الأنسنة في العالم العربي : انكسار المشروع وعسر الإحياء

بعد أن أسدل الستار منذ قرون خلت عن التفكير الجاد في مفهوم الإنسان الحقيقي بمسرح العالم العربي والإسلامي ، وحلت محله أنماط تفكير أخرى لا تفي بالبراديجم أو النموذج الممكن في علاقة الإنسان العربي بذاته وكل العوالم الأخرى من ثقافات وحضارات وجغرافيات الشعوب والأمم الأخرى، والمساهمة بدوره في صيرورات التاريخ الإنساني ، وأصبح المتناول التفكيري خلال القرون الأولى من الحقبة الإسلامية في خبر كان، من باب تاريخ الأمجاد والسلف والمساهمة التاريخية والحضارية في البناء الحضاري الإنساني، في حقبة تاريخية اعتلى فيها الفكر الإنساني العربي الإسلامي عروش العلوم على اختلافها، في وقت كانت فيه أمم أخرى لازالت ترزح تحت نير الجهل والظلام والوضعيات المنحطة للكرامة والعقل الإنسانيين، فإن مراحل وعهود هذا السدل تنامت وتعاظمت أسبابها وظواهرها وإشكالياتها، ولم يعد من السهل تجاوز وإحداث القطائع الإبيستمولوجية مع السائد ذي الطابع التخلفي على جميع المستويات، ما لم نعد النظر في ذواتنا وكياناتنا ووجودياتنا، والقيام بالثورة الممكنة على حيل التاريخ ومقالب السياسة والاجتماع والأيديولوجية، وحسم المعركة مع القوى والفاعلين الاجتماعيين سواء على مستوى الداخل أو الخارج لصالح الجموع الإنسانية والأغلبية العظمى من بني الإنسان، بتفكير جديد حول مفهوم الإنسان وبنفس فلسفي وحضاري وجودي في خلق قيم إنسانية وحضارية تتسم بالروح الإنسانية في إبداعاتها وإنتاجاتها وانشغالاتها، وهذا ما طالب به مفكرونا ومثقفونا وفلاسفتنا المعاصرون الجادون في اهتماماتهم ذات الطابع الإنساني الأشمل والأرحب في الفكر الإنساني، رغم الاختلافات المرجعية والمذهبية والتصورات وأدواتهم المنهجية الموجهة لمساراتهم وبحوثهم العلمية والفكرية، أملين في بعث روح جديدة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر. محاولين من جانبهم إحياء ما تم اغتياله عبر أزمنة التخلف المتتالية، مجلين الأعطاب والبؤر التاريخية والثقافية التي ساهمت في هذا التعطيل وديمومة التخلف المزمن بأمراضه وأسبابه وتجلياته الصارخة .

    التفكير في الإنسان واستكناه القيم الأصيلة فيه، والعمل على خدمته باعتباره القيمة الأسمى، ومحور كل القيم في الآن نفسه، هو ما حذا بالمثقفين والمفكرين والباحثين العرب والمسلمين إلى التفكير في قضايا الإنسان العربي، ومعاودة النظر في ما أنتج سلفا من قبل الأسلاف الجهابذة، والبحث في طبيعة أفكارهم وإخضاعها للأدوات المنهجية المعاصرة بالدراسة والتحليل والنقد، واستجلاء المحطات المتنورة في طروحاتهم واجتهاداتهم ، وهو ما جعل بعض من مفكرينا يتوقفون عند مفهوم ” الأنسنة “، أو بالمفهوم العام ” الفكر الإنساني ” لدى فلاسفتنا القدامى، حيث كانت الأرضية خصبة في بعض محطاتنا التاريخية والثقافية والحضارية للممارسة الفكرية والفلسفية الحرة،  بمثابة مشروع واعد لكل الإنسانية جمعاء،فمورست عمليات الإجهاض والاغتيالات المتعددة الأساليب لقبره ومحوه من ساحة الوجود العربي الإسلامي، مما حز في نفوسهم وضعية الغياب والانكسار والانحصار الممتدة على طول قرون خلت، ولا زالت منسابة في طيات وشرايين وجودنا المعاصر .

     طبعا ما خلق هذا الاهتمام لدى مفكرينا وفلاسفتنا المعاصرين هو وقع الصدمة الحضارية التي أحدثت بفعل تقدم الأخر وتخلفنا نحن، واكتشاف حجم الحضور لأفكار أسلافنا لدى الأخر لما أراد التنوير والنهوض واقتلاع جذور التخلف التي كانت تشده وتربطه بواقع عهود الظلام والانحطاط الفكري والديني والفلسفي والثقافي والسياسي، والتي دشن بها انطلاقته   وممارساته الهدامة للفكر المنغلق في جوانبه المتعددة  . لتظهر نزوعات نحو التفكير في الإنسان بشكل ثوري على أنماط التفكير السائدة والمغيبة للفاعلية الإنسانية ،وهو ما فتح الباب لتدشين عهد التفكير الأنسني أو”  النزعة الإنسانية ” ، أي أن الأنسنة في الغرب مثلت ” قطيعة حاسمة مع كل نظرة  لاهوتية قروسطوية صادرت كيان الإنسان باسم الإيمان ! وتمثل في الوقت نفسه فلسفة جديدة – لرؤية جديدة – تحل الإنسان محل المركز من الوجود بعد أن كان من الوجود على هامشه   ( 1 ) ، حيث عمل فكر الأنسنة على خلق  ” استقلالية الذات البشرية وتحرير عقلها وروحها معا ” من القيود والسياجات الدوغماتية التي كانت تكبل الفرد داخل فضاءات الغرب خلال عهود القرون الوسطى، ومن ثمة الشروع في مشاريع التنوير والنهضة والحداثة ، وبذلك تجذر فكر النزعة الإنسانية بالمجتمعات الأوربية والغربية عموما .

    وفي مجالنا العربي الإسلامي المعاصر يعود الفضل في إبراز هذا المفهوم من جديد وإحيائه بالبحث العلمي المتعدد المناهج والأدوات، وبانفتاحية على كل المرجعيات والمذاهب لاستجلاء مفهوم الأنسنة بداخل كياننا نحن العرب المسلمين، إلى المفكر والفيلسوف الجزائري محمد أركون، الذي اشتغل عليه منذ بذور تفكيره الأولى ، بعودته إلى تراثنا وتمحيصه من جديد وبنفس فلسفي وهاج ومتقد، ليس هذا فحسب، بل بحرقة وبأسى شديدين على ما فاتنا من ضياع فرص وإمكانيات وجود فسيحة، في وقت كان فيه عود السبق لأسلافنا المتنورين والعقلانيين لاحتواء وعائهم العقلي والذهني والفكري والفلسفي كل تيمات الأنسنة أو النزعة الإنسانية، إلا أن عوامل مكر التاريخ السياسي والاجتماعي والأيديولوجي ساهمت في تقويض المشروع وعمقت تراجيدية الاغتيالات الممنهجة، ورسخت السياجات المحددة سلفا من قبل الممثلين الاجتماعيين بحسب تعبيره، والتي لم تترك للفكر الإبداعي الإنساني قيد أنملة للتحرير من غوغائية الجهل والتجهيل والدوغمائية من السلط القاتلة للعقل والحرية والكرامة والقيم الإنسانية الفعالة، إذ لا زالت مستمرة لحد الساعة . ” وما يأسف له أركون كثيرا هو موت الأنسنة وعدم استمراريتها في الفكر العربي، بالرغم من بلوغها الذروة في القرن الرابع الهجري، ولذلك يركز على دراسة المنشأ الاجتماعي لمفهوم الأنسنة والفلسفة العقلانية ووظائفها في القرن الرابع الهجري، كما يبحث أسباب نسيانها وتراجعها في المجال العربي الإسلامي، بهدف محاولة بعث الاتصال بها من جديد “. ( 2 ) .

    إن عمليات التفكير الجادة في مفهوم الإنسان، أخذت من المثقفين والباحثين والمفكرين والفلاسفة العرب المسلمين المعاصرين الجهد الأكثر تفانيا وتضحية في اشتغالا تهم الفكرية والفلسفية، وهناك من قضى نحبه وحمل معه الغصة المأساوية إلى الأبد، وهناك من لا زالت تصاحبه في حركاته وسكناته في وقت لا زال فيه من يعيق تطور الفكر الأنسني في مجموع الأقطار العربية الإسلامية، وهو ما يحجب إمكانية المساهمة في بناء القيم الإنسانية الكونية والفعل الإيجابي في هرم الحضارة العالمية، وعدم القدرة على مواجهة التحديات التي تزيد من وقع الصدمات وتفاقم منسوب التخلف والتراجع والنكوص والانكسارات .

    ومن وجهة نظرنا في هذه المقالة التي لا تتسع لأكثر من إبداء رأي مبسط ومختزل في قضية أكثر الإشكاليات تعقيدا، يكون رهاننا هو إثارة جانب من جوانب قضايانا المعاصرة، والتي استشكلت في زمن لم تكن فيه الأدوات العلمية والمعرفية متوفرة كما هي اليوم ، وبالرغم من ذلك لم نلم بعد بكل زواياها سواء فيما طرح ماضيا بحقلنا العربي الإسلامي الخاص أو فيما هو متاح الآن من قبل الأخر، وعلى أمل أنسنة إنسانياتنا دمتهم أيها العرب المسلمون على محرقة الوعي الشقي وحرقة السؤال ولهفة النقد ومجاديف الخلاص والانفكاك من واقع الدوغمائية والتخلف !!!  .   

 هوامش :

  • 1 – عبد الإله بلقزيز ، العرب والحداثة ، دراسة في مقالات الحداثيين ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ط 1 ،عام 2007، ص 62 .
  • 2 – مصطفى كيحل ، الأنسنة والتأويل في فكر محمد أركون، الفصل الأول، فقرة نزعة الأنسنة في الفكر العربي ، على الرابط التالي .      http://bu.umc.edu.dz/theses/philosophie/AKIH2524.pdf

مقالات أخرى

نظريّة العدالة كأنصاف عند” راولز”

لمحة عن مظاهر التّسامح والتّطرّف بين المكوّنات الدّينيّة  في المغرب

تسريد القيم

12 تعليقات

محمد لحميدي 11 يونيو، 2021 - 7:04 م
كما عودنا أستاذنا الفاضل سي عبد المجيد على مساهماته القيمة في تناول القضايا ذات البعد المعرفي و الإنساني ،نجد اليوم هذه المقالة قيمة مضافة في هذا المجال و صيحة صادقة من أجل الخروج من "محرقة الوعي الشقي" والتخلص من وضع التخلف و البحث عن "مجاديف الخلاص" لعلنا نتمكن من أنسنة الإنسان... تحياتى تقدير و اعتزاز أخي و صديقي
عبد المجيد بن شاوية 15 يونيو، 2021 - 1:37 م
العفو سيدي محمد الأخ والصديق العزيز، مساهمة متواضعة جدا تقارب جانبا من أزمة تفكير وتأمل في قضية هامة جدا، وتعتبر منطلقا محوريا في بناء الكيانات المجتمعاتية والحضارية. ولكم كل التقدير والاعتزاز على مروركم البهي مودتي الأخوية الدائمة
محمد لحميدي 11 يونيو، 2021 - 7:22 م
المرجو من هيأة التحرير تصحيح المعطيات المتعلقة بجنسية الكاتب فهو مغربي وليس جزائري . لكم جزيل الشكر
الحسين بوخرطة 11 يونيو، 2021 - 7:51 م
الشكر موصول للأستاذ الكريم سيدي عبد المجيد بن شاوية على هذا المقال المفيد والهادف جدا. المقومات الحضارية للأرض العربية العلياء الشاسعة من المحيط إلى الخليج تزخر بالثراء من كل الجوانب. العودة إلى دراسة وتمحيص تاريخ الأنسنة وانزلاقاته السياسية، وما ترتب عن ذلك من تيه ثقافي، بهدف إعادة بنائها بأسس معرفية معاصرة أمر هام للغاية ومطلوب بإلحاحية شديدة. بالطبع تطور الآخر مرتبط بتأخرنا، ولديه ما ينفع المطلب التنموي الذي تمحور عليه مقالكم. فإلى جانب توفرنا على مشاريع فكرية ضخمة, وعلى رأسها مشروعي المرحومين الجابري وأركون، هناك أخرى على المستوى الفلسفي والفكري، وأخرى على المستوى الأدبي والفني. فكتابات العلامة الدكتور سيدي علي القاسمي كنموذج، تشكل وتزكي بالدليل القاطع مقومات مشروع وحدوي إنساني عربي بكل المقاييس،مشروع جعل سفينته تتجول عالميا ورست في مرافئ حب سبعة، ليبقى مرفؤ الحب العربي زاه ومميز.
عبد المجيد بن شاوية 15 يونيو، 2021 - 2:14 م
أستاذنا الفاضل سيدي الحسين بوخرطة كم أثلجتم صدري بمروركم الكريم النابع من تقديركم الوازن لما جاء في هذه المساهمة المتواضعة في شأن قضية تقض مضجع المهتمين بها، ألا وهي إشكالية أنسنة الإنسان بجغرافيتنا الممتدة من المحيط إلى الخليج، وكما أشرتم هناك ما يسع لكل مقومات مشروع الأنسنة المأمول، لما لا وهناك من كرس جهوده النبيلة لخدمة هذا الإنسان، في كل جوانب حياتنا الفكرية والفلسفية والثقافية. لكم مني كل التقدير والإمتنان على اهتمامكم النبيل بما جاء في هذه المقالة المتواضعة جدا. مودتي الأخوية ومحبتي مجددا.
أبو الشيماء 12 يونيو، 2021 - 4:22 م
يلمت يداك وقراءاتك التحليلية الرصينة.. لا حرمنا الله من عقلك وبصيرتك في تسليط الضوؤء على هذا الواقع العبثي المحبط الذي يأبى أن يخضع للعقلانية. حيى الله ذ. عبد المجيد بن الشاويى.
عبد المجيد بن شاوية 15 يونيو، 2021 - 2:34 م
وأنا بدوري أحييكم أخي أبو الشيماء بأبهى وأطيب التحيات الأخوية القلبية الخالصة على مروركم الكريم، ولا حرمنا الله من أمثالكم الذين يوقظون في كيان كل إنسان تلك البذرة التأملية العقلية التي بها تبدأ عملية التفكير وتعقل كل الأشياء والعوالم المحيطة بنا. كل المودة والمحبة
afyfayman@gmail.com 12 يونيو، 2021 - 10:09 م
نقد الفكر العربي خاصة والفكر العربي الإسلامي عامة غالبا ما يتهم أصحابه "بالعلمانيين" المجترين للفكر الكولونيالي، لا لشيء إلا لأنهم يخرجون عن التفكير والثقافة النمطيين. الأستاذ بن شاوية عبد المجيد أخذ على ويأخذ على عاتقه هذه المسؤولية (مسؤولية نقد الفكر النمطي) غير آبه لما قد يتعرض له من نقد لاذع وحتى اتهام بالسفسطة أو ... واضعا نصب عينيه إيقاظ فكر تجمد منذ عقود
عبد المجيد بن شاوية 15 يونيو، 2021 - 3:06 م
نعم أخي عفيف ما تفضلتم به هو عين الصواب، حين يمارس النقد والتفكير على جانب من جوانب حيواتنا المشتركة من قبل بعض من نذروا عقولهم لتمحيص وتدبر كل ما هو معطى، فإن الناقد أو المفكر قد لا يسلم من سهام التشكيك والتجريح في شخصه، من دون خلق فسحة لاختلاف الرؤى والتصورات. مودتي الدائمة وكل التقدير.
شهد محمد الختلان 8 أغسطس، 2021 - 8:21 م
نواجهُ بحياتنا الكثير من العقبات القاسية التي تصدنا، وتفقدنا الأمل وتملأنا بالخيبة والبؤس، ونصبح ضعفاء غير قادرين على مواجهة مرارة الحياة عندها نكون قد فقدنا ثقتنا بأنفسنا أننا لا نستطيع التغير، وليس لدنيا القوة والصبر لتخطي هذه الأزمة، لذلك علينا التحلي بالصبر والقوة والاعتقاد دائماً أنّ هناك شيء جميل قادم، وإليكم في هذا المقال عبارات عن الحياة القاسية، أتمنى أن تستفيدوا منها لا تنظر إلى الأوراق التي تغيّر لونها وبهتت حروفها، وتاهت سطورها بين الألم واليأس، سوف تكتشف أنّ هذه السطور ليست أجمل ما كتبت، وأنّ هذه الأوراق ليست آخر ما سطّرت، ويجب أن تفرّق بين من وضع سطورك في عينيه، ومن ألقى بها للرياح، لم تكن هذه السطور مجرّد كلام جميل عابر، ولكنّها مشاعر قلب عاشها حرفاً حرفاً، ونبض إنسان حملها حلماً واكتوى بنارها ألماً ، إن الحياة إما مغامرة جريئة أولا شيء، الأمن غير موجود في الطبيعة، ولا يمكن للبشرية جمعاء أن تختبره بشكل مستمر. لا يمكن السكوت على عقوبة الإعدام، سوى من قبل الرجعيين المتطرفين، الذين يطالبون بدولة لها من القوة والطغيان، ما يمنحها حق سلب الحياة والقتل. العقول المبدعة تبقى على قيد الحياة، خلال أي نوع من أنواع التدريب السيء. نحن مسجونون في عالم الحياة، مثلنا كمثل البحارعلى قاربه الصغير في المحيط اللامتناهي.
عبد المجيد بن شاوية 16 أغسطس، 2021 - 3:00 م
لا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان على كلماتك الراقية والهادفة سيدي شهد محمد الختلان، ذات الدلالات المفعمة بالأمل والطموح رغم ما نكتوي به من مأسي ومن تجليات كثيرة للأزمة البنيوية التي نعيشها، وكما تفضلت أخي الفاضل بعبارتك الراقية هاته : العقول المبدعة تبقى على قيد الحياة, بهذا المعنى الوجودي نريد لأمة أن تنهض بوعيها وبعقلها ةوبحضارتها نحو مصاف الدول والأمم المتقدمة وتحتل بينها مرتبة مشرفة. ولك أخي شهد محمد الختلان أسمى عبارات الود والتقدير.
شهد محمد الختلان 22 أغسطس، 2021 - 1:03 ص
دخل الإسلام شبه الجزيرة العربية في القرن السابع لميلاد المسيح، وحسَّن من وضع المرأة بالمقارنة بالوضع الذي كان عليه في الجاهلية، فوفقًا للنصوص القرآنية، فإن للنساء ما على الرجال ولهن ما لهم فكانت مساواة بينهما في المسئوليات والواجبات؛ حيث نص القرأن: " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ" (الأية 195 سورة آل عمران)ورفض الإسلام عادة وأد البنات والتي كانت عادة جاهلية ترجع إلى الموروث الثقافي عند بعض العرب؛ حيث كانوا يدفنون الإناث أحياء بعد الميلاد مباشرة خشيةً العار، وقد قص القرآن ذلك بقوله: "وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلاْنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ" سورة النحل 58:59 وعن أم المؤمنين عائشةي قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كنّ له سترًا من النار"ويصف ويليام مونتغمري أستاذ الدراسات الإسلامية التحول في وضع المرأة بعد الإسلام قائلًا: "صحيح أن الإسلام لا يزال، في نواح عدة، دين ذكوري، لكني أعتقد أنني قد وجدت أدلة في بعض المصادر حديثة العهد بالرسالة؛ والتي توضح أن وضع المرأة قد تحسن كثيرًا في ظل الإسلام. ويظهر ذلك في بعض الأجزاء من شبه الجزيرة العربية ولا سيما في مكة، حيث كان نظام الانتساب للأم أو ما يعرف بالطوتمية موجود عند بعض القبائل، ولكن في ظل الإسلام تحول إلى نظام الأب الواحدناقش بعض الكُتاب وضع المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ووجدوا أنهم أمام وضع مختلط. فوفقًا للعرف القبلي الذي كان بمثابة القانون القائم آنذاك، لم يكن للمرأة كقاعدة عامة أي وضع قانوني يُذكر، لقد بيع النساء عن طريق أولياء أمورهن والذين كانوا بدورهم "كتجار إناث" يقبضون الثمن في المقابل، وكان هذا الزواج قائم على الإرادة المنفردة للزوج، ولم يكن للنساء [[حق |الحق]] في الملكية أو الإرث ويذهب بعض الكُتاب، بأن المرأة كانت أكثر تحررًا قبل الإسلام عن ما كان عليه وضعها بعده، ويستشهدون على ذلك بالزواج الأول لمحمد نبي الإسلام؛ والذي كان زواجًا عن طريق طلب خديجة بنت خويلدحيث أرسلت إحدى صديقاتها؛ وهي نفيسة أخت يعلى بن أمية إلى النبي محمد تعرض عليه الزواج من خديجة، وكانت خديجة سيدة في قومها وتاجرة ذات مال. وكذا يُعول هؤلاء الكُتاب على نقاط أخرى منها عبادة العرب للات وهي إحدى الأصنام التي عبدها العرب قبل الإسلام وكانت هي والصنمين مناة والعزى يُشكلن ثالوثًا أنثويًا عبده العرب وبالخصوص ممن سكن مكة وتعتبر المؤرخة السعودية هاتون الفاسي أن حقوق المرأة العربية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، و تستعين بذلك بأدلة من الحضارة النبطية القديمة الموجودة في الجزيرة العربية، فقد وجدت أن المرأة العربية في ظل هذه الحضارة كانت تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة، وأشارت الفاسي إلى أن المرأة فقدت الكثير من حقوقها في ظل القانون اليوناني والروماني قبل دخول الإسلام، وقد تم الإبقاء على هذه المعوقات اليونانية الرومانية في ظل الإسلام ويختلف وضع المرأة على نطاق واسع في جزيرة العرب قبل الإسلام من مكان لآخر نظرًا لاختلاف الأعراف والعادات الثقافية للقبائل التي كانت متواجدة آنذاك؛ حيث كانت قوانين المسيحية واليهودية مهيمنة للغاية بين الصابئة والحميريون في الجنوب المزدهر من المنطقة العربية. في أماكن أخرى مثل مكة المكرمة حيث مولد النبي محمد كان لمجموعة من القبائل الحق في المكان؛ وكان ذلك أيضًا ينطبق بين ساكني الصحراء من البدو، ويختلف الوضع باختلاف العرف من قبيلة لأخرى، وبالتالي لم يكن هناك تعريف واحد لا للدور الذي اضطلعت به المرأة ولا للحقوق التي حصلت عليها قبل مجيء الإسلام.
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد