في تواطؤ “المؤمن” و”المواطن” وتعويض الإلهي بالإنساني : “ماكس شتيرنر” و “نيتشه”: استئناف المشروع وامتداداته.

وليكونوا أحرارا أولئك الذين قيدتموهم طويلا “مات “الشعب”، أنهض “أنا”  ماكس شتيرنر

الملخّص:

إن ما يسترعي الانتباه هو أن السياسة، مثلها مثل الدّين، تزعم الاضطلاع بـ “تربية” الإنسان وإيصاله إلى تحقيق “ماهيته” و”غايته”، أي تجعل منه إنسانا بحق، فالدّين يعني “مؤمنا حقيقيا” أما السياسة فتعني “مواطنا حقيقيا”. ولو نحن شيّعنا البصر بعيدا لاستبان لنا أنهم ليسوا أقلّ علوقا في الأخدود الديني، وإنّنا لنرى أنهم هم أنفسهم يفرضون بولوع ظاهر، “قدرا” على الإنسان، تحدوهم الرغبة في أن يكون إلهيا، إنسانيا. وهكذا فما ينبغي أن يُعلَم من هذا، هو أنّ ماهية الإنسان تستلزم أن تكون الأخلاقية والحرية والإنسانية. إنّه وعلى هدي هذا النمط من التحليل سرعان ما يستشف “شتيرنر” أن “الأخلاق وقد أصبحت من الآن فصاعدا إنسانية محضا ومفصولة بالتمام عن الدين الذي صدرت عنه تاريخيا، لا شيء يمنع من أن تصبح هي ذاتها دينا فعليا”. وحالتذاك لم يكن عليه عصيّا أن يذهب إلى القول: “قضيتي ليست لا إلهية ولا إنسانية، إنها ليست الحق ولا الجيّد ولا العادل ولا الحر، “إنها لي، إنها ليست عامة بل – مفردة، مثلما أنا مفرد، لا شيء بالنسبة إليّ يعلو عليّ. 

ولأن المقتدرين هم الذين يختارون أجدادهم وأسلافهم، انظر خطاب “نيتشه” البليغ في نصه الوارد في “هكذا تكلّم زرادشت” تستبين لك دعوته إلى ضرورة الاحتراس من “أهل الصلاح والعدل، فلا شيء يحلو لهم مثل صلب أولئك الذين يبتدعون فضائلهم الخاصة، إنهم يحقدون على المتوحّد. وإذا ما تتبّعنا هذه الأفكار الشديدة التّساوق، تيسّر لنا أن ندرك عندئذ المقام الذي في مستواه يستشكل “شتيرنر” وجه إشكاله، وقد صاغه ضمن الأفق التالي “لن يمكنكم أن تتعاملوا في ما بينكم باسمكم الخاص وأن يكون بعضكم لبعض ما أنتم إياه، إلا إذا كنتم متفرّدين”. والأمر باعث لممكنات من التساؤل: ما الذي كان يعنيه الأوحد وملكيته – هذا الذي كان نسيا منسيا – عندما ظهر وما دلالته الراهنة، وما هي جذوره في الفكر الألماني المعاصر؟

الكلمات المفاتيح: الأوحد -الإلهي -السياسي -المواطن –المؤمن- الإنساني.

1-   المقدمة:

قد يَحول بيننا وبين إدراك بهاء كتاب، عمى تاريخي، فنوشك أن نهمل مسارا آخر، تجنبا لما يشوش الذهن ويولد شكّا فظيعا، إلا أنّ للكتب “أقدارها” الخاصة. فمع “الأوحدُ وملكيّتهُ”[1] نلاحظ ولكأن “شتيرنر” بدأ يتحرّر من التيمات المهيمنة والبراديغمات السائدة والقواعد القاهرة، ومضى بنظرة ملؤها الحيرة وبرؤية شديدة الانغراس، منذرا بزمان مقبل، يؤكد أن التفكير والأفكار ليسا مقدسين، ويهرع في نمط من أنماط المغايرة، وإعادة بناء ممكنات القول الفلسفي، إلى تجاوز حدود تشكلت وانقفلت. وإذا هو يعيد النظر في “الفرضيات” التي تحكمت بتواطؤ قديم، تمّ في زمنية سحيقة، فرضيّات ينبغي أن تزول، وتدميرها ينبغي أن يكون مفيدا لي “أنا”. وإذ قد عرفنا ما عساه أن يرفع عمقا مستورا، وكل ما تبدى لنا مناسبا واتفق مع مقاصدنا، وكان وجيها، نشير إلى أن “ماكس شتيرنر”[2] يفتتح كتابه اليتيم بـ “لم أُقم قضيتي على لا شيء”[3]، وتتالى إيماءاته وإشاراته، فتزداد في الاستبصار أن قضيته هي قضية الإله والحقيقة والحرية الإنسانية ثم قضية أميره وشعبه ووطنه ومن بعد ذلك، تكون قضية الروح وأشياء أخرى كثيرة.

 ولا يخفى عن نبيه أنّ لهذا الميل في نفسه معنى، إذ لما فرغ من التمهيد لكتابه، شرع في عرض قضاياه. وهكذا فإنه حين رامَ الدُّنُوَّ من مشكله أكثر والإلمام به تساءل بجذرية عن هذا الذي دبرته المسيحية (الدين) ضدّ الشهوات، ألن يكون من حقنا أن نقلبه ضد الروح (أراء، تصوّرات، أفكار، معتقدات…) ذاك الذي تزعم المسيحية أنّا محدّدون به؟ أليس لنا أن نطالب بأن لا يكون للروح والتصورات والأفكار قدرة على تحديدنا، وأن تكفّ عن كونها متسلطة ومنيعة، بصيغة أخرى “مقدسة”؟

2-   في استرداد الذات وانتصار الأنا:

وما لا يخفى على الفاحص البصير إمعان “شتيرنر” في الإيحاء بأن الأخلاقية والتديّن أصبحا مترادفين تماما مثلما كانا في بداية المسيحية. وهذا ما سيساعدنا على استكناه أن المقدس لم يعد “أقدسا” بل “إنسانيا”، ذلك ببساطة لأن الكائن الأسمى تبدّل ولأن الإنسان حلّ محلّ الإله. وآنذاك لم يعد العالم منيعا، مقدسا، إلهيا: فـ”الآلهة ماتوا”، والعالم قد أصبح مبتذلا: فقد اختفى منه الإلهي.

وإننا لنرى أن التاريخ القديم بالنسبة إلى “شتيرنر”[4] ينتهي هكذا، افتراضيا يوم أتوصّل إلى أن أجعل من العالم “ملكيتي”، إنه ملكيتي وأنا استخدمه كما يروق لي (أعني كما يروق للفكر). وأنا أدير العالم جيدا على هواي بحيث قد يتوقف الأمر عليّ وحدي لأحدث فيه المعجزات. ولكن ميلنا إلى ردّ كل الأمور إلى ما ألفناه يستلزم أن نتأمل فيما قلناه بعض الشيء، وإني لأظن أننا لو توسعنا أكثر في هذه الطروحات، لاستبان أن “ربي وضع كل الأشياء بين يديّ، ولحظة ذاك يكف العالم عن سحقي بقوّته”[5]. فإذا ما تتبّعنا هذه الأفكار الشديدة التّساوق، تيسّر لنا أن ندرك عندئذ المقام الذي في مستواه يستشكل “شتيرنر” وجه إشكاله، وقد صاغه ضمن الأفق التالي: “لن يمكنكم أن تتعاملوا في ما بينكم باسمكم الخاص وأن يكون بعضكم لبعض ما أنتم إياه، إلا إذا كنتم متفرّدين”[6]. والأمر باعث لممكنات من التساؤل: ما الذي كان يعنيه الأوحد وملكيته – هذا الذي كان نسيا منسيا – عندما ظهر وما دلالته الراهنة، وما هي جذوره في الفكر الألماني المعاصر؟ ثم هل يعني ذلك أنه يرفض المكاسب التي حققتها جهود الليبرالية في اتجاهات مختلفة؟

لعلّ القول الأولى بالصواب عند “شتيرنر”، إنّما هو بالطبع لا، عسى أن نحترس من خسران أي شيء مما وقع اكتسابه. وهكذا استحال ما كان يبدو سرا غامضا، إلى محل دراسة وتمحيص، فالإنسان هو “الإله الحقيقي”، لأنه مطابق لنا تمام المطابقة من حيث بالضبط، “نحن ذاتنا”: والأمر على قدر جليّ من البساطة في نظره فـ”نحن ذاتنا لكن وقد وقع فصلنا عن ذواتنا وإعلاؤنا فوق ذواتنا”[7]. بل إنّ “شتيرنر” وقد استبان هذا وتوضحه، ليمعن فيما من شأنه أن يؤشّر إلى أهمية “الضبط” و”التحديد”، فيتساءل بسخرية والتياع ومرارة العارف: “أين كانت شجاعة القيام بالثورة عند “الطيبين”، هذه الثورة التي يمجّدونها ويستثمرونها اليوم بعد أن قام بها آخر؟ هذه الشجاعة لم يكن بوسعهم امتلاكها”[8].والحقيقة، ليس ببعيد أن يكون ذلك سرّ سؤاله، على اعتبار “أن كل ثورة، كل تمرّد هو دائما شيء “لا أخلاقي”، لا يمكن للمرء أن يعزم عليه اللهم إلا أن يكّف عن أن يكون “طيّبا” ليصبح “شريرا” أو لا طيّبا ولا شريرا.

ومن الناس من ذهب إلى ما يتعارض وطرح “شتيرنر” قطعا، غير أن هذه الانتقادات لا تنطبق إلا على “الأخلاق البرجوازية” التي يفاخر كل فكر متحرر نسبيا باحتقارها. ونحن إذا جوّدنا النظر في ما يعنيه استبان لنا أنّ “هذه الأخلاق كما البرجوازية التي أنتجتها ما تزال قريبة من السماء، قليلة التحرّر من الدين حتى لا تنحصر في امتلاك قوانينه”[9]. وتبعا لذلك ليس من الجيّد في شيء مطالبتها بالنقد ولا سؤالها على أن تستمد من صميمها الخاص مذهبا طريفا. بل ليس إنكار ذلك إلاّ من قبيل نكران البداهة وهو توجيه لا يرد عليه وجه من وجوه الإيراد.

 إنّه، وعلى هدي هذا النمط من التحليل، سرعان ما يستشف “شتيرنر” أن “الأخلاق وقد أصبحت من الآن فصاعدا إنسانية محضا ومفصولة بالتمام عن الدين الذي صدرت عنه تاريخيا، لا شيء يمنع من أن تصبح هي ذاتها دينا فعليا”[10]. وحالتذاك لم يكن عليه عصيّا أن يذهب[11] إلى أن “قضيتي ليست لا إلهية ولا إنسانية، إنها ليست الحق ولا الجيّد ولا العادل ولا الحر، “إنها لي، إنها ليست عامة بل – مفردة، مثلما أنا مفرد، لا شيء بالنسبة إليّ يعلو عليّ”[12]. وحريّ بك ههنا، أن تتلطف من نفسك وتعلم أنه وبإجراء مقارنة بين “الإنسان الناضج” و”الشاب” تستبين أن “الناضج” أصبح أكثر واقعية وأصبح “عمليا”، ولا خفاء في أن الدلالة المذكورة دلت على أنه يجعل من ذاته مركز كل شيء بشكل أكثر حسما مما يفعله “الشاب” الذي يلهيه الإله، الوطن، وذرائع أخرى تلهب “الحماسة”[13]. ألا فلتنظر إلى هذا الإنسان كيف يعاوده الحنين ويكتشف ذاته من جديد، وهكذا “يتملك الإنسان نفسه مجددا ويستعيد روحه المجسّد فيه وقد صار جسدا وأصبح شخصا”[14]. فإن اختلج هذا في فهمك فاعلم أن الأمرين بينهما فرق وأيضا إن تشككت فيه فغير ضائر في الغرض.

قد لا يكون من اليسير علينا الآن أن نجزم بأن “المسيحي “لم يتمكن أبدا من الاقتناع بـ “تفاهة الكلام الرباني”، وفي المقابل، يقول “شتيرنر” مجاريا بعض المتقدمين، كان القدامى متشبّعين بهذا الإحساس بأن العالم وقوانين العالم، كانت هي الحقيقة، حقيقة كان يجب أن ينحني أمامها عجزهم. ثم إنّك إذا فتشت وأجدتّ التأمل، وجدت أن ما قدّره القدامى هو تحديدا ما رفضه المسيحيون، وما كان أعلنه الأوّلون حقيقيا هو الذي استهجنه الآخرون بوصفه كذبة: فتفقد فكرة الوطن التي كثيرا ما وقع تمجيدها أهميتها ولم يعد للمسيحي أن ينظر إلى ذاته إلا بوصفه “غريبا فوق هذه الأرض”، ودفن الموتى، هذا الواجب المقدس الذي أوحى برائعة أنتيغون” لـ “سوفوكليس”، لم يعد يظهر إلا كحقارة، “فاتركوا الموتى يدفنون الموتى”[15].

وقد تود العقول التراتبية في أيامنا هذه أن تجعل من كل شيء “دينا”، لدينا بعدُ “دين للحرية و”دين للمساواة”، وهم بصدد أن يجعلوا من كل الأفكار “قضية مقدسة”. فـ”عندما كان الأناني الدنيوي توصّل إلى التمرّد على قوة عليا مثل قانون العهد القديم على سبيل المثال وعلى البابا الروماني، فإن قوة أخرى أشدّ من هذا علوا كانت علت فوقه مباشرة: كان الإيمان حلّ محلّ القانون”[16]. ولمّا أصبح على “المتنطع” أن يحني رأسه وتم ترويضه، فقد انتصر الكهنوت، ويجد اعتراض بعض المعترضين، ساعتئذ، بضروب من العمق والنظر، في ما ذهب إليه “شتيرنر” صدى، “فلا يمكنني أن أزعزع استبداد الروح إلا بالـ “الجسد”، ذلك أن الإنسان لا يفهم ذاته بالتمام إلا متى فهم كذلك جسده، وهو لا يكون فطنا وعاقلا إلا متى فهم ذاته بالتمام”[17].

ولأنه على المعنى أن ينتظر حتى يقع قوله أو كتابته، سنلاحظ أن التأثير الأخلاقي يبدأ حيث يبدأ الإذلال، وما يجري مجراه، مما يُذعن، إنه “ليس غير هذا الإذلال ذاته الذي تترك الكبرياء تحت وطأته مكانها للخضوع وقد اضطُرّت للانحناء أو الانكسار”[18]. وإن “شتيرنر” ليشير في كدح جليل من التحويل والمغامرة، منوع غزير، إلى أن هدف جهود البشرية في ما قبل المسيحية، إنما كان التوقّي من نوائب الدهر وأن لا نظلّ تحت رحمتها، ومثل هذا المسعى هو ما اقتضى من “الرواقي” اللامبالاة، معتبرا مصادفات الطبيعة محايدة ولا يلقي لها بالا. نحن نلمس هنا ما يبدو أنّه الماهية العميقة لمشروع “هوراس”، بعبارته الشهيرة: لا شيء يدهشني، ممّا يعلن عن عدم اكتراثه بالـ “الآخر” وبالعالم الذي ليس له أن يؤثر علينا ولا أن يثير دهشتنا.

وهكذا فإلماعات الشاعر، تصيبه نوازل الدهر دون أن يهتزّ لها، تفصح وتصدر تدقيقا عن نفس اللاانفعالية التي عبّر عنها المقطع الثالث من المزمور الخامس والأربعين، في ترتيلة مؤلمة ونبيلة “نحن لن نخاف عندما ستخسف الأرض”، وهو ما جعل “شتيرنر” يستخلص أنه من هاتيك الآونة أعلن القول المسيحي المأثور حول تفاهة العالم. وإنه ليمكننا أن نثبت إثباتا شديد الرجحان أنّ السعي إلى جعل الناس كائنات أخلاقية، عاقلة، تقية، إنسانية، أفسح المجال وسيعا إلى ترويضهم. ومما لا ريب فيه أن هذه المحاولات تتكسر على الفردية العنيدة لــ “الأناني”.

 وتصبح فكرة “شتيرنر” أكثر عمقا، وهو يبذل جهده في سبيل فهم الذين وقع إخضاعهم لهذا الانضباط، وبتبصر غير مألوف في عصره يؤكد أنهم لا يصلون أبدا إلى مبتغاهم. وبرهانه في ذلك – إن سأل سائل- أنهم لا يجاهرون بالعقائد الأسمى إلا بالكلام ويقتصرون على الجهر بالعقيدة الدينية، عمليا، وعبر هذه الخبيئات المطوية يعلن جميعهم أنهم “مذنبون” وأنهم أدنى جدا من مَثلهم الأعلى، إنهم “بشر ضعفاء” وأنهم يجدون عزاءهم في وعيهم بـالـ “ضعف البشري”[19]. ولأن القاعدة هي أن الناس لا يفكرون أبعد مما فكر فيه أسيادهم، كان “شتيرنر” يوطّئ للجواب توطئة يستبين فيها ما يأباه “الكريم – العاقل” وينصح بأن تؤخذ هده الأمثلة أخذا لطيفا.

 وإذا نحن تأملنا حق التأمل هذا “الإذعان، لم يعسر علينا استنتاج أنه من يفكر لا يختلف عمّن يؤمن إلا بكونه يؤمن أكثر بكثير من هذا الأخير الذي يفكر بالمقابل أقل بكثير في عقيدته. ويلفت “شتيرنر” الانتباه إلى أن العقل وإن كان في نفسه شريفا عالي الرتبة، فإنّ أثره ههنا يسير ودليله في ذلك أنّ “الحكم العزيزة” على المفكرين تشكّل بالضبط نظير تلك التي تؤثر في المؤمنين. وبمزيد من إنعام النظر في ذلك نجد، هذا ذاك، لأنه ناح نحوها وقاف أثرها، فعوضا عن قول: “إذا كان هذا يصدر عن الإله فإنكم لن تقوّضوه”، يقولون: “إذا كان هذا يصدر عن الحقيقة فإنه حقيقي”، وعوضا عن: “سبحوا للإله”، “سبحوا للحقيقة”. وإذا بان أن “شتيرنر” لا ينهم بأيهما كان الغالب: الإله أو الحقيقة، فقد بان أنّه إنّما يمهد السبيل لإرادة غلبة أنا “ه”[20].

ولعلّنا إذا ما تتبّعنا النقاد المعاصرين أدركنا أنهم يهاجمون الدّين، إذ ثمة ما يحمل على الاعتقاد أنه بوضعه الإله، الإلهي، الأخلاقي، خارج الإنسان، يجعل منها شيئا موضوعيا، بينما هم يفضّلون على العكس من ذلك إبقاء هذه المواضيع في الإنسان. وإننا لو شيّعنا بصرنا إلى بعيد لاستبان لنا أنهم ليسوا أقلّ سقوطا في الأخدود الديني، وإنّنا لنرى من مجرّد ما سيق أنهم هم أنفسهم يفرضون بولوع ظاهر، “قدرا” على الإنسان، تحدوهم الرغبة في أن يكون إلهيا، إنسانيا. وهكذا فما ينبغي أن يُعلَم من هذا، هو أنّ ماهية الإنسان يستلزم أن تكون الأخلاقية والحرية والإنسانية.

والطريف ههنا أو ما يسترعي الانتباه هو أن السياسة مثلها مثل الدّين، تزعم الاضطلاع بـ “تربية” الإنسان وإيصاله إلى تحقيق “ماهيته” و”غايته”، أي أن تجعل منه شيئا مهمّا، تجعل منه إنسانا بحق، فالدّين يعني بذلك “مؤمنا حقيقيا” أما السياسة فتعني “مواطنا حقيقيا” أو “رعية بحق”. وقد أفلح “شتيرنر” في بيان تلك الألفة المتواطئة، فـ”الأمر سيّان، سواء كنتم أسميتم قدري قدرا إلهيا أو إنسانيا”[21]. ولعلّ حجته التي أوردها ستكون مقنعة للمسترشدين وإن لم تكن مسكنة للجاحدين، فلقد تم تعوّيض الإلهي بالإنساني، الكنيسة بالدولة، والمؤمن بـ “العالم”، أو بشكل عام “المعتقدات الفظّة والحكم البالية بأفكار واقعية وقوانين أبدية”[22].

هكذا يتجلى تجلّيا بيّنا أن الحقّ، مثلما يتصوره الليبراليون، يجبرني، والحال أنّا لو تأمّلنا الأمر بتدقيق وإمعان أكبر لرأينا أنه إنما هو الصادر (=الحق) عن العقل الإنساني، وعليه يتضح مذّاك أن عقلي الذي هو قبالته لا يكون إلا “جنونا”، لذا يبيّن “شتيرنر” وهو يجوس خلال المسألة، أنه ليس من المبالغة في شيء إن هو أكّد أنّه باسم العقل الإلهي يُدان العقل الإنساني “الضعيف”، مميطا اللثام عن الأصول البعيدة التي ترجع لها تلك “الإدانات”، فباسم العقل الإنساني القوي يدان اليوم العقل الأناني تحت يافطة الاسم التحقيري لـ”الجنون”، ونحن نستبصر من لمع “شتيرنر” هنا ما مؤداه أنّه لا وجود تحديدا لعقل حقيقي غير هذا “الجنون”.

إنه حريّ بنا أن نوضح في هذا المستوى، أن تفكيره استقام على أنه لا حقيقة لا لـ “العقل الإلهي” ولا لـ “العقل الإنساني”، وجاز له حينئذ، وقد انتهى إلى هذا الاستخلاص، تعيين مصدر “الحقيقي”، والذي ظهر له في “عقلك وعقلي مثلما أننا أنت وأنا وحدنا حقيقيان”[23]. ولو قرأنا هذا الذي يذهب إليه “شتيرنر” بتمعن لرأينا فيه من الندرة والمتانة والغرابة ما رأينا، إذ “الأنا” و”الدولة” عدوّان، فما بال هؤلاء ينكرون على “الأناني” أن يفاخر.

إنّنا لندرك ونحن نتدبّر ما يقوم به “”شتيرنز” أنه إنّما يحاول قلب “مسلمات” في غير رفق ولا لين “أنا الأناني، لا يهمّني خير هذا “المجتمع الإنساني”، أنا أكرّس نفسي له، إنني لا أقوم إلا باستخدامه، لكن من أجل أن أستعمله بالتمام فإنني أحّوله إلى ملكية لي وأجعله صنيعتي، أي أنني أزيله وأقيم محله رابطة الأنانيين”[24]. ومهما يقل القائلون فلن يستطيعوا أن ينكروا أنّ الدولة من جهتها تكشف عن عداوتها تجاهي من خلال مطالبتي أن أكون إنسانا. وإذا نحن دققنا النظر فيما أومأ إليه “شتيرنر” تبيّن لنا أنه يحرص على كشف أن الدولة تجعل من الإنسانية واجبا بالنسبة إليّ، سعيا وراء تكريس السائد وتقديسه. فلا عجب عندئذ أن يكون “الإنسان هو إله اليوم وخشية الإنسان حلت محلّ خشية الإله القديمة، وخشية الإنسان ليست غير وجه مختلف من وجوه خشية الإله”[25].

وممّا لا يخفى على الناظر الفطن في أطروحة “شتيرنر” أن يلاحظ أن “مشروعه” يبلغ ههنا ذروته، فالدولة تنكر كل مشروعية على إرادة الفرد ولا تعترف إلا بإرادتها الخاصة على أنها إرادة مشروعة، إنها قانون الدولة. وإني لأظن أننا لو توسعنا أكثر في هذه الأفكار، لفهمنا أن مقصود “شتيرنر” إنما هو تأكيد أنّ “من ينتهك وصايا الدولة يمكن اعتباره منتهكا لوصايا الإله، علاوة على ذلك فهذا رأي تبنته الكنيسة، الإله هو القداسة في ذاتها ولذاتها ووصايا الكنيسة كما وصايا الدولة، هي الأوامر التي توجهها القداسة للعالم بواسطة كهنتها أو سادة حقها الإلهي(…)للواحدة الخطيئة وللأخرى الجريمة، هناك المخطئ وهنا المجرم”[26]. وإذا كان من المضني والعصيّ أن نستشف ملامح هذا التداخل والتوالج، فإن “شتيرنر” يشير علينا بضرورة التساؤل: “ألن تسقط قداسة الدولة مثلما سقطت قداسة الكنيسة؟ الخوف من قوانينها احترام جلالتها بؤس وذّل رعاياها هل سيستمر كل ذلك؟ ألن يأتي يوم سنكف فيه عن الركوع أمام صورة المقدس؟”[27].

3-   في أن يكون لي إلهي وإيماني وأفكاري ومثلي العليا:

لا عجب إذن أن يتجه “ماكس شتيرنر”، من رحم هذا الفهم بالذات، إلى الفحص عن المعنى الأصلي لـ “التقديس”، ذاك الذي غَفل عنه الكثيرون عمدا إذ أن النقاد يشترطون أنه ينبغي أن تكون إنسانا بالتمام لتكون إنسانا حرا، وهو ما ليس له من حظ الفكر ولا من عزم الأمور إلا نذرا يسيرا، ما داموا هم أنفسهم لا يتورعون عن إعلان دين جديد وبناء مثل أعلى مطلق جديد: الحرية. وهكذا فلا تستغربن “ظهور مبشرين بالحرية يشبهون المبشرين بالإيمان الذين كانت المسيحية أرسلتهم لغزو العالم الوثني مقتنعة بأنّ كل الناس كان مقدرا لهم أن يصبحوا مسيحيين”[28]. وعليه يرتئي “شتيرنر” أن الأمر لا يمكن استيفاؤه، إذ أنه بالإمكان تغيير الإله – وقد كظم الأمر في نفسه كثيرا – إلى إلهي، وبالرغم من ذلك نظل متديّنين. وهكذا غير هذا الانتباه جهة النظر تغييرا جذريا، فـ”أن نكون متدينين هو أن لا نكون راضين تماما عن الإنسان الحاضر، هو أن نتخيّل “كمالا” ينبغي أن نبلغه ونتصوّر الإنسان بوصفه “ساعيا إلى الكمال”، أن نكون متدينين هو أن نحدد لأنفسنا مثلا أعلى، أن نحدد لأنفسنا مطلقا”[29].

ولم يكن “شتيرنر” غافلا عن السبب الكامن وراء “احتقاره”، إذ هو قد بحث دوما عن أفضل ما فيه، خارج ذاته، فهو اللاإنساني لأنه حلم بالـ “إنساني”. وكان قلّد الورعين الذي يعذّبهم “أنا هم الحقيقي” والذين يظلّون دائما “مذنبين بؤساء”، لم يكن أدراك ذاته إلا بتصادم مع آخر، لم يكن الكل، لم يكن أوحدا. ومن أجل ذلك يجد أنه عليه إذا ما رام بمطلوبه فوزا أن يتوقف عن النظر إلى نفسه باعتباره اللاإنساني، حتّى يتيسر له حينذاك التوقف عن مقارنة نفسه بالإنسان وعن التسليم بمقارنته به وفق مقاسه. لقد تفطن إلى أنه ينبغي عليه أن يتوقف عن الانحناء أمام شيء ما أرفع منه، وإنه لضرب من التضامن الحميم مع ذواتنا وقد هدّها البحث عن المعنى. وهكذا ومن حيث هو يمتحن مساحات تغاير، يطأ أرضا لم يجرؤ قبلا على وطئها إلا الأقلون، ويطل على مدارات قصيّة، “لقد كنت اللاإنساني، لكنني لم أفعل غير المرور من هناك، ولم أعد الإنساني: أنا الأوحد، أنا الأناني، هذا الأناني الذي يرعبك، لكن أنانيتي ليست من تلك التي يمكن تقديرها بميزان الإنسانية، بالترفع، إنها أنانية الأوحد”[30].

وليس يسع الباحث في تكوّن جذور هذا الضرب من “القلق” أن يتجاهل ما كان لرفض “الدغمائية” من أثر حاسم في توليد هذا التمرد، ولسنا نبالغ حين نقول إنّ الكتاب برمته يهجس بأسئلة من هذا القبيل، مثلما يهجس بها نصه هذا: “لست معاديا للنقد، بصيغة أخرى لست دغمائيا ولا أنني نالت مني سهام الناقد. لو كنت دغمائيا لكنت سأضع في الواجهة عقيدة، أي تصورا، فكرة، مبدأ، ولكنت سأتمم هذه العقيدة بأن أكون “صارما” وبأن أبني نسقا أي صرحا من الأفكار”[31]. فلكأن “شتيرنر” يتحرّر من قيود هيمنت طويلا فـعندما يهاجمها فإنه يدافع عن حياته ضدها، “قد لا يكون هذا الصراع معقولا، لكن إذا كان العقل واجبا عليّ فإن أغلى ما عندي، أنا إبراهيم الجديد، هو الذي قد يكون عليّ أن أضحي به من أجله”[32].

ولمّا كان عقلنا يسوّل لنا أن نتقرّى الفوائد وأن نرجّح ما اتّضح أفضل اتّضاح، فما يدريك حينئذ، أنه ليس في هذه الأفكار والكلمات، إن نحن تأمّلناها وتدبرناها بأناة، ما يصغى إليه، إذ “لو يُسمح للآراء الفردية بالبقاء فسيكون لي إلهي وإذا كان لي إلهي فسيكون لي إيماني وديني وأفكاري ومثلي العليا”[33]. وإذا كان الأمر على هذا فغير بعيد أن يكون “هؤلاء ذواتهم الذين يرفضون أن يروا في المسيحية أساس الدولة، والذين يثورون ضد كل صيغة من مثل صيغة الدولة المسيحية، مسيحية الدولة، لا يسأمون من تكرار أن الأخلاقية هي “قاعدة الحياة الاجتماعية والدولة”. وكأن سلطان الأخلاقية “لم يكن هو هيمنة المقدّس المطلقة”[34].

فإذا نظرت في الأمور وتأملتها وجدت أنه قد نتمكن من تجميع كل الذين يعتبرهم البرجوازي مشبوهين وعدوانيين وخطيرين تحت اسم “المتشردين”(…) وحينئذ لعلّ هؤلاء المتشردين الشاذّين يدخلون، هم أيضا، ضمن طبقة الناس القلقين والمتقلبين والمتوترين الذي هم البروليتاريون، عندما يعرّضون أنفسهم للشك في انتهاكهم حرمة الأخلاق، نسميهم “مفسدين” و”مشاجرين” و”متهوّسين”. هو ذا المعنى الواسع الذي يجب إعطاؤه للفظي البروليتاريا والإملاق هذين. ولا ريب أنّا نكون مخطئين لو كنا اعتقدنا أن البرجوازية قادرة على الرغبة في القضاء على الفاقة وفي تكريس كل جهودها لهذا الغرض. وهكذا نرى أنه بعد أن أكبّ ببيانه على المسألة يلحظ مجرياتها وسرد كل حجة، فقد اتّضح له خير اتّضاح أنْ لا شيء ينعش البرجوازي الطيب مثلما تنعشه هذه القناعة التي لا مثيل لمواساتها، وكل من له حس بصر رآه، وهي أن “قرارا إلهيا حكيما وزّع نهائيا وإلى الأبد الثروات والسعادة”[35].

ولعلنا لا نبلغ شططا إذا اعتبرنا أنّ “الإنسان لم يقتل الإله إلا ليصبح بدوره “الإله الوحيد الذي له الملك”[36]، وكلّ ما ينطوي عليه من دلالات. فقد استبان أن الماوراء الخارجي، ارتجّ وانخسف. والعمل الهائل للفلسفة تمّ إنجازه، لكن في الأثناء تمّ الإفساح للماوراء الداخلي ليصبح سماء جديدة، وتلك فروق طفيفة ولكنّها حاسمة لطيفة، بل هو ما من شأنه أن يحفر عميقا إذ سنلاحظ وقتذاك، أن “شتيرنر” يدعونا إلى أن نوطّد العزم على قلب الحدود، ألا قل لنفسك: “أنا إنسان، لم أبدأ باكتساب خاصية إنسان إذ هي تنتمي إليّ مسبقا مثلما تنتمي إليّ كلّ صفاتي الأخرى”[37].

أمّا وقد استوى الأمر على هذا النحو فسوف لا نجد مهربا من السؤال التالي: الأفراد الأوحدون هل ينتمون إلى حزب؟ كيف قد يسعهم أن يكونوا أوحدين إذا كانوا ينتمون إلى حزب؟ لكن هل يغيب عن البال أن أعضاء كل حزب يحرص على وجوده وعلى بقائه بقدر ما أنه لديهم أقل ما يكون من الحرية. وليس من المبالغة في شيء القول أقل ما يكون من الشخصية، واستتباعا، بات لزاما التأكيد أنه بقدر ما يفتقرون إلى قدر أكبر من الأنانية بقدر ما يزداد خضوعهم التام لكل مطالب ذلك الحزب. لأجل ذلك يؤكد “شتيرنر”، وفي إسراف باهر وانزياح مرهف وعميق عن السائد، أن “استقلالية الحزب تفترض تبعية أعضائه”[38]. وكما لم يفعل أحد سواه وجد “شتيرنر” الإنسان في الفرد المحدود والعابر، في الأوحد. دون أن يعني أن فسخا قد تمّ في علاقة كانت قائمة بين الأناني والملكية، بل إنّه إنّما أصبح يعتبر أن “ملكيتكم” وكأنها “ملكيتي” التي ليس عليّ أن “أحترمها”، تعاملوا إذا بالمثل مع ما تسمّونه ملكيتي.

 لعلّنا الآن، وعلى هدي هذا النمط من التفكير، نستطيع أن نفهم كلاما غامضا، تميز بالفرادة والعمق، واظب هذا المبدع المتمهّر على ترديده، مفاده أن “لا شيء تخشاه الدولة أكثر من قيمة الأنا، أنا الخصم العنيد للدولة، ولا وجود في الدولة لأيّة ملكيّة أعني أيّة ملكيّة للفرد، لا وجود إلاّ لملكيّات للدولة ما أملكه لا أملكه إلا بالدولة وما أكونه لا أكونه إلا بها”[39]. فليس ثمة من يجادل في أن “ملكيتي ما هو في مقدوري، وبإعطاء نفسي القدرة أعطي نفسي الحق، أنا وحدي أقضي بما أريد الحصول عليه. والأمر الذي لم يلتفت إليه من قبل هو أن الأناني يستولي على كلّ ما يلزمه، إنّه يتصرّف تصرف المالك، بل إنّ “الدولة ذاتها تتصرف دائما بحذر تجاه الأفراد لأنها تتعرّف في أنانيتهم على عدوّها الطبيعي، تلزمها الحجة دوما”[40].

أمّا ما ينبغي أن يتوجه النظر إليه، فإنّما هو ذلك الانطماس الذي يشير إليه “شتيرنر” بمكر نادر والذي مفاده أن “قرونا من الثقافة حجبت عنكم دلالتكم الحقيقيّة وجعلتكم تعتقدون أنّكم لستم أنانيين وأنّ مصيركم هو أن تكونوا مثاليين، أناسا طيبين”[41]. فبعد هذه التوضيحات الوجيزة، علينا تدبّر هذا الذي يشكل خطرا كبيرا، إذ يلاحظ أنّه “إذا منحوكم الحرية فإنهم ليسوا غير محتالين يعطون أكثر مما يملكون، وإذ أعطوكمونيها فلكيلا تأخذوها ولكي لا تطالبوا فضلا عن ذلك بمحاربة اللصوص”[42]. فكأنّما هو يومئ إلى ما يستحيل تخطيه ولا يجوز إغفاله: أنّه لجعل الإرادة والملكية الخاصة في حالة عجز تروّض الفردانية أو الأنانية.

وبهكذا جرأة يوسع “شتيرنر” أفق استطاعته ويفتتح أفق انتظار يزعزع “يقينيات”، فـ”لا تبحثوا في إنكار الذات عن حرية تسلبكم ذواتكم بل ابحثوا عن ذواتكم، كونوا أنانيين، وليكن كل واحد منكم أنا جبارا. بشكل أوضح: أعيدوا التعرف على ذواتكم، تعلّموا معرفة من أنتم”[43]. ولنا أن نلاحظ أن “شتيرنر” يحاول أن يكشف عن فكرة تواطؤوا على إخفائها وهي أنّ “الأقوياء” تصرفوا هكذا دائما” أما وقد رفع الـ “خاضعون” عاليا قدرة سيّدهم وطالبوا راكعين من الجميع العبادة”[44]، فتلك انزياحات وانسدادات، وتحددات وعلاقات سيطرة، تكاد من فرط الظهور أن تنمحي. والأمر عنده ليس على ما يقولون، وإن احتجوا بضروب من الحجج.

 وفي المقابل فإنّ الأمر الذي لا يجب إغفاله، هو أنك لم تستطع إنجاز “عملك” إلا لأنك إنسان أوحد، في ذلك أنت أوحد وبالتالي صلح أن يقال “ليس الإنسان هو من يصنع عظمتك بل أنت من يصنعها لأنك أكثر من إنسان وأقدر من أناس آخرين. تحسب أنّه ليس بوسع المرء أن يكون أكثر من إنسان، ومع ذلك قد يكون من الأعسر أن يكون أقل من إنسان”[45]. ولعله من عين الفطنة أن يعوض المطلب القديم “سبّحوا للإله” بـ “سبحوا للإنسان”. والفائدة التي تُجنى لحظتذاك التي هو مُنشئها، “تسابيحي أنوي الاحتفاظ بها لنفسي”[46].

وإذا نحن فكرنا لحظة في المسألة ودققنا فيها النظر تبيّن لنا في جلاء باهر أنّ “أنا، لست أنا إلى جانب “أناوات” أخرى، أنا الأنا الوحيد، أنا الأوحد، وبفعل أنني هذا الأوحد فإنني أجعل من كل شيء ملكا لي”[47]. إلا أننا لا نجد إذعانا صرفا فـ”لا مفهوم يعبر عني ولا شيء مما يقدّم بوصفه ماهيتي يستنفدني”[48]. إلا أن يكون تمردا جذريا مفاده “أنا مالك قدرتي وأنا أكون كذلك عندما أعرف أنني أوحد، كل كائن أعلى مني سواء كان الإله أو كان الإنسان، يضعف أمام الشعور بوحدانيتي، ويخبو أمام شمس هذا الوعي”[49].

لقد صار من البيّن أنّ حقّ الحياة والموت المبثوث الحديث فيه في كلّ ثنايا الكتاب والذي يخترق كلّ شذراته والذي لا يتأتى لنا إدراك معناه المقصود إلاّ بعد عسر واستكراه شديدين، ذاك الذي خصّت به الكنيسة والدولة نفسيهما، إنما “هو أيضا ملكي”[50]. ورضاي هو الذي يحدّد علاقاتي بالناس “أنّه لا وجود لنوبة تواضع بإمكانها أن تجعلني أتخلى عن السلطة على الحياة والموت”[51]. وفرارا من معنى مزعوم لا ينكشف أبدا، سوّل له خياله رؤية ما لا يُرى، وفاض عقله بالمتعة على روحه بضرب من التضامن مع الذات وقد هدّها البحث عن المعنى، إذ هو لم يعد يتصاغر أمام أيّة سلطة طالما أنّ “كل سلطة ليست إلاّ سلطتي وأنّه عليّ أن أقضي عليها حالما تهدّد بأن تصبح معارضة لي أو متفوقة عليّ، كلّ سلطة لا يمكن أن تعتبر إلاّ على أنّها واحدة من وسائلي للوصول إلى غاياتي”[52].

وبضرب من السّابقية طريف يدعونا “شتيرنر “أن نتوجه إلى “ذواتنا” عوضا عن التوجه إلى “الآلهة” أو إلى معبوداتنا، “اكتشفوا في ذواتكم ما هو مخفيّ فيها، أزيحوا عنه الستار، وانكشفوا”[53]. وكاستتباع لذلك تأتي دعوته إلى قرائه وأخلافه “كل واحد يتساءل ما أنا؟” ليردّد الصدى على الفور رجع الإجابة”، هوة تغلي فيها الغرائز والأهواء والرغبات والانفعالات دون قاعدة ودون قانون”[54]. ممّ على الناس أن يتحرروا؟ من سرعة التصديق الأعمى، لم لا تحزموا أمركم إذن؟ ولم لا تصممون على أن تجعلوا من ذواتكم المركز والمبدأ؟ فيم تتمثل عظمتك؟ إنّها تحديدا في أنك تتخطى أناسا آخرين (تتخطى “الجمهور”)، تتخطى ما يكونه “الناس العاديون”، إنّ ما يجعلك عظيما هو سموّك فوق البشر، إذا تميزت بينهم فما ذلك قطعا لأنك إنسان وإنما لأنك إنسان “أوحد”.

إن هذا “الأنا” العميق وغير العقلاني هو الذي قال عنه لاحقا مفكر رائع: “وراء مشاعرك وأفكارك يتخفى سيّد قوي، حكيم مجهول اسمه عين الإنية، إنه يسكن جسمك بل هو جسمك”[55]. هل ذلك معناه أن “نيتشه”، يتوكّأ على “شتيرنر”، وهو من الذين تساندوا به أو من الذين اعتمدوا معنى من سبقهم واستأنفوه وأحسنوا تركيبه، من أخلاف “شتيرنر” وممّن تابعوا “مشروعه” واستكملوه؟ أي أنّه قول على مقول سابق، فالمقتدرون هم الذين يختارون أجدادهم وأسلافهم، سيما وأن واضع التوطئة “روبار ركلار”، يذهب إلى أنّه “من المستحيل أن لا يكون هذا الأخير عرف شتيرنر قطّ”[56]. فانظر خطابه البليغ في نصه الوارد في “هكذا تكلّم زرادشت” تستبين لك دعوته إلى ضرورة الاحتراس من “أهل الصلاح والعدل، فلا شيء يحلو لهم مثل صلب أولئك الذين يبتدعون فضائلهم الخاصة، إنهم يحقدون على المتوحّد”[57]. ومما لا ريب فيه أن “نيتشه” هاهنا يكشف أوجهًا غير متوقعة، تأتي بمعان جديدة، جردت من معناها القديم، لتخون الفهم العادي. فقد أخرجها من أحياز مألوفة وأدرجها في مجالات أرحب فـ “لو أنه ظل في الصحراء يعيدا عن أهل الصلاح والعدل لكان تعلم حب الحياة وحب الأرض، ولكان تعلم الضحك أيضا”[58]. وإذا تفحصنا بإمعان هذا الخلق العجيب، سنكون قادرين على درك تغيرات جذرية فاجعية “حقا لقد مات مبكرا جدا ذاك العبراني الذي يمجده الداعون إلى الموت البطيء ومنذئذ غدا ذلك بالنسبة للكثيرين قدرا محتوما ما أن مات في سن مبكرة”[59]. وبصورة أكثر نقدية- نتائجها بعيدة الأثر- جاوزت تلك الطروحات الأولية الضمنية، يركز على التناقضات بين اللاهوت والناسوت. وما يسترعي الانتباه أن العلاقة التي هيّأ وأفسح لها مجال التحليل بحذق بالغ، إنما تختزن الخطوة الحاسمة التي هي في تواشج مع فالت وبعيد يؤشر إلى أنهما يتواطئان أو يتساكنان لملء فراغ دلالي في كل مرة، طافح بالاعتبارات. ويتساءل “نيتشه” في إيماءة لامعة – تتخطى أفخاخ الوعي والمقول – ويمكن إنشاؤها على أنها نفي بصورة ماكرة: “كنيسة؟ ماذا يعني هذا الشيء؟ كنيسة: إنه نوع من الدولة (…) بل هو النوع الأكثر كذبا (…) مثلك الدولة كلب منافق”[60]. وينبغي أن تؤخذ هذه الأمثلة أخذا لطيفا لكيلا نستمر في إجلال الموروث ونسقط في حبائل “التوحيد”، “وبالتالي الإيمان بإله سوي لا توجد عداه سوى معبودات خداّعة وكاذبة، إنه ما يشكل أكبر خطر على الإنسانية”[61]. وإذا تأملنا حق التأمل، استبان أنه “عند تدهور أحكام القيمة الأرستقراطية فحسب إنما يحدث أن يفرض هذا التضادّ التام بين الأناني / غير الأناني، نفسه، شيئا فشيئا على الضمير الإنساني – إن هذا، حتى استعمل لغتي الخاصة، إنما هو غريزة الجموع، التي تنجح من خلاله آخر الأمر في أن تقول كلمتها وأن تستحوذ على الكلمات أيضا”[62].

إن أسلوب “نيتشه” ليطغى، فقد استوعب الضحك وأدمجه داخل الدين إذ “الأسلوب الإنجيلي واضح وجليّ من خلال العبارة والنبرة وطريقة المخاطبة واعتماد الصور الإنجيلية والكلام بأمثال واستعارات وكذلك البناء الذي يعتمد تقطيع النص حسب أبيات”[63]. بهذه الروح وذلك الهدي أعطى “نيتشه” وهو يستقطر لواعج نفسه وعقله، اللغة المفهومية (توليفة فلسفية شعرية) “حرارة جديدة غير مألوفة في لغة الفلاسفة”[64]. فـ”هل ينبغي علينا أن نؤكّد مرة أخرى على الغرابة التي ميزت “التأثير التاريخي” الذي كان له، بحيث لم يكتب لأحد غيره إلى حد الآن أن يظلّ يعبّر بإلحاح عن التميز والتفرد”[65].

4-   خاتمة:

وهكذا فليس من الهيّن أن تحيلنا الترجمة على ما ألفناه، إذ هي “محنة الغريب”[66]. تعمل على ترويض اللغة وتمرينها وتعويدها بمتعة متنبّهة، لغة لم تكن لها، مغادرة للفضول والاحتفاء بثراء النصوص إلى استدعاء للنص “الأصلي” لا ينتهي. أليس الفيلسوف هو من يخلق المعنى ويبعث دهشة مفتقدة في الأذهان مزعزعا النسيان، وإنه لممّا يحسب للمترجم عبد العزيز العيادي، إذ هو تخطّى تلك الأصعدة غير القابلة للترجمة والمزروعة في النص والتي تجعل من الترجمة مأساة حقيقيّة و “تحدّيا وسعادة” ومجاوزة لـ “الصعوبات الكبرى للأعمال الهائلة النبيلة التي “تحفزّ العقول”[67].

المراجع:

  • ريكور، بول، الاستعارة الحية، ترجمه وقدم له محمد الولي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ظ1، 2016
  • سلوترداك، بيتر، الإنجيل الخامس لنيتشه، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل، كولونيا – بغداد، 2003. (وكان صدوره بمناسبة مرور مائة عام على وفاة الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه)
  • شتيرنر، ماكس، الأوحدُ وملكيّتُهُ، ترجمة وتعليق، عبد العزيز العيادي، منشورات الجمل، بغداد – بيروت، 2016.
  • نيتشه، فريدريش، في جنيالوجيا الأخلاق، ترجمة فتحي المسكيني، منشورات دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة – تونس، 2010.
  • نيتشه، فريدريش، هكذا تكلّم زارادشت، كتاب الجميع ولغير أحد، عن الألمانية، علي مصباح، منشورات الجمل، كولونيا – بغداد، ط1، 2007.
  • Berman, A, L’épreuve de l’étranger, Gallimard, Paris, 1984
  • Ricœur, P, La métaphore vive, Ed, Seuil, Paris, 1975.
  • Ricœur (Paul), sur la traduction, Paris Boyard 2004
  • Nietzsche, F, Ainsi Parler Zarathoustra, Gallimard, Paris, 1971.
  • Nietzsche, F, Par – delà bien et mal et la généalogie de la morale, trad., Cornélius Heim, Isabelle Hildenbrand et Jean Gratien, Paris, Gallimard, NRF, 1971, (Œuvres, Tome VII).

الهوامش :

[1] – ماكس شتيرنر، الأوحدُ وملكيّتُهُ، ترجمة وتعليق، عبدالعزيز العيادي، منشورات الجمل، بغداد – بيروت، 2016 ص.Max Stirner, Der Einzigeund sein Eigentum, 1844

[2]– من آثاره (ترجماته لـ”ساي” و”سميث” وتاريخ الرجعية، ومؤلفه الرئيس الأوحد وملكيته، ومقالين سجاليين: “النقودات الشتيرنية 1845، الرجعية الفلسفية 1847″، له محاولات منشورة في جريدة الراين لـ”ماركس” وفي المجلة البرلينية الشهرية لـ”بوهل”. هذه المقالات التي هي مسودات كتابه الكبير هي: مبدأ تربيتنا الخاطئ أو إنسانوية وواقعية 1842/ الفن والدين 1842/ عن الحب في الدولة 1844 هذا المقال الأخير، مجرد مسودة لعمل أهم ألغته الرقابة. لنضف إلى ذلك دراستين فلسفيتين حول أثرين كانا حينها شهيرين).

[3]-انظر، ماكس شتيرنر، الأوحدُ وملكيّتُهُ،(مصدر مذكور)، ص27

[4]– يوهان كاسبار شميدت، 1806- 1856تابع دروس – في فقه اللغة واللاهوت في أكاديمية برلين –هيغل وشلايرماخر”، كان يسمى ذات يوم ماكس شتيرنر، ينشر سنة 1944 الأوحد وملكيته ثم يختفي. الصخب القصير والعنيف الذي كانت أثارته صراحته العنيدة وجرأة نقده، خنقته الإشاعة المتنامية لأحداث 1848 التي تقترب، وعندما مات تفاجأ القلّة من معاصريه الذين مازالوا يتذكّرون عنوان كتابه بأن رحيل صاحبه لم يكن إلا منذ أمد قصير وهو يعاني البؤس والنسيان” (ص 6).

[5]– انظر، ماكس شتيرنر، الأوحدُ وملكيّتُهُ، مصدر مذكور، ص 139.

[6]– المصدر نفسه، ص 190.

[7]– المصدر نفسه، ص 202.

[8]– المصدر نفسه، ص 88.

[9]– المصدر نفسه، ص 91.

[10]– المصدر نفسه، ص 92.

[11]-الشاعر “جون هنري ماكاي” مؤلف رواية “فوضويون”، جمّع بعناية بالغة طيلة عشر سنوات، كل الوثائق والدلائل عن حياة ماكس شتيرنر، لكنه لم ينجح في إخراج “شتيرنر” من “عتمة فكره”. هذا “الرّسم” ما يزال مليئا بالنواقص، لحياة “يوهان كاسبار شميدت”، من جهة ما هو “حاضن” لألمانيا الأربعينات الحبلى بالأحلام والآمال، التي غذّتها مذاهب “هيغل” لكن التي لم تعد تكفيها الأسكولائية المتحجّرة للمعلّم، كانت ارتمت في المعمعة الفلسفية والاجتماعية التي كان يتوجب أن تنتهي إلى عواصف 1848 – 1949، وكانت تسارع للانضواء تحت راية الراديكالية والاشتراكية، أو كانت تناضل حول “برينو بوير”، “فيورباخ” واليسار الهيغلي، متخذة لها مركزا تجمّع من حوليات “هال” التي يديرها “ريج” وجريدة “الراين” التي يديرها الدكتور الشاب “كارل ماركس”. فوق هذا القاع المضطرب والمثقل بالتهديدات، حيث كل كتاب سلاح وحيث كل كلمة فعل وحيث يخرج الواحدُ من السجن ليغادر آخرُ إلى المنفى، نرى مرور الشبح الباهت والظل الزائل للمفكّر الكبير المنسيّ. (را، ماكس شتيرنر، الأوحدُ وملكيّتُهُ، – مصدر مذكور-، ص8).

[12]– المصدر نفسه، ص 30.

[13]– المصدر نفسه، ص39.

[14]– المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[15]– المصدر نفسه، ص 42.

[16]– المصدر نفسه، ص 120.

[17]– المصدر نفسه، ص 100.

[18]– المصدر نفسه، ص 123.

[19]– المصدر نفسه، ص 442.

[20]– المصدر نفسه، ص 457.

[21]– المصدر نفسه، ص 324.

[22]– المصدر نفسه، ص 142.

[23]– المصدر نفسه، ص 278.

[24]– المصدر نفسه، ص 245.

[25]– المصدر نفسه، ص 252.

[26]– المصدر نفسه، ص 320.

[27]– المصدر نفسه، ص 320.

[28]– المصدر نفسه، ص 325.

[29]– المصدر نفسه، ص 325.

[30]– المصدر نفسه، ص 206.

[31]– المصدر نفسه، ص 207.

[32]– المصدر نفسه، ص 210.

[33]– المصدر نفسه، ص 182.

[34]– المصدر نفسه، ص 81.

[35]– المصدر نفسه، ص 163.

[36]– المصدر نفسه، ص 213.

[37]– المصدر نفسه، ص 180.

[38]– المصدر نفسه، ص 318.

[39]– المصدر نفسه، ص 342.

[40]– المصدر نفسه، ص 398.

[41]– المصدر نفسه، ص 227.

[42]– المصدر نفسه، ص 230.

[43]– المصدر نفسه، ص 227.

[44]– المصدر نفسه، ص 229.

[45]– المصدر نفسه، ص 189.

[46]– المصدر نفسه، ص 190.

[47]– المصدر نفسه، ص 478.

[48]– المصدر نفسه، ص 484.

[49]– المصدر نفسه، ص 485.

[50]– المصدر نفسه، ص 424.

[51]– المصدر نفسه، ص 425.

[52]– المصدر نفسه، ص 425.

[53]– المصدر نفسه، ص 222.

[54]– المصدر نفسه، ص 223.

[55]-Nietzsche, F,Ainsi Parler Zarathoustra, Gallimard, Paris, 1971, p47.

[56] – كما أشار “روبار ركلار” 1899 في التوطئة الممتدة من ص 5 إلى ص 25

[57]– فريدريش نيتشه، هكذا تكلّم زارادشت، كتاب الجميع ولغير أحد، عن الألمانية، علي مصباح، منشورات الجمل، كولونيا – بغداد، ط1، 2007، ص 128.

[58]– المرجع نفسه، ص 128.

[59]– المرجع نفسه، ص 144.

[60]– المرجع نفسه، ص 260.

[61]– المرجع نفسه، ص 144..

ولنا أن نتساءل، ألا يتعارض الطرح الذي يؤكد أن نيتشه يكتب من داخل “إطار مشرقي”- ما دام هو يجتهد أن يجعل من “هكذا تكلّم زرادشت” إنجيلا جديدا أو خامسا أو إنجيلا معاكسا – مع ذلك التقسيم بين “اليونلني” و”العبراني”، والذي يجعل من نيتشه ليس هو كيركغارد. فقد ذهب بول ريكور، وهو يتحدث عن أن المحايد هو أكثر كلاما من الشخص وحيث الملكة لها ملامح المصير، أن هذه الأنطولوجيا صادرة عن مدرسة أشد عناية باليونانيين منها بالعبريّين وبـ”بنيتشه” منه بـ”كيركغارد”. إذ الـ”الميتافيزيقا”- وهذا ادعاء غير مقبول حسبه – تضع نهاية لتاريخ الوجود كما لو أن الوجود يختفي.

(را، بول ريكور، الاستعارة الحية، ترجمه وقدم له محمد الولي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ظ1، 2016، ص 482.

Ricœur, P, La métaphore vive, Ed, Seuil, Paris, 1975).

[62]– انظر، فريديريك نيتشه، في جنيالوجيا الأخلاق، ترجمة فتحي المسكيني، منشورات دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة – تونس، 2010، ص 96.

Nietzsche, F, Par – delà bien et mal et la généalogie de la morale, trad., Cornélius Heim, Isabelle Hildenbrand et Jean Gratien, Paris, Gallimard, NRF, 1971, (Œuvres, Tome VII).

[63]-انظر، فريدريش نيتشه، هكذا تكلّم زارادشت، كتاب الجميع ولغير أحد، (مرجع مذكور)، ص 15 (را، توطئة المترجم).

هو الذي أراد أن يجعل من “هكذا تكلّم زرادشت” إنجيلا جديدا أو خامسا أو إنجيلا معاكسا، نقض للأناجيل، في كتاب يتكلم لغة تلك الأناجيل (را، التوطئة ص 14).

ولنقرأ ما يرد في الرسالة التي حررها إلى الناشر “أرنست شمايتسنز” في 13 فيفري 1883- حضرة السيد الناشر المحترم: إن لدي اليوم خبرا جميلا أزفه إليكم (…) يتعلق الأمر بمؤلف صغير (…) مقطوعة شعرية أو إنجيل خامس –

وفي أفريل من نفس السنة، يكتب نيتشه إلى صديقته “مالفيلدا فون مايزنبرغ”: إنه قصة رائعة لقد تحديت كل الديانات ووضعت كتابا مقدسا جديدا- (را، ص 15).

[64]– انظر، فريدريش نيتشه، هكذا تكلّم زارادشت، كتاب الجميع ولغير أحد، (المرجع نفسه)، ص 16 (را، توطئة المترجم).

[65]– انظر، بيتر سلوترداك، الإنجيل الخامس لنيتشه، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل، كولونيا – بغداد، 2003. (وكان صدوره بمناسبة مرور مائة عام على وفاة الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه).

[66]-Berman, A, L’épreuve de l’étranger, Gallimard, Paris, 1984.

[67]-Ricœur (Paul),sur la traduction, Paris Boyard 2004, P18          –

مقالات أخرى

ماجد الغرباوي : سلطة الفقيه والتشريع وفق منهج مقتضيات الحكمة

بيداغوجيا البرهان في فضاء الثورة الرقمية

ثوابت العدوان في العقيدة الصهيونية

1 تعليق

نجلاء حسن علي مفرح 4 أغسطس، 2021 - 12:47 ص
من رأيي ان السياسه والدين تؤثر على حياة الانسان، فالدين له اهميه كبيره في حياة الانسان وله ايجابياته وسلبياته، فمن ايجابياته: فهو الطريق المستقيم الذي يجد الإنسان من خلاله ضالته المنشودة لمن يبحث عن الطريق المستقيم، فقد استطاع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- برسالته التي أدّاها إخراج الناس من غياهب الضلال والمعصية إلى نور الهداية، كما أنّ الدين جاء لتنظيم جميع جوانب الحياة، كعلاقة الإنسان بربه، وعلاقته مع الآخرين، حتى إنّ الدين لم يُغفل علاقة الإنسان بنفسه، ووضع من القوانين ما يكفل للإنسان الحياة الآمنة المستقرّة، فقد نظّم قواعد البيع والشراء، وقواعد الحياة الأسرية. ومن سلبياته: يمثل الدين سيفًا ذا حدين، إذ عُثر على رابط بين المعتقدات الدينية السلبية -كالتي تقول إن الله يعاقبنا أو يتخلى عنا- وأضرار ملحوظة على أصحابها، متضمنةً ارتفاع معدلات الاكتئاب وتدهور نوعية الحياة.اما السياسه ف تأتي أهمية السياسة من كونها المؤثر بحياة الدول منذ نشأتها , و الإنسان منذ ولادته و حتى وفاته . فكل ما يتعلق بحياة الإنسان يسيس أو تشرف عليه السلطة السياسية . حتى غدت هذه الأخيرة تتدخل بجميع مفاصل الحياة البعيدة كل البعد عن السياسة و معتركاتها
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد