الإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة العربية الإسلامية  في الجزائر – بقلم الدكتور علي القاسمي

 ملخص الدراسة :

       ترمي هذه الدراسة إلى إثبات أن ما يُعرَف بالنهضة العربية لم يكن مقتصراً على الشام ومصر، كما يروَّج في الدراسات التاريخية والكتب المدرسية؛ وإنما شمل جميع البلدان العربية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين، لتشابه ظروفها وأحوالها. فالنهضة حصلت في الجزائر كذلك، وكان من أبرز روادها الإمام عبد الحميد بن باديس، الذي لم يقتصر جهاده على استخدام الصحافة والجمعيات الوطنية وسائلَ لليقظة العربية كما فعل معظم رواد النهضة في الشام ومصر، بل أضاف إلى ذلك الوسيلة الأكثر نجوعاَ والأشد تأثيراً وهي التعليم الذي مارسه بنفسه ومن خلال المدارس التي أنشأتها جمعية علماء المسلمين في جميع أنحاء الجزائر، وبذلك بذر بذور الوطنية العربية الإسلامية التي أثمرت الحرية والاستقلال بالثورة الجزائرية المجيدة.

1 ــ تمهيد: لماذا العودة إلى موضوع النهضة العربية؟

قد يتساءل المرء: لماذا العودة اليوم إلى موضوع النهضة العربية التي وقعت في القرن التاسع عشر الميلادي ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين؟

الجواب ببساطة وصراحة: لأن أوضاع الأمة العربية الإسلامية اليوم أسوأ مما كانت عليه في العصر الذي استوجب يقظة عربية لتغييرها وإصلاحها وتحسينها.

كانت الأمة العربية آنذاك مقسمة إلى بلدان تحت حكم الإمبراطورية العثمانية أو البريطانية أو الفرنسية، ويهيمن الجهل على شعوبها التي ترزح تحت وطأة الفقر والمرض، وانتشرت فيها البدع والخرافات البعيدة عن روح الإسلام. وكانت لغتها العربية مهمشة مهملة.

وإذا نظرنا اليوم إلى تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنوياً ويرتِّب فيه الدول الأعضاء حسب تقدُّمها في مجالات الصحَّة والتعليم والدخل الفردي، نجد أن الدول العربية تقبع في آخر السلم (1)، في عداد الدول المتخلفة تماماً مثل الدول التي لا تمتلك لغة مشتركة، ومن أسباب تخلُّف الدول العربية اليوم أنها تستعمل لغة المستعمِر القديم، الإنكليزية أو الفرنسية، في التعليم العالي، والمؤسسات الاقتصادية والمالية، والإعلام، والحياة العامة. إضافة إلى أن قطاعات كبيرة من شعوبها تفهم الإسلام في ضوء التقاليد الطائفية البالية الموروثة من عصور الانحطاط، فتكثر فيها الحروب الأهلية، وتشن الحرب على بعضها، مما يزيدها فقراً على فقر، وجهلاً على جهل، وتخلفاً على تخلّف.

وفي مثل هذه الأوضاع المزرية، أليس حريّاً بنا أن ندعو إلى يقظة عربية جديدة، أو ندرس، على الأقل، النهضة العربية القديمة ونطَّلع على منهجيات روادها، والوسائل التي استخدموها في تحقيق يقظة العرب؟

لا بد لنا من إيجاد وعي تاريخي لدى الأمة العربية الإسلامية بطبيعة المرحلة الراهنة ومتطلباتها.

  1. الاستعمار الفرنسي للجزائر:

       2.1. طبيعة الاستعمار الفرنسي:

       في يوم 14 مُحرَّم 1246هـ ( 5/7/1830م) احتلَّت فرنسا الجزائر واستعمرتها استعماراً استيطانياً. وهذا النوع من الاستعمار هو أبشع أنواع الاستعمار وأخسُّها وأكثرها استهانة بالحياة البشرية والكرامة الإنسانية؛ لأنه يرمي إلى استئصال أهل البلاد الأصليين وتشريدهم وتهجيرهم وتقتيلهم والاستيلاء على أراضيهم ومساكنهم وممتلكاتهم وإحلال أغراب مكانهم، وإدماج الناجين منهم بحيث تصبح البلاد بلاداً أخرى. وهذا ما فعله الاستعمار الأوربي الاستيطاني، خاصة البريطاني، في أمريكا الشمالية وأستراليا، إذ قضى البريطانيون على الملايين من السكان الأصليين وأبادوهم جماعياً بطرائق خبيثة بحيث لم يبق منهم سوى آلاف معدودة.    

       بيدَ أن فرنسا الاستعمارية لم تستطع أن تحقق ذلك في الجزائر، ليس لأنها أقل همجية وإجراماً من بريطانيا الاستعمارية، فقد استخدمت كذلك أبشع أساليب الإبادة الجماعية واقترفت أخطر الجرائم ضد الإنسانية، بل لأن أهل الجزائر يختلفون عن السكان الأصليين في أمريكا الشمالية وأستراليا في ثلاثة أمور:

  • تاريخياً، إن الشعب الجزائري ذو ثقافة عريقة تجسّدها الحضارة العربية الإسلامية ( يُلاحظ أن الهنود الحمر في أمريكا الشمالية والأبورجين في أستراليا، كانوا قبائل متفرقة متنافرة تتحدث لغات متعددة متباينة يصل تعدادها أكثر من ألف لغة، واللغة أساس الثقافة ووحدة الأمة). وكانت الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي دولة لها هيبتها ومؤسّساتها السياسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، ولم يكن ارتباطها بالدولة العثمانية إلا ارتباطاً شكلياً.
  • جغرافياً، إن الشعب الجزائري محاطٌ ببلدان تنتمي إلى الثقافة العربية الإسلامية ذاتها، وتربطه وشائج إنسانية بشعوب تلك البلدان. وكانت هذه البلدان العربية وما تزال تشكل العمق الإستراتيجي للجزائر. كما تبدّى ذلك واضحاً خلال الثورة التحريرية الجزائرية، إذ أمدته الأمة العربية الإسلامية خلال الثورة بالرجال والسلاح والكلمة المقاومة (2).
  • خُلقياً، إن الشعب الجزائري شعبٌ مقدام شهم شجاع، قدّم على مذبح الحرية الملايين من أبنائه البررة، ولا يوجد شعب في الدنيا ضحى بمليون ونصف مليون شهيد في ثورة واحدة من أجل الحرية،

ما إن أسقطت قوات المستعمِر الفرنسي العاصمة الجزائرية حتى هبت الثورات في أنحاء الجزائر: ثورة أحمد بن محمد الشريف (1836م) الذي ظل يقاوم في مدينة قسنطينة في الشرق الجزائري حتى سنة 1837م، وعندما سقطت المدينة، أخذ يتنقل في الصحاري والجبال والوديان، محرضا القبائل على المقاومة (3)؛ وثورة الأمير عبد القادر(4) في الغرب الجزائري الذي استمرت مقاومته المسلحة 15 عاماً ( من 1832 إلى 1847م)؛ وبعد ذلك حاولت القوات الفرنسية احتلال بلاد القبائل، فاندلعت ثورة الشريف محمد بن عبد الله (أبي بغلة) سنة 1851م الذي دعمته فاطمة نسومر في القبائل (5). فقام الجيش الفرنسي بتدمير مناطق القبائل: حرقَ المساكن والأشجار، دمَّرَ القرى والبلدات (أكثر من300 قرية)، وقتلَ النساء والأطفال، ونهبَ الممتلكات. واستمرت مقاومة الشعب الجزائري الأبي على شكل احتجاجات ومظاهرات وانتفاضات توِّجت بأخطر ثورة في التاريخ، هي ثورة التحرير الجزائرية التي اندلعت في 1 نوفمبر 1954م ودامت مشتعلة بضراوة أكثر من سبع سنوات حتى حقَّقت إعلان الاستقلال في 5 جويليه 1962م.

2.2. ـــ أساليب الاستعمار الفرنسي لطمس الهُوية الوطنية الجزائرية:

       لم تكن ثورة التحرير الجزائرية لتندلع وتحقِّق أهدافها ما لم تسبقها ثورة تحرِّر الإنسان الجزائري من الجهل والخوف والتهميش. فقد اعتمد المستعمر الفرنسي سياسات شريرة لتجهيل الشعب الجزائري وتفقيره وتخويفه والنيل من شهامته وشجاعته وإذلاله. فبُعيد احتلال الجزائر، أغلقت الحكومة الاستعمارية المدارس بحجة نضوب ميزانية التعليم، فأدى ذلك إلى انقطاع التلاميذ عن الدراسة وإلى هجرة الأساتذة. وشجعت السلطات الفرنسية البدع والسحر والخرافات لتخدير الشعب الجزائري وتجهيله ليسهل عليها اقتراف جرائمها بحق الإنسانية.

ومن ناحية أخرى، أعلنت الإدارة الاستعمارية “قانون الأهالي” الذي يُسقِط عن الجزائريين جميع الضمانات المألوفة لحريات الأفراد، بحيث يستطيع أي موظف فرنسي أن يوقف أو يعتقل أو يسجن المواطن الجزائري دون محاكمة، وأن يصادر أرضه ويستولي على ممتلكاته دون حكم قضائي، بل يستطيع إنزال العقوبات الجماعية بالأهالي دون الرجوع إلى محكمة. ولعل فقرات من عريضة بعث بها العالم المجدِّد الشيخ حمدان خوجة ( 1189 ـــ1255ه/ 1775 ــــ 1844م) إلى رئيس الوزراء الفرنسي وزير الحرب الماريشال سولت الدوق دو الماتي في 3 جوان 1833م تبيّن الظلم الذي حاق بالجزائريين. يقول حمدان خوجة:

” يشرفني أن ألفت نظر سعادتكم أن دخول الجيش الفرنسي قد كان متبوعاً بمعاهدة تضمن أمن كل شخص، كما تنص على حرمة المباني والأراضي والأمتعة، وعلى الاحترام الواجب لنسائنا ومساجدنا.

1ـــ إن أول فعل بادرت بارتكابه السلطة ـــ ظلماً وعدواناً ــــ هو إيقافها القاضي والمفتي ونفيهما، من أجل الاستيلاء على أوقاف مكة والمدينة وعلى المؤسسات الخيرية التي قد سعى في تأسيسها آباؤنا, وجعلوها وقفاً في سبيل الله، ليكون مدخولها خاصاً بالفقراء والمساكين واليتامى والأرامل، حسبما يقتضيه نظام شريعتنا… وقد استولى على جميعها الحاكم الفرنسي بدون أي قانون، كما استولى أيضاً على جميع الدراهم التي كانت بأيدي الوكلاء والقائمين علها والمكلفين بتسييرها….

2 ـــ تهديم بناياتنا الخصوصية والمؤسسات الخيرية والدينية….

3 ـــ تهديم أحد المساجد المسمى ” جامع السيدة” وقد أخذت السلطة أبوابه الخارجية، وأعمدته المرمرية الجميلة وألواحه الزجاجية الصينية، وأبوابه الداخلية الرقيقة، المصنوعة بخشب الأرز المجلوب من فاس…

4ـــــ إن السلطة استولت على مساجدنا ومعابدنا التي لم تنلها أيدي التهديم، ولم يبق للمسلمين من هذه الأماكن المقدسة سوى الربع فقط…

5 ـــ إن السلطة قد استولت أيضاً على “جامع كشتاوة” وحولته إلى كنيسة…

6 ـــ إن السلطة قد استولت على المؤسسات الخيرية التي تعرف بـ ” الزوايا”، وهي أماكن مخصصة لإيواء الفقراء والمعوزين،…

7 ــــ إن المراحيض العمومية وبيوت الخلاء التي بنتها طبقة أهل الخير، من أجل المحافظة على نقاء المدينة ونظافتها، قد استولت عليها السلطة الفرنسية وآجرتها الخاصة من أبناء ملتها، بدل ما كانت وقفاً على جميع الناس…” (6)

 ومارست تلك السلطات سياسة التمييز العنصري، فمنحت الجنسية الفرنسية لليهود الجزائريين ما يؤهلهم لممارسة الحقوق والحريات التي يتمتع بها الفرنسيون. وأعلنت أن الجزائر أرض فرنسية إلى الأبد.

وصادرت أفضل الأراضي الزراعية الخصبة، واستحوذت على الأوقاف الإسلامية لتمنع الإنفاق على المدارس والمساجد، وأخذت تستقدم آلاف المستوطنين الفرنسيين والأوربيين بصورة متزايدة ومنحتهم أراضي الجزائريين وممتلكاتهم، وأغدقت عليهم الهبات والمساعدات المادية والمعنوية.

وحاربت العقيدة الإسلامية بطرائق خبيثة، وأطلقت عمليات تنصير الشعب الجزائري ودعمتها بجميع الوسائل، وأغرت الجزائريين الذي يتعلمون الفرنسية بالإدماج الذي يؤهلهم لنيل حقوقهم، وهم في وطنهم. وأغرقت الشباب الجزائريين بالإدمان في المقاهي والحانات.

وسعت إلى التفرقة بين الجزائريين وإثارة النعرات العرقية والطائفية والجهوية والقبلية. وهذه من أهم السياسات الاستعمارية للتحكُّم في الشعوب، ويصطلح عليها باسم” فرقْ تسُدْ “.

وقد بلغت بها الوقاحة لحدِّ إصدار قانون سنة 1935 م يعدُّ اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر، والفرنسية هي اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد. وقد صدر هذا القانون بعد قرن من العمل على نشر اللغة الفرنسية وتعميمها، وإضعاف اللغة العربية، واستخدام الدارجة بدلاً من الفصيحة إمعاناً في التجهيل، وفصل العرب عن إخوانهم الأمازيغ.

  1. النهضة الجزائرية:

3.1. متطلبات المرحلة:

       إن مثل هذه الإجراءات الشريرة المبنية على دراسات علمية استغرقت زمناً طويلا واضطلع بها كبار المؤرخين والمستشرقين وعلماء النفس، وخطط لها عتاة السياسيين والمبشرين، ونفذها قساة القادة العسكريين والمحنكين من الإداريين، لا يمكن مجابهتها وإلغاؤها باستخدام القوة، أو بظهور بطل جرئ مغوار يبهر الأنظار، بل تحتاج إلى حركة فكرية اجتماعية شاملة ذات أسس قويمة، تتغلغل في جميع شرائح المجتمع الجزائري، وتعمل بصبر وأناة على تغيير حياة الشعب الاجتماعية والنفسية والعقلية، وتطوير مسلَّماته، ورسْم أهدافه، بحيث يصبح الشعب يداً واحدة وعلى استعداد تام لتقديم التضحيات من أجل بلوغ الغايات، ويردد كل فرد فيه بحماسة وإخلاص الشعار الذي صاغه ابن باديس بحكمة وبلاغة: ” ديننا الإسلام، ولغتنا العربية، ووطنا الجزائر”، وكل كلمة فيه ضربة معول قاصمة لأسس السياسة الاستعمارية.

ولكن مثل هذه اليقظة الجبارة والحركة التنويرية بحاجة إلى قيادة مخلصة متفانية، منزهة عن الأطماع، مسلَّحة بالمعرفة، ومدربة على استخدام الوسائل اللازمة. وقد تجسدت هذه القيادة المثالية بالإمام عبد الحميد بن باديس وجمعية علماء المسلمين.

3.2. النهضة في الجزائر قبل الإمام عبد الحميد بن باديس:

       عرفت الجزائر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين النهضة العربية كما في المشرق. فقد ظهر فيها من العلماء الأفذاذ مَن حارب الجهل والبدع والخرافات، مثل الشيخ عبد القادر المجاوي ( 1266ـ1332ه/ 1848 ـــ 1913م) الذي ألَّفَ العديد من الكتب المدرسية والتربوية مثل ” إرشاد المتعلمين“، وطالبَ بتعليم المرأة، وشرح منظومة في محاربة البدع والفساد الاجتماعي. ويقول عنه الدكتور عمار طالبي:

 ” ومن غريب المصادفات أنه في السنة نفسها التي توفي فيها عبد القادر المجاوي [ بمدينة قسنطينة]، ابتدأ عبد الحميد بن باديس حركته التعليمية بمدينة قسنطينة، فاتصلت حلقات الإصلاح متطورة إلى مرحلة القوة والنضج” (7)

 وقد أخذ عن الشيخ المجاوي عددٌ من علماء الجزائر المصلحين منهم الشيخ أحمد الحبيباتي، والشيخ حمدان الونيسي أستاذ عبد الحميد بن باديس.

 ومن رجال النهضة والإصلاح في الجزائر الشيخ أبو القاسم الحفناوي ( 1269 ـــ 1361ه / 1852 ـــ 1942م )، صاحب كتاب ” تعريف الخلف برجال السلف“. ومنهم الشيخ محمد بن مصطفى الخوجة ( 1282 ـــ 1334ه / 1865 ــــ 1915م)، وهو شاعر وعالم دين حقق بعض كتب التراث مثل كتاب ” الجواهر الحسان في تفسير القرآن” للشيخ عبد الرحمن الثعالبي. ومنهم الشيخ عبد الحليم بن سماية ( 1284 ـــ 1352ه / 1866 ــ 1933م). الذي كان شاعراً وأديباً له أثر في النهضة الأدبية في الجزائر. وقد لازم الشيخان الخوجة وسماية الإمام محمد عبده عندما زار الجزائر العاصمة وقسنطينة سنة 1903م وعقد اجتماعات مع بعض المثقفين والأدباء الذين أيدوا أفكاره النهضوية الإصلاحية. كما صدرت بعض الصحف الوطنية العربية خلال تلك الفترة. ( 8)

 نستخلص من ذلك أن الجزائر هي الأخرى عرفت تباشير نهضة عربية إسلامية إصلاحية تستخدم التأليف وتحقيق التراث والصحافة لبثِّ الفكر الإصلاحي والوعي الوطني، ولو على نطاق أضيق مما عرفته الشام ومصر، لاختلاف الظروف.

3.3. الإمام عبد الحميد بن باديس:

       ولد الإمام عبد الحميد بن باديس في مدينة قسنطينة في الشرق الجزائري سنة 1308ه/1889م لأسرة مشهورة بالعلم والقضاء والزعامة، تنتمي لقبائل صنهاجة الأمازيغية. ولهذا يرد اسم الإمام أحيانا بصيغة ” عبد الحميد بن باديس الصنهاجي” ( 9).

حفظ ابن باديس القرآن الكريم في سن الثالثة عشرة، فخيره أبوه بين مواصلة التعليم أو التجارة، فاختار طريق العلم، وواصل تعليمه في الجامع الكبير في قسنطينة وكان من شيوخه المصلح حمدان الونيسي (ت 1920م) الذي اضطر إلى الهجرة إلى المدينة المنورة، والذي أوصاه بعدم الاقتراب من الوظيفة. وفي سنة 1908م، سافر إلى تونس للدراسة في جامع الزيتونة، وكان من شيوخه هناك محمد النخلي القيرواني ( ت 1924م)، ومحمد الطاهر بن عاشور (ت 1973م) صاحب التفسير المشهور ” التحرير والتنوير“، وهما من أنصار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وأفكارهما التحريرية والتنويرية.

بعد أربع سنوات نال شهادة العالمية وأمضى سنة في التدريس في الزيتونة. ثم عاد إلى قسنطينة، وشرع في التدريس في الجامع الكبير. ولكن السلطات الاستعمارية أوعزت إلى المتعاونين معها بمنعه من مواصلة التدريس، فقرر سنة 1913 السفر إلى الحجاز للحج إلى بيت الله، وللقاء شيخه الونيسي في المدينة. وأمضى ابن باديس ثلاثة أشهر هناك حيث كان يلتقي بانتظام بالشيخ محمد البشير الإبراهيمي (1306 ـ 1385ه/ 1889 ـــ 1965م) الذي كان يتابع دراسته العلمية في المدينة المنورة. وبعد ذلك عاد ابن باديس في نفس السنة 19َ13م إلى الجزائر ماراً بدمشق وبيروت ومصر والتقى بعلمائها من رجال الإصلاح والحركة التنويرية، مثل الشيخ بخيت ( ت 1935م) مفتي الديار المصرية ونصير الشيخ محمد عبده في حركته الإصلاحية.

  1. اليقظة الفكرية في الجزائر:

       4.1. التخطيط لليقظة الفكرية:

لم تكن النهضة التي قادها عبد الحميد بن باديس عمل عاطفي ناتج عن انفعال شخصي، بل كانت مبنية على أيام وليالٍ طويلة من التأمُّل والتفكير والنظر في الأهداف والتخطيط المحكم للطرائق والوسائل. يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي عن لقائه مع الشيخ عبد الحميد بن باديس في المدينة المنورة سنة 1913م:

       ” كان من تدابير الأقدار الإلهية ومن مخبآت الغيوب أن يرد عليّ بعد استقراري في المدينة المنورة سنة وبضعة أشهر، أخي ورفيقي في الجهاد بعد ذلك، الشيخ عبد الحميد بن باديس، أعلم علماء الشمال الأفريقي، ولا أغالي، وباني النهضات العلمية والأدبية والاجتماعية والسياسية للجزائر،

         كنا نؤدي فريضة العشاء الأخيرة في كل ليلة في المسجد النبوي ونخرج إلى منزلي، فنسمر مع الشيخ ابن باديس، منفردين إلى آخر الليل، حين يفتح المسجد فندخل مع أول داخل، لصلاة الصبح، ثم نفترق إلى الليلة الثانية، إلى نهاية ثلاثة الأشهر التي أقامها بالمدينة المنورة.

         كانت هذه الأسمار المتواصلة كلها تدابير للوسائل التي تنهض بها الجزائر، ووضع اللبنات للبرامج المفصلة لتك النهضات الشاملة، التي كانت كلها صوراً ذهنية تتراءى في مخيلتنا، وصحبها من حسن النية، وتفيق الله ما حققها في الخارج بعد بضع عشرة سنة، وأشهد الله على أن تلك الليالي من سنة 1913 ميلادية، هي التي وُضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي لم تبرز إلى الوجود إلا في سنة 1931م.” (10) ( الخطوط تحت السطور من إضافتي).

4.2. شخصية الإمام ابن باديس:

إن هذا النص في غاية الأهمية بالنسبة لي لإثبات ما أذهب إليه بشأن النهضة الجزائرية وريادتها. فهو بالإضافة إلى دلالته على فصاحة الشيخ الإبراهيمي، وبلاغته، وصفاء روحه، وتواضعه، وصدقه، وإشارته إلى ما حصل بين الرجلين الفذين من توافق عقلي وتواؤم روحي، يدل كذلك على ما يلي:

  • إن ابن باديس عالم جليل لا يُضاهى في علمه ولا يُدانى. فعلى الرغم من أن الشيخين، ابن باديس والإبراهيمي، كانا في سن واحدة، ويتابعان الدراسة الإسلامية ذاتها، وينتميان إلى أسرتين عريقتين في العلم والجاه، فقد كان الشيخ الإبراهيمي يدرس في المدينة المنورة على علماء أجلاء منهم والده الذي غادر الجزائر مضطراً وهاجر إلى المدينة المنورة للتدريس فيها؛ على الرغم من كل ذلك، يقول الإبراهيمي، وهو من هو في علمه وفضله: إن “ابن باديس أعلم علماء الشمال الأفريقي، ولا أغالي“.
  • إن نص الشيخ الإبراهيمي ينضح بالمحبة والإخلاص والوفاء للشيخ ابن باديس ما يدل على أن ابن باديس زعيم مطبوع، ذو شخصية قوية جذابة محببة. يؤثر في سامعيه وقارئيه بسهولة وعمق، ويستثير إعجابهم ومحبتهم وإخلاصهم. وفي هذا يقول صديقنا الدكتور عمار الطالبي في كتابه القيِّم ذي المجلدات الستة الذي خصصه لحياة الإمام ابن باديس وأعماله:

إنه شخصية عجيبة، مجدد للنفوس البالية، وباعث للضمائر الخامدة، والقلوب الهامدة، باث للعلم، محرك للعقول، مرجع الثقة للناس، زارع بذور الثورة، مشيع فكرة الحرّية، مبيِّن المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها…” (11)

  • إن مقارعة الاّستعمار الفرنسي لم تكن ممكنة بهبّة سياسية فقط وإنما تحتاج إلى نهضة على جميع المستويات ” العلمية والأدبية والاجتماعية والسياسية “، وأساسها جميعاً التعليم، أو كما ورد في عنوان أحد مقالات الشيخ ابن باديس: ” صلاح التعليم أساس الإصلاح.”
  • إن النهضة الجزائرية جاءت بعد تأمل وتفكير وتخطيط من حيث الأهداف والوسائل. وأحسب أن هذا التأمُّل والتفكير والتخطيط للنهضة الجزائرية لم يستغرق الشهور الثلاثة التي أمضاها الشيخان معاً في المدينة المنورة، بل طوال حياتهما، فهي نهضة تقوم على منج ونظام، وتهدف إلى تحقيق أهداف معلومة وغايات مرسومة.
  • إن الأهداف السياسية لم تكن غائبة عن فكر ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين، كما هو واضح من نص الشيخ الإبراهيمي. ففي مقال للشيخ ابن باديس نشره في جريدته “البصائر” سنة 1937، يقول: ” لا بد لنا من الجمع بين السياسة والعِلم، ولا ينهض العلم والدين حق النهوض إلا إذا نهضت السياسة بحق.” (12)

ولكن الإمام لم يكن يجاهر بأهدافه السياسية مباشرة وبوضوح، تحاشياً للإجراءات الزجرية التي تتخذها السلطات الفرنسية الاستعمارية، فتغلق المدارس العربية والصحف العربية، وتمنع تدريس اللغة العربية، وتلاحق أعضاء الجمعية. ومع كل حذره ورمزيته في التعبير عن أهدافه السياسية، كانت السلطات تمعن وتبالغ في إجراءاتها القمعية وعقوباتها اللاإنسانية.

       إذا لم يكن الإمام ابن باديس يمارس السياسية في مستواها المعتاد، فإنه كان يمارسها في مستواها الأسمى والأصعب. فقد كان يمارس سياسة السياسة. يقول الخبير في تاريخ الجزائر، الأستاذ ناصر الدين سعيدوني، في كتابه ” الجزائر“:

       ” وإذا كان الجناح الاستقلالي قد رفع راية الاستقلال، فإن جمعية العلماء وضعت الأسس التي يقوم عليها الاستقلال، وهو إحياء الشعب الجزائري في إطاره العربي الإسلامي. إنه من السهل إقامة دول، ولكن من الصعب إحياء أمم، وهذا الصعب هو ما قامت به جمعية العلماء.” (13)

  1. الإمام ابن باديس والعروية:

   .5.1. أقواله وأشعاره في العروبة والعربية:

   عندما كنتُ أشتغل على تأليف كتابي ” معجم الاستشهادات” الذي استغرق جمعه سنوات التسعينيات العشر كلها، وهو معجم يشتمل على الأقوال والأمثال والحكم والقواعد القانونية المقتبسة من الشعر والنثر قديماً وحديثاً، والمرتَّبة ترتيباً موضوعياً (14)، لفت نظري تعلّق (عبد الحميد بن باديس الصنهاجي) بالعروبة واللغة العربية، ولم أكن آنذاك قد تشرّفت بدراسة نهضة الإمام ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين، بل تعرفت إلى اسمه الكريم من أقواله التي يُستشهَد بها والتي جمعها مساعديّ من الكتب والدوريات العربية. فكنتُ أتساءل في نفسي ـــ بسبب جهلي ـــ: ما لهذا الشيخ الصنهاجي والإصرار على العروبة والعربية؟

   ومن أقواله وأشعاره التي يُستشهَد بها:

أـــ شـــــــعــــــــــب الجـــــــزائر مسلمٌ وإلى العـــــــــروبة ينتَســـــــــبْ

 مَن قال: “حـــادَ عن اصلهِ” أو قال: ” ماتَ “، فقد كذبْ

 أو رامَ إدمـــــــــاجــــــــــــاً لـــــــــهُ رامَ المُحـــــالَ من الطلــــــــبْ

 

ب ــــ أشعبَ الجزائرِ روحي الفدا لما فيك من عزةٍ عربيــــــــــــهً

 بنيتَ على الدينِ أركانــــها فكانت سلاماً على البشـــريهْ

 

د ــ الحمــــدُ للهِ ثمَّ المجـــــــدُ للعربِ مَن أنجبوا لبني الإنسانِ خيرَ نبي

 ونشروا ملَّةً في الناس عادلةً لا ظُلمَ فيها على ديــنٍ ولا نَسَـــبِ

 

ه ـ نحنُ الأولى عــرفَ الزمــــــا نُ قديمَنا الجمَّ الحســـــــبْ

 ومعينُ ذاكَ المجدِ فـــــــــــي نسلِ العروبة ما نضَـــبْ

و ـــ ورجعنا إلى الوطن بقصد خدمته، فنحنُ لا نهاجر، ونحن حرّاس الإسلام والعربية والقومية في هذا الوطن.

و ـ إلخ. 

5.2. أسباب تأكيد الإمام على العروبة والعربية:

 عندما وفقني الله لدراسة فكر الإمام ابن باديس، وزادت تجربتي في التعليم والتنمية البشرية، وقفتُ على بعض الأسباب الحقيقية لأقوال الإمام في العروبة والعربية، ومنها:

  • إن اللغة العربية، كما يفهمها الإمام ابن باديس، وهو مصيب كعادته، ليست لغة جنسٍ بشريٍّ محدَّد، ولا لغة عرقٍ إنسانيٍّ معيَّن، بل هي لغة ثقافة، هي الثقافة الإسلامية. فقبل الإسلام كان للعرب الذين يسكنون في شبه جزيرة العرب أو الذين نزحوا منها إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، لغات ولهجات متعددة كالحميرية والنبطية والعربية والأكادية والآرامية والكنعانية والقبطية والأمازيغية وغيرها، ولكن عندما نزل القرآن الكريم باللغة العربية، أصبحت هذه اللغة لغة الثقافة العربية الإسلامية، ولم تعد لغة عرق بشري مخصوص، بل لغة جميع المنتمين إلى الإسلام وثقافته. فهي اليوم لغة مليار ونصف المليار من المسلمين من جميع الأجناس والأعراق، يؤدّون صلاتهم وشعائر دينهم بها، ويفهمون حقائق عقيدتهم من خلالها(15). ويشرح الإمام ابن باديس ذلك بأسلوب جزل سهل واضح مقنع في خطاب مفتوح وجهه إلى معلمي الفرنسية الأحرار بالعمالات الجزائرية الثلاث، في جريدته ” البصائر” في عددها 110 سنة 1933 م، يقول فيه:

 ” وأنتم تعلمون كذلك أن الأمة الجزائرية أمة إسلامية الدين عربية اللسان، يستحيل عليها أن تتخلى عن ذلك الدين ويستحيل أن تفهم حقائق ذلك الدين إلا باللسان العربي، وأن الإسلام والعربية هما أول ما تعهدت فرنسا بحفظه وعدم مساسه من مقومات هذه الأمة ومقدساتها، من أول عهد احتلالها لهذا القطر، فما بالها منذ سنوات بدأت تتنكر للإسلام ولغته، وتضيّق في تعليمهما الخناق؟”(16)

 وهكذا يُصبح الإسلام والعربية أساس وحدة الشعب الجزائري، ومن مقومات هُويته الوطنية التي تميّزه عن فرنسا الاستعمارية.

  • كانت السياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر تقوم على ثلاثة أسس: تنصير الجزائريين، وفرض الفرنسية لغة وحيدة في الجزائر، وإدماج الجزائريين باعتبار أن الجزائر أرض فرنسية. فكان ردّ الإمام على قدر التحدي، ردٌّ ينسف الأسس الاستعمارية، وقد صاغه ببلاغة وعمق، كما أسلفنا، في شعار: ” الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا.”
  • طبقاً لسياسة ” فرق تسُد ” التي مارسها المستعمرون الفرنسيون، فصلوا العرب عن إخوانهم الأمازيغ، وزعموا أن الأمازيغ من أصول أوربية، في حين أن الحقائق العلمية والتاريخية واللغوية تثبت بجلاء أن الآشوريين والكلدانيين في العراق، والآراميين في الشام، والأمازيغ في شمال إفريقيا، هم في الأصل من الجزيرة العربية، وأن كتابة اللغة الأمازيغية المعروفة باسم ” تفيناغ” ما هي إلا ” تفينيق” فهي مشتقة من الكتابة الفينيقية الكنعانية العروبية، أسوة بجميع كتابات لغات العالم، كالعربية والإغريقية. فما أسماء حروف الألفباء الإغريقية: ( ألفا، بيتا، جاما، دلتا، إلخ.) إلا أسماء حروف الأبجدية الفينيقية: ( الأليف، والباء، والجيم، والدال، إلخ.) التي كانت تدل على ( الأليف، والبيت، والجمل، والدلو، إلخ.). ولهذا كان رد الإمام مصيباً علمياً وسياسياً:

 شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب

 عندما كلفني ( برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) بمراجعة الترجمة العربية لـ (تقارير التنمية البشرية) التي يصدرها سنويا، وهي تقارير تُكتب بالإنكليزية بمقره في نيويورك وتُترجم إلى اللغات الرسمية الأخرى في الأمم المتحدة: الإسبانية، والروسية، والصينية، والعربية، والفرنسية، تعلّمتُ منها أن التنمية البشرية تعني اضطلاع الدولة، من حيث الأساس بثلاثة مجالات, وتحقيق تقدُّمٍ فيها، وهي:

ــــ الصحة، وتقاس بمعدّل متوسط العمر للمواطنين عند الولادة،

ــــ التعليم، ويقاس بمعدل التمدرس، ونسبة الأمية،

ـــ الدخل الفردي، ويقاس بكفايته الفعلية ليعيش المواطن بصورة تليق بالكرامة الإنسانية.

 ولكي تحقق الدولةُ التنميةَ البشرية في البلاد، ينبغي أن تعمل على احترام حقوق المواطنين، وتطوير البنيات التحية، وتوفير الخدمات الصحية الجيدة، وتعمل على إيجاد مجتمع المعرفة القادر على الوصول إلى المعلومات بسهولة ويسر، واستيعابها، وتمثلها، والإبداع فيها، وتبادلها. وهذا يتطلب من الدولة توفير التعليم الجيد بلغة وطنية مشتركة في جميع أنحاء البلاد، وعلى نفقتها. وقد اتَّبعت هذه الوصفة دول كانت في الستينيات أفقر من البلاد العربية، مثل كوريا وفنلندة وماليزيا، فأصبحت اليوم من الدول المتقدِّمة. واللغة الوطنية المشتركة هي عماد عملية التنمية البشرية. وكان الإمام زعيماً بعيد النظر لم يكن يعمل للفترة الراهنة بل كذلك لجزائر المستقبل المستقلَّة، التي يبغي أن تكون لها لغة مشتركة موحِّدة واحدة، مثل فرنسا.

  • ليس التأكيد على اللغة العربية وقفاً على النهضة الجزائرية، بل كانت أساساً من أسس النهضة العربية الشاملة في جميع الأقطار العربية. ولم تكن النهضة الجزائرية في معزل عن النهضة العربية الشاملة، وقد مر بنا كيف تأثَّر الإمام ابن باديس بالإصلاحيين الإسلاميين مثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا من خلال شيوخه ومجلة المنار. ولا يغيب عن بالنا أن الشيخ الإبراهيمي أمضى ست سنوات في الحجاز ( من 1911 ــــ 1917م) عندما كان شريف مكة الحسين بن علي يدعو إلى استقلال الدول العربية ووحدتها (17)، وأن الشيخ الطيب العقبي (1889 ــــ 1965م) وهو من مؤسسي جمعية العلماء المسلمين، والذي كان قد نشأ في الحجاز لأن عائلته هاجرت إليها، كان يكتب في الصحف المشرقية بوصفه من رواد النهضة العربية في الحجاز، ما جعل العثمانيين ينفونه إلى ( الروم ايلي) و (الأناضول) في تركيا، ولم يعد إلى الحجاز إلا بعد الحرب العالمية الأولى بعد أن أمضى سنتين في المنفى، فاستقبله الحسين بن علي الذي أصبح ملكاً على الحجاز وعيّنه محرراً لجريدة ( القبلة). ولم يعد العقبي إلى الجزائر إلا في سنة 1920(18).

 وقد أمضى البشير الإبراهيمي أربع سنوات في سوريا (1917 ــــ 1921)، عندما كان فيصل بن الحسين بن علي ملكاً على سوريا، وعملَ الإبراهيمي في دمشق أستاذاً في المدرسة السلطانية، وهي مدرسة عليا، وشارك في تأسيس المجمع العلمي العربي الذي تولى تعريب الإدارة السورية. وكان على صلة برواد النهضة العربية في الشام الذين كانوا يدعون إلى استقلال البلدان العربية ووحدتها، ولا شك أنه تأثر بهم. بيد أن الناقد الجزائري الدكتور عبد الملك مرتاض يقول:

ونحن وإن كنا نقر بهذا التأثر إقراراً، إلا أننا نميل إلى أن الإبراهيمي قد يكون تأثيره هناك أكثر من تأثره. والآية على ذلك أنه انتصب للتدريس بالمدينة [دمشق] وسنه يومئذ لا تجاوز الخامسة والعشرين.” (19)

ورأي الدكتور مرتاض هذا يدعم رأينا في أن النهضة العربية وروادها لم تكن مقتصرة على الشام ومصر. فحتى في الحجاز والشام نجد مساهمة جزائرية في النهضة العربية من لدن علماء جزائريين كالعقبي والإبراهيمي، وقبلهما الأمير عبد القادر الجزائري (1808 ــــ 1883) الذي مارس التدريس في عدة مدارس بدمشق منها الجامع الأموي نفسه منذ استقراره بدمشق سنة 1856 حتى وفاته؛ وكان إصلاحياً يدعو إلى الإسلام الحق ليس بأقواله فحسب بل كذلك بأفعاله، كقيامه بحماية المسيحيين وإيوائهم في منزله أثناء الفتنة بين الدروز والمسيحيين سنة 1860، ثم الإصلاح فيما بينهما. (20).

 هذا التفاعل الجزائري مع الحركة العربية في المشرق، وهذه المشاعر العروبية لدى الجزائريين يتجليان في برقية الإمام ابن باديس إلى علوبة باشا رئيس المؤتمر البرلماني العربي لدراسة وضع فلسطين عام 1938، إذ تقول البرقية: ” نحن معكم. جمعية العلماء. ابن باديس.“، وتتجلى لدى الشيخين الإبراهيمي والعقبي عند نكبة فلسطين سنة 1948م إذ أسسا باسم جمعية العلماء (لجنة إغاثة فلسطين) فأسرعت جميع الهيئات والأحزاب الجزائرية إلى المشاركة فيها.

ولهذا كله، كان الإمام ابن باديس يشدد على أهمية االعربية بوصفها لغة الأمة العربية الإسلامية التي كان جميع رواد اليقظة الفكرية يأمل في نهضتها ووحدتها.

  • إضافة إلى جميع تلك الأسباب التي ذكرناها، فثمة سبب ذاتي يفسِّر لنا تعلُّق الإمام ابن باديس باللغة العربية. ويكمن هذا السبب في كون الإمام شاعراً مُجيداً وكاتباً فذاً وخطيباً مفوهاً لا يتردَّد ولا يتلعثم. وعلاقة الشاعر والكاتب والخطيب باللغة ليست كعلاقة الأمّي بها. وكلما ارتفعت منزلة الكاتب في الإبداع، ازدادت علاقته باللغة حميميةً، واشتدَّ تعلُّقه بها حتى يصبح نوعاً من العشق والهيام. فهذه العلاقة بين المبدع واللغة أشبه ما تكون بعلاقة الموسيقي الفنان بآلته الوترية، التي تزداد وثاقة بمرور الأيام ورقي الإبداع، حتى يحسّ الموسيقي بأن آلته امتدادٌ لأصابعه وذراعيه وجسده كلِّه، وأن نبض أوتارها من نبض قلبه وعروقه.

وكان الإمام ابن باديس يمارس فعل القراءة والكتابة في ليله ونهاره، وقد توثقت علاقته باللغة العربية ومحبته لها منذ أيام دراسته الأدب العربي على الشيخ ابن عاشور في جامع الزيتونة بتونس وهو فتى يافع. يقول الإمام عن تلك الدراسة:

 ” وإن أنسَ فلا أنسى دروساً قرأتُها من ديوان الحماسة على الأستاذ ابن عاشور وكانت أول ما قرأتُ عليه، فقد حببتني في الأدب والتفقُّه في كلام العرب، وبثتْ فيّ روحاً جديداً في فهم المنظوم والمنثور، وأحيتْ مني الشعور بعزِّ العروبة، والاعتزاز بها كما أعتز بالإسلام.”(21)

بيدَ أن محبة الإمام ابن باديس للإسلام والعربية تخلو من التعصب أو الاستعلاء العرقي أو اللغوي، فهو يرى في الإنسانية جمعاء أسرة واحدة، أو كما يقول:

 قومي همُ، وبنو الإنسانِ كلِّهمُ عشيرتي، وهدى الإسلامِ مطَّلبي

فاعتزازه باللغة العربية ناتج من كونها لغة الإسلام الذي جاء للبشرية سلماً وعدلاً، أو كما يقول:

 أشعبَ الجزائرِ روحي الفدا لما فيكَ من عـزة عربيـــــــة

 بنيتَ على الديــــن أركانــــها فكانت سلاماً على البشرية

 وسائل الإمام ابن باديس في النهضة الجزائرية:

 كان الإمام ابن باديس يدرك أن تحرير الشعب الجزائري من الاستعمار الفرنسي يتطلب أولاً تحرير العقول من الجهل والخرافات، وتعميرها بالعلم والمعرفة؛ وتخليص النفوس من الضعف والخوف واليأس، وملئها بالإيمان والثقة والأمل، ولهذا أستخدم في جهاده جميع الأسلحة الفكرية التي يمكن تلخيصها في الوسائل التالية التي اتبعها الإمام وأعضاء جمعية العلماء المسلمين:

  • إنشاء الكتاتيب والمدارس وملاجئ الأيتام ومعامل الصنائع، والتعليم فيها،
  • إصدار الدوريات والكتابة فيها،
  • بناء المساجد والجوامع ومزاولة الوعظ والإرشاد فيها،
  • تأسيس النوادي الثقافية والرياضية وإلقاء المحاضرات فيها وفي والمحافل المختلفة.
  • القيام بالرحلات والجولات للتوعية في جميع أنحاء الجزائر.

.6.1. التعليم أساس بناء الإنسان وتشييد الأوطان:

 ولعل التعليم أهم هذه الوسائل فاعلية وأنجعها وأبعدها تأثيراً، وهو الوسيلة التي أهملتها النهضة العربية في المشرق، ولهذا كان أثرها محدوداً، في رأينا. أما الإمام ابن باديس فيعدّ التعليم أساس كل نهضة، خاصة إذا كانت أغراض التعليم، كما يراها الإمام متعددة الأبعاد: دينية، واجتماعية، وثقافية، ونفعية.

يقول الدكتور محمد دراجي، مؤلف كتاب ” الإمام عبد الحميد بن باديس من خلال مقالات الإمام محمد البشير الإبراهيمي“:

 ” وعاد الشيخ محمد البشير الإبراهيمي إلى أرض الوطن، عام 1920م [ أي بعد حوالي سبع سنين من عودة ابن باديس] وحط الرحال أولاً في مدينة قسطينة ليزور صديقه الوفي، عبد الحميد بن باديس حتى قبل أن يزور أهله وأقرباءه ــــ في قسنطينة ــــ، رأي بأم عينيه ما سرّ قلبه وأثلج صدره، رأى تلك الجحافل من طلاب العلم، رأى الكتائب الأولى، المعدَّة لمعركة الهُوية الثقافية والحضارية والوطنية الصادقة قد استوت على سوقها، تُعجب أهل الإيمان والإصلاح، وتُغيظ الاستعمار وأعوانه وأذنابه.” (22)

 إن تلك الجحافل والكتائب من طلاب العلم، التي أشار إليها الدكتور دراجي لم تكُن لو لم يبذل الشيخ ابن باديس غاية الجهد، ويعمل بعزيمة فرقة كاملة من القادة. فقد كان يمارس التعليم في قسنطينة في سبع مؤسَّسات في وقت واحد هي: المسجد الكبير، وسيدي قموش، وسيدي عبد المؤمن، وسيدي بومعزة، والجامع الأخضر وسيدي فتح الله، ومدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية التي ورد في قانونها الأساسي الذي صدر سنة 1931م: ” إن مقصود الجمعية نشر الأخلاق الفاضلة، والمعارف الدينية، والعربية، والصنائع اليدوية، بين أبناء وبنات المسلمين،..“، ودعا الجزائريين إلى تأسيس أمثال هذه الجمعية أو فروع لها في جميع أنحاء القطر، وعلَّل ذلك بأنه لا بقاء لهم إلا بالإسلام، ولا بقاء للإسلام إلا بالتربية والتعليم. (23)

 لقد ذكرت جريدة ” الشهاب” أن عدد المدارس التي أُنشئت لغاية سنة 1935م بلغ 70 مدرسة موزّعة على مختلف جهات الجزائر، فيها 3000 تلميذ يتعلَّمون الثقافة العربية الإسلامية. إن هذا النوع من الجهاد الفكري بمثابة إشهار الحرب على الاستعمار الفرنسي. فلا غرابة أن يتعرض الإمام ابن باديس لمحاولة اغتيال كما حصل له في أواخر سنة 1926م إثر خروجه من الجامع الأخضر في قسنطينة بعد درس التفسير عائداً راجلاً إلى منزله، وهي الحادثة التي سجلها شعراً رفيقه في الكفاح الشيخ الطيب العقبي:

 عبد الحميد النصــــرُ قد وافاكا رغم المنافسِ والذي عاداكا

 واصلتَ سيركَ مرشداً ومعلماً ولسوف تحمد بعدها مسراكا

وقد واصل الإمام ورفاقه في جمعية العلماء المسلمين مسيرتهم في التعليم والإرشاد، وفي سنة 1950م بلغ عدد المدارس 124 مدرسة تضم 40000 تلميذ بما فيها سلك تربوي يأمّه 144 معلماً ( 24 )، لأنهم يؤمنون بالمبدأ الذي صاغه الإمام ابن باديس شعراً:

 يا نشءُ أنتَ رجاؤنا وبك الصبـــــاحُ قد اقتــــربْ

 خذ للحياة سلاحها وخضْ الخطوَبَ ولا تهبْ

وقد خلد شعراء الجزائر ذلك الجهاد التعليمي والكفاح التربوي اللذين قادهما الإمام ابن باديس في أشعارهم. فمن شعر الشيخ محد العيد آل خليفة (1904 ــ 1979م) أمير شعراء الجزائر ومن أخوال الشيخ الطيب العقبي وكلاهما من مؤسسي جمعية العلماء المسلمين، قوله في الإمام:

 بمـــــثلكَ تعتـــــزُ البــــــــــلادُ وتفخـــــــرُ وتزهـــوَ بالعلـــمِ المنيرٍ وتزخــرُ

 طبعتَ على العلمِ النفوسَ نواشئاً بِمَخبَرِ صدقٍ لا يدانيه مخبرُ

وقد أحسنت الجزائر المستقلة حينما جعلت من يوم وفاة الإمام في 16 أبريل (يوم العلم) من كل عام.

6.2. الصحافة وسيلة لتشكيل الرأي العام:

 الصحافة من أفضل وسائل تشكيل الرأي العام، بشرطين: أن يكون المجتمع متعلِّماً يجيد القراءة، وأن تكون عادة القراءة قد نُميّتْ فيه، وإلا فستكون الصحافة صيحة في واد. وقد انتقدنا النهضة العربية في المشرق لاعتمادها الأساس على الصحافة لتوعية شعوب كان حوالي 80% من أفرادها أُمياً.

 بيدَ أن الإمام ابن باديس جعل التعليم وسيلته الأساس لتحقيق النهضة، ودعمَ التعليمَ بالصحافة. فتلامذته يتعلمون القراءة على يديه وفي المدارس التي أنشأتها جمعيته، ويعززون مهارتهم القرائية والفكر الذي اكتسبوه، بمتابعة مقالات الإمام ورفاقه في الصحف.

صدرت عدة صحف عربية في الجزائر قبل أن يبدأ الإمام ابن باديس صحيفته الأولى. ولكن هذه الصحف سرعان ما كانت تُصادَر أو تُغلَق بعد عدد أو بضعة أعداد من طرف السلطات الاستعمارية ( كما كان حال الصحف في المشرق). ولعل أشهر الأمثلة على وقاحة المستعمرين، وصلابة الجزائريين الصحف التي أصدرها المجاهد أبو اليقظان. فقد صادر له المستعمر 8 جرائد خلال 13 سنة، هي: ــ وادي ميزاب (1926)، ميزاب ( 1930)، المغرب ( 1930)، النور (1931)، البستان ( 1933)، النبراس (1933)، الأمة (1938)، الفرقان (1938)، (25).

وقد صدرت عدة صحف جزائرية بالعربية قبل أن يُصدر الإمام ابن باديس صجيفته الأولى، وهذه الصحف هي:

  • الجزائر، الصحفي عمر راسم، سنة 1908. وهي أول مجلة عربية يصدرها جزائري (26).
  • الحق، في وهران، سنة 1911.
  • الفاروق، عمر بن قدور، سنة 1913، (كانت تنقل مقالاتها من مجلة ” المنار”).
  • ذو الفقار، الصحفي عمر راسم، سنة 1914.
  • الإقدام، الأمير خالد الهاشمي، سنة 1919 ( باللغتين العربية والفرنسية).
  • النجاح، مؤسساها الشيخ عبد الحفيظ الهاشمي والشيخ ابن باديس، سنة 1919.
  • لسان الدين، أسبوعية سياسية، سنة 1923.

 أما الصحيفة الأولى التي أصدرها الإمام بن باديس منفرداً فهي صحيفة “ المنتقد” سنة 1925م وشعارها ” الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء“. واسمها يدل على النقد، ” فننقد الحكام والمديرين والنواب والقضاة والعلماء والمقاديم، وكل من يتولى شأناً عاماً من أكبر كبير إلى أصغر صغير من الفرنسيين والوطنيين.“، وطبعاً يشمل النقد بعض الطرقية التي تروج شعار ” اعتقد ولا تنتقد“. وقد حمل العدد الأول منها بشرى للشعب الجزائري بإنشاء المطبعة الجزائرية الإسلامية في قسنطينة ذلك العام، 1925، التي تطبع هي فيها المنتقد. ولا بد أن إنشاءها تمّ بإيعاز من الإمام. وسرعان ما أُنشئت بعدها أربع مطابع عربية.

 بعد صدور 18 عدداً من المنتقد، صادرت السلطات الفرنسية الجريدة ومنعتها من الصدور، فأصدر الإمام جريدة ” الشهاب“. وفي سنة 1929 حولّها إلى مجلة شهرية علمية وقد كتب على أركانها الأربعة كلمات: الحرية، العدالة، الأخوة، السلام. وقد صدر آخر عدد من الشهاب سنة 1939.

 وأثناء صدور مجلة ” الشهاب“، كانت جمعية العلماء المسلمين تصدر جرائد أسبوعية هي:

  • السنّة” صدرت سنة 1933، فسرعان ما منعتها السلطة الاستعمارية، فخلفتها
  • ” اشريعة” سنة 1933 ذاتها، ثم صادرتها السلطة الفرنيسية، فخلفتها
  • الصراط “، 1933 ــ 1934، ثم منعتها الحكومة الفرنسية، وجاء في قرار المنع ” ممنوع على جمعية العلماء إصدار أية صحيفة أخرى باسمها إلى حين إشعار آخر..”
  • البصائر” سنة 1935، ـــ توقفت أثناء الحرب العالمية الثانية ـــ ثم استأنفت صدورها سنة 1947 حتى الثورة التحررية الجزائرية سنة 1954م. (27)

 وهكذا نرى أن جمعية العلماء المسلمين تصرُّ على التعليم والتنوير، وتصر السلطة الفرنسية على التجهيل والتحريم. كما نلاحظ التداخل والتكامل بين أنشطة الإمام وعلماء جمعيته في إنشاء المدارس وتكوين القادة وبين أنشطتهم الصحفية الهادفة إلى بث الوعي العربي الإسلامي والوطنية الجزائرية.

6.3. مؤسسات الثقافة تشكّل الهوية الوطنية:

 إضافة إلى التعليم والصحافة، أسَّس الإمام ابن باديس أو أوعز بتأسيس الجمعيات والمنظمات والنوادي والفرق الكشفية والرياضية والموسيقية، وغيرها من المؤسسات الثقافية. فكان يضطلع بالوعظ والإرشاد في المساجد، ويلقي المحاضرات في النوادي والمحافل، ويقوم بالرحلات إلى أنحاء البلاد لالتقاء بأهلها وتنظيم أنشطتهم الوطنية.

 يروي الشيخ محمد البشير الإبراهيمي أنه بعد عودته إلى مدينة سطيف، زاره الشيخ ابن باديس حوالي سنة 1924م، وطلب منه أن يعدَّ قانوناً لـ (جمعية الإخاء العلمي) ” تجمع شمل العلماء والطلبة، وتوحِّد جهودهم، وتقارب بين مناهجهم في التعليم والتفكير، وتكون صلة تعارف بينهم ومزيلة لأسباب التناكر والجفاء…” (28).

 وظل التزاور والتشاور بينهما مستمراً حتى تهيأت الظروف وأُعلن عن تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931م، وانتخب الشيخ ابن باديس رئيساً للجمعية والشيخ الإبراهيمي نائباً له.

 ومن الأمثلة على المؤتمرات التي عقدها الإمام ابن باديس أو التي شجع على عقدها ( المؤتمر الإسلامي) الذي عُقِد في الجزائر العاصمة في جوان 1936م، تلبية لدعوة مشتركة من لدن الإمام بن باديس والدكتور محمد الصالح بن جلول ( 1896 ـــ 1986م)، وشاركت فيه الطبقة السياسية الجزائرية التي توحدت لأول مرة حيث جلس في المؤتمر العلماء المسلمون، إلى جوار الزعماء الشيوعيين، وقادة بقية الأحزاب الوطنية الجزائرية، وانتهى المؤتمر إلى صياغة ما يسمى “بميثاق مطالب الشعب الجزائري المسلم” الذي حمله الإمام ابن باديس والدكتور جلول إلى رئيس الحكومة الفرنسية ” ليون بلوم” في باريس( 29).

 وقد بهرتني حكمة الإمام ابن باديس ودبلوماسيته في حشد الطاقات والإمكانات المختلفة الأهداف لخدمة قضيته الوطنية وأمته الجزائرية العربية الإسلامية. فمعروف أن الدكتور بن جلول هو من دعاة الإدماج من أجل تحسين وضعية الجزائريين، بيد أن الإمام نسف ذلك الإدماج مرتين: مرة بتسمية المؤتمر، ” المؤتمر الإسلامي“، ومرة بتسمية مقرراته، ” ميثاق مطالب الشعب الجزائري المسلم“. فمع الإسلام، لم يعُد ثمة مكان للإدماج الذي كان يحلم به عتاة المستعمرين الفرنسيين، فإدماجهم يقوم أساساً على التنصير والفرنسة.

 ومن أمثلة النوادي التي أنشأها أو شجع على إنشائها الإمام ابن باديس، (نادي الترقي) في ساحة الحكومة سابقاً (الشهداء حالياً) في الجزائر العاصمة، الذي تبرع بتكاليفه عدد من التجار الجزائريين المحسنين المتأثرين بأفكار الإمام ودعوته الإصلاحية، بغرض تقديم أنشطة ثقافية متنوعة ومحاضرات يومية أو أسبوعية حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من أجل جذب الشباب الجزائري من المقاهي والحانات وإشراكه في هموم أمته؛ ودعوا الإمام ابن باديس لافتتاحه بمحاضرة سنة 1927م. وبعد مدة انتقل رفيق الإمام، الشيخ الطيب العقبي إلى العاصمة ليكون المنشط الرئيس للنادي. وفي هذا النادي تم عقد الجلسة الأولى لجمعية العلماء المسلمين، سنة 1931، التي تم فيها انتخاب ابن باديس رئيساً للجمعية في غيابه ( 30 ).

وخلاصة القول إن الإمام ابن باديس ذو شخصية متنوعة الأبعاد متعددة الاهتمامات، وقد استخدم مختلف الوسائل في سبيل تحقيق غاياته السامية. يروي الدكتور مازن صلاح حامد مطبقاني في كتابه ” عبد الحميد بن باديس، العالم الرباني والزعيم السياسي” أنه قابل أحد تلاميذ الإمام هو الشيخ عبد الرحمن شيبان حين كان وزيراً للشؤون الدينية، ويقول:

وكنتُ قد أعددتُ له سؤالاً عرفتُ فيما بعد أنه كان محرجاً أو غير مناسب، وهو: ثبت عن الشيخ عبد الحميد رحمه الله أنه كان ينوي إعلان الثورة فيما لو أعلنت إيطاليا الحرب على فرنسا، وتوفاه الله تعالى قبل ذلك. فلماذا لم ينفذ العلماء فيما بعد ويتولوا قيادة المعركة بدل تركها في يد من تُركت في أيديهم؟ فأجاب: ( ليس كل الناس ابن باديس، فالعلماء لم يقوموا بالثورة لأن ذلك ليس من طبيعة الأشياء، فهم مربّون ومعلِّمون لإعداد الناس، أما ابن باديس فهو زعيم وقائد وجندي ومربي)” (31).

 وإذا كان الإمام ابن باديس قد توفاه الله سنة 1940، فإن علماء الجزائر قد واصلوا السير على خطاه في التعليم والجهاد الفكري على جميع الأصعدة، ما هيأ المجتمع الجزائري للانخراط في ثورة التحرير ودعمها حين اندلاعها حتى تحقيق النصر بالاستقلال.

 الخاتمة:

سيدي الشيخ الإمام!

اسمحوا لي بالمثول أمام ضريحكم الطاهر، لأترحم على روحكم الزكية، وألوذ بأذيالكم النقية، لأبثكم لواعج همي الذي يُثقل قلبي ويُحزن نفسي ويُدمع عيني، دون أن أستطيع أن أفعل شيئاً؛ إذ إنني لا أملك بعض حكمتكم الباهرة، ولا جزءاً من شجاعتكم النادرة. فأنا كباقي العرب اليوم: لا وجه لي ولا يد لي ولا لسان.

سيدي الشيخ الإمام!

بعد مرور قرابة قرن على نهضتكم العربية المباركة، وبعد جميع ما عانيتم من جهاد وقاسيتم من كفاح، أنتم وأصحابكم الغر الميامين في المشرق والمغرب، ما تزال أمتنا العربية الإسلامية، تغوص في أوحال الجهل والغباء، وأمست دولها ” المستقلة” قبائل جاهلية، يحارب بعضها بعضاً، وطوائف همجية تقطع رؤوس المسلمين وتسبي نساءهم وتقتل أطفالهم، باسم القرآن والإسلام، لا القرآن الذي سهرتهم الليالي في تفسيره، ولا الإسلام الذي أضنيتم جسدكم النحيل في الدعوة إليه، بل قرآن وإسلام مصنوعين في مخابر المستعمرين الذين هزمتموهم بجهادكم المبارك.

سيدي الشيخ الإمام،

اسمحوا لي أن أنبيكم، والحزن يدمي أعماق روحي ويقطِّع نياط قلبي، أن أقطارنا ” العربية” وقد مضى على ” استقلالها” أكثر من نصف قرن، ما تزال متمسكة بلغة المستعمِر القديم، الإنكليزية أو الفرنسية، وتفرضها لغةً للتعليم العالي، ولغة للمؤسسات الاقتصادية والمالية، وهي لغة حكوماتنا وإداراتنا المفضلة، ولغة الحياة عامة عندنا، إذ نجدها مخطوطة على البنايات الرسمية في مدننا، ومكتوبة على لافتات المحلات التجارية في شوارعنا ” العربية”.

سيدي الشيخ الإمام،

بعد أكثر من نصف قرن على استقلالنا، ما يزال خيرة شبابنا يمتطي (قوارب الموت) ويقطع البحر في اتجاه أوربا بحثاً عن لقمة العيش التي لا يجدها في بلاده، بحثاً عن حقوقه الإنسانية المضيّعة في وطنه، بحثاً عن كرامته الإنسانية المهدورة في أرضه. وبعد أكثر من نصف قرن على استقلالنا، ما يزال مرضانا الأغنياء يُعالجون في مستشفيات المستعمِر القديم، أما مرضانا الفقراء فلا يجدون مكاناً لائقاً للموت فيه. وبعد أكثر من نصف قرن على استقلالنا، ما يزال ثلث الشعب العربي أميّاً لا يقرأ ولا يَكتب، ونصفه يعيش تحت خط الفقر.

سيدي الشيخ الإمام،

أتوسل إليكم مقبلاً يديكم راجياً أن تنهضوا من مرقدكم الطاهر، أن تنفضوا تراب القبر عنكم وتهبّوا لنجدتنا، نحن أحفادكم، نريد نصحكم ونستجدي إرشادكم وتوجيهكم، امنحونا نظرة من عينكم ولمسة من يدكم. فأمتكم العربية الإسلامية في أمس الحاجة إلى نهضة فكرية جديدة تعيدها إلها روح الإسلام الأصيلة، وأخلاقه السامية، ونهجه العادل القويم.

المراجع والهوامش:

  • أديب وباحث أكاديمي عراقي مقيم في المغرب.

** يسعد المؤلِّف ويشرِّفه أن يتوجَّه بأسمى عبارات الشكر والتقدير إلى العالم الجليل الدكتور أحمد عبد الرزاق قسوم، الذي تكرّم بإمداده بمجموعة فاخرة من المراجع القيمة التي مكنته من كتابة دراسته هذه.

  • برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية الدولي للعام 2014، المضي في التقدم: بناء المنعة لدرء المخاطر (نيويورك: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2014)، يُنظر: سلم التنمية في آخر التقرير.
  • عندما اندلعت الثورة الجزائرية سنة 1954، أمدها جميع المسلمين بالمال والسلاح.

أما من حيث الدعم الأدبي، فيُنظر مثلاً كتابا الدكتور عثمان سعدي: “الثورة الجزائرية في الشعر العراقي“، و “الثورة الجزائرية في الشعر السوري“. ولهما أكثر من طبعة.

  • أحمد ـــ باي ـــ محمد ــــ الشريف ar.wikipedia.org/wiki/
  • إسماعيل العربي. الأمير عبد القادر الجزائري: مؤسس دولة وقائد جيش ( الجزائر: وزارة الثقافة والسياحة، 1984)
  • المهدي البوعبدلي. ثورة الشريف بوبغلة ( الجزائر: وزارة الثقافة والسياحة، 1983)
  • محمد الطيب عقاب. حمدان خوجة، رائد التجديد الإسلامي (الجزائر: وزارة الثقافة والسياحة، 1983)، ص 49 ـــ 55.
  • الدكتور عمار طالبي، الأمام عبد الحميد بن باديس: حياته وآثاره، مرجع سابق، ص 28.
  • الدكتور مازن صلاح حامد مطبقاني. جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية (الجزائر: عالم الأفكار، 2011) ص 29 ـــ 34.
  • أصل معظم الأمازيع في شمال إفريقيا من اليمن. تنظر المراجع التالية:

ـــ الدكتور عثمان سعدي. البربر الأمازيغ عرب عاربة ( الجزائر: دار الملتقى، 1996)، وكذلك كتاباه: ” عروبة الجزائر عبر التاريخ” و ” معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية”.

 ــ سعيد بن عبد الله الدارودي. حول عروبة البربر: مدخل إلى عروبة الأمازيغيين من خلال اللسان ( الدار البيضاء: منشورات فكر، 2012).

       ـــ الدكتور على فهمي خشيم. سفر العرب الأمازيغ، وملحق به: لسان العرب الأمازيغ (طرابلس: دار نون، 1996)

       ــــ محمد حسين الفرح. عروبة البربر: تاريخ ودلائل انتقال البربر من اليمن إلى بلاد المغرب والجذور العربية اليمنية لقبائل البربر (صنعاء: وزارة الثقافة والسياحة، 2004).

       ــــ علي القاسمي، مقالة “هل البشرية من سلالة واحدة؟ ” في الطبعة الثانية من كتابه: ” علم المصطلح: أسسه النظرية وتبيقاته العملية” (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2019)، المقالة خلاصة لبحث علمي أجرته جامعتا ليدز في بريطانيا وبورتو في البرتغال، توصل إلى أن الإنسان العاقل نشأ وترعرع في جنوبي جزيرة العرب. واستنتج القاسمي أن اللغات الجزيرية مثل العربية والأكدية والأمازيغية وغيرها هي أصل اللغات في العالم.

  • الدكتور محمد دراجي، الإمام عبد الحميد بن باديس من خلال مقالات الإمام محمد البشير الإبراهيمي ( الجزائر: عالم الأفكار، ب ت) ص 8.
  • عمار طالبي. مرجع سابق، ص 97.
  • نقلاً عن الدكتور عمار طالبي، مرجع سابق، ص 91.
  • ناصر الدين سعيدوني. الجزائر، منطلقات وآفاق. ص 224. نقلاً عن موقع مالك بن نبي binnabi.net
  • الدكتور علي القاسمي. معجم الاستشهادات ( بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2001). ولهذا المعجم إصداران آخران من نفس الناشر هما: معجم الاستشهادات الموسع (2008)، معجم الاستشهادات الوجيز للطلاب ( 2012).
  • الدكتور علي القاسمي. صناعة المعجم التاريخي للغة العربية ( بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2012) ص ص 133ــــ159.
  • جريدة ” البصائر” في عددها سنة 1938م ص 4، نقلاً عن الدكتور عمار طالبي، مرجع سابق، المجلد 6، ص 104.
  • محمد ــ البشير ـــالإبراهيميikhwanwiki.com/index.php?title=
  • محمد الطاهر فضلاء. الطيب العقبي، رائد حركة الإصلاح الديني في الجزائر(الجزائر: وزارة الثقافة والسياحة، 1985) ص 20 ـــ 21.
  • الدكتور عبد الملك مرتاض. محمد البشير الإبراهيمي ( الجزائر: وزارة الثقافة والسياحة، 1984) ص 16.
  • عبد ـ القادرـ الجزائري ar.wikipedia.org/wiki/ وكذلك:

 ـ إسماعيل العربي. الأمير عبد القادر الجزائري ( الجزائر: وزارة الثقافة والسياحة، 1984)

  • جريدة البصائر، العدد 16، 1936م، نقلاً عن عمار طالبي، مجلد 1، ص 82ــــ83.
  • الدكتور محمد دراجي. مرجع سابق، ص 9 ـــ 10.
  • نشرة جمعية التربية والتربية الإسلامية، 1352ه/ 1936م، ص 1 ـــ 4، نقلاً عن الدكتور عمار طالبي، مرجع سابق، ج1 ص 118.
  • el-mouradia.dz/arab/algerie/portrait/Archives/

Badis.htm

  • الدكتور محمد ناصر. أبو اليقظان وجهاد الكلمة ( الجزائر: وزارة الثقافة والسياحة، 1984) ص 28.
  • الدكتور محمد ناصر. عمر راسم المصلح الثائر ( الجزائر: وزارة الثقافة والسياحة، 1984) ص 9.
  • عمار طالبي، مرجع سابق، ج1، ص ص 58 ـــ 64.
  • آثار الإمام الإبراهيمي، ج1، ص 184، نقلاً عن الدكتور محمد دراجي، مرجع سابق، ص10.
  • قيدوم سعيدة ومصمودي نصر الدين. ” المؤتمر الإسلامي الجزائري 1963 وأثره في الحركة الوطنية” في:

Dspace.univ-biskra.dz.8080/jspui/gabdle/123456789/3316

  • عمار مطاطلة. ذكريات أحداث ( الجزائر: ب ت ) ص 53 ـــ 57.
  • الدكتور مازن صلاح حامد مطبقاني. عبد الحميد بن باديس. مرجع سابق، ص 74 ــ 75.

 

 

 

 

مقالات أخرى

إبراهيم مشارة : فؤاد زكريا والحركة الإسلامية

العنف الديني : مقاربة ثقافية

الدكتور محمود فهمي حجازي ونشر اللغة العربية في العالم . بقلم الدكتور علي القاسمي .

4 تعليقات

الحسين بري 13 أغسطس، 2021 - 10:42 م
طبق فكري شهي بكل المقاييس. يتضمن احداثا تاريخية مهمة عاشتها المنطقة العربية سواء في الشام ومصر أو في شمال أفريقيا لاسيما في بلاد الجزائر الشقيقة..لن أخوض في الجرائم البشعة التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية في وطننا العربي..ما آثار انتباهي أكثر هوما أشار اليه أستاذي الفاضل وهو الصراع الثقافي؛ فقد حاولت السلطات الاستعمارية الفرنسية بشتى السبل القضاء على اللغة العربية والعمل على ترسيخ اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الجزائر. اللغة هي أساس كل ثقافة؛ هم يدركون جيدا ان تشبت الشعوب بلغتها الأصلية، سيمكنها من الصمود وصد كل المخططات التى تروم طمس هويتها. اريد ان أشير في هذا الصدد ان "الفرنكفونية"كمفهوم وضعت اساسا للقضاء على اللغة العربية والدين الإسلامي.. مع كامل الأسف مانراه في واقعنا العربي لايبشر بالخير، بحيث هناك احتقار واضح للغتنا العربية ومنح اللغات الأجنبية مكانة الصدارة، وهذا طبعا سيساهم اكثر في تازيم الوضع واتساع الهوة بيننا وبين الاخر.. الشكر الموفور لاستاذي الفاضل على هذه المعلومات القيمة التي سلطت الضوء على جانب مهم من تاريخنا العربي والإسلامي احترامي وتقديري.
عزام بونجوع 11 مارس، 2022 - 6:24 ص
لظروف خاصة لم تتح لي فرصة التعليق على ما أتوصل به من روابط ممتازة من طرف أستاذنا علي القاسمي لكن بعد الإطلاع على هذه الدراسة عن عالم جزائري وجدت نفسي مجبرا على كتابة التعليق التالي: أتمنى أن لا أزعجكم سيدي علي القاسمي فأنتم أصبحتم منذ زمان مواطنا مغربيا تحضون بمحبة وتقدير جل المثقفين والأدباء المغاربة لكن مع الأسف الشديد هذه الدراسة أراها غير مناسبة إطلاقا مع ما يعانيه المغرب من الجارة التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع بلدي الحبيب المغرب وليس لدى حكام الجزائر العسكر ( الكابرانات) إلا رغبة واحدة وهي إيجاد فرصة لإشعال الحرب ضدنا...كثير ما يقال عن دراستكم التي خلطت بين القيمة الثقافية لتاريخ إبن باديس والدعاية السياسية التي لا داعي لها إطلاقا لخدمة العدو الجزائري. مثلا الحديث عن المليون ونصف شهيد حكاية مصطنعة يعترف بها كثير من الجزائريين وما معنى جعل الجزائر حضارة عربية إسلامية أمر جد مبالغ فيه.إستغربت في نهاية دراستكم كيف تتوسلون ليستيقظ إبن باديس من ضريحه وفهمت أنكم ربما كنتم ضيفا على الجزائر وزرت ضريحه ضريحه.باختصار شديد لكل حصان كبوة والأستاذ الجليل علي القاسمي أخطأ لما ضرب صفحا على ما يعانيه المغرب من أذى هذه الجارة ولا أفهم كيف لم ينتبه أن دراسته غريبة في هذه الظروف زيادة على المبالغة الغير المقبولة والغير الموضوعية وإني مضطر أن أقول بأن على الأستاذ علي القاسمي بأن ينشر بيانا يؤكد فيه على الأقل أن ما كتبه عن إبن باديس ليس معناه حب الجزائر على حساب المغرب الذي احتضن علي القاسمي وأحبه ومجده لكن اليوم يرتكب خطئا لا يحتمله أي مغربي وكلنا كنا نعتبركم مغربيا قبل أن تكونوا عراقيا: عزام بونجوع -الرباط
عزام بونجوع 11 مارس، 2022 - 6:38 ص
مرة ثانية أعلق على هذه الدراسة للأستاذ علي القاسمي.لماذا تعليق ثان؟ فقط لأنني أشعر بالحزن وأنا اعاتب أستاذنا الجليل علي القاسمي وأنا أوجه له نقدا أو على الأصح إنتقادا.علي القاسمي أحترم كثيرا وسبق لي شرف المذاكرة معه في الرباط وفي مراكش وطبعا أنا من قراءه المخلصين لكن هذه الدعاية لمصلحة الحزائر فاجأتني كثيرا والسؤال الوحيد الذي يشغل بالي هو: كيف لم ينتبه الأستاذ علي القاسمي أنه بكتابة هذه الدراسة فهو يخدم عدوا للمغرب وكان عليه أن يقدم مثل هذه الدراسة مع حجمها الكبير لعالم مغربي وأنا ممكن أدله رغم أنه يعرف ذلك عن أسماء مغربية عديدة لم يحظ ولو واحد منهم بما كتبه عن إبن باديس والجزائر ..لم أشعر إلا وأنا أعبر عن كبير إستغرابي لما قام به الأستاذ علي القاسمي ولا أرى سببا واحدا يمكنه أن يقنعني بأن علي القاسمي لم يرتكب خطئا نحونا نحن المغاربة.حب الوطن والدفاع عنه فريضة على كل مواطن والمس بسوء نحو المغرب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أمر لا يتسامح معه أي مغربي...والواضحات من المفضحات!؟ آسف الأستاذ علي القاسمي على صراحتي نحوكم: عزام بونجوع الرباط
عزام بونجوع 11 مارس، 2022 - 6:53 ص
مجبر على تقديم تعليق ثالث وأخير: حتى لا أكون قاسيا على الأستاذ علي القاسمي فدراسته أظن أنها نشرت قديما قبل ما يعيشه المغرب اايوم من بغض لا حدود له من طرف هذه الجارة المتعدية على المغرب لكن السؤال الذي يخيرني فلماذا بعاد نشرها اليوم من طرف الأستاذ علي القاسمي؟ لا أفهم!!!
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد