تكون عليه بعكس ذلك، مشاكل أخرى هي كذلك بالفعل (23).

 وفيما يتعلق بالعلاقات الدولية مثلا، يقول زويل: “فإني لا أفهم جيداً، السبب الذي يدفع بحضارة معينة، إلى اكتساب قوتها على حساب حضارات أخري عبر الإمبريالية؛ وذلك لأنه بمكان الثقافات والحضارات، أن تصل إلى أوج الاكتمال، في إطار تعايش متناغم ومنسجم بين بعضها البعض، بل وفي إطار تكامل فيما بينها. وتشكل الولايات المتحدة واليابان والأمم الأوربية، أمثلة لهذا التعايش الصحي، الذي تم إرساؤه عن طريق مد جسور اقتصادية وثقافية؛ ويتجسد الحل للوصول إلى هذا الوضع، في إرساء نظام حكامة governance عالمي، يمثل ويرعى حرية البشر والعدالة، وتفرض قراراته وتطبق بطريقة ملائمة. أكيد أن نظاما من هذا القبيل، صعب إرساؤه؛ إلا أنه في اعتقادي، يمكن لزعيم متبصر أن ينجح في هذا المشروع على امتداد مدة زمنية معينة” (24).

ثالثا: ماذا عن دينامية الثقافات؟ إن الثقافات لا تتسم بكونها متوازنة بل إنها تتغير جميعها مع الزمن ؛ ودرجة هذا التغيير تتحكم فيها، في جزئها الأكبر، قوى السياسة والعلوم الاقتصادية؛ ولنعتبر علي سبيل المثال بلدي الأصلي ؛ فالحضارة المصرية قد تطورت بشكل مبكر في ظل تاريخ البشرية، وهيمنت علي العالم لمدة آلاف السنين ؛ لكن مؤخرا، أضحت مصر بلدا سائرا في طريق النمو، وهذا لا يعني أنها فقدت حضارتها، بل يعني أنها، على غرار حضارات أخرى، قد تغيرت مع الزمن، وذلك بالنظر للعديد من القوى الداخلية والخارجية ؛ إذ أن وضعها الراهن، ليس مرده إلى عامل وراثي أو إلى قيم ثقافية أساسية (25).

 وفيما يخص رؤية “أحمد زويل” لما حدث بين العالم العربي والغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية في عقب ما حدث في‏11‏ سبتمبر في نيويورك وواشنطن‏,‏ وزيادة التركيز على تغبير صدام الحضارات وأن هناك ازمه بين العرب والغرب؟

 يقول” زويل”: في تقديري أن هناك نفعاً واحتياجا إلي رؤية أوسع وأكبر علي الجانبين‏..11‏ سبتمبر كان حادثا مهولاً أثر علي صورة أمريكا في العالم‏..‏ كما أثر علي فخرها باعتبارها القوة الأعظم في العالم‏..‏ كما ينبغي أن تعلم أن برجي مركز التجارة العالمي يمثلان هما ونيويورك بشكل عام – رمزاً للحضارة الأمريكية‏,‏ ومن ثم فإن الهجوم عليهما، مثل توابع الزلازل أدت إلي توليد شعور بأن هذا صراع حضارات، أو بتغبير آخر صراع مع الإسلام وهو الخطأ الكبير الذي حدث بعد‏11‏ سبتمبر‏,‏ وقد حاول الرئيس الأمريكي “جورج بوش” توضيح أكثر من مرة أن هذا ليس صراعا مع الإسلام‏ (26).

 ويستطرد” زويل” قائلاً: ” لكن رجل الشارع الأمريكي لا يعرف عن الإسلام إلا قليلا – حتي مع وجود حوالي ‏ست ملايين مسلم في الولايات المتحدة ـ ومن ثم عندما تظهر له وسائل الإعلام الأمريكية‏:‏ الصحف وقنوات التليفزيون‏,‏ صور المتهمين في حادث مركز التجارة العالمية وتكشف انهم مسلمون وعرب تحدث إدانة فورية من جانب الرأي العام الأمريكي للمسلمين والعرب‏,‏ ولكن يصبح هذا خطأ كبيرا عندما يشاع أن الإسلام والحضارة الإسلامية هما إرهاب‏,‏ وأضرب دائماً امثله بالاستعانة بمصادر التنوير في الحضارة الغربية والتي هي الحضارة الإسلامية جذور الحضارة الإسلامية في أسبانيا واستمرارها حتي بزوغ عصر النهضة (الرينيسانس) في أوروبا‏ (27). ‏

 هذا بالإضافة إلى أن القرآن والدين الإسلامي كما يري “زويل”: ” لا يدعوان إلى العنف على الإطلاق وإنما إلى التسامح‏,‏ والدليل على أن التطرف ليس إسلامياً حادث “أوكلاهوما‏”,‏ وكان مرتكبه مسيحياً وليس مسلما,‏ كذلك ما فعله هتلر من تدمير في قلب أوروبا، وهو لم يكن مسلماً‏,‏ وما حدث في يوغسلافيا، وفي حرب البوسنة والهرسك، هي إذن نظر “زويل” خاطئة من الغرب إذا فهم ما حدث باعتباره إرهابا إسلاميا”‏ (28).

 وفي نفس الوقت يؤكد “زويل” بأن العرب والمسلمين ركزوا على هذه القضية باعتبارها حديث الساعة في مصر‏,‏ على سبيل المثال إنني لا يتوقف فيها الجدل حول ما يسمي صراع الحضارات واعتمد الجدل على كتاب “صمويل هنتنغتون” صراع الحضارات الذي قسم العالم إلي‏ خمس‏ حضارات، لكني أري خطأ أن يحدث هذا التقسيم لأنه مثلاً عند تطبيق هذه الفرضية على شخص مثلي‏..‏ بماذا أسمي نفسي؟ مصرياً، فرعونياً، قبطياً‏,‏ مسلماً‏,‏ عربياً، إفريقيا، أم أمريكيا لقد عشت كل هذه الحضارات وتعاملت معها (29)‏.

  وهنا يخلص قائلا: لذا لا أري سبباً أو مبرراً لهذه الضجة الإعلامية الكبيرة‏,‏ والأهم من ذلك أن تستبعد من العقل العربي الخضوع لهذا المفهوم صراع الحضارات، وأن نتحاور مع مثل هذه المفاهيم من منطلقات إيجابية من ناحية التفسيرات‏,‏ ومن ناحية توصيل المعلومة للعقل الغربي‏,‏ فليس كافياً على الإطلاق استخدام منهج الإحالة إلى التاريخ‏,‏ وإلى ما قاله الرواة بشأن الإسلام‏..‏ لا بد من توصيل المعلومات للعقل الغربي بطريقة واضحة وسلسة (30).

 وحول موقف “زويل” من صراع حضارات، فيقول: ” اعتقد لأني دائماً أسأل عدة أسئلة فيما يتعلق بهذه القضية وهي‏:‏ هل ولا بد أن تكون الحضارة القائمة في حالة تصادم مع حضارات أخري ليست بالضرورة القائمة فهناك‏:‏ اليابان‏:‏ قوة عظمي‏,‏ وأوروبا قوة عظمي‏,‏ والولايات المتحدة قوة عظمي، وليس هناك صراع فيما بينها‏,‏ بل بالعكس هناك ما يمكن أن نسميه حوار الحضارات وليس صراع الحضارات؛ فالثقافة اليابانية عن سبيل المثال تختلف تماما عن الثقافة الأمريكية، وبالرغم من ذلك، هناك تعاون فيما بينهما‏، ‏فهذا المفهوم صراع الحضارات غير واضح تماماً لأنك إذا نظرت للحضارة المصرية سوف تجد أنها حضارة سادت العالم‏,‏ وكذلك الحضارة الفينيقية‏..‏ وغيرهما‏ (31).

  فمصر كما يري “زويل” قد ازدهرت في عصور الأسرات الفرعونية، وفي العصور الإسلامية‏,‏ لكنها تحولت من دولة متقدمة إلى دولة نامية حالياً، ,‏ فهل هذا أدعى لإلغاء صفة الحضارة عن مصر‏,‏ والادعاء أنها لا تمتلك لا ثقافة ولا حضارة‏!‏ بالطبع لا‏، لأن هناك أسباب سياسية عالمية وأسباباً سياسية داخلية‏، وظروفاً تاريخية قام فيها الاستعمار باستغلال موارد مصر ‏(32).

  ومن هذا المنطلق نزع زويل إلى القول بأن الحديث عن صدام الحضارات ما ذكره “هنتنغتون” من أنه إذا نزعت أمريكا صفة الأنجلوسكسونية وصفة المسيحية عنها فسوف تصبح في خطر‏,‏ وزويل يرى العكس‏,‏ لأنه يري أن ما يجعل أمريكا قوية أنها تحصل على أفضل عقول في العالم‏,‏ ومن ثقافات مختلفة‏,‏ ومن حضارات مختلفة‏,‏ وتمزج فيما بينهما لكي يعيشوا في إطار نظام‏,‏ ومن ثم أمريكا أصبحت قوة عظمي نتيجة التفاعل مع الحضارات والثقافات والتسامح معها‏ (33).‏‏

 ونعود إلى نفس السؤال فنسأل “زويل”: هل هناك بالفعل صدام بين العرب والغرب؟

 ويجيبنا زويل فيقول: ” أي دولة في العالم تنظيف الشارع لا بد أن أقوم أنا أولاً بتنظيف البيت من الداخل‏,‏ وأنا أرى أن العالم العربي في حالة متدهورة‏,‏ واستخدام نظرية المؤامرة لن يخرجه من حالة التدهور الحالية التي يعيش فيه، وعلى المستوي الشخصي عندما حضرت للولايات المتحدة، كانت أمامي صعاب كثيرة‏:‏ صعاب سياسية‏,‏ صعاب خاصة بالثقافة‏:‏ اختلاف اللغة والعادات الغربية والأمريكية وعوائق علمية (34).

 وماذا بعد حوار الحضارات في نظر زويل؟

  اعتقد أن هناك قضية هامة ومحورية تأتي بعد حوار الحضارات في “زويل”؛ ألا وهي قضية الإصلاح، فهو في نظر “زويل” ضروري في العالم العربي، وهذا الإصلاح ينبثق من الداخل، ولا يمكن أن يأتي من الخارج؛ وأول عمليات الإصلاح، هي حرية العقل وبناؤه فهما السبيل لصناعة شعوب متقدمة تغزو المستقبل في نظر زويل؛ يقول “زويل”: ” إن الإصلاح هو الإصلاح وعالمنا العربي يحتاج إلى إصلاح فعلي من داخلنا دون أن نعير الخارج أي اهتمام “.. موضحا أننا كعرب يجب أن نبدأ بالإصلاح بأنفسنا ونجعل العالم يرى كيفية إصلاحنا لذاتنا” (35).

  وأوضح “زويل” أنه لا توجد دولة بالعالم تساعد دولة أخرى على الإصلاح وتعطي مساعدات مادية بلا غرض أو هدف، واستعان بالآية القرآنية “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”- صدق الله العظيم، مشيراً إلى أنه بالنظر إلى تاريخنا وحضارتنا كعرب وما وصلنا إليه الآن نشعر جميعاَ كعرب في الداخل والخارج بآسي شديد (36).

 وقال ” زويل” أن المجتمع الدولي يعاني حالياً من عدم وجود رؤية سياسية عادلة.. مشيراً إلى أنه لا يمكن أن تسيطر دولة واحدة على مقدرات العالم والشعوب، بل يجب إيجاد توازن وعدل، وإيجاد حل للمنظومة المختلة من دول عظمى ثرية ودول فقيرة، موضحاً أن ما يقال عن صراع الحضارات ليس له أساس من الصحة، لأن المشكلة في العدل والتوازن والحديث عن صراع الحضارات مضيعة للوقت… مشيراً إلى أن اليهود حينما واجهوا العذاب في الماضي كانوا في أوروبا ولم يكونوا في الشرق الأوسط، أو عند العرب، بل على العكس كان العرب والمسلمون يعاملونهم بصورة جيدة جداً وفي تعاون واضح (37).

  وأوضح “زويل” أننا سنستطيع عبر هذا المشروع القومي بناء شراكة مع أبنائنا لمساعدتهم بدون بيروقراطية أو روتين جامد يعوق مسيرة التقدم، والوصول معهم إلى نجاحات تعود بالإيجاب على مؤسساتهم العلمية وجامعاتهم (38).

 وقال ” زويل” أن المشروع القومي لنهضة مصر العلمية قادر على النجاح لما لدى الشعب المصري من استعداد للعمل بجهد بالإضافة إلى المساعدات الأولية التي ستقدم من المسؤولين بمصر، الأمر الذي يتماشى مع مسيرة الإصلاحات المصرية ليجعل مصر كعهدها دائماً في الريادة ويصل منها إلى باقي الدول العربية (39).

 وحول المشكلات التي تواجه ” زويل” في إنشاء الجامعة العلمية في مصر وإنشائها في قطر، قال زويل أن الأصل في هذا الموضوع هو مساعدة الدول العربية على النهوض مما هي فيه الآن ومجاراة العالم في تقدمه، والأمر لا يرتبط بدولة غنية ودولة فقيرة.. مشيرا إلى أنه من المقرر أن يقوم بزيارة اليوم إلى السودان، حيث يلتقي بالرئيس السوداني حسن البشير (المخلوع) لبحث إمكانيات التنمية في السودان وهو الأمر الذي سيقوم به في العديد من الدول العربية الأخرى (40).

 وتطرق ” زويل” الى التحديات المستقبلية للعلم خلال الخمسين عاما المقبلة موضحا أن أي تقدم ثقافي وسياسي واقتصادي لا يأتي إلا عبر المعرفة ؛ خاصة وأن الإنسان بطبيعته يبحث عن المعرفة وتطور العقل الذى يؤدي إلى اكتشافات وثورة للمعلومات مما يؤثر على حياتنا ومستقبلنا في كافة المجالات (41)؛ وقال “زويل” أن التحدي الأول هو أن العلماء استطاعوا فك الشفرة الجينية للإنسان واستطاعوا أن يحللوا مواده واكتشفوا أن الأنسان يتكون في أغلبه من مواد “كربونية”… موضحا أن هناك أبحاثاً حالياً لابتكار نوع من التناغم والالتحام بين الأنسان بتكوينه الكربوني والإلكترونيات السليكونية التي تتكون منها أجهزة الكومبيوتر الحديثة، مما قد يوجد في اعتقادهم آلة قادرة على التفكير والإحساس والتفاعل والوعي والمحاكاة (42)؛ وأوضح أن هذه الثورة التكنولوجية لن تقف عند هذا التحدي، بل تحاول إيجاد حلول للأمراض المستعصية التي تصيب الأنسان عبر إعادة ترتيب جزيئاته الجينية بواسطة تكنولوجيا الالتحام الكربونية السليكونية وابتكار ما يسمى “النانو روبرتس” أو إنسان آلي متناهي الصغر يدخل داخل الشفرة الجينية ويصلح ما بها من عطب (43).

  وقال ” زويل” أن التحدي الثاني هو قدرة الأنسان على التحكم في جيناته عبر “الهندسة الجينية”، وضرب العديد من الأمثلة، من خلال ذلك لعلاج بعض أعضاء الإنسان والتحكم في شكل وصفات المواليد، بالإضافة إلى التأثير في حجم ونوع الأطعمة والمحاصيل الزراعية (44)؛ وأشار إلى أن حرب المستقبل لن تكون باستخدام أعتى الأسلحة وحجم تدميرها، لكنها قد تستخدم هذا الاكتشاف بشكل سيئ وخطير، فعبر مجموعة من الفيروسات، أو البكتريا يمكن تغيير الصفات الجينية لشعوب وتحويلهم إلى ما أشبه “بالمسوخ” أو ضعفاء البنية والتفكير! (45)؛ وأضاف أن التحدي الثالث في “التعليم” والذي سيختلف تماماً عن المتعارف عليه.. موضحاً أن “الطفل خلال مرحلته العمرية المبكرة “خمس سنوات ” تنمو خلالها خلايا مخه بصورة متكاملة ويستطيع وقتها استيعاب، وتعلم أي شيء لنهم هذه المرحلة العمرية بالمعلومات والمعرفة والتجربة” (46).

  كما أشار زويل إلى أن 70 % من “الأطفال الصغار الذين يصابون بالشلل يتم شفاؤهم من المرض بعد عدة سنوات لقدرة المخ وقتها على إعادة ترتيب الشبكة الداخلية على عكس المتقدمين في العمر الذين يصابون بالمرض ولا يمكن شفاؤهم” (47)؛ وقال أن: “التعليم الجيد يأتي عبر التفاعل والبيئة المناسبة، خاصة وأن العلماء وجدوا علاقة بين الحركة الذهنية المستمرة للإنسان ونشاطه البدني، فمن يعمل بدون خمول ويستمع للموسيقى ويقرأ ويدرس باستمرار لا تصيبه أمراض الشيخوخة عكس الخامل السلبي الذي لا يؤدي أي نشاط” (48).

  وشدد “زويل” على أن “وحدة الأسرة والترابط العائلي والتقليل من اعتماد الإنسان على الآلة وتكنولوجيا الحوائط المعلوماتية سيؤثر على تقدم الإنسان في عالمنا العربي، والحل يأتي عبر محادثة العقل وتنمية قدراته وترتيب أولوياته والتفاعل مع الغير بروح عمل الفريق” (49). وقال زويل أن “قوة العلم خلال الخمسين سنة القادمة ستكون بلا حدود ولم تراها البشرية من قبل وللمرة الأولى ينكمش الزمان والمكان أمام العلم من الفينتو ثانية إلى قدرة على معرفة المكان ورؤية المادة خلال هذا الزمن، وهو البحث الجديد الذي يجري عليه أبحاثه، والتي تتطلع بالأخص في مجال العلوم الطبية” (50).

هوامش الدراسة :

(1) مجلة الاقتصاد والمحاسبة. قسم التحقيقات الصحفية(معد): أحمد زويل.. درة في جبين مصر، الاقتصاد والمحاسبة، نادي التجارة، ع 616، 2006، ص 14.

(2) المرجع نفسه.

(3) المرجع نفسه.

(4) المرجع نفسه.

(5) السيد يسن: أحمد زويل عالما وفيلسوفا، جريدة الأهرام الصادر بتاريخ الخميس 8 من ذي القعدة 1437 هــ 11 أغسطس 2016 السنة 141 العدد 47365.

(6) زينب عبد الرزاق: حوار نادر بين زويل ونجيب محفوظ منذ ١٦ عاما، الأهرام بتاريخ الخميس 1 من ذي القعدة 1437 هــ 4 أغسطس 2016 السنة 140 العدد 47358.

(7) أحمد الب نساوى: أحمد زويل.. ذكرى ميلاد عالم مصري تحول إلى أيقونة علمية رغم رحيله، 06:31 ص | الأربعاء 26 فبراير 2020.

(8) أحمد المسلماني: عشرون عامًا مع الدكتور أحمد زويل.. ما قبل نوبل وما بعدها، مقال منشور بتاريخ 6 أغسطس 2016.

(9) أحمد زويل: ويكبيديا.

(10) المرجع نفسه.

(11) المرجع نفسه.

(12) المرجع نفسه.

(13) المرجع نفسه.

(14) زينب عبد الرزاق: المرجع نفسه.

(15) أحمد زويل: حوار الحضارات: كيف نصنع التاريخ بفضل رؤية جديدة للعالم، مجلة عالم التربية، نشر عبد الكريم غريب، ع 1 17، 2007، ص 185.

(16) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(17) المصدر نفسه، ص 186.

(18) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(19) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(20) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(21) المصدر نفسه، والصفحة نفسها، ص 187.

(22) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(23) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(24) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

(25) المصدر نفسه، ص 188.

(26) جمال زايده: أحمد زويل لـ الأهرام‏:‏ الحوار مع الغرب بديلا عن صدام الحضارات.

(27) المرجع نفسه.

(28) المرجع نفسه.

(29) المرجع نفسه.

(30) المرجع نفسه.

(31) المرجع نفسه.

(32) المرجع نفسه.

(33) المرجع نفسه.

(34) أحمد زويل (حوار): الاصلاح ضروري في العالم العربي ولا يمكن أن يأتي من الخارج، جريدة الدستور، تم نشره في السبت 10 نيسان / أبريل 2004. 03:00 مـساءً.

(35) المرجع نفسه.

(36) المرجع نفسه.

(37) المرجع نفسه.

(38) المرجع نفسه.

(39) المرجع نفسه.

(40) المرجع نفسه.

(41) المرجع نفسه.

(42) المرجع نفسه.

(43) المرجع نفسه.

(44) المرجع نفسه.

(45) المرجع نفسه.

(46) المرجع نفسه.

(47) المرجع نفسه.

(48) المرجع نفسه.

(49) المرجع نفسه.

(50) المرجع نفسه.

مقالات أخرى

التربية الجنسية في الفلسفة الكانطية

صابر جيدوري : ثنائية الفرد والمجتمع وانعكاساتها التربوية

ثنائية المعرفة: من العقل إلى التجريب

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد