يقول “دومنيك وولتن“(Dominique Wolton) “أخبرني عن تصوّرك لدور الاتصال، أخبرك عن النّمط الضمني أو الصّريح الذي ترتضيه للمجتمع“.
المقدمة:
تعتبر الدراسات التي تدور إشكالياتها حول مسألة العقل والوعي ــ في مفهومه العام ــ في مختلف صوره الفردية والجماعية (الوعي بالذات، الانفعال، الإدراك، التبصر..) من المباحث العلمية الأكثر صعوبة في مجال العلوم الإنسانية عامة، والبسيكو ــ سوسيولوجية خاصة، حيث مازالت هذه المسألة تشكّل لغزا رئيسا يواجه النظرة العلمية، مثلما يقول “كريستوف كوتش”([1]). ومن أبرز الصعوبات التي تعترض التأصيل العلمي الدّقيق في هذا المبحث هو أنه تتقاطع فيه عديد المداخل العلمية في البيولوجيا والفيزيولوجيا والبسيكولوجيا والسوسيولوجيا…الخ. ولهذا، لكي نكشف أسرار بناء العقل وأبعاد تشكلات الوعي عند الإنسان نحتاج إلى التعامل مع هذه المسألة بعمق معرفي وحذر ابيستيمي ومنهجي منطلقه الرئيس هو كسر التخصصية الضيقة في العلوم الإنسانية.
لا يشكّ أحد أنّنا أصبحنا نعيش في “عصر الرّقمنة” والثورة السيبرانية بامتياز، وأنّ هذه الثّورة حقّقت نقلة سريعة ونوعية في نظام حياة الناس وتفاعلاتهم اليومية ونقاشاتهم الفكرية والسياسية، وأنه لم تعد هذه الوسائط الإلكترونية أو الرقميّة مجرد وسائط للتواصل الاجتماعي أو لنقل الأخبار، وإنّما أصبحت أيضا مثلما يقول “ولبر شرام”(Wilbur Schramm) ([2]) المادة التي تتكوّن منها العلاقات الإنسانية، وامتزج فيها الخاص بالعام والمحلي بالدّولي. لهذا، تشكل هذه الثورة مبحثا علميا ذا أهمية وراهنية في “علم الاجتماع الرّقمي” لرصد آليات بناء العقل البشري ودورها في بناء ثقافات الشعوب عبر مختلف أنساقها المعرفية (اللغة، التواصل، الإعلام..) وفي جميع حقولها المجتمعية (الاجتماعية والثقافية والسياسية..).
إنّ علاقة الحقل السّياسي بالإعلام هي علاقة ثابتة تاريخيا، إذ لا يمكن للسّياسي أن يتفاعل مع الجماهير إلا عبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها ومضامينها. وقد نجحت الثورة السيبرانية في نقل ساحة الصراع والمعارك السياسية من الميداني إلى الافتراضي حتى أصبح الإعلام ظلاًّ للسياسة في حركتها الاتصالية اليومية. وتدعّمت هذه العلاقة أكثر مع الإعلام الشّبكي والافتراضي الذي يتميّز بتنوع مضامين رسائله وأشكالها: المدونات والصور والرموز وغيرها من التعبيرات الرقميّة التي لها قوة توجيهية كبيرة في هندسة عقول الأفراد والتأثير في نفسيتهم والتحكم في طرق تفاعلهم وبناء اجتماعيتهم.
لقد غذّت وسائل الإعلام الإلكترونية، في مختلف أشكالها، حلقات “التنمّر السياسي” في جميع أبعادها النفسية والمادية، حتى تحولت هذه الظاهرة إلى “براديغم في الحوار السياسي” في تونس وفي المنطقة العربية كلها، وبدأت تظهر إيقاعاتها أو ترسباتها السلبية في دينامية الحراك السياسي ومخرجاته. فهذه الوسائط الإلكترونية هي التي تتحكم اليوم، وبشكل لافت ومفارقي، في إيقاعات النّغمات النفسية والقيم الأخلاقية للشعوب عبر ما تنشره من رسائل وصور ومعايير “جديدة” تعدّت مفاعيلها المجتمعية ما هو متوقّع في إعادة هندسة الرّوابط القانونية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية في مجتمعاتنا.
نهدف من خلال هذه الدراسة إلى تسليط الضوء المعرفي على بعض الزوايا التي ظلت “مخفية” من نفسية الإنسان العربي واجتماعيته في بيئة سياسية عربية غير مستقرة، وفي حالة توتر ظهرت فيها عديد الأشكال من الأفعال التنمريّة ضد “الآخر المتخيّل” عبر الوسائل الإعلامية الإلكترونية التي استخدم فيها الخطاب السياسي المأزوم جميع أساليب الترغيب والترهيب، فكانت إيقاعاته ذات قوة تدميرية على المستوى الفردي والجمعي.
تطرح ظاهرة “التنمر السّياسي” في المشهد السياسي العربي عموما، وفي تونس خصوصا، عديد الإشكاليات والقضايا الفكرية والاجتماعية والنفسية، لكن معالجتنا لها في هذه الدراسة، لا تدّعي الشمولية والإحاطة الكافية بجميع عناصرها المتدخّلة فيها، وإنّما هي محاولة تحتاج إلى أعمال أخرى لتكون أكثر اتساعا وعمقا في المستقبل. ولكن التزاما منا بأهداف الدراسة وحدودها، سوف نكتفي بعدد من الأسئلة التي نأمل الإجابة في متون هذا النص وهي:
ما هي ملامح الخطاب السياسي التنمّري؟ لماذا تشكل الوسائط الإعلامية الافتراضية أفضية منتجة وحاضنة لظاهرة التنمر السياسي؟ هل نجحت الثورة السّيبرانية فيما فشلت فيه العلوم الصحيحة، وتمكنت من معرفة كيفية اشتغال عقول الناس وأخلقة الوعي السياسي لديهم و”رسكلتها” وفق أهدافها؟
أولا: في المقاربة المنهجية للدراسة
نشير في بداية هذا المدخل المنهجي، إلى أن معالجتنا لظاهرة “التنمّر السياسي” عبر الوسائط الإعلامية الافتراضية، لا يخرج عن الإطار المنهج العلمي العام الذي يوجّه بحوثنا في دراسة الظواهر الاجتماعية. وهذا الإطار ينطلق من بديهة معرفية وهي أن كل ثقافة تستند على منظومة من القيم، وهذه القيم توجه السلوكيات الفردية والجماعية باعتبارها تشكل الضوابط الاجتماعية أو ما يسميها “موريس دوفرجيه” بـ “الإكراهات الاجتماعية”([3]) التي يفرضها النسق العام للمجتمع على أعضائه. فشبكات التواصل الاجتماعي أعادت تشكيل الذهنية الجمعية ووظيفتها الإدراكية ــ سلبا وإيجابا ــ ضمن حالة استلابية وتشيئيه وأعادت عرضها وفق أهدافها في بحر الفضاء السيبراني، ثم اتخذت أشكالا من السلوكيات الجماعية “المُقيمنة” (Valorisées) وباتت تتحكم في بنية ثقافة المجتمع.
1ــ كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟
على الرّغم من أن قضايا العقل البشري مازالت تشكل لغزًا محيّرًا، لأنّه يميّز بالبناء الدائم والتغيّر المستمر بفعل التأثيرات الخارجية المتعددة التي تساهم في تشكيل بنيته الإدراكية والمعرفية، فإنّ وارتباطية العقل البشري اليوم، المفرطة في الفضاء الإلكتروني أصبحت عاملا قويا في تغييره، سواء كان هذا التغيير نحو الأفضل أم إلى الأسوأ. ويذهب بعض العلماء ([4]) إلى أنّ معرفة ما قد تعنيه تلك الارتباطية، وحسم ما سنفعله حيالها، سيكون بالتأكيد أكبر تحديات عصرنا وأكثرها إثارة، لأن المتحكم أصبح متعلقا بعقلانية الشبكات الاجتماعية التي جعلت الحياة بالنسبة إلى البعض فضاء للتعبير عن أفراحهم أو أحزانهم اليومية طالما أن هذه الشّبكات قد تحولت إلى رداء أو عباءة للإخفاء أكثر ممّا هي وسيلة لتنشيط ملكة الوعي بطريقة عقلانية ليدرك بها حقيقة الواقع الذي يعيش فيه.
نعتقد أنّ هذه القضية تقع في صميم “علم اجتماع المعرفة” وضمن المداخل المنهجية والأبستمولوجيا المهمة لتحليل خصائص “الفعل الجمعي” وتشكّله من خلال دراسة مختلف تعبيراته الخارجية (لغوية، خطابية، صور، رسوم…)، والتي يمكن للباحث الاجتماعي رصدها وملاحظتها وفهمها ثم تفسيرها. والربط بين الطائفة الواسعة من التعبيرات الإعلامية عبر الوسائط الافتراضية (المدونات والنقاشات والاتصالات) التي تكشف عن نوع جديد من طرق التفكير والوعي كمرآة للمجتمع الذي نعيش فيه، وباعتبارها “المادة البحثية” في علم الاجتماع الرقمي” هو ــ في الواقع ــ عملية شاقة للغاية، ومهمة في الوقت نفسه لضمان موضوعية الدراسة.
تنطلق الكاتبة “سوزان غريتفيلد” في كتابها الذي ورد في صيغة إشكالية تحت عنوان:” تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟ من سؤال رئيسي حول الطرق التي يمكن أن تؤثر بها التقنيات الرقمية، ليس فقط في أنماط التفكير والمهارات المعرفية الأخرى، وإنّما أيضا في نمط الحياة والثقافة والتطلعات الشخصية. إذ تقول:” إنّ وسط التقنيات الرقمية تحديدًا، أي الشّاشة نفسها وما يكمن وراءها، قد يوجّه الآن عمليات تفكيرنا في اتجاه غير مسبوق. فالشّاشة الإلكترونية والتلفزية تمنح الفرد الانخراط في أنظمة تدريب العقل متعددة الأبعاد، ويكون تأثيرها في عملياتنا الذهنية غير مسبوقة (تقنية اجتماعية، علائقية، فكرية..). رغم القدرة على إنجاز العديد من الأمور في وقت واحد قد تبدو شيئا رائعا لمواكبة سرعة الحياة في القرن الحادي والعشرين، فإنّ الثمن قد يكون باهظا ([5]). فقد كشفت بعض الأبحاث، بحسب الباحثة، التي أجريت على تحليل سلوك القراءة في البيئة الرقمية على مدى السنوات العشر الماضية، أنّ الانخفاض ــ التراجع ــ في الانتباه المستمر أصبح يميز وبشكل متزايد مهارات القراءة والكتابة وعاداتها لدى الناس.
ثم تطرح الكاتبة نفسها السّؤال التالي: كيف يتكيف الدّماغ مع هذه البيئة الجديدة التي تشبه “حرائق الغابات الرقميّة (Digital Wildfire) “؟
تذهب في دراستها إلى إنّ الصورة الأكثر قتامةً “للمواطن الرّقمي”(Digital Native) يذكرها الكاتب الأمريكي البريطاني “أندرو كين” Andro Keen” في إحدى دراساته حول مواقع “ماي سبس”My Space وفيسبوك وغيرها التي كشف فيها كيف تخلق هذه الوسائط ثقافة شابة من النّرجسة الرقميّة، في حين تقوم مواقع تبادل المعرفة المفتوحة المصدر مثل “ويكيبيديا” بتفويض سلطة المعلمين في الفصول الدّراسيّة. ويتّسم جيل “اليوتيوب” (Youtwbe) لكونه أكثر اهتماما بالتعبير عن الذات من التعرف على العالم. وتعمل الأصوات النّشاز الصادرة عن “المدوّنات” (Blogs) المجهولة المصدر والمحتوى المقدم من المستخدمين على صمّ آذان شباب اليوم على أصوات الخبراء المستنيرين.
لقد خلق عالم الاتصال عبر الافتراضي، بحسب عديد البحوث والدراسات الميدانية، نوعا جديدا من البيئة الإنسانية. لذلك، من الممكن أن يتغير العقل البشري ويتكيف بصورة موازية مع هذه البيئة الافتراضية الجديدة بطرق متوافقة معها، شكلا ومضمونا، حيث ثبت من خلال عديد الدراسات في علم النفس الاجتماعي، أنّها لا تمتلك القدرة على تغيير ما نُفكّر فيه فقط، وإنّما أيضا طريقة تفكيرنا ([6])، وأصبح التواصل عبر الافتراضي عاملا أساسيا في بناء ثقافة مختلف فئات المجتمع، من العامة والنخبة على حدّ السواء، ـونقلهم من حالة الكبت الواقعي إلى حالة من السيولة في التعبير الافتراضي دون حدود.
يذهب المفكر “بيير ليفي”([7]) إلى أن الوسائط الإعلامية الإلكترونية هي عبارة آلة هجينة ولكنها أصبحت فاعلة في تشكيل الذكاء الجماعي ومكوناته الأساسية وفق أربعة أبعاد وهي:
1ـ بعد اتصالي أو “فضاء” بحالة تبدل مستمر: تجمعات وروابط وطرق تفاعل. الخ.
2ـ بعد سيميائي، أي نظام مفتوح للعروض والصور والرّموز من الأشكال والمواد كافة والتي تتحرك في فضاء الاتصالات.
3ـ بعد سوسيولوجي أو القيمي يحدد الانتحاءات الإيجابية والسلبية، والنوعيات العاطفية المرافقة للعروض أو لمناطق الفضاء النفسي.
4ــ بعد طاقوي، وهو يحدّد قوّة التأثر المرتبطة بالصور.
يرى الباحث الأردني “ياس خضير البياتي”([8]) أن تكنولوجيا الإعلام والاتصال تطرح إشكاليتين رئيسيتين:
1ـ الأولى كونها أصبحت جزءًا من الحياة اليومية للأفراد والجماعات. وبالتالي، فمقاربتها تستدعي أكثر من حقل معرفي: علم الاقتصاد والاجتماع والسياسة وعلوم الاتصال والنفس والثقافة. الخ.
2ـ الثاني، هو أنها تستدعي في تحديد ماهيتها حسم الفارق الجوهري بين ما هو تقنية كأدوات وأجهزة وعتاد، وبين التكنولوجيا كمعرفة، أي كمضامين ومحتويات وثقافة ومنظومة قيم.
2ــ ضرورة التمييز بين العقل والوعي في ظاهرة التنمر السياسي
تعتبر مقاربة عالم النفس الاجتماعي لـ”غوستان لوبان”(Gustave Le Bon) حول “بسيكولوجيا الجماهير”(Psychologie des Foules)، إحدى المقاربات المهمّة التي تمكننا من الإمساك بأبعاد ظاهرة “التنمر السياسي” من خلال ما تتوفر فيها من عُدّة منهجية وتأصيلات نظرية وزوايا نظر مهمّة في دراسة قضايا “العقل الجمعي” و” بسيكولوجيا الحشود”، أي البحث في طرق تشكل عقلية جماعية في بيئة مليئة بالفجاج والمهاوي النفسية التي لم تكن تخطر لنا على بال في الماضي القريب قبل ظهور الثورة السيبرانية. وسوف تمنحنا القدرة المعرفية على فهم وتفسير السياقات المجتمعية التي تدفع بالبعض ــ أفرادا وجماعات ــ إلى اتباع سلوكيات “لا معيارية” (Anomie) التي تتعارض مع منطق الفعل السياسي السوي والتفكير العقلاني الرشيد.
من الممكن أن نفقد عقولنا كأفراد لأسباب أمراض فيزيولوجية، أو نسمح لها بالرّحيل بصورة مؤقتة وإيجابية في عالم الخيال والأحلام. ولكن ليس هذا مركز اهتمامنا في هذه الدراسة، وإنّما سنبحث فيما يتعلق بالمواقف السياسية التي تعيش فيها الجماهير حالة من إغراء الأحاسيس والعواطف ليتحولوا فيها إلى متلقين سلبيين بدلا من أن يكونوا مفكرين فاعلين وعقلانيين ممسكين بإدارة أفعالهم. ولهذا، ينبغي علينا الانتباه إلى ضرورة التمييز بين “نسف” أو “فقدان” العقل النهائي (نتيجة حالة الشلل النهائي بسبب مرض فقدان الذاكرة مثلا)، وبين ما يسمى بالسلوك الجماهيري “الطائش” والقائم على بسيكولوجيا الحشود، حيث تستمد الهوية الغوغائية الجماعية من أيديولوجيات طائفية: سياسية وعرقية ودينية. الخ. ففي ظل البيئات الاجتماعية والسياسية والثقافية المعطوبة التي تهيمن عليها “براديغم التفاهة”، والممتلئة بالمضامين الفكرية والسياسية المسبّبة للهذيان اللساني وسرعة الوتيرة والتطور التكنولوجي، لا تحتاج الشعوب إلى بنية معرفية معقدة، لأنّها “حسية” و” عاطفية” في المقام الأول.
كلما زادت هيمنة الحواس والعواطف والعقلية الزبونية على حساب العقلنة، يزداد إحساس “الجمهور” بالمتعة أو “النشوة”(Ecstasy). والنشوة هنا بحسب اشتقاقها اليوناني التي تعني “أن تقف خارج نفسك“([9])؛ فيصبح الوعي الذاتي أو تكرار الشعور بالذات من أجل أن يتحول المرء إلى متلق سلبي عبر حواسه (السمع، النظر، اللمس..) ليصبح من خلالها في حالة استلاب معرفي عن الواقع، لأنّ المتحكم الفعلي في عملية إدراك هذا الواقع هي عقلانية شبكات التواصل الاجتماعي التي ينتمي إليها الأفراد، والتي تحولت بالنسبة إلى بعضهم إلى منصّات للتعبير عن أفراحهم أو أحزانهم اليومية، أو إلى شكل من أشكال “الأردية الافتراضية” التي يختفون فيها، أكثر ممّا هي وسيلة لتنشيط ملكة الوعي بطريقة عقلانية لكشف حقيقة واقعهم.
إذًا، بقدر ما شكّلت شبكة الأنترنت في مختلف استخداماتها الفكرية والتقنية والعلمية مصدر خير وفير لمستخدميها وللمجتمعات الإنسانية عامة، فإنّها مثلت أيضا، مصدرا لإنتاج الشرور المروعة والمهلكة للذات الإنسانية نتيجة سوء استخدامها. فقد أصبحت المنصات الإعلامية الإلكترونية في منطقتنا العربية، خاصة بعد عام 2011، من أبرز الفضاءات المنتجة لظاهرة التنمّر السياسي ولنشر كل أشكال الكراهية والعنف، لأنها “فضاءات خارجة عن السّيطرة ([10]) الذاتية والخارجية عبر مؤسّسات التنشئة الاجتماعية أو الضّبط الاجتماعي بحسب العبارة الدوركايمية. إذ لم يشهد تاريخنا العربي المعاصر تجربة سياسية تضاهيها في أزمتها وفوضويتها وإيقاعاتها التّدميرية في النفسانية ــ الفردية والجمعية ــ مثلما تقوم به الوسائط الإعلامية الافتراضية اليوم.
ثانيا: مفهوم التنمر السياسي وملامحه الافتراضية
1ــ في معنى التنمر السياسي
إنّ دراسة استراتيجيات الصّراع في الحقل السياسي تعني تبنّي الرّؤية القائلة بأنّ جميع حالات النّزاع والتفاوض هي في أساسها حالات “مساومة”، يعتمد فيها الفاعلون كثيرا من الأساليب في المشاركة وتوجيه مسارات الصراع السياسي من أجل تحقيق أهدافهم على حساب الخيارات أو القرارات التي يتخذها شركاؤهم في الساحة. وهذه المساومة يمكن أن تكون جلية واضحة عندما يكون الأمر يتعلق بتقديم تنازل ما في قضية بعينها، أو قد تتم عبر مناورة ضمنية كما هو الحال عندما تتم عملية الهيمنة على مناطق نفوذ استراتيجية أو بهدف إخلاؤها.
يعتبر مصطلح “التنمّر” مصطلحا حديثا نسبيا في حقل العلوم الإنسانية، وانحصرت الدراسات الأولى لهذه الظاهرة في نطاق البحوث التربوية، أي في نطاق دراسة التنمر عند الأطفال والمراهقين خاصة في المدراس، وذلك تحت مصطلح “الصعلكة”(Mobbing) الذي تم استبداله فيما بعد بمصطلح “التنمّر”(Bullying)([11]). لكن تطورت الأبحاث وبينت أن ظاهرة التنمّر لا تقتصر على الأطفال فقط، بل تشمل أيضا كل الفئات العمرية على اختلاف أصولهم الاجتماعية ومستوياتهم المادية والفكرية.
وأصبحت هذه الظاهرة في عصر الأنترنت وفي ظل ثورة الاتصالات الرقمية أكثر انتشارا على الرغم من أنه لا يوجد “بروفيل”(Profil) واحد يجمع بين جميع الأشخاص المتنمرين. لقد أخذت هذه الظاهرة، في الحقل السياسي، حيزا كبيرا ضمن دينامية الفضاء الإعلامي الإلكتروني، أي أصبحت في ظل عالم الرّقمنة تعبر عن “تنمّر شبكي”(Cyber Bullying) يتخذ أشكالا وصورا وتعبيرات نصية ورمزيّة متعددّة بحسب أهدافها وسياقاتها السياسية.
لقد وردت كلمة ” التنمر” في المعجم الوسيط بمعنى ” توعد، تشبّه بالنّمر في تصرفاته تجاه الآخرين، وساء خلقه”. فالتنمّر هو كل سلوك يستهدف به صاحبه مضايقة غيره ومحاولة إيذائه أو التأثير فيه سلبيا بأشكال متعددة قصد ابتزازه ماديا أو معنويا أو سياسيا. ويعتبر السلوك التنمّري أحد أعراض مشاعر العدوانية عند الإنسان، حيث يسلكه الفرد في محاولة منه للسيطرة وفرض إرادته الشخصية على غيره، أو بهدف بث مشاعر الخوف والرّهب في نفسيته في مواقف محدّدة بأساليب متعددة وأشكال مختلفة (مادية ونفسية..) بحسب تغير الظروف والسياقات ورهاناتها.
فمصطلح “التنمّر” في معناه العام هو شكل من أشكال “العنف الإقناعي”([12]) الذي يهدف من خلاله “المتنمّر” إلى إحداث ضرر نفسي أو بدني بغيره من أجل السيطرة عليه، بشكل مباشر أو غير مباشر (سوء المعاملة، النّعت بمسميات مختلفة، نشر الإشاعات، السخرية منه، التعبير عن الرغبة في الانتقام والثأر..)، وغالبا ما تكون دوافع سلوكيّات التنمّر هي الكراهية والتحيز تجاه شخص أو مجموعة معينة. وبحسب ما يذهب إليه البعض ([13])، يعدّ السلوك تنمّرًا عندما يشمل هجمة نفسية ولفظية وبدنية غير مستثارة على الضحيّة، حيث يوجد عدم توازن القوى، ويتكرر هذا السلوك بمرور الوقت. ويمكن أن ينطوي التنمر على التحكم الاجتماعي، والعدوان اللفظي والعدوان البدني. وهذا السلوك الأنومي بالتعبير الدوركايمي، مثله مثل كل السلوكيات الاجتماعية اللامعيارية في المجتمع، لا يولد مع الإنسان، وإنّما ينتج عن البيئة الأسرية والاجتماعية والسياسية التي ينتمي إليها المتنمر، وغالبا ما تكون ناتجة عن التربية الفاسدة وغير السوية.
أما على المستوى المجتمعي، فإنّ التحولات السياسية المتسارعة والفجائية التي شهدتها منطقتنا العربية كانت إحدى الأسباب المنتجة للسلوك المتنمر، باعتبار أن هذا السلوك هو أحد “الأعراض المرضية”(Des symptômes) للنزاعات والتوترات السياسيّة مع حالة “الانفلات السّياسي” وغياب أساليب ضبط سلوكيات الفاعلين الاجتماعيين. فالتحولات المتسارعة والأزمة السياسية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية اليوم، كانت من العوامل المهمة التي دفعت ببعض الفاعلين السياسيين ضمن أنشطتهم وتفاعلاتهم وحواراتهم السياسية اليومية إلى اعتماد أشكال مختلفة من مظاهر التنمر مع خصومهم ومنافسيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضي. وإن ظاهرة التنمر التي بدأت تتشكل إعلاميا بعد أحداث 2011 في منطقتنا العربية لم تكن لتنضج وتنتشر لو لم تجد بيئتها النفسية والسياسية والاجتماعية المولدة والحاضنة لها، لأنّها في النهاية ليست ظاهرة طبيعية، بل هي ظاهرة ثقافية حديثة يصنعها الساسّة ويعكسها الإعلام؛ فكل نظام في الاتصال والحوار السياسي مرتبط بنموذج ثقافي خاص بالمجتمع ويختزن عادة جزءًا من تاريخه.
2ــ ملامح التنمّر السياسي في الفضاء السّيبراني
لم تكن ظاهرة “التنمر السياسي “منتشرة بشكل واسع في مجتمعنا العربي قبل عام 2011، ولكن نتيجة ما شهدته المنطقة من أحداث وانتفاضات شعبية كانت فيها شبكات التواصل الاجتماعي حاضرة بكثافة (الفيسبوك وتويتر..)، أصبحت هذه الظاهرة منتشرة في مختلف الساحات العربية، ويمارسها أغلب رواد الوسائط الاجتماعية ضد خصومهم السياسيين. ففي تونس مثلا، تكثفت هذه الظاهرة عبر الافتراضي في أغلب المحطات السياسية الكبرى التي عاشتها البلاد، وشملت جميع الفاعلين ــ أفرادا وأحزابا ـــ دون استثناء في مناخ مجتمعي سمته التوتر والتفكّك والتذرّر الداخلي، ويعيش فيه الناس حالة غير مسبوقة من مشاعر الخوف، يمتزج فيها الوهمي بالحقيقي.
من أبرز ملامح سلوكيات التنمّر السياسي عبر شبكة الأنترنت، أنه يستخدم فيها فرد أو مجموعة ما شبكات التواصل الاجتماعي باستخدام الهاتف أو الأجهزة الإلكترونية المحمولة لنشر رسالة أو صورة تهديد أو تحرش أو مضايقة للآخرين، أو بهدف إحراج شخص آخر عبر كشف أسرار شخصية له. وفي كثير من الأحيان، يقوم المتنمرون بإنشاء “مواقع نكرة” ومجهولة الهوية (لا تتضمن صورة الشخص أو اسمه الحقيقيين) على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك مثلا)، أو يشكلون “مجموعة افتراضية” وضمن ما يمكن أن نسميه بـ “الحشد الافتراضي” أو “الرقمي” في صفحات هذه المواقع، ويشجعون الآخرين على الانضمام إليهم والإدلاء بنفس التعليقات كلما تعلق الأمر بمهاجمة بعض الأشخاص أو الأحزاب الأخرى المناوئة لها.
لقد انتشرت ظاهرة التنمر السياسي في إطار سياق سياسي واجتماعي تنازعي وأزموي، يعمل فيه كل تيار أو حزب سياسي على تحقيق التوازن بين أهدافه القائمة على اعتبارات حزبية ضيقة (غالبا لا تكون ساحة التنمر معارك من أجل مصلحة وطنية، بل ضمن ساحة النزاعات الشخصية)، وبين متطلبات اللحظة ليستحوذ لنفسه على قوة تأثيرية رمزية ونفسية يضمن بها استمرارية وجوده في المشهد السياسي. فسلوكيات التنمر بالنسبة إلى الفاعلين السياسيين هي عبارة عن إحدى “الذّخائر النّاعمة” أو آلية في “الشّحن” (chargement) السياسي التي تزودهم بالقوة المناسبة إما بهدف الضغط على الخصم وإضعافه، أو لتعويض فشلهم الميداني والحفاظ مقبوليتهم لدى “الحشود الجماهيرية” وولائها لها.
ولأنّ التواصل عبر الأنترنت عامة، وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل خاص، قد أزال معظم القيود المفروضة على المساءلة لهؤلاء، فإن هذه التكنولوجيا ساعدتهم على “التطبّع” مع سلوكيات التنمر وتعبيراتها المختلفة (اللفظية والرمزية والتصويرية..)، التي لم يكن من الممكن الإدلاء والتعبير عنها بشكل مباشر في الواقع، حيث توفر الشبكات التواصل الافتراضي، ” للغوغاء فرصة عدم الكشف عن الهوية، ومن ثم الفرصة للتصرّف بطريقة مخزية أكثر مما قد يفعل المرء عند التعامل شخصيا ([14]). فالشاشة الإعلامية الافتراضية منحت بعض مستخدميها فرصة للتجرّد من إنسانيتهم، لدرجة أن المتنمرين في السياسة، لم يعودوا في حاجة إلى الانضباط أو الالتزام بأخْلاقية الحوارات الدائرة بينهم. ومن ثم، وبحسب ما أشارت إليه عديد الدّراسات، فإنّ شبكة الأنترنت خلقت فضاءً فريدًا من نوعه يضيف قدرا إضافيا من “الانفصال” والتجرّد من ” الأخلقة السياسية”. لقد عبثت شبكات التواصل الاجتماعي بحياة الناس ــ نخبة المجتمع وعامته ــ بطريقة لافتة وغير مسبوقة، إذ سيطرت على حياتهم اليومية عبر آدابها وقيمها ونظام تفاعلاتها الجديدة.
ثالثا: إيقاعات التنمر السياسي عبر الافتراضي
ليست ظاهرة التنمر السياسي مجرد حالة مرضية عابرة، بل أصبحت “براديغم في التواصل” والتفاعل الاجتماعي والسياسي واستوطنت مفاعيلها في عمق ذواتنا ــ الفردية والجماعية ــ وبدت تجلياتها واضحة في تغيير قيمنا وأخلاقنا وروابطنا الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية؛ فمنها تتغذى النزعات الطائفية والعدائية للآخر في جميع صورها وأشكالها الخشنة والنّاعمة. بل تعتبر ظاهرة التنمر السياسي من أخطر أشكال “العنف الرمزي” والمعنوي والنفسي الذي يمارسه البعض على المجتمع. ومن اللافت أن خاصية التنمر باعتباره شكلا من أشكال “الهذيان السياسي” يشعر فيها أصحابها بالمتعة والنشوة عند اعتمادهم “معالم” (Les paramètres) هذا السلوك وكأنهم يلامسون الذات الإلهية. وهذه الأجواء المفعمة بالتعتيم وعمى البصيرة وغياب العقلنة في الحقل السياسي، تجعل أصحابها وأتباعهم من الحشود، مثلما قال “ليفي برول”(1935) يستسلمون حتى في خضم سطوع “التنوير” لسلطان قديم يمارسه عليهم، نحن الذين نختزن أربعة أو خمسة قرون من الذّاكرة”([15]).
1ــ التنمر السّياسي وإيقاعه في “عقل الحشود”
كتب “جان جاك لوسركل” في كتابه “عنف اللغة”([16]) (The violence of language) أن العقل الباطن عند ” سيغموند فرويد” هو منطقة مظلمة في نفس الإنسان لا يضبطها نظام، وتعبث فيها الغرائز الدنيا بدون كابح. ويظهر ما في العقل الباطن في حالات موصوفة مثل زلات اللسان والنكات.. الخ. واللغة ليست شيئا ثابتا بل دائمة التطور بحسب نسق تطور ثقافة المجتمع، “ولا يمكن فهمها إلا من خلال مفهوم “الحوار”، حيث أن الكلام الذي أتفوه به هو دائما نابع من كلام سابق أنفعل له/أو من توقعي لكلام محتمل سيليه. ولا يمكن فهم كلام ما منزوعا من سياقه ومن الملابسات التي تحيط به: النظرة إلى الذات وإلى المخاطب، وإلى الأشياء والموقف ككل ([17]).
تعتبر الصراعات الاجتماعية والسياسية حرم اللّغة، حيث أصبحت هي التي تتحكم في مساراتها وتفرض قوانين تفاعلاتها، بل إن الكلمات تحولت إلى “أدوات للقتال” في مجتمعنا، وبدأت تأثيراتها المادية ملموسة في حياتنا، باعتبار أن “صائغها السّيبراني المجهول” الذي يتكلّم بشكل فوضوي من دون ضوابط أخلاقية. ويمكن لـ “العنف اللغوي” في الأزمات السياسية وانسداد أفق النهوض، أن يصبح لذيذا لأنه يبهج النفس ويستجيب لدواع مخبوءة في العقل الباطن ([18]). هذا العقل الجمعي الذي لا يمكن أن يتفاعل إلا عبر الجمل ومعانيها المستبطنة في اللاوعي والتي لا يمكن التلفظ بها بشكل مباشر بين المتحاورين، وذلك عبر لعبة “الكفاءة الإيقاعية” والدّعائية للخطاب السياسي للتأثير في المتقبلين والمتابعين والتي قضت على مكانة الكفاءة السياسية للفاعلين، وتظل جاثمة في نفوس الأفراد والجماعات، وتشكل جزءا من ثقافتهم السياسية.
لهذا، فإن “العقل الباطن هو الذي يخرب التواصل؛ ولا يحصل هذا مصادفة، بل بحسب نظام بنيوي معين ([19]). وإذا كانت “ثورة ما بعد الحداثة” هي نتيجة الانفجار في تقنيات التواصل، فإنه من الطبيعي جدا، بحسب البعض ([20])، أن تكون الألسنية منغمسة في قلبها. وبتنا لا نقرأ في وسائط التواصل الاجتماعي وخاصة في المدونات الفيسبوكية غير مختلف أشكال أساليب البلادة في العنف اللغوي الذي يؤكد للرأي العام مستوى تدني ذهن الناطق بها أو كاتبها؛ وهي إحدى علامات التخلف والفشل وتعبر عن حالة “الصنميّة الفكرية” التي حالت دون عقلنة الحقل السياسي، وهي أيضا عبارة عن “الذخيرة” ( Un fonds)التي خلق بها المتحاورون إيقاعات سياسية غامضة وشاذّة ومنفّرة لمشاركة المجتمع في الحياة السياسية؛ إذ يعتمد أغلب المتحاورين في تواصلهم افتراضي على استراتيجية الخطابات الضبابية التي لا تتعدى مستوى “الهذيان اللّساني” في القول.
على الرّغم من اختلاف الانتماءات السياسية للمتنمّرين في السياسة وتباعد مرجعياتهم الفكرية، فقد توحدوا في “ملمحهم الافتراضي” (le profil virtuel). وكأنّنا بهم لا يشعرون بوجودهم في الحقل السياسي إلا عبر اختلاق العداوة وفتح ساحات المعارك الوهمية بين بعضهم البعض، ويعملون بكل جهد على استمرار “الطائفية السياسية” عبر ملأ فراغات عقول الناس بالهوامش وترويضهم على “نظام التفاهة”([21])، فبات حال أمتنا العربية مثل حال أوروبا ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومثلما وصفها رئيس الوزراء البريطاني السابق” ونستون تشرشل”، فهي عبارة عن “كومة من الأنقاض، ومقبرة، وأرض خصبة للأوبئة، والكراهية”([22]).
من أخطر الخدع في أسلوب التواصل عبر هذه الوسائل والمنصات الرقمية هو أنها تجعلنا نرى كل شيء من الخارج، ولا ننظر إلى الظاهرة في وجهها المباشر والمعاين (Concret) أو الملموس، حتى يتحول النسق التواصلي باعتباره غير مباشر إلى هراء. هكذا يولد العبث بالمجتمع من خلال تغييب هموم الناس الجوهرية وإعطاب ملكة الفكر وتأثيث الخواء والتفاهات، أي العمل على تحقيق الوجود بواسطة الكلمة المنطوقة لسانيا وليس عقليا، بواسطة شقشقة لغوية مجردة. ومن مظاهر الخطورة التي تمثلها هذه الظاهرة اللسانية والمشهدية الافتراضية أنها أصبحت تشكل نظاما معرفيا وتواصليا يتحكم في المشهد السياسي ويحدد مساراته ويتحكم في مآلاته.
هذه “الحقارة المجرمة”([23]) بدأت تتعمم وتكتسح جميع الأماكن وتخترق جميع مؤسّسات الدولة والمجتمع الخاصة والعامة منها. والعقلية التنمرية التي انتشرت في الفضاءات الإلكترونية نجحت إلى حد ما في تأسيس “العقلية العبثية”([24]) التي أصبحت تتكثف مفاعليها التخريبية سواء على الصعيد العملي كما على الصعيد النظري، فهي ترتكب دمارا في سياقات التعارف الفردي أو الجماعي. وأصبحت لمواقع التواصل الاجتماعي تأثيرات زلزالية وإيقاعات خطيرة في نسيج مجتمعاتنا العربية سواء في مستوياتها المحلية أو الوطنية، حتى تحولت إلى إحدى ذخائر الفتنة عند البعض، يتم من خلالها التلاعب بعقول الكثير من الأشخاص، واختلط فيها الحق بالباطل. وكانت من أبرز إيقاعاتها على مستوى “العقل الجمعي” هو نجاحها في صناعة الرأي العام المزيف وعرضه عبر هذه المنصات كبديل عن الواقع الحقيقي، ومعاداة كل فكر سياسي تنويري يستهدف الارتقاء بهذا الواقع بأساليب عقلانية تستجيب لطموحات الناس وتخلصهم من سجونهم الافتراضية.
في تونس مثلا، أصبحت عمليات التحشيد الديني والاجتماعي والسياسي والإعلامي منذ عام 2011 عبر مواقع التواصل الاجتماعي كثيفة ومتواترة، وتتم دون رادع قانوني أو ضابط أخلاقي حتى وصلت بالبعض، وفي مختلف التعبيرات السيبرانية (النصوص والصور والفيديوهات..) إلى المجاهرة عند تهديد خصومه برغبته في ممارسة جميع أشكال العنف إلى حد القتل. ومن الإيقاعات الخطيرة لهذه الظاهرة أنها تستهدف الكل دون استثناء، بما فيها تشويه مقامات القادة السياسيين ورمزيتهم في المخيال الاجتماعي، بدءًا برئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس مجلس نواب الشعب، مرورا بقادة الأحزاب السياسية وصولا إلى الناشطين السياسيين والمدوّنين الأفراد. هذه السلوكيات التي تعتبر “ثورية” في نظر أصحابها هي أمثلة من “الوقاحة السياسية” التي تغذي المشهد السياسي بمخرجاتها التدميرية على المستويين النفسي والاجتماعي. فما يجمع “البروفايل” التنمري لهؤلاء أنهم ليسوا أصحاب رسالة في الديمقراطية أو المواطنة، وإنّما هم ليسوا إلا محترفو ” فقه الفتنة” ومختلقو الكذب، يصدق فيهم قول الله تعالى:” يختلقون إفكا“([25]) من أجل السّطو والهيمنة الرّمزيّة على عقول الناس والتحكم في نفوسهم حتى أصبحت ثقافة الإلهاء من عصب الحياة السياسية ومدارها ([26]).
مثلما يذهب الكاتب آدم فتحي في تقديمه لكتاب “إميل سيوران” المعنون بـ “المياه كلها بلون الغرق”([27]) إلى أنّه لم نر عتمة أشد من هذه التي تحيط بالإنسانية من كل جانب في بداية هذا القرن الواحد والعشرين، ونحن بين ألفية أسكنت القبر وأخرى تنتفض كالطائر الخارج من بيضته، مدججة بكل ما ورثته عن سابقتها من وسائل تدمير للروح والعقل والجسد والقيم والوجدان. عبر الرموز والصّور والتحزّب السيّء، خاصة وأن الرّمز غالبا ما تكون صورا لمحتويات تتعالى ــ في قسم كبير منها ــ عن الوعي“([28]). فقد توسعت أوجه التصدّعات السياسية الداخلية في بلادنا التي كانت سابقا مخفية وغير مصرّح بها، وباتت فوق السّطح، حيث عادت الصراعات بين التيارات السياسية التقليدية، لتصبح أكثر حدة في مستوى الوعي السياسي، وأخذت منعرجات نوعية جديدة مغايرة عن سابقاتها، وكأننا أمام بروفات إعادة البناء في زمن الفوضى“([29]).
لقد تجاوزت ظاهرة التنمّر السياسي بعدها السياسي لتتحول إلى براديغم في الثقافة العامة أتت أكلها وأثبتت نجاعتها التّدميريّة، فانتشرت في المجتمع الافتراضي واعتنق ساستنا “توبيخاتها النّاعمة”، وانتشرت إيقاعاتها في التصدعات العميقة في المجتمع القائمة على أسس الطائفية السياسية، وانخرطت “الحشود السياسيّة” كلها في هذه المنازعات والمصادمات دون إدراك لخطورة مآلاتها ودون التمكن من حججها الواهنة، حتى تفشت إيقاعاتها النتنة في عمق نفوس هؤلاء وباتت في سلوكياتهم اليومية مستحكمة. لهذا، نعتقد أنه من الضروري، مثلما كتب الفيلسوف “بول ريكور”(Paul Ricœur) ([30]) أن نعمل على تصحيح “الذّاكرة الجماعية” في منطقتنا العربية ونقدها، لأنها ذاكرة منطمشة على ذاتها ومغلقة أبوابها وتعيش داخل عذاباتها وآلامها الخاصة بها حتى إنّها تصبح عمياء خرساء أمام آلام المجموعات الأخرى.
2ــ التنمّر السياسي من أجل إنتاج الهشاشة النفسية
يذهب الكاتب إسماعيل عرفة في كتابه “الهشاشة النفسية” إلى أن المؤثرين في العالم كانوا في السابق منشغلين بقضايا عالمية فكرية أو حقوقية، لكن منذ سنوات قليلة مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، تحول انشغالهم نحو تطوير الذات والاهتمام بالشغف الفردي والطموح الشخصي، فتبدلت مصطلحاتهم وأفكارهم بشكل كلي أحيانا. فهذه الوسائط ليست مجرد لحظة عابرة مسلية أحيانا للنفس في وقت الفراغ، لكنها تحمل في ثناياها “اللهو المدمّر” والكاسر للنفوس والعقول معا. كما فتحت هذه الوسائط شقوقا في نفوس الأتباع، وأنتجت بحسب الكاتب “جيل رقائق الثلج”(Generation Snowflake)([31]). كما أنتجت أشكالا جديدة من الميثولوجيا المتخيلة عبر القصص المزيفة والمجبولة في الأصل بالمبالغة وبالخرافات السخيفة والمغرقة في التفاهة، إذ “يتجمل فيها الخطأ بالخوارق” ([32]) طالما أن “الخيال هو الذي يدفعنا إلى الاستزادة من رؤية وسماع الحكايات التي تمثل خداعا للعقل”([33]) ثم يرويها رواة متمرّسون في خطاب الخداع الذي يستهدف ملكة العقل، أو “المعرفة التأملية”(Théorétique) حتى أننا بتنا نشعر أننا نعيش “حالة تجمد في لحظة تاريخية متحرّكة”([34]).
فإبادة المجتمعات لم يعد يستدعي وضع خطط أو إعداد استراتيجيات مسبقة لشن حروب تقليدية واستخدام جميع أنواع الأسلحة البسيطة والفتاكة فيها، وإنما بات يتم بشكل “لحظي” ويومي عبر ما تمارسه وسائل الإعلام “المغلّفة بالدّعاية” والتي تعتمد “براديغم الثرثرة” من “عنف رمزي” أكثر تأثيرا وفتكا بالذات البشرية من حيث التحكم في أسلوب حياتها بأكمله، بل بقتلها نفسيا ومعنويا يوميا. فيبتكر الفاعلون المتحكمون في المشهد الإعلامي سيناريوات الحياة اليومية بنفس الكيفيات من أجل التحكم في الأوضاع الواقعية وتشبيك ألاعيبه عبر آليات غير مرئية تحدد نطاق التفاعل ومساراته لتتجذّر في الحياة النفسية الجماعية للمتلقين. لهذا، نحن في حاجة أكيدة إلى تعرية هذا الوهم الفظيع وخلخلة هذا الوثوق الأعمى، وتبديد هذه الغبطة الساذجة، وإنقاذ الإنسانية من جهالتها المركبة وفتح سجونها الذهنية”([35])
لهذا، نحن في حاجة إلى تفكيك الخطاب السياسي المأزوم لإبراز ما ينطوي عليه من أبعاد نفسية واجتماعية وثقافية ورمزية التي تؤكد على فقدانه الحد الأدنى من العقلنة ونزعة الأنسنة. نحتاج إلى المنهج العقلاني والنقدي الملتزم بقضايا المجتمع ومشاغله الحقيقية لمواجهة هذه الثقافة الإعلامية الافتراضية الجديدة التي يسعى منتجوها إلى خلق الفكر “الصّنمي والوصائي”([36]) في بناء الحضارات وتشييد ثقافة المجتمعات. لم يعد ينفع القول إن الديمقراطية مجرد آليات تحقق الانتقال السلمي للسّلطة؛ ذلك أن الفصل بين الآلية والمنظومة، عدا عن أنه فصل اعتباطي هو غير علمي. فالمنظومة هنا تعني المضمون، أي القيم، من دونها يفقد النظام الديمقراطي قوامه وبنيانه”([37]).
من إيقاعات الخطاب السياسي الافتراضي أنه جعل من “الحشود البشرية” سعداء بالتنمر والمعاداة والرغبة في الانتقام من الخصوم بشتى الوسائل العنفية بما فيها القتل ([38]). وقد تكرّرت المدونات الفيسبوكية التي يعبر فيها أصحابها عن رغبتهم الصريحة في “الثأر” وفي القتل، سواء عبر نشر الصور المشوّهة للشخصية السياسية أو الإعلامية المستهدفة أو عبر تدوين النصوص التي تدعو إلى الانتقام منه بشتى الوسائل. لقد فقد هؤلاء المتنمرون جميع القيم الإنسانوية التي تسبق الضوابط القانونية والمرجعيات الدينية ذات الآثار الطيبة في نفوس الناس والمشكلة لـ «”المجتمع المهذب”(Polished Society) أو “المجتمع العاقل”(Same Society) والراشد وفق عبارة “أريك فروم”([39]).
إنّ تلوث بعض عقول البشر وفقدانها للرّوح الإنسانية وغياب اللّطافة اللّسانيّة في مضمون خطابها السياسي الرقمي في شبكات التواصل الاجتماعي. الخ، جعلت من أصحابها مرتعًا لجميع أشكال التنمّر والعنف والإرهاب، وأصبحت لديها القابلية لإحداث الضّرر وممارسة جميع أشكال الرّذائل الأخلاقية (المادية والمعنوية، المنطوقة والمصورة) من أجل تشويه الخصوم السياسيين أو قادة المعارضة من الأحزاب والمنظمات والأفراد. والعمل على بعثرة العقول لتسود حالة من الحماقة العذبة عبر منظومة لغوية فارغة من أية مضامين أخلاقية وإنسانية، حتى أنّ أشد الناس “تقية ” و”توبة” (مثل التنظيم الإخواني الإسلاموي) أكثرهم مهارة في التنمّر السياسي ويدعو إلى ذبح خصومه وسفك دمائه دون حياء أو خجل. لئن كان الإنساني البدائي، مثلما كتب الروائي الكبير “دوستويفسكي”([40]) يرى في سفك الدّماء عدلاً، وكان يقتل من يظنّهم يستحقون ذلك وهو مرتاح الضمير. أما الآن، وفي الوقت الذي يعتقد فيه بأنّ سفك الدّماء أمر مكروه، فإنّنا نشترك في هذا الأمر المكروه، وباندفاع أكثر من ذي قبل.
لقد نجحت هذه الظاهرة في إنتاج حالة من “السّبات الجمعي” في تونس نتيجة تكرار العزف على نفس الإيقاعات واعتماد نفس الحيل والآليات منذ أكثر من عشر سنوات، لنصل إلى حالة من الانهيار الشاملة عبر مقولة: إنّ الشيء التافه قد يسبب بهجة عارمة“([41]). فأصبح التبلّد الذهني طاغيا، وفقدت الرّوح الإنسانية مكانتها، وتحوّل المجتمع إلى أرقام الكرتونية تقودها النخبة السياسية عبر منظومة “العقاقير الإذلالية“([42])، ليس لها أي اعتبار لدى السياسيين إلا في باعتبارها جحيما من الرّغبات الجائحة المكبوتة، وهي ليست إلا شكلا من أشكال الصفقة السياسية الحميدة والنّاعمة التي يستثمرونها ضد عدوهم الافتراضي.
الخاتمة
أصبحت التعبيرات التنمريّة جزءًا من الذخائر الفاعلة المدمجة في الفعل السياسي الجمعي الافتراضي، وذلك على نحو متزايد، بل صار الخيار الأكثر استعمالا لعدد كبير من الأحزاب السياسية متى أحسوا أن موقعهم في المشهد السياسي أصبح مهددًا. لذلك، تشهد هذه الظاهرة من حين لآخر اختفاء وعودة، بحسب طبيعة المعارك السياسية القائمة وفق أهدافها ورهاناتها المتغيّرة المرتبطة بحدث وبتوقيت وبمكان وجمهور وجو عام.. الخ. ويبدو أن التنمر السياسي بات “ملمحًا” (Un profil) رئيسا وجامعًا للكلّ في منظومة أخلاقنا السياسية العربية على الرغم من تعارضه مع قيم الديمقراطية والسلم الاجتماعية؛ فهو عبارة عن “مخزون احتياطي” في الصرّاع السياسي يتم الالتجاء إليه كلما اقتضت الضرورة ذلك، باعتباره مركون دائما في “العقل الجمعي” وذاكرتنا الجماعية.
كنا نأمل من الثّورة السيبرانية في بلادنا أن تكون رافدًا من روافد تشكل الوعي السياسي النهضوي، لكن حوّلها بعضنا إلى كوابح في النهوض وإعطاب الوعي المجتمعي المطلوب في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ أمتنا العربيّة، وكانت إيقاعاتها التهديمية للكل أقوى ممّا كنا نتوقع نتيجة الوثوق الأعمى لدى مستخدميها وروّادها الافتراضيين بما تنتج وتنشر، حتى أنّها باتت تشكل “معسكرات إعلامية” أو وسائط في “الهلوكوست السيبراني”، التي تعمل على تجنيد الناس وتحشيدهم افتراضيا، وتمارس أبشع أشكال الإبادة النّاعمة للعقل الجمعي وللرّوح الإنسانية.
مراجع المقالة :
[1] ـ أنظر، كريستوف كوتش، مقاربة بيولوجية عصبية، ترجمة عبدالمقصود عبد الكريم، المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2013.
[2] ـ ورد في عزيزة عبده، الإعلام السياسي والرأي العام: دراسة في ترتيب الأولويات، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004.
[3] ـ موريس دوفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري: الأنظمة السياسية الكبرى، ترجمة جورج سعد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 2014، ص8.
[4] ـ سوزان غريتفيلد، تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟، ترجمة إيهاب عبد الرحيم علي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد445، فيفري 2017، ص298.
[5] ـ سوزان غريتفيلد، تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟، المرجع السابق، ص247.
[6] ـ ـ سوزان غريتفيلد، تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟، مرجع سابق، ص61.
[7] ـ بيير ليفي، عالمنا الافتراضي: ما هو؟ وما علاقته بالواقع؟، ترجمة رياض الكحال، هيئة البحرين للثقافة والآثار، المنامة، الطبعة ألولى، 2018، ص81.
[8] ـ ياس خضير البياتي، الإعلام الجديد: الدولة الافتراضية الجديدة، دار البداية ناشرون، 2014، عمان، الأردن، ص39.
[9] ـ سوزان غريتفيلد، تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟، مرجع سابق، ص116.
[10] ـ أنظر جاريد كوين، العصر الرقمي الجديد، ترجمة أحمد حيدر، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، 2013.
[11] ـ مسعد أبو الديار، سيكولوجية التنمر بين النظرية والعلاج، مكتبة الكويت الوطنية، ( نسخة ألكترونية)،الطبعة الثانية، 2012، ص15.
[12] ـ نعني بعبارة “العنف الإقناعي” ” أو عنف الخطاب” وهو كل خطاب أو سلوك يمارسه الفرد ضمن علاقات السلطة مع غيره بهدف التأثير فيه رمزيا والهيمنة عليه، وهو الذي يتعارض مع أساليب البرهنة العلمية.
[13] ـ مسعد أبو الديار، سيكولوجية التنمر بين النظرية والعلاج، مرجع سابق، ص17.
[14] ـ سوزان غريتفيلد، تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟، مرجع سابق، ص169.
[15] ـ مارسيل ديتيان، اختلاق الميثولوجيا، ترجمة مصباح الصمد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2008، ص36.
[16] ـ جان جاك لوسركل، عنف اللغة، ترجمة محمد بدري، الدار العربية للعلوم، والمركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2005.
[17] ـ جان جاك لوسركل، عنف اللغة، المرجع السابق، ص15.
[18] ـ جان جاك لوسركل، عنف اللغة، المرجع نفسه، ص27.
[19] – John Lechte, Fifty Key Contemporary thinkers:From structuralism to Postmodernity(London; New York; Routledge, 1994),p.68.
[20] ـ جان جاك لوسركل، عنف اللغة، مرجع سابق، ص 69.
[21] – Alain Deneault, La mediocratie, Quebec, Lux Editeur, 2006.
[22] روبرت جيه ماكمان، الحرب الباردة: مقدمة قصيرة، ترجمة محمد فتحي خضر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2014، ص12.
[23] ـ توماس ديكونانك، الجهل الجديد ومشكلة الثقافة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2004، ص10.
[24] ـ توماس ديكونانك، الجهل الجديد ومشكلة الثقافة، المرجع نفسه، ص16.
[25] ـ القرآن الكريم، العنكبوت، الآية17.
[26] ـ يحيى محمود بن جنيد، المجتمع العربي من سادة العالم إلى وحل الخرافة، دار الغرب الإسلامي، تونس، الطبعة الأولى 2010، ص242.
[27] ـ إميل سيوران، المياه كلها بلون الغرق، ترجمة أدم فتحي، منشورات الجمل، كولونيا، ألمانيا، 2003.
[28] – Robert Mayer, Métamorphoses de l’âme et ses symboles, Georg Editeur, Genève, 1989, p.155.
[29] ـ إريك فونز، ثورة لم تكتمل: تاريخ إعادة البناء في أمريكا بعد الحرب الأهلية، ترجمة سامح سعيد عبود، مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات، الطبعة الأولى، 2014، ص36.
[30]ـ Paul Ricœur, La mémoire, l’histoire, l’oubli, Paris, Éds du Seuil, 2000, p.650.
[31] ـ إسماعيل عرفة، الهشاشة النفسية: لماذا أصبحنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟، مركز دلائل للنشر، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 2020، ص35.
[32] ـ مارسيل ديتيان، اختلاق الميثولوجيا، ترجمة مصباح الصمد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2008، ص53.
[33] – Joseph-François Lafitan, Mœurs des sauvages américains comparées aux mœurs des premiers temps, Vol.2, Paris, Saugrain L’aine, p.35.
[34] ـ عبدالغني عماد، الإسلاميون بين الثورة والدولة: إشكالية إنتاج النموذج وبناء الخطاب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2013، ص16.
[35] ـ إبراهيم البليهي، حصون التخلف: موانع النهوض في حوارات ومكاشفات، منشورات الجمل، بيروت، لبنان، 2010، ص9.
[36] ـ أنظر إدوارد سعيد، الإنتفاضة الثقافية، ترجمة محمد الجرطي، صفحات للدراسات والنشر والتوزيع، سورية، 2017.
[37] ـ عبدالغني عماد، الإسلاميون بين الثورة والدولة: إشكالية إنتاج النموذج وبناء الخطاب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2013، ص18.
[38] ـ تكررت الدعوات عبر شبكة الفيسبوك إلى القتل من قبل أنصار التيارات الإسلاموية في تونس ضد جميع خصومهم السياسيين دون استثناء.
[39] ـ أنظر، فيكتور فرانكل، الإنسان والبحث عن المعنى: معنى الحياة والعلاج بالمعنى، ترجمة طلعت منصور، مكتبة الأنجلو المصرية، (د.ت)، القاهرة.
[40] ـ فيودور دوستويفيسكي، الإنسان الصرصار أو رسائل من أعماق الأرض، ترجمة أنيس زكي حسن، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1959، ص15.
[41] ـ فيكتور فرانكل، الإنسان والبحث عن المعنى: معنى الحياة والعلاج بالمعنى، ترجمة طلعت منصور، مكتبة الأنجلو المصرية، (د.ت)، القاهرة. ص59.
[42] ـ فيودور دوستويفيسكي، الإنسان الصرصار أو رسائل من أعماق الأرض، مرجع سابق، ص9.