نظرية القياس في المنطق الهندي في ضوء المنطق الرمزي الحديث

تقديم: –

 شهدت معظم كتابات مؤرخي المنطق في أواخر القرن التاسع عشر اهتماماً كبيراً بالمنطق الهندي؛ إذ أدرك هؤلاء المؤرخون أن الهنود القدماء، قد قدموا أفكاراً منطقية لا تقل أصالة عما قدمه “أرسطو” في نظريته المنطقية، وأنه إذا كان المنطق الأرسطي قد تمثلته أوربا الغربية والشرقية، ومناطقة العرب والمسيحية فيما بعد؛ فإن المنطق الهندي قد انتشر في الصين واليابان ومنغوليا وسيلان وإندونيسيا ([i]).

  ومن أهم تلك الأفكار على سبيل المثال لا الحصر: مبدأ الاستدلال، حيث عرف الهنود الاستدلال من خلال الكلمة السنسكريتية Anumana والتي تعنى الانتقال من قضية إلى قضية أخرى تلزم عنها بمقتضى القواعد والقوانين المنطقية؛ وتسمى القضية التي نبدأ منها بالمقدمة، وتسمى القضية اللازمة عنها بالنتيجة. وهذا الانتقال إما أن يكون من العام إلى الخاص أو من العام إلى العام، وهذا ما يسمى بالاستنباط وهو مباشر وغير مباشر، ويشتمل غير المباشر منه على القياس الذي ننتقل من خلاله من قضايا مسلم بها إلى قضية أخرى، صدقها يلزم بالضرورة عن صدق القضايا المسلم بها، وهو يطلق عليه في اللغة السنسكريتية Nyaya، وهـو انتقـال من العـام إلـى الخـاص. وإمـا أن ينتــقل الاستـدلال من نفـى المقـدمـة كمبــدأ عـام أو فـرض إلـى نتيجة جزئية غير مقبولة أو مستحيلة مما يبرهن على صدق المقدمة. وهذا ما يسمى في اللغة السنسكريتية Tarka، أي برهان الخلف أو الرد إلى المستحيل أو الدحض أو التفنيد بالخلف.

 وثمة نقطة أخرى نود أن نشير إليها في مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي، وهى أن هذا المبدأ لم ينبثق فجأة وبدون مقدمات، وإنما تطور عبر تاريخ المنطق الهندي من مرحلة الممارسة العفوية التلقائية إلى مرحلة الصياغة النظرية، مما أثار لدى بعض مؤرخي المنطق هذا السؤال ([ii]): هل مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي تطور بنفس الصورة التي تطورت بها نظرية القياس الأرسطية؟ وإذا كان هذا صحيحاً فهل أثرت نظرية القياس الأرسطية في تطور مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي؟ أم أن مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي تطور تطوراً طبيعياً وبدون أي مؤثرات خارجية؟

  لكل ما سبق عقدت العزم على القيام ببحث مستقل موضوعه ” نظرية القياس في المنطق الهندي في ضوء المنطق الرمزي الحديث

 “، أحاول أن أعالج هذا الموضوع في معظم وأهم جوانبه وأبعاده، وفى هذا ما قد يسد بعض الفراغ في المكتبة العربية الفلسفية خاصة بهذا الموضوع.

  على أننا في معالجتنا لموضوع بحثنا هذا، نؤثر انتهاج المنهج التاريخي التحليلي المقارن، من حيث يعتبر في نظرنا على أقل تقدير أنسب المناهج وأشدها ملاءمة لطبيعة الموضوع وغايات البحث.

  وأود قبل أن أشرع في عرض تطور مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي، أن أعرض باختصار لنشأة هذا المنطق وتطوره حتى نستطيع أن نفهم كيف تطور مبدأ الاستدلال بعد ذلك

أولاً: نشأة المنطق الهندي:

 إذا ما تتبعنا نشأة المنطق الصوري في بلاد الهند، نجد أن هذا المنطق كما يذكر”بوشنسكى” قد تطور كما تطور في اليونان من منهجية النقاش والمحاورة ([iii]) ؛ وقد تطورت هذه المنهجية وأصبح لها تنظيمها المحكم في القرن الثاني بعد الميلاد، وذلك من خلال كتاب ” النيايا سوترا” Nyaya Sutra، الذي ألفه شخص يدعى ” اكسبادا جوتاما ” Aksapada Gautama ،  وذلك نحو 150 م ([iv]).

  والمتتبع للآثار المنطقية عند المفكرين السابقين على ” جو تاما ” يصطدم بعقبة أساسية ،  وهى عدم وصول مؤلفات هؤلاء المفكرين في جملتها إلينا،  باستثناء ما رواه ونقله المؤرخون عنهم من شذرات وفقرات. ولذلك نضطر إلى الأخذ بهذا الافتراض الذي أكده بعض أساتذتنا المعاصرين ([v]) ؛ والذي مؤداه أن هناك مستويين للمعرفة: المستوى الضمني والمستوى الصريح الواضح. فالطفل أو الرجل الأمي – على سبيل المثال ـ يستطيع كلاهما أن يستخدم لغة قومه استخداماً صحيحاً نسبياً وبدون حاجة إلى تعلم قواعد النحو الخاصة بهذه اللغة أو بتلك. ولو سألنا أياً منهما أن يبرر استخدامه الصحيح للغته ؛ أي لو طلبنا منه أن يستخرج قواعد اللغة التي يتحدث بها ،  وأن يصوغها صياغة نظرية ،  لما كان هذا في إمكانه. والسبب في ذلك أننا ننقله في هذه الحالة من مستوى الممارسة اليومية للغة إلى مستوى الصياغة النظرية لقواعدها. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن المنطق ،  فالمنطق بوصفه علماً يفترض ـ مسبقاً ـ المنطق كممارسة يومية تلقائية ،  شأنه في ذلك شأن النحو الذي يفترض المقدرة على الاستخدام المسبق للغة ([vi]).

 ولقد أخذت مرحلة الممارسة العفوية التلقائية للتفكير المنطقي في الفكر الهندي السابق على جوتاما في القرن الثاني للميلاد صورا ًعدة نجملها فيما يلي:

  • الفكر الجدلي الفلسفي الذي انبثق في القرن الخامس قبل الميلاد، من ممارسة الجدليات بشكل واع، وإن لم تكن قد وضعت بعد قواعد نظرية لعلم الجدل. وقد تم ذلك كما يؤكد المؤرخ الهندي ” فيديابهاسونا” ؛ في الكتاب بـ” الانفيكسيكا Anviksiki ” والذي وصلتنا بعض شذرات وفقرات قليلة منه، والذي ينسب إلى شخص يدعى “ميدهانتهاى جوتاما “Medhatithi Gautama، وذلك حوالي سنة 550 قبل الميلاد ؛حيث كان يطلق على المنطق اسم Sastra or vidya أي الجدل أو المناقشة ([vii]).
  • الفكر الجدلي كما تمثل في أوائل القرن الأول للميلاد، حيث أسهمت المجادلات الفلسفية التي كان يدافع ممثلو الـ” كاراكا سمهيتا Caraka smhita ” من خلالها عن المفاهيم الخاصة بنظرية الفن الخطابي، ويقدمون حججاً ضد آراء خصومهم البراهمانيين، وذلك من خلال ما أطلقوا عليه Sthapana and pratisthapana، والتي تترجم في الإنجليزية إلى Demonstrations and Counter Demonstrations، أي البراهين والبراهين المضادة، إسهاماً كبيراً في إعداد العقلية الهندية وتهيئتها لاستقبال مبدأ الاستدلال ([viii]).
  • بلغت مرحلة الممارسة العفوية التلقائية لعلم المنطق في نهاية القرن الأول من الميلاد في كتاب”الفايشيكا سوترا aiscika Sutra ([ix]) ، على يدي الفيلسوف “كانادا” Kanada، حيث احتوى هذا الكتاب لي أفكار منطقية أكيدة استفاد منها صاحب “الـ” نيايا سوترا ” ” في القواعد النظرية لعلم الجدل (المقولات الست عشرة) ([x]).

  ويمثل كتاب “الـنيايا سوترا ” الذي طبع في أواخر القرن الثاني للميلاد أول بداية للمنطق الصوري بمعناه الحقيقي، حيث أن كلمة Nyaya معناها المنطق الذي يعنى القاعدة والمعيار والقانون- هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى معناها “القياس ” ؛ أي المقدمات العقلية التي تقود المرء إلى نتيجة ([xi]).

  ويفصح صاحب ” الـ ” نيايا سوترا “” عن غايته في الكتاب فيقول كما يقول كل مفكري الهند أنها تحقيق النرفانا أو الخلاص من طغيان الشهوات، وإنما تتحقق هذه الغاية في مجال المنطق بالتفكير الواضح الذي يقوم بين المتناظرين من فلاسفة الهنود، فهو يصوغ لهم مبادئ الحجاج، ويفرض عليهم أحابيل النقاش ويحصر المغالطات الشائعة في التفكير، وتراه وكأنما هو أرسطو آخر يلتمس بناء التدليل العقلي في طريقة القياس ويجد عقدة كل تدليل في الحد الأوسط من حدود القياس ([xii]).

 وقد أوضح جوتاما ذلك من خلال الصياغة النظرية التي قدمها لقواعد الجدل ،  والتي تمثلت في حديثه عن نظام المقولات الست عشرة ؛ حيث يؤكد أنه يجب على المتناظرين اختبار سلاحيهما، أي معرفتهما بقانون المنطق ( وهذه هي المقولة الأولى وتسمى Pramana )، ثم يجب عليهما أن ينظرا في موضوع المناقشة ( المقولة الثانية وتسمى prameya)، وبعد ذلك ينازع أحد المتجادلين في القضية المقدمة من خصمه ( المقولة الثالثة وتسمى Samsaya ). ويجب أن تكون تلك المنازعة مسببة (المقولة الرابعة وتسمى Prayojana). وفى بداية المجادلة يقع الاختيار على مثال باعتباره مرجعاً، ويتفق المتجادلان على ما يسلمان به مقدماً بوصفه ثابتاً (المقولة الخامسة وتسمى Drstanta )، وبعد ذلك تصاغ الدعوى التي تشكل موضوع المناقشة (المقولة السادسة Siddhanta ).ثم يقدم أحد المتجادلين برهاناً على قضية ما مراعيا القواعد كلها (المقولة السابعة وتسمىAvayava وهى تشمل عناصر القياس ذي القضايا) ويدحض القضية المضادة مشيراً إلى أنها تؤدى إلى نتائج ممتنعة أو مستحيلة (المقولة الثامنة وتسمى Tarka)، وحينئذ يتم الوصول إلى الحقيقة المبرهنة(المقولة التاسعة وتسمىNirnaya ). وتستكمل هذه المقولات بتسع أخرى بقائمة من الأخطاء التي تواجه في مسار المباراة أو المناظرة الشفوية، وهى تختلف عن المناظرة العلمية(المقولة العاشرة وتسمى Vade) ،  في أنها تنطلق من انفعال بسيط في المناظرة، ولا تضع أمام نفسها إلا تخطئة الخصم ( المقولة الحادية و الثانية عشر وتسمى Jalpa ، Vitanda ). والمقولات الأخرى التالية تشكل قائمة البراهين الفاسدة (وتسمى على التوالي Hetvabhasa ،  Chala ،  Jati ،  Nigrahasthana) ([xiii]).

  وتكشف هذه المناقشات عن مدى تقدم المحاورات الهندية والتزامها بمنهجية صارمة ،  الأمر الذي كان مفتقداً في محاورات أفلاطون.

  وأقدم مخطوطات منطق ” الـ”نيايا سوترا”” هو ديوان يضم خمسمائة وثماني وثلاثون قولاً لجوتاما في خمسة أسفار. وينقسم السفر الأول إلى جزأين ؛ احدهما يعرض نظرية المقولات الرئيسة التسع، والثاني يعرض المقولات السبع المكملة. والسفر الأول يقدم لنا لوحة مكتملة لقانون المنطق ولفن المناقشة، وتنمى الأسفار التالية مضمون السفر الأول للمفاهيم الأخرى حول تلك النقاط الأساسية للمذهب ([xiv]).

 وبالطريقة نفسها التي جعل “أرسطو” نظرياته الفلسفية مسبوقة بالمنطق بوصفه آلة للفكر، وضعت مدرسة ” الـ”نيايا سوترا “” نظريتها في وسائل المعرفة قبل عرضها لنظريتها الأساسية (2).

 وقد حظي كتاب ” الـ”نيايا سوترا”” اهتماماً منقطع النظير، حيث قامت بعد ذلك أجيال من الحكماء والدارسين على اختلاف المدارس التي تنتمي إليها، حيث قام هؤلاء بين الفينة والفينة بكتابة شـروح له، وتعليقات عليه وتطويره ونقده أحـياناً، كما قـامت مناظرات بين المدارس البوذية (3)([xv]

 والبراهمانيين ([xvi]). والجينيين ([xvii]). وكان المنطق يحظى باهتمام بالغ في هذه المعسكرات الثلاث، ومن أهم المناطقة: النيايايكاس Naiyayikas (شراح الـ”نيايا سوترا” ويقابلون شراح أرسطو ): فاتسيايانا Vatsyayana( القرن الخامس إلى السادس الميلادي ) واوديوتاكارا (القرن السابع الميلادى)، وفا كسباتى ميرزا Vacaspti Misra (القرن العاشر الميلادي )، وجاينتا Jayanta (القرن العاشر إلى الحادي عشر الميلادي). وفى الميماسكاس Mimamsakas ([xviii]): كوماريلا Kumarila  ( حوالي القرن السابع الميلادي ). وفى الفايشيكا([xix]): براساستابادا Prasastapada (حوالى القرن الثامن الميلادي).

 ومنذ القرن السابع الميلادي شهد المنطق الهندي فترة ” النافيا نيايا “، وقد أعطى لهذه المدرسة شخصيتها المميزة الكتاب الذي ألفه ديجناجا ،  ويسمى براماناسموكايا Pramanasamuccaya ([xx]) ،  ثم تطورت هذه المدرسة وأصبح لها شأناً عظيم على يدى” ذرا ماكيرتى” Dharmakir؛ ثم تلميذه ذراموتار Dharmottara ؛ وعلى أيدي هؤلاء كما يقول “بوشنسكى” ،  تبلور المنطق الصوري وأضحى راسخاً،  وإن كان يبدو في بعض الأحيان بدائياً ساذجاً بالقياس للمنطق الغربي([xxi]).

  ومن ناحية أخرى فقد شهد القرن الرابع عشر فترة ” النافيا نيايا” أي النيايا الجديدة، وقد أعطى لهذه المدرسة حتى أصبحت على حد تعبير “بوشنسكى” تشبه الاسكولائية المسيحية في القرن الرابع عشر الميلاد مع اختلاف التوجهات بين كل منهما ([xxii]).

 وأشهر مناطقة هذه الفترة الذين لا حصر لهم: جاياديفا Jayadeva (القرن الخامس عشر الميلادي ) وراجوناثا Ragunatha (القرن السادس عشر الميلادى)، وماثوراناثا Mathuranatha ( القرن السابع عشر الميلادي)، وكذلك انامباتا Annambhatta الذى ألف مختصر في المنطق كتاب يشبه كتاب وليم أوكام Summulae Logicales ([xxiii]).

 وفى الوقت الحاضر، تدهورت الدراسات المنطقية، حيث أضحت الأبحاث التي تتناول المنطق في الهند في الوقت الراهن، تشبه تلك الأبحاث التي تتناول المنطق الاسكولائى في الغرب ،  ومعظم نصوص المنطق الهندي لم تنشر حتى الآن ،  وكثير منها وخصوصاً الذي ينتمي إلى البوذية متوفر باللغة التبتية أو الصينية فقط ،  وكثير من تلك النصوص قد فقد. ولكن نشر هذه النصوص كما يذكر ” بوشنسكى”لن يؤتى ثمرة واضحة،  بعكس حالة المنطق الاسكولائى،  وذلك لضرورة الدراسة اللغوية المتخصصة ،  حتى تسهل قراءة أصول هذه النصوص،  بينما لا يهتم من لديهم المعرفة باللغة الهندية بدراسة المنطق بشكل منهجي منظم. والوضع بالنسبة للترجمة أسوأ من وضع النشر ،  فلم يترجم من تلك النصوص إلا أقل القليل ترجمة كاملة ،  وإن كانت هناك أجزاء من تلك النصوص قد ترجمت إلى بعض لغات الغرب ،  إلا أن نصوصا كثيرة لم تقربها يد المترجمين([xxiv]).

أولاً: المنطق الهندي بين التبعية والأصالة:

 بعد هذا العرض الموجز لنشأة المنطق الهندي، نود أن نتساءل: هل تأثر المناطقة الهنود في أبحاثهم بالمنطق الأرسطي أم لا؟

 ذهب بعض الباحثين الغربيين إلى القول بأن المناطقة الهنود لم يقدموا، ولم يكن بمقدورهم أن يقدموا، فكراً منطقياً خاصاً بهم، بحيث يمكن تسميته بالمنطق الهندي، ومن ثم فإن كل ما لديهم من مذاهب وآراء وأفكار ونظريات منطقية ليست في حقيقتها إلا أشباها ونظائر مستمدة من المنطق الأرسطي ،  فلم يأتوا بشيء جديد يذكر ،  وإنما رددوا وقلدوا أفكار وآراء أرسطو. وبالتالي فإن كل ما لدى مناطقة الهنود هو تقليد ومحاكاة وشرح للمنطق الأرسطي ،  بل هو ترجمة سنسكريتية لهذا المنطق لا أكثر. وذهب بعض هؤلاء الباحثين إلى أبعد من ذلك فزعموا أن مناطقة الهند القدماء قد عجزوا عن فهم حقيقة وأفكار أرسطو المنطقية مما أدى إلى تشويه هذه الحقيقة ،  فضلا عن عجزهم عن إنتاج أي فكر منطقي يدل على أصالة وابتكار.

 ومن أوائل الغربيين الذين أطلقوا هذه الدعوى وروجوا لها المفكر الإنجليزي ” كوليبروك Celebrooke ” فقد ذهب في بحثه عن فلسفة الهندوس ” إلى أن الهنود لم يقدموا ولم يقوموا إلا بشرحهم لمنطق أرسطو” ،  وراح كوليبروك يتابع ويدعم دعواه فقال:” إن المناطقة الهنود لم يصنعوا شيئا سوى أنهم تلقوا جملة المعارف المنطقية الأرسطية التي كانت سائدة في ذلك الوقت من خلال المدرسة الفارسية (جند سابور) ومدرسة الإسكندرية ” ([xxv]).

 ويتابع المفكر الألماني أ. هـ. ريتر A. H. Ritter مقالات كوليبروك ويدعمها بقوله ” لم يكن للمنطق الهندي قبل اتصاله بالمنطق الأرسطي أي قيمة تذكر ،  فقد كان بدائيا ساذجاً “([xxvi]).

 وإلى قريب من هذا ذهب المفكر النمساوي هـ. هـ برايس H. H. Price حيث قال: ” إنه لا ينبغي أن نتوقع أن نجد لدى الهنود تلك العبقرية الخارقة في المنطق، ومن ثم يجب علينا النظر إليهم باعتبارهم شراح وتلاميذ مخلصين للمنطق الأرسطي الذى حافظوا عليه بعضهم وشوهوه البعض الآخر” ([xxvii]).

  ويذكر المؤرخ المنطقي “أنطون ديمتريو” Anton Dumitriu أن هناك دراسات وبحوث ،  قد أكدت على أن نشأة المنطق الهندي لم تكن نشأة هندية خالصة، وإنما كانت يونانية إلى حد كبير، ويتضح هذا جلياً لدى العالم الفرنسي ” E. Goblet d`Alviella “،  وذلك في كتابه ” Ce que l`Inde doit a la Grece ؛ أي – هذا ما تدين له الهند لليونان وقد طبع هذ الكتاب في Paris سنة 1926([xxviii]).

  ولم يستطع مؤرخ المنطق الهندي Vidyabhusana أن يتحرر من هذا التملق الفكري للغرب ممثلاً في المنطق الأرسطي، فقد ذهب في مقال له بعنوان ” أثر أرسطو في تطور نظرية القياس في المنطق الهندي “Influence of Aristotle on The Development of The Syllogism in Indian Logic ” وهذا المقال نشره لأول مرة بـ The Journal of Asiatic society of Great Britain and Ireland، ثم أعاد نشره في كتابه “تاريخ المنطق الهندي، ملحق B ” ؛ وفى هذا المقال يزعم “فيديابهاسونا” أن المنطق الأرسطي الذى أضطلع” أندرونيكوس الرودوسى” بنشره ضمن كتابات أرسطو الأخرى في القرن الأول الميلادي، قد انتقل إلى مكتبة الإسكندرية عن طريق ” كاليماخوس Callimachus ” الذي كان أميناً لمكتبة الإسكندرية، ومنها وصلت كتابات أرسطو المنطقية إلى الهند عن طريق “سوريا Syria ” و ” سوسيانا (فارس) Susiana ” و ” باكترا Bactria ” و ” تاكسيلا Taxila ” في ثلاث فترات ([xxix]): –

  • الفترة الأولى، وقد امتدت من 175 قبل الميلاد إلى 30 قبل الميلاد، وذلك حين احتل اليونانيون الأجزاء الشمالية والغربية للهند وجعلوا عاصمتها “ساكالا Sakala “، وهى إحدى مدن البنجاب Punjab ، ومن أهم أعمال أرسطو التي وجدت طريقها إلى الهند في تلك المرحلة هو كتاب “الخطابة” Rhetoric الذي ساهم بدور فعال في صياغة القياس الهندي ذي القضايا الخمس.
  • الفترة الثانية، وقد امتدت من 39 قبل الميلاد إلى 450 بعد الميلاد، وذلك حين كان الأساتذة الرومان في الإسكندرية وسوريا وفارس على اتصال بالهند من خلال الطلاب الهنود الذين جاءوا لطلب العلم والثقافة اليونانية ، وقد تمكن هؤلاء الطلاب من نقل معظم كتب المنطق الأرسطي إلى الهند، ومن أهم أعمال أرسطو التي وجدت طريقها إلى الهند ؛ كتاب التحليلات الأولى، وكتاب التحليلات الثانية، وبعض أجزاء من كتاب العبارة، وقد قرأ تلك الكتابات كل من جوتاما اكسباندا وناجورجونا وفاسوباندا وديجناجا وذراماكيرتى.
  • الفترة الثالثة، وقد امتدت منذ 45 ميلادية إلى 600 ميلادية، وفيها انتقلت كل كتابات أرسطو المنطقية إلى الهند عن طريق المدارس الفارسية السريانية ، وبالأخص مدرسة “جند سابور” Gundeshapour التي تأسست في سنة350م.
  • ثم يؤكد ” فيديابهاسونا ” بعد ذلك الأثر الأرسطي في تطور نظرية القياس في المنطق الهندي، فيقول: ” ولكي أثبت أن هناك أثراً أرسطياً على القياس الهندي، فإنني أود أن أشير إلى أن المنطق الهندي قد عالج ثلاثة موضوعات قبيل القرن الثاني للميلاد: الموضوع الأول، وهو فن المناقشة أو المناظرة. والموضوع الثاني، هو سبل المعرفة الفعالة، ويسمى Pranava، ويشتمل الموضوع الثاني على الاتجاهات التي تتماشى مع النظام الديني والاجتماعي الهندوسي والبوذي والجيني. والموضوع الثالث، ويدور حول دراسة المبادئ الفلسفية التي كان يتم اقتراحها من وقت لآخر قبيل القرن الثاني للميلاد. والموضوع الرابع والأخير، ويدور حول هو مبدأ القياس. والموضوع الأول والثاني والثالث من إبداع الهنود. أما الموضوع الرابع فقد انبثق خلال القرن الأول للميلاد نتيجة التأثر بنظرية القياس الأرسطية ؛ ولكي أوضح ذلك فإنني سأقوم بتحليل مبدأ القياس في المنطق الهندي والمنطق الأرسطي جنباً إلى جنب طبقاً للقواعد التي تحكمهما ” ([xxx]).

 ثم يقدم لنا “فيديابهاسونا” في تحليله لمبدأ القياس نماذجاً مختارة من المناطقة الهنود الذين تأثروا بالقياس الأرسطي في دراساتهم لمبدأ الاستدلال، وذلك على النحو التالي:

1- يرى ” فيديابهاسونا” أن دعاة الـ “Caraka Samhita ” قد استعاروا كثيراً من المفاهيم المنطقية الأرسطية،وبالذات من كتاب “الخطابة”، ويبدوا ذلك واضحاً في حديثهم عن البراهين والبراهين المضادة ([xxxi]).

  • يؤكد ” فيديابهاسونا ” أن “جوتاما أكسباندا ” قد ذكر في كتابه: الـ ” نيايا سوترا ” قياساً يتكون من خمس قضايا وصيغة هذا القياس تكون على النحو التالي:

أ-الدعوى المثبتة ( ” هذ التل يوجد به نار” ).

ب-الأساس العقلي ( ” لأنه يوجد به دخان ” ).

ج-المثال ( ” حيث يوجد دخان توجد نار كما في المطبخ لا كما في البحيرة على سبيل” ).

د-التطبيق على الحالة المعطاة (” وهذا التل ينبعث منه دخان كالذي يصاحب النار باستمرار”).

هـ- النتيجة ( ” إذن هذا التل يوجد به نار” ).

  يزعم ” فيديابهاسونا ” أن هذا القياس هو قياس مستعار من أرسطو، حيث تناظر القضية الثالثة من هذا القياس المقدمة الكبرى في القياس الأرسطي، كما تناظر المقدمة الثانية والمقدمة الرابعة، المقدمة الصغرى، وتناظر المقدمة الأولى والمقدمة الخامسة، النتيجة في القياس ([xxxii]).

3-يرى ” فيديابهاسونا ” أن “ناجورجونا” و “فاسوباندو” و ” ديجناجا ” قد استعاروا الكثير من الأفكار الأرسطية ، ويبدو هذا واضحاً في دراستهم للقياس المنطقي، حيث يؤكد ” فيديابهاسونا ” أنهم سعوا إلى اختصار القياس ذي القضايا الخمس إلى قياس ذي ثلاث قضايا، حيث اعتبروا أن وجود ثلاث قضايا في القياس ضرورياً وكافياً لاستدلال حقيقي، وذلك بعد قراءتهم العميقة للتحليلات الأولى لأرسطو([xxxiii]).

  • يرى “فيديابهاسونا” أن عالم المنطق البوذي “ذراماكيرتى”، قد اعتبر أن وجود قضيتين ضروري فقط في القياس، حيث أن النتيجة مفهومة ضمناً في المقدمتين، وأن من الممكن ألا تعبر عنها باللفظ. وعلى سبيل المثال يكفى أن نقول “حيث لا توجد نار لا يوجد دخان، وفى هذا المكان يوجد دخان “. وهكذا ليست هناك أية حاجة للتعبير عن النتيجة نفسها (نتيجة لذلك في هذا المكان توجد نار ). فالقياس ذو القضيتين عند ذراماكيرتى كما يؤكد فيديابهاسونا هو بعينه ما يسميه أرسطو القياس المضمر (انتوميما) من الدرجة الثالثة ([xxxiv]).

  وقد أثارت أقوال ” فيديابهاسونا ” ردود فعل واسعة النطاق بين معظم مؤرخي المنطق الهندي ؛ فنجد مثلاً على سبيل المثال لا الحصر أن المفكر المنطقي الهندي “بريمل كريشنا ماتيلال” Bimal Krishna Matilal يرفض بشدة ما ذهب إليه ” فيديابهاسونا ” في فكرة الأثر الأرسطي في تطور نظرية القياس في المنطق الهندي، وقال أنها فكرة مستحيلة، وأنه لم يحدث قط لا من قريب أو من بعيد أن فيلسوفاً واحداً من فلاسفة المنطق الهندي قد عرف المنطق الأرسطي، كما أن أعمال أرسطو المنطقية لم تترجم على الأطلاق إلى اللغة الهندية سواء إلى اللغة السنسكريتية Sanskrit أو اللغة البوذية Pali أو اللغة الهندية الحديثة Prakrit في ذلك الوقت ؛ كما أنه حتى في النصوص الفلسفية أو الدينية أو الأخلاقية نادراً ما نسمع عن فلسفة أو فيلسوف يوناني “. ويستطرد “ماتيلال” فيقول ” إننا لا ننكر أن المناطقة الهنود في معالجتهم لمبدأ الاستدلال قد توصلوا إلى أفكار تشبه إلى حد قريب ما عالجه أرسطو في التحليلات الأولى ؛ وهذه الألفة وإن كنت أنظر إليها على أنها ألفة غير مريحة Uncomfortable Affinity ؛ إلا أنها لم تكن وليدة التأثير الأرسطي ([xxxv]).

  وإلى قريب من هذا الرأي، ذهب المفكر الإنجليزي “أرثر برايدل كيث” Arthur Berriedale Keith، حيث قال: ” إن مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي وخاصة في مراحله الأولى قد نما نمواً أصيلاً بدون أي مؤثرات أرسطية.أما ديحناجا الذى بدأت القاعدة المنطقية للقياس تتضح على يديه فيشتبه أن هناك أصول يونانية لديه، ولكن حتى هذه الأصول لم تتضح بعد ” ([xxxvi]).

 ومن ناحية أخرى، يذهب المؤرخ المنطقي الألماني ” بوشنسكى” إلى أن المنطق الهندي قد تطور تطوراً طبيعياً بعيداً عن أي مؤثرات أرسطية، ويتضح هذا من المقارنة التي أجراها بينه وبين المنطق الأرسطى،حيث يقول: ” العلاقة بين أفلاطون وأرسطو في المنطق اليوناني تماثل العلاقة بين الـ”نيايا سوترا” وذراماكيرتى في المنطق الهندي، باستثناء أن الـ”نيايا سوترا” ليست فيها فكرة القانون أو الصياغة النظرية التي فتح بها أفلاطون الباب لنشأة المنطق الغربي. وهذه الفكرة هي التي تسببت في سرعة ظهور الصيغة المنطقية في الغرب. لكن في الهند تطور المنطق تطوراً بطيئاً خلال قرون عديدة تحت عباءة المنهجية. ولكن هذا التطور التدريجي الطبيعي هو الذي يجعل المنطق الهندي مهماً من الناحية التاريخية، ومع قلة معرفتنا بهذا التطور، إلا أننا نستطيع الوقوف على أهم مراحله. ترتيب هذه المراحل ليس واضحاً كل الوضوح ولكن حدوث هذه المراحل وأحياناً العلاقة الزمنية بينها أمر يكاد يكون مؤكداً ” ([xxxvii]).

 وانطلاقاً من ذلك يمكننا القول بأن مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي قد تطور تطوراً طبيعياً بعيداً عن أي مؤثرات أرسطية أو غير أرسطية، ويتضح هذا من خلال الخطوات التالية:

  • الخطوة الأولى: وفيها تم تأسيس قاعدة القياس الصورية على أساس إعطاء الأمثلة، وذلك من خلال النيا يا سوترا.
  • الخطوة الثانية: وفيها طور “ديجناجا” هذه القاعدة إلى قاعدة قياسية صورية أطلق عليها ” الترييروبيا Trairupya ” ومعناها “عجلة الأسباب Wheel of reason.
  • الخطوة الثالثة: وفيها طور ذراماكيرتى التمثيل تطوراً جذرياً من مجرد عرض الأمثلة إلى مقدمة عامة.
  • الخطوة الرابعة: وفيها تم اختصار قضايا القيا س إلى ثلاث قضايا. كما ظهر التمييز بين استدلال عن طريق الشخص نفسه Inference For One’s Self واستدلال عن طريق الآخرين Inference For The Sake of Others.
  • الخطوة الخامسة: وفيها ظهر مفهوم القانون العام، وقد كان له معنيان: الأول هو ” لا يحدث في أي مكان أو سياق آخر ” الذى نجده في المصطلح الجينى Anyathanupapannatva، والثاني هو “الشيوع الذى نجده في المصطلح البوذيVyapti. استخدم المصطلحان في القرن السابع، ولكن كانت هناك مقدمات لظهورهما لدى ” براساستابادا ” و” ديجناجا “. ومن فقد وصل المنطق الهندي إلى مستوى المنطق الصوري عندما ظهر فيه مفهوم القانون العام. كما واصل مناطقة النافيا نيايا استخدام الأمثلة، وذلك لمجرد أغراض التوصيل والتواصل. أما الصيغة القياسية فلم تكن تحتاج إلى أمثلة، بعد أن تطورت واتضحت، وأصبحت كلمة “مثال” تشير إلى مجرد علاقة كونية عامة.

  ويمكن أن نفصل تلك الخطوات، على النحو التالي:

 منهجية المناطقة الهنود في تطور نظرية القياس:

أولاً: الخطوة الأولى:

 عرف الهنود مبدأ الاستدلال من خلال الكلمة السنسكريتية “انيومانا” Anumana كما ذكرنا، وتعنى إحدى وسائل المعرفة الصحيحة التي تعرف بأنها نتاج لمعرفة بعدية تأتى بعد معرفة قبلية، وذلك من خلال شيء لم يتم إدراكه بعد ؛ وذلك عن طريق شيء ما هو طرف ثالث يسمى سبباً، ويطلق عليه hetu، ويؤدى وظيفة الحد الأوسط في التفكير القياسي ([xxxviii]).

 وقد كانت لدى المذاهب الهندية مفاهيم مختلفة فيما يتعلق بوسائل المعرفة الصحيحة، فمثلاً نجد مدرسة ” الكارفكا ” لا تعترف بغير الإدراك الحسي معياراً وحيداً للمعرفة الصادقة، وأنكرت يقين النتائج المستخلصة بالاستدلال المنطقي، مثل نتائج الشهادة المنقولة عن الآخرين، فالاستدلال المنطقي في نظر الكارفكا ليس شيئاً فوق المنازعة، لأنه بمثابة قفزة فوق مما هو مدرك إلى ما ليس مدركا واستنتاج يمضى من المعلوم إلى المجهول([xxxix]).

  أما “البوذية ” و” الجينية ” و” الفايشسكا “: فتقول بمعيارين: الإدراك الحسي والاستدلال. وعند مدرسة ” السامهيكا”،  هناك ثلاثة معايير للمعرفة: الإدراك الحسي والاستدلال و”الشهادة ” ؛ وتعنى الشهادة الإشارة إلى المعرفة التي يتم تحقيقها كنتيجة لقيام شخص يمكن الاعتماد عليه بقولها. والرأي ليس كالمعرفة سواء بسواء، ذلك أن الرأي قد يكون خاطئاً، لكن المعرفة لا يمكن أن تكون كذلك، وينبني على ذلك أن سماع رأى شخص آخر، ليس وسيلة للمعرفة، ولكن إذا تم سماع الدعوى المعرفية لشخص آخر فإن معرفة أصيلة يمكن الوصول إليها إذا فهم المرء الدعوى. والمعايير الثلاثة على أساس شهادة شخص آخر هي ([xl]):

1- ينبغي أن يكون الشخص المتحدث أميناً ويعتمد عليه بصورة مطلقة.

2- يتعين أن يعرف الشخص المتحدث بالفعل ما يقوم بإيصاله.

3- لا بد من أن يتفهم السامع على وجه الدقة ما يسمعه.

 وتضيف الـ”نيايا سوترا” إلى هذه المعايير معياراً آخر هو ” المقارنة”، والتي تعنى المعرفة عن طريق المقارنة القائمة على أساس التشابه، فعلى سبيل المثال إذا عرفت ما البقرة، وقيل لك إن الغزالة تشبه البقرة في جوانب معينة، فقد تصل إلى معرفة أن الحيوان الذي صادفته في الغابة لم يكن إلا غزالاً. وهذا أمر مختلف عن أن يقال لك الاسم الذي ينطبق على موضوع معين. فعلى سبيل المثال إذا شاهد المرء غزالة للمرة الأولى، وقيل لك” تلك غزالة”، فإن المعرفة ستكون راجعة للشهادة، وليس للمقارنة. والمعرفة عن طريق المقارنة تتحقق عندما يتم ربط الاسم بموضوع مجهول على يد العارف على أساس من تقابل الموضوع المجهول مع موضوع معلوم. والجانب الجوهري في هذه الطريقة من طرق المعرفة هو ملاحظة التقابل. وقد اعتقد مفكرو الـ”نيايا سوترا ” أن أشكال التقابل موضوعية وقابلة للإدراك وبناء على هذا، فإن معرفة طبيعة موضوع جديد على أساس قوة تقابله مع موضوع معروف تشكل وسيلة مستقلة للمعرفة. وبينما تتضمن المعرفة المقارنة كلاً من الإدراك والاستدلال، فليس من المستطاع الهبوط بها إلى أي منهما وبالتالي يتعين الاعتراف بها كوسيلة من وسائل ([xli]).

  وشرعت المدارس الفلسفية في إعطاء الأسبقية لعرض مذاهبها باستخدام المنطق باعتباره نظرية معايير الفكر([xlii]).

 وكان مبدأ الاستدلال موضوعاً للمناقشة في المنطق الهندي، حيث تم دمجه في شكل برهان، ويؤكد غالبية المؤرخين أن الحديث عن قياس هندي يعنى استدلالاً يأخذ شكل البرهان.

  ويزعم دعاة القائلين بالتأثير الأرسطي على المنطق الهندي أن مبدأ الاستدلال لم يعرف طريقه في المنطق الهندي إلا في أوائل القرن الأول للميلاد. والحقيقة أن هذه دعوى لا أساس لها من الصحة ؛ حيث نجد أن له إرهاصات تعود إلى عصور ما قبل الميلاد، فنجد مثلاً أن الكاتب الجينى “بهادراباهو” الذي عاش سنة 375 ق. م تقريبا كانت لديه حجة أو قياس يتألف من عشر قضايا وهى على النحو التالي ([xliii]):

 1- القضية (Pratijna): تجنب قتل النفس أعظم الفضائل عموما.

2- تحديد القضية (Ipratijna Vibakli): تجنب قتل النفس أعظم الفضائل وفقاً للعالم الجينى ثيرانكاراس.

3- السبب (Hetu): تجنب قتل النفس أعظم الفضائل لأن الذين يفعلون ذلك تحبهم الآلهة وتكريمهم تكريم لبنى الإنسان.

4- تحديد السبب (Hetu Vibakli ): الذين يتجنبون قتل النفس فقط هم الذين يسمح لهم بالبقاء في أعلى منازل الفضيلة

 5-القضية المضادة (Vipaksa): لكن الذين يحتقرون العالم الجينى ثيرنا نكاراس ويقتلون النفس يقال أن الآلهة تحبهم ويرى الناس تكريمهم نوعاً من التشريف.

6ـ معارضة القضية المضادة ( Vipaksa-Pratisedha ) الذين يقتلون النفس الذي حرمه الجيني ثيرنكاراس لا يستحقون التشريف وبالتأكيد لا تحبهم الآلهة إلا إذا أصبحت النار برداً ولا يمج الناس تكريمهم.

7-مثال ( Drstanta ): الأرهت والسادوا ( من طبقات الهند العليا ) لا يطهون الطعام خوفاً من قتل بعض الأرواح ،  لهذا يعتمدون على الخدم وربات البيوت لتحضير وجباتهم.

8- التشكيك في صحة المثال( Asanka ): الأرهت والسادوا يأكلون الطعام الذي تطهوه ربات البيوت ،  فإذا ما قتلت بعض الحشرات في نار الطهي ،  فهم يشاركون في الخطيئة. لذا فالمثال ليس مقنعاً.

 9- الرد على التشكيك( Asankapratisedha ): الأرهت والسادوا يذهبون لتناول الطعام بدون إعلان سابق ،  وفي أوقات غير ثابتة. فكيف يقال أن طهي الطعام تم لهم خصيصاً ،  لهذا فهم لا يشتركون في الخطيئة.

 10- النتيجة ( Nigamana ): تجنب قتل النفس إذن هو أفضل الفضائل ،  فالذين يفعلون ذلك تحبهم الآلهة ويستحقون التكريم.

 ويؤكد “بوشنسكى” أن هذا القياس يوضح لنا الطريقة التي ربما يكون القياس الهندي في القرن الثاني للميلاد قد تطور منها([xliv]).

 ومن ناحية أخرى يذهب بعض المؤرخين إلى أن الـ ” Caraka smhita” تضمنت بعض المعلومات البدائية المتاحة عن القياس المنطقي والقضايا الخمس وذلك من خلال تحليل البراهين وما يخالفها، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي(2):

أ ـ البرهان (Sthapana)

 ويتكون من خمس قضايا: الفرض، والسبب، والمثال، والتطبيق، والنتيجة. مثال ذلك:ـ

                          الروح خالدة

                          لأنها غير ممتدة

                          كل ما هو ليس ممتد خالد

                                     الروح ممتدة

                          إذن الروح خالدة.

ب ـ البرهان المضاد Pratisthapana

                          الروح غير خالدة

                          لأنها تدرك بواسطة الأحاسيس

                          ما يدرك بواسطة الأحاسيس ليس بخالد

                          الروح تدرك بواسطة الأحاسيس

                          إذن الروح ليست خالدة.

  ولم تعط الـ Caraka Smhita أي تعريف واضح لتلك القضايا، وإن كان ” فيديا بهاسونا ” يرى أن هناك أثراً أرسطياً واضحاً على الـ Smhita Caraka في هذين البرهانين، ويبرهن على صحة دعواه بأن “أرسطو” قد تحدث في كتابه “الخطابة” عن نوعين من القياس الإضماري يطلق عليهما Demonstrative and Refutative Enthymemes. هذان النوعان من القياس يتفقان مع الـSthapana ، Pratisthapana واللتان يقابلهما  “فيديا بهاسونا” في الإنجليزية بـ Demonstration and Counter Demonstration، ثم يبرهن علي صحة دعواه فيقول: “ومن الواضح أن البرهان في الـ Smhita Caraka عبارة عن مزيج من القياس الإضماري متضمناً أول جزئين في البرهان والمثال الذي يشمل منه ثلاثة أجزاء، وهذا في تطابق تام مع قاعدة أرسطو والذي يعتبر أن المثال يمكن أن يتخذ كمكمل للقياس الإضماري ليخدم غرض الدليل المقنع غير المتغير، وهذه القاعدة يمكن أن تصاغ على هذا النحو ([xlv]): –

القياس الإضماري

الروح خالدة

لأنها غير ممتدة

مثــــــــــال:

ما هو ممتد خالد مثل الأثير

الروح غير ممتدة

إذن الروح خالدة”

 ويذهب بعض الباحثين إلى أن البرهان والبرهان المضاد في الـ ” Caraka Smhita” ليس لهما أية أصول أرسطية كما يزعم “فيديا بهاسونا” وإنما هو نوع من التقارب الفكري، فلم تعرف الـ “Smhita Caraka” كتاب “الخطابة” الأرسطي ولم يطلعوا عليه ؛ حيث يؤكد “بيمال كريشنا ماتيلال Bimal Krishna Matilal ” أنه من المستحيل أن نتصور ما تخيله “فيديا بهاسونا” من أن الـ “Smhita Caraka” قد قرأت كتاب الخطابة الأرسطي، حيث لا يوجد دليل واحد يثبت أن كتاب الخطابة أو أي أجزاء منه قد ترجمت إلى اللغة الهندية في ذلك الوقت، وعلى ذلك فإن فكرة البرهان والبرهان المضاد في الـ “Smhita Caraka” قد تطورت تطوراً طبيعياً دون أي مؤثرات خارجية([xlvi]).

 وإلي مثل هذا الرأي ذهب العالم المنطقي الهندي “براديب ب. جوكال Pradeep P.Gokhale” حيث يقول: “ليس هناك ما يثبت أن فكرة البرهان والبرهان المضاد في الـ Smhita Caraka ترتد إلي أصول أرسطية وإنما تطورت تطوراً طبيعياً من خلال نقد الجوانب اللاعقلانية في نصوص الفيدا ([xlvii]).

 وننتقل إلي الـ “نيايا سوترا” حيث يذكر بعض الباحثين أنها تضمنت أول إشارة لبعض الاستدلالات المباشرة القائمة على الإدراك الحسي ؛ وهذه الإشارة متضمنة في فقرة غامضة ، وهى على النحو التالي ([xlviii]).

  هناك ثلاثة أنواع للاستدلالات وهى Purvavat ، Cesevat ، Samanyato drstam وهذه العبارات تبدو غامضة في حد ذاتها ؛ غير أن “فاتسيايانا ” قد فسرها على النحو([xlix]):

  • بالنسبة للاستدلال الأول والذى يسمى Purvavat هو استدلال من اللاحق إلى السابق ؛أي من المعلول إلى العلة ( فيمكن على سبيل المثال أن نستنبط من تجمع السحب أن السماء ستمطر.
  • وأما الاستدلال المسمىCesevat؛ فهو استدلال السابق من اللاحق؛ أي استدلال العلة من العلول (فيمكن على سبيل المثال أن نستنبط من غزارة مياه السيل أن السماء أمطرت فوق الجبل ).
  • وأما الاستدلال المسمىSamanyato drstam ؛ وهو الاستدلال بالتماثل، فبما أن ما ندركه في حالة أولى مدرك بالطريقة نفسها في الحالة الثانية، فإن ذلك يسمح لنا بأن نستنبط أن الأمور جرت بالطريقة نفسها في الحالة الثانية كما جرت في الحالة الأولى.

كما يذكر بعض الباحثين أن هناك تفسير آخر قدمه “أوديوتاكارا ” لنفس تلك الاستدلالات ؛ وهى على النحو التالي ([l]):

أ-الـ Purvavat هو استدلال قائم على التجربة السابقة للتلازم بين شيئين وليكن مثلاً الدخان والنار، على الرغم من أننا لم ندرك الأبعاد الحقيقية لهذا التلازم، ويطلق على هذا الاستدلال: استدلال موجب

ب – وأما Cesavat، فيستدل عليه بالاستبعاد ؛ أي عدم وجود الدخان لا يستلزم وجود النار، وهذا الاستدلال يطلق استدلال سالب.

ج- وأما الـ Samanyato drstam وهو استدلال يجمع بين الاستدلالين (أ)، (ب)، وهذا الاستدلال يسمى استدلال غير معروف القيمة.

  وانطلاقاً من تلك الاستدلالات المباشرة أخذت الـ”نيايا سوترا” تشرع في بناء الاستدلال الغير مباشر،  وذلك من خلال تأسيس قاعدة القياس الصورية علي أساس إعطاء الأمثلة، حيث نجد في الأجزاء 32: 39 ـ كما يذكر ” بوشنسكى” أول معالجة لموضوع القياس ذي القضايا الخمس، والمثال الكلاسيكي المتكرر الذي يشبه قول أرسطو: كل إنسان فان، وسقراط إنسان ؛ إذن سقراط فان، هو المثال التالي: هذا التل يوجد به نار، بسبب وجود دخان يتصاعد منه، وحيثما وجد الدخان وجدت النار ([li])؛ فإن الارتباط الكلى بين الدخان والنار هو السبب (“الشيء الثالث”) في تأكيد وجود النار على التل حتى على الرغم من أنه لم يتم إدراكها بالفعل ([lii]).

 ويوضح جوتاما هذا المثال على هيئة قياس يتكون من خمس قضايا على النحو التالي ([liii]):-

 

1- (القضية Proposition): هذا التل يوجد به نار.         

2- (السبب Reason): لأن التل ينبعث منه الدخان.

3- (المثال Example): وحيثما يوجد الدخان توجد النار كالمطبخ وحيثما لا يوجد الدخان لا توجد النار كالبحيرة مثلاً.       

4- (التطبيق Application): وهذا التل ينبعث منه دخان كالذي يصاحب النار باستمرار.

5- (النتيجة Conclusion): إذن هذا التل يوجد به نار.

 ثم يؤكد صاحب الـ”نيايا سوترا” أن الجانب الهام في هذا القياس هو الوصول إلي معرفة النار على أساس الدخان المدرك، ثم السبب الذي يشكله الارتباط الدائم بين الدخان والنار. وفى القياس السابق تمثل القضية الأولى (الفرض) أو الدعوى المثبتة. ويطلق عليه Pratijne، وتعنى التصريح بما يقصد إثباته وتحقيقه ؛ وتؤكد القضية الثانية الأسس الإدراكية لهذا الزعم ويسمى “Hetu” أي السبب، وتؤكد القضية الثالثة العلة في القيام بالانتقال من زعم يتعلق بالدخان إلي آخر يدور حول النار، وذلك لإثبات المبدأ العام الذى يقوم عليه الاستدلال، ثم تقديم أدلة في صورة أمثلة الهدف منها بيان أن إثبات وجود النار والدخان يترتب عليه التسليم بعلاقة التلازم بينهما وجوداً ،  وبالمثل فإن إثبات عدم وجود النار والدخان يكونا متلازمين عدماً. وتسمى هذه القضية Vdaharana أي المثال، والقضية الرابعة وهى التطبيق ؛ والتي تؤكد أن السبب ينطبق على هذه الحالة وتسمى Vpanaya ؛ أي تطبيق الخاصية التي يلزم إثبات وجودها على موضوع الاستدلال وهو “هذا الجبل”. وتكرر القضية الخامسة الافتراض الذى لم يعد الآن مسألة توضع موضع الاختيار، بل طرحاً معرفياً صحيحاً على نحو ما أثبتته المبررات المقدمة، ويطلق عليه Nigamana أي النتيجة ([liv]).

 ومن ناحية أخرى، فإن هذا القياس يتكون من ثلاث حدود: الحد الأصغر ؛ ويمثل موضوع الاستدلال، وهو الذي يراد إثبات خاصيته، وهو “هذا الجبل “، ويطلق عليه Paksa ؛ ويمكن أن نرمز له بالرمز ” ق “. ثم الحد الأكبر، وهو موضوع الاستدلال، وهو الذي يتم إثبات أنه يصف الـ” ق ” ويطلق عليه الـ ” Sadhya “، ويمكن أن نرمز له بالرمز “ك” ؛ وفى القضية المذكورة في القياس السابق تكون “ك” هي وجود النار، وتتمثل القضية في أن هذا الجبل يحتوى على نار لأنه يحتوى على دخان، أي لأنه معروف عنه أنه يحتوى خاصية أخرى تتعلق بـ ” ك “، ويطلق على هذه الخاصية كما ذكرنا من قبل “Hetu” أو الحد الأوسط والتي يمكننا أن نرمز لها الآن بالرمز ” هـ” ([lv]).

  وفى القضية الثالث من القياس السابق، يقدم نوعان من الأمثلة ؛ أحدهما موجب، والآخر سالب. والمثال الموجب هو مثال تقع فيه الخاصية التي يراد إثباتها، ويفيد أن هذه الخاصية موجودة دائماً في “هـ”. وأما المثال السالب، وهو الذى لا تقع فيه الخاصية التي يراد أثباتها. ويطلق على المثال الموجب “Sapaksa “، ويمكن أن نرمز له بالرمز “ل ” ؛ في حين يطلق على المثال السالب “Vipaksa”، ويمكن أن نرمز له بالرمز “ع”. وفى المثال السابق يكون المطبخ هو “ل “، في حين تكون البحيرة ” ع” ([lvi]).

 ويؤكد دعاة الـ”نيايا سوترا ” أن هذه هي صورة القياس الصحيح؛ ولذلك قاموا بوضع قائمة بعدد من المغالطات التي ينبغي تجنبها، وتعرف الأغلوطة بأنها ما يبدو أمراً مشروعاً لاستدلال معين ،  ولكنه في الواقع ليس مبرراً مشروعاً، ففي الاستدلال “هناك نار على التل، لأن هناك دخان، وحيثما وجد الدخان وجدت النار “، فإن النتيجة المستدل عليها هي أن هناك نار على التل، لأن هناك دخان أعلى التل. والقول “هناك نار “، إنما يقال عن التل. ومن الناحية الفنية فإن “ق ” ،  هي الحد الأكبر، في حين أن ” ك” هي الحد الأصغر؛ وأما “هـ” فهي الحد الأوسط. وما لم يكن ينظر إليه على أنه مبرر للربط بين “ك”، ” ق ” هو مبرر الاستدلال ” هـ”، فإن الاستدلال سيكون غير مشروع، ولكي نتأكد من “هـ ” المقدم أو المبرر سيكون مبرراً بالفعل، لابد من مراعاة عدة قواعد ([lvii]):

  • أنهـ” لابد أن يكون ماثلاً في” ق” وفى كل الحالات الأخرى التي تحتوى على ” ك”.
  • لابد لـ ” هـ ” أن يكون غائباً من الحالات التي لا يوجد بها ” ك.
  • ينبغي ألا يتناقض الافتراض المستدل عليه مع الإدراك الحسي السليم.
  • ينبغي ألا نجعل “هـ” من الأمور الممكنة خلاصة تتناقض مع الافتراض المستدل عليه.

  ولقد أصبح مبدأ الاستدلال في الـ “نيايا سوترا”، والقائم على القياس ذي القضايا الخمس سائداً في المنطق الهندي ؛ حيث أقبل المناطقة الهنود بعد ذلك على اختلاف نزعاتهم واتجاهاتهم وميولهم يتدارسونه ويحللونه ويعلقون عليه. ولنستمع إلى الشارح الأعظم للنيايا وهو ” فاتسيايانا ” ؛ حيث يذكر بعض الباحثين تعليقا له على القياس الذى ذكرناه آنفاً فيقول ([lviii]):

  • نريد أن نثبت صفة النار في موضوع هو التل، وهذا الفرض تعبر عنه القضية الأولى من القياس.
  • متى نتحقق من هذا نستخدم السبب، وهو خاصية أخرى تتمثل في الدخان الذى نلاحظه على التل، وهذا يحدث في القضية الثانية من القياس.
  • ثم نضرب مثالاً لذلك كمثال المطبخ، وهو الذى ينبعث منه الدخان بسبب النار، وهاتان الصفتان تتواجدان معاً في المطبخ وما يشابهه وهذا هو المثال الموجب. ويمكن ضرب مثال سالب يؤدى فيه غياب السبب السابق إلى غياب صفة النار كما في مثال البحيرة.
  • وبعد ذلك نقرر وجود نفس العلاقة بين صفة الدخان والنار في التل، وهذا هو التطبيق.
  • ثم نستنتج النتيجة التي افترضناها مسبقاً، وهى أن صفة النار موجودة كذلك في التل.

  ومن ناحية أخرى يؤكد ” فاتسيايانا” أن القياس ذي القضايا الخمس تتفاعل فيه كل أدوات المعرفة الصادقة الأربعة ( الإدراك، والاستدلال، والمقارنة، والشهادة ) ؛ وأن كل قضية من القضايا الأربع الأولى للحجة المنطقية تمثل وسيلة هامة من وسائل المعرفة، وتقرر النتيجة الحكم كما تثبته الأدوات أو الوسائل مترا دفة معاً. ومن يحدد الفرض في القضية الأولى على أنه يعطى لنا من خلال الشهادة ؛ ويحدد السبب في القضية الثانية على أنه الاستدلال ( ثاني وسائل المعرفة )، ويحدد المثال في القضية الثالثة على أنه يشير إلى الإدراك. ويحدد التطبيق في القضية الرابعة على أنه يمثل استخدام المقارنة. وعلاوة على ذلك يكون الفرق بين القضية الأولى والقضية الخامسة في الحجة المنطقية، هو أن القضية الأولى وهى الفرض تنسب ” ك” إلى “ق” ؛ في حين أن القضية الخامسة وهى النتيجة تؤكد أن “ق” تحتوى “ك”. والسبب ينسب “هـ” إلى ” ق”، في حين أن التطبيق يؤكد أن “ق” تحتوى “هـ” والتي تعمها وتشملها ” ([lix]).

  ويزعم “هـ. ن.راندال”، أن القياس ذي القضايا الخمس في الـ “نيايا سوترا” ليس إبداعا هندياً، وإنما تحريف مشوه للضربين الأولين من الشكل الأول من أشكال القياسات الحملية الأرسطية ؛ التي يطلق “الاسكولائيين عليهما “Brabara ، Celerent.

 وعلى هذا يكون القياس ذي القضايا الخمس السالف ذكره للنيايا سوترا، يتمثل على النحو التالي ([lx]):                            

:   Brabara1- الضرب الأول

    كل ما يوجد به دخان يوجد به نار

                  وهذا التل يوجد به دخان

     إذن هذا التل يوجد به نار

2- الضرب الثاني Celerent:

 كل مالا يوجد به دخان لا يوجد به نار

وهذا التل لا يوجد به دخان

إذن هذا التل لا يوجد نار

  ونفس الشيء يذهب إليه “فيديابهاسونا “، حيث يقول: ” المثال الموجب ( السباكسا) كما عرفه صاحب الـ “نيايا سوترا ” يتطابق تماماً مع ما مع المثال كما فسره أرسطو في التحليلات الأولى، حيث أن المثال طبقاً لأرسطو يحدث عندما يقع الحد الأكبر مع الحد الأوسط مع شيء متشابه مع الحد الأصغر، ومن الضروري معرفة أن الحد الأوسط يكون مع الحد الأصغر، والحد الأكبر مع ما يماثله. وأما المثال السالب (الفيباكسا) والسبب السالب كما فسرهم صاحب الـ “نيايا سوترا ” ليست لها نظائر واضحة في الاورجانون ؛ وبخاصة في التحليلات الأولى. ومن التوضيح الذى قدمه صاحب الـ ” نيايا سوترا ” للسبب والمثال يتضح أنه يسلم بالنتائج الكلية المثبتة والتي أطلق عليها أرسطو الشكل الأول، والنتائج الكلية السالبة في الشكل الأول والثاني. والآن إذا كانت النتيجة في الشكل الأول، فإن المقدمة الكبرى يجب أن تكون سالبة، وإذا كانت النتيجة في الشكل الثاني سالبة، فإن المقدمة الكبرى تكون سالبة، مع الوضع في الاعتبار أن المقدمة الكبرى والمقدمة الصغرى لأرسطو تتفق على التوالي مع المثال والسبب لصاحب الـ “نيايا سوترا “، وأصبح من الضروري الاعتراف بأن السبب السالب والمثال السالب يتطابق مع المقدمات الكبرى والمقدمة الصغرى السالبة ([lxi]).

  وأعتقد أن هذه القراءة الأرسطية لمبدأ الاستدلال في الـ”نيايا سوترا”، لا تعنى وجود تأثير أرسطى، فهاوه ذا “ديمتريو” يستشهد بكتاب “تاريخ الفلسفة الشرقية”، للعالم والمفكر الفرنسي “س. شـاتـراجيـه” S. Chatterjee ” ،  وذلك في الفصل الذى عقده عن ” النيايا – فايشيسكا” NyayaVaisesika، حيث يقول: ” هناك بعض أوجه التشابه بين القياس الهندي والقياس الأرسطي؛ فكل منهما له ثلاث حدود، وبسبب هذا التشابه يعتقد بعض الباحثين أن القياس الهندي قد تأثر في تطوره بالمنطق الأرسطي. ولكن هناك اختلافات جوهرية تجعل من الصعب قبول رأيهما. إن الدور الأساسي للقياس الأرسطي يتجسد في مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد Dictum de omni et de nullo الذي يعتمد اعتماداً كلياً على علاقة الانتماء Inclusion بين الفئات. في حين أن المبدأ الأساسي للقياس الهندي، يتمثل في علاقة التلازم غير المتغير وغير المشروط The Relationship of Invariable and Unconditioned Concomitance بين الحدود الوسطي والحدود الكبرى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القياس الأرسطي هو قياس صوري بحت ،  ويشترط الصدق الصوري للنتيجة؛ وهو لزوم Implication أكثر منه استدلال: فإذا قررنا صحة المقدمات، فإنه يمكننا أيضاً أن نؤكد صحة النتيجة. وعلى العكس من ذلك يكون القياس الهندي، حيث هو استدلال حقيقي يأخذ شكل البرهان، والذى فيه نبدأ من المقدمات المؤكد صحتها حتى نصل إلى النتيجة الصحيحة والضرورية. والمقدمة الثالثة للقياس الهندي، هي قضية كلية مبنية على حقائق معينة؛ حيث أنها تجمع بين الاستقراء والاستنباط أو بين الصدق والصحة الصورية. والمقدمة الرابعة تقوم بتجميع المقدمات الكبرى والصغرى لإظهار هوية الحد الأوسط” ([lxii]).

  وثمة نقطة أخرى جديرة بالإشارة ؛ وهى أن مبدأ الاستدلال في الـ ” نيايا سوترا ” قائم على الجدل والمناقشة كما أكد معظم المناطقة المعاصرين ؛ فنجد ” بوشنسكى” يقول:” إن القراء الذين تعودوا على المنطق الغربي، ربما يجدون أن القياس ذي القضايا الخمس يبدو غريباً، ولكن هذه الصيغة الهندية تبدو مألوفة وطبيعية عندما يتذكر القارئ أن هذا القياس يقصد به تثبيت منهجية المناقشة والمحاورة الشفوية “([lxiii]).

  ومن ناحية أخرى يؤكد ” ماكلوفسكى ” أن نظرية البرهان في الـ”نيايا سوترا “، يتم بنائها بالطريقة الآتية: ” يجب أولاً تحديد المواقف الأساسية المقرة من الجميع ( وفى المحل الأول من المشاركين في المناقشة )، باعتبارها حقائق لا تقبل المناقشة، كما أن المنطوق الذي هو بمثابة الدعوى التي يتعلق بها البرهان يجب أن تصاغ صياغة واضحة دقيقة. وبعد ذلك تقدم نظرية القياس ومعها القضايا الخمس التي يتشكل منها القياس. وبين هذه القضايا توجد حقيقة لا تقبل المناقشة ومقبولة على وجه العموم، والدعوى التي تجب البرهنة عليها. والقضية الثالثة التي تربط الأولين، والمنطوق الذي يشكل الدعوى يرد بعد ذلك بصفته النتيجة، كما ترد القضية التي تقوم بدور الأساس العقلي للبرهان بالمثل، وبهذه الطريقة نحصل على قياس ذي قضايا خمس ” ([lxiv]).

  ويؤكد بعض الباحثين أن صيغة هذا القياس على النحو التالي:

  • ما هي أطروحتك؟ هي أن هذا التل يوجد به نار.
  • ولماذا؟ لأنه يوجد به دخان.
  • وما الأمر في ذلك؟ حيث يوجد هناك دخان توجد هناك نار كالمطبخ لا كالبحيرة.
  • وماذا بعد ذلك؟ أن التل شبيه بمكان به دخان.
  • لذلك؟ إذن التل يوجد به نار.

ويمكن التعبير عن هذه الصيغة رمزياً على النحو التالي([lxv]):

  • ما هي أطروحتك؟ هي أنني أقر أن “ق” لها الخاصية” ك”.
  • ولماذا؟ لأن ” ق” له الخاصية “هـ”.
  • والأمر في ذلك؟ هي أن كل من “هـ”، “ك” تميزان “ل” ولا توجد أي منهما في “ع”.
  • وماذا بعد ذلك؟ وهذا ما نجده في حالتنا ” ق “
  • لذلك؟ إذن “ق” له الخاصية ” ك”.

 ويذهب بعض المناطقة الرياضيين، إلى أن هذا الاستدلال هو برهان صحيح Really Proof يقوم على قاعدتين من قواعد الاستدلال: قاعدة الاستبدال Rule of Substitution، وقاعدة الاستبعاد ٌRule of Separation ؛ فنجد المنطقي البولندي “استانسلوا شاير” “Stanislaw Schayer ” وهو من تلاميذ “يان لوكاشيفتش “Jan Lukasiewicz، يوضح ذلك على النحو التالي ([lxvi]):

1-قاعدة الاستبدال:

أ- الفرض: ك ق    وتعنى هناك نار “ك “في” ق ” التل.

ب- السبب: هـ ق    وتعنى يوجد دخان “هـ” في “ق “.

ج- المثال: (س)(هـ ق تستلزم ك ق) وتعنى “س” ” دالة تشير الى مكان ما “: حيث إذا كان يوجد دخان فى”س” ؛ فإنه يوجد نار في “س”.

د- التطبيق: هـ ق تستلزم ك ق  وهذه القاعدة تنطبق بالنسبة لـ ” س ” = ” ق”.

و- النتيجة: ك ق    لأن القاعدة تنطبق بالنسبة لـ “س ق”، ولما كان القضية “هـ ق” صادقة فإن القضية “ك ق ” صادقة.

2-قاعدة الاستبعاد:

الفرض: بما أن ك ق تلزم عنها هـ ق

البرهان: –

1- هـ ق     مقدمة

2– (س) (هـ ق تستلزم ك ق )  مقدمة

 3- هـ ق تستلزم ك ق    باستبعاد (2) نصل إلى (3)

4- ك ق     باستبعاد (1)، (3) نصل إلى (4)

  ومن ناحية أخرى يؤكد ” بوشنسكى” بأنه إذا ما وضعنا علم النفس والجوانب النفسية، وهى تلعب دوراً كبيراً في هذا السياق نتوصل إلى النتائج التالية ([lxvii]):

  • إن القياس ذي القضايا الخمس في الـ”نيايا سوترا” ليس فكرة أو أطروحة، وإنما قاعدة مثل الاستدلال عند الرواقيين والاسكولائيين.
  • من ناحية التركيب، فإن القياس ذي القضايا الخمس أقرب إلى قياس ” وليم أوكام ” منه إلى قياس أرسطو، لأن السبب دائماً ما يناظر قضية واحدة.
  • لكن صياغة القياس ذي القضايا الخمس تقترب من قواعد المنطق الرياضي الحديث أكثر مما تقترب من قياس “وليم أوكام “، وتوضيح ذلك كالآتي:

بالنسبة لكل “ق” إذا كانت “ق هـ” كانت ” ق ك”

ولكن إذا كانت “ق” كانت “هـ”

إذن إذا كانت”ق” كانت “ك”

  • تتضمن الصيغة الهندية كذلك تبريراً واضحاً لوجود المقدمة الكبرى. وفى هذا الصدد نجد خلافاً بين صاحب النيايا وأتباعه اللاحقين من النيايايكاس الذين يتصورون البنية الاستدلالية، وإن كان اكسباندا يتصور العلاقة بين جوهرين في شيء واحد.
  • من الواضح أننا مع القياس ذي القضايا الخمس ما زلنا في عالم المنطق الحدي.

 هذه هي صيغة مبدأ الاستدلال في الـ”نيايا سوترا”، ولكن ماهي القاعدة التي تبنى عليها هذه الصيغة؟

 هذا السؤال ظل محوراً للنقاش والجدل في المنطق الهندي لقرون عديدة، ولكن ما نعرفه على حد تعبير ” بوشنسكى ” قليل جداً، وما وصل إلينا منه غير كاف . ولكن هناك نقطة تظهر لنا في الـ”نيايا سوترا” وتعليق فاتسيايانا وما ذهب إليه المناطقة المحدثون، وهى أننا لا يجب أن نبحث عن مقدمة عامة، ولا نبحث هنا عن القياس الذى تعودنا أن نجده في المنطق الأرسطي. ومعظم شراح الـ”نيايا سوترا” والتاريخ اللاحق للمنطق الهندي يبرهن على عدم استطاعة صاحب كتاب النيايا التمكن مما هو عام Universal، فالصورة الوحيدة للقياس ذي القضايا الخمس قائمة على الجدل المتمثل في التناظر والتماثل، وهو جدل خطابي-بلاغي أكثر منه جدل منطقي ([lxviii]).

الخطوة الثانية  

  أدرك المناطقة البوذيون في القرن السابع للميلاد ؛ وبالأخص ” ديجناجا”، أن قاعدة القياس ذي القضايا الخمس في الـ”نيايا سوترا”، والقائمة على أساس إعطاء الأمثلة، عقيمة وتحتاج إلى بعض التعديلات، ولذلك سعى من جانبه إلى تطوير هذه القاعدة إلى قاعدة قياسية صورية، وذلك في كتاب له بعنوان “Hetu Cakara ” ،  أي عجلة الأسباب.

 وفى هذا الكتاب يسوق لنا ” ديجناجا” فقرة تتعلق بالمنهجية ضد الـ”نيايا سوترا”، وفيها نبرة حديثة واضحة، وهى أن القياس ذي القضايا الخمس قياس مسهب ومطول، ولهذا يجب اختصاره إلى ثلاث قضايا بدلاً من خمس قضايا. ويبرهن ” ديحناحا” على ذلك، حيث ينقل عنه ” بوشنسكى ” هذه الفقرة، فيقول: ” نحن نقرر أن القياس الصحيح يتكون من ثلاث قضايا هي: الفرض والسبب والمثال، ولذلك أعارض آراء من يعتبرون التطبيق والنتيجة من قضايا القياس. وإذا كان اعتبار هؤلاء المناطقة صحيحا فإنه لا يصح إعطاء أو ضرب المثال مكونا متميزاً من مكونات القياس، لأنه لا يؤدى إلا وظيفة توضيح معنى. ومع أن هذا صحيحاً من حيث المبدأ، لكن إعطاء السبب تقتصر وظيفته على طبيعة الباكساذارما ) Pakasadarma أي الموضوع والمحمول معاُ والذي يتعلق بالقضية الأولى في قياس الـ”نيايا سوترا” وهو كون التل ناري ) ولا يظهر غيابه عندما يكون غائباً ولا حضوره عندما يكون حاضراً، ومن هنا تأتى ضرورة إيراد أمثلة موجبةSapaksa وسالبة Vipaksa ([lxix]).

  وعلى هذا يتكون القياس عند ” ديجناجا” من الفرض والسبب والمثال بعد الاستغناء عن التطبيق والنتيجة، بعد التقليص كما يلي:

  • الفرض: هذا التل يوجد به نار.
  • السبب: لأنه يوجد به دخان.
  • المثال: كما في مطبخ حيث توجد نار لا كما في بحيرة حيث لا توجد نار.

لكن هناك شيئاً آخر أكثر أهمية يؤكد عليه بعض الباحثين وراء هذه الصيغة، وهى فكرة الصلة الداخلية التي لا تقبل الفصل بين الحد الأوسط وهو ” هـ”، والحد الأكبر وهو “ق”، ووفقاً لها يكون الاستدلال دلالة على موضوع متصل اتصالاً لا يمكن فصله عن الموضوعات الأخرى، ويقوم به من يعرف الموضوع.

 غير أن هذه الفكرة كما يذكر “بوشنسكى” ليست واضحة بالتفصيل عند “ديجناجا“، ولكنها موجودة حيث نجد أن العلاقة بين “هـ”، ” ق” لديه يمكن استخلاصها من خلال الأمثلة. ولما كان ” ديجناجا” يصر على الأمثلة، كقضية أساسية من قضايا القياس، فإن هذه العلاقة يمكن أن نراها بوضوح فيما أطلق عليه “الترايروبيا” Trairupya وعجلة الأسباب Wheel of Reason وهى نظرية ذات ثلاث خواص في السبب العقلي المنطقي ( الحد الأوسط ) وهو “هـ”، وهى تأخذ هذه الصيغة: ” عندما يتقرر وجود الحد الأوسط وهو “هـ” في الموضوع (الحد الأصغر) وهو “ق”، وعندما نتذكر أن “هـ” موجودة في السباكسا وهى “ل”، ولكنها غير موجودة في الفيباكسا وهى “ع”. عندئذ تكون نتيجة الاستدلال صادقة ([lxx]).

  وهذه الصيغة تبدو غامضة، حيث وجد الهند يون القدماء والأوربيون المحدثون صعوبة بالغة في محاولة شرحها وتوضيحها، ولكن تطبيق ” ديجناجا” فيما يتصل بعجلة الأسباب التي تحدث عنها يبين أنه يتحدث عن صيغة ثلاثية الأطراف تتعلق بالحد الأوسط، وهى على النحو التالي ([lxxi]):-

  • الحد الأوسط يجب أن يكون مرتبطاً بالحد الأصغر وهو موضوع الاستدلال مثل: على التل توجد نار.
  • الحد الأوسط يجب أن يكون مرتبطا بالسباكسا مثل: يوجد دخان في مكان توجد به نار كالمطبخ مثلاً.
  • الحد الأوسط يجب أن لا يكون مرتبطاً بالفيباكسا مثل: لا يوجد دخان في مكان لا توجد به نار كما في البحيرة مثلاً.

 وهذه الصيغة يمكن التعبير عنها رمزياً على النحو ([lxxii]):-

  • “ق” يجب أن تقع داخل “هـ” كلياً.
  • “ل” يجب أن تقع كلياً داخل “هـ”.
  • “ع” يجب أن تقع كلياً خارج “هـ “

 وقد فصل “ديجناجا” هذه الصيغة في جدول أطلق عليه عجلة الأسباب وذلك على النحو التالي([lxxiii]): –

  الحد الأوسط بالنسبة لموضوع الاستدلال يقع في ثلاثة أشكال وفقاً لوجوده أو عدم وجوده في صورتيه المحتملتين في السباكسا. وفى هذه الحالات الثلاث المحتملة يوجد الحد الأوسط أو لا يوجد في صورتين في الفيباكسا. ومن بين هذه الحالات يكون الحد الأوسط الموجود في صورتيه المتمثلة في السباكسا والفيباكسا حد أوسط صحيح، أما ما يختلف عنه فهو متناقض أو كاذب. والطريقتان اللتان يوجد بهما الحد الأوسط في السباكسا وهى “ل” تتمثلان على النحو التالي ([lxxiv]): –

  • “هـ” يقع كلياً في “ل”.
  • “هـ ” يغيب كلياً عن “ل”.
  • “هـ”يقع جزئياً في “ل”.

 ونفس الشيء يقال الفيباكسا وذلك على النحو التالي([lxxv]):-

  • “هـ ” يقع كلياً في “ع”.
  • “هـ” يغيب كلياً عن “ع”.
  • “هـ”يقع جزئياً في “ع”.

وبهذا يكون المجموع تسع حالات متشابهه، ويمكن توضيح ذلك الجدول التالي ([lxxvi]):

الرقم

احتمالات وجود “هـ ” فى”ل”

احتمالات وجود “هـ” في “ع”

طبيعة “هـ”

1-

“هـ ” يقع كلياً في ” ل

“هـ” يقع كلياً في “ع”

غير معروف

2-

“هـ ” يقع كلياً في ” ل

“هـ” يغيب كلياً عن “ع”

صادق

3-

“هـ ” يقع كلياً في ” ل

“هـ” يقع جزئياًً في “ع”

غير معروف

4-

“هـ ” يغيب كلياً عن” ل

“هـ” يقع كلياً في “ع”

كاذب

5-

“هـ ” يغيب كلياً عن ” ل

“هـ” يغيب كلياً عن “ع”

غير معروف

6-

“هـ ” يغيب كلياً عن ” ل

“هـ” يقع جزئياًً في “ع”

كاذب

7-

“هـ ” يقع جزئياً في ” ل

“هـ” يقع كلياً في “ع”

غير معروف

8-

“هـ ” يقع جزئياً في “ل

“هـ” يغيب كلياً عن “ع”

صادق

9-

“هـ ” يقع جزئياً في ” ل

“هـ” يقع جزئياًً في “ع”

غيرمعروف

  هذه هي عجلة الأسباب عند ” ديجناجا، حيث نجد من بين الصور “2”،  “8” فقط هما الصحيحتان. وقد توصل ” يجناجا” إلى هذه الصيغة باستخدام الاستبدال.

 ثم قدم ديجناجا بعد ذلك قائمة بالكلمات والألفاظ التي تستخدم كحدود وسطي، وقد حصرها في تسع حالات تستخدم لإثبات الدوام والخلود وصفات أخرى وهى([lxxvii]): –

  • يمكن معرفته Knowable.
  • منتج Product.
  • غير دائم Non Eternal.
  • غير منتج.
  • مسموع Audible.
  • ناتج الإرادة Effect of Volition.
  • غير دائم.
  • ناتج الإرادة.
  • غير ملموس Intangible.

  ويذهب بوشنسكى إلى أن عجلة الأسباب بها بعض التفاصيل ذات الأهمية التاريخية ،  وهى أن ديجناجا لا يقبل بأربعة أنواع من القضايا ،  كما يفعل أرسطو والاسكولائيين، وإنما يأخذ بثلاثة قضايا فقط، وهى القضية الكلية الموجبة والتي تتمثل في جدول ديجناجا “هـ” يقع كلياً في “ل” أو”ع”. والقضية الكلية السالبة التي تتمثل في جدول ديجناجا “هـ” يغيب كلياً عن “ل” أو”ع”. والقضية الجزئية الموجبة والتي تتمثل في جدول ديجناجا “هـ” يقع جزئياً في ” ل” أو”ع” ([lxxviii]).

  ويؤكد العالم المنطقي الصينى” توشىTucci أن عجلة الأسباب عند ديجناجا لم تتأثر إطلاقاً بالمنطق الأرسطي، فلا توجد في كتابات ديجناجا، وبالأخص الهيتوكاكرا أي إشارة من قريب أومن بعيد من المنطق الأرسطي ([lxxix]).

الخطوة الثالثة

  شهدت الصيغ الثلاث للحد الأوسط، والأخص الصيغتان الثانية والثالثة عند ديجناجا مناقشات ومجادلات بين دعاة الـ”نيايا سوترا” وبين الفلاسفة البوذيين وبالأخص لدى ” ذراماكيرتى” في القرن السابع، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

  أما دعاة الـ”نيايا سوترا”، فقد كانوا ينظرون للمثال على أنه أمر بديهي قد ألفه الناس أو مجرد حالة مألوفة يستشهد بها للمساعدة في فهم المستمع، وبذلك أخذوا ينظرون للصيغة الثانية عند ديجناجا، وهى “ل” يجب أن تحدث جزئياً أو كلياً داخل “هـ”، على أن “ل” تشكل فئة معينة أو أخرى (مثل فئة المواقد) يشترك كل أعضائها في خاصية امتلاك النار، وأن أحد هؤلاء الأعضاء على الأقل يمتلك أيضاً خاصية امتلاك الدخان ([lxxx]). ويمكن التعبير عنها رمزياً بطريقة الفئة الصفرية عند جورج بول ،  باعتبار أن ” ل ” فئة معينة يعبر عنها رمزياًَ بأن [ل=ق هـ].

  وبالمثل فإن الصيغة الثالثة، وهى “ع” يحب أن تحدث أو تتم خارج “هـ”، قد فسرها وفهمها دعاة الـ”نيايا سوترا” على أنها تعنى أن الـ “ع” تتكون من فئة معينة أو أخرى (مثل فئة البحيرات) يشترك كل أعضائها في خاصية عدم امتلاك النار، وأن أحد من هؤلاء الأعضاء لا تكون له خاصية امتلاك الدخان ([lxxxi]). وبطريقة الفئة الصفرية عند جورج بول كما فعلنا سابقا في الصيغة الثانية وباعتبار أن “ع” هو فئة عدم وجود النار والدخان معاً (ع  ق هـ) أو (ع  ق) وباعتبار أن عدم حدوث نار يصاحبه عدم حدوث دخان فيمكن أن نرمز له بالرمز “ص” ،  ولذلك يمكن القول حسب الفئة الصفرية أن (ص ك =ع) ،  وأن ( ص ق هـ ) هو حدث يمثل نفي وجود النار والدخان معاً ،  وكذلك عدم وجود النار والدخان في نفس الوقت.

  وأما الصيغة الأولي فقد فهمها دعاة الـ”نيايا سوترا” على أن ( ك تقع داخل هـ) ([lxxxii]).ويمكن التعبير عنها رمزيا بلغة الفئة الصفرية ( ك هـَ = صفر).

  ويؤكد بعض الباحثين أن الوفاء بالصيغ الثلاث للحد الأوسط عند دعاة الـ”نيايا سوترا” لا يكفى لاستلزام النتيجة، كما أن الصيغتان الثانية والثالثة يمكن الأخذ بأحدهما دون الآخر في الاستدلال([lxxxiii]). ولاختبار مفهوم الصيغ الثلاث لدي دعاة الـ”نيايا سوترا” من خلال الفئة الصفرية عند جورج بول نصل إلي: –

 بما أننا نريد إثبات انه عندما يكون هناك نار فإنه لابد أن يكون هناك مكان (ق ك=1) ويمكن إثبات ذلك بان نثبت عكس ذلك غير صحيح (قَ ك=صفر).

 

 البرهان: –

   بما أن (قَ ق=صفر) حيث أن المكان لا يمكن أن يكون عير موجود وموجود في نفس الوقت حسب قانون عدم التناقض:-

إذا يمكن القول بان (قَ=صفر÷ ق)

ومن الشرط الثالث نصل إلي (ص ق هـ =صفر) عندما تكون (ص= ص ك) فيمكن البرهنة على ما سبق بالتعويض عن قيمة (ص)

(ص ق هـ) = ( ص ك ق هـ ) = صفر

وبما أن (ص هـ) = صفر ÷ ق

 إذن ( صفر ÷ ق) X ك هـ =صفر

إذن ( قَ ك ق ) = صفر

 إذن (قَ ك = صفر ) وهو المطلوب إثباته….

  وأما “ذراماكيرتى”، فقد أنكر ما ذهب إليه دعاة النبايا سوترا في تفسير الصيغتان الثانية والثالثة، وأكد على أن الصيغة الثانية للحد الأوسط يتم تفسيرها على أن “ل” ليست فئة معينة أو أخرى (مثل فئة المواقد) يشترك كل أعضائها في خاصية امتلاك النار، وأن أحد هؤلاء الأعضاء على الأقل يمتلك أيضاً خاصية امتلاك الدخان ؛ وإنما “ل” يتم تفسيرها على أنها فقط فئة كل الأشياء التي تحتوى على النار والدخان أو أي خاصية أخرى غير النار والدخان بحيث يتواجدان معاً ([lxxxiv]).ويمكن التعبير عنها بلغة الفئة الصفرية (هـ قَ = صفر )،  وأما الصيغة الثالثة فلم تعد”ع ” تعنى فئة معينة أو أخرى (مثل فئة البحيرات) يشترك كل أعضائها في خاصية عدم امتلاك النار، وأن أحد من هؤلاء الأعضاء لا تكون له خاصية امتلاك الدخان ؛وإنما تم تفسير “ع” على أنها فقط فئة كل الأشياء التي لا تحتوى على النار والدخان أو أي خاصية أخرى غير النار والدخان بحيث لا يتواجدان معاً ([lxxxv]). ويمكن أن نعبر عنها بلغة الفئة الصفرية ( هـ ق = صفر ) وعلى هذا فإن الصيغتان الثانية والثالثة عند “ذراماكيرتى” قد أخذت معنى مختلف عن المعنى الذي أخذ به دعاة النبايا سوترا، وهذا المعنى يقوم على التصديق على فرض عام، وهو: كل الأشياء المتعلقة بـ”هـ” هي أشياء فقط متعلقة بـ “ك” ؛ وبالتالي تكون كل الأشياء التي يصد رمنها دخان هي فقط أشياء بها نار. وكذلك كل الأشياء الغير متعلقة بـ “هـ” هي أشياء غير متعلقة بـ “ك”. وبالتالي تكون كل الأشياء التي لا يصدر منها دخان هي فقط أشياء لا توجد بها نار.

  آما الصيغة الأولي فقد فهمها ” ذراماكيرتي” بنفس الصورة التي فهمها دعاة الـ” نيايا سوترا “،  وهي أن ( ك تقع داخل هـ ) ([lxxxvi]) ؛ ويمكن التعبير عنها بلغة الفئة الصفرية بان ( ك هـَ = صفر )

  ولاختبار مفهوم الصيغ الثلاث لدي ذراماكيرتي من خلال الفئة الصفرية عند جورج بول نصل إلي: –

 بما أننا نريد إثبات أنه عندما يكون هناك نار فإنه لابد أن يكون هناك مكان (ق ك=1) ويمكن إثبات ذلك بان نثبت عكس ذلك غير صحيح (قَ ك=صفر)

 البرهان: .

 ( بما أن هـ = صفر ______ إذن هـ =صفر ÷ هـَ )

 وذلك لان ( هـ =صفر) حيث أن المكان لا يمكن أن يكون غير موجود وموجود في نفس الوقت حسب قانون عدم التناقض:-

وبالتعويض عن قيمة (هـ) في الصيغة الثانية نصل إلي

  (صفر ÷ هـ ) قَ =صفر………. (1)

  و من الصيغة الثالثة نصل إلي أن ( ق = صفر ÷ هـ )

   وبالتعويض عن قيمة ( ق ) في الصيغة الثالثة

حيث أن (هـ = صفر ÷هـَ)

إذن (ق = هـَ = صفر ÷ ك )

 بالتعويض في المعادلة….. (1)

إذن  بالتعويض عن ( قَ = صفر ÷ ك)

إذن  ( ك قَ = صفر )  وهو المطلوب إثباته….

 مما سبق يتضح لنا في هذه الخطوة أن التغير الذى أحدثه” ذراماكيرتى”، هو أنه أضاف كلمة”Eva ” أي فقط، حيث أضيفت إلى قاعدة القياس الصورية مما طور التمثيل من مجرد عرض للأمثلة إلى مقدمة عامة. وبالتالي تكون صورة القياس ذي القضايا الخمس بعد ظهور المقدمة العامة كما يؤكد بعض الباحثين كالآتي: بالنسبة لكل “ق” إذا كانت “ق هـ” كانت ” ق ك”

ولكن إذا كانت “ق” كانت “هـ”

إذن إذا كانت”ق” كانت “ك”

أو

بالنسبة لكل “ق” إذا لم تكن “ق هـ” لم تكن ” ق ك”

ولكن إذا كانت “ق” كانت “هـ”

إذن إذا كانت”ق” لم تكن “ك” ([lxxxvii]).

 الخطوة الرابعة:

   إن الجهد الذي بذله ” ذراماكيرتي ” في سبيل صياغة الشرط الثاني والثالث من شروط الحد الأوسط عند ” ديجناجا ” إلى مقدمة عامة،  قد كان له أثره الفعال على المناطقة الهنود الذين جاءوا بعد ذلك،  حيث نزع هؤلاء المناطقة على اختلاف توجهاتهم ونزعاتهم إلى نقد قاعدة القياس ذي القضايا الخمس القائمة على أساس إعطاء الأمثلة ،  ومحاولة إصلاحها إلى قاعدة عامة. لهذا شرعوا إلى حذف مقدمتين أو أكثر من قضايا القياس التقليدي ذي القضايا الخمس إلى قضايا ثلاث أو اثنين. وقد بنا هؤلاء المناطقة دعواهم في هذا على الإقرار بوجود صلة داخلية لا تنفصم عراها بين الحد الأكبر والحد الأوسط. ولذا يمكن بالمعنى الذي يقصدونه أن يستغنى عن القياس القائم بأن هناك نار على التل ،  لأن هناك دخان ،  عن ضرب المثال مثلما في المطبخ. فالحد الأوسط كما هو موجود في موضوع النتيجة كان للبرهنة أو الفرض ،  وبناء على ذلك يبدوا القياس ذي القضايا الثلاث صحيحا من الناحية  المنطقية ([lxxxviii]).

 وبالتالي تكون صورة القياس على النحو التالي:

حيثما يوجد دخان توجد نار

وهذا التل ممتلئ بالدخان

إذا هذا التل ممتلئ بالنار

أو

حيثما لا يوجد دخان لا توجد نار

وهذا التل ليس ممتلئ بالدخان

إذن هذا التل ليس ممتلئ بالنار

  وهذه الصيغة تشبه إلى حد كبير الضرب الأول والثاني من الشكل الأول من أشكال الأقيسة الأرسطية وليس هناك أي تأثير أرسطي على الإطلاق ،  حيث أن المناطقة الهنود توصلوا إلى هذه الصيغة بدون أي مؤثرات أرسطية بعد أن وضحت فكرة القاعدة العامة التي رسمها ” ذراماكيرتي “.

 

ويذكر بعض الباحثين أن فكرة هذا القياس ذي القضايا الثلاث كانت معروفة لدى ناجورجونا وفاسوباندو ،  ولكنها أخذت الشكل الطبيعي وأصبحت سائدة في المنطق الهندي بعد أن قدم ” ذراماكيرتي ” فكرة القاعدة العامة ([lxxxix]).

  ومن ناحية أخرى فقد اعتبر بعض المناطقة الهنود أن وجود قضيتين فقط ضروري في القياس ،  حيث أنه بما أن النتيجة مفهومة ضمناً في المقدمتين ،  وأن من الممكن ألا تعبر عنها باللفظ وعلى سبيل المثال نكفي أن نقول ” حيث لا توجد نار لا يوجد دخان ،  وفي هذا المكان دخان “. وهكذا ليست هناك أي حاجة لنا للتعبير عن النتيجة نفسها ( نتيجة لذلك في هذا المكان توجد نار ). وعلى ذلك فالقياس ذو القضيتين هو بعينه ما يسميه أرسطو بالقياس المضمر من الدرجة الثالثة. وليس هناك أي تأثير أرسطي في هذا ([xc]).

  ويرى بعض الباحثين أن هذا القياس ينسب إلى ” ذراماكيرتي ” الذي كان يرى أن كل حكم في ذاته استدلال يضمر مقدمتين([xci]).

  وثمة نقطة أخرى جديرة بالإشارة نود أن نشير إليها في هذه الخطوة، وهي أن المناطقة الهنود قد ميزوا بين نوعين من الاستدلالات: الاستدلال عن طريق الشخص ذاته Inference For One’s Self ويطلق عليه في اللغة السنسكريتية” Surarthanumana “، والاستدلال من أجل الآخرين Inference For The Sake of Others، ويطلق عليه في اللغة السنسكريتية Pararthanumana ” ([xcii]). والاستدلال الأول هو استدلال لإقناع المرء نفسه وهو الذي يتم بواسطته تمثل الذات العارفة لشيء ما([xciii]). فعلى سبيل المثال في الاستدلال القياسي ” هناك نار على التل بسبب وجود دخان ينبعث منه ،  وحيثما وجد الدخان وجدت النار”. هذا الاستدلال يمكن أن يصل إليه المرء من خلال إقناع نفسه بأن الارتباط الكلى بين الدخان والنار هو السبب ” الشيء الثالث” في تأكيد وجود النار على التل حتى على الرغم من أنها لم يتم إدراكها بالفعل. وعلى هذا فإن الجزء الجوهري الذي يدركه المرء بنفسه في الاستدلال في المثال السابق هو الوصول إلى معرفة وجود نار على أساس.

  • الدخان المدرك.
  • السبب الذي يشكله الارتباط الدائم بين الدخان والنار([xciv])

  وعلى هذا يتكون الاستدلال من اجل الشخص ذاته من ثلاث قضايا تأخذ القياس التالي([xcv]):

حيثما يوجد دخان توجد نار

وهذا التل يوجد به دخان

إذن هذا التل يوجد به نار

وأما الاستدلال من اجل الآخرين فهو الذي يتم فيه توصيل شيء للآخرين وتكمن ماهيته في التعبير اللفظي عن الفكر. وهذا الاستدلال تتم البرهنة عليه من خلال القياس ذي القضايا الخمس وذلك على النحو التالي([xcvi]):

1- هناك نار على التل البعيد

2- لان التل ينبعث منه الدخان

3- وكل ما ينبعث منه الدخان يوجد به نار كالموقد

4- ومن التل البعيد ينبعث دخان كالذي يصاحب النار باستمرار

5- إذن توجد نار على التل البعيد

ويذكر معظم الباحثين أن الاستدلال القائم على إقناع المرء لنفسه والاستدلال القائم من أجل إقناع الآخرين قد عرفه “براساستابادا” و “وديجناجا” و “ذراماكيرتى”([xcvii]) ؛ فنجد الأخير يرى أن كل حكم في واقع الأمر استدلال يدركه المرء بنفسه، كما يحتوى كل إدراك مسبق مثل هذا الحكم –الاستدلال. وهكذا على سبيل المثال نحن ندرك شيئاً أزرق ونشكل عندئذً هذا الحكم: “هذا الشيء “أزرق”. والحكم الصادر على الشيء الأزرق يشكل في الحقيقة استدلالاً: “هذا شيء أزرق لأنه يطابق الفكرة العامة عن الأشياء الزرقاء”([xcviii])

أما الاستدلال من أجل الآخرين عند “ذراماكيرتى “، فيشكل التعبير عن ثلاث خاصيات للأمارة المنطقية ( الحد الأوسط ) في الكلمات. وتفهم الأمارة المنطقية هنا على أنها([xcix]):

  • رابطتها التي لا تقبل انفصاماً بالمعلول المنطقي، معبراً عنها بطريقة إيجابية مثل: ” هناك حيث يوجد دخان توجد نار”، ( وهذه رابطة إيجابية أو مباشرة).
  • الرابطة نفسها بعد أن يعبر عنها بطريقة عكسية، بواسطة تحويل منطقي مثل ” هناك حيث لا توجد نار لا يوجد دخان “، (وهذه رابطة سالبة أو عكسية ).
  • حضور الأمارة المنطقية في مكان معين، أي رابطتها الواقعية بموضوع النتيجة مثل: ” هناك حيث يوجد دخان توجد نار”.

 وعند “ذراماكيرتى” تناظر الخاصية الأولى للأمارة المنطقية في الاستدلال للآخرين، وتناظر الخاصية الثانية للأمارة المنطقية في الاستدلال للشخص ذاته، وتناظر الخاصية الثانية الخاصية الثالثة في الاستدلال للشخص ذاته، وتناظر الخاصية الثالثة في الاستدلال للآخرين الخاصية الأولى في الاستدلال للشخص ذاته([c]).

 ويرى “ذراماكيرتى ” أنه يمكن أن يكون الاستدلال للآخرين، نوعين([ci]):

1- قياس المشابهة مثل: “هناك حيث يوجد دخان حيث توجد نار”، فعلى سبيل المثال في المطبخ وفى الحالات المشابهة” يوجد دخان، إذن يجب أيضاً أن توجد نار”.

2-قياس اللامشابهة مثل “هناك حيث لا توجد نار لا يوجد دخان وهنا يوجد دخان إذن توجد نار”

 مما سبق يتضح لنا أن مبدأ الاستدلال في هذه الخطوة أخذ فيه المناطقة الهنود، العمل على اختصار مبدأ القياس التقليدي إلى قضيتان أو ثلاث قضايا، وبالتالي تم الاستغناء عن التطبيق والخاتمة، ثم ظهر التمييز بين استدلال لإقناع الشخص ذاته واستدلال لإقناع الآخرين، الأول: يتكون من ثلاث قضايا ؛ والثاني: يتكون من خمسة قضايا كما كانت التقاليد.

الخطوة الخامسة: –

  يرى “بوشنسكي ” أن “ذراماكيرتى” برغم أنه سعى جاهداً إلى تطوير قاعدة القياس الصورية على أساس إعطاء الأمثلة في شكل علاقة عامة تقوم بين “هـ”، “ك” أو بين “ق”،”هـ”. إلا أن هذه العلاقة لم تتضح في المنطق الهندي إلا في أواخر القرن السابع للميلاد ؛ حيث طور العالم المنطقي الجينى “باتراسقامين” Patrasvamin ؛هذه العلاقة من خلال هذا المصطلح “Anyathanupapannatve “، أي ” بما لا يحدث في سياق آخر”([cii]).

 ثم ينقل ” بوشنسكى” له هذه ثلاث فقرات، وذلك على النحو التالي([ciii]):-

1-الفقرة الأولى:- ألا يمكن للمرء أن يقرر صحة حجة تتصل بما لا يحدث في سياق آخر في غياب شرط عدم الحدوث في سياق آخر، حتى الأسباب التي لها ثلاثة علامات أو إشارات في قياس معين لا تفيد شيئاً”.

2-الفقرة الثانية: – لأن السبب يتصل به شرط عدم الحدوث في سياق آخر، فهو شرط كاف سواء اتصفت بشرط واحد أو أربعة أو لم يتصف بأي منها. والشرط الوحيد هنا هو عدم الحدوث في سياق آخر، والشروط الثلاثة الأخرى هي الموجودة في عجلة الأسباب.

3- الفقرة الثالثة:- يقول الناس عن الأب أن له أبناً واحداً مع أن له ثلاثة أبناء، لأن هذا الأبن هو الأبن الوحيد الصالح، وهكذا الحال بالنسبة للمسألة السابقة. والولد الصالح المقصود هنا بالطبع هو شرط عدم الحدوث في سياق آخر، وعلى هذا فإن علاقة الملازمة الضرورية ليست موجودة في الأسباب التي عجلة الأسباب. الحجج التي فيها شرط عدم الحدوث في سياق آخر هي الوحيدة الصحيحة. الشرطان ربما لا يكونان كافيين للتوصل إلى النتيجة. ما فائدة الشروط الثلاثة إذا لم يكن هناك شرط عدم الحدوث في سياق آخر؟ وعندما نجد هذا الشرط ما فائدة الشروط الثلاثة الأخرى؟

  ثم يذكر “بوشنسكى” تعليقاً على تلك الفقرات تنسب للعالم المنطقي البوذي”كامالاسلا” Kamalasila، حيث يقول: ” شرح معنى عدم الحدوث في سياق آخر يتكون من جزئين:Anyatha ويعنى” في سياق آخر”، أي بعيدا عن الحد الأكبر وهو “ك” و”Anupapannatve ” يعنى لا يحدث وهو السبب، أي أن السبب وهو”هـ” لا يحدث إلا في الحد الأكبر “([civ]).

  غير أن”بوشنسكى” يؤكد أن معظم الباحثين يروا أن فكرة ” عدم الحدوث في سياق آخر” لم تجد قبولاً لدى المناطقة الهنود، حيث استعاضوا عنها بفكرة أخرى مشابه لها، تسمى  بـ ” Vyapti “([cv]).

  ويذكر العالم المنطقي “فيديابهاسونا” أن معظم المؤرخين المحدثين قد اختلفوا في ترجمة الـ “Vyapti ” للغة الإنجليزية ؛ فبعضهم يترجمها إلى Pervasion أي ” التخلل” أو “الانتشار” ؛وبعضهم يترجمها إلى Invariable Concomitance، أي “التلازم الثابت” ؛وبعضهم يترجمها إلى Inseparable Connection ؛ أي الارتباط غير المنفصل ؛وبعضهم يترجمها إلى Perpetual Attendance ؛ أي الحضور الدائم ؛ويترجمها بعضهم أيضاً إلى Constant Co-Presence ؛ أي الحضور المشترك الثابت. غير أننا نؤثر ترجمة معنى الـ ” Vyapti ” العلاقة اللزومية ([cvi]).

   وقد اختلف بعض المؤرخين فيما بينهم حول معرفة أول من نادى بمفهوم الـ”Vyapti ” فبعضهم يرجعه إلى “براساستابادا ” ([cvii]) ؛ والبعض الآخر يرجعه إلى “ديجناجا” ([cviii]).

ومن المؤكد أن “براسستابادا” كان على معرفة بمفهوم التلازم المنتظم ، وإن لم يستخدم في التعبير عنه كلمة “Vyapti“، ولكنه بالأحرى استخدم كلمات أخرى مثل Avinabhava and Avyabhicara للتعبير عن الـ “Vyapti ” ؛ ويتضح هذا في وصفه لطبيعة الـ”هـ”،  وعلاوة على ذلك وكما بين “كيث” ،  فإن طريقة تعبيره عن المقدمة الكبرى والتي تظهر في القضية الثالثة تدل على أنه كان ينظر إلى هذه المقدمة على أنها تمثل قانوناً عاماً أكثر منه مجرد علاقة معينة ([cix]).

 ثم يؤكد “كيث” أن طريقة “براساستابادا” لإثبات القضية الثالثة من القياس ذي القضايا الخمس تترجم بالتقريب كالآتي: كل ما هو “هـ” هو “ق” ([cx])

   ونفس الشيء يمكن أن يقال على “ديجناجا” ، فقد أدرك معنى الـ ” Vyapti ” ؛ من خلال هذا المصطلح السنسكريتى Avinabhava والذى عرفه المناطقة البوذيين الذين جاءوا بعده على أنه الرابطة العامة التي لا تتغير بين الحدين الأوسط (هـ)، والأكبر (ق) مثل الرابطة بين الدخان والنار. ولكننا لا نستطيع التسليم بوجود مثل هذه الرابطة التي لا تتغير إلا إذا لاحظنا جميع الحالات التي فيها دخان ونار. بيد أننا في الواقع لا نستطيع ملاحظة جميع هذه الحالات حتى في الحاضر دعك من الماضي والمستقبل. ولهذا ليس من حقنا أن نؤكد وجود رابطة عامة لا تتغير بين هذين الحدين. ولكن إذا كانت الرابطة لا يمكن قيامها على أساس من الإدراك الحسي، فإنه من غير المستطاع بالأحرى الوصول إليها بحجج الاستدلال، لأن صحة كل استدلال تتعلق بالتسليم بوجود هذه الرابطة العامة التي لا تتغير. وفى النهاية لا يمكن لتلك الرابطة أن تقوم على شهادة أشخاص جديرين بالثقة، لأننا لو استندنا فقط إلى تلك الشهادة لما استطاع أي واحد أن يصل إلى أي استدلال، بل إن صحة الشهادة نفسها يجب أن بيرهن عليها الاستدلال. ولكن ربما كان من الممكن أن نقيم العام ابتداء من الإدراك الحسي، ذلك العام الذى يوحد الأشياء والظواهر في فئات، وأن ندرك على سبيل المثال الرابطة العامة بين ما” يصدر دخناً “وبين ما ” يشتعل” ،  وأن نستنتج على هذا الأساس حضور النار حيث يوجد دخان ([cxi]).

وأما ” فاكسباتى ميرزا” (أحد أتباع النيايكاس الذين يتبعون تقاليد الـ” نيايا سوترا “) ؛ فيذهب في تعريفه للـ ” Vyapti“نه يمثل علاقة فطرية بين شيئين منفصلين،  وإن كانت هذه العلاقة تتناقض مع العلاقات التي تبطلها وتفسدها المعوقات ، وتسمى تلك المعوقات ” Upadhis “.      ويضرب ” فاكسباتى” مثالاً لتلك المعوقات: “هذا الجبل يوجد به دخان لأنه يوجد به نار”؛ هنا التلازم المفترض بين امتلاك النار وامتلاك الدخان يفسده ويبطله الوقود المبتل Wet fuel “.وما يعنيه” فاكسباتى” هو أنه فقط امتلاك نار بوقود مبتل المرتبط ذاتياً بامتلاك الدخان وليس النار وحده ([cxii]).

  والآن كيف يتم اكتشاف علاقة تلازمية؟

يعتقد ” فاكسباتي ” أنه يتم إدراكها بواسطة عضو حسي أو عضو داخلي ،  وليس من خلال أعضاء الحس الخارجية. ولكنه يعتقد أن الملاحظة المتكررة تكون ضرورية لإحداث هذا الإدراك. ويوضح فاكسباتي أنه في هذا التعريف للـ”” لا تكون العلاقات السببية دائماً حالات للتلازم غير المتغير([cxiii]).

 ويذكر بعض الباحثين أن طريقة فاكسباتي للتحدث عن المواضع التي يعرف فيها الـ” ” تدل على أنه لا يزال يشترك مع دعاة الـ”نيايا سوترا” في فكرة أن التلازم علاقة بين أشياء خاصة ؛ وهو يقول أننا نعرف عن التلازم بطريقة عامة ولا يلزمنا أن ندرس كل حالة خاصة. ولكن يبدو أن الـ”Vyapti ” يرتبط أساساً بحالات خاصة ،  وتتمثل المشكلة في كيفية معرفتنا بالعلاقات العامة بالأشياء الخاصة ([cxiv]).

 غير أن “Vyomasiva” (أحد الناطقة البوذيين الذين ظهروا في القرن الثاني عشر) يعتقد أن الـ”Vyapti ” علاقة بين الأشياء العامة وأنه تطبيق للعلاقة المدركة بالحالات الخاصة ،  والتي تتطلب الملاحظة المتكررة. لذلك يرى ” Vyomasiva ” أنه في القضية الرابعة للقياس ذي القضايا الخمس ” وهو التطبيق ـ يطبق الـ”Vyapti ” بين العموميات في النهاية على الـ”ك” الخاص الذي نحن بصدده ([cxv]).

  ويؤكد ” أودايانا ” بشكل خاص على أن الـ”Vypati علاقة بين العموميات ،  وحجته الأساسية على هذه النظرية ،  هو أنه إذا كان غير ذلك،  فإن فرداً معيناً قد ينتمي إلى أي فئة ؛ أي أن العموميات تولد أنواعاً طبيعية وعلاقتها هي التي تحدد أنواع التلازمات الموجودة في العالم ([cxvi]).

ويؤيد ” Bhasarvajna ” ( أحد المناطقة البوذيين الذين جاءوا في القرن العاشر ) “أواديانا” في تعريفه للـ”Vypati”حيث يذهب إلى أن الـ “Vyapti ” يوازي أية علاقة أيا كانت ،  إذ أن أية علاقة صحيحة تنعكس على العلاقات بين العموميات المتضمنة ([cxvii]).

كما يذهب “Trilocana ” ( أحد أتباع النافيانيايا الذين ظهروا في القرن الخامس عشر) إلى أن الـ ” “هو علاقة بين العموميات متحررة من الإفساد والإبطال من قبل الـ ” Upadhis “([cxviii]).

 والسؤال هو: كيف نعرف أن علاقة مفترضة متحررة من الـ” Upadhis “؟

يرى تريوكانا أن معرفة تلك العلاقة تكون من خلال الطريقة المعروفة باسم الـ “Tarka ” لبيان غياب أو عدم وجود الـ “Upadhis”. وأحياناً تعطى التاركا دليلا غير مباشر لا يكون غير دقيق تماماً،  إذ أن التاركا تتضمن افتراض فرض كاذب ثم إثبات صحة نقضه ونفيه ([cxix]).

   ولقد أدرك مناطقة النافيانيايا الذين جاءوا بعد ” تريوكانا” أهمية التاركا،  حيث نظروا إليها على أنها تساعد في إثبات شيء يمكن معرفته بواسطة إحدى الأدوات الملائمة. وهكذا فإنه عند تمييز التعميم الخاطئ” كل ما هو ناري مدخن” من التعميم الصادق ” كل ما هو مدخن ناري “،  وعند كل مثال موجب نفكر فيه نسأل عما إذا كانت له خاصية الـ ” هـ”،  وإذا كان له خاصية الـ “هـ” عندئذ نسأل عما إذا كانت له خاصية الـ” ق”. وحيثما تكون الـ” هـ ” تحتوي النار والـ” ق ” تحتوي الدخان ستأتي في الوقت المناسب كرة الحديد الساخنة لدرجة الاحمرار ،  والتي تكون مشتعلة،  ولكنها لا تدخن وفيما يتعلق بها يفشل الاستدلال ” هذه الكرة مدخنة لأنها نارية ” لأن الكرة ليست مدخنة. وبهذا الأسلوب فإن وجهة النظر المتطورة في النهاية بشأن معرفة الـ “Vyapti ” تتمثل في أننا نعرف بإدراك العلاقة بين الشيئيين العامين من خلال عضونا الداخلي ،  مع إخضاع مجموعة متنوعة من الأمثلة الموجبة المفترضة للاختبار بتخيل استدلالات مماثلة بشأنها([cxx]).       

 هذه هي باختصار أهم المناقشات التي دارت في المنطق الهندي حول تعريف الـ” Vyapti ” ؛ الأمر الذى أدى إلى حدوث تطور في مبدأ الاستدلال ،  حيث أضحى المناطقة الهنود في العصر الحديث ينظرون إلى الاستدلال على أنه يعنى المعرفة بالشيء الذي يتجاوز نطاق الإحساسات من خلال العلاقة المتلازمة مع شيء آخر يكمن داخل نطاقها ؛فمثلاً التل يوجد به نار لأنه يوجد به دخان” في هذا الاستدلال نحن نثبت النار من خلال الدخان المصاعد أعلى التل عن طريق علاقة لزومية مثبتة ،  وتسمى هذه العلاقة بـ “Anvaya – “. وبالمثل ” التل لا يوجد به نار لأنه لا يوجد به دخان “،  في هذا الاستدلال نحن نثبت عدم وجود النار من عدم وجود الدخان،  وذلك عن طريق علاقة لزومية منفية ، وتسمى هذه العلاقة بـ ” Vyatireka – Vyapti “. ومن ثم فقد وصل المنطق الهندي إلى مستوى المنطق الصوري عندما ظهر فيه مفهوم القانون العام المتمثل في الـ “Vyapti”. كما واصل مناطقة النافيا نيايا استخدام الأمثلة، وذلك لمجرد أغراض التوصيل والتواصل ([cxxi]). أما الصيغة القياسية فلم تكن تحتاج إلى أمثلة، بعد أن تطورت واتضحت، وأصبحت كلمة “مثال” تشير إلى مجرد علاقة كونية عامة.

 

 

 

نتائج البحث

 نستطيع من خلال دراستنا لتطور مبدأ الاستدلال في المنطق الهندي أن نستخلص النتائج التالية:

1- إن المنطق الهندي قد مر بثلاث مراحل في تكوينه: المرحلة الأولى تتمثل في ممارسة الجدليات بشكل واع، وإن لم تكن قد وضعت فيها بعد نظرية لقواعد الجدل. ونستطيع أن ندخل جدل ” الأنفيكسيكا”و”الكاركا سمهيتا”و”الفايشيسكا سوترا. أما المرحلة الثانية فقد تمت فيها الصياغة النظرية لعلم الجدل، كما تم تأسيس قاعدة القياس ذي القضايا الخمس من خلال إعطاء الأمثلة وقد تمثل ذلك في كتاب الـ “نيايا سوترا”. والمرحلة الثالثة مر فيها تكوين المنطق إلى مستوى الصياغة النظرية للبرهان العقلي الصوري (مبدأ الاستدلال)، وهي مرحلة الانتقال من الـ”نيايا سوترا” إلى الهيتوكاكرا أو عجلة الأسباب لديجناجا.

2- حين أقبل مؤرخو المنطق من الغربيين والشرقيين على دراسة المنطق الهندي أدركوا أن هناك ألفه بينه وبين المنطق الأرسطي، ففسره البعض بحسب نظرية التأثير والتأثر – أي أن السابق يؤثر في اللاحق. بيد أن البعض الآخر أكد على خطأ هذا الزعم مستنداً على عدم وجود دليل على تأثر الهنود بالمنطق الأرسطي أو ما يفيد اطلاعهم عليه، ولاسيما في بداياته الأصيلة.

3- إن القياس الهندي في شكله الأخير، وإن كان يشابه إلى حد كبير القياس الأرسطي، إلا أنه يختلف تماماً عن القياس الأرسطي. فالدور الأساسي للقياس الأرسطي يتجسد في مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد والذي يعنى أنه حينما تكون العلاقة بين ثلاثة حدود على نحو يكون معه الحد الأصغر منتمياً إلى ماصدقات الحد الأوسط، والحد الأوسط منتمياً إلى ما صدقات الحد الأكبر أو على العكس من ذلك لا يكون هناك انتماء، فإننا نكون حينئذً أمام قياس كامل. في حين أن المبدأ الأساسي للقياس الهندي يتمثل في علاقة الفيابتى أو التلازم غير المتغير وغير المشروط بين الحدود الوسطي والحدود الكبرى.

4- إن القياس الهندي وبالأخص القياس ذي القضايا الخمس يختلف القياس الأرسطي، فالقياس الهندي، هو استدلال حقيقي يأخذ شكل البرهان، والذي فيه نبدأ من المقدمات المؤكد صحتها حتى نصل إلى النتيجة الصحيحة والضرورية. والمقدمة الثالثة للقياس الهندي، هي قضية كلية مبنية على حقائق معينة؛ حيث إنها تجمع بين الاستقراء والاستنباط أو بين الصدق والصحة الصورية. والمقدمة الرابعة تقوم بتجميع المقدمات الكبرى والصغرى لإظهار هوية الحد الأوسط. وعلى العكس من ذلك يكون القياس الأرسطي ،  فالقياس الأرسطي هو قياس صوري بحت ويتضمن الصدق الصوري للنتيجة؛ وهو لزوم Implication أكثر منه استدلال: فإذا قررنا صحة المقدمات، فإنه يمكننا أيضاً أن نؤكد صحة النتيجة.

5- إن العلاقة بين أفلاطون وأرسطو في المنطق اليوناني تماثل العلاقة بين الـ”نيايا سوترا” وذراماكيرتى في المنطق الهندي، فإذا كان أفلاطون في محاورة “السفسطائي” تناول بعض الأفكار المنطقية في حديثه عن القسمة الثنائية، فإن أرسطو قد استفاد من ذلك في اكتشاف مبدأ القياس، حين أكد أن منهج القسمة الثنائية هو في حقيقة أمره قياس، لكنه قياس ضعيف أو غير برهاني ،  وذلك لأن النتيجة فيه لا تستخلص من المقدمات فقط كما هو الحال في القياس الأرسطي ،  وإنما تعتمد على الحدس من جانب ، وعلى التجربة من جانب آخر. ولقد استطاع أرسطو أن يحول هذا القياس الضعيف أو غير البرهاني إلى قياس برهاني، وكل ما أضافه أرسطو إلى القياس الأفلاطوني هو أنه استبدل بالحد العام الذي يتوسط بين الحد الأصغر والأكبر في القياس الحد الأوسط الذي هو العنصر الأساسي في القياس الأرسطي. وحتى ندرك الفارق بين طريقة كل من أفلاطون وأرسطو في التعبير عن هذه الواسطة نلخص موقفها فيما يلي:(1)

    أفلاطون

    س تنتمي إلى أ

   أ تنقسم إلى ب ولا –ب

 إذن س ينتمي إلى؟ (لا إنتاج لغياب عنصر الضرورة المنطقية)

أرسطو

س تنتمى إلى أ

إذن أ تنتمي إلى ب

إذن س تنتمي إلى ب

أو

س تنتمي إلى أ

أ تنتمي إلى لا-ب

إذن س تنتمي إلى لا-ب

  ونفس الشيء تكون العلاقة بين الـ”نيايا سوترا” وذراماكيرتى، فإذا كان القياس ذي القضايا الخمس في الـ”نيايا سوترا” برغم الاختبارات التي أجراها عليه بعض المناطقة الرياضيين من خلال قاعدة الاستبدال والاستبعاد، إلا أنه في حقيقة أمره قياس جدلي وغير برهاني، وبرغم أن النتيجة فيه تستخلص من المقدمات إلا أنه يعتمد على الحدس من جانب وعلى التجربة من جانب آخر كما في قياس أفلاطون. ولقد استطاع ذراماكيرتى أن يحول هذا القياس الجدلي أو غير البرهاني إلى قياس برهاني كما فعل أرسطو من قبل. هذا مع الوضع في الاعتبار كما أكد “بوشنسكى” أن الـ “نيايا سوترا” ليست فيها فكرة القانون أو الصياغة النظرية التي فتح بها أفلاطون الباب لنشأة المنطق الغربي. وهذه الفكرة هي التي تسببت في سرعة ظهور الصيغة المنطقية في الغرب. لكن في الهند تطور المنطق تطوراً طبيعياً بطيئاً خلال قرون عديدة تحت عباءة المنهجية.

 وحتى ندرك الفارق بين طريقة الـ “نيايا سوترا” وذراماكيرتى في التعبير عن هذه الواسطة نلخص موقفهما فيما يلي:

الـ “نيايا سوترا”:

  • ما هي أطروحتك؟ هي أنني أقر أن “ق” لها الخاصية” ك “.
  • ولماذا؟ لأن ” ق” له الخاصية “هـ”.
  • والأمر في ذلك؟ هي أن كل من “هـ”، “ك “تميزان “ل” ولا توجد أي منهما في “ع”.
  • وماذا بعد ذلك؟ وهذا ما نجده في حالتنا ” ق “
  • لذلك؟ إذن “ق” له الخاصية ” ك “.

ذراماكيرتى:

بالنسبة لكل “ق” إذا كانت “ق هـ” كانت ” ق ك”

ولكن إذا كانت “ق” كانت “هـ”

إذن إذا كانت”ق” كانت “ك”

أو

بالنسبة لكل “ق” إذا لم تكن “ق هـ” لم تكن ” ق ك”

ولكن إذا كانت “ق” كانت “هـ”

إذن إذا كانت”ق” لم تكن “ك”.

  • إذا ما استعرضنا الألفاظ التي صيغت بها مقدمات القضايا في المنطق الهندي سوف نجدها تنتمي إلى حد كبير إلى الثقافة الدينية التي نشأت فيها ، الأمر الذي يؤكد نقاء المنطق الهندي في أطواره الأولى من أي مؤثرات أرسطية بوجه خاص وأجنبية عنه بوجه عام.
  • إن مبدأ القياس في المنطق الهندي وليد الجدل والمناقشات التي تستهدف في المقام الأول إثبات حقيقة ودحض الأكاذيب أو السياقات التي لا يمكن البرهنة عليها. ويكشف ذلك عن نضج المنطق الهندي واقترابه من المنطق الحديث في صورته التجريبية.
  • إن الانتقادات التي وجهها بعض المناطقة العرب إلى المنطق الأرسطي لا تخلو من أثر للفكر الهندي. ويبدو ذلك واضحاً في كتابات السهروردي المقتول ونصير الدين الطوسي وصدر الدين الشيرازي والأبهري وغيرهم من الذين اتصلوا بالثقافة الهندية أو اطلعوا عليها.
قائمة المصادر والمراجع
أولاً: قائمة المصادر والمراجع العربية

 1- حمروش، د. علاء: تاريخ الفلسفة الشرقية، القاهرة، بدون تاريخ

2- ديورانت، ول: قصة الحضارة، الهند وجيرانها-الشرق الأقصى (الصين)، ترجمة د. زكى نجيب محمود و محمد بدران، المجلد الثاني، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2002،.

3- كولر، جون: الفكر الشرقي القديم، ترجمة كامل يوسف حسين، عالم المعرفة، عدد 199- صفر 1416- يوليو 1995.

4-عبد الحميد، د. حسن: الأبعاد الحقيقة لنظرية القياس الأرسطية، بحث منشور بمجلة كلية الآداب – جامعة صنعاء، العدد الثالث – ربيع الثاني 1401-مارس 1981.

5- ماكلوفسكى، ألكسندر: تاريخ علم المنطق، ترجمة نديم علاء الدين وإبراهيم فتحي، دار الفارابي، بيروت، 1987.

  ثانياً: قائمة المصادر والمراجع الأجنبية

1- Bochenski ،  I. M.: A History of logic ،  Translated and Edited By Ivo Thomas ،  University of Notre Dame Press،  Notre Dame،  Indiana،  1966.

2-Colebrooke، H.T.: On The Philosophy of The Hindus: Part II-on the Nyaya and Vaiseshika SystemTrans.Royal Asiatic Society ، Vol.I ، London، 1824

3-Demitriu، Anton: History of logic،  Vol.1، Abacus Press،  Tunbridge Wells، Kent، England، 1977.

4- Franco، Eli: Jnanasimitra`s Enquiry about ، Journal of Indian Philosophy، April، 2002.

 

5- Gokhale Pradeep p.: Inference and Fallacies Discussed in Ancient Indian Logic ، Sri Satguru Publications ،  Delhi ،  India، 1992.

6- Keith، Arthur Berriedale: Indian Logic and Atomism-An Exposion of The Nyaya and Vaisesika System،  Greenwood press،  Publishers ،  New York ،  1968.

7- Matilal،  Bimal Krishna: Logic،  Language and Reality –Introduction to Indian Philosophical Studies ،  Shantilal Jain at Shri Jainendra Press ،  India ،  1985.

8- Matial، Bimal Krishna:The Character of Logic in Indian،  Edited By Jonardon Ganeri and Heeraman Tiwari، State University of New York Press ،  New York ،  1998.

9- Nancy، Schuster: Inference in The Vaisesika – Sutra،  Journal of Indian Philosophy ، Vol..I ، Nos.3-4، March-June، 1972.

10- Price H.H.: The Present Relations Between Eastern and Western Philosophy ، The Hibbert Journal ، Vol. LIII ،  April ،  1955.

11- Radhakrishnan ،  S.: Indian Philosophy ، The Macmillan Company،  New York ،  1923.

12- Randle ،  H.N.: A Note on The Indian Syllogism ، Mind ، Vol.XXXIII ، 1924.

13- Randle، H.N.:The Indian Logic in The Early Schools ،  Oxford University ،  London ، 1930.

14- Ritter، A.H.: The History of Ancient Philosophy ،  Trans. A. J. Morrision ،  University Oxford Press ،  Oxford ،  London ،  1838.

15- Robinson، H.Richard: Some Logical Aspect of Nagarjuna`s System،  Philosophy East and West. A Quarterly Journal of Oriental and Comparative             Thought، Vol.VI.No.4، University of Hawaii Press،  January ،  1957.

16-Sastri ،  S. Subrahumanya: Logical Theory،  in Encyclopedia of Indian Philosophies،  Edited By Karl H.Potter، Princeton University Press، Princeton، New Jersey، 1977.

17- Schayer ، Stanislaw: Studies in Indian logic ،   Essay 4 ،  in Jonardon Ganeri: Indian Logic ، Rout ledge Curzon ،  2001.

18- Schayer، Stanislaw: on The Method of Research Into Nyaya،  in Jonardon Ganeri: Indian Logic ،  Routledge Curzon، 2001.

19- Tucci ،  Giusepee: Pre – Dignaga Buddhist Texts on Logic From Chinese Sources، Gaekwad`s Oriental Series Vol.XLIX ،  Baroda ،  1929.

20-Vidyabhusana،  Satis Chandra: A History of Indian Logic – Ancient ،  Mediaeval and Modern Schools ،  shantilal jain at shri jainendra press،  Motilal Banarsidass ،  Delhi ،  India ،  1971.

   (1) ماكلوفسكى، ألكسندر: تاريخ علم المنطق، ترجمة نديم علاء الدين وإبراهيم فتحي، دار الفارابي، بيروت، 1987، ص 14.

(1) Vidyabhusana،  Satis Chandra  : A History of Indian Logic – Ancient ،  Mediaeval and Modern Schools ،  shantilal jain at shri jainendra press،  Motilal Banarsidass ،  Delhi ، India ،   1971،  pp.xi-xvi .

([iii])  Bochenski ،  I .M. : A History of logic ،  Translated and Edited  By Ivo Thomas ،  University of Notre Dame Press،  Notre Dame،  Indiana،  1966، P.417.  

[iv])  Vidyabhusana :ibid،  p.47.)

(3) أنظر عبد الحميد، د. حسن: الأبعاد الحقيقة لنظرية القياس الأرسطية، بحث منشور بمجلة كلية الآداب – جامعة صنعاء، العدد الثالث – ربيع الثاني 1401-مارس 1981، ص ص 87-88.    

(1) نفس المرجع ، ص 88.

([vii]) Vidyabhusana : ibid،   P. 5-6 .

(1) Gokhale،  Pradeep p. :Inference and Fallacies Discussed in Ancient Indian Logic ، Sri Satguru Publications ،  Delhi ،  India ، 1992،  PP. 1-3 .

    (1) كتاب الفايشيسكا- سوترا: إحدى كتب المذاهب الهندوسية الستة، وقد ظهر مذهب الفايشيسكا أول الأمر كمذهب مادي عن الوجود يستند على نظريته في الذرة، ثم توسعت دائرة اهتماماته لتشمل بعض قضايا المنطق.

   أنظر د. علاء حمر وش: تاريخ الفلسفة الشرقية، القاهرة، بدون تاريخ، ص59.

        (2) Nancy،  Schuster: Inference in The Vaisesika Sutra،  Journal of Indian Philosophy ، Vol..I ، Nos.3-4، March-June، 1972، PP.34-35.

([xi])Radhakrishnan،  S . : Indian Philosophy ، TheMacmillamCompany، NewYork، 1923، P.43.

(1)  ديورانت، ول: قصة الحضارة، الهند وجيرانها- الشرق الأقصى (الصين)، ترجمة د. زكى نجيب محمود ومحمد بدران، المجلد الثاني، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة ،2002، ص250.

(1) ماكلوفسكى :تاريخ علم المنطق ،  ص30 ؛ وأنظر أيضاً

Vidyabhusana،  : Ibid ،  P.54.

(1)ماكلوفسكى: نفس المرجع ، ص 30 .

(2) نفس المرجع، ص 30.

(3) البوذية Buddhism هو مذهب فلسفي قال به جو تاما بوذا، أي الملهم، وذلك في القرن السادس قبل الميلاد، واستهدف في جوهره التحرر بنور البصيرة، واعتمد على التأمل للوصول إلى حالة النير فانا Nirvana، وتنقسم البوذية إلى توجهين هما: الهينايانا Hinayana والمهليانا Mahayana، وقد نشأت مدراس عديدة داخل هذين التيارين. ومن أهم المدارس التي تفرعت عن الهينايانا: الفيبهاشكاVaibhashika والسوترانتيكا Sautrantitka. وأول ما تفرع عن المهايانا كانت الميدهياميكه Madhymika واليوجاكارا Yogacara. وتركز مدرسة المدهياميكه على عدم إمكان معرفة الواقع تماماً من خلال وسائل ذهنية وحسية ، وهى على هذا النحو مدرسة لنزعة الشك الفلسفية ،غير أنها ليست مدرسة للشك المفرط ،  ذلك أن الواقع النهائي ، وقد كان ناجارجونا Nagarjune  أقدم وأعظم الميدهياميه . وأما مدرسة اليوجاكارا فتؤكد على نشاط العقل مع استبعاد كل ما عدا ذلك، ومن فلاسفة هذه المدرسة اسانجا Asanga وفاسوباندا Vasubandu الذي يعد من أغزر المفكرين البوذيين إنتاجا في تاريخ الفلسفة الهندية. ثم تطورت مدرسة الميدهياميكه واليوجاكارا في مثالية مدرسة الفينانافادا Vijnanava، وذلك من خلال الفيلسوف البوذي ديجناجا Dignaga، وتلميذه ذراماكيرتى Dharmakiurti اللذين يعدان من أعظم مناطقة الهند.

     أنظر  جون كولر: الفكر الشرقي القديم ، ترجمة كامل يوسف حسين ، عالم المعرفة ، عدد 199-صفر 1416-يوليو 1995 ،ص 209 – 212 .  

(1) البراهمانيون: نسبة إلى البراهمان Brahmanas؛ أي الشروح على متون الفيدا التي تفسر معناها على نحو ما تستخدم في تقديم القرابين وأدباء الطقوس وتوضيح المضمون الرمزي لأعمال الكهنة. أنظر جون كولر: نفس المرجع، ص 42. 

(2) الجينيين: نسبة إلى الجينية Jainism وهو مذهب، تزامن في ظهوره مع البوذية، أسهم في تأسيسه عدد كبير من الحكماء، وكان آخرهم مهافير. أنظر جون كولر: نفس المرجع، ص 42. 

(3) الميماسكاس: نسبة إلى الميماسا mimamsa وتعنى حرفياً دراسة الطقوس بصفة عامة، والمراد بها هنا مدرسة لتفسير الفيدا.

     أنظر جون كولر: الفكر الشرقى القديم، ص43.

Bochenski: A history of Logic،  P.418. (4)

1) Vidyabhusana: A history of Indian Logic،  P.xiv.)

Bochenski: ibid، P.418. (2)

 Bochenski :ibid ، p.418. ([xxii])

، P.418-419. op.cit(2)

  ، P.419 op.cit ([xxiv])

 (1)Colebrooke، H.T.: On The Philosophy of The Hindus: Part II-on the Nyaya and |Vaiseshika SystemTrans.Royal Asiatic Society ، Vol.I، 1824، PP.92-93.

(2)Ritter، A.H.: The History of Ancient Philosophy، Trans.A.J.Morrision، University Oxford Press،  Oxford ، London، PP.25-27

([xxvii]) Price H.H.: The Present Relations Between Eastern and Western Philosophy ، The Hibbert Journal ، Vol.LIII، April، 1955، PP.222-223.

 (4) Anton Demitriu :History of logic،  Vol.1، Abacus Press،  Tunbridge Wells، Kent، England، 1977، P.64.

      Vidyabhusana :A history of Indian Logic ، PP.511-512. (1)

      Vidyabhusana : ibid.، PP. 497-499.([xxx])

([xxxi]) Ibid،  PP.500-501.

([xxxii]) Ibid ، PP. 502-503 .

  Ibid ، P.504 . ([xxxiii])

(1) Ibid ، PP.506-508.

([xxxv]) Matilal،  Bimal Krishna: Logic،  Language and Reality-An Introduction to Indian Philosophy Studies، Motilal Banarsidass ، Delhi، 1985، PP.1-8.

(1) Keith،  Arthur Berriedale :Indian Logic and Atomism-An Exposion of The Nyaya and Vaicesika System.،  Greenwood press،  Publishers New York، 1968، PP.16-18. 

([xxxvii]) Bochenski: A history of Logic،  P.431.  

([xxxviii]) Matial، Bimal Krishna:The Character of Logic in Indian، Edited By Jonardon Ganeri and Heeraman Tiwari، State University ofNew York Press، New York، 1998، P.4.    

(2) ماكلوفسكى: تاريخ علم المنطق، ص 22.

(1) جون كولر: الفكر الشرقى القديم، ص 119.

 (1) ماكلوفسكى: المرجع السابق،  

 (1) المرجع السابق،

 (2) المرجع السابق،

[xliv]) Bochenski : A history of Logic، P.424.)

Pradeep P. Gokhale: Ibid ، PP.4-5. (2)

([xlv]) Vidyabhusana : Ahistory of Indian Logic ،  PP.499-501.  

2-3.  :Logic ،  Language and Reality ،  PP Bimal Krishna Matilal   (1)      

Pradeep P.Gokhale : Inference and Fallacies ، PP. 2-4.  ([xlvii])

([xlviii]) Ketih ، Arther Berriedale :Indian Logic and Atomism، PP.88-89.

([xlix]) Ibid، PP.89-90.

([l]) Matilal: Logic، Language and Reality، 30-31.

([li]) Bochenski : op.cit، P.428.

([lii]) Matilal، Bimal Krisshna: The Character ofLogic inIndia، p.42.

([liii]) Vidyabhusana :A History of Indian Logic، P61.

([liv]) Keith،  Arthur Berriedale : Indian Logic and Atomism ،  PP.85-87; Vydyabhusana : Ahistory of Indian Logic ،  PP.60-61.

([lv]) Sastri، S. Subrahumanya : Logical Theory،  in Encyclopedia of Indian Philosophies ،  Edited By Karl H.Potter ،  Princeton University Press ، Princeton ،  New Jersey ،  1977 ،  PP 181-182.

([lvi]) Ibid  ، P.182.

 (2) جون كولر: الفكر الشرقى القديم، ص 117-118. 

([lviii]) Gokhale، Pradeep P.: Inference and Fallacies….، PP.17-18.

([lix]) Sastri، S Subrahmanya : Logical Theory  ، PP186-187.

([lx]) H.N.Randle: A Note on The Indian Syllogism ، Mind ، Vol.XXXIII ، 1924،                         p.401   

([lxi]) Vidyabhusana :ibid ، PP.502-503.

([lxii]) Dumitriu ،  Anton : History of logic ،  Vol . 1،  PP . 63-64  

([lxiii]) Bochenski : ibid ،  P . 430 .  

 (1) ماكلوفسكي: تاريخ علم المنطق، ص 31-32.

([lxv]) Bochenski : op . cit ،  P . 430 .

 ([lxvi]) Schayer ، Stanislaw : Studies in Indian logic ،  Essay 4 ،  in Jonardon Ganeri : Indian Logic ، Rout ledge Curzon ،  2001 ،  PP 56    

([lxvii]) Bochenski : ibid،  P . 440 .

([lxviii]) Bochenski : Ibid ،  P.430.

([lxix]) Ibid، PP.434-435.

([lxx])  Ibid، PP.435-436.

([lxxi]) Randle H.N.:A Note on Indian Syllogism، PP.402-403.

([lxxii]) Sastri، S . Subrahmanya :op cit، PP191-192.

([lxxiii]) Bochenski،  op.cit، P.436.

([lxxiv])Ibid، PP.436-437.

([lxxv]) Ibid، P.436.

([lxxvi]) Vidyabhusana: op.cit، PP.283-284.

([lxxvii]) Ibid، PP.285-286.

([lxxviii]) Bochenski،  op.cit، PP.634-635.

([lxxix])Tucci، Giusepee: Pre-Dignaga Buddist Texts on Logic From Chinese Sources، Gaekwad`s Oriental Series Vol.XLIX ، Baroda ، 1929،  PP.55-56.

([lxxx]) Sastri، S .Subrahmanya:op.cit، P.192.

([lxxxi]) Ibid، P.192.

([lxxxii]) Ibid، p.192.

([lxxxiii]) Ibid، P.192.

([lxxxiv]) Ibid، P.193.

([lxxxv]) Ibid، P.194.

([lxxxvi]) Ibid، P.194.

([lxxxvii]) Gokhale، P. Pradeep:op.citPP.295-296.

(1) ماكلوفسكى: المرجع السابق، ص 23.

([lxxxix])Robinson، H.Richard :Some Logical Aspect of Nagarjuna`s System، Philosophy East and West.A Quarterly Journal of Oriental and Comparative Thought، Vol.VI.No 4، University of Hawaii Press ،  january ،  1957، PP.292-293.

(2) ماكلوفسكي: تاريخ علم المنطق، ص23.

(3) نفس المرجع، ص23.

(1) Keith ،  Arthur Berriedale : Indian Iogic and Atomism ،  PP . 94-95 .

(2) ماكلوفسكي : نفس المرجع ص36 .   

(3) جون كولر: الفكر الشرقي القديم، ص115-116.

([xcv]) Vidyabhusana : A History of Indian Logic ،  PP . 376-377 .

([xcvi]) Ibid ،  P . 361 .  

([xcvii]) Keith ،  Arthur Berriedale : Indian Iogic and Atomism ،  PP . 94; Vidyabhusana : A History of Indian Logic ،  PP .280-282 .

(3) ماكلوفسكي: المرجع السابق، ص36 

(1) نفس المرجع، ص 37-38.  (

2) نفس المرجع، ص38.

(3) نفس المرجع، ص38.

([cii]) Bochenski : A History of  Formal Logic، P. 437.

([ciii]) Ibid، PP.437-438 .

([civ]) Ibid، P.438 .

([cv]) Ibid، P.438.

([cvi])Vidyabhusana :Ibid ،  P.420-421.

([cvii])Keith، Arthur Berriedale:Ibid ،  P.94.

 (5) ماكلوفسكى: المرجع السابق، ص 34.

([cix]) Keith:Ibid ،  P94.

 ([cx]) Ibid، P.194.

(3) ماكلوفسكى: المرجع السابق، ص 43-44.

([cxii]) Sastri، S Subrahmanya:Ibid ،  PP200-201.

([cxiii]) Ibid ، p 202.

([cxiv]) Franco، Eli:Jnanasimitra`s Enquiry about ، Journal of Indian                         Philosophy، April، 2002، pp.191-192.

([cxv]) Sastri:ibid، pp.202-203.

([cxvi]) Ibid، P.203.

([cxvii]) Franco:Ibid، P.194.

([cxviii]) Sastri :Ibid، P.203-204.

([cxix]) Ibid، P.204.

([cxx]) Ibid.PP.206-207.

([cxxi]) Vidyabhusana:Ibid ، P.306.

(1) عبد الحميد ، د.حسن : الأبعاد الحقيقية لنظرية القياس الأرسطية ، ص 99-100 .

مقالات أخرى

تعدّد الطّرق الصّوفيّة

جماليّة التّناصّ في الشّعر الصّوفيّ

“زيارة” الضّريح بإفريقيّة مطلع العصور الوسطى

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد