تحل هذه الأيام، ذكرى ميلاد فيلسوف أكاديمي، كان ملهماً لكل من يتعامل معه، ودافعاً للجميع على الثقة بالنفس والإمكانيات والقدرات الشخصية.. ما من أحد اقترب منه إلا وقد تأثر بصفاته الخلقية الرفيعة والنادرة، النابعة من رؤيته الإيمانية القيمة المعتدلة للحياة. فنجد فيه نشاط وحيوية المؤمن برسالته، وهدوء وصمت المفكر، ونجد فيه تواضع العالم، وصبر الباحث، والصدق مع النفس ومع الآخرين، ونجد فيه عطاء بغير حدود، إنه الأستاذ الدكتور “مجاهد محمد عبد المنعم مجاهد”، والذي يعد واحداً من دعائم الثقافة المصرية والعربية المعاصرة، وأحد أركان الدعوة إلى التفكير العلمي والتحديث الحضاري، (ولد في القاهرة 1934)، هو مترجم وصحفي مصري، حاصل على ليسانس الآداب، قسم الفلسفة، جامعة القاهرة 1956. تدرج في العمل الصحفي منذ عام 1955 حتى أصبح نائباً لرئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، كما يعمل أستاذاً زائراً للفلسفة وعلم الجمال في الجامعات المصرية. وشارك في العديد من الندوات الحوارية والمؤتمرات الفكرية في الأقطار العربية والعالم وساهم في إذكاء وتنمية الوعي السياسي عند الإنسان العادي.
وإلى جانب التعليم أشتغل “مجاهد عبد المنعم مجاهد” في الصحافة الفكرية بمجال التأليف والتعريب الفلسفي، وهو عضو اتحاد الكتاب، ونقابة الصحفيين، والجمعية الفلسفية. اشترك في كثير من الندوات الأدبية والمهرجانات الشعري؛ ونشر عشرات المقالات المؤلفة والمترجمة في الشعر والنقد الأدبي والفلسفة والجمال في الدوريات المصرية والعربية، وهو خبير ثقافي بجريدة الأهرام -الجريدة الرسمية لجمهورية مصر العربية- أما عن الجانب الإنساني في حياته فلدية أربعة أبناء 1-عبد المنعم 2-أمير 3-عفاف 4-فاطمة (صحفية بجريدة الأهرام).
ومنذ اشتغاله بالفكر والفلسفة والثقافة كانت رسالته الوحيدة بل همه الوحيد هو إحياء العقل النقدي, واستقلال فكر الإنسان وعدم خضوعه لسلطة تحد أو تمنع انطلاقه في النقد والتفكير بحرية, ودائما ما كان يدعو لتأسيس ثقافة مصرية وعربية جديدة تهدف إلى تحديث المجتمع, بفهم جديد للواقع والتصدي لمصادرة حق النقد والتفكير والإبداع, مع تحرير العقل المصري والعربي من التعصب وإلغاء الآخر,
لقد وهب مجاهد عبد المنعم كل حياته لهدف واحد نبيل هو عقل الإنسان، وحقه في التفكير بحرية وبإرادة مستقلة، وظل مشروعه الثقافي والفكري، ينطلق من أهمية احترام عقل الإنسان وتحريره من كل قيود مع حقه في النقد والرفض الحر، لكل القوالب والمسلمات التي تنتقل عبر أجيال دون محاولات، لغربلتها ومعرفة أصولها وحقيقتها, وكأنه بذلك قد وضع يده على مكمن الداء الذي أصاب العقل العربي علاوة على أنه أمن بحرية الفكر والرأي، كما آمن بحق الدفاع إلى حد ارتفع به إلى مرتبة القداسة. بحسبان أن التاريخ ما زال يعلمنا أنه ما احتبست الأفكار في الصدور، ولا سجنت الحقوق علي يد مغتصبيها، إلا انقلبت يوماً براكين على سجانيها، وحمماً على محتبسيها.. وآمن بأن الفلسفة أولا وأخيراً أهم ما يجب أن يشغل الإنسان وأسمي ما يتجلى به من فضائل، وان كل اهتمام يحول دونها أو يقصر على بلوغها، فساد في الرأي وانشغال عن الحقيقة.
ولذلك منذ اشتغاله بالفكر والفلسفة والثقافة كانت رسالة مجاهد عبد المنعم مجاهد” الوحيدة بل همه الوحيد هو نفس الاتجاه الذي سار عليه أستاذنا فؤاد زكريا ألا وهو إحياء العقل النقدي, واستقلال فكر الإنسان وعدم خضوعه لسلطة تحد أو تمنع انطلاقه في النقد والتفكير بحرية, ودائما ما كان يدعو لتأسيس ثقافة مصرية وعربية جديدة تهدف إلى تحديث المجتمع, بفهم جديد للواقع والتصدي لمصادرة حق النقد والتفكير والإبداع, مع تحرير العقل المصري والعربي من التعصب وإلغاء الآخر,
كما استطاع الفيلسوف المصري الدكتور “مجاهد عبد المنعم مجاهد”، على مدار حياته، أن يقدم للمكتبة العربية تراثًا ثريًا، ومن أبرز المؤلفات التي صدرت له في مجال الفلسفة وعلم الجمال والنقد الأدبي: سارتر مفكراً وإنسانا، دراسات فلسفية، هايدجر راعي الوجود، الاغتراب في الفلسفة المعاصرة، علم الجمال في الفلسفة المعاصرة، دراسات في علم الجمال، فلسفة الفن الجميل، المتنبي والاغتراب، هيجل راعي الحرية، الفلسفة والحنين للوجود.
وأما عن دواوينه الشعرية والقصص والروايات فنذكر منها: أغاني الزاحفين 1956، أغنيات مصرية 1958، وداعاً فارس الحدثة (بالاشتراك) 1982، هكذا تحدثت العيون 1992، ثالثهما العشق، أقمار على شجرة العائلة؛ كما نشر الكثير من القصص والروايات مثل: سيرة الفراغ الزجاجي (تأليف) 1956.
أما عن ترجماته: تاريخ الفلسفة اليونانية (ولتر ستيس)، فلسفة النفي (هيربرت ماركيوز)، فن الحب (إريك فروم)، فرويد (إريك فروم)، الخوف من الحرية (إريك فروم)، زعزعة الأساسيات (بول تيليش)، الواقعية في الفن (فنكلشتين)، هيدجر(جرين)، جيد (ايرلاند)، بيكيت(سكوت)، كافكا (اوزبورن)، سارتر عاصفة على العصر (40 دراسة مترجمة)؛ ترجم الكثير من شعره إلى اللغتين الإسبانية والروسية. ومن صداقاته في الوسط: ماجد أيوب، عبد المنعم عواد يوسف، فاروق شوشة؛ وممن أشادوا بالشاعر: نزار قباني، وأنيس منصور.
وقد كتب عنه أستاذنا الدكتور صلاح فضل في مقال له بعنوان “مجاهد عبد المنعم مجاهد في أقماره الكاملة”، فقال: مجاهد عبد المنعم مجاهد شاعر ومفكر كبير، تجاوز السبعين من عمره بقليل، شارك جيل عبد الصبور وحجازي في حمل لواء شعر التفعيلة في مصر إبان الخمسينيات، لكنه انفرد عنهما باستغراقه في فلسفة الجمال، وكتاباته في النقد، وترجمته لكثير من الكتب، أهمها موسوعتان كبيرتان، إحداهما تاريخ النقد الأدبي لرينيه ويليك في ثمانية مجلدات، والأخرى محاضرات فلسفة الدين لهيجل في تسعة أجزاء، مما يلقى بظلال الشراكة على إبداعه الشعرى الذى كان متناثرا، لكنه عندما جمع أشعاره الكاملة ونشرها في سفرين كبيرين عامي 2004/2005 تبين أنه من أغزر شعراء عصره إنتاجا وأشدهم تمثيلا للوجدان المصري في العقود القليلة الماضية.. على أنه قد انفرد أيضا بخاصية طريفة، هي تسجيل قصائده طبقا لتسلسل كتابتها زمنيا، فرتبها مؤرخة منذ عام 1951 – عندما كان في السابعة عشرة من عمره – حتى عام 2000 وقت إعدادها للنشر، وأضاف إليها بعض الملاحق من قصائد العمود وشعر التفعيلة في مرحلة التكوين السابقة، فقدم بذلك فرصة نادرة للنقاد لتأمل إنتاج الشعراء في مراحل عمرهم المختلفة، وقياس ما يصيبهم من تدفق أو حصر أو نضوب، استجابة للعوامل الذاتية في الخصوبة والعقم من ناحية والعوامل الخارجية للمثيرات من ناحية أخرى.
ويستطرد صلاح فضل:” وفى قراءة أولية لحالة الشاعر بوسعنا أن نستخلص منها ما يؤكد إحصائيا وجهة النظر السائدة في علم نفس الإبداع من أن فورة الشعر الحقيقية تنبثق في مطلع الشباب وتنحسر تدريجيا بعد ذلك، فجملة ما كتبه مجاهد من القصائد المؤرخة 421 قصيدة، منها 222 – أي أكثر من النصف – كتبها وهو في العشرينات من عمره، و142 قصيدة كتبها وهو في الثلاثينات، أي أنه أنجز ما يربو على 86% من إنتاجه الشعرى في عقدي الشباب الأول، و14% فقط في بقية مراحله· وقد نلاحظ أن شباب الشاعر يتوافق مع مرحلة خصبة في الحياة المصرية هي حقبة الخمسينيات والستينيات وأن هناك بعض السنوات التي تفوق بعضها الآخر، لكن تظل النتيجة في خطوطها العامة مؤكدة لبلوغ الشعراء ذروة إبداعهم مبكرا ونضوبهم نسبيا بعد الأربعين.. ولئن كان هذا المؤشر يقتصر على الناحية الكمية فحسب، فإن دراسة إنتاج المراحل المختلفة بروية هي التي تكشف عن مدى كثافته ونضج تقنياته وقوته الشعرية·
كما قد كتبت عنه الدكتورة ” رضا خليف” – أستاذ فلسفة علم الجمال المساعد بقسم الفلسفة – بكلية الآداب – جامعة المنوفية على جدار صفحتها على الفيس بوك مقالا بعنوان: “القيمة والقامة الفيلسوف والشاعر والمترجم والصحفي الأستاذ: مجاهد عبد المنعم مجاهد”، حيث قالت: قُلتُ إنه إنسان، وأنه الأستاذ الكبير، ولكن كيف لي أن أعرِفهُ لغيري؟ وهو الذي لا يسعه لقلب ولا يصفه اسم، إنه المعروف في دنيانا بين الأكاديميين والصحفيين والأدباء والشعراء وغيرهم بـ. …. مجاهد عبد المنعم مجاهد، فكثير ما نري أجساداً يعجبنا شكلها، ونحاور عقول يبهرنا ذكائها وحصافتها، ولكن مملكة الروح تظل الأعلى والأرقي والأبعد عن اهتمامات دنيا البشر حتى ولو أردنا بلوغها، فكيف السبيل إليها؟ ليس من المبالغة في القول إن قلت إن ” مجاهد عبد المنعم مجاهد ” هو أحد القلائل ممن يمكن تسميتهم بخزنة وحملة مفاتيح مملكة الروح، يفتحها لمن يتوسم فيه رغبته في الارتقاء، ليتجول في حدائق هذه المملكة وينهل من ثمارها، ويعلوا فوق محدودية منطق العقل، وفوضي الوجود الحسي.
وتستطرد الدكتور رضا خليف فتقول:” عند البدايات الأولي لمعرفتي به، وبعد انتهائي من إعداد رسالتي لنيل درجة الماجستير، وبذله لمجهود كبير في مراجعة الرسالة لتكون أدق وأفضل نموذج ممكن لرسالة علمية تتم مناقشتها. وتحصل صاحبتها علي أعلي تقدير، أتذكره وهو يفاجئني بعرضه لمنحي مبلغ من المال لكتابة الرسالة وطباعتها، خاطبني عقلي ساعتها متسائلاً: أكان سارتر ليغير مقولته “الجحيم هو الآخر ” لو أنه عرف هذا الرجل؟
ثم تؤكد الدكتور رضا خليف فتقول: “في مقامي هذا ينساب مداد القلم ليصور بكلمات موجزة الإنسان ” مجاهد عبد المنعم مجاهد ” ولو أردت أن أتحدث عنه كفيلسوف وشاعر، ربما احتجت ساعتها لرسالة أو بحث علمي قد يستغرق إعداده سنوات، أتذكر دوماً قوله لي: أنه عندما ترسل إليه دار النشر نسخة جديدة لكتابٍ جديدٍ من مؤلفاته أو ترجماته، يشعر وكأنه وهب وليد جديد، وكيف لا؟ والكتب النافعة أكثر وأطول عمراً من بني البشر، أخبرني أستاذي أن الحب هو الرعاية والعطاء مع الرضي، وأن الفن هو رؤيتنا لما لا يري، وأن الفلسفة هي القدرة على إيجاد المفقود. وفقد الموجود. وأن الشعر قارب يسير بدفتي العقل والعاطفة. وأن الله قد أخبرنا بثلاثة مجهولات لم ولن يتمكن العقل البشري من معرفة حقيقتها الكاملة في عالمنا الأرضي وهي (الآخرة – الزمن – الموت).. لقد استطاع مجاهد عبد المنعم مجاهد مزج الحياة بشغفه وحكمته وصدقه وإخلاصه، رسمها في صفحات ديوانه أقمار على شجرة العائلة تجارب إنسانية تنبض بالحياة، تحمل إهداءات للعديد من الشخصيات ممن لهم بصمة في حياته، وله هو بصمات في حياتهم.
وتنهي الدكتور رضا خليف فتقول: ” كلمتي الأخيرة إن ” مجاهد عبد المنعم مجاهد ” هو ثروة قومية وقيمة وقامة مصرية خالدة نتغافل عنها ونحن في أشد الاحتياج إليها؛ أكثر من احتياجه هو للتكريم بالجوائز والقلادات التي فقدت قيمتها بتخصيصها وذهابها للكثير من الأقزام وأشباه وأنصاف المفكرين، إلا من رحم ربي وهم قلة.
وهنا أقول عن للدكتورة رضا خليف بأنه شيء جميل ورائع أن يكون التلميذ وفياً لأستاذه ومعلمه، وقد كان أستاذنا الدكتور عاطف العراقييفعل ذلك دائماً، فهو يعترف بفضل من قدم له علماً أو نصيحة، فهو يقول عن الدكتور زكي نجيب محمود (أقول بلا أدني مبالغة إنني لا أجد في عالمنا العربي من مشرقه إلي مغربه أستاذاً من أساتذة الفلسفة أثر في تشكيل فكري وعقلي ووجداني بدرجة تقترب من الأثر الذي تركه أستاذ الجيل ورائد التنوير وعملاق الثقافة العربية في عالمنا المعاصر الدكتور زكي نجيب محمود).
وفي النهاية فإن الكلمات لا تستطيع أن توفي هذا الأستاذ والشاعر والفيلسوف والاكاديمي حقه، صحيح أن هذه الكلمات جاءت متأخرة فكثير ممن يطلقون علي أنفسهم لقب أساتذة لا يعرفون قدر هذا الأستاذ الاكاديمي، فتحية طيبة للدكتور مجاهد عبد المنعم مجاهد الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجاً فذاً للمفكر الشامل الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.
د. محمود محمد علي
رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط
4 تعليقات
الشكر موصول للعلامة الدكتور محمود محمد علي على هذا المقال التعريفي الرائع. المفكر مجاهد عبد المنعم مجاهد قامة عربية راقية في الفكر والأدب، نجم ساطع بنوره الصادق. رجل حكيم ومخلص القضايا الأمة العربية.
ان كان الوصف صحيحا
فأين تأثير في حياتنا العامة هو أو غيره من المصريين والعرب ونحن مستمرين على حالنا من التردى
اين انت من التردى يا سيد احمد شعبان؟ اعتقد أنك لا زلت غارقا فيه حتى أذنيك
أما بالنسبة لتأثير والدى فهذا المقال وتلامذته من طلبة الجامعات التى قام بالتدريس فيها كفيلون كل الكفالة بالرد عليكم. ومنهم من أصبح دكاترة بالأدب والفلسفة وعمداء لكلياتهم.
تخرج على يديه أناس ناجحون استثنيك منهم إذا كنت قد درست تحت يديه.
ولا أعتقد أن لك من التأثير الذى تتحدث عنه يتجاوز حدود تعليقك الضيق.
شكرا جزيلا للاستاذ الدكتور محمود محمد على على مقاله عن والدى الانسان مجاهد عبدالمنعم مجاهدز ولكن اسمح لى بان اشير بأن والدى كتب قصائد يفوق عددها كثيرا عن الارقام التى وردت حيث أن ديوانه “أقمار على شجرة العائلة” والذى صدر فى جزأين لا يحوى كل قصائده بل يحوى المجموعة التى انتقاها لتجمع فى هذا الديوان وهناك الكثير الذى لم ينشر بهذا الديوان وربما يصل عددها اكثر من ضعف هذا العدد