التربية وإعادة تشكيل الوعي العربي

ساءلت نفسي في الأمر ( أهو تشكيل ) أم هو ( إعادة تشكيل ) ؟  فلقد كان ( الوعي ) الذي حكم العقل العربي خلال القرن العشرين من صنع المؤسسة التربوية التي ظلت تزخر بحملها لتضعه خريجاً مشوهاً وقاصراً تجرعت الأمة مرارة ثمرة صوراً وألواناً شتى.  فكل رموز الاستبداد العربي خلال القرن العشرين كانوا من معطيات هذه التربية وكانوا أصدق الشهود على بؤسها.  وكل الذين صرّفوا مقدرات الأمة خلال العقود الثمانية الماضية كانوا من معطيات هذه التربية وكانوا أصدق الشهود على بؤسها.  إن الكتّاب والشعراء والصحافيين والإعلاميين العرب الذين ضللوا شعوبهم وغسلوا أدمعتها هم من معطيات هذه التربية وأصدق الشهود على بؤسها.  إن المفذلكين الذين برروا الاستبداد وزينوا الخنوع للطغيان في عيون الناس هم من معطيات هذه التربية وأصدق الشهود على بؤسها.  إن أرتال المتبطلين بطالة سافرة أو مقنعة هم من معطيات هذه التربية وأصدق الشهود على بؤسها.  إن فيالق الأميين والأميات،  التي يموج بها المجتمع العربي، هي من معطيات هذه التربية وأصدق الشهود على بؤسها.  إن رسل الإرهاب والعادين على حريات الناس وحقوقهم هم من معطيات هذه التربية وأصدق الشهود على بؤسها.  إن المشرّعين الذين جعلوا من القانون سوطاً للقمع وعقاراً لإخصاء الفكر هم من معطيات هذه التربية وأصدق الشهود على بؤسها.  إن نقص الكفاية الإنتاجية في مجالات الزراعة والصناعة وصيرورة العرب عيالاً على الأمم الأخرى في طعامهم وكسائهم هي من معطيات هذه التربية وأصدق الشهود على بؤسها(1).  وما دام الوعي العربي قد تشكل عبر هذه الألوان من البؤس التربوي فالمسألة إذن ليست مسألة تشكيل الوعي وإنما هي مسألة إعادة تشكل هذا الوعي.

 إن إعادة تشكيل نظم التفكير في البشر عملية شاقة وغير مكفولة النتائج ولكنها على كل حال جديرة بالتجربة ما دامت التجربة واعدة بالأمل.

  -2-

 عندما صدرت الطبيعة الأولى من كتابي ( العرب والتربية والحضارة ) هنا في الكويت عام 1979م كنت معنياً باكتشاف ************ التاريخ على مجاراتنا الأمم في مضمار الرهان الحضاري الطويل.  كان الهدف الأبعد في ذلك الكتاب دراسة الفكر التربوي العربي الإسلامي مقروناً بنظائره في النظم الحضارية الكبرى قديماً وحديثاً في محاولة لتعيين مكانة هذا الفكر من حركة التاريخ الإنساني العام وتبين خصائصه المميزة في عصور ازدهاره ووهنه ثم تصور الدور الذي يجب أن يلعبه في الزمن الحاضر ليسهّل على العرب مهمة انتسابهم إلى العصر الذي يعيشون فيه ويجنبهم عواقب الانعزال عن روحه وحضارته.  وكان بعض ما خرجت به من إلهامات تلك التجربة أن العرب كانوا مثل بقية الأمم الأخرى…  متى ما اخترعوا الاستجابة الصحيحة للتحديات التاريخية كانوا يتحركون من قوة إلى قوة،  بهذا سابقوا الأمم وثبتوا لعصف التاريخ بهم،  ومتى أساءوا الاختيار كانت التحديات تهزمهم،  وكان التاريخ يتجاوزهم.  وعندما صدرت الطبعة الثالثة من الكتاب عام 1993م وجدتني أطرح الأسئلة ذاتها التي لم تلبّها خمسة عشر عاماً من عمر الأمة، بل كان الوضع أسوأ.  في نهاية القرن العشرين كنا ما نزال نتمنّع على المنطق العلمي في التربية،  كنا ما نزال نتعامل مع العلم على صعيدين متناقضين وكانت مناهجنا وكتبنا المدرسية تضطرب اضطراباً فجاً بين المنطق العلمي والمنطق الغيبي  في مواد الكيمياء والفيزياء والبيولوجي والرياضيات كنا علميين ننتهج نهج العلم الطبيعي في معالجة قضايا الكون والإنسان …  فإذا تحولنا إلى دروس اللغة  والتاريخ والاجتماع بدأنا نتكلم بلسان آخر لا علاقة له بمنطق العلم … لسان يطغى عليه الميل الواضح إلى تعجيز العقل وتوهين المنطق العلمي وإرجاع أمور الحياة والإنسان إلى الغيب.  وعندما كانت هاتان المقاربتان المتباينتان لطبيعة الإنسان والأشياء تلتقيان في عقول المتعلمين كان ينجم عن التقائها حال من التمزق الفكري لشدة ما بين طبيعتها من التناقض والتضاد وكان هذا التمزق الفكري ( يفسد ) الوعي عندهم، أو يزيفه ليعجزهم عن فهم ما يقع حولهم في العالم.

 في عام 1999م عندما وضعت كتابي :

 ” العرب والتربية والمستقبل

تربية النكوص … أو … تربية الأمل “

 وجدتني أتساءل كما كنت أتساءل في 1979م وفي 1993م … أين موقعنا من أهم الأرض في الحلبة التربوية؟  وإذا كان مقدوراً لنا الثبات في سباق الأمم إلى المستقبل فماذا يعني هذا السباق؟  وما هو دور التربية العربية في قيادة الأمة إلى الفوز في السباق أو البقاء فيه حتى آخر الشوط؟ ما الذي أصاب المؤسسة التربوية العربية بالعجز وجعلها أداة من أدوات التخلف؟

 لقد ظلت هذه المؤسسة غافلة أو متغافلة عما كان يقع حولها في العالم من الرؤى والانقلابات المنهجية والمضمونية في النظم التربوية ولم يكن هناك من تفسير لهذه الغفلة أو هذا التغافل إلا أمران:

 الأول:  هو أن هذه التربية منذ أن بدأت عملية تحديثها في مطلع القرن العشرين لم تخضع لمراجعة شاملة أو تقويم دقيق ولهذا لم يتح لأحد  من المختصين أو السياسيين أن يعرف جدوى هذه التربية ولا نوعية إفرازاتها النفسية والفكرية والأخلاقية في عقول الأجيال التي مرت خلال هذه المؤسسة أو تخرجت فيها حتى غدت الممارسة التربوية نفسها نوعاً من السلفية الاجتماعية أو رافداً من روافد هذه السلفية الاجتماعية.  أن أحداً من المربين العرب لم يلق سؤالاً مشروعاً حتى الآن عن العلاقة بين الردة عن الممارسة البرلمانية الدستورية التي عرفها العرب بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وبين نوعية التربية التي كانت سائدة في تلك الحقبة.  لقد كان كل مؤسسي الاستبداد العربي الحديث من خريجي هذه المؤسسة التربوية،  كما كانت الجماهير التي هللت الاستبداد ومشت تحت بيارقه لرموزه وتقدسها هي الأخرى من الذين تأثروا بهذه التربية،  أفلم يكن لهذه التربية التي كانت تصر على تلقين كل طفل وكل طفلة عربيين خطبة الحجاج عن الرؤوس التي أينعت وحان قطافها علاقة من نوع ما بالارتداد السهل والسريع عن التجربة الديمقراطية والفكر الإنساني المصاحب لها؟

 الثاني:  هو أن هذه التربية ظلت طيلة الأعوام الثمانين الماضية تربية مسيّسة بل غارقة في التسييس.  وكان التسييس نفسه ذا طبيعة ماضوية، فظل الماضي يشكّل الحاضر لأن التأكيد ظل ينصب على معطيات الماضي – الحقيقي منها والمتوهم – حتى صار يوحى للناشئة جيلاً بعد جيل أن الحاضر الحقيقي هو الماضي الذي تجب استعادته لتأخذ الأمة مكانها في الحاضر وكان ذلك أمراً عجباً حقاً كما لم يكن في كل هذه العملية لتزييف الوعي مكان ذو معنى للديمقراطية ولا لإنسانية المتعلم نفسه،  قدراته وطاقاته وحريته وفرديته وحقوقه الإنسانية كما لم يكن في هذه التربية شأن يذكر لاحترام الحاضر الحضاري للإنسانية وإبداعات الإنسان المعاصر في العلوم والفنون والنظم الاقتصادية والسياسية والقانونية والتفكير المستقبلي.

 ظلت عملية التسييس حاكمة لعمل المؤسسة التربوية العربية.  فعندما وضعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( استراتيجية تطوير التربية العربية ) عام 1977م ونشرتها عام 1979م وضعت الاستراتيجية على التربية التزاماً سياسياً لأربع غايات هي مكافحة ( التخلف والتجزئة والاستعمار والصهيونية )  كما أن الغرض الأعلى من عمل المؤسسة التربوية العربية ظل غرضاً سياسياً محضاً هو خدمة ( الثورة العربية ) لأن هذه الثورة التي ( دكت في أرجاء الوطن العربي أصناف المخلفات الاستعمارية وحررت جماهير عربية غفيرة من قيود الاستغلال والاستعباد والتي تستجمع قواها اليوم لتوجه الضربة القاصية للصهيونية والاستعمار…  لابد من أن تفرض قيام ثورة تربوية عربية واحدة ينبغي الإعداد لها والتفكير فيها والإيمان بها والاعتقاد بأنها قادمة لا شك فيها. (2)

 لم يكن قصور التربية العربية على صعيد المضمون العلمي أقل درجة من قصورها الوظيفي.  وبشهادة واحد من ألمع التربويين القوميين العرب في القرن العشرين ( عبدالله عبدالدايم ) فإن التربية العربية كانت عملية منظمة                  لـ ”  اغتيال العقول والنفوس وتعبئتها بما نشاء من أفكار واتجاهات وقيم ”  وتتجه بها إلى تقديس الماضي ( تقديساً ضمياً )  أقام ( حاجزاً منيعاً بين تجربة الأمة العربية الإسلامية الماضية وبين تجارب الأمم الأخرى وكأن الحضارة العربية الإسلامية كانت غائبة كل الغياب عن ولادة الحضارة الغربية وكأن التفاعل والحوار لم يعرفا سبيلهما إلى تلك الحضارة العربية،  لا سيما حين يبلغ الأمر ببعض أصحاب هذا الاتجاه إلى حد القول بأن الحضارة العربية الإسلامية،  في شتى عصورها وفي واقعها اليوم، متفوقة على الحضارات الأخرى، وليس بها حاجة إلى أن تأخذ من سواها ). (3)

 في واقع تربوي كالواقع التربوي العربي، كان من الطبيعي جداً أن تحشى أدمغة الأجيال العربية بعدد من الأوهام المضللة عن معرفة الذات ومعرفة العالم،  أوهام معطلة للوعي عن تأسيس علاقة تفاعلية إيجابية بين العرب والعالم الحديث في غمرة تحولاته المتسارعة في ميادين العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة والاجتماع.

 لقد سقط العقل العربي أسيراً لهذه المجموعة من الأوهام، وإذا كنا جادين في البحث عن دور جديد للتربية في إعادة تشكيل الوعي العربي فإن هذا الدور لن يكون شيئاً آخر غير تحرير ( العقل العربي ) من الأوهام التي حكمته حتى الآن وقعدت بالعرب عن مجاراة أمم العالم في السير نحو المستقبل وما يعد به من تقدم وأمل.  هذه الأوهام كثيرة ومتنوعة وهي أكثر من أن تحصر في مبحث واحد ولكن خمسة منها تتميز بأولوية على غيرها.  هذه الأوهام الخمسة هي:

 وهم الهوية.

  1. وهم أعلوية الذكر على الأنثى.
  2. وهم أعلوية الفكر الغيبي على الفكر العلمي التجريبي.
  3. وهم الخوف من الحداثة والديمقراطية.
  4. وهم الإحساس بالاضطهاد العالمي للعرب.

 فماذا يعني كل واحد من هذه الأوهام؟  وكيف أسهمت هذه الأوهام مجتمعة في تلقيح العقل العربي بما يسميه الدكتور خلدون النقيب ( فقه التخلف ) ؟.

3- الوهم الأول

 المفكرون العرب والتربويون منهم على وجه الخصوص شغلوا أنفسهم طويلاً بقضية ( الهوية الثقافية ) للأمة وبما كان مفترضاً عندهم تهديداً لهذه الهوية.  لقد كان هذا انشغالاً نبيلاً من دون ريب ولكنه لم يكن انشغالاً ممحصاً دائماً فلما جاءت ” العولمة ” أعطته زخماً جديداً أرتفع به من ” انشغال مشروع ” إلى مستوى الشعور بالاضطهاد الموجه قصداً إلى ( نفي الآخر ) والآخر المقصود في هذه الحالة هم العرب بكلمات محمد عابد الجابري (4) .  وإذا كان الجابري يغلف مخاوفه من العولمة بصيغ لغوية ذات إيقاع نفسي متعال في إثارة توجسات الخوف من العولمة فإن آخرين غيره يفصحون عن خوفهم من العولمة بلغة لا تحتمل التأويل إذ هم ينطلقون من التسليم بوجود ( حرب حضارية مكشوفة بين الأمة العربية والعالم الغربي ) وينذرون بأنه إذا كانت ( هذا الحرب الحضارية المكشوفة بين الأمة العربية والعالم الغربي قد خمدت فإنها ستظل مستقرة في بواطن المرجعيات وهي بين أسوار القلعة اللغوية أشد شراسة وأخفى ضجيجاً).

 هذا الخوف الصريح من العولمة ليست له حدود يقف عندها إذ هو يرى أن المعركة الثقافية الدائرة حول الهوية هي مثل كل أصناف الحروب لها خطط خفية واستراتيجيات بعيدة المدى وأقرب الخطط إلى المصلحة العاجلة ترويج منافع المدنية الحديثة بكل منتجاتها المعيشية وبكل مبتكراتها الفنية وكذلك بكل محصلاتها التكنولوجية،  فضلاً عن جحافل الكماليات الموجبة للرفاه والدعة وأبعدها مدى هو العمل الصامت المدسوس المبرمج الذي يرمي إلى زعزعة كل تجمع حضاري متكتل وذلك بالمواظبة الزاحفة كسوس الأرض يدب دبيباً نحو تفتيت القوميات المتماسكة وتقويض الثقافات الإنسانية المتينة وأول الأهداف المقصودة وأجلها خطراً هو اللغة …  هذا الكائن الرمز الذي لا يشبه في المجتمع كائن ولا يفعل فعله في نفوس الأفراد فاعل مهما فتشت ومهما تأولت ) (5).

 إن هذا الوجل على اللغة العربية باعتبارها ذات الأمة العربية وتجسيد هويتها يستوقف النظر من ناحيتين … الناحية الأولى غياب الدليل العلمي على الربط بين هوية الأمة – أي أمة – وبين لغتها.  خلال القرون الثلاثة الفائتة الهند المعاصرة كانت تتكلم اللغة الإنكليزية ويبرع أهلها في استعمالها للتعبير عن أفكارهم وأشواقهم في المحافل الدولية وفي مؤسسات التعليم ولم تصب الهوية الهندية بسوء وبقى الهنود هنوداً كما أراد الله لهم أن يكونوا.  كذلك فإن براعة الهنود في حذف اللغة الإنجليزية واستعمالها فتح لهم أبواب العلم والعمل في أرجاء العالم كله وفي العالم الأنجلوسكسوني على وجه الخصوص. 

 أما الناحية الثانية فإن المتطيرين من احتمالات انفتاح الثقافة العربية المعاصرة على العالم الحديث يبدون وكأنهم يريدون تجريد الثقافة العربية الإسلامية من أحد أنبل خصائصها …  طبيعتها الإنسانية وقدرتها على التعامل مع الثقافات الأخرى،  هذه القدرة التي تجلت كأحسن ما يكون التجلي في العصر الذهبي لهذه الثقافة …  في عصر المأمون.

 إن للثقافة العربية الإسلامية تاريخاً طويلاً وغنياً في الأخذ والعطاء مع ثقافات الأمم الأخرى وكان هذا هو ما أعطى هذه الحضارة مركزها العلمي ووجهها الإنساني فما معنى هذا الصريخ الآن؟  هل هو اسم آخر للدعوة إلى العزلة الحضارية؟  أم هو تعبير عن حالة من الشك بالذات بدأت تتكشف فينا نتيجة هزائمنا المعاصرة؟.

 على أننا يجب أن نعود فنستدرك لم يكن هذا الانشغال بمسألة الهوية الثقافية عبثاً ولكننا أخطأنا الطريق إلى طرح الأسئلة الصحيحة حول الهوية وصيانتها.  لقد ظللنا نتساءل … هل نحن عرب أم مسلمون؟  أو هل نحن عرب مسلمون أو مسلمون عرب؟  ولقد غدت هذه المقاربة لـ ” الذات ” و            ” الهوية ” ترفاً باهض الكلفة جعلنا نتوهم إمكانية إعادة صناعة العالم وتعيين مكاننا فيه لغوياً،  وكان هذا وهماً كبيراً أغرقنا في التاريخ ولم يمكّنا من صنع تاريخ جديد يشدنا إلى العالم الحقيقي الذي نوجد فيه.  ويكاد يكون هناك إجماع بين المؤرخين العرب المعاصرين على خطر هذه العلاقة التعويقيه بيننا وبين تاريخنا.  فمن هؤلاء المؤرخين من يرى ( أن ارتباط العرب بهذا الذي يسمونه تارة الماضي وتارة بالتاريخ وثالثة بالتراث أو السلف ليس كارتباط أية أمة أخرى به. وأن دراسة الأبعاد التاريخية للتخلف العربي لتأخذ معنى خاصاً وأساسياً ومصيرياً من خلال هذا المنظور لقيمة ودور التاريخ في كيان العرب وأيديولوجيتهم المعاصرة.  أن بنى المجتمع العربي – ولعل لحضارته الزراعية أثراً في ذلك – وهي في مجموعها بنى تاريخية التكوين،  تاريخية حتى النخاع الشوكي،  تاريخية بامتياز وبعمق مع كل ما يحمل التاريخ من جلال واهتراء وغبار خانق.  إننا لا نعيش زمنين الحاضر والماضي فقط،  ولكننا في الواقع نعيش ، أزمنة شتى من هذا الماضي نفسه.  وإذا كان التاريخ والتراث والماضي والسلف وما يتصل بهذا وذلك منها ذات ضغط خاص على الشخصية العربية وبالتالي في الفكر الإيديولوجي العربي المعاصر فلأنها تحتل في التكون الثقافي القومي مكاناً ليس بالنادر أن يصل في بعض حدوده عالم التقديس والمناطق الحرام ). (6)   ويؤكد مؤرخون عرب آخرون هذا الوقوع في أسر التاريخ بلغتهم إلى ( أن العرب يعيشون ماضيهم قبل حاضرهم ويعيشون مع ذاكرة الماضي أكثر من غرسهم لتطلعات بناء مستقبلهم وتقدم أجيالهم ).(7)

 يقيناً …

 ليس من عيب في أن تنتسب الأمم إلى تواريخها ولكن العيب في أن يغدو التاريخ بديلاً عن الحاضر والعيب الأكبر أن تظل الهوية تستعار من التاريخ وليس من إبداعات الأحياء أنفسهم في مواجهة مشاكلهم والتماس الحلول لها.  ومن هذا المنطلق يكون الوقت العربي قد أزف لاستبدال مفهوم الهوية التاريخي بمفهوم وظيفي عن الذات ومخاطبة العالم به.  هذا المفهوم الوظيفي هو ( صورة الذات ) الراهنة، وهو يوجب – في مجال تأسيس هوية جديدة – يوجب التحول من المقاربة التاريخية الفيلولوجية إلى المقاربة الإشكالية أو المشكلاتية Problematic.  إذ السبيل إلى بناء صورة إيجابية عن الذات عند العرب الجدد يمكن تأطيرها بالتاريخ على أن يكون مضمونها أو محتواها من وعي الأزمات المحيقة بالعرب المعاصرين ومن مشروطات اقتحام تلك الأزمات بما يتوافق والتقدم الهائل الذي حققته البشرية في القرون الثلاثة الأخيرة علماً واقتصاداً وأخلاقاً.  هذه الأزمات هي على وجه التحديد:

 طبيعة الاستبداد العربي المعاصر شريطة أن لا ينحصر تفكيرنا في الاستبداد السياسي بل نذهب وراءه إلى مواجهة الاستبداد الثقافة و” ثقافة الخوف ” الناجمة عنه. إن مما يجعل ” ثقافة الخوف ” تهديداً حقيقياً لمستقبل الأمة الدرجة العالية من الشراسة التي تتسم بها موجة الخوف الجديدة التي لم تعد تأتي من أجهزة القمع التقليدية فقط،  بل هي أصبحت متعددة المصادر فهي تصدر عن السلطة السياسية أحياناً كما تصدر عن الإسلاميين كما تصدر عن العلمانيين والثوريين.  كل ما يختلف بينهما هو نوع التهمة التي تستباح بها براءة الإنسان العربي الذي قد يصنف ” خائناً ” من قبل أصحاب السلطان السياسي، أو ” كافراً ” من قبل الإسلاميين أو ” هداماً ” من قبل ذوي المصالح المركزة في المجتمع أو ” رجعياً ” من قبل الثوريين.

  1. روح الاستحواذ العربي المعاصر. تشير الأرقام الدولية إلى أن المديونية العربية للعالم الخارجي والصناعي منه تبلغ على وجه التقريب حوالي (450) مليار دولار على حين أن الاستثمارات العربية الخاصة في العالم الخارجي وفي العالم الصناعي على وجه التحديد تبلغ حوالي ( 750) مليار دولار.  كيف نفسر هذا الدين المتوطن وهذا الغنى المغترب؟  وما هي آثارهما على مستقبلنا وعلى صورتنا في نظر العالم؟  وفي نظرنا؟ فهل تستطيع أمة فيها مائة مليون فقير ثم تكون أموالها موظفة في تنمية مجتمعات بعيدة غنية، هل تستطيع أمة كهذه أن تتكلم بصدق عن هوية واحدة؟.
  2. عيمومة الخطاب السياسي العربي المعاصر ودورها في تغييب الوعي بالذات.
  3. غياب البعد الأخلاقي للتنظيم الاقتصادي في المجتمعات العربية المعاصرة ودوره في تعويض عن الأمة التجلي في عملية العولمة.
  4. تربية المواطنة ومبدأ المسئولية والجزاء في تقويم عمل الأنظمة السياسية العربية.

 هذه الأزمات الخمس هي المداخل الحقيقية إلى دراسة أزمة الهوية في العالم العربي، وهي قضايا تربوية في جوهرها وقد خذلتها التربية العربية المعاصرة.  فخلال أكثر من خمسة وسبعين سنة وعلى الرغم من كل التضحيات المالية والجهدية في المجال التربوي، لم نفلح في تأسيس تربية مدنية في الوطن العربي، كانت التربية العربية خلال هذه الحقبة الطويلة تربية معادية لروح العصر،  فلم تعرف أجيالنا الجديدة بطبيعة العالم الذي يعيشون فيه وينبغي أن ينتسبوا إليه ويتكاملوا معه بقدر ما شدت فكرهم إلى الماضي وجعلته بديلاً من الحاضر.  وكانت مدارسنا تقذف إلى المجتمع أفواجاً من أفراد يعرفون كيف يتكلمون كثيراً ولا يقولون إلا قليلاً،  وكان هذا القليل الذي يقولونه إنطوائياً ومخالفاً لروح العصر.

4- الوهم الثاني

 في سنة 1982م ثارت قضية ضخمة في الكويت والخليج العربي حول بديهية من بديهيات الحياة المعاصرة، قيادة المرأة للسيارة.  ففي 4/2/1982م نشرت الصحف الكويتية فتوى للمرحوم الشيخ عبدالعزيز بن باز الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية.  كانت الفتوى تقضي بتحريم قيادة السيارة على المرأة بحجة ( أن قيادة السيارة وسيلة لمفاسد كثيرة ) مثل ( السفور والخلوة بالأجنبي وخطر وقوعها فيما لا تحمد عقباه ).  وقد أستند الشيخ بن باز في فتواه على الخطاب القرآني لزوجات الرسوم عليه السلام ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) بدلالة من قوله تعالى ( وإذا سألمتوهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ) الذي خلص منه الشيخ إلى ( أنه يتعذر تطبيق هذه الآية إذا زاولت المرأة القيادة ) .  أختتم الشيخ بن باز فتواه باستخلاص ظريف … ( والذي يتأمل أحوال المجتمع وأحوال النساء والرجال على حد سواء يعلم أن هذه الوسيلة                 – السيارة – تؤدي إلى الشرك الكبير ). (8)

 كشفت فتوى الشيخ بن باز عن رفض مخيف لحقائق الحياة التي كان تحياها العرب المعاصرون ولم يستطع الناس أن يجدوا علاقة بين قيادة السيارة وبين ( الشرك الكبير )  كما لم يستطع الناس أن يفهموا كيف تستطيع المرأة المعاصرة والعاملة على وجه الخصوص أن تؤدي مسئولياتها وهي قعيدة الدار؟ .

 لقد كانت الفتوى مؤشراً قوياً على تجاهل ما كان يقع في حياة الناس من تغير في المفاهيم والقيم والممارسات كما كانت الفتوى أعلى صوتاً في الإشارة إلى محاولات تغييب الوعي أو تزييف الوعي بين الناس.  كذلك كانت الفتوى وقناعات الذين تمثلهم مؤشراً واضحاً على الصدام القائم بين الموروث والمتجدد في حياة العرب المعاصرين،  ومؤشراً على صراع إيديولوجي يمزق الفكر العربي في الوقت الذي كانت فيه حياة الناس الواقعية تأخذ مجراها المتقدم غير عابئة بجدل المتجادلين وفتاوى المفتين.  جاءت الفتوى في وقت كانت تتعاظم فيه قوة الدور الذي أخذت المرأة العربية تلعبه في الحياة الاجتماعية بحكم الحقوق التي نالتها وبحكم التعليم الذي صارت تحظى به ثم بحكم المسئوليات التي صارت تتحملها وتؤديها كما يؤديها الرجال أو بأحسن مما يؤديها الرجال.

 في زمن الفتوى كانت المرأة العربية توسع حصتها من المراكز القيادية توسعه جعلتها منافساً حقيقياً للرجل في ميادين القيادة الإدارية والإنتاج.  وفي العام 1996م كانت مؤشرات اقتسام القوة السياسية والإدارية تحدد نصيب المرأة من المناصب القيادية بأفضلية ظاهرة.

 جدول رقم (1) نسبة وجود المرأة العربية في المراكز القيادية الإدارية والاقتصادية والسياسية

 

المراكز

نسبة تواجد المرأة فيها

1

المديرون

13%

2

المهنيون والفنيون

30%

3

المجالس النيابية

5.2%

4

الوظائف الحكومية

2.6%

5

وكلاء وزارات

3.1%

6

وزراء

4.4%

المصدر – برنامج الأمم المتحدة للإنماء – تقرير التنمية البشرية 1996م.

 وحيثما وجدت الممارسة البرلمانية في البلاد العربية كانت المرأة العربية قد كسبت لنفسها موطئ قدم بين أقرانها الرجال.  ففي العام 1996م كان نصيب المرأة من المقاعد البرلمانية على النحو التالي:

 جدول رقم (2) حصة المرأة العربية من المقاعد البرلمانية في العام 1996م

 

الدولة

حصة المرأة من المقاعد البرلمانية

1

الجزائر

6.7%

2

مصر

2.2%

3

العراق

10.8%

4

السودان

8.2%

5

تونس

6.7%

6

اليمن

5.2%

المصدر – د.  باقر محمد حسين –  قياس التنمية البشرية مع إشارة خاصة إلى الدول العربية – أسكوا – سلسلة دراسات التنمية البشرية، رقم 5، 1997م.

 لم يقتصر تعاظم نصيب المرأة من القوة الاجتماعية على ما أحرزته من مكاسب قيادية بل هو أمتد إلى تحررها النسبي من تبعيتها الاقتصادية للرجل.  لقد أصبحت كاسباً جيداً للدخل المالي وهو ما أسهم في تعظيم نصيبها من الكفاءة الاجتماعية والقانونية والأخلاقية مع الرجل.  في العام 1996م كانت حصة المرأة العربية من الدخل المكتسب تتراوح بين (7.5%) في المملكة العربية السعودية و (27.1%) في المغرب.

 جدول رقم 3 حصة النساء من الدخل المكتسب

الدولة

حصة النساء من الدخل المكتسب

نسبة مئوية

الجزائر

15.7

البحرين

13.3

مصر

23.1

العراق

12.5

الأردن

00

الكويت

18.1

لبنان

21.4

الجماهيرية العربية الليبية

14.2

المغرب

27.1

عُمان

00

قطر

8.7

المملكة العربية السعودية

7.5

السودان

21.2

الجمهورية العربية السورية

18.3

تونس

23.5

الإمارات العربية المتحدة

8.9

اليمن

22.9

 المصدر – باقر محمد حسين – المرجع المتقدم

 على أنه إذا كانت صورة هذه التحولات باهتة نسبياً على الصعيد العربي العام فإنها وضع أوضح حدوداً وأبرز معالم على الأصعدة الإقليمية، ودول مجلس التعاون الخليجي كانت توفر مؤشراً جيداً في هذا الاتجاه.

 نسبة الإناث إلى الذكور لأعضاء هيئة التدريس بجامعة دول مجلس التعاون للعام الدراسي 1408/1409هـ الموافق 1988/1989م

الدولة

الإناث

الذكور

الإمارات

11%

89%

البحرين

22%

78%

السعودية

34%

66%

عُمان

00

00

قطر

34%

66%

الكويت

20%

80%

 

المصدر:  التقرير الإحصائي السنوي لمكتب التربية العربي لدول الخليج للعام الدراسي 1408/1409هـ الموافق 1988-1989م.

 لقد كشف التضاد بين الفتوى وواقع القوة الاجتماعية التي كانت المرأة في الخليج تحرزها عن إصرار غير مفهوم على تجاهل الواقع وإنكار التحولات الاجتماعية التي كانت المنطقة تشهدها.  إن ما كانت المرأة تحرزه من قوة اجتماعية غير مسبوقة بوجودها كقوة اجتماعية صاعدة والتسليم بشرعية هذا الوجود وحتميته.  ولكن الذين كانت الفتوى تمثل تفكيرهم كانوا يؤثرون المكابرة مستعينين ببعض النصوص المقدسة من القرآن الكريم ومن الحديث النبوي الشريف وكانت هذه الاستعانة تخلق لهم من المصاعب أكثر مما تقدم لهم تبريراً لمنطقهم في تلك المكابرة.

 كانت مشكلة أصحاب الفتوى أنهم كانوا يفسرون النص المقدس على غير وجهه الصحيح ليبقوا هيمنتهم على الفكر الاجتماعي وكان في ذلك إساءة مزدوجة إلى النص،  إساءة حين يظهرونه وكأنه مسئول عن تخلف المجتمع … وإساءة ثانية حين كانوا يجعلونه فعلاً عقبة في طريق تقدم المجتمع وإلا فإن الإسلام لم يضع المرأة في مرتبة ثانوية بالنسبة إلى الرجل، والإسلام لم يمنح الرجل أية سيادة على المرأة … ظاهرة كانت تلك السيادة أم مفترضة وحيثما كانت المرأة واعية لإنسانيتها كان الإسلام سريع الاستجابة إلى تطلعاتها الإنسانية والاجتماعية، والقرآن الكريم خير الشهود على هذا.  لقد كان الخطاب القرآني في مكة موجهاً إلى الذكور ( المؤمنين ) .  فلما هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وظل الخطاب محصوراً في الذكور،  كان في بيئة المدينة ما حفز النساء المسلمات أن يطالبن بأن يكون لهن ذكر مكافئ لذكر الرجال في التنزيل العزيز وسرعان ما استجاب الوحي لهنّ.  يروى أبن كثير الدمشقي في ( تفسير القرآن العظيم ) أن أم سلمة زوجة الرسول عليه السلام قالت … قلت للنبي صلى الله عليه وسلم … ما لنا                    – النساء – لا نُذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟  فلم يرعني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر وأنا أسّرح شعري، فلففت شعري ثم خرجت إلى حجرتي حجرة بيتي فجعلت سمعي عند الجريد فإذا هو يقوم – يا أيها الناس إن الله تعالي يقول ” إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما ”  – ( الأحزاب/35).  وفي رواية ثانية ينقل أبن كثير أن بعض نساء المدينة دخلن على بعض زوجات النبي وقلن لهن … قد ذكركن الله تعالى في القرآن ولم يذكرنا بشيء أما فينا ما يذكر؟ فأنزل الله تعالى ” إن المسلمين والمسلمات … الآية ” وكان في تشكّي نسوة المدينة إشارة إلى قول الله تعالى ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أن اتقيتّن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً “.  وفي رواية ثالثة لنزول ( آية التسوية ) عن أبن عباس أن جملة من نساء المدينة قلن للنبي صلى الله عليه وسلم ( ماله – أي الله سبحانه وتعالى – يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات؟  فأنزل الله .. إن المسلمين والمسلمات ).  إن الروايات الثلاث لنزول ( آية التسوية ) تنم عن ثلاثة مواقف احتجاجية أقرها الله تعالى ليؤدب الناس تأديباً جلياً بأن السكوت عن الحق هو تقصير في حق الإنسان على نفسه.  وقد يكون من باب الحكمة الخفية إن الآية تأجل نزولها حتى تتيقظ النساء في مجتمع مدني فيطالبن بالتسوية بينهن وبين الرجال في الذكر في القرآن الكريم. (9)

 كان أصحاب الفتوى والذين معهم يحتجون بأية ( القيمومة ) لتعزيز حجتهم ولكنهم كانوا يفعلون كما يفعل الذين يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.  كانوا دائماً يبترون الآية ويقفون عند مبتدأها كانوا يقرأون ( الرجال قوامون على النساء ) ثم يسكتون وكان ذلك تعاملاً غير مقبول مع الآية الشريفة التي تقول ” الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً ” ( النساء/34).  كانت مقدمة هذه الآية تقتبس دائماً مبتورة عن بقيتها من قبل خصوم حقوق المرأة السياسية فيظن الذي لا يعرف بقيتها كأنها تريد قيمومة جنس الرجال على جنس النساء مطلقاً على حين أن الفقهاء والمفسرين يرون أن ( المراد بالرجال هنا خصوص الأزواج لا كل الرجال، وبالنساء خصوص الزوجات لا جميع النساء )  على قول وعلى قول آخر ( المراد هنا قيمومة الزوج على زوجته ) فقط بعبارة أبن كثير الدمشقي.

 أما حدود القيمومة فهي عند فقهاء الشيعة لا تخرج عن ( القيام بشؤونهن وعليهن ولكن لا قيام الراعي على الرعية والرئيس على المرؤوس.  كلا فقد حدد الفقهاء هذه السلطة بثلاثة أشياء:

 أن يطلقها متى شاء.

  • وأن تطيعه في الفراش.
  • وأن لا تخرج من بيته إلا بإذنه ولهن فيما عدا ذلك مثل الذي عليهن ( 10).

 والى مثل هذا ذهب أبن كثير في تفسيره فيقرر أن المراد بالقيمومة ( أن تطيعه فيما أمرها الله من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهلة حافظة لماله ).  وهكذا يتبين كم هو ضيق وخاص حكم القيمومة وكم هو مقيد وغير مطلق.  وفي مستطاع القارئ المتبحر في معنى الآية الشريفة أن يلاحظ أنه حتى في حدود العلاقة الزوجية المحدودة وفي حدود التفسير الدقيق والمحدود لمعنى القيمومة فهناك قيود أخرى على قيمومة الرجل ( بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) فإذا كان الرجل أفضل خلقاً وأكثر تقاة لله تعالى وأرشد عقلاً وأكثر علماً ومعرفة بأحكام الدين والدنيا وكان قائماً بأمر زوجته وبيته مالياً كانت له القيمومة عليها.  أما إذا كانت الفضيلة والتقوى والرشاد والعلم والمعرفة والكفاية الاقتصادية متوفرة في الزوجة وكان الزوج عارياً منها فلا قيمومة له عليها.  فإذا تساوت الزوجة والزوج في العفة والخلق والكفاية المالية فقد استويا في الفضل ولم تعد لأحد منهما قيمومة على الآخر.

 حقاً …  إن تجديد الوعي يقتضي أول ما يقتضي فهم الأشياء على وجهها الصحيح وبصورة خاصة النصوص المقدسة من القرآن والحديث وفي مقدمة ذلك تأتي أو ينبغي أن تأتي قضية حقوق المرأة العربية.  إن الاعتراف الكامل بإنسانية المرأة العربية وتمكينها من استعمال حقوقها الإنسانية السياسية والاجتماعية هو في الوقت ذاته تعزيز لمكانة الرجل وهو سبيل الرجال إلى فهم أنفسهم ومعرفة حقوقهم الإنسانية أيضاً.  إن قضية الحرية والإنسانية غير قابلة للتجزئة.

5- الوهم الثالث

 دخل ( العقل ) أو المنهج العقلاني حياة العرب المسلمين الفكرية والاجتماعية في وقت مبكر وكان دخوله استجابة لأزمات اجتماعية عصفت بحياة المجتمع الإسلامي وقسمت المسلمين إلى ( أهل العقل ) و ( أهل النقل ) أو ( أهل الرأي ) و ( أهل الحديث ) .

 لقد أعطى الماوردي للعقل أولوية وأعلوية على ( الشرع ) لأن ( العقل ) عنده كان أساس ( التكليف  الشرعي ) ولأن الله تعالي – وفقاً للماوردي – جعل ما تعبّد به العباد ( قسمين … قسماً وجب بالعقل فوكده الشرع وقسماً جاز في العقل فأوجبه الشرع ) (11)

 هكذا أصبح التسليم بالعقل أساساً للتعامل مع قضايا الإنسان الاجتماعية والروحية.  وفي الوقت ذاته أصبح ( العقل ) دليلاً للكشف عن الحقيقة الطبيعية المستودعة في النظام الطبيعي من جهة، كما أصبح من الجهة الأخرى ( حَكَماً ) فيما يستعضل من مشكلات الحياة الاجتماعية والاقتصادية بين الناس.

 لقد فتح هذا التوجه العقلاني عيون المفكرين المسلمين على حقائق الحياة المادية للإنسان فرداً كان أم جماعة فلم يغالطوا أنفسهم في ذلك فراحوا يحكّمون العقل في تفسير الوضع الاقتصادي والسياسي للمجتمع وما ينطوي عليه من عدل أو ظلم، كما راحوا يربطون بين الإنتاج الزراعي والصناعي … شحه ووفرته وفي كيفية اقتسام عوائدة بين أفراد المجتمع.

 طرح الماوردي في كتابه ( أدب الدنيا والدين ) رؤية متكاملة لنظام اقتصادي اجتماعي إسلامي أساسه الوفرة في الإنتاج وغايته العدل في التوزيع.

 قال الماوردي:

 ”  إن من أسباب الألفة الجامعة ، المادة الكافية لأن حاجة الإنسان لازمة لا يعرى منها بشر.  قال الله تعالى: ”  وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ” .  فإذا عدم المادة ا لتي هي قوام نفسه لم تدم الحياة ولم يستقم له  دين وإذا تعذر شيء منها عليه لحقه من الوهن في نفسه والاختلال في دنياه بقدر ما تعذر من المادة عليه لأن الشيء القائم بغيره يكمل بكماله ويختل باختلاله، وأسباب المادة مختلفة باختلاف وجهات المكاسب متشعبة ليكون اختلاف أسبابها علة الإئتلاف بها وتشعب جهاتها توسعه لطلابها هداهم إليها بعقولهم وأرشدهم إليها بطباعهم حكمة منه سبحانه وتعالى “.

 ومصادر هذه الكفاية المادية المشروطة لسلامة النظام الاجتماعي هي أربعة:  الزراعة والحيوان والتجارة والصناعة.  والصناعة عنده ثلاثة أنواع صناعة فكر وصناعة عمل وصناعة مشتركة بين الفكر والعمل …  ويدرك الماوردي أن القاعدة المادية للاجتماع الإنساني مهمة أهمية كبيرة لصلاح المجتمع لا لمجرد حيويتها وحسب بل لما قد تثيره من روح الاستئنار بها من قبل بعض الناس دون بعض وما قد يجر ذلك إليه من الصراع أو الاحتراب الاجتماعي الذي لا يخدم المصلحة العامة للمجتمع ولا يحقق الألفة بين أفراده.  ولذلك فهو يطالب بفلسفة أخلاقية ينطلق منها للتعامل مع الثروة أو المال بحيث تبقى الثروة ويبقى المال مصدراً للخير الاجتماعي العام بدل أن ينقل إلى مصدر البغضاء والشحناء.

 كان يفترض في التربية العربية المعاصرة أن تستثمر هذا الميراث الفكري الواقعي في توجيه الفكر العربي المعاصر نحو بنية موضوعية للمجتمع ولكن ما وقع كان ضداً على هذا التوقع.

 تراجع الفكر العلمي العقلاني لمصلحة  الفكر الغيبي والتاريخي ودرجت الدراسات اللغوية والتاريخية والدينية تحتل المساحات الأوسع من الخطط الدراسية ومناهج التعليم والكتب المدرسية على حين تقلصت المساحات المكرسة للعلوم الطبيعية والرياضية والفيزيائية والاقتصادية والسياسية.

 ولكي لا يكون الكلام في هذا الأمر محض خطابة – ومع غياب التحليلات المضمونية الشاملة لكل البلدان العربية – فسوف نجتزئ من المضامين المناهجية لدول الخليج العربية مثلاً على رفض التغيّر ورفض المنطق العلمي وسيلة إليه.

 العقد الأخير من القرن العشرين كانت المناهج الخليجية تكرس (40.992) حصة دراسية للمواد التراثية ( لغة – تاريخ – دين ) على حين لم تكرس لتدريس العلوم إلا ( 19.550) حصة دراسية خلال السنوات العشر الأولى من التعليم العام.

 مجموع الحصص التي كان يدرسها الطالب الخليجي في السنوات العشر الأولى من التعليم العام موزعة بين الأدبيات والعلميات عام 1990م وما بعدها

الدولة

الساعات المخصصة للدراسات اللغوية والاجتماعية

الساعات المخصصة للدراسات العلمية والرياضية

الإمارات العربية المتحدة

4532

2165

مملكة البحرين

6680

2556

المملكة العربية السعودية

6384

2292

الكويت

5114

2752

قطر

5856

2955

عمان

6334

2984

المجموع

40992

19552

 

إن هذه الأرقام تعطي للدراسة اللغوية والاجتماعية ما بين 60% – 70% من مجموع الساعات الدراسية على مدى عشر سنوات.  ولما كانت الدراسة التراثية بالشكل الذي تقدم به ذات طبيعة تلقينية توقيفيه فإنها بهذا المقدار أيضاً كانت تبعد الناشئة عن روح العلم التي تهيمن على العصر وتحرمهم من تذوق مغامرات العقل واقتحام مجالات التقدم التقني وتصور العالم لهم تصوراً لفظياً فتوقعهم أسرى هذا التصور وتفقدهم حتى روح الحماس في الإقبال على ما هو مقرر لهم من دروس العلوم الطبيعية والرياضية التي تبدو لهم تفسيرات ثقافية طارئه من ثقافات غريبة عن ثقافتهم وقد تدفعهم إلى اعتبارها غزواً ثقافياً واجب المحاربة.

 لقد بدأت هذه القسمة غير الطبيعية للزمن الدراسي بين العلوم والتراثيات تقلق حتى الأجهزة التربوية الإقليمية الرسمية فأخذ ( مكتب التربية العربي لدول الخليج ) ينبه – منذ أواخر الثمانينات – إلى مخاطر هذه النزعة اللفظية التلقينية في التربية الخليجية وكان من أهم تنبيهاته توجيه عناية المسئولين إلى أن مجموع الحصص المخصصة للتربية الإسلامية واللغة العربية ( 161 حصة في الأسبوع الواحد للمراحل العامة الثلاث ) يفوق كثيراً ما هو مخصص للعلوم الصلدة ( الرياضيات والعلوم الطبيعية 115 حصة ).

 في هذه البنى المنهجية … غدت الدراسات العلمية جذراً صغيرة في أوقيانوس الدراسات التقليدية ولم تستطع ثمانية عقود من الزمان وبلايين الدولارات التي أنفقت على المؤسسة التربوية العربية أن تغير هذه القسمة الضيزى ولا أن تتحول بالمؤسسة التربوية إلى مقاربة روح العصر الذي تولد الأجيال الجديدة فيه وبهذا كانت التربية العربية – عملية غزل حضاري لهذه الأجيال تردها إلى الماضي وتسقط المستقبل في فكرها إسقاطاً وكان الحاضر بين عملتي الردة والإسقاط يتزيف في وعي الناشئة.  بعبارة أخرى كانت التربية عنصر تثبيت وتوقيف في المجتمعات العربية.

6- الوهم الرابع

 كان من قصورات التربية العربية اعتماد طريقة التلقين والإملاء في التدريس وكان في ذلك النمط من طرائق التعليم مصادرة عملية لحرية المعرفة.  لقد أغفل هذا النمط من طرائق التعليم حاجة نمائية إنسانية مهمة وهي أن المعرفة الحقه لا تتحقق بالتلقين وإنما هي تتحقق بـ ( الاكتشاف ) لأن التلقين يلغي حرية الفهم ويمنع من معرفة ( الأسباب ) لحدوث الأشياء.  لقد في التعليم التلقين الذي مارسته التربية العربية تفسير وظيفي للطلاق البائن بين أداء هذه التربية وبين متطلبات التنوير الفكري والإنماء الاجتماعي والتقدم السياسي.

 ما الذي كان يمنع من الإفلات من قبضة هذه المحافظة التربوية وما تعقبه من جمود فكري؟

 إن الإجابة على سؤال مشحون كهذا قد تتعدد بلا انتهاء ولكن جواباً غير مسيّس يمكن التماسه عند المفكرة المغربية الدكتورة فاطمة المرنيسي. في آخر كتاب لها ( الإسلام والديمقراطية – الخوف من العالم الحديث ) تطرح الدكتورة المرنيسي تفسيراً شمولياً لظاهرة الجمود في العالمين العربي والإسلامي من خلال نظرية باهرة تبلورها حول ( ثقافة الخوف ) التي تحكم هذين العالمين. وهي تعرض سبعة أنواع من الخوف تبتلي هذين العالمين بما تسميه ( القلق المدمر ).  هذه الأنواع السبعة من الخوف هي:

 1-  الخوف من الغرب.

2- الخوف من الأمام.

3-  الخوف من الديمقراطية.

4-  الخوف من حرية الفكر.

5-  الخوف من النزعة الفردية.

6-  الخوف من الماضي.

7-  الخوف من الحاضر.

 ما تخلص إليه الدكتورة المرنيسي من تحليل مكونات ( ثقافة الخوف ) هذه – تاريخياً وأبيستمولوجيا – هو أن ( عقبة الخوف ) التي تعودت الأمة على عدم اقتحامها تجعل شعوب هذه الأمة في فقر مادي مزمن وفي مسغبة عقلية أكثر إزماناً وتفصل بينها وبين تراثها الحضاري العظيم.

 للتربية دور حاسم في إخراج الأمة من ( ثقافة الخوف ) إذا تيسر لها أمران غير متعذري التحقق ( أولاً ) إرادة التغيير واعتباره خياراً حاسماً لرسم طريق هذه الأمة إلى القرن الحادي والعشرين ( ثانياً ) المعالجة العلمية لأزمات التحول في نظام اقتسام القوة الاجتماعية.

7- الوهم الخامس

 كان لتربية الكنوص العربية أثر تعويض آخر في تفكير العرب المعاصرين.  أسقطنا الانطواء على الذات والانعزال عن العالم والهرب إلى التاريخ … أسقطنا ذلك في وهم آخر ربما كان أشد الأوهام الخمسة خطراً … وهم ( اضطهاد ) العالم لنا وائتماره بنا.  لقد كان هذا الإحساس بالاضطهاد تعبيراً أخر عن عجزنا عن فهم دورنا في الوضع العالمي الجديد وتبريراً لعدم محاسبتنا لأنفسنا وتعيين مسئوليتنا عما وصلنا إليه.  عقدة الشعور بالاضطهاد كان لها ما يبررها في تجارب الماضي قطعياً.

 الكفاح ضد الاستعمار والهزائم أمام إسرائيل والحروب الظالمة التي أقحمنا فيها والتدني المستمر في المستويات المعاشية بسبب التظالم الاجتماعي،  وتسطيح العقل العربي بتربية غير كفية وإعلام غير جاد وأزمة الثقة المزمنة بين الحكام والمحكومين وهدر مصادر الثروة الطبيعية والإحباط الناجم عن الإحساس بعبثية الأشياء والقعود عن جعل الحياة أكثر نبلاً …  كل هذا حال بيننا وبين رؤية صريحة في سبب عللنا الكبار وصرفنا عن محاسبة الذات إلى اصطناع التذرع بوهم اضطهاد العالم لنا تبريراً لعجزنا عن العمل من أجل تقدمنا.

 غير أن الأمم مثل الأفراد لا تستطيع أن تظل أسيرة تجارب الماضي ولابد لها إذا أرادت الاستمرار في الحياة أن تنهض من رماد الحرائق وأن ترقوا جراحها وتبتلع هزائمها وتتطلع إلى شيء أكثر نبلاً وأملاً وأن ترجع البصر فيما فعلته لنفسها وما فعلته بنفسها لتحديد مسئولياتها القادمة لتعرف مكانها في العالم الجديد.  وهذا ما هو مفترض في العرب أن يفعلوه الآن لأنفسهم وهم وحدهم القادرون عليه.

 إن العالم يتحدث عنا الآن بلسان جديد ويجب أن نصغي للهجة الأنصاف المتعالية فيه فهناك اليوم بين المفكرين الغربيين من يلتمس التوبة للغرب عما فعله بنا سابقاً ومن يجعل الغرب مسئولاً حتى عن تهمة الإرهاب والعنف التي تلصق بنا يذهب Paul Kennedy محاججاً بأن ( تراجع الإسلام وانطواءه على نفسه وتأخره عن حركة التاريخ كان في بعض وجهه رد فعل على التوسع الأوروبي.  الإبحار بمحاذاة السواحل العربية والنفاذ إلى المواقع الاستراتيجية عن طريق إنشاء السكك الحديد والقنوات والموانئ والتحرك بثبات في شمال أفريقيا ووادي النيل والخليج الفارسي وبلاد الشام ومن ثم في الجزيرة العربية ذاتها وتقسيم الشرق الأوسط بحدود غير طبيعية كجزء من صفقات ومساومات ما بعد الحرب العالمية وتكوين النفوذ الأمريكي وتعزيزه بإزاء النفوذ الأوروبي وزرع دولة إسرائيلية وسط الشعوب العربية وتشجيع الانقلابات العسكرية على الحكام الشعبيين وتكرار القول بأن أهمية هذه المنطقة تأتي من بترولها فقط،  نتيجة لكل هذه الأعمال فإن الغرب ربما يكون قد لعب من الأدوار في دفع العالم الإسلامي إلى ما هو عليه الآن أكثر مما يجب المعلقون الخارجيون أن يعترفوا به ) (12).  وبين كبار المفكرين الغربيين اليوم من لا يتردد في إظهار تفهمه تذمر العرب والمسلمين من ازدواجية الغرب والولايات المتحدة على وجه التحديد في تعاملها معهم مؤكدين أن الشعوب غير الغربية لا تتردد في إبراز الفجوات بين مبادئ الغرب وممارسات الغرب ووصفها بالهرطقة والازدواجية كالقول بأن ( الديمقراطية يجب أن تروج ولكن ليس عندما تأتي بالقوى الإسلامية إلى السلطة،  وإيران والعراق تؤمران بعدم امتلاك الأسلحة الذرية ولكن إسرائيل يحق لها أن تملك الأسلحة الذرية، والتجارة الحرة هي شريان الحياة الاقتصادية ولكن ليس في الزراعة، وحقوق الإنسان هي قضية نزاع مع الصين ولكن ليس مع السعودية والغزو العراقي للكويت الغنية بالنفط وجبت محاربته ورده ولكن الأمر لم يكن كذلك مع البوسنة والهرسك اللتين لا تملكان نفطاً ) (13)،  كما يقول صموئيل هنتغنتون.

 في هذه الشهادات المنصفة والكثير من نظائرها تكفير واضح عما سلف من الجحود القديم لعطاءات العرب والمسلمين في سبيل تقدم الإنسان وازدهار حضاراته، وهو تكفير يجب أن نتلقاه بما هو خليق به من التصديق والتقدير على أنه – بالنسبة لنا – بداية جديدة إلى الانغماس في عملية الإبداع الحضاري.  ليس هناك من يقول بانتهاء محاولات الغلبة والتفوق علينا من الغرب ومن الشرق،  ولكن هذه المحاولات هي الآن جزء من قواعد اللعبة الدولية في مضمار العولمة وهي ليست محصورة فينا ولا مقصورة علينا.  إن روسيا والصين والهند عرضة لاحتمالات الغلبة والتفوق عليها من الغرب الصناعي أو اليابان،  وليس حظها من هذا بأحسن من حظ العرب والمسلمين.  ولكن ما ينبغي أن نتنبه إليه هو أن هذه الاحتمالات هي احتمالات تنافسية تتوسل بالذكاء والمعرفة والإبداع العلمي وسبيل التصدي لها ومواجهتها هو التذرع بالذكاء والمعرفة والإبداع العلمي،  أي بمزيد من التربية الراقية.  هناك فرق بين ما يورث المنافسة الذكية وبين ما يورث العداوة والبغضاء.  الأول يدفع إلى الإبداع والمزيد من الإبداع جنة من الهزيمة والتخلف أما الثاني فيسلب الناس أحسن ما أودع الله فيهم من إمكانات القوة.  إن قوة الأمم تأتي من داخل وجودها ولا تلتمس خارج هذا الوجود.  ما يأت من الخارج يأت مستعاراً لا يحمل معه ثقة العطاء الأصيل ولا ثقله.  بهذه القوة المختزنة داخل وجود الأمة نستطيع – أكثر من أي شيء آخر – الاستمرار في سباق الأمم إلى المستقبل (14).  وبها نستطيع التحرر من الأوهام الخمسة التي أفسدت رؤيتنا لأنفسنا وللعالم.


الهوامش

  1.  راجع .. د. محمد جواد رضا – الغد العربي الأفضل وأحجية الانتظار الطويل – ص 143 العدد (202) – المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت 1995م.
  • للتوسع في آثار عملية التسيّس للتربية العربية، راجع الفصل الثالث من كتاب ( العرب والتربية والمستقبل … تربية النكوص … أو تربية الأمل ) للدكتور محمد جواد رضا،  نشر الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية ، الكويت،  2000م.
  • للتوسع في معرفة أخطار النزعة الماضوية في التربية العربية المعاصرة راجع كتاب الدكتور عبدالله عبدالدايم – نحو فلسفة تربوية عربية – الفلسفة التربوية ومستقبل الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت 1993م.
  • راجع … الدكتور محمد عابد الجابري – العولمة والهوية الثقافية … عشر اطروحات ، المستقبل العربي، ص 17، العدد 228، شباط 1998م، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت.
  • الدكتور عبدالسلام المسدعي- آفاق اللغة العربية في عصر العولمة – بانوراما مهرجان القرين الرابع، العدد 12 ، 11/12/1997م ، الكويت.
  • الدكتور شاكر مصطفى – الأبعاد التاريخية لازمة التطور الحضاري، ص 39، ندوة أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي، 7-12 أبريل 1974م، جامعة الكويت، وجامعة الخريجين، الكويت.
  • الدكتور سيّار الجميل – بقايا وجذور التكون العربي الحديث ص28، الأهلية للنشر والتوزيع – عمان – الأردن 1997م.
  • للتوسع في تداعيات هذه الفتوى راجع … الدكتور محمد جواد رضا – الخروج من زمن البراءة … التجربة الكويتية 1961-1991م، الفصل الخامس، دار قرطاس، الكويت 2000م.
  • راجع – أبن كثير الدمشقي – تفسير القرآن العظيم ص 264-265، م 3، دار المعرفة ، بيروت 1388هـ -1969م.
  • محمد جواد مغنية – التفسير المبين ، ص 105، مؤسسة عز الدين ، بيروت 1983م.
  • الماوردي – أدب الدنيا والدين، ص 120، مكتبة الحلبي وأولاده، القاهرة، 1955م.
  • Kennedy, P. Preparing for the Twenty First century, P211, Vintage Books, New York, 1994.
  • Huntington, S. , The West: Unique Not Universal Foreign Affairs, P41 Nov-Dec, 1996.
  • راجع – محمد جواد رضا، العرب والتربية والمستقبل، تربية النكوص أو تربية الأمل، مرجع سابق، ص 205.

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد