أعلام التنوير في الإسلام : أحرار .. لا زنادقة

هذا هو عنوان كتابي الجديد الصادر عن مركز دراسات الحضارة والتنوير في الشارقة..
إنها الأسماء الغائبة التي رفعت مجد الإسلام في الأرض، وحققت حضارته ولكنها قوبلت بحملات زندقة وتكفير وتشهير في هذا الشرق التعيس…

ليسوا رجال دين ولا واعظين، ولكنهم كانوا أعظم علماء الإسلام في العقيدة والحياة والدولة والتربية، وأعظم العارفين بالله أشواقاً وإشراقاً…

ابن سينا والفارابي وابن طفيل وابن رشد وابن عربي وجلال الدين الرومي وابن سبعين والحلاج والسهروردي وإخوان الصفا وإقبال ومحمد عبده والأفغاني وروجيه غارودي وأربعون آخرون من أكبر رجال المجد في الإسلام

رفعوا صوتهم بوضوح: القرآن نور يهدي لا قيد يأسر، والشريعة ليست نصاً جامداً، بل هي إبداع وتطور، والآخرة ليست دار انتقام وعذاب بل دار كرامة وعدالة، والنبي ليس إلهاً يعبد بل بشر أشرق الوحي في قلبه وهو يخطئ ويصيب، والمستقبل يصنعه الإجماع البرلماني والحضارات المتفوقة وليس اختيار السلف، والتنزيل نعمة وإشراق ونور وليس وصفة جامدة جاهزة لكل زمان ومكان، وعملوا بإخلاص من أجل إخاء الأديان وكرامة الإنسان……..

تمَّ اختيار الرجال والنساء في هذه القائمة من أولئك الذين قدموا شجاعة استثنائية، واستطاعوا أن يقدموا فكراً حرَّاً، يتَّبع العقل ويحترم النقل ويقدِّس الإنسان.

لا شك أن الأسماء كثيرة، والتجارب الإصلاحية متعددة ومتتابعة، وهي لم تنقطع خلال التاريخ، ومع أنها واجهت عسف السياسة ومكر التنافس وقوة النص، ولكنَّها نجحت في إحياء موجات ثقافية وعلمية وتنويرية بارزة.

إن ما يجمع الرجال الذين نوردهم في هذه القائمة أنهم نالوا قدراً كبيراً من الاحترام خلال التاريخ، وأنهم بالفعل أعلام كبار في التاريخ، ولا نشك أنهم كانوا يستطيعون أن يقدموا ما يطلبه الجمهور ويرفلوا في العسل، ولكنهم قادوا كفاحهم على بصيرة من العقل والإرادة، واستطاعوا أن يضيئوا جانباً من الدرب للأجيال الآتية.

كما يجمع بينهم أنهم أيضاً واجهوا العناء في حياتهم، وتعرضوا للكيد والأذى، ونالهم السوء وأصابتهم المكائد، بل إنَّ بعضهم دفع حياته ثمناً لمواقفه، على أنني لا أريد المبالغة في ذلك، ولا أرغب أن أصور المجتمع الإسلامي مجتمعاً طارداً للكفاءات ورافضاً للحريات، بل إنهم كثيراً ما حققوا النجاح والثروة، وعملوا بوصفهم وزراء وقضاة ومستشارين، وأعتقد  أنه من الخطأ ربط السياسة بالتنوير أو التجهيل، فالسياسة عموماً ترحب بالتنوير وتدعم أهل العقل والحكمة، ومن شأن الحاكم الناجح أن يقدم أصحاب العقول المستنيرة وأن يكف أصوات التخلف والتعصب، ولكن خبرتي في هذا السبيل أن السياسة في بلادنا وإن زعمت أنها تدعم التنوير فهي لن تتقبل من التنوير خطابه بشأن الحرية والكرامة، والمحاسبة والمساءلة، وحين تتعرض لأدنى ضرر بسبب المبادئ فإنها تتخلى عنها على الفور، وربما تبطش بأعلام التنوير أيضاً، وهذا ما حصل في التاريخ بالفعل، وهو ما يفسر النكبات التي تعرض لها ابن رشد والفارابي ولسان الدين بن الخطيب وابن المقفع وآخرون.

وسنصدِّر الكتاب بتقديم قائمة بالرِّجال والنِّساء الذين حققوا تطوراً حقيقياً في تاريخ التنوير في الإسلام، على أنني أجد نفسي مطالباً بالاعتذار مقدماً من المرأة المسلمة التي ستكون قليلة الحضور، ويجب الاعتراف أننا لم نفعل ما يجب لتمكين المرأة في التاريخ من دورها الحضاري والرسالي، وأنها كانت بالفعل نتيجة واقع متردٍّ من اضطهاد النساء وتغييبهن عن الساحة العلمية والإدارية.

ومن المدهش أننا سنجد في عصر الصحابة فقط نماذج مقنعة من مشاركة المرأة في التنوير، فيما يتضاءل هذا الحضور تاريخياً حتى يكاد ينعدم.

ويمكن الإشارة إلى أهم المعايير التي اعتمدتها في تقييم حضور المفكرين والأحرار في هذه القائمة عبر المعايير الأربعة الآتية:

  • أشخاص معروفون لهم تاريخ مدون في كتب الطبقات والتاريخ الإسلامي.
  • يحظون باحترام واضح لدى جزء من أبناء الأمة الإسلامية.
  • تركوا أعمالاً مكتوبة أو صدرت عنهم أعمال مكتوبة تشير إلى دورهم التنويري الواضح.
  • التزموا باحترام العقل وكرامة الإنسان ولم تنقل عنهم مواقف تحقير للبشر بسبب اختلاف الدين أو المعتقد أو اللون أو العنصر.

باختصار، إنَّهم الرجال الذين يمكن اعتبارهم قدوة في التاريخ الإسلامي في حقوق الإنسان، وكانوا ملهمين وحكماء وقد سبقوا عصرهم ونادوا بحقوق الإنسان وفق ما أقرته البشرية في كفاحها الطويل.

وقد أردنا بالشرط الأول تجنب الحديث عن الشخصيات الوهمية أو حتَّى الحقيقية التي ليس لها حضور في كتب الطبقات حتَّى لو تداول الناس عنهم بعض الحكايا والروايات.

وأردنا بالشرط الثاني التأكيد على أنَّ من معايير التنوير الحقيقي أنَّه يحظى بعدد من الأتباع قلُّوا أم كثروا، ويخرج بهذا الشرط الأشخاص الذين قدَّموا أفكاراً جميلة ولكنهم تورطوا في مخازٍ أو جرائم لا تليق بالعلم ولم توفر لهم أيَّ أتباع أو محبين.

وأردنا بالشرط الثالث أن نحصر القائمة بأهل الرأي والعلم، ولن يدخل فيها مشاهير السياسة والمال الذين نقلت عنهم مواقف تنويرية، ولكنهم لم يكتبوا في ذلك أو لم يحظوا بدراسات وافية تشرح فكرهم في التنوير.

وأردنا بالشرط الرابع أن نحدد المقصود بالتنوير الذي نريد، وهو بوضوح إكرام العقل واحترام النقل، وتقديس الإنسان، والقدرة على التعامل مع النص الديني باحترام بوصفه نوراً يهدي وليس قيداً يأسر.

ومع ذلك فيجب ألَّا نتصور الاتفاق التَّام مع ما روي عنهم، بل نحن نقدِّرهم لمعنى تفوقوا فيه وربما لموقف سَبقوا إليه، وربما كان فيما يروى عنهم نقيض ذلك، وفي بعضه أثرة وأنانية وضيق أفق، وهذا في الواقع شأن الرواية التاريخية وطبيعة الإنسان، فخذ ما صفا ودع ما كدر.

وليست دراسة هؤلاء الآباء الكرام محض بحث في التاريخ… إنَّها إعادة لرسم المثل الأعلى في ضمير جيل حائر بات لا يرى في تاريخنا إلا خطاب الخرافة والتخلف… بعد أن قمنا عمداً بتغييب قادة الفكر الحقيقيين من أئمة الهدى والرشاد.

ولا نشك أبداً في أنَّ أوَّل قادة التنوير وأعظمهم هو النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فقد كان رائداً في العقل والحكمة، وقضى على الخرافة والجهل، وما حربه على الأصنام المعبودة إلا رسالة واضحة في انتصار العقل والإرادة والمسؤولية.

ولعلَّ من أروع مواقفه في المسؤولية أنه حين سئل عن الفتوى قال بصراحة وشجاعة: “استفتِ قلبك ولو أفتاك النَّاسُ وأفتوك”.

وفي آخر الكتاب أوردنا مقالاً للشيخ ناصر الفهد أحد مشاهير السلفية اليوم يكفرهم واحداً واحداً، ويسند في تكفير كل واحد منهم إلى مشاهير الأئمة الذين يحتكرون الفقه والرواية، ثم يصرح بوضوح: أخزاهم الله جميعاً ولعن حضارتهم وفكرهم وفقههم…. ونحن في غنى عن ضلالهم كله بفتاوى ابن تيمية!!……

 

مقالات أخرى

تقديم كتاب:”خطاب الاستعراب بتونس في عهد الحماية، الخصائص والخلفيّات” لنجاة قرفال

قراءة نقدية لكتاب الفلسفة الأخيرة: رؤية معرفية سلوكية للفكر العربي للدكتور ظريف حسين

الاجتماع الديني الشيعي للدكتور علي المؤمن

4 تعليقات

الحسين بوخرطة 28 يونيو، 2021 - 8:16 م
الدين الإسلامي في عمقه تنويري، ومستوى نوره الكامن لا حدود له، وكشف جزء من أسراره يضاهي الكشف عن أسرار الكون والبحث عن الاقتراب من الحقائق المطلقة. الشكر الفياض للكاتب لسيدي د محمد حبش. أكرمكم الله ورعاكم. معزكم الحسين بوخرطة
Ali hananh 29 يونيو، 2021 - 7:28 ص
مشكورين جزاكم الله خيرا عمل مهم وضروري
Ali hananh 29 يونيو، 2021 - 7:29 ص
مشكورين عمل مهم وضروري
محمد حبش 29 يونيو، 2021 - 6:39 م
اشر لك دكتور هذا المنبر التنويري وهذه المنصة التي منحتني لا أكاد أجد في العالم الأخضر بستاناً أجمل من هذا..... سبقتنا إلى الربيع السنونو في عصر الصفحات الكئيبة تبرعم هذه الصفحة عبيراً ورياحين.... إنها أشبة ما تكون بنوادي قرطبة حين يجتمع فيها الألف والألاف، وتغرد الخمائل على الأيك، ويرقص الجميع على أنغام المعرفة عالمك الجميل شهادة ضرورية ليستمر هذا الكوكب
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد