حروب العلم في ضوء فلسفة ما بعد الحداثة “آلان سوكال” نموذجاً

تقديم: –

  شهدت أقسام العلوم الإنسانية في كليات الآداب بالجامعات الأمريكية في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، عدداً كبيراً من الأساتذة والمفكرين الفرنسيين، الذين يتبنون أفكار ما بعد الحداثة، وقد ثبت أن طريقة هؤلاء في معالجة قضايا الواقع ومستجداته، خالية من أية معان عميقة، أو بلا معنى على الإطلاق، وقد ذكر الصحفي اللامع الأستاذ “فاضل السلطاني” في مقال له بجريدة ” الشرق الأوسط “، بعنوان ” الفرنسيون آخر من يعلم “، أن هذا الانطباع عن الفلاسفة والنقاد الفرنسيين المحدثين ليس جديدًا في أمريكا. فهو معروف منذ دخلت بعض أفكارهم إلى بعض الجامعات الأمريكية العريقة (1).

  ويصور هذا الانطباع مقال نشر في المجلة الأسبوعية لجريدة نيويورك تايمز منذ عام 1985م عن “الغزو الفرنسي” لأقسام الأدب في الجامعات الأمريكية ( وقد نشرت جريدة الهيرالد تريبيون Herald Tribune ملخصاً وافياً له ؛ بعنوان: التفكيكية وما إليها: من غابة النقد في جامعة ييل” (2).

 وفي أواخر تسعينيات القرن العشرين نٌشبت ظاهرة حروب العلم Science Wars داخل أقسام الإنسانيات بالجامعات الأمريكية ؛ حيث أخبرنا عنها المفكر الأمريكي ” جيمس تريفل”، قائلاً:” يمكن القول في البداية إن حروب العلم نشبت بفعل فلسفة ما بعد الحداثة غير التقليدية التى سرت كالعدوى داخل أقسام الإنسانيات فى الجامعات الأمريكية في أواخر القرن العشرين. وتأسيساً على النظرية الأدبية الفرنسية، فقد أكدت وجهة النظر هذه البناء الاجتماعي للمعرفة، ومن ثم فإنها تنكر عادة صواب فكرة الحقائق الموضوعية. ونعرف أن أشد دعاتها تطرفاً ( وما أكثرهم ) قد انحدروا إلي صورة مبسترة من الذاتية أو الأحادية المطلقة ” (3).

 ولم يكتف هؤلاء بذلك، بل شنوا هجوماً عنيفاً على صحة العلم ؛ حيث رأوا أن أحكام العلم لا تعبر عن وقائع طبيعية، ولا تنطلق من أساس تجريبي أو واقعي معين، وإنما تنبع من أحكام سابقة سبق أن حصل الاتفاق حولها بنسبة ما، فتكون أحكام العلم مقبولة لدى جماعة العلماء، وهذا القبول لا يأتي من كونها تحمل تفسيراً صائباً لوقائع معينة، ولا من كونها تتمتع بموضوعية ما، بل إن ذلك القبول مشروط بالتضامن بين الجماعة التي تأخذ بها لاعتبارات ظرفية. وهذا أدي إلي قلق كثيرين في الأوساط العلمية ؛ خاصة ما جري للغة البناء الاجتماعي من استبدال وتغيير بعض المصطلحات ومحاولة السيطرة السياسية للعلم في المجتمع (4).

 وفي عام 1996م أخرجت ” جامعة ديوك Duke University “، الأمريكية مجلتها الأكاديمية التي كانت، بعنوان “النظرة النقدية لما بعد الحداثة “، وأشارت فيها إلي حروب العلم في مقالات مختصرة ووجيزة. فقد استخدم الأكاديميون لغة وفكر ما بعد الحداثة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وظهر بذلك دور المجتمع والسياسة في العلم. وفي مقدمة الأطروحة علق المحرر ” أندروا روس Andrew Ross ” قائلاً: ” أن الهجوم على دراسات العلم كان نتيجة تقليص الدعم المادي للعلوم في الولايات المتّحدةِ مع نهاية الحرب الباردة، حيث كان الكونجرس يهدد بوضع تخفيضاتَ أخرى من التمويل الحكوميِ للعِلمِ، بالإضافة إلي نقص التمويل المادي للعلوم الإنسانية” (5).

 وهذا ما يؤكده بعض الباحثين فيقول:” إن ما يسمي بحروب العلم يتمثل في أن أنصار العلوم الإنسانية يقفون في مواجهة ضد كل ما يتعلق بالعلوم الطبيعية، هذه المواجهة أخذت شكل معارك فكرية حول نظرية المعرفة، والميثودولوجيا، والابستمولوجيا، والمنطق. واشتعال الحروب بينهم، أثار اهتمام الرأي العام على نطاق واسع، مما أدي إلي قلق كثيرين في الأوساط العلمية ” (6).

 وفي تلك الأثناء قام أحد الأساتذة المتخصصين في الفيزياء الرياضية بجامعة نيويورك، ويدعي ” آلان سوكال ” (Alan Sokal) (*) ؛ حيث أصبح معنياً أشد العناية بهذا الجانب مما يسمي ما بعد الحداثة، ما دفعه إلى أن يجري تجربة بسيطة، قام فيها بتقليد المفكرين الكبار في كتاباتهم الفكرية وتنميقاتهم الاصطلاحية واستدلالاتهم بمفكرين آخرين، على طريقة عدد من المفكرين الفرنسيين وبعض علماء الاجتماع في الولايات المتحدة ؛ فقد جمع ” سوكال ” عدداً من الصفحات لبحث بعنوان ” تجاوز الحدود: نحو تأويلات تحولية للثقل النوعي للكم” ‘Transgressing the boundaries: towards a transformative hermeneutics of quantum gravity’ “. وقد كانت ورقة البحث مكتوبة بأسلوب ما بعد الحداثة المتغطرس والمسيَّس، ومن ثم كانت محاكاة سافرة.

 وعلى أي حال أرسل آلان سوكال ورقة البحث إلى صحيفة تنتمي بفكرها إلى فكر ما بعد الحداثة اسمها “ النص الاجتماعي ” social text وهي التي قبلت نشرها بدون تحكيم (7). وبعد أن ظهر المقال مطبوعاً كتب سوكال ورقة بحثية عنوانها ” تجارب عالم فيزياء مع الدراسات الثقافية “A Physicist Experiments with Cultural Studies”، وأرسله إلى صحيفة منافسة هي صحيفة “ لينجوا فرانكا” lingua franca، وأعلن سوكال في هذه الورقة أن الأمر كله خدعة، وأوضح أن الصحيفة، كانت سعيدة جداً لحصولها على مقال لعالم فيزيائي جشم نفسه مشاق تعلم لغتها، مما حداها على نشر الورقة من دون السؤال عما إذا كان فيما تقوله أي معنى مفهوم (8).

 وعلي ذلك سوف تكون عنايتنا موجهة في هذه الدراسة نحو الكشف عن ” إشكالية حروب العلم في القرن العشرين ” آلان سوكال ” نموذجاً، ولا أخفي على القارئ أن سبب اختياري لتلك الإشكالية، هو حداثة هذا الموضوع، فهو وليد الساعة، ولا توجد عنه أية دراسة عربية – فلسفية لا من قريب ولا من بعيد في عالمنا العربي. وليس أدل على ذلك ما وصفه بعض كتابنا المعاصرين بشأن خدعة سوكال، بأنها ” سارت بذكرها الركبان- وأعرض عنها إعلامنا الثقافي الوسنان- لما لها من دلالة فائقة تتصل، في العمق، بقيمة ومدى مشروعية المقاربة ’’المباحثية‘‘ لقضايا نظرية العلم ” (9).

 ولذلك فإننا في هذا الورقة نسعي إلي تحليل قضية ” حروب العلم في القرن العشرين ” آلان سوكال ” نموذجاً ” ؛ حيث نبرز عناصرها الأساسية عبر تطورها، ثم نحاول أن نعيد بناءها في ضوء المناقشات التي أحاطت بها. وعلي هذا فإن هذا البحث يرمي إلي فهم وتأويل خدعة سوكال، والتي على إثرها تم إشعال حروب العلم.

 وقد اعتمدنا في هذه المهمة على منهجين، هما المنهج التاريخي والمنهج النقدي. وقد استخدمنا المنهج التاريخي ؛ بمعني الرجوع للوقائع التاريخية التي أدت إلي ظاهرة حروب العلم. واستخدمنا كذلك المنهج النقدي بمعني فحص وتحليل النتائج التي انتهي إليها سوكال في خدعته على أساس الأهداف التي حددها في فلسفته لإشعال حروب العلم.

  ومن هذا المنطلق قمنا بمعالجة ” إشكالية حروب العلم في القرن العشرين. . آلان سوكال نموذجاً، في ثلاثة مباحث: –

المبحث الأول- البعد التاريخي، وفيه نحاول الكشف عن الأبعاد الحقيقية لقضية حروب العلم ؛ حيث نوضح أن حروب العلم نشأت بسبب الهوة العميقة بين المشتغلين بالعلوم الطبيعية، والمشتغلين بالعلوم الإنسانية منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر، وأن هذه الهوة قد اتسعت منذ أيام ” تشارلز بيرس سنو Charles Percy Snow (1905-1980م)” ؛ علاوة على أننا سوف نبين في هذا البعد أهم الأسباب والدواعي التي أدت إلي إشعال حروب العلم ؛ حيث نناقش موقف فلاسفة العلم المعاصرين من الموضوعية ودور البناء الاجتماعي للمعرفة.

المبحث الثاني- البعد الفلسفي، وفيه نبين أهم المضامين الفلسفية التي كشفت عنها خدعة سوكال، وكيف تمكن ” سوكال ” من أن يفضح فكرة ما بعد الحداثة ويبين كم هي جوفاء، فهي في مداها البعيد والقريب تطرح فكرة أن الجهل باللغة وسوء استخدامها هو المسئول عن الإخفاق العقلي والفوضى الروحية التي سادت التفكير الغربي.

المبحث الثالث- البعد النقدي، وفيه نكشف عن مواقف وتوجهات ” سوكال ” النقدية والنقضية إزاء ابستمولوجيا ما بعد الحداثة ؛ حيث نعرض أهم النصوص التي عول عليها سوكال لتفنيد فكر ما بعد الحداثة، ثم الكشف عن الهراء اللغوي الذي وقع فيه.

 المبحث الأول: البعد التاريخي: –

  منذ زمن بعيد وللعلم علاقة مضطربة إلي حد ما بغيره من أوجه الثقافة بدليل محاكمة ” جاليليو” Galileo (1564م-1642م) بدعوى الهرطقة في القرن السابع عشر أمام الكنيسة الكاثوليكية التي لم تعترف رسمياً بخطئها إلا منذ فترة قصيرة، أو بدليل الهراء الذي كتبه الشاعر” وليم بليك William  Blake (1757م-1827م) ضد نظرة “إسحاق نيوتن Isaac Newton (1642م-1727م)” الميكانيكية للعالَم (10).

 علاوة على أن نظرة الأدباء إلي العلم خلال العصر الفيكتوري، شهدت نوع من الاحتقان، فعلي سبيل المثال يقول ” جوزيف كراتش” Josef crash: ” لقد خاب أملنا في المختبر لا لأننا فقدنا إيماننا بحقيقة ما يتوصل إليه من نتائج، وإنما لأننا فقدنا إيماننا بقدرة هذه النتائج على مساعدتنا بالشكل الكامل الذي كنا نرتجيه ” (11).

  وهذا أيضاً نفس ما ذهب إليه “جورج جيسنغ” George Ginseng، أحد القصصين في العصر الفيكتوري إذ يقول: ” إنني أمقت ” العلم” وأخشاه استناداً إلي قناعتي بأنه سيكون للبشرية عدواً فاقد الضمير، وذلك لمدة طويلة جداً إن لم يكن للأبد. إني لأراه وقد أتي على كل ما في الحياة من بساطة ووداعة وكل ما في هذا العالم من جمال ؛ إني لأراه وقد أعاد الهمجية تحت قناع المدنية ؛ إني لأراه ينشر الظلام في عقول البشر ويقسي قلوبهم ؛ إني لأراه يجر في أعقابه عهداً من المنازعات الكبرى أين منها ” الحروب الألف في العالم القديم ” ويبعثر جميع الجهود التقدمية التي بذلها البشر في بحر دموي من الفوضى” (12).

  وثمة نقطة أخري جديرة بالإشارة، وهي أن الهوة قد اتسعت بين العلم والإنسانيات، كما بيَّن ” تشارلز بيرس سنو Charles Percy Snow (1905م-1980م)” في مقاله الكلاسيكي “الثقافتان والثورة العلمية ” عام 1959 ؛ وهذا المقال كان في الحقيقة عبارة عن محاضرة ألقاها ” سنو ” في جامعة كامبردج عرفت باسم ” محاضرة ريد “، وسبب هذه المحاضرة ملاحاة شديدة وجدلاً عنيفاً بين مؤيد ومعارض. وفيما بعد نشر ” سنو ” هذه المحاضرة في كتاب يحمل العنوان ” الثقافتان والثورة العلمية ” (13).

  ويذهب ” سنو ” في محاضرته إلي وجود هوة سحيقة ضارة تفصل في الوقت الراهن بين العلوم الطبيعية في جانب، والثقافة التقليدية التي يشكل الأدب جزءً منها في جانب آخر (14).

 وكان الجدل الذى طرحه ” سنو ” يتمثل فى تأكيده أن الثقافتين منفصلتين تقريباً بلا تواصل، ولا يدرى أفراد كل فئة الكثير عن نشاط الفئة الأخرى. الكارثة أن أفراد الثقافة العلمية، قلما يقرأون الأدب أو التاريخ مثلاً، وأفراد الثقافة الأدبية لا يعرفون إلا أقل القليل عن القوانين العلمية حتى أبسطها كقوانين الكتلة أو عجلة التسارع (15).

 وأضاف أن هذه الهوة ليست جديدة. إذ أنها كانت قائمة بدرجات متفاوتة منذ ما أسماه بالثورة العلمية ( التي بدأت على أقصي تقدير ما يقرب من نصف قرن تقريباً ). وكانت نتيجة هذه الهوة الثقافية، أننا نري المفكرين الأدباء في واد، والعلماء في واد أخر، وقد تقطعت بينهم كل أسباب التفاهم، وتمزقت كل وشائج الاتصال، ويقول ” سنو ” في هذا الشأن: ” أعتقد أن الحياة الفكرية للمجتمع الغربي كله تتزايد انقساماً إلي مجموعتين مستقطبتين، هناك عند أحد القطبين مثقفو الأدب، والعلماء عند القطب الآخر، وأكثر من يمثلهم هم علماء الفيزياء ” (16).

 ويستفيض ” سنو ” في حديثه عن هذه الهوة التي تفصل بين الأدباء والعلماء، فيقول: ” يوجد بين المجموعتين ثغرة واسعة من انعدام الفهم المتبادل – ويوجد أحياناً (خاصة بين الشباب ) عداء ونفور، على أنه يوجد فوق كل شئ انعدام للفهم. أفراد كل مجموعة لديهم صورة غريبة مشوهة عن أفراد الأخرى ؛ وتختلف مواقف أفراد كل مجموعة إلي درجة أنه حتي على المستوي الوجداني لا يستطيعون أن يجدوا الكثير من الأرض المشتركة. ينحو غير العلماء إلي التفكير على أن فيهم وقاحة وتبجحاً ” (17).

 ويعمل ” سنو ” على إقامة جسر ليصل ما انقطع من أسباب الوصل بين أصحاب هاتين الثقافتين اللتين آل أمرهما إلي الانفصال التام، ورغبة منه في التوفيق بين هاتين الثقافتين. ويقترح ” سنو ” على بني جلدته الانجليز إعادة النظر في برنامجهم التعليمي، بقصد تخريج أدباء يلمون بقدر من المعرفة العلمية والأدبية. والرأي عنده أن الأدباء يجهلون أبسط الحقائق العلمية، فهم يعجزون عن تعريف أبسط مصطلحات العلم ؛ مثل الكتلة والسرعة والقانون الثاني للديناميكا الحرارية. ويتهم ” سنو ” معظم المشتعلين بالفنون والآداب في القرن العشرين مثل ” بيتس” Beats و”عزرا باوند” Ezra Pound و” ويندهام لويس ” Wyndham Lewis بالرجعية ويصفهم بأنهم ” ليسوا كلهم حمقي سياسياً، بل أشرار سياسياً ” (18).

  ولكن ” سنو ” لا يلقي تبعة الهوة الثقافية على الأدباء وحدهم فنصيب العلماء من المسؤولية لا يقل عن نصيب المشتغلين بالفنون والآداب. ويقول سنو: ” أن خيبة الأمل تصيبه عندما يجد ان معظم العلماء لا يفقهون شيئاً من أعمال “تشارلز ديكنز” Charles Dickens الأدبية” (19).

 ولم يكتف ” سنو ” بذلك، بل يستطرد فيقول: “. .. على أنه لا ريب في أنهم عندما يقرأون ديكنز، بل عندما يقرأون كل كاتب تقريباً ممن ينبغي أن نقدرهم، فإنهم لا يكتفون لا غير بإيماءة عن بعد بتحية رسمية. فهم لديهم ثقافتهم الخاصة، ثقافة مكثفة، صارمة ودائمة في فعل نشط. تحوي هذه الثقافة قدراً من المناقشات فيها عادة دقة وصرامة أكثر كثيراً مما في مناقشات أفراد الأدب ” (20).

 الكارثة إذن أن أفراد الثقافة العلمية، قلما يقرأون الأدب أو التاريخ مثلاً، وأفراد الثقافة الأدبية لا يعرفون إلا أقل القليل عن القوانين العلمية حتى أبسطها كقوانين الكتلة أو عجلة التسارع، ومثل هذا الكلام يجب أن يطلع عليه المثقفون من الفئتين، وهنا يشير ” سنو ” إلى الانفصال بين الثقافتين الذى من شأنه أن يضر بالمجتمع، ذلك أن الثقافتين كلتيهما من ضروريات تقدم الأمم محلياً وعالمياً، وأن استمرار هذا الانفصال يعوق كثيراً من تقدم المجتمع، ورفاهية الإنسان عموماً. فالكتاب يفضح ما يفعله المثقفون من الجانبين. نعرف أن معظم مثقفينا التقليديين، لا يقرأون إلا فى الأدب أو التاريخ، أو كل ما يخص العلوم الإنسانية، ولا يقتربون من العلوم الطبيعية إطلاقاً. وقد يتباهى البعض بأنه يعرف علم النفس، أو القليل من الفيزياء. وعن هذا يقول سنو: ” لدينا مجموعتان مستقطبتان: هناك عند أحد القطبين مثقفو الأدب، وهؤلاء فيما يعرض أخذوا فى غفلة من الأنظار يشيرون لأنفسهم على أنهم ” المثقفون”، وكأنه لا يوجد مثقفون غيرهم. ولتوضيح رأيه، أشار ” سنو ” إلى استخدامنا إلى كلمة intellectual التى تعنى مفكراً عقلانياً أو مثقفاً، وهى لا تنطبق مثلاً على علماء الفيزياء أمثال ” راذرفورد”، و”إدنجتون”، و”أدرياك” (21).

 ويذكر سنو أن غير العلماء ينحون إلى التفكير فى العلماء على أنه فيهم وقاحة وتبجحاً، ويشير إلى أحاديث الناقد الإنجليزي الكبير ” ت.س. إليوت: Thomas Stearns Eliot التى أكد فيها: «أنه لا يمكن لنا أن نأمل إلا أقل الأمل». فى حين نرى صوت عالم الفيزياء «راذرفورد» يقول: “هذا هو العصر البطولى للعلم، هذا هو العصر الإلزابيثى !”.ويكمل سنو أنه “يوجد لدى غير العلماء انطباع مغروز بعمق بأن العلماء متفائلون تفاؤلاً فيه ضحالة، وغير واعين بحال الإنسان. والعلماء من الجانب الآخر يعتقدون أن مثقفى الأدب ينعدم لديهم تماماً ؛ أى تبصر بالعواقب، وهم على وجه خاص لا يهتمون بإخوانهم من البشر، وهم بمعنى عميق ضد العقلانية، ويعملون بلهفة على أن يقصروا كلا من الفن والفكر على اللحظة الوجودية” (22).

 على أية حال، لتكن الحياة الأكاديمية على ما هي عليه، فثمة أيضاً رؤية جديدة مطروحة بشأن الهوة بين الثقافتين (الثقافة الأدبية والثقافة العلمية) ظهرت خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين. رؤية لم يكن ليحلم بها سنو. وأشير هنا إلي شئ تطور إلي ظاهرة تسمي حروب العلم في أواخر تسعينيات القرن العشرين ؛ والتي قال عنها ” جيمس تريفل”: “… ولا عليك إن لم تكن قد سمعت شيئاً عن هذه الحروب، وذلك لأن أغلبية العلماء لم يسمعوا عنها أيضاً (وكثيراً ما تساءلت في دهشة عما إذا كان بالإمكان القول بأن ثمة حرباً قائمة بينما أحد طرفيها لا يدري بها ). يمكن القول في البداية إن حروب العلم نشبت بفعل فلسفة ما بعد الحداثة غير التقليدية التى سرت كالعدوى داخل أقسام الإنسانيات فى الجامعات الأمريكية في أواخر القرن العشرين (ويقال لي إنها الآن في سبيلها إلي الخمود ). وتأسيساً على النظرية الأدبية الفرنسية فقد أكدت وجهة النظر هذه البناء الاجتماعي للمعرفة، ومن ثم تنكر عادة صواب فكرة الحقائق الموضوعية. ونعرف أن أشد دعاتها تطرفاً (وما أكثرهم ) قد انحدروا إلي صورة مبتسرة من الذاتية أو الأحادية المطلقة ” (23).

  ولم يكتف هؤلاء بذلك، بل اتجهوا بكافة طوائفهم بفعل فلسفة ما بعد الحداثة إلي شن هجوماً عنيفاً على صحة العلم ؛ حيث رأوا أن أحكام العلم لا تعبر عن وقائع طبيعية، ولا تنطلق من أساس تجريبي أو واقعي معين، وإنما تنبع من خلال تفاعل الإنسان دائماً مع الحقيقة من خلال اللغة ؛ فكل النشاطات العقلية كما يزعمون قائمة على اللغة، فنحن نفكر من خلال الكلمات، والناس مرتبطون بالحقيقة من خلال الأسماء التي يعطونها لإدراكاتهم وأفكارهم. وهذه الأسماء هي عبارة عن كلمات تطلق بشكل عشوائي أو اتفاقي من المجتمع. وفي الجملة فإن أنصار العلوم الإنسانية في غمرة تأثرهم بفكر ما بعد الحداثة اعتمدوا كثيراً على اللغة في طرح أفكارهم، فما دامت اللغة غير قادرة على المعني، وما دام النص يمكن تفسيره بعدة تفسيرات، وليس هناك مرجع معتمد لترجيح معني على الآخر، وحتي ولو حاولنا هذا الترجيح، فسيكون عن طريق اللغة نفسها، وما دامت الحقيقة هي ما تؤديه هذه اللغة، واللغة يبنيها المجتمع، فليس هناك إذن حقيقة مطلقة (24).

 ومن جهة أخري كانت فلسفة العلم حتي منتصف القرن العشرين، قد انصبت كل مجهوداتها في التركيز على أهمية وقيمة المنهج العلمي والمعرفة الموضوعية ؛ فنجد أن دعاة الوضعية المنطقية يعولون على أن المنهج العلمي لا بد من تطبيقه في مرحلتي المشاهدة وجمع المعطيات، ومرحلة الحكم والتحليل. وبتعبير ” آلان شالمرز”: “وتأتي موضوعية العلم الاستقرائي النزعة من كون الملاحظة والاستدلال الاستقرائي موضوعين هما ذاتهما. فمن الممكن أن تجد منطوقات الملاحظة تأكيدها في أي ملاحظ يستعمل حواسه استعمالاً عادياً. فالإمكان هنا للبعد الشخصي والذاتي. فصلاحية منطوقات الملاحظة التي تحصل على نحو صحيح، لا تتوقف على ذوق الملاحظ ولا على رأيه أو آماله أو انتظاراته. وكذلك الأمر بالنسبة للاستدلال الاستقرائي الذي ينتج المعرفة من منطوقات الملاحظة. فإما أن تستجيب الاستقراءات للشروط المطلوبة وإما أن لا تستجيب. فتلك ليست مسألة ذاتية متعلقة بالرأي “(25).

  وإذا انتقلنا إلي موقف ” كارل بوبر” Karl Popper ( 1902-1994) من المعرفة الموضوعية، نجد أن الموضوعية عند بوبر ليست صفة يمكن العثور عليها بسهولة، إذا فهمنا الموضوعية بمعني المطابقة للواقع، إلا أنه يقبل النوع الآخر للموضوعية، وهو إمكان الحكم للعموم، وبحسب تعبيره: “ما أقصده من لفظ موضوعي وذهني ليس بعيداً كل البعد عن ما يقصده كانط منهما؛ فهو يقصد من وصف المعرفة العلمية بالموضوعية أن يكون صوابها بعيداً عن الوهم والرغبات الخاصة بهذا وذاك. والدليل على الموضوعية عنده (كانط) هو أن تكون القضية قابلة للتدقيق لكل من أراد ذلك واستطاعه. ولكن الفرق بيني وبينه، هو أنني اعتقد عدم إمكان الحكم بالصواب بمعناه الكامل على أية نظرية علمية. وعليه، فالموضوعية ليست إلا إمكان التجربة والاختبار للنظرية العلمية فحسب” (26).

 ولذا يرفض بوبر النظرية الذاتية لدراسة نمو المعرفة، وهي النظرية التي تطابق بين المعرفة العلمية والذوات المنتجة لها، وذلك لأنه يري أن المعرفة العلمية معرفة موضوعية وتوجد في العالم الثالث Third world (27).

 ولقد سار على نهج بوبر في الإيمان بفكرة الموضوعية، العالم والفيلسوف المجري ” إمري لاكاتوش ” Imre Lakatos (1922-1974)، الذي يؤيد النزعة الموضوعية في العلم (28).

  وفي عام 1962م قام ” توماس كونThomas Kuhn (1922-1996) “بنشر كتابه ( بنية الثورات العلمية)، الذي خصصه لدراسة العلم في أطر جديدة، تقوم على تقييم العلم من الناحية الاجتماعية ؛ حيث لم يعول على القوانين المنطقية التي قدمها دعاة الوضعية المنطقية في الفلسفة ؛ ليس هذا فقط، بل عارض كل المواقف التقليدية في فلسفة العلم، فهو يقول ” لقد بحثت المناقشات التقليدية للمنهج العلمي عن مجموعة من القواعد، التي سوف تتيح لأي فرد أن يحرص على اتباعها، أن يصل إلي معرفة صحيحة. وقد حاولت – بدلاً عن ذلك – التأكيد على أنه بالرغم من أن العلم يمارسه أفراد، إلا أن المعرفة العلمية في حقيقتها نتاج جماعة. ولن تفهم فعاليتها المميزة ولا الأسلوب الذي تتطور به دون الإشارة إلي الطبيعة الخاصة بالجماعات التي تنتجها (29).

 وهذا البعد السوسيولوجي الذي حاول كون إدخاله في فلسفة العلم، جعله ينظر للنزعة الموضوعية في العلم في إطار القيم المشتركة للمجتمع العلمي، وهذه القيم ليست محددة ويختلف تطبيقها من فرد لآخر ؛ حيث لا وجود لمشاهدة صرفة محايدة، بل النموذج القياسي الارشادي العلمي هو الذي يجعل العلماء يرون الواقع بشكل خاص دون غيره. وعليه فإن النموذج الذي يختاره العالم هو الذي يجعله يعتقد أن بعض الأمور المشاهدة مهمة وأساسية وغيرها فرعي لا أهمية له. وبالتالي عندما تكون المعايير المتبناة للموضوعية تابعة للنموذج، عندها سوف لن يكون هناك أي معيار موضوعي وغير ذاتي لتقييم المعرفة. ومع أننا نستطيع الموازنة بين النظريات ضمن نموذج واحد، إلا أن تقييم النماذج والحكم على موضوعيتها أمر لا يمكن نيله والوصول إليه.

 ويشرح ” كون هذا بقوله: ” إننا لا نعتقد أنه لا توجد قواعد لاستقراء النظريات الصحيحة من الوقائع، كما أننا لا نعتقد حتي أن النظريات – سواء أكانت صحيحة – يتم استقراؤها على الإطلاق. وبدلاً عن ذلك، فإننا نري هذه النظريات بوصفها تخمينات مبدئية يتم ابتكارها ككل من أجل التطبيق على الطبيعة. .. ومن ثم فلن يتم – من منظورنا – ارتكاب خطأ عند الوصول إلي النظام البطلمي، ولذا من العسير أن أفهم ماذا يقصد سير كارل (يقصد هنا كارل بوبر) عندما يطلق على هذا النظام بأنه خطأ” (30).

 إن هذا النص يبين أن العلم تحت النموذج القياسي الجديد لا يخضع لأية معايير تجريبية، كدرجة التأييد أو افتراض استقرائي ولا عن طريق التعزيز، وإنما يخضع هذا القبول لمعيار ذاتي اجتماعي ؛ أي لا بد أن يكون هناك اجماع بين العلماء وتعلق بهذا النموذج القياسي الجديد.

 وإذا انتقلنا إلي ” بول كارل فييرآبند ” Paul Karl Feyerabend (1924-1994)، نجد أنه قد تناول في فلسفته العلمية مشكلة الصدق والحقيقة الموضوعيين بالمناقشة والنقد، فليس ثمة صدق موضوعي أو حقيقة موضوعية في العلم، حيث أن الصدق نسبي من منطقة إلي أخري، ومن مكان إلي مكان، ومن شخص إلي شخص، ويهتم فييرآبند بالنسباوية الابستمولوجية التي تنكر أن تكون ثمة أفكار جديدة أو أشكال معرفية جديدة تفرض نفوذها على التقاليد الأخرى، وتثبت أن هناك تقليد واحد هو الصحيح بحجة أنه موضوعي، ولهذا فإن فكرة الصدق الموضوعي أو الحقيقة الموضوعية، وإن كانت مستقلة عن الرغبات الإنسانية، إلا أنه يتم اكتشافها عن طريق التأثير الإنساني. .. بالإضافة إلي أن النظريات العلمية تتفرع إلي اتجاهات مختلفة وتستخدم تصورات مختلفة وأحياناً غير قابلة للقياس، فأي من هذه المضامين المتعددة يوصف على أنه دليل على موضوعية نظرية ما؟ ، وأي منها يوصف على أنه إجراء علمي موضوعي مناسب لها؟ .. إن الإجابة، لا يوجد، فكل هذا يعتمد على الاتجاهات والحجج التي تتغير من وقت لآخر ومن جماعة بحث إلي جماعة أخري بحث أخري لاحقة لها (31).

 إن الفكرة المسبقة التي يعول عليها فييرآبند، هي أن المعرفة تتخذ من الاعتقاد المسبق أساساً تنطلق منه النظرية العلمية المكتشفة، كما تدخل فيها الذات الإنسانية بشكل أساسي. وهذا يؤدي إلي شيئين أو نتيجتين: –

1- استحالة الوصول إلي معرفة موضوعية تماماً عن العالم المادي. وإنما تقوم معرفتنا للعالم نتيجة تدخلنا فيه بقدراتنا العقلية وآلاتنا ومقاييسنا وفروضنا المسبقة.

2- إن معرفتنا عبارة عن تركيب عقلي Mental Construction تلعب فيه الذات دوراً أساسياً، وليست معرفتنا مطابقة موضوعية للوقائع (32).

 ومن هنا ذهب فييرآبند إلي أن العلم لا يتمتع بأي ميزة أو مكانة تجعله يتفوق على الأنشطة والفعاليات الفكرية الإنسانية المختلفة. وهنا نراه يدافع عن المجتمع ضد كل الايديولوجيات، والعلم من بينها بل قل هو على رأسها. وهو يري أننا يجب ألا نتعامل مع هذه الايديولوجيات باهتمام كبير أو نعطيها قدراً أو حجماً أكبر مما تستحق، بل ينبغي أن نقرأها كما نقرأ الحكايات الخيالية (33).

 ومن هذا المنطق والتوجه الفكري القائم على ما بعد الحداثة عند فييرآبند، انطلق معظم مثقفي ما بعد الحداثة في معظم أقسام الانسانيات في الجامعات الأمريكية، يتبنوا فكرة أنه ليس هناك حقيقة مطلقة أو صادقة في ذاتها، بل إن الحقائق يصنعها المجتمع بجوانبه الثقافية المتعددة لأفراده. فليس هناك ” حقيقة ” يجب أن يقر بها الجميع، وليس هناك حق مطلق، بل الحقيقة تصنع عن طريق اللغة، وفي داخل ذهن الإنسان لوحده. وبالتالي فما يقال عن التقدم أو التطور الذي رافق ” الحداثة ” أو الذي تدعو إليه ليس إلا خرافة، وما يقال عن قدرة العقل عن اكتشاف الحقيقة، إنما هو وهم. فالحقيقة  لا تكتشف، لأنه ما ثم حقيقة أصلاً، وإنما الحقيقة ” تخلق ” ولا تكتشف، فالإنسان هو الذي يخلق حقائقه. فأفكارنا ليست إلا انعكاسا للواقع ؛ بل قراءة له، وهي قراءة تتخذ صيغاً أسطورية وايديولوجية ودينية ونظرية، وكل منظومة معتقديه تعتقد أنها تمتلك الحقيقة وتميل إلي اعتبار كل ما يناقضها ويخالف حقيقتها أكذوبة أو خطا. إن فكرة الحقيقة هي المنبع الأكبر للخطأ، والخطأ الأساسي يقوم في التملك الوحيد الجانب للحقيقة (34).

 إذن فمذهب ما بعد الحداثة يقوم في الجملة على أفكار التشكيك واللا- واقعية والذاتية والنفعية والنسبية، حتي أضحي الأمر بأنه عندما يتهور أحد العلماء، ويلفظ كلمة ” حقيقة “، فمن الأرجح أنه سيجابه من اللجاج الفلسفي ما يشبه القول بأنه: ” لا توجد حقيقة مطلقة. إنك تفترق شيئاً من نوع من الاعتقاد الشخصي عندما نتوهم أن المنهج العلمي، بما في ذلك الرياضيات والمنطق، هو الطريق المتميز إلي الحقيقة. هناك ثقافات أخري قد تعتقد أن الحقيقة هي ما يعثر عليه في أحشاء أرنب أو في هذيان متنبئ في نوبة خبل. إن ما يؤدي بك إلي تحبيذك لنوعك هذا من الحقيقة هو فحسب أن لديك إيماناً شخصياً بالعلم ” (35).

 وليت الأمر وقف عند ذلك، بل رأينا بعض الدراسات النسائية في العلم في أقسام الانسانيات في الجامعات الأمريكية تنبذ دراسة المنطق ومناهج البحث لما لها من نزعة تحيز جنسي، حيث أن هناك نسخة أنثوية لذلك كشفت عنها بتمكن ” دافني باتاي” Daphne Patai و” نوريتا كورنج ” Noorita Korg، وهما مؤلفتا ” ممارسة مساواة الجنسين: حكايات تحذيرية من العالم الغريب لدراسات النساء ” ؛ حيث يقولا: ” يتعلم الآن طلبة الدراسات النسائية أن المنطق أداة للسيطرة والمعايير القياسية ومناهج البحث العلمي لها نزعة تحيز جنسي ٍSexist لأنها لا تتوافق مع طرائق النساء للإدراك. .. هؤلاء النسوة ” ذاتيات ” النزعة يكون مناهج المنطق، والتحليل، والتجريد ” كمناطق أجنبية تنتمي للرجال “، هن ” يعلين من قيمة الحدس كطريقة تناول أكثر أمناً وإثماراً للتوصل إلي الحقيقة ” (36).

 وقد أعرب المدافعون عن العلم عن قلقهم إزاء موقف علماء الاجتماع والفلاسفة وغيرهم من الأكاديميين الذين يشككون في موضوعية العلم، وفي عام 1994 م، ومن هؤلاء “بول ر. جروس Poul R.Gross ( البيولوجي في جامعة فيرجينا )، ونورمان لفييت Norman Levitt ( الرياضي في جامعة رتكرز )، ففي كتابهما ” الخرافة الراقية – اليسار الأكاديمي ومعاركه مع العلم Higher superstition – The Academic Left and its Quarrels With Science، وأكدا المؤلفان بأن المجتمع العلمي كان منذ وقت قريب من القوة بحيث يمكنه تجاهل منتقديه – لكنه لم يعد كذلك، فمع نقص التمويل المادي للعلوم يجب شجب كل الاتجاهات التي تدعو لعدم صحة العلم، وذلك من خلال الوقوف ضد القوي المضادة للعلم. ومن هنا إنبري جروس وليفيت نحو تقديم نقداً لاذعاً للبنيوية الاجتماعية ولدراسات العلم والنسبوية. ولم يكتفيا المؤلفان بذلك ؛ بل راحا يقودان هجوماً مضاداً لدعاة ما بعد الحداثة ورأيا أنهم لا يعرفون سوي القليل عن النظريات العلمية، حيث حدث سوء فهم للمناهج النظرية، كما أن قراءتهم كانت خاطئة ولم يكن لديهم الدليل والحجة (37).

  كما تعهد جروس وليفيت في هذا الكتاب بتحدي ما أسماه ” صناعة أكاديمية جديدة “- النقد النسائي للعلم. لقد أكد هذان المؤلفان أن هذا الهجوم الذي يستند إلي ثقافة رفيعة ويعتمد أيضاً على تخصصات ذات صلة بالمجال المعروف باسم “دراسات العلم” – إنما يشكك فيما إذا كان للعلم ادعاء شرعي للحقيقة والموضوعية. وقد كتبا عن معسكر الحركة النسائية يقولان: “إن الجديد كاسح: إنه يدعي الوصول إلي صميم أسس العلم الميثودلوجية والمفاهيمية والابستمولوجية ” (38).

 ولقد لقي كتاب “الخرافة الراقية” إقبالاً منقطع النظير من قبل أصحاب الثقافة العلمية، حيث عقد مؤتمر في مدينة نيويورك عام 1995 تحت عنوان ” الرحلة من العلم والعقل “. وحدد المؤتمر خصائص العلم والعقل معاً وما يواجهما من تهديدات خطيرة مثل “الخلقوية العلمية” Scientific Creationism، التي أخذت تزداد في أواخر تسعينيات القرن العشرين، حتى وصل الأمر إلى التحفظ على تدريس نظرية التطور في بعض المدارس والجامعات، أو المطالبة بتدريس التفسيرات الحرفية للكتب المقدسة على قدم المساواة، باعتبارها رؤية بديلة من حق الدارسين التعرف عليها. ولأن الدين لا يدرس في المؤسسات العلمية في أمريكا، فقد قام أنصار هذا الرأي بإضفاء لباس العلم على تفسيراتهم الحرفية، وأعطوها اسماً جذاباً: الخلقوية Creationism، معتقدين بذلك أنه يمكن تدريسها في مقابل التطور، مدعمين أن التطور ينفي الخلق ويتناقض معه. وهذا أمر غير صحيح، ودعوة إلى تدريس ” اللاعلم ” كعلم !!! (39).

 والذين حضروا المؤتمر انتقدوا النظرة الانفعالية لـ “جروس” و”لفيت” و”جيرالد هولتون والتي نجم عنها تضارب ثقافي بين العلماء الغير المتخصصين. والمثقفون في الدراسات الاجتماعية التي تتعامل مع العلم (40).

 ولم يتوقف هذا الأمر عند ذلك، بل وجدنا العالم ” كارل ساجان ” Carl Sagan (1934-1996) – أستاذ كرسي “ديفيد دنكان” لعلم الفلك وعلوم الفضاء ومدير معمل دراسات الكواكب بجامعة كورنيل Cornell University، يؤلف كتاباً بعنوان ” عالم تسكنه الشياطين- الفكر العلمي في مواجهة الدجل والخرافة”، وقد اهتم ساجان أكثر بمن يعتقدون بوجود الأشباح وباختطاف الناس من قبل كائنات من خارج الأرض وبالخلقوية، وغيرها من الظواهر التي تناقض النظرة العلمية للعالم (41).

  وفي أوائل سنة 1996، عقد مؤتمر بعنوان ” العلم في عصر المعلومات المضللة ” قرب مدينة بافلو. وقد أعلن ” بول كيرتز ” Paul Kurtz رئيس لجنة الفحص العلمي لادعاءات الخوارق ( Committee for the Scientific Investigation of Claims of the Paranormal (CSICOP)) الذي نظم المؤتمر قائلاً ” إلي حد كبير، يفهم الناس العلم من خلال أجهزة الأعلام. ومن المفترض أن يحصلوه في المدرسة، لكن هذا ليس إجبارياً في الكثير من الحالات. إن ثلث الأمريكيين يشاهدون التلفزيون أربع ساعات أو أكثر يومياً، وتبين أن معظم الناس يحصلون معلوماتهم العلمية من التليفزيون ” (42).

 وفي العام نفسه كشف آلان سوكال النقاب عن مقالته الساخرة التي قصد بها أن يفضح ما بعد الحداثة ويبين كم هي جوفاء، وهذا ما نكشف عنه الآن في المبحث التالي.

المبحث الثاني: البعد الفلسفي لحروب العلم: –

 هناك بعداً تطبيقياً- عملياً لمبحث آخر من حروب العلم، كان له دور في تحديد موقف العلماء تجاه مشروع “ما بعد الحداثة”، يعول على أن “سوكال”، أصبح معنياً أشد العناية بهذا الجانب المتعلق لما بعد الحداثة، مما دفعه إلي أن يجري “تجربة بسيطة” ؛ حيث كما ذكرنا من قبل بأنه جمع عدداً من الصفحات لبحث يحمل عنوان ” تجاوز الحدود: نحو تأويلات تحولية للثقل النوعي للكم “. ونشرته في عددها المزدوج (الربيع والصيف 1996). وقد قُبلت الورقة للنشر من غير أن يلفت النظر إلى أي شئ غير عادي فيه.

  وهنا يعلق الكاتب “ريتشارد دوكنز” Richard Dawkinsعلي ذلك قائلاً: ” لا بد أن ورقة بحث “سوكال” بدت وكأنها هدية للمحررين، لأن أحد الفيزيائيين هو الذي يقول فيها كل الأشياء المناسبة التي يريدون سماعها، فيهاجم هيمنة ” ما بعد التنوير ” وتلك الأفكار غير الباردة، مثل وجود العالم الواقعي. ولم يدركوا أن “سوكال” قد حشا ورقة بحثه أيضاً بأخطاء علمية مفضوحة، من نوع كان سيكشفه في التو، أي محكم حاصل على أدني شهادة تخرج في الفيزياء؛ ولكنها لم ترسل قط إلي أي محكم من هذا النوع. إلا أن المحررين ” أندرو روس ” والآخرين، أرضاهم أن ما فيه من أيدولوجية يتسق مع أيدلوجيتهم، ولعلهم قد أحسوا بما يرضي غرورهم عند ذكر مراجع من مؤلفاتهم هم أنفسهم، وجعلهم عملهم بالنسبة لتحرير هذه الورقة المهين يستحقون بجدارة “جائزة نوبل” 1996 في آداب الجهل ” (43).

 ومن الملاحظ أن ورقة البحث مكتوبة بأسلوب “ما بعد الحداثة” المتغطرس والمسيَّس، ومن ثم كان محاكاة تبدو إلي حد ما سافرة. وبدا مثيراً للضحك لأقصى حد ؛ حتي أن ” جيمس تريفل علق على ذلك قائلاً: ” وأذكر للحقيقة أنني لا أعرف عالم فيزياء تأتى له أن يقرأ أكثر من فقرة من دون أن ينفجر ضاحكاً، حتى الهوامش كانت مضحكة. وعلى أي حال أرسل سوكال البحث إلي صحيفة تنتمي بفكرها إلي فكر ما بعد الحداثة اسمها ” سوشيال تكست ” Social Text ” للدراسات الثقافية والتي يتبني هيئة تحريرها مثل هذه المجموعات، مثل فريدريك جيمسون Fredric Jameson، وأندرو روس (44).

 استقبلت إدارة المجلة ورقة “سوكال” بحماسة وبدون تردد؛ فهي شهادة نفيسة من فيزيائي محترم على مصداقية التوجه ’’المباحثي‘‘ النسباوي الذي تتبناه. وواضح أن الصحيفة كانت سعيدة جداً لحصولها على مقال لعالم فيزياء جشم نفسه تعلم لغتها، ما حداها على نشر المقال من دون السؤال عما إذا كان فيما يقوله أي معني مفهوم (45).

  والسؤال الآن، ما هي حيثيات ورقة البحث التي كتبها “سوكال” بأسلوب ما بعد الحداثة المتغطرس والمسيَّس، وكيف زيف “سوكال” تلك المقالة من خلال اعترافاته؟

 الورقة تتكون من “سبع وثلاثين” صفحة من القطع، “ستة عشر” صفحة تمثل متن البحث، والباقي هوامش وقد وضعت الهوامش آخر المتن، وليست أسفل كل صفحة، وكما قلنا من قبل وضعت الورقة ضمن عدد خاص يشمل سلسلة مقالات تحمل عنوان ” حروب العلم “.

  تتكون الورقة من مدخل وستة محاور، حيث تتضمن مراجعة لكثير من المواضيع العلمية التي يشتغل بها العلماء في الفيزياء والرياضيات، ويخلص منها إلى بعض الدروس الثقافية والفلسفية والسياسية المختلفة التي يمكن أن تلاقي قبولاً عند أولئك الذين يشكون في موضوعية العلم.

  وقد مهد سوكال لذلك بمقدمة ماكرة ؛ حيث زعم أن ” العديد مِن علماء الطبيعة ؛ وخصوصاً الفيزيائيين، لا يزالون يرفضون فكرة أن التخصصات المهتمة بالنقد الاجتماعي والثقافي، يمكن أن تساهم بشكل خارجي في بحثِهم. وما زالَ القليل منهم يستجيب لفكرة أنه يجب إعادة النظر في الأسس التي تقوم عليها نظرتهم للعالم، أو إعادة بنائها في ضوء هذه الانتقادات. وبدلاً من ذلك، يتشدقون بالأيديولوجيا التي تفرضها مرحلة ما بعد التنوير كثيراً حول النظرة الثقافية الغربية، والتي يمكن إيجازها سريعاً على النحو التالي: أن هناك عالم خارجي، يشتمل على خصائص مستقلة عن الوجود الإنساني الفردي، ويجري حقاً على البشرية ككل ؛ وأن يتم ترميز هذه الخصائص في شكل قوانين فيزيائية “أبديّة “؛ وأن الوجود الإنساني يمكن أَن يحصل عليها بشكل موثوقِ، حتي وإن كان يمثل معرفة تجريبية ناقصة بهذه القوانينِ المؤقتة التي تهدف إلي إجراءات موضوعية وتفنيد ابستمولوجي يوصف من خلال ما يمكن أن يسمي المنهج العلمي ” (46).

  بيد أن التغيرات التصوريةَ العميقة داخل العلم في القرن العشرينِ، كما يقول سوكال: ” قد قوضت هذه الميتافيزيقيا الديكارتيةِ النيوتونيةِ (ويقصد هنا الفيزياء الديكارتية) ودراسات تعيد النظر في تاريخ وفلسفة العلم قد ألقت مزيداً من الشكوك على مصداقيتِها، ومعظم الانتقادات الأنثوية وما بعد البنيوية قد ناقشت المحتوي الجوهري للممارسة العلمية الغربية السائدة، كما كشفت عن عقيدة الهيمنةِ المخبأة وراء واجهةَ “الموضوعيةِ. لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الواقع ” الفيزيائي ليس أقل من الواقع الاجتماعي، بحيث يكون في القاع كياناً اجتماعياً ولغوياً ؛ وأن المعرفة العلمية أبعد ما تكون عن الموضوعية ” (47).

 ثم يعلن “سوكال” الهدف الذي يسعي إليه من ورقته، فيقول: “. .. وهدفي هنا هو تنفيذ هذه التحليلات العميقة في خطوة واحدة أبعد، وذلك مع الأخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة في الجاذبيةِ الكَوانتية: وبالأخص الفرع المنبثق في فيزياء ميكانيكا الكوانتم عند هيزنبرج Heisenberg والنسبية العامة لأينشتين في بوتقة واحدة. وفي الجاذبيةِ الكَوانتية، كما سنرى، الحالات الموضحة للزمان- المكان توجد بوصفها واقع فيزيائي موضوعي، وتصبح الهندسة ذات محمولات علائقيةً وسياقيةَ ؛ ومحمولات تصورية تأسيسية للعِلمِ القبلي بينهم، ويصبح الوجود نفسه نسبي. هذه الثورة التصوريِة، سوف أبرهن على أن لها نتائج عميقة لمحتوى ما بعد الحداثة والعلوم التحررية (48).

 وينهي سوكال مقدمته قائلاً: ” تناولي سوف يتمثل على النحو التالي. أولاً، أنا سأراجع سريعاً جداً بعض الإصدارات الفلسفيةِ والأيديولوجيةِ التي نشأت من خلال ميكانيك الكوانتم، ومن خلال النسبية العامة الكلاسيكية. وبعد ذلك سأرسم الخطوط العامّةَ للنظرية الصاعدة للجاذبية الكوانتية، وأناقش بعض الإصدارات التصورية التي ظهرت أخيراً، وبعد سأعلق على النتائج الثقافية والسياسية لهذه التطورات العلمية. ويجب أن أؤكد على أن هذا المقال يمثل ضرورة تجريبية وتمهيدية ؛ أنا لا أدعي أنني قد أجبت على كل الأسئلة التي واجهتني. وهدفي، بالأحرى هو أن أوجه عناية القارئ إلى هذه التطورات المهمة في العلم الفيزيائي والتوصل لأهم النتائج الفلسفية والسياسية وسأحاول جاهدا الإبقاء على الرياضيات بما يحقق الحد الأدنى، وإن كنت على حذر لتزويد القارئ بالإشارات التي يمكن أن تفيده في كل التفاصيل الضرورية (49).

 ثم يقسم سوكال محاور البحث على النحو التالي: –

المحور الأول: – ميكانيكا الكوانتم: اللايقين، التكاملية، اللااستمرارية والترابط Quantum Mechanics: Uncertainty، Complementarity، Discontinuity، and Interconnectedness” (50).

 المحور الثاني: – تأويل النسبية العامة الكلاسيكية Hermeneutics of Classical General Relativity ” (51).

المحور الثالث: الجاذبية الكوانتية: الزنبرك، التذبذب أم المجال المتشكل؟ Quantum Gravity: String، Weave، or Morphogenetic Field? (52).

المحور الرابع: الطوبولوجيا والهيمولوجيا التفاضلية Differential Topology and Homology (53).

المحور الخامس: النظرية المتعددة، مثل الثقوب والحدود: الكليات والحدود Manifold Theory: (W)holes and Boundaries (54).

المحور السادس: اختراق الحدود: نحو علم تحرريTransgressing the Boundaries: Toward a Liberatory Science (55).

  ونلاحظ في تلك المحاور بعد أن قرأناها قرأة متأنية، أن سوكال لا يضيف جديداً، بل هو كلام يألفه الكثير من الطلاب المبتدئين، علاوة على أنها أنه تحوي نقولاً من بعض الكتاب الفرنسيين لا يمكن فهمها ؛ حيث أن المقالة مكتوبة بلغة بأسلوب لغوي مقعر ؛ حتي الاستشهادات التي يستشهد بها من العلماء والباحثين غير مفهومة.

 وقد ذكر بعض الباحثين أن مقالة “سوكال” بدت وكأنها هدية للمحررين، لأن ” أحد الفيزيائيين ” هو الذي يقول فيها كل الأشياء المناسبة التي يريدون سماعها، فيهاجم ” هيمنة ما بعد التنوير ” وتلك الأفكار غير الباردة مثل وجود العالم الواقعي. ولم يدركوا أن “سوكال” قد حشا ورقة بحثه أيضاً بأخطاء علمية مفضوحة، من نوع كان سيكشفه في التو أي محكم حاصل على أدني شهادة تخرج في الفيزياء (56) ؛ علاوة على أن اللغة التي كتبت بها ورقة البحث وإن كانت صحيحة لغوياً، إلا أنها لا تحوي أي معني وكأنها مكتوبة بلغة غير مفهومة ؛ حتي الاستشهادات التي يستشهد بها “سوكال”، من العلماء والباحثين غير مفهومة أيضاً، وكأنه تعمد أنه يقدمها ليضرب بها أنصار بما بعد الحداثة وما بعد البنيوية، ونذكر على سبيل لا الحصر بعض النصوص التي عول عليها، إذ تكاد تكون مضحكة، وهناك أمثلة كثيرة في ورقة “سوكال” لا حصر لها نذكر منها أربعة أمثلة على سبيل المثال   لا الحصر: –

المثال الأول: – وهو مقطع استشهد به سوكال عن الناقد الفرنسي ” جاك ديريدا”، وهو يتكلم عن ثابت أينشتين:

“The Einsteinian constant is not a constant، is not a center. It is the very concept of variability — it is، finally، the concept of the game. In other words، it is not the concept of something — of a center starting from which an observer could master the field — but the very concept of the game.”

  ويمكن ترجَمتُها كالتالي: “ثابت أينشتين ليس ثابتاً، كما أنه ليس مركَزا. إنه مفهوم التنوع نفسه ـ إنه، بعد ذلك كله، مفهوم اللعب. وبكلمات أخري، فهو ليس مفهومًا عن شيء محدد ـ أي إنه ليس مفهوم مركز يستطيع الملاحظ منه أن يتحكم في المجال، مثلاً ـ لكنه المفهوم الدقيق للعب” (57).

 ويعلق ” ستيفن واينبرج Steven Weinberg، الحائز على جائزة “نوبل “في الفيزياء لسنة 1975م، والأستاذ في جامعة تكساس في أوستن University of Texas at Austin.” على ذلك قائلاً: “إنني لا أفهم ما الذي يمكن أن يقصد بهذا الكلام I have no idea what this is intended to mean” (58).

 ثم يقارن “وانبرج” بين اللغة العلمية التي تكتب بها البحوث العلمية، التي تتميز بالوضوح والتحديد وإن كانت تتناول مفاهيم غاية في الدقة والتجريد، وبين لغة “جاك دريدا” – Jacques Derrida ومنظِّري ما بعد الحداثة، فيقول: “وعلى النقيض من ذلك فإنه لا يبدو أن دريدا وكتّاب ما بعد الحداثة يقولون أي شيء يتطلب لغة تقنية خاصة، كما أنه لا يبدو أنهم يحاولون محاولة جادة أن يكونوا واضحين” (59).

 المثال الثاني:- ونأخذه من فقرة لجاك لاكان Jacques Lacan يتحدث فيها عن الدور المهم الذي لعبته الطوبولوجيا التفاضلية:

This diagram [the Mobius strip] can be considered the basis of a sort of essential inscription at the origin، in the knot which constitutes the subject This goes much further than you may think at first، because you can search for the sort of surface able to receive such inscriptions. You can perhaps see that the sphere، that old symbol for totality، is unsuitable. A torus، a Klein bottle، a cross-cut surface، are able to receive such a cut. And this diversity is very important as it explains many things about the structure of mental disease. If one can symbolize the subject by this fundamental cut، in the same way one can show that a cut on a torus corresponds to the neurotic subject and on a cross-cut surface to another sort of mental disease.

 ويمكن ترجمة النص على النحو التالي: ” ويمكن اعتبار هذا الرسم (شريط موبيوس) أساس نوع الكتابة الأساسية في الأصل، في العقدة التي تشكل الموضوع. وهذا قد يؤدي إلي أبعد بكثير مما قد يتصور البعض في البداية، لأنه يمكنك البحث عن هذا النوع من السطح القادر على تلقي مثل هذه النقوش. ربما يمكنك أن تري هذا المجال يمثل رمز قديم عن طريق المجموع الغير مناسب. “زجاجة كلاين” تمر عبر سطح منخفض قادر على الحصول على مثل هذا الخفض. وهذا التنوع مهم جداً لأنه يوضح الكثير من الأمور حول بنية الأمراض العقلية. إذ يمكن للمرء أن يرمز لهذا الموضوع من خلال هذا الخفض الأساسي، وبنفس الطريقة يمكن للمرء أن يظهر خفضا في طريقة “تورز” التي تتطابق مع الموضوع العصابي، وعلي السطح عبر خفض لنوع آخر من المرض العقلي “(60).

المثال الثالث:- ومن الفقرات أيضاً المنقولة هذه الفقرة المقتبسة من كيلي أوليفر – Kelly Oliver حيث تقول:

In order to be revolutionary، feminist theory cannot claim to describe what exists، or، “natural facts.” Rather، feminist theories should be political tools، strategies for overcoming oppression in specific concrete situations. The goal، then، of feminist theory، should be to develop strategic theories-not true theories، not false theories، but strategic theories.

  ويمكن ترجمة النص على النحو التالي: ” من أجل أن تكون ثورية لا يمكن للنظرية النسوية أن تدعي وصف ما هو موجود أو الوقائع الطبيعية بدلاً من ذلك ينبغي على النظريات النسوية أن تمثل أدوات سياسية واستراتيجيات للتغلب على الظلم في مواقف محددة وملموسة. الهدف إذن من ناحية النظرية النسوية يجب أن يتطور ليمثل نظريات استراتيجية لاهي صادقة ولا كاذبة، وإنما فقط نظريات استراتيجية ” (61).  

المثال الرابع:- ومن الفقرات أيضاً المنقولة هذه الفقرة المقتبسة من روفينتس Roventis ؛ حيث يقول:

Natural objects are also socially constructed. It is not a question of whether these natural objects، or، to be more precise، the objects of natural scientific knowledge، exist independently of the act of knowing. This question is answered by the assumption of “real” time as opposed to the presupposition، common among neo-Kantians، that time always has a referent، that temporality is therefore a relative، not an unconditioned، category. Surely، the earth evolved long before life on earth. The question is whether objects of natural scientific knowledge are constituted outside the social field. If this is possible، we can assume that science or art may develop procedures that effectively neutralize the effects emanating from the means by which we produce knowledge/art. Performance art may be such an attempt.

ويمكن ترجمة النص على النحو التالي: ” الأجسام الطبيعية تَبْني أيضاً اجتماعيا. إنه ليس سؤال فيما إذا كانت هذه تمثل الأجسامِ الطبيعيةِ، أَو تكون أكثرَ دقّةً، وبنية المعرفةِ العلميةِ الطبيعية توجد بشكل مستقل في فعلِ معْرِفة. وهذا السؤالِ تكون الإجابة عنه بافتراض الوقتِ “الحقيقيِ” مقابل افتراض مسبق وشائع بين “الكانطية الجديدة”- Neo-Kantianism، ذلك الوقتِ لَهُ دائماً مرجعية، وأن التزامن هو إذن نسبي، وصنف غير مشروطَ. بالتأكيد، الأرض تطورت قبل فترة طويلة من الحياةَ على الأرضِ. إن السؤال يتعلق فيما إذا كانت بنية المعرفة العلمية الطبيعيةِ تشكل خارج المجال الاجتماعي. إذا هذا محتمل، ومن ثم يمكن أَن نفترض بأن العلمِ أَو الفن قد تطورا من خلال الإجراءات التي تحيد التأثيرات عملياً بحيث تنبثق من الوسائلِ التي فيها ننتج معرفة / فن. فن الأداء قد يمثل مثل هذا  المحاولة (62).

 هذه النصوص كلها آثرت أن أقدمها بنصها لأبين أن “سوكال” تعمد أن يقدمها بلسان أصحابها ليبين أنها وإن كانت تبدو إلي حد ما صحيحة في بنائها اللغوي، لكنها بلا معنى. ومع ذلك قبلت المقالة ونشرت، والأدهى والأمر أنها نشرت في عدد خاص من المجلة المذكورة مكرس للرد على الانتقادات الموجهة إلى “ما بعد الحداثة” و”البنيوية الاجتماعية” بقلم عدد من العلماء البارزين.

 والورقة من البداية حتي النهاية تبدو محض هراء. وهي محاكاة هزلية صيغت ببراعة للهذر المتجاوز عند أتباع ما بعد الحداثة. وقد حفز “سوكال” على تأليفها كتاب لبول جروس وناريمان لفيت في كتابهما ” الخرافة الراقية (63).

 ووجد سوكال أن من الصعب عليه أن يصدق ما قرأه في هذا الكتاب فتابع ما فيه من مراجع عن أدبيات ما بعد الحداثة، ووجد أن جروس ولفيت لم يبالغا في كتابهما. وقرر أن يفعل شيئاً بهذا الشأن وحسب كلمات “جاري كاميا” G. Kamiya التي عاشت الحدث: ” كل من حدث له أن أنفق وقتاً كثيراً وهو يخوض هذه الأناشيد المنحرفة الزائفة الظلامية المليئة بالرطانة والتي تمرر الآن على أنها فكر ” تقدمي ” في الإنسانيات، كل من حدث له ذلك يعرف أنه سيكون من المحتم إن أجلاً أو عاجلاً أن يحدث أن: واحداً من الأكاديميين البارعين وقد تسلح بكلمات السر التي هي سرية جدا ( مثل “هيرمينوطيقي “، “انتهاكي ” ” تابع لمذهب لاكان “، ” الهيمنة “، ونحن لم نذكر هنا إلا القليل )، سوف يكتب ورقة بحث زائفة بالكامل، ويقدمها إلي أي مجلة ” رائجة”، وينال قبولاً لها. .. يستخدم سوكال في مقاله كل المصطلحات المناسبة، وهو يستشهد بكل من هم أفضل الكتاب (64).

  ثم ما لبث سوكال أن كشف عن حقيقة الخدعة ؛ حيث أنه بمجرد صدور العدد الذي يتضمن المقال، بادر إلى الكشف عن خدعته من خلال مقال صادم نشره في مجلة ’’لينجوى فرنكا ‘‘ Lingua Franca الأمريكية يبين فيها أنه زيف محتوى مقاله الأول ؛ وأعلن سوكال في مقاله هذا أن الأمر كله خدعة. معترفاً بأن ما كتبه لا يعدو أن يكون خدعة لفظية وصنعة بلاغية لا يعول عليها ؛ يقول سوكال: ” لعدة سنوات انشغلت بالانحدار الظاهر والواضح في معايير الصرامة العقلية في الدوائر الأكاديمية الخاصة بالدراسات الخاصة بالدراسات ألأمريكية. ولكن لأنني فيزيائي فقط وجدت نفسي غير قادر على الإلمام بالموضوع للتمييز والاختلاف، ولذلك قررت أن أجري تجربة متواضعة (رغم كونها تمثل عينة لا يمكن التحكم بها ): وصحيفة شمال أمريكا للدراسات الثقافية، والتي يتبني هيئة تحريرها مثل هذه المجموعات، مثل فريدريك جيمسون، وأندرو روس، اللذين نشروا المقالة المتضمنة الخدعة والهراء، إذ أن ( المجموعة أ) كانت تبدو جيدة، و( المجموعة ب ) اشتملت على أيديولوجيا وأفكار المحررين ومفاهيمهم. ولسوء الحظ، فالإجابة كانت بنعم، والقراء المهتمين يستطيعوا أن يرجعوا إلي مقالي الذي حمل عنوان ( تجاوز الحدود: نحو تأويلات تحولية للثقل النوعي للكم) والذي نشر ضمن العدد الربيعي – الصيفي في مجلة الـ ” سوشيال تكست social text “، ومن الواضح أن مقالي قد نشر ضمن عدد خاص من المجلة، والذي حمل عنوانها اسم ” حروب العلم ” ماذا يدور هنا، هل عجز أعضاء هيئة تحرير المجلة عن معرفة أن مقالي كان يمثل محاكاة ساخرة Parody؟ ” (65).

 ومن ناحية أخري يؤكد سوكال بأن هدفه من كتابة المقال يعد ” نداء لأي فيزيائي أو رياضي نشيط ( أو الفيزيائيين في المرحلة الجامعية أو أغلب الرياضيين ) أن يدركوا أنها خدعة. وبالفعل فإن المحررين للنص الاجتماعي قد شعروا بالراحة من نشر هذا المقال عن فيزياء الكوانتم بدون الرجوع لأي لشخص ذي معرفة بهذا الموضوع (66).

 ثم ينتقل سوكال للكشف عن الأسباب والدواعي التي جعلته يتعمد القيام ببحث عن ميكانيكا الكوانتم ؛ حيث يؤكد أن ذلك يتمثل في هدفين: –

الهدف الأول: – كما يقول: ” أن أقتبس بعض التصريحات الفلسفية المتناقضة لهايزنبرج وبوهر وأقر بلا جدال أن الفيزياء الكمية مرتبطة بأبستمولوجيا ما بعد الحداثة ” (67).

الهدف الثاني: – كما يقول: ” أن أدعو للجمع بين دريدا والنسبية العامة، ولاكان وعلم الهندسة اللاكمية أو الطوبولوجي وبين “إريجاري” والجاذبية الكمية، وذلك من خلال بلاغة غامضة vague rhetoric عن الـ ” الغير خطية nonlinearity “والجريان والترابط Flux and interconnectedness. وأخيراً فقزت ( مرة أخري بدون جدال ) لإثبات أن علم ما بعد الحداثة Postmodern Science قد ألغي abolished الواقع الموضوعي. وهنا الآن ليس هناك ما يشبه النتيجة المنطقية للفكر ؛ فالمرء قد يكتشف فقط اقتباس citations، وَتلاعب بالألفاظ plays on words، وتناظراتَ متكلفة strained analogies ومزاعمَ فارغة bald assertions ” لا أساس لها (68).

  وهنا يؤكد “سوكال” أن الذي دفعه على فعلته تلك هو ” أن يفضح المستوى المتدني للمهنية بين المشتغلين بالبحوث الأكاديمية، وبخاصة في العلوم الإنسانية ؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخري هو إحراج ” النسبوية المتطرفة”- Radical Relativism، بوصفها تمثل في اعتقاد “سوكال” خطراً يهدد وجود العلم ذاته، علاوة على اختبار مدى جدية وصرامة المنتسبين إلى ’’ما بعد الحداثة‘‘، ولا سيما حين يتعلق الأمر بموضوع العلم ” (69).

 ثم يحلل “سوكال” بعد ذلك تفاصيل الخدعة ؛ حيث يقول: ” وفي الفقرة الأولي سخرت من ” المبدأ المفترض من خلال الهيمنة الطويلة لما بعد التنوير الذي ساد النظرة العقلية الغربية: ” يوجد عالم خارجي يحمل خصائص مستقلة عند أي شخص أو أي فرد، وأن هذه الخصائص تصنف في قوانين فيزيائية ( أبدية )، وأن الموجودات الإنسانية يمكنها أن تحصل على هذه المعرفة الغير كاملة من هذه القوانين وذلك من خلال الإجراءات الموضوعية الموصوفة بما يسمي المنهج العلمي ” (70).

 ثم يتساءل “سوكال”: “هل هذا المبدأ في الدراسات الثقافية يكشف عن أنه ليس هناك وجود للعالم الخارجي؟ أو أن هناك وجود للعالم الخارجي، ولكن العلم ليس لديه معلومات عنه؟

 ويجيب قائلاً: ” وفي الفقرة الثانية صرحت بلا جدال أو بينة بأن الواقع الفيزيائي Reality Physical (من الملاحظ الاقتباس بحذر) هو أساس لبناء اجتماعي ولغوي، وليست نظرياتنا عن الواقع الفيزيائي وأذكرك، ولكن الواقع نفسه. حسناً: وأي شخص يعتقد أن قوانين الفيزياء متواضعات اجتماعية Social Conventions تدعو لمحاولة انتهاك تلك المتواضعات من نافذة شقتي ( أنا أقطن بالدور الحادي والعشرين) (71).

 وثمة نقطة اخري جديرة بالإشارة يؤكد عليها “سوكال”، وهي أن السخافة الرئيسية the fundamental silliness لمقاله تنطوي ليس فقط من خلال تماسكها القوي، ولكن توسطها للمنطق الذي يدعمها (72).

 وهنا يعلق ” جيمس تريفل ” على هذه المغامرة قائلاً: ” ولكن ما أذهلني من عواقب هذه المغامرة كلها هو رد فعل محوري صحيفة ” سوشيال تكست ” ومن يدعمونها. إنهم بدلا من أن يشغلوا أنفسهم باستبطان حالهم وفهم أنفسهم على سبيل المثال: لماذا لم يعرضوا المقال على عالم فيزياء، قنعوا بلوم سوكال لأنه ” أساء استخدم ثقتهم” (73).

 وهذا اللوم استفز سوكال نفسه حتي أنه وصفهم قائلاً: ” وقبول النص الاجتماعي لمقالتي يوضح الغطرسة والتكبر العقلي the intellectual arrogance للنظرية الأدبية لما بعد الحداثة. . وليس من المدهش في أنهم لم يعبأون باستشارة الفيزيائي (74).

  تباينت ردود الفعل حيال خدعة سوكال؛ وتوزّع الناس بين مهلل ومسفه ومتفهم، فأثار بذلك ضجة من ردود الفعل عنيفة في الصحافة اليومية والأكاديمية، فالخدعة قد وجدت طريقها في الصفحة الأولي في جريدة ” New York Times ” بل وفي كل صفحات الجرائد الأمريكية (75)، كما أعدت قناة الـ ” CNN ” برنامج لها بعنوان: capital gang، وكذلك الـ ” rush limbaugh” (وكلاهما برنامج سياسي يذاع على نفس القناة في الساعة السابعة مساءً). وخدعة سوكال التي قد تناولتها أجهزةِ الإعلام من راديو وتليفزيون قد نظرت إليها بأنها تمثل فضيحة سياسية رئيسية (76).

 وذكر وانبيرج Weinberg عنها قائلاً: ” لقد تسليت مثل كثير من العلماء بخدعة ظريفة ساخرة قام بها الفيزيائي الرياضي آلان سوكال من جامعة نيويوك ؛ حيث قدم مقاله كاذبة لإحدي المجلات المهتمة بالدراسات الثقافية وهي مجلة ” النص الاجتماعي “. وفي هذه المقالة استعرض سوكال عدداً من المواضيع الراهنة في الفيزياء والرياضيات وعرض بطريقة ساخرة بعض القضايا الثقافية والفلسفية والسياسية والأخلاقية التي أخذها من التعليقات الأكاديمية الرائجة التي كانت تشكك في العلم وموضوعيته” (77).

 وذهب مارا بلير Mara Beller في مقالة له بعنوان The Sokal Hoax: At Whom are we Laughing إلي أن: ” الخدعة التي أعدها سوكال في عام 1996 وسلمها لمحرري مجلة النص الاجتماعي سرعان ما أصبحت معروفة على نطاف واسع ونقاش ساخن (78).

 وذهب ” إريتش إيتشمان ” Erich Eichman، حيث كتب مقالة بعنوان ” نهاية الخدعة “، حيث قال: ” في وقت سابق من هذه السَنَة، وبشكل ملفت للنظر، قدم الفيزياوي واليساري السياسي آلان سوكال ورقة بحث مليئة بالهراء وسلمها لمحرري مجلة أكاديمية تسمي النص الاجتماعي حيث برهن على أن الواقع الفيزيائي يمثل فقط بناء اجتماعي. وهو لم يعتقد بذلك ولكنه حاول أن يثبته. وبعد أن نشر المحررون المقالة، أعلن سوكال عن خدعته ” (79). ونكتفي بهذا القدر وننتقل للبعد الأخير من أبعاد خدعة سوكال، ألا وهو البعد النقدي ضمن قضية حروب العلم.

 المبحث الثالث: البعد النقدي: –

 كشفت خدعة سوكال على أن الجهل باللغة وسوء استخدامها، هو المسئول عن الإخفاق العقلي والفوضى الروحية التي سادت التفكير الغربي، وبالتالي فإن اللغة هي أحدث ملاذ للفلسفة والمأوي الأمن من الهجوم الضار عليها.

 ومن هنا بادر “سوكال” يفضح مذهب ما بعد الحداثة الذي أرسي دعائمه الفلاسفة الفرنسيين، ويبين تهافته، فنجده يشارك جين بريكمونت Jean Bricmont ( وهو أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة لاوفين في بلجيكا)، في تأليف كتاب بعنوان “اللغو الرائج: عبث المفكرين ما بعد الحداثيين بالعلم Fashionable Nonsense: Postmodern Intellectuals’ Abuse of Science “، وهذا الكتاب كان قد صدر باللغة الانجليزية في عام 1998، بعد أن صدر قبل عام واحد في أصله الفرنسي الذي حمل عنوان Impostures Intellectuelles.

 والسؤال الآن ماهي قصة هذا الكتاب؟

 يعلن سوكال وبريكمونت أن: ” قصة هذا الكتاب بدأت بخدعة، فمنذ بضع سنوات والخزن يخيم علينا من بعض الاتجاهات الفكرية في دوائر معينة من الأوساط الأكاديمية الأمريكية، قطاعات واسعة من العلوم الانسانية والاجتماعية، يبدو أنها تبنت فلسفة يمكن أن نطلق عليها ” ما بعد الحداثة”: تيار فكري تميز بأنه يرفض إلي حد ما التقليد العقلاني للتنوير من خلال القضايا النظرية المنفصلة عن اختبار تجريبي، وكذلك من خلال النسبوية المعرفية والثقافية والتي تنظر للعلم على أنه ليس أكثر من “السرد “، وهي ” أسطورة ” أو البناء الاجتماعي من بين أمور أخري كثيرة ” (80).

 ويؤكد سوكال وبريكمونت: “أنه للرد على هذه الظاهرة قام أحدنا، وهو سوكال بتجربة غير تقليدية بسيطة، قام فيها بتقليد المفكرين الكبار في كتاباتهم الفكرية وتنميقاتهم الاصطلاحية واستدلالاتهم بمفكرين آخرين، على طريقة عدد من المفكرين الفرنسيين وبعض علماء الاجتماع في الولايات المتحدة: جمع سوكال عدداً من الصفحات لبحث عن ميكانيكا الكوانتم. وقد كانت ورقة البحث مكتوبة باسلوب ما بعد الحداثة، ومن ثم كان محاكاة سافرة. .. والمرء سرعان ما يُدرك أن سوكال قد بني محاكاته الساخرة من خلال الاقتباسات المأخوذة من المثقفين البارزين الفرنسيين والأمريكيين عن الأثار الفلسفية والاجتماعية المزعومة ” (81).

 ويذكر سوكال أنه أختار مجموعة من النصوص لمجموعة من المفكرين والفرنسيين المعاصرين واللذين يشار إليهم بالبنان في أمريكا وهم: جاليز ديلوز Gilles Deleuze، وجاك دريدا Jacques Derrida، وجوتاري، وإيجاري، وجاك لاكان، برونو لاتور، وجان فرانسوا ليوتار Jean Francois Lyotard وميشل سيريس Michel Serres وفيرلو، وكريستفيا، وبودريلارد. والاقتباسات تشمل أيضا العديد من الأكاديميين الأمريكيين البارزين في الدراسات الثقافية والمجالات ذات الصلة، ولكن هؤلاء الكتاب في كثير من الأحيان كانوا يشايعون الكتاب الفرنسيين (82).

 علاوة على أن الكتاب يهدف إلى فحص ما يمكن أن نسميه “الدجل الفكري” حين يقوم المفكرون بتقديم اطروحات لا معنى حقيقي لها والاستناد على العلم الطبيعي بطريقة خاطئة وغير دقيقة، والتباهي بعبارات منمقة ولكنها تخلو من المعنى.

 ويذهب “ريتشارد دوكنز” أن سوكال وصاحبه بريكمونت، قد بني كتابهما على فرضية تقول: “. .. لنفترض أن لدينا دجالاً مثقفاً ليس لديه حقاً ما يقوله، ولكنه بما لديه طموحات شديدة لأن ينجح في الحياة الأكاديمية، يجمع زمرة من الحواريين المبجلين، وله تلاميذ في كل أنحاء العالم يضعون تحت السطور المهمة لصفحاته خطوط بأقلام اللون الأصفر الفاقع المحترم. . ما هو نوع الأسلوب الأدبي الذي سيتخذه؟ لا ريب أنه لن يكون أسلوباً واضحاً (83).

 علاوة على أن الكتاب يتناول قضية في غاية الأهمية في الفكر الغربي، وهي سوء استخدام العلم في الفكر الغربي الحديث؛ وتحديداً فكر ما اصطلح عليه بما بعد الحداثة، والمقصود بسوء استخدام العلم أن يعتمد المفكر على معلومات يأخذها من مجالات العلوم المختلفة، على نحو تحف به كثير من المشكلات مثل ما يلي:

1- أن لا يكون المفكر فاهماً تماماً للنظريات العلمية التي يستخدمها في قضاياه الفكرية، ويشمل هذا استخدام مصطلحات علمية دون تقديم شرح لها ؛ وهنا يستشهد سوكال وبريكمونت بنص للمحلل النفسي ” فليكس جوتاري ” وهو واحد من كثيرين من ” مثقفي الموضة الفرنسيين:

 يمكننا أن نري بوضوح أنه لا يوجد اتفاق مزدوج – أحادي المعني بين الروابط الخطية ذات المعزي أو الكتابة – الرئيسية، بما يعتمد على المؤلف، وبين هذا الحفر الماكيني المتعدد المرجعية، والمتعدد الأبعاد. وما يوجد من سمترية في المقياس، وخطوط مستعرضة، ومن خاصية تمددها على نحو مؤثر غير منطقي: كل هذه الأبعاد تنقلنا بعيدا عن منطق الوسط الاستبعادي وتعزز وضعنا في رفضنا للثنائية الانطولوجية التي سبق أن انتقدناها (84).

 ولقد سار “جوتاري” إلي ما لا نهاية هذا الاتجاه، ويطرح حسب رأي سوكال وبريكمونت ” مزيجا من رطانة العلم والعلم الزائف والفلسفة هو من أذكي ما يلقاه المرء من هذ النوع. . وكان جيوتاري شريك حميم هو الراحل “جاليز ديلوز”. ولديه موهبة مماثلة في الكتابة: نجد في المقام الأول أن الأحداث المفردات تناظر تتاليات لا متجانسة تنتظم في منظومة ليست مستقرة، ولا غير مستقرة، وإنما هي بالأحرى ” ما بعد المستقرة”، وقد أضفي عليها طاقة كامنة حيث يحدث اضطراب في الاختلافات التي بين المتتاليات. .. وثانياً فإن المفردات تمتلك طريقة معالجة للتوحيد الذاتي، هي دائما متنقلة ومزاحة إلي حد أن عنصرا من المفارقة يمر عبر المتتاليات ويجعلها في حالة رنين، ويطوق النقط المفردة المناظرة في نقطة واحدة تصادفية ويطوي كل الانبعاث، وكل قذفات النرد، رمية واحدة (85).

 ألف ديلوز وجيوتاري وشاركا في تأليف كتب وصفها الفيلسوف المشهور ميشيل فوكوه بأنها ” من بين أعظم الكتب العظيمة. .. وربما سيأتي يوم يوصف به القرن بأنه ديلويزي “. إلا أن سوكال وبريكمونت يعلقان بأنه: تشمل هذه النصوص حفنة من جمل مفهومة هي أحيانا تافهة وأحيانا خاطئة، وقد علقنا على بعض منها في الهوامش. أما الباقي، فإننا نتركه للقارئ ليحكم عليه (86).

 ولكن الأمر يصعب على القارئ. لا ريب أنه توجد أفكار يبلغ من عمقها أن معظمنا لن يفهم اللغة التي يتم بها التعبير عنها. ولا ريب أن هناك أيضاً لغة قصد بها أن تكون غير مفهومة حتي تأكد غياب أي فكر صادق. ولكن كيف لنا أن نعرف الفارق؟ ماذا لو أن الأمر يتطلب حقاً عيوناً خبيرة لتكشف ما إذا كان الإمبراطور يرتدي ملابس ( إشارة إلي قصة مشهورة بأن محتالاً أقنع الإمبراطور بأنه سيحيك له ملابس فاخرة لا يراها الأغبياء ويراها فقط الأذكياء. وحين سار الإمبراطور عاريا صاح الناس إعجاباً بالملابس المزعومة حتي هتف طفل بأن الإمبراطور يسير عارياً) وبوجه خاص، كيف سنعرف ما إذا كانت فلسفة الموضة السائدة الفرنسية التي سيطر حواريوها وأنصارها على قطاعات كبيرة من الحياة الأكاديمية الأمريكية، هي حقاً فلسفة عميقة أو أنها مجرد خطاب خاو لمشعوذين ودجالين؟ (87).

2- استخدام مفاهيم من العلوم الطبيعية في العلوم الإنسانية والاجتماعية دون أي تبرير لهذا الاستخدام العابر للحقول المعرفية (أي من العلم الطبيعي نحو المجالات الإنسانية ؛وهنا حاول سوكال وبريكمونت أن يقصرا نقدهما على تلك الكتب التي غامرت بالاستشهاد بمفاهيم من الفيزياء والرياضة. وهما ها هنا يعرفان ما يتحدثان عنه، وحكمهما واضح لا لبس فيه: كما بالنسبة ” لجاك لاكان مثلاً، الذي يبجل اسمه في الكثير من أقسام الإنسانيات في كل الجامعات الأمريكية والبريطانية، ولا ريب أن هذا في جزء منه بسبب أنه يعمل على محاكاة طريقة فهم عميقة للرياضيات، وهما يقولان عنه: . .. على الرغم من أن ” لا كان ” يستخدم عدة كلمات رئيسية من النظرية الرياضية للتماسك compactness، إلا أنه يخلط بينهما خلطا تعسفيا دون أدني اعتبار لمعناها. و ” تعريفه” للتماسك ليس فحسب زائفا: وإنما هو هذر بلا معني.

 وهما يواصلان القول بالاستشهاد بالفقرة التالية المذهلة عن الاستدلال بواسطة لاكان، وبالتالي فإنه بحساب هذه الدلالة حسب الطريقة الجبرية المستخدمة هنا، وهي أن: –

د (الدال)        S(signifier)

ـــــــــ = م ( المقولة) The statement = ـــــــــ

م (المدول)        S(signified)

حيث د = (ـ 1)، ينتج عنها: م = ≠ ـ1

لا يحتاج الواحد منا لأن يكون رياضياً ليدرك أن هذا أمر مضحك. وهذا يستدعي للذاكرة شخصية من شخصيات مثل ” إلدوس هكسلي”- Aldous Huxley، أثبتت وجود الرب بعملية قسمة للصفر على رقم، وبالتالي يستنتج من ذلك الــ ” ما نهاية “. وفي فقرة أخري من الاستدلال هي بالكامل نمط من ” الجنسانية = Genre ) يواصل ” لاكان ” الاستدلال ليستنتج أن عضو الانتصاب هو مكافئ للجدز ≠ ـ1 في الدلالة الناتجة أعلاه الدال (ـ1) (88).

 لا يحتاج الواحد منا إلى الخبرة الرياضية لسوكال وبريكمونت ليتأكد من أن مؤلف هذا الكلام مدلس. أتراه يكون صادقاً عندما يتحدث فى مواضيع غير علمية؟ إلا أننا عندما نقبض على فبلسوف وهو يساوى عضو الانتصاب بالجزر التربيعى لناقص واحد، فإنه بالنسبة لما أعرف يكون قد نسف كل أوراق اعتماده عندما تصل الأمور إلى أشياء ” لا ” أعرف عنها أى شئ (89).

3 – ادعاء المعرفة من خلال نثر المصطلحات العلمية في ثنايا المقالات الفكرية “دون حياء” مع عدم ارتباط تلك المصطلحات بالقضايا موضع النقاش ؛ وهنا يري سوكال وبريكمونت أن هناك جوليا كريستيفيا Julia Kristeva ” الفيلسوفة ” نصيرة المرأة، وهى شخصية أخرى عالج أمرها سوكال وبريكمونت فى فصل بأكمله (90).

 تذكر “إيجاري” محاجة فى فقرة تذكرنا بتوصيف مشهور أسمتة نصيرة للمرأة على كتاب ” المبادئ لنيوتن حيث وصفته بأنه (كتيب إرشادي لاغتصاب المرأة )، تبرهن إرجارى بأن معادلة الطاقة = الكتلة فى مربع سرعة الضوء (e:mc2 ) (.) هى ” معادلة ذات طابع جنسى “. ما هو السبب؟ لأنها تضفى تميزاً، لسرعة الضوء على سائر السرعات الأخرى الضرورية لنا ضرورة حيوية ” (إن تأكيدى على ما سأصل سريعاً إلى معرفته هو أن الكلام هنا ضمنى). ونجد مبحثاً عند إريجارى على ميكانيكا السوائل يعطى مثلاً نمطياً لهذه المدرسة الفكرية التى ندرسها. فهى تقول إن السوائل، كما ترى، قد أهملت إهمالاً غير منصف ” فالفيزياء الذكورية ” تضفى امتيازاً على الأشياء الصلبة الجامدة (91).

 ولإيجاري شارحة أمريكية هى ” كاترين هيلز” Catherine Hills ارتكبت خطأ فى أنها أعادت التعبير عن أفكار إريجارى فى لغة واضحة (نسبياً). ففى هذه المرة نحصل على نظرة معقولة على الإمبراطور لا يوجد ما يعوقها، ونجد أن نعم، الإمبراطور لا يرتدى ملابس: إنها ترجع السبب فى إضفاء امتياز للميكانيكا الصلبة على ميكانيكا السوائل، وإلى عجز العلم حقا عن التعامل. مطلقا مع التدفق المضطرب للسوائل، ترجعه إلى ارتباط السيولة بالأنوثة. ففى حين أن الأعضاء الجنسية لدى الرجال تكون بارزة وتصبح صلبة، فإن النساء لديهن فتحات يتسرب منها الدم والسوائل المهبلية.. . وبهذا المنظور ما من عجب فى أن العلم قد عجز عن التوصل لنموذج ناجح الاضطراب. وليس فى الإمكان حل مشكلة تدفق السائل المضطرب لأن مفاهيم السوائل (ومفاهيم النساء) قد صيغت بحيث تخلق بالضرورة بقايا بلا اتساق واضح (92).

 لا يحتاج المرء لأن يكون فيزيائياً ليشتم السخف المعتوه لهذا النوع من المحاججة (والذى أصبحت نغمته مألوفة لأكثر مما ينبغى )، على أنه مما يفيدنا أن يكون كتاب سوكال وبريكمونت فى متناولنا ليخبرنا عن السبب الحقيقى فى أن تدفق السائل المضطرب مشكلة صعبة (معادلات نافييه-ستوكس -navier-stokes معادلات يصعب حلها) (93).

4 – إدعاء التفلسف وذلك من خلال استخدام كلمات وعبارات وجمل لا تحمل معنى حقيقياً حين يتم فحصها وامتحان دلالتها ؛ ويعطينا سوكال وبريكمونت من خلط ” لاتور” بين نظرية النسبية (عند أينشتين Einstein ) ومذهب النسبية (الفلسفية)، وعلم ما بعد الحداثة عند “ليوتار” وسوء الاستخدام المنتشر والمتوقع لمبرهنة جوديل ونظرية الكم ونظرية الشواش. وسنجد أن “جان بودريلارد” المشهور هو مجرد واحد من كثيرين يجدون أن نظرية الشواش أداة مفيدة لخداع القراء. ومرة أخري فإن سوكال وبريكمونت يساعدانا بأن يحللا لنا الحيل المستخدمة في التلاعب. والجملة التالية ” وإن كانت قد بينت على مصطلحات علمية إلا أنها لا معني لها من وجهة النظر العلمية “.

 لعله يجب أن ينظر إلي التاريخ نفسه على أنه تشكيل شواشي، حيث التسارع يضع نهاية للخطية وحيث الاضطراب الذي يخلقه بالتاريخ انحرافاً أكيداً عن غايته، تماماً مثلما يحدث أن يؤدي الاضطراب إلي إبعاد النتائج عن أسبابها (94).

 ونكتفي بهذا القدر، فإنه كما يقول سوكال وبريكمونت، فإن نص بودريلارد ” يتواصل في تصاعد تدريجي من الهراء “. وهما يلفتان الانتباه مرة أخري إلي ما يوجد من كثافة عالية للمصطلحات العلمية والزائفة علمياً – التي تولج داخل الجمل، وهي بقدر ما نستطيع فهمه – خاوية من أي معني. وخلاصة حكمهم على بودريلارد يمكن أن تنطبق على أي من المؤلفين الآخرين الذين انتقدوا هنا، ويحتفي بهم في كل أمريكا:

  والخلاصة أن المرء يجد في أعمال ” بودريلارد “ سيلاً غزيراً من المصطلحات العلمية، تستخدم دون أي اعتبار لمعناها، ونجد أنها فوق كل شئ تستخدم في سياق من الواضح أنها لا علاقة لها به. وسواء فسرناها أو لم نفسرها كاستعارات مجازية، فإن من الصعب أن ندرك أي دور يمكن أن تقوم به، إلا أنها تعطي مظهراً من العمق لملاحظات مبتذلة حول علم الاجتماع أو التاريخ. ونجد فوق ذلك أن المصطلح العلمي يخلط بمفردات غير علمية تستخدم بالدرجة نفسها من السبب القذر. وبعد أن يقول بودريلارد وينقل كل ما يشاء فإن لنا أن نتساءل عما سيتخلف من فكره بعد أن نزيل عنه كل ما يغطيه من تلك القشرة الخادعة من الألفاظ (95).

  خلاصة القول إن سوكال وبريكمونت يريدان أن يوصلا رسالة للعالم كله يعلنا فيه أن: –

أ- أن عالم الفكر في أحيان كثيرة لا يقدم فكراً حقيقياً، بل ضرباً من الموضات الفكرية.

ب- أن الكتاب يدعو إلى تنقية الفكر من الشوائب غير العلمية، وضرورة اعتماد الفكر على البيانات العلمية الدقيقة في بناء النظريات الفكرية.

ج- أن أهميته تنطلق من أنه يدعو إلى الفكر الحقيقي الذي يساهم المفكر من خلاله في البناء الإنساني العام، ويدعو إلى فضح “الموضات الفكرية” التي يصبح فيها الكتّاب والمفكرون مثل الببغاوات يرددون كلاماً غير مفهوم، أو غير قائم على أساس سليم من المعلومات العلمية.

د- أن الكتاب كشف عن فكرة تجنب أوهام المسرح التي نادي بها ” فرنسيس بيكون “، الأمر الذي دعا سوكال وصاحبه إلي مناقشة بتفصيل عدداً من المفكرين الفرنسيين المشهورين ويفضح الأخطاء العلمية الخطيرة التي وقعوا فيها.

 ولم يكتف سوكال بكتاب ” اللغو الرائج ” في نقد ابستمولوجيا ما الحداثة، بل كتب دراسة أخري مطولة كتبها بدون أن يشارك فيها أخرون، وكانت بعنوان ” العلم الزائف ومذهب ما بعد الحداثة: أخصوم أم زملاء مسافرون Pseudoscience and Postmodernism: Antagonists or Fellow-Travelers? “، وقد ذكر سوكال أن فكرة هذا البحث تعول على أن ” العلاقة المحالية بين نوعين عريضين من أنواع التفكير وهما: العلم الزائف ومذهب ما بعد الحداثة. ( أن كلاهما سوف نعرفهم بوضوح أكثر بعد لحظة ). من أول وهلة يبدو أن العلم الزائف ومذهب ما بعد الحداثة متعارضان: العلم الزائف يتميز بسذاجة مفرطة، بينما مذهب ما بعد الحداثة يتميز بشكوكية مفرطة. وبتوضيح أكثر، فإن أتباع العلم الزائف يعتقدون في النظريات أو الظواهر التي يرفضها العلم السائد تماما كعلم غير قابل للتصديق، بينما أتباع مذهب ما بعد الحداثة يعتقدون في النظريات التي يعتبرها العلم السائد بأنها قد تأسست ما بعد الشك المعقول” (96).

 ويؤكد سوكال بأنه ” سوف يبرهن بأنه في بعض الأحيان على الأقل، يوجد تقارب بين العلم الزائف ومذهب ما بعد الحداثة “، ولتحقيق ذلك نراه يحاول أن يميز بين ثلاثة مفاهيم هما ” العلم “، ” العلم الزائف “، ” مذهب ما بعد الحداثة ” (97).

 أما مفهوم العلم في نظر سوكال فهو يمثل سياق مترابط يجمع بين العلم الطبيعي والعلم الإنساني في وحدة مترابطة، يقول سوكال: ” أنا أقصد بالعلم أولاً وفوق كل شئ وجهة النظر العالمية التي تعطي الأسبقية للسببية والتوضيح والمنهجية بهدف اكتساب معرفة دقيقة عن العالم الاجتماعي والطبيعي. هذه المنهجية صنفت قبل كل شئ من خلال الروح النقدية: يعني الالتزام بالاختبار المستمر للتقريرات من خلال الملاحظات والتجارب – الاختبارات الأكثر صرامة، والأفضل – ومراجعة أو تصحيح هذه النظريات التي تفشل في الاختبار. والنتيجة الطبيعية الأولي للروح النقدية تكون قابلة للخطأ fallibilism: الفهم بأن كل معرفتنا التجريبية تكون تجريبية، وناقصة ومفتوحة للمراجعة في ضوء دليل جديد أو حجج قوية مقنعة ( لذا بالطبع فإن غالبية أشكال المعرفة العلمية التي تأسست من الصعب أن تكون نبذت كليا ) (98).

 والموقف الذي اتخذه سوكال هنا من العلم قائم على أن هناك سمة أساسية في ضوئها يمكن التمييز بين ما هو علمي وما غير علمي، وهذه السمة هي التي قال عنها ” كارل بوبر” Karl Popper ( 1902-1994) مبدأ ” القابلية للتكذيب Falsifiability “، حيث أن هذا المبدأ القابلية يقرر ما إذا كانت النظرية تعطينا محتوي إخبارياً أم لا، وذلك في ضوء حجج تجريبيه وملاحظات. … فمهمة العلماء هي أن يحكموا النظريات في ضوء اختبارات قاسية (99).

 ومن جهة أخري يؤكد سوكال أن كلمة العلم تتميز بأربعة معاني هي: ” إنها تشير إلي المسعي الثقافي بهدف ربط الفهم العقلاني للعالم الخارجي الطبيعة والاجتماعي، إنها تشير إلي مجموع المعرفة الجوهرية المقبولة حالياً، وتشير كذلك إلي الجماعة العلماء، بأعرافهم وبنائاتهم الاقتصادية والاجتماعية ؛ وأخيراً إنها تشير إلي العلم التطبيقي والتكنولوجيا” (100).

  ويؤكد سوكال أن العلم في نظره ليس ” قاصراً على العلوم الطبيعية، ولكن يتضمن تحقيقات تهدف إلي اكتساب معرفة دقيقة للمواضيع الواقعية المرتبطة بأي شكل للعالم باستخدام مناهج عقلانية تجريبية مماثلة للتي طبقت في العلوم الطبيعية. وهنا ” العلم ” كما استخدمته ( كمصطلح ) يزاول بشكل متكرر ليس فقط بواسطة الفيزيائيين أو الكيميائيين أو الإحيائيين، ولكن أيضا بواسطة المؤرخين، والمخبرون والسباكون وفي الواقع كل إنسان يحتاج في ( بعض أشكال ) حياتنا اليومية (101).

 ثم ينتقل سوكال للحديث عن العلم الزائف، فيري أن مفهومه متعلق بكل ما يخالف العقلانية والمنهج العلمي، ويقول سوكال: ” وفي الحقيقة أن المرء يمكن أن يميز ( في أغلب الحالات بسهولة جداً ) بين العلم الصادق والعلم المزيف، وهذا لا يعني بالطبع أنه من الممكن رسم خط حاد بينهم – أقل خط يعتمد على الصلابة بكثرة ” معيار التمييز” وهذا ما اقترحه الفيلسوف كارل بوبر. وبالأحرى المرء يمكن أن يميز بشكل أفضل لتصور الاستمرارية ( الشكل الأول ) للعلم الراسخ جيداً ( مثل فكرة هذا المادة مكونة من ذرات ) في نهاية الطرف الأول، المرور عن طريق علم حافة بداية القطع ( مثل تذبذبات جزيئه محايدةِ ) والاتجاه العام ولكن العلم التخميني ( مثل نظرية الخيط ) – ومن ثم، الكثير ابتعد عن الطريق، خلال العلم الرديء ( مثل أشعة إن الانشطار البارد ) – وفي النهاية بعد رحلة طويلة جدا خلال العلم المزيف. ولذلك لا يوجد موقع دقيق من بين هذه الاستمرارية حيث يمكن رسم الخط، وعلي الرغم من هذا هناك اختلاف جذري بين تأسيس العلوم الطبيعية والعلم المزيف باعتبار كلاهما ينبثق من المنهجية ودرجة الإثبات التجريبي” (102).

 وبخصوص مفهوم ما الحداثة فيقول سوكال: ” ومصطلح ” مذهب ما بعد الحداثة ” أكثر انتشاراً: إنه يستخدم لكي يغطي مجرة غامضة من الأفكار في مجالات تتراوح من الفن والهندسة المعمارية إلي العلوم الاجتماعية والفلسفة. إنني أفترض هنا استخدام مصطلح مذهب ما بعد الحداثة بدقة أكثر لشرح الفكر الحالي المميز من خلال أكثر أو أقل للرفض الواضح للتقليد العقلاني من التنوير، ومن خلال المحادثات النظرية الغير متصلة بأي اختبار تجريبي، وبواسطة الثقافة النسبية والإدراكية التي تعتبر العلم ليس أكثر من ” رواية “، ” أسطورة ” أو بناء اجتماعي بين معظم العلوم” (103).

 ويري سوكال أن ” مذهب ما بعد الحداثة يرفض فكرة المزاعم عن العالم الخارجي الاجتماعي أو الطبيعي الذي يمكن أن يكون موضوعياً ( وذلك ثقافياً متعالياً ) الصدق أو الكذب، وبالأحرى هم يصرون على أن ” الصدق ” مرتبط ببعض الجماعات الثقافية أو الاجتماعية. وأخيراً هم يعيدون تعريف كلمة ” الصدق ” لتدل على مجرد شخصية مخفية متفقة ( ضمن بعض المجموعة الاجتماعية المحددة ) أو المنفعة العملية ( لبعض الأهداف المحددة ). ولذا مذهب ما بعد الحداثة يميل إلي رفض الموضوعية كمجرد فكرة نحو الذي يكافح ( ومع ذلك بشكل ناقص ): كل شئ أصبح يعتمد على وجهة نظر شخصية واحدة، والقيم الجمالية أو الأخلاقية يستبدل إدراكياً واحدة من معيار لتقييم المزاعم للحقيقة المزعومة “(104).

الخاتمة

 بعد هذه الجولة نود في هذه الخاتمة أن نلقي الضوء على أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث، وذلك على النحو التالي:

1- إن الهوة بين العلم والانسانيات لم تنشأ بسبب حروب العلم، بل تعود إلي القرن السابع والثامن عشر، بدليل محاكمة جاليليو بدعوى الهرطقة في القرن السابع عشر أمام الكنيسة الكاثوليكية التي لم تعترف رسمياً بخطئها إلا منذ فترة قليلة، وأيضاً بدليل الهراء الذي كتبه الشاعر” وليم بليك ضد نظرة “إسحاق نيوتن” الميكانيكية للعالَم.

2- إذا كان القرن العشرين قد شهد اتساعاً في الهوة الفاصلة ما بين العلوم الإنسانية كالفلسفة والآداب من جهة والعلوم الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والهندسة من جهة أخرى، ظهرت محاولات للتوفيق ما بين هاتين الطائفتين من المعارف الإنسانية، وقد وصل ببعض هذه المحاولات إلى التبشير بـ ثقافة ثالثة تجمع هاتين الطائفتين لتحل محلهما عند سنو.

3- لقد كان سنو مبالغاً حين دافع عن العلماء دفاعاً ضارياً، حط فيه من شأن الأدباء، واصطنع لهم عدواً وهمياً، لعل ذلك وقتها كان منطقياً بعض الشئ، حين كان الطلاب يقبلون على الدراسة الأدبية وقليلا منهم من يقبل على الدراسة العلمية، لأن الطريقة الملكية وقتها لم تكن للعلم وكانت للآداب والحقوق، وكان الأدباء يلقون اهتماماً واسعاً من الجمهور والملوك، لكن هذا الأمر تغير الآن تمامًا، أنظر إلى ما يحدث في الغرب، حيث يتحدث العلماء بطلاقة وكل غرور، وتراجع الأدباء بشدة.

4- إن حروب العلم كشفت على أنها تمثل سلسلة من المعارك الفكرية التي حدثت في عام 1990م بين أنصار الواقعية العلمية وأنصار ما بعد الحداثة ؛ حيث كان الجدال حول طبيعة النظرية العلمية. فقد تساءل دعاة ما بعد الحداثة عن الموضوعية العلمية ؛ حيث أجريت انتقادات على نطاق واسع للمنهج العلمي والمعرفة العلمية، وذلك عبر سلسلة من التخصصات، مثل الدراسات الثقافية، والأنثروبولوجيا الثقافية، والدراسات الأنثوية، والأدب المقارن، والدراسات الإعلامية، ودراسات العلوم والتكنولوجيا.

5- إن حروب العلم التي نشبت بفعل فلسفة ما بعد الحداثة داخل أقسام الإنسانيات فى الجامعات الأمريكية في أواخر القرن العشرين كانت ناتجة عن اتجاه “ما بعد البنيوية” – Post-structuralism ذلك الاتجاه الذي شنا هجوماً عنيفاً على صحة العلم، ولقد نجح سوكال بخدعته المشهورة على إحراجهم.

6- إذا كانت فلسفة العلم بفضل الوضعيين المناطقة وكارل بوبر، قد انصبت كل مجهوداتها في التركيز على أهمية وقيمة المنهج العلمي والمعرفة الموضوعية، إلا أنها مع توماس كون وفييرأبند سارت في اتجاه آخر يحث على مزيد من الاهتمام بالبحث السوسيولوجي حول العلم، وينادي باستحالة الوصول إلي معرفة موضوعية تماما عن العالم المادي. وإنما تقوم معرفتنا للعالم نتيجة تدخلنا فيه بقدراتنا العقلية وآلاتنا ومقاييسنا وفروضنا المسبقة ؛ علاوة على أن معرفتنا عبارة عن تركيب عقلي تلعب فيه الذات دوراً أساسياً، وليست معرفتنا مطابقة موضوعية للوقائع.

7- إن حروب العلم التي شنها سوكال ضد أنصار ما بعد الحداثة الفرنسيين كشفت على تلك الحروب ليس الهدف منها فقط سوء استخدام اللغة بقدر ما هي حروب ثقافات.

8- إن الباعث الذي حدا بسوكال إلي أن يكتب بحثاً عن ميكانيكا الكوانتم بأسلوب ما بعد الحداثة المتغطرس والمسيس، كان الهدف منه هو إحراج دعاة النسبوية المتطرفة، بوصفها خطراً يهدد وجود العلم ذاته، واختبار مدى جدية وصرامة المنتسبين إلى ’’ما بعد الحداثة‘‘.

9- أوضحت خدعة سوكال أن إصرار فلاسفة ما بعد الحداثة على أنهم مؤهلون للحديث عن موضوعات صعبة، تأسيساً على قراءات لكتب شعبية رائجة، من شأنه أن يجعل العلماء يحجمون عن أخذهم مأخذاً جاداً.

10- لقد كشفت خدعة آلان سوكال عن أهمية النظرة الفيتجنشتينية التي تعول على أننا نكتشف اللغة من خلال استعمالها في مختلف مجالات النشاط الإنساني في حياتنا اليومية، كما كشفت الخدعة أيضاً الدعوة إلي مطالبة العقل بالتريث، وأن الجهل باللغة وسوء استخدامها هو المسئول عن الإخفاق العقلي والفوضي الروحية التي سادت التفكير الغربي.

11- إن خدعة ألان سوكال فضحت دعوة أنصار ما بعد الحداثة القائلين بأن العلم يمثل منتج ثقافي مثل المنتوجات الثقافية الأخرى ؛ وليس، في أي من أحكامه، أصدق من صدق موسيقى موتسارت مثلا”. فلا يوجد أي مقياس لفرز عبارات العلم وتمييزها عن الخطاب العادي.

12- إن سوكال أراد من خدعته أن يوصل رسالة لجميع أنصار العلوم الإنسانية الذين أجبروه على أن يشعل حروب العلم ضدهم وهي أن العلم مختلف عن الأنشطة الفكرية الأخري، لأنه يعتمد على حكم منزه للأفكار الطبيعية ذاتها. فالنسبة إلي رجل العلم، بمجرد أن تنطق التجربة، ينتهي النقاش. وهذا الجانب تحديداً من العلم هو ما يهاجمه فكر ما بعد الحداثة.

13- كشفت لنا خدعة سوكال على أن العلماء يشكلون- فيما بينهم – مجتمعهم الخاص بهم، وأن هناك قيود داخلية على البحوث داخل كل مبحث علمي، وهي قيود ليست لها علاقة كبيرة بمتطلبات العلم ذاته، ففي الحياة العلمية يمكن لصحيفة مهمة بأن تكون مضطرة إلي تغيير سياستها في مواجهة معلومات كاسحة ؛ حيث أن المحررين هم في نهاية الأمر علماء، وأنهم مثل جميع العلماء سيقبلون عملياً، ولو على مضض حكم رجل العلم الطبيعي.

14- إن هناك سبب رئيسي جعل سوكال يشعل بخدعته حروب العلم ضد مفكري ما بعد الحداثة، وهو أن هؤلاء المفكرون استسلموا في فور حماستهم لفكرة أن العلم، شأنه شأن النقد الأدبي، تحكمي وذاتي، وبذلك فإنهم عملياً عمدوا بذلك إلي توسيع الهوة بين الثقافة العلمية والثقافة الأدبية من دون ضرورة.

15- أظهرت لنا خدعة سوكال أن الهوة الراهنة بين العلوم والانسانيات كان سببها المفكرين الإنسانيين الذين تبنوا فكر ما بعد الحداثة، وذلك لإيمانهم الشديد بأن إحدى الأفكار الأساسية في النقد الأدبي بعد الحداثي هي ” أن لاشئ خارج النص “. ومعني هذا في تصور سوكال أنهم يؤمنون بأن الأسلوب الصواب لتحليل أي رأي هو النظر فقط إلي ما هو مسطور عن هذا الرأي، وأن ما يحدث هذا بخاصة بغية الكشف عن الانحيازات والأهواء التي يخفيها المؤلف ويسكت عنها. ولكن سوكال وغيره من العلماء يرون أن السبيل لاختيار أحكام ما هو إجراء التجارب لاستبيان صدقها من عدمه.

16- بينت لنا خدعة سوكال أن حروب العلم تأججت بفعل السيطرة الاجتماعية على العلم ؛ حيث أن ثمة مكوناً اجتماعيا في العلم، وأن العمليات الاجتماعية والسياسية يمكن أن تؤدي إلي تسريع أو إبطاء تقدم مجال معين من مجالات العلم.

17- كشف لنا سوكال في كتابه ” الدجل الفكري ” أن ما يكتبه كتاب ما بعد الحداثة عن موضوعات مثل ” النسبية أو ميكانيكا الكوانتم يظهر له أن هؤلاء المؤلفين يعرفون بعضاً من الكلمات الطنانة الرائجة التي تتضمنها هذه المجالات، ولكنهم على – ما يبدو – لا يمتلكون ناصيتها، علاوة على أن الكلمات العلمية الواردة في كتاباتهم هي كلمات وعبارات رائجة وليست من أساسيات العلم.

18- إن ورقة بحث سوكال لم يكن الهدف منها فقط تقليد المفكرين الكبار في كتاباتهم الفكرية وتنميقاتهم الاصطلاحية واستدلالاتهم بمفكرين آخرين، على طريقة عدد من المفكرين الفرنسيين وبعض علماء الاجتماع في الولايات المتحدة ؛ بل تنطلق من الدعوة إلي الفكر الحقيقي الذي يساهم المفكر من خلاله في البناء الإنساني العام، ويدعو إلى فضح “الموضات الفكرية” التي يصبح فيها الكتّاب والمفكرون مثل الببغاوات يرددون كلاماً غير مفهوم، أو غير قائم على أساس سليم من المعلومات العلمية.

19- إن الحيلة التي لجأ إليه آلان سوكال في ورقة بحثه عن ميكانيكا الكم، تذكرنا بنفس الحيلة التي لجأ إليها ” الأصمعي ” الشاعر العربي في قصيدته المشهورة ” صوت صفير البلبل هيج قلبي الثمل ” في تراثنا العربي الإسلامي مع اختلاف التوجهات.

 الهوامش

1)) أنظر تفاصيل هذا المقال بجريدة الشرق الأوسط، العدد6887، في6 /10/1997م

2)) أنظر تفاصيل هذا المقال: –

Campbell، C.: “Deconstruction and all that، from Yale’s Critical Jungle” Herald Tribune 14-2-1986.

3)) جيمس تريفل: لماذا العلم، ترجمة شوقي جلال، عالم المعرفة، عدد 372- فيراير – 2010،، ص 86.

(4) William Rehg: Cogent Science in Context: The Science Wars , Argumentation theory , and Habbermas , The MIT Press Cambridge ,Massachusetts London, England ,2009,P.2-3.

 (5) Andrew Ross (Editor): Science Wars , Duke University Press ,Durham and London ,1996,P.2-4.[1]).

 (6) William Rehg: Cogent Science in Context: The Science Wars , Argumentation theory , and Habbermas , The MIT Press Cambridge ,Massachusetts London, England ,2009,P.2-3

 (*) آلان سوكال: ولد عام 1955م وهو من أصل إنجليزي، ويعيش في الولايات المتحدة الأمريكية بولاية نيكارجوا، حصل على البكاليوريوس في الرياضيات من جامعة من كلية هارفارد سنة 1976، ودرجة الدكتوراه من جامعة برنستون سنة 1981م. وهو يعمل حالياً أستاذا للفيزياء الرياضية بجامعة نيويورك، ومن أعماله كتاب له بعنوان: اللغو الرائج: عبث المفكرين ما بعد الحداثيين بالعلم، بالاشتراك مع جين بريكمونت Jean Bricmont (وهو أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة لاوفين في بلجيكا) علاوة على العديد من المقالات المنشورة في فلسفة العلم. “

7)) جيمس تريفل: لماذا العلم، ص 92..

(8) Fish, S. (1996). “Professor Sokal’s bad joke.” The New York Times, (May 21): A23.

9)) خليد كدري: مدخل إلى نظرية العلم عند بول فيرباند، مقال منشور ضمن مجلة الأوان الكويتية، السبت، الثاني من نيسان (أبريل) 2011.

10)) أنظر: اتجاهات في المجتمع: أمُواجَهَة بين العلم واللاعلم!؟، ترجمة د. احمد مستجير، مراجعة عدنان الحموي، مقال منشور ضمن مجلة العلوم التي تصدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي،،  عدد مارس، 1997، ص 1-2.

11)) جورج أ.لندبرغ: هل ينقذنا العلم، ترجمة أمين أحمد الشريف، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر، بيروت – نيويورك، 1963، ص 108.

12)) نفس المرجع، ص 107.

13)) د. رمسيس عوض: س. ب. سنو والثورة العلمية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1981، ص 80.

(14) نفس المرجع، ص 80.

15) ) نفس المرجع، ص 80-81.

16)) سي. بي. سنو: الثقافتان، تقديم ستيفان كوليني، ترجمة وتقديم مصطفي إبراهيم فهمي، ط1، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2010، ص 85-86.

17 )) نفس المرجع، ص 86.

(18) نفس المرجع، ص 89.

19)) نفس المرجع، ص 94؛ وأنظر أيضاً: د. رمسيس عوض: نفس المرجع، ص 80-81.

20)) سي. بي. سنو: المرجع السابق، ص 94.

 (21) نفس المرجع، ص 86.

(22) نفس المرجع، ص 86-87.

23)) جيمس تريفل: مرجع سابق، ص 86.

(24) Best ,S & Kellner,D: Postmdernism Theory: Critical Interrogation ,1991, P. 35.

25)) آلان شالمر: نظريات العلم، ترجمة الحسين سحبان وفؤاد الصفا، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، 1991، ص 25.

26)) كارل بوبر: منطق الكشف العلمي، ترجمة د. ماهر عبد القادر، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1986، ص 81-82.

27)) عصام محمود بيومي مصطفي: ابستمولوجيا التقدم العلمي عند توماس كون، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة عين شمس، القاهرة، 1996، ص ص26-27.

28)) يري لاكاتوش أن الموضوعية لها معنيان في ميثودولوجيا برامج الأبحاث لديه: أحدهما: ملاحظة إمكانية الاختبار وقابلية التكذيب للفروض المساعدة والشروط الأولية: “الاعتماد على الشواهد واعتبارها ملاكاً للحكم على القضايا”، ومن هذه الجهة تكون الموضوعية بمعنى “إمكان الحكم للعموم والتجرد من القيم و الأيديولوجيا؛ وذلك أنه عندما يتسنى لأي كان اختبار الفرضية وتقييمها يصل إمكان تدخل الأيديولوجيا إلى الحد الأدنى. والوجه الآخر: أن النواة الصلبة والفروض الأساسية لا يمكن الحكم عليها إلا بواسطة معايير كالانسجام والبساطة، وهذا رهين كما هو واضح للتقديرات والعناصر غير التجريبية. والموضوعية بمعنى المطابقة للواقع، سوف تزول وتمهد الطريق أمام الأحكام القيمية والأيديولوجية. إلا إذا قيل: إن إعمال هذه المعايير ليس أقل دقة وأهمية من إعمال معيار قابلية التجريب؛ وذلك لأنه رغم شخصانية هذه المعايير إلى حد ما، إلا أن لها حقيقة في عالم الواقع وليست مجرد اعتبار شخصي محض، وبذلك يمكن الاستفادة منهما في النظرية أو عليها.

 أنظر تفاصيل ذلك، آلان شالمر: نظريات العلم، ص 122 – 124، ص125-126.

29)) عصام محمود بيومي مصطفي: مرجع سابق، ص 131.

(30) Kuhn , T.S.: Logic Of Discovery or Psychology of Research ? , In: Criticism and The Growth of Knowledge , eds.1.Lakatos and A. Musgrave , Cambridge University Press. ,1970, P.11.

31)) د. خالد قطب: العقلانية العلمية: دراسة فى فلسفة بول كارل فييرآبند، رسالة ماجستير غير منشورة، آداب القاهرة، 1996، ص 204-205.

(32) نفس المرجع، ص 83-84.

(33) د. محمد أحمد السيد: نسبية المعرفة العلمية عند بول فيرابند، بحث منشور ضمن كتاب ثلاث محاورات في المعرفة لبول فيرابند، ترجمة د.محمد أحمد السيد، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1997، ص 27.

34)) د. سالم يفوت: المناحي الجديدة للفكر الفلسفي،،  دارالطليعة، بيروت، 1999،، ص90.

35)) ريتشار دوكنز: العلم والحقيقة – تأملات عن الأمل والأكاذيب والعلم والحب، ترجمة مصطفي إبراهيم فهمي، مطبوعات المجلس الأعلي للثقافة، القاهرة، 2005، ص 21.

36)) نفس المرجع، ص 22.

 (37) Paul R. Gross and Norman Levitt, Higher Superstition: The Academic Left and Its Quarrels With Science (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1994 ,PP.12-14.

(38) Ibid ,PP.33-35.

39) ) د. أحمد شوقي: إلا العلم يا مولاي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2004، ص 20.

(40) Nick Jardine and Marina Frasca-Spada: Splendours and Miseries of the Science Wars , Stud. Hist. Phil. Sci., Vol. 28, No. 2, 219-235, 1997 pp. 291-220.

(41) كارل ساجان: عالم تسكنه الشياطين – الفكر العلمي في مواجهة الدجل والخرافة، ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولي، القاهرة، 2006، ص 17-19.

42)) أنظر: اتجاهات في المجتمع: أمُواجَهَة بين العلم واللاعلم!؟، ص11.

43)) ريتشار دوكنز: العلم والحقيقة – تأملات عن الأمل والأكاذيب والعلم والحب، ص 99-100.

44)) جيمس تريفل: لماذا العلم، ص 91-92.

(45) نفس المرجع، ص 91.

(46) Sokal,A,‘Transgressing the boundaries: towards a transformative hermeneutics of quantum gravity’, Social Text, 1996, 46/47, P.217.

(47) Ibid, P.217.

(48) Ibid ,P.218.

(49) Ibid ,P.218.

(50) Ibid ,PP.218-220

(51) Ibid ,PP.218-220.

(52) Ibid ,PP.220-222.

(53) Ibid ,PP.222-224.

(54) Ibid ,PP.224-226.

(55) Ibid ,PP.226-231.

56)) ريتشار دوكنز: العلم والحقيقة – تأملات عن الأمل والأكاذيب والعلم والحب، ص 99-100.

(57) Sokal: op, cit ,PP.221-222.

(58) Steven Weinberg: Sokal`s Hoax , The New York Review of Books , Volume XLIII,No.13, August 8, 1996,PP.12.

(59) Ibid , P.12.

(60) Sokal: op , cit ,P.224.

(61) Ibid ,P.227.

(62) Ibid ,P.229.

 (63) ريتشار دوكنز: العلم والحقيقة، ص 98-99.

(64) نفس المرجع، ص 99.

(65) Alan sokal: A Physicist Experiments with Cultural Studies، Lingua Franca، May/June 1996، pp. 62.

(66) Ibid ,P.63.

(67) Ibid ,P.63.

(68) Ibid ,P.63.

(69) Ibid ,P.62.

(70) Ibid,P.62.

(71) Ibid,P.62.

(72) Ibid ,P.63.

73)) نفسه، ص 91.

(74) Alan sokal: A Physicist Experiments with Cultural Studies, pp. 64.

75)) ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: –

(- John Omicinski`s ” Hoax Article Yanks Academics` Legs, Gannett News service, 22June 1996.

– Liz McMillen`s ” The Science Wars: Scholars Who Study the lab say Their Work Has Been Distorted”, in The Chronicle of Higher Education , June 28,1996.

– Bruce Robbins: co-Editor Social Text, in Tukkun,15July 1996.

-Dorothy Nelkin: The Science Wars:What isat Stake?, Chronicle of Higher Education, July 26,1996.

-Jay Rosen:Swallow Hard:What Social Text Should Have Done,in Tikkun magazine ,Sept.1996.

(76) Jennifer daryl Slack and M.Mehdi Semati: Intellectual and Political Hygiene: The “Sokal Affair” , Critical Studies Mass Communication,Vol.14No.3,Sept.1997,P.202.

(77) Steven Weinberg: Sokal`s Hoax ,P.11.

(78) See Physics Today January 1997,P.61,and March 1997,P.73.

(79) Erich Eichman: The end of the affair , the New Criterion December ,1996.

(80) Alan Sokal , Jean Bricmont: Fashionable Nonsense: Postmodern Intellectuals’ Abuse of Science, , U.S.A. 1988 ,P.1.

(81) Ibid,P.2.

(82) Ibid,P.3-4.

 

، ص 92. ريتشار دوكنز: العلم والحقيقة (83)

(84) Ibid,P. 157-158.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنز لكتاب دجالون مثقفون ضمن كتابه: العلم والحقيقة – تأملات عن الأمل والأكاذيب والعلم والحب، ص 91.

(85) Ibid ,P. 159-161.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنز لكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 92.

(86)Ibid ,P. 162-163.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنز لكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 93-94.

(87)Ibid ,P. 166-167.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنز لكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 94. 

(88) Ibid ,P. 19-20.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنزلكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 92.

(89) Ibid ,P. 22-23.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنزلكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 95.

(90) Ibid , P. 107-125.

 (91)أنظر: عرض ريتشار دوكنز لكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 95.

92)) نفس المرجع، ص 96.

(93) op.cit, P. 111-113.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنزلكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 96. 

(94) Ibid ,PP. 127-129.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنزلكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 97.

(95)Ibid,PP. 149-151.

وأنظر أيضاً: عرض ريتشار دوكنزلكتاب دجالون مثقفون، نفس المرجع، ص 97-98.

 )96) Alan sokal: Pseudoscience and Postmodernism: Antagonists or Fellow-Travelers? , in Archaeological Fantasies: How Pseudoarchaeology Misrepresents the Past and Misleads the Public, edited by Garrett G. Fagan (Routledge, 2006), pp. 286.

(97) Ibid ,P.286.

(98) Ibid ,P.287.

(99) Karal Popper: Realism and the aim of Science , Great Britain , Gwild ford and King`s Lynn, 1983, P.174-175.

(100)Alan Sokal: Pseudoscience and Postmodernism: ,P.287.

(101) Ibid, P.288.

(102) Ibid ,P.289.

(103) Ibid,P.290.

(104) Ibid ,P.291.

 

 

 

 

 

مقالات أخرى

ماجد الغرباوي : سلطة الفقيه والتشريع وفق منهج مقتضيات الحكمة

بيداغوجيا البرهان في فضاء الثورة الرقمية

ثوابت العدوان في العقيدة الصهيونية

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد