في كل حديث عن السلفية وعن التشدد وعن الوهابية وعن الوهبنة أو عن أي مصطلح رديف لهذه المصطلحات الشائعة في دراسة الإسلام السياسي والظاهرة الإسلامية ،فان النظر يتوجه رأسا إلى استدعاء بلدين يعدان من أهم الدول العربية الإسلامية وأكثرها تأثيرا ،المملكة السعودية ومصر ،ليس فقط لان هاتين الدولتين تعدان في طليعة الدول الإسلامية المقاومة للتشدد وللغلو وللتطرف الديني وإنما لأنهما تمتلكان رأسمالا رمزيا في الإسلام وعنه يقل نظيره عن سائر الدول الأخرى مثلما أنّ سياسات هذين البلدين تتجه إلى مقاومة كل أشكال التطرف الذي لن يجد ملاذا آمنا لا في ثقافتها ولا فوق أرضها وترابها …ومع ذلك شهدت أوساط من المجتمعات في السعودية ومصر تجارب في الخطاب والفكر السلفيين بما يجعل أي خطاب سلفي ما هو إلا محاكاة واستنساخ لتلك التجارب ،استنساخ على مستوى الفكر والأدبيات وعلى مستوى نمط الحراك السياسي الذي يشد السلفيين فيما بينهم خاصة إذا ما انتظموا في أحزاب وفي جماعات تكون في الأغلب محظورة وسرية ومعادية للسلطة ،أو تحركوا تحت أنظار السلطة القائمة بدعوى تعزيز القيم الإسلامية ومكافحة ظواهر التغريب وحمل الناس على العودة إلى الينابيع الأولى للدعوة الإسلامية ومحاكاة أفعال الصحابة وأقوالهم .
وقبل البدء بالحديث عن السلفية والنص الروائي لابأس – على الصعيد المنهجى – أن نقدم التعريفات اللازمة لمفهوم السلفية بما يفيدنا في دراسة تمظهراتها لدى الأديب الروائي وعالم الاجتماع السعودي البارز تركي الحمد (1) .ويعرف الباحث المغربي سمير امغار السلفية بأنها ” ارتودكسية دينية تدعو عبر حراك معقد وغير متجانس إلى … استعادة الفضائل المحررة القادرة على إعادة العلاقة مع العصر الذهبي للإسلام .ولدى البعض فان للسلفية روابط مباشرة مع المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة السعودية وهي الوهابية ” (2)
وفي المقام ذاته يذكر هذا الباحث المغربي الذي يدرس في الجامعات الأوربية أن السلفية أنواع “من السلفية الدعوية الموسومة بقدر كبير من المحافظة الاجتماعية والتي تقتصر مهمتها على مسالة التكوين الديني ،إلى السلفية الجهادية …وأيا كان الاختلاف فيما بينها فان عقيدتها في الأصل واحدة وهي العودة بالدين الإسلامي والمسلمين إلى السلف الصالح بما يسمح للأمة الإسلامية – في تقديرها – باستعادة المجد الكبير للعصر الإسلامي الأول “(3)
وللمفكر الفرنسي فرنسوا بورجا قول في التمييز الاصطلاحي للسلفية عن غيرها من المصطلحات ففي تقدير هذا المستشرق الذي أمضى ردحا من الزمن في مصر في الثمانينات يجب التمييز بين مفهومين :التقليديون والأصوليون “. فالتقليديون لا يؤسسون مشروعا سياسيا – على النقيض من الإسلام السياسي – لأنهم يميلون إلى كل ما هو محافظ “(4) فيما الأصوليون “هم من أنصار العودة إلى الآيات القرآنية والى السنة النبوية لكي يستمدوا منها الإطار المرجعي الأخلاقي والاجتماعي والسياسي للنهضة الإسلامية (5) ويعتبر هذا المستشرق الفرنسي إن ” جميع المنتسبين إلى تيار الإسلام السياسي أصوليين ” (6) .
يبدو واضحا إن فرنسوا بورجا يقيم ترادفا بين ” الأصولية ” و بين ” السلفية ” وأيا كانت المصطلحات فنحن نرى أن السلفية هي ايديولوجيا متكاملة تنظر إلى الواقع والى الفكر بحسب المرجعية الإسلامية التي لا تعلو عليها و لا تتجاور معها أية مرجعية أخرى .
هل يولد الناس سلفيين وأصوليين ؟ أم أن البيئة هي التي تدفعهم إلى أن يكونوا سلفيين ،والعرف هو الذي يؤجج فيهم نوازع الغلو والتشدد بدل من أن يقوي فيهم نوازع الاعتدال والوسطية ؟ ثم ما هو المصطلح المضاد للسلفية ؟ الليبرالية ؟ الوسطية ؟ الإسلام ؟
تركي الحمد :الرواية تجربة ذاتية لفهم الواقع السعودي
هذه هي الأسئلة التي ترافقنا ونحن نقرا الأدب الروائي للكاتب السعودي الكبير تركي الحمد ففي أعماله الروائية ” أطياف الأزقة المهجورة ” والتي شملت ثلاثية وهي الشميسي / الكراديب / العدامة …فضلا عن رواية جروح الذاكرة نقف على كاتب روائي يرصد بعين الروائي وبعقل عالم الاجتماع وبوعي استشرافي مستقبلي التحولات الفكرية والاجتماعية التي عصفت بالمجتمع السعودي في الحقبة التي تزامنت مع الطفرة النفطية أي من الستينيات إلى ما بعد الثمانينات ،ففي هذه الحقبة التي أمست فيها السعودية قوة نفطية واستراتيجية عالمية نشأ النموذج السلفي في الشخصية السعودية وخرج من ظهراني شرائحه الاجتماعية المختلفة التي كانت قبل بروزه تنعم بمجتمع يسوده السلام الاجتماعي والمعنوي وينعم باستقرار بين مختلف طوائفه .ظهر نموذج سلفي مختلف كان في البدء في موقع هامشي من المجتمع الذي لم يعره أي انتباه أو اهتمام على اعتبار أن الجميع كانوا محافظين وتقليديين (بحسب توصيف فرانسوا بورجا ) وظهر ذلك في رواية ” الشميسي ” ثم يصبح هذا النموذج أكثر حضورا وأضحت دعوته إلى الإسلام الأول دعوة ملزمة ليست لنفسه فحسب وإنما لأهله وأسرته ومجتمعه ،ثم يغدو هذا النموذج في قلب المجتمع السعودي فارضا أحكامه الأصولية ومنتسبا إلى ما سيطلق عليه “بالصحوة الإسلامية ” التي أصبح لها دعاة وزعماء ايمة من خارج الطبقة السياسية في السعودية ولكن من صميم الشرائح الاجتماعية وقد تجلى هذا النموذج بوضوح وبكل عنفوانه وقوته وخطورته على المجتمع السعودي والعربي في آخر رواية كتبها تركي الحمد وهي ” الطريق إلى الجنة ” وقد كتبها من وحي أحداث 11 سبتمبر والتي شهدت مشاركة حوالي خمسة عشر شابا سعوديا انتحاريا في تلك الهجمات الشهيرة .
إذن يتبع الرسم البياني لحضور الشخصية السلفية في تلك الروايات نسقا تصاعديا ،من الغياب الكامل في رواية “العدامة ” حيث لا حضور لها لا في الواقع ولا في الأدب إلى الحضور المتصاعد ،من الهامش إلى المركز ،ومن الحاشية إلى المتن بحيث ستغدو فاعلا محوريا ترافق حضوره مع الدعوة بالكلمة في “الشميسي” ومع قدر من العنف في أخر هذه الرواية وفي” جروح الذاكرة” وأخيرا مع عنف ضد الدولة وضد الآخر في ” الطريق إلى الجنة ” حيث لم يعد الاكتفاء بالتوجه إلى افغانستان من اجل الجهاد المزعوم وإنما أصبح التخطيط إلى محاربة العالم هو الهاجس الذي يحكم شبابا بعضهم من النخب العليا للمجتمع السعودي .
في رواية ” الطريق إلى الجنة ” يبدو جليا وكأنّ المجتمع السعودي يدفع غاليا ثمن التغاضي عن نشأة وازدهار النموذج السلفي فنحن أمام شباب سعوديين من مستويات عالية في التكوين العلمي والتحصيل الأكاديمي وينتسبون إلى اسر كريمة في نجد والحجاز والأقاليم الجنوبية للمملكة السعودية ولكنهم شباب وقعت ادلجتهم في أكثر المواطن رخاوة ونعومة ،في دينهم ومعتقدهم فالصمت على النموذج السلفي /الوهابي في السبعينيات هو الذي أفضى إلى كوارث مست المجتمع السعودي وأظهرته كما لو كان هو بيئة حاضنة لكل صيغ التطرف والتشدد وبيئة نابذة لكل صور العقل والتنوير .
إن قراءتنا لأدب تركي الحمد لابد وان تنطلق من كتابه “شرق الوادي ” والذي يتشكل من بنيتين :بنية الكتاب التاريخي الذي يرصد التكوينات الأولى لنشأة التشدد السلفي في نجد ،وبنية الكتاب الروائي الذي يبدو فيه الراوي مأخوذا بشخصية غامضة يمضي في البحث عنها وتفكيك أسرارها حيثما نزلت واستوطنت ،إنها شخصية سميح الذاهل والتي هي شخصية مبتدعة ومتخيلة على نقيض الشخصيات الأخرى الواردة في المادة التاريخية للكتاب نفسه.
الوصف باعتباره مادة خطابية
في هذه المادة التاريخية ل “شرق الوادي ” نقف على بحث اركيولوجي في نشأة العنف العقائدي في القرن 18 و 19 في الجزيرة العربية ويحشد الكاتب أسماء أعلام ممن نشئوا مع الدعوة الوهابية .وأول ما يثير الانتباه هو الوصف لدعاة هذه الدعوة ة وانتقاء الكاتب لنعوت بعينها ،جسدية أو نفسية للتعبير عن هؤلاء الرجال الذين لم يكن لهم شان يذكر في بداية الأمر ولكن مع الزمن اكتسح حضورهم المشهد الاجتماعي والقبلي في نجد والحجاز .ويقول عنهم الراوي ” إنهم من أهل نجد …وجلافة أهل نجد تبقى غير قابلة للتغيير …وجلافة أهل القصيم الأشد في كل نجد “(6) وضمن هذه الصفات وبالانسجام معها ظهرت الحركة الوهابية في منطقة عسير على يد محمد بن عبدالوهاب باعتبارها التعبير الأقصى والأحدث عن السلفية التي كانت نظاما اجتماعيا وبيئة مجتمعية بدوية شديدة المحافظة في ذلك الفضاء الجغرافي المغلق بالحدود القاسية للصحراء .
هذه النعوت والصفات بالغلظة والشدة هي ذاتها التي ستتكرر بعد مئتي عام من تأسيس العقيدة الوهابية ففي وصفه للشخصيات المتأثرة بهذا الفكر وهذه العقيدة يستخدم الراوي صفات في وصف شخصية عدنان الذي أضحى وهابيا ويقول عنه “كان عدنان العلي بذات الوجه الباهت الأشبه بالمومياء “(7)،وفي مقام آخر تلاحظ الشخصية الرئيسية وهي هشام العابر في رواية الشميسي الحضور المكثف للدعاة الجدد وإتباع المذهب الوهابي “أكثر ما اثأر استغراب هشام أنهم لا يبتسمون أبدا ” (8)وغير ذلك من الصفات الوظيفية الدالة على نمط من الشخصيات التي انتقلت من الانتماء السلفي الذي هو قاسم مشترك بين اغلب السعوديين إلى الانتماء الوهابي الذي يقدم نفسه باعتباره الوجه الأصح عن الإسلام .
هذه الوصف الدقيق للشخصيات الأصولية نجده أيضا في أدب نجيب محفوظ الذي لم يفته عبوسها ولا تجهمها ويقول في هذا الشأن بمناسبة لقائه بسيد قطب سنة 1964 “تحدثنا في الأدب ومشاكله ثم تطرق الحديث إلى الدين والمرأة والحياة وكانت المرة الأولى التي المس فيها بعمق مدى التغيير الكبير الذي طرا على شخصية سيد قطب وأفكاره …لقد رأيت إنسانا أخر …حاد الفكر …متطرف الرأي ،يرى أن المجتمع عاد إلى الجاهلية الأولى وانه مجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقا من فكرة الحاكمية “.
يبدو أن كل الاصوليين هم صورة عن سيد قطب فهذه الطبائع الخشنة والصفات الغليظة والسحنة المتجهمة هي مقدمة لتشدد محتوم أضحت آياته أكثر مرئية مع الزمن ومع السلوك الجهادي /العدواني الذي مارسه الوهابيون القدامى والوهابيون الجدد إزاء الآخر وإزاء المرأة وإزاء كل أشكال الفكر والفن .إننا إذن أمام بنية نفسية أكثر من كوننا أمام بنية لسانية وسرد لغوي فالأديب الروائي تركي الحمد يفسر الراديكالية التي أضحت تتسيد المشهد السعودي بدءا من أواخر السبعينات (وخاصة بعد حادثة اقتحام جهيمان العتيبي وجماعته الحرم المكي والمفاعيل الاجتماعية التي تولدت عن ذلك ) بتلك الراديكالية التي رافقت نشأة الوهابية “ذات يوم من سنة 1775 في قرية العيينة بين رجلين غير مهمين في ذلك العصر ،بين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود “(9) .
الوصف وظيفي لأبعد الحدود في رواية “شرق الوادي ” إذ أن تركي الحمد يعي بأنه يصف نماذج من الشخصيات غير المألوفة في المجتمع السعودي ،شخصيات تبدو وكأنها قد أقحمت إقحاما في نسيجه الاجتماعي والأسري ومع هذا الوصف يبدو من المحتوم على القارئ أن يفتح خريطة المملكة السعودية ليقف على طبيعة الفضاء الجغرافي لنجد وعسير بما ييسر فهم طبائع الشخصيات التاريخية الحقيقية في زمن نشأة الوهابية ،وفهم طبائع الشخصيات المتخيلة والتي تعكس شريحة من الشباب السعودي الذي افتتن بهذه الدعوة الوهابية وأعاد إحياءها وعمد إلى نشرها باعتبارها – كما أسلفنا القول – دينا بديلا عن الإسلام السائد والمتداول .
إن المؤكد لدينا أنّ الجغرافيا تؤثر على طبائع البشر فعادة ما يكون سكان الهضاب والمناطق المطلة على البحر والمشاطئة للأنهار على قدر معلوم من اللين واللطف فيما كان المقيمون في الصحارى والجبال والمناطق الوعرة على قدر كبير من الجلافة والغلظة والتوحش وهذا ما نلمسه بوضوح في رواية “شرق الوادي ” إذ يعمد الأديب الروائي تركي الحمد إلى سرد المادة التاريخية المتصلة بنشأة الوهابية ونموها في عصرها الأول وقوامها العنف والغلظة من عناصرها واتباعها إزاء كل من خالفوهم في الرأي سواء في مسائل الحكم والإمامة أو حتى في مسائل بسيطة وتافهة ويقول على سبيل المثال “ابو عثمان هو من ذبح عبدالعزيز الرشيد صنديد نجد ” فالذبح والاغتيال وسبي النساء هي من الممارسات التي خلقها الوهابيون ووجدوا لها مسوغات شرعية في كتب من بطون التراث الفقهي وأشاعوا دعوتهم تلك في نجد وبسبب هذه الدموية التكوينية في العقيدة الوهابية لم تلق الوهابية صدى وتفاعلا مع المناطق المطلة على البحر مثل منطقة قصيم “إذ كان معظم بلاد القصيم ضد الدعوة الوهابية “(11) فيما شهدت الدعوة الوهابية تمددا في نجد والمناطق المحاذية لها وكان ذلك إيذانا بظهور دين جديد يدعي أصحابه أن دعوته قائمة على محاكاة عصر النبوة في كل شيء بدء من الطقوس الشعائرية للدفن إلى الدخول او الخروج في الفضاء الخاص واتضح أنها دعوة سلفية بالتأكيد ولكن ما تتميز به عن السلفية التقليدية أو الشعبية هو في لجوءها إلى العنف الدموي لحمل الناس على اعتناق مذهبها تحت مسمى الجهاد ولجوءها أيضا إلى آلية أخرى هي آلية التكفير وغير ذلك من السلطات التي ابتكرتها بوحي من فهمهما المخصوص للقرآن والسنة ،وهو فهم لا حضور فيه إطلاقا لفهم آخر .
إن هذا التشدد وهذه الغلظة في الطباع والسجايا لم تكن وقفا على الجماعات الوهابية المحيطة والمقربة من الأب المؤسس محمد بن عبدالوهاب بل إن هذه الأخلاق قد تسربت إلى أكثر مفاصل المجتمع رخاوة ولينا ،الى حلقات المساجد والتعليم والى التعليم الديني بوجه خاص والى ” الراقي الشرعي ” والى اغلب الوظائف التي يتطلبها المجتمع أو تلك التي تقتضي احتكاكا وتواصلا بين الإتباع الوهابيين وبين الناس فبعد أن هدأت الأمور السياسية واستقرت الأوضاع للملك عبدالعزيز بن سعود بوصفه موحدا للجزيرة العربية غدت الوهابية بدءا من الخمسينات قوة ناعمة متغلغلة في مفاصل المجتمع السعودي ففي عمليات تعلم القرآن يصف لنا الأديب الروائي تركي الحمد نموذج المؤدب الذين كانوا يتولون تعليم الأطفال القرآن ويقول عن احدهم “كان الأستاذ عبدالسلام الفقعاوي شديدا على التلاميذ …كانت هذه الخيزرانة تنهال بعنف على أجسادهم الطرية عندما يتلعثمون في قراءة آية او لا يطبقون مبادئ التجويد في القراءة “(12)فيما أصبحت حصص تلاوة القرآن لدى هذا الشيخ حصصا للتعذيب البدني ضد الطفولة ويقول الراوي “وانهالت الخيزرانة بوحشية وشدة وسط صراخ عنان وشتائم الأستاذ الذي كان البصاق يتطاير من فيه وهو يردد :يا عيال الحرام …في حصة القرآن …في حصة كلام الله …إذا ما عرف أهلكم يربونكم ،انأ أربيكم …انا أربيكم …”(13)
وفي أثناء مرض لطيفة وهي زوجة صالح رجل الأعمال في رواية “جروح الذاكرة ” يستدعى الراقي الشرعي الذي يحدد مرضها بدقة ووضوح في “أنها مصابة بالحسد وأنها مصابة بعين غير مقرونة بجن ” (14) ثم بعد توصيف المرض النفسي على هذا النحو الذي يأباه أي عقل يستطرد هذا الراقي قائلا للزوج وللزوجة والأسرة برمتها “وياليتكم تلتزمون بالأخلاق الإسلامية فلا تسمعون الغناء أو تشاهدون أفلام التلفاز وتتخلصوا من الصور والتماثيل والحيوانات النجسة التي قد تكون في المنزل “(15)فهذا البعد الوهابي أو هذه الوهبنة لم تعد مجرد نصائح حول كيفية ممارسة هذه الشعيرة او تلك وإنما أضحت تفرض على الناس أسلوب حياة ونمط عيش وإذا بالمجتمع كله في قبضة دعاتها وزعاماتها ممن لم يتصادموا مع السلطة السعودية إلا بعد حادثة اقتحام الحرم المكي سنة 1979 وأصبحوا متغلغلين أكثر في مفاصل المجتمع السعودي وفي عناصره الرخوة :المسجد ،المرأة ،الطبقات الشعبية ،الشباب هذا على الرغم من أن الدولة السعودية قد انطلقت بعد في إيفاد البعثات إلى كبرى الجامعات الأوربية :اكسفورد ،كامبريدج ،هارفارد ويعد الأديب تركي الحمد واحدا منها ليكونوا كوادرها وكوادر الدولة التي سيتعاظم دورها في العالم سياسة واقتصادا .
ابيستمية الفكر الوهابي
نقرا روايات تركي الحمد فينشأ لدينا انطباع أن اغلب السلفيين هم صورة عن سيد قطب ،واهم المربين والمعلمين هم على صورة هذا المؤدب العنيف أما الراقي الشرعي فهو الطبيب النفسي الذي يلجأ إليه الناس للمداواة ولكي تنفذ تعاليمه إلى نفوسهم والى عقولهم الباطنة بدون أية مقاومة أو أي تساؤل … …وفي ظل هذه “الابيستمية ” السلفية تمدد الفكر الوهابي وانتعش في بعض الأحيان بمباركة من المجتمع وبدون أيّة رقابة منه …فقط الصوت الروائي لتركي الحمد وغيره من كبار المثقفين السعوديين (نذكر على سبيل المثال رجلين من أهم رجالات الفكر في المملكة في حقبة الستينات إلى التسعينات :المفكر المغضوب عليه عبدالله القصيمي ،والمفكر الكبير غازي القصيبي …) فهو كان صوتا مضادا للتناغم الصوتي الحاصل في المجتمع السعودي إذ كان لهذا الروائي الفذ القدرة على النظر إلى ابعد من اللحظة الراهنة لزمن الأحداث (من الستينات إلى الثمانينات ) وأعمق من هذا الإجماع الشعبي والمجتمعي الذي حجب المخاطر الكبرى على بنية أي مجتمع من وراء غض الطرف عن الوهبنة الكامنة كقوة خفية مندفعة إلى سطح المجتمع بإيقاع مخيف ونسق عجول .
إن من يقرأ روايات تركي الحمد وبوجه خاص رواية الشميسي والكراديب يستنتج فورا أن هناك قوتين تحكمان المجتمع السعودي منذ أواخر الستينات ،قوة الوهبنة ،وقوة التحديث والعصرنة ،الاولى تتحرك في فضاء المجتمع مسنودة بالأصل السلفي التقليدي الذي هو فطرة أهل الجزيرة فيما الثانية تتحرك في النخب العليا للمجتمع والدولة السعوديين متماهية مع موجات التحديث التي هبت على مصر طه حسين وتونس المسعدي وسوريا نزار قباني وعراق السياب والبياتي فضلا على لبنان الذي له فضل السبق في كل ما يتصل بالحداثة العربية ،وفي ظل موجات التحديث هذه يصبح الكتاب هو البوصلة وهو الوسيط الذي لا بديل عنه ولأجل ذلك يذكر تركي الحمد في ” العدامة ” وهي تاريخيا الجزء الأول من الثلاثية من جهة زمن الكتابة وزمن الأحداث ،يذكر اهم المفكرين الذين تاثر بهم أبطال هذه الرواية إذ كان البطل ينفق مصروفه “على الكتب الماركسية غير المتاحة في بلده “(16) وكان راشد وهو زعيم التنظيم السري يقرأ البيان الشيوعي لكتاب كارل ماركس وكتاب ما العمل لانكلز ،قراءة ياسين الحافظ “(17)وهذه الكتب/المراجع تكشف لنا أننا إزاء مذاهب وايديولوجيات بدأت تشق طريقها في النخب العليا من المجتمع السعودي بفاعلية التثاقف مع الآخر العربي والغربي على حد سواء .إننا في رواية ” الكراديب ” نحصي عشرات الأدباء والمفكرين ممن تتداول أفكارهم في الجامعات السعودية الفتية ،وفي الفضاءات الخاصة ،وفي السجون (الكراديب ) بما يجعلنا نقف على عقول متعطشة للتحديث والحداثة في الفكر والواقع ،هذه الحداثة التي أمست مظاهرها مرئية واضحة إذ أسهمت الطفرة النفطية في إنشاء المدن والحواضر الكبرى وفي استخدام التقنيات وتطوير أداء الدولة نحو مجتمعها خاصة في قطاع التعليم والصحة .
وفي هذا السياق التاريخي تأتي الوهابية لكي تعطل الصيرورة الطبيعية للأشياء والأفكار فهذا التحديث لم يمس فيما يبدو إلا القشرة الخارجية من الأمور فما يثير القراءة والدهشة معا إننا نجد انفسنا في رواية” الشميسي” ورواية “جروح الذاكرة ” أمام مدن عصرية وحواضر تشهد عصر الحداثة بل وما بعد الحداثة حيث كل شيء أضحى يدار بالروموت كنترول وبالذكاء الاصطناعي وبالحواسيب وغيرها ولكن على مستوى الفكر نرى مجتمعا يفسر الأشياء بالسحر وبالرقية الشرعية وبالعين ،وهذا نظام من الفكر من المفترض ألا نجده إلا في أدغال افريقيا وفي كهوف آسيا وأحراش استراليا ،لا في مدن جديدة مخططة تخطيطا هندسيا بالغ الدقة ،وبفضل هذه المعارف السحرية والباطنية تنتعش الوهبنة في المجتمع السعودي وتطبق على عقول الرجال والنساء وتمنع أي فكر ناقد آو أي حجاج مضاد أو احتجاج فاعل على شيوع هكذا نمط من التفكير ونحن على أعتاب الألفية الثالثة .
والواقع أن شيوع التفكير السحري ويقين الناس به وإيمانهم أنهم ممسوسون بالجن وما إلى ذلك هي ظواهر اجتماعية شائعة في الأدب الروائي السعودي على الرغم أن هذا المجتمع قد أمسى مجتمعا حديثا وتضارع مدنه الحديثة احدث المدن الأوروبية والأمريكية ففي روايته “لاشيء يبهج ” وهي مجموعة قصصية تمتد على أكثر من 350 صفحة يذكر الأديب الروائي عبده الخال السحر أو مشتقاته على الأقل مرة كل صفحة ،وفي رواية الأديب عبدالله ثابت “وجه النائم ” تنطلق الأحداث بالعثور على تلك الورقات المطوية على عجل والمدسوسة بين شقوق منزل خرب وقد كتب فيها كلام غير مفهوم يقال لنا – عبر الراوي – انه كلام الجن .فالوهابية تشجع على شيوع هكذا نمط من التفكير البدائي وتعلى من شان من يفك السحر وفي المقابل ينظر إلى الطب النفسي والأطباء النفسيين نظرة ارتياب وتشكيك ففي رواية “جروح الذاكرة ” تصاب لطيفة زوجة صالح الرجل الثري وصاحب الأعمال بمرض نفسي غامض ويوكل أمر علاجها إلى الراقي الشرعي الذي يصف حالتها بأنها ” مصابة بعين غير مقرونة بجن ” (18)ويبدو أن المجتمع والعرف العام قد منحا لهذا الراقي اقتدارات عرفانية وملكات ذهنية لا يملكها احد غيره فهو يستطيع أن يفكك خطاب الجان وان يحيد أشياءه ويسلبها مفعولها السيئ على الإنسان فضلا عن أن هذه السلطات العرفانية قد منحته القدرة على التأثير على عقول الآخرين فسلطته تفوق سلطة أي عالم أو مفكر أو كاتب .
ضمن هذا الوعي الوهابي الذي مس طبقات من المجتمع ،يصبح للجانّ خطاب ولسان مثلما يصبح له متلقون وفهامون ويعمد الأديب تركي الحمد إلى إيراد مقاطع من خطاب الجان وهو خطاب يعلو عن الوصف كما انه عصي عن أية ترجمة إلى أية لغة أخرى وهو خطاب الغازي ومع ذلك يجد له الراوي أنصارا ومؤمنين وشراحا ومفسرين شبيهين بمفسري الأرواح والقوى الغامضة في أدغال إفريقيا وأحراش استراليا .
هذا السحر قد أمسى موضوعا روائيا في الأدب الروائي السعودي خاصة في حقبة التسعينات وما بعدها ففي رواية يوسف المحيميد “القارورة ” الصادرة سنة 2006 تنهض الوظائف السردية لعملية الحكي على التبئير على موضوع غسل الموتى وآدابه والغاسلة والدعوة إلى تعليم الأطفال غسل الميت والتكفين …ويكون ذلك مقترنا عادة بسرديات متصلة بالزواج من جني تتلى على مسامع الأطفال ،وهذه التيمات (التي لا وجود لها إطلاقا في أدب نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومحمود تيمور وحنا مينة مجتمعين ) عميقة الحضور في الوعي السعودي في ظل تمدد الفكر الوهابي .ويشير يوسف المحيميد ان ” في المدينة حرموا كل شيء “وفي الرياض ” أغلقوا السينما “فيما يتركز الوصف على ” رجل أربعيني ملتح”وهكذا يتحول السرد الروائي لدى تركي الحمد و يوسف المحيميد إلى عملية سرد لسيرة مجتمع أمسى في قبضة الوهبنة وتحت تحكم عتاة السلفيين .
إن المجتمع كله غدا في قبضة الوهابية ،هذه حقيقة تاريخية وليس تخييلا روائيا ففي قصص الأديب عبده خال “ليس هناك ما يبهج ” الصادرة سنة 2010 في طبعتها الثانية يتكرر معجم الموت ويتوزع في جسد الخطاب “فللحياة طعم القاذورات وللموت طعم الحياة “ص.162 كما تتكرر لفظة القبر والقبور إضافة إلى الإيمان من لدن الشخصيات بان الجن واحد منها بل هو من الشخصيات الرئيسة فيما يصبح الغناء والفن صوت العفاريت والى غير ذلك من العقائد التي شاعت في المجتمع السعودي وأصبحت تعطل الصيرورة الطبيعية للأشياء وللحياة على حد سواء .
في رواية “جروح الذاكرة ” يعمد صالح وهو رجل الأعمال الشهير والمثقف إلى أن يحمل زوجته إلى أمريكا ولبنان ويوكل علاجها إلى طبيب نفسي لبناني مقيم بالسعودية والذي – عبر تقنية التداعي الحر وضرب من التنويم المغناطيسي – يصل إلى النفاذ إلى سر وجعها ووجه علتها فيوجه كل طاقاتها نحو الكتابة ،كتابة سيرتها وحياتها بما يسمح لها أن تصعد كل أسرارها وخباياها إلى النور في عملية من الإعلاء النفسي المشهود لها – بوصفها تقنية – بالنجاعة.
من خلال هذين الفاعلين :الراقي الشرعي /الطبيب النفسي نقف على وجه الصراع بين قوى الوهبنة وقوى التحديث في المجتمع السعودي ،الأولى مسنودة بالقوى المحافظة ،وبشيوع نمط من الجهل ،وباستغلال دور المساجد والتعليم فيما الثانية تفتقر إلى الدعم وتبدو كما لو انها تبني مشروعها الحداثي والليبيرالي بقواها الخاصة لاغير في الوقت نفسه لا تستطيع السلطات القائمة أن تحد من جموح الوهبنة (على الأقل إلى حدود سنة 2004) مثلما أنها لا تستطيع أن تؤمن أدنى ظروف النجاح والتمدد لقوى الحداثة .
في عملية الوصف للشخصيات يقف الأديب الروائي وعالم الاجتماع تركي الحمد على جزئيات وملامح لا يمكن للقراءة أن تتغافل عنها فعملية الوصف لديه عملية تقنية وتأويلية في ذات الحين والوصف لديه “مقولة نصية ونمط خطابي “(19) ومشروع سردي فما يثيره السارد في ثلاثية تركي الحمد هو الوقوف على وصف اللحية ،وعلى شكلها وهيئتها مع السلفية الجديدة ومع الوهابية التي تفرعت عنها ونشأت منها، فالمجتمع السعودي في القصيم ونجد لايقبل الرجل من غير لحية “فمن العيب هناك ان يظهر شخص وهو حليق اللحية “التي هي أكثر من رمز بل إنها حسب السميولوجي الفرنسي البارز رولان بارت “لايمكن أن نكون ملتحين بالصدفة “وبالنسبة للسارد ليس الأمر الجديد هو اللحية ذاتها فالرجال كلهم ملتحون في الجزيرة العربية ولكن الجديد هو في شكلها وهيئتها ،إنها اللحية النجدية إن جاز لنا الوصف ويقدم الراوي وصفا بليغا معبرا عن مرور شخصية عدنان من الليبيرالية إلى السلفية الوهابية “نمت لحيته بشكل كبير ودون تهذيب فيما كان الشاربان في غاية الدقة ومحفوفين بشكل واضح “(22) وفي مقام آخر يقول الراوي “ما حكاية الشوارب واللحى هذه الأيام “(23)فيما يدافع عدنان عن لحيته وعن سيميائيتها الجديدة “كان الأولى أن تسأل لماذا نحلق اللحى لا لم نطلقها .الإطلاق هو القاعدة وليس الحلق “(24) فالمؤكد لدينا أن اللحى هي – بالعودة إلى السميولوجي الفرنسي “غابة من العلامات “(25) أو هي ” ثراء ايقونوغرافي مندفع “تشي بالهوية الوهابية المتمددة في الواقع الاجتماعي السعودي تمددها في الوجوه والأزياء وفي الطباع بحيث يمكن تمييزها عن لحية الماركسيين مثلا أو عن لحية الآباء والرهبان فهي إذن علامة سميولوجية في الخطاب وعن الواقع أكثر من كونها علامة لغوية وصفية كما أنها وهذا هو بيت القصيد تستغني بما تحمله من آيات الورع والتقوى الظاهرة عن أية إمكانية للمحاسبة .إنها تجعل صاحبها فوق القانون والمسائلة .
المثقف لا يكون أبدا وهابيا
إن زمن كتابة الثلاثية يسبق زمن التفجيرات الإرهابية التي هزت المدن السعودية وأوقعت العشرات من الضحايا الأبرياء ،فعالم الاجتماع السعودي تركي الحمد كان حقا يقرأ التاريخ القادم بعين الرائي المبصر لحتميات الأمور ففيما كان الخطاب الدعوي الوهابي يرى في هذه اللحى وهذا السواد الذي يلف المرأة أمارات لصحوة إسلامية قادمة ومحتومة ويرى في هؤلاء المجاهدين العائدين من افغانستان مكللين بالنصر على الروس وتحفهم سرديات عن بطولات خارقة ومعجزات لم يشهدها غيرهم من المقاتلين كان صوت تركي الحمد (وغيره وان كانوا قلة ) صوتا نشازا ولكنه مع الأحداث والتاريخ ثبت انه الصوت الصائب والصادع بالحقيقة الموجعة فهذه الصحوة الإسلامية لم تخلق إلا تصدعات في بنية المجتمع السعودي وبنية الأسرة ذاتها ما بين شباب وهابيين يحرمون كل شيء بدعوى التطابق مع العصر النبوي وبين آباء مارسوا الحداثة كغيرهم من الناس وأسوة بالجيل نفسه في العالم العربي في الستينات والسبعينات وكان نداء الليبيرالية الأوربية نداء مشروعا ولذلك لم يكونوا مسكونين بهواجس التكفير والرفض الطائفي وإنما كانت نفوسهم السمحاء تتقبل الآخر بروح من السماحة والألفة .
إن هذه المؤشرات /العلامات هي مقدمة لظهور ما يسميه الباحث التونسي البارز وابن أهم مفسر في القرآن في العصر الحديث عياض بن عاشور (أبوه الشيخ الطاهر بن عاشور صاحب التحرير والتنوير ) ب”الايمان الكلياني ” ويعرفه بقوله “الذي لايبدي آية مرونة في تقبل النظريات الأخرى وخاصة نظرية حقوق الإنسان وهذا المؤمن يرجع كل شيء إلى الشريعة ” (27) وهذا المؤمن الكلياني الذي سيبتلى به المجتمع السعودي لن يكتفي بتغيير نمط حياته وإنما سيطالب المجتمع – بنوع من الإكراه – على تغيير نمط حياته أيضا وهو ما ستستجيب له السلطة السعودية (مؤقتا) بعد حادثة جهيمان العتيبي حينما عمدت الى مواجهة التطرف بالتطرف فمنعت ظهور المرأة في التلفزيون ،وحظرت الغناء وحكمت “على النهضة الموسيقية السعودية بان تختفي لعقود “(28) .
وبالعودة إلى النص الروائي لتركي الحمد والذي يتماهى في بعض أجزاءه مع جنس السيرة الذاتية نلاحظ ان الشخصيات قد شهدت حركتين :الأولى من التدين الى الليبيرالية وهو ما جسد في شخصية هشام العابر (الذي هو في تقديرنا تركي الحمد ) فهو شاب عروبي ويميل إلى أطروحات حزب البعث فضلا على انه لم يكف يوما عن اغناء فكره بالقراءة للكتب الفلسفية والفكرية ،وله قولة تؤشر إلى انه يمسك بتوازن في التفكير إذ يقول ” نحن لا نستطيع العيش بغير الميتافيزيقا والماورئيات “(29) إضافة إلى انه يدرس بلا كلل تقريبا دانتي والمعري وكامو وأدب سارتر وشحاذ نجيب محفوظ بحيث أمسى هذا الطالب صورة عن آلاف من الشباب السعوديين المثقفين ممن خرجوا (أو انشقوا ) عن الخط السلفي العام الذي يميز المجتمع وتثاقفوا مع الفكر المختلف وفي رواية ” العدامة ” نقف على سيرة جيل من المجتمع عاشق للقراءة وللفكر وللفن ومتهيء لقبول أفكار التنظم السياسي والنقابي والايديولوجي مما كان أمرا غير مسموح به .
هم فئة من الشباب الطالبي وقد انشقوا عن التفكير السلفي السائد ويعد تركي الحمد واحدا منهم أو ظلا من ظلالهم وتعد رواياته وسيطا فكريا وجماليا معبرا عن حركتين في المجتمع ،حركة العبور من التدين إلى الليبيرالية ،وحركة العبور من الليبيرالية إلى التدين السلفي والوهابي فيما بعد عبر نموذجين الأول نموذج عدنان العلي الذي هجر الرسم والفنون وأصبح ” من أصحاب الذقون ” بحسب العبارة المحفوظية الشهيرة ،ونموذج خالد في رواية “جرح الذاكرة ” حيث يصل به التدين السلفي إلى أن يهجر زوجته وأبناءه ليحمل السلاح في افغانستان والبوسنة حيث سيلقى حتفه.
تنخرط الرواية الأولى لتركي الحمد “العدامة ” في الاتجاه الأول فهي تكشف لنا عن شباب ممن يصنعون “الوعي الصاعد من اليمين إلى اليسار “(30) فيما تكشف بقية الروايات وخاصة “جرح الذاكرة ” وبوجه اخص “الطريق إلى الجنة ” “تغير الاتجاه في عقرب البوصلة فصارت كل الاتجاهات والتحولات ممكنة وأصيب الانتماء اليساري أحيانا بنكسة الدروشة والانتقال إلى الغيبية والاتكال “(31) كما سرد علينا الأديب خالد الذكر نجيب محفوظ هذا التحول خاصة في “حديث الصباح والمساء “حيث يقص علينا سلوك نماذج من الشخصيات ممن عاشت حياتها بالطول والعرض ثم – في آخر حياتها – تأخذها نوبة من التدين الشديد وتربي أبناءها وبناتها في ظل هذا التدين بكل ما سيتولد عنه من قيم غريبة عن المجتمع المصري .
هذا الوجه الجديد من التدين وجه لم يألفه الوعي العربي وهو غريب عنه ،هو تدين قاس قسوة الوجوه ،وهو غليظ غلظة الطباع ،وكئيب ومتجهم كآبة النفوس ومما يلاحظ في هذا الصدد أن نجيب محفوظ لم يصنع شخصية سلفية في كل إبداعه الروائي وهذا ما يدفع بالقول أنها غير موجودة في المجتمع المصري أو على الأقل لم يلاحظ وجودها .وأول شخصية سلفية هي تلك التي شكلها من وحي لقاءه بسيد قطب سنة 1964 في رواية “المرايا ” (33) وثاني شخصية سلفية كما ذكرنا آنفا في “حديث الصباح والمساء ” وقد كتبها في آخر حياته إلا أن الأمر مختلف مع الجيل الموالي من الروائيين المصريين ممن يعتبرون أن هذا النموذج السلفي ليس نموذجا مصريا بل هو آت “من بلاد مجاورة ” (34) وهذا ما يذهب إليه علاء الأسواني في رائعته “عمارة يعقوبيان “(35) أما بالنسبة للأدباء السعوديين فهم يرون أن الغلو والتشدد السلفي قد وفد إليهم من جهات أجنبية ويشيرون إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين نفوا إلى السعودية زمن عبدالناصر واتوا معهم بصيغ جديدة من التدين لم تكن شائعة بينهم .
وأيا كان الأمر فان ما يتميز به الخطاب الروائي لتركي الحمد هو ان خطابه الروائي كان اصدق وأدق من الخطاب السياسي في موضوع السلفية والتشدد السلفي ففي رواياته وخاصة في “جرح الذاكرة ” يكشف التكوينات الأولى التي رافقت نشأة السلفية المتشددة في السعودية كما يكشف عن أول مظاهر الانزياح عن الاعتدال وعن السلفية التقليدية .
ففي رواية ” الشميسي ” بدأ شاب هو “عدنان العلي ” في البروز وفي التعبير عن نفسه على نحو غير معهود ،وفي رواية “جرح الذاكرة ” نجد نموذج الشاب خالد الذي ستنتهي حياته مقتولا في البوسنة أما في “الطريق إلى الجنة ” فان الشخصيات المتشددة تنتقل من القلة إلى الكثرة ومن الحراك الفكري والسجالي إلى الحراك العنيف والعنفي ضد الآخر ومن الانتماء الظاهري الى المجتمع السعودي إلى إعلان الولاء والبراء لمجتمع آخر وعقيدة أخرى ما يجعل الأديب تركي الحمد محقا وصائبا في رؤيته للأمور فغض البصر عن الوهبنة في الستينات والزج بالعروبيين في السجن والنظر الى الثقافة بنظرة السلفية الجافة والبدائية وغياب أي تقييم نقدي لتاريخ الوهابية في نجد والحجاز …كل ذلك أنتج جيل 11 سبتمبر بما يحمله من أفكار ومعتقدات ناصبت العالم اجمع العداء .
وبالعودة إلى شخصية عدنان العلي في رواية ” العدامة ” نلاحظ انه كان عاشقا للفنون وممارسا للرسم أما في رواية ” الشميسي” فيقول عنه الراوي “إن عدنان احرق كل لوحاته وهو يقضي في المسجد اوقاتا طويلة ولا يشاهد التلفزيون ” (36) فيما كان خطاب صديقه في التنظيم السري “هشام العابر ” مختلفا ويرى أن “الفن ليس مضيعة وقت …انه التعبير عن السامي في حياتنا ونفوسنا …وإذا أردت تعبيرا فلسفيا فالفن تعبير عن المطلق في ذواتنا “(37) وفي العقود الثلاثة التي تلت حادثة اقتحام جهيمان العتيبي الحرم المكي سيصبح خطاب عدنان المعادي للفن والثقافة هو الخطاب السائد وستتعرض الثقافة السعودية إلى عملية محو وإبادة وسينتصر الخطاب السلفي /الوهابي وتشيع مفرداته الكئيبة والكارهة للحياة .
حقا إن الجيل الذي سبق السبعينات كان جيلا محظوظا في المملكة السعودية فقد كان مبدعا ومستهلكا للجماليات وكانت رياح الانفتاح قد أسهمت في بروز أسماء من الفنانين والمبدعين ممن سيقع طمس ذكرهم في الجيل الموالي كما لو أنهم لم يكونوا وطمس التعابير الفنية لأي شعب من الشعوب هو طمس للمظهر الأبرز لهويته ولأجل ذلك يمكن ان نعد تركي الحمد شاهدا قويا على هذا التحول الهووي في المشهد الثقافي والمجتمعي في السعودية فالفنون قد غدت منبوذة والموسيقى محرمة والدراما محظورة فيما وقع تقليص المساحة لحضور المرأة حتى ولو كانت مثقفة وخريجة اكسفورد وكامبريدج فلا يحق لها الظهور في الإعلام وأصبح الحديث الأوحد هو “الحديث الدائم عن الله ويوم الحساب ” (38) وما يتولد عن ذلك من كلام عن عذاب القبر وعن مصير الكفار وعن ” ياويلكم …ياويلكم …ترى النار حارة …ترى النار حارة …”(39) فيما الإخراج السينمائي معدوم نهائيا كما لو كان الناس عديمي الخيال الفنى والجمالي من دون سكان الأرض قاطبة .
إن الوهابية تصوب المسدس نحو الثقافة لتصيبها في مقتل والمثقف لا يمكن ان يكون وهابيا كما انه لا يستطيع أن يبدع وان يؤثر في مجتمع وهابي ففي رواية “الكراديب ” يزج بالشخصيات الرئيسية في السجن بتهمة تأسيس أول تنظيم عروبي سري وإذا بالسجن يغدو هو الفضاء الأوحد الذي يسمح للسجناء بالتفلسف وللمثقفين بالتحاور عن سارتر وعن طاغور والمعري وماركس وغيرهم من كبار الفلاسفة والمفكرين فيما تغلغلت الوهابية في كل مفاصل المجتمع السعودي واضحي كل شيء مبهج محرما “الشطرنج والموسيقى والرسم وقراءة الكتب وفي رواية جروح الذاكرة اتخذ لطيفة نوبة من التدين المفرط متأثرة بالراقي الشرعي الذي يعالجها من “عين حاسدة غير مقرونة بجن ” وأول فعل تقوم به هو إحراقها للكتب ونعتها بالفاسقة وتقول قولة شهيرة في هذا المعنى “إن كان ما في المكتبة ما يعارض كتاب الله وسنة رسوله فالأولى أن تحرق وتمزق ” (40)
نحن إذن إزاء بنية من الأفعال تتكرر في المجتمع السعودي بصورة دورية مستلهمة من التاريخ الوهابي كل مبرراتها ومشروعيتها فإحراق الكتب وتدمير التنصيبات والآثار وذبح المخالفين وسبي النساء أفعال لم يؤت بها من الخارج وإنما تولدت مع نشأة الوهابية ومع عملية إحيائها بما يجعل السلفية تنتصر وتتمدد في كل مرة تجعل الدولة الشأن الديني في قبضة جماعات وجهات إفتاء تبدأ بالتعليم القرآني وبالرقية الشرعية وتنتهي بإعلان الانشقاق عن الدولة ومنازعتها سلطاتها ورفع الرايات السود للتوحيد.
المرأة أيضا ساحة حرب بين القوى الوهابية والقوى التنويرية في المجتمع السعودي في الثمانينات وما بعدها فشخصية لطيفة قد وقعت وهبنتها في رواية ” جرح الذاكرة ” ولكن زوجها وهو رجل عاشق للبهجة في الحياة لم يستسلم ولم يجعل زوجته في قبضة الراقي الشرعي “على الرغم من أن الجميع يذهبون هذه الأيام (الثمانينات ) إلى المعالجين بالرقية طلبا للشفاء من كل أنواع الأمراض العضوي منها والنفسي “(41) وإنما أدى به الوعي والتنوير الحداثي إلى مساءلة الطبيب النفسي والى إرسالها إلى لبنان وأمريكا حيث أرقى المشافي النفسية وهذا ما جعلها هي ذاتها تتحرر من الوهبنة وتمنح لوجودها معنى جديدا بانفتاحها على كل الجماليات وعلى الموسيقى على الرغم أنها ” قد نشأت على أن الموسيقى كلها رجس من عمل الشيطان ” (42) .
الوهبنة /التحرر من الوهبنة هما الحركتان اللتان تحكمان البنية الاديولوجية لروايات تركي الحمد مثلما تعبران أيضا عن الحمولة الابيستمولوجية للروايات ذاتها ولكن القارئ لها سواء من ” العدامة ” إلى “الطريق إلى الجنة ” يرى أن فكر الوهبنة آخذ في التمدد من الهامش إلى المركز ،من نجد إلى الرياض ،كان فكرا محدودا بحدود المنتسبين إليه وبحدود الجغرافيا التي تحكمه وتسيجه ولكنه ما لبث أن أصبح له دعاة وجماعات ومساجد ومراكز تحفيظ القرآن وصولا إلى رحاب الجامعات وأشاع نوعا من البؤس العام واحتفى بالموت وفي ظله انتعشت الطائفية وأصبحت الشخصيات الرئيسية في رواية ” الشميسي ” تقسم البلاد والعباد من منظور طائفي /طوائفي فيما كانت – في زمن لا وهبنتها – تفكر على نحو أكثر ألفة ومحبة فقد أمسى عدنان العلي في ” الشميسي” يسمي الشيعة في القطيف والاحساء ب “الرافضة ” مع ما في هذه التسمية من عوامل تؤجج الصراع الطائفي بين طوائف الشعب الواحد.
في قراءتنا لروايات تركي الحمد نكتشف الصيرورة المحتومة لنشأة الوهبنة من كونها فكرة وعقيدة إلى كونها حقيقة اجتماعية وواقعا انتروبولوجيا متغلغلا في بنيات التعليم والصحة والمسجد والأسرة تغلغلا يتصف بقدر كبير من الصلابة والتماسك ما يجعل أي جهد للتراجع عنها خاصة في المجتمع ومنه عرضة لسهام التكفير والنفي .
في رواية ” الشميسي” و ” جروح الذاكرة ” نقف أكثر على البنية الابيستمولوجية لأتباع الوهابية وأنصار السلفية الجهادية (خاصة في الطريق إلى الجنة ) فالراوي يكشف لنا ماذا يقرا هؤلاء الأتباع ويقول في هذا المعنى ” انطلق إلى الكتب الملقاة يتفحصها …فتاوي ابن تيمية …معالم في الطريق …رحلتي من الشك إلى الإيمان …”وفيما كانت هذه الكتب متاحة ومتداولة بنسق تصاعدي على إيقاع الحرب الأفغانية كانت كتب الفلسفة غائبة عن المجال العام وكان تداولها يتخذ شكل الطقوس والشعائر السرية التي لايغفرها المجتمع .ففي السبعينات وما بعدها لا مجال للتفلسف ولا للفلسفة ولا للفلاسفة والفضاء الوحيد للتفلسف هو السجن حيث بإمكان الأعضاء السريين بعد القبض عليهم ،بإمكانهم مناقشة الأفكار الوجودية والقومية والماركسية ولا يخفي تركي الحمد افتتانه بقصة الفلسفة مثلما سعى إلى “اكتشاف النصوص المحرمة ” (44) في ظل شيوع الإفتاء الوهابي ب”تهمة المروق من الدين ” على كل من خرج من الدروب المسطورة التي تلزم الجميع بالسير فيها وغدا الانشقاق أشبه ما يكون بالعملية الانتحارية وفي هذا المقام بدأ اسم سعودي في الظهور مثلما أصبحت كتبه تروج بين النخب العليا للمجتمع السعودي .هو المفكر عبدالله القصيمي الذي يذكره تركي الحمد في مقام الإجلال والتقدير في رواية الشميسي فهو مفكر مختلف ويبدو أن أفكاره لم تسعها بلاده فآثر المنفى في مصر ولبنان فكان خطابه هو الخطاب الضد للوهابية والسلفية والسلفية الجهادية وكل المذاهب التي تدور في فلكها والتي كانت وراء ما اصطلح على تسميته ب “الصحوة الإسلامية ” .
في الخطاب الروائي لتركي الحمد وجع خاص من مفكر ومن عالم اجتماع يرى الوهبنة تتمدد وتسيطر على العقول وتنتج نظاما من التفكير البدائي الغريب عن الإسلام الذي شهده هذا الكاتب ( والجيل الذي ينتمي إليه ) في ما قبل “الصحوة الإسلامية ” وهذا الوجع نابع في تقديرنا من تحريم الفلسفة والتفلسف في المملكة السعودية وتغييبها عن كل منهاج دراسي ويلتقي الحمد مع عبدالله القصيمي الذي يقول “وقد تكلموا كثيرا عن تحريم المنطق والفلسفة وألفوا في ذلك كتبا …وقد شنعوا على الخلفاء العباسيين الذين وجهوا عنايتهم إلى تعريب كتب الأقدمين وعدوا هذه العناية من مثالب بني العباس لأنهم في زعمهم نقلوا إلى المسلمين علم الكفار “(45) .
إن غياب التفلسف وطمس الفنون والجماليات هو الذي أدى إلى تكوين جيل من الشباب السعودي كاره للحياة عاشق للموت ممجد للقسوة والفظاظة ويبدو انه قد وجد ضالته في المبنى الفقهي الذي تروج له الوهابية والذي يستدعي نظاما بسيطا في التعليل والحجاج يقوم على “عرض الموضوع ،ثم إيراد آية أو آيتين ،ثم الاستنتاج “(46) وهذا النظام من التفكير قد انتشر وراج في الطبقات الدنيا للمجتمع كما انه قد وجد صدى له لدى فئة من الشباب الذي أصبح أقصى أمانيه أن يموت شهيدا وعلى هذا النحو “غادر خالد فجأة إلى حيث لا احد يعلم ،قيل انه غادر مجاهدا إلى افغانستان مع بعض الشباب المتحمس لعودة أيام الجهاد في أفغانستان مما يعيد ذكرى غزوات الرسول وفتوحات خلفاءه الراشدين “(47)
حقا كان رأي تركي الحمد زمن تأليف هذه الرواية (1996)رأيا نشازا ضمن خريطة الرأي العام السعودي الذي كان يظهر الحماس لهؤلاء الشباب المحاربين في أفغانستان أو العائدين منها وكان موقفه هامشيا وجلب إليه لعنات المحافظين وعتاة الوهابية ولكن بدءا من سنة 2001 أدرك الجميع صواب موقفه ودقة نظرته إلى الأمور فهذا التدين الوهابي الذي رافق المجتمع السعودي على مدى أكثر من جيل هو بحسب عبارة باحث الأديان الفرنسي مارسيل غوشيه “دين ضد الدين ” .انه دين قد حل محل القيم السمحاء للدين الإسلامي ومنع التفكير في اتجاه توطين سماحة الإسلام مع الأخر والضد والمختلف وقبل ذلك وبعد مصادرة التفكير الحر ومنع الاختلاف فمقولة الاختلاف لاحضور لها في التفكير الوهابي بل إن التماثل في كل شيء ،في اللباس ،في الهيئة ،في اللحية ،في التفكير ،في الكلام …هو القانون الاسمى الذي فرضه التفكير الوهابي على كل شرائح المجتمع السعودي .
حقا إن للأدب الروائي السعودي فضلا كبيرا على الفكر والمجتمع السعوديين لا يمكن إنكاره فقد كان له الامتياز قبل الإعلام وقبل السياسة في الكشف عن المخاطر التي باتت تتهدد الأمان الفكري والروحي لهذا المجتمع المحافظ .لقد سمى الأشياء بمسمياتها دون مواربة ،لم ير في التدين الوهابي صورة عن صحوة أو عن يقظة مبشرة بنهضة في الفكر والواقع ،ولم ير في هؤلاء الشباب العائدين من افغانستان وغيرها مجاهدين بل قتلة وقد غرر بهم ليكونوا أعداء لمجتمعاتهم ،وقبل هذا وذاك ابرز هذا الأدب إن الوهابية قد عطلت التطور الطبيعي للأشياء وللفكر وللمجتمع في المملكة السعودية بحيث أصبحت كل آية من آيات التحديث صنوا للبدع وللضلالة .
كشف الأدب الروائي السعودي وخاصة من خلال الأديب والمفكر تركي الحمد عن أزمة باتت تطال المجتمع السعودي وعن ممكنات الخروج منها عبر التفلسف والتفكير الحر وعند غيره (عبدالله ثابت ) عبر الفنون والجماليات فيما كان هاجس عبده الخال يتمثل في البحث عن بهجة الحياة .وخلاصة القول إن نقد الوهبنة أمسى موضوعا يتنزل في صميم الفكر السعودي فضلا عن كونه موضوعا روائيا غير مسكوت عنه .وهذا في ذاته من علامات الحداثة .
المراجع :
(1) تركي الحمد ،من اهم الادباء الروائيين والمفكرين في المملكة العربية السعودية ،خريج اعرق الجامعات الامريكية ،اكاديمي بالجامعات السعودية .
اهم رواياته التي سنحيل اليها في المتن
-اطياف الازقة المهجورة ،وهي ثلاثية تشمل الروايات التالية
*العدامة،بيروت ،دار الساقي ،1995
*الشميسي،بيروت ،دار الساقي،1996
*الكراديب ،بيروت ،دار الساقي ،2000
اضافة الى روايتين هما :
جروح الذاكرة ،بيروت،دار الساقي ،2005
ريح الجنة ،بيروت ،دار الساقي ،2005
(2)voir l article « qu est ce que le salafisme ? » de samir amghar .in revue sciences humaines .paris .décembre 2015 (les grands dossiers )
(3) ibid
(4) بحث سعيد عبيدي :قراءة في كتاب “الاسلام السياسي :صوت الجنوب ” ل فرنسوا بورجا ،في كتاب جماعي ،مفهوم تطبيق الشريعة ،تنسيق انس الطريقي ،اصدار مومنون بلا حدود ،الرباط ،2017،ص.385
(5) مرجع سابق ،ص.386
(6)شرق الوادي ،ص.115
(7) الشميسي ،ص.57
(8) الشميسي ،ص.73
(9)hamadi redissi .le pacte de nejd .paris .ed.seuil .2012.p.25
(10) شرق الوادي ،ص.55
(11)شرق الوادي ،ص.55
(12) الشميسي ،ص.68
(13) الشميسي ،ص.69
(14) جروح الذاكرة ،ص.134
(15) جروح الذاكرة ،ص.137
(16) العدامة ،ص.12
(17) العدامة ،ص.56
(18) جروح الذاكرة ،ص.134
(19) محمد نجيب العمامي ،الوصف في النص السردي ،صفاقس ،دار محمد على للنشر ،2010،ص.96
(21) roland barthes .mythologies .paris .ed.du seuil .coll.points .1957.p.55
(22) الشميسي ،ص.123
(23) الشميسي ،ص.133
(24) الشميسي ،ص.133
(25) roland barthes .mythologie.p.55
(26) ibid.p.54
(27) yadh ben achour .la deuxieme fatiha .l islam et la pensée des droits de l homme .tunis .Cérès editions.p.58
(28) لاطلاع على ما آلت اليه اوضاع الفنون والثقافة في ظل الجيل الذي تلا الثمانينات يرجى الاطلاع على الملف المهم الذي انجزته مجلة الفيصل عدد مزدوج 487/488،اغسطس 2016
(29) الكراديب ،ص.153
(30) جمال شحيد “التحول من العلمانية الى التدين ” في مجلة فصول القاهرية ،ربيع 1998 ،العدد 4
(31) جمال شحيد ،مقال مذكور ،ص.235
(32) جمال الغيطاني ،نجيب محفوظ يتذكر ،القاهرة ،دار المسيرة ،1980،ص.55
(33) نجيب محفوظ ،رواية المرايا،القاهرة ، ويذهب بعض النقاد البارزين أن سيد قطب يرد في شخصية عبدالوهاب اسماعيل ،الناقد الادبي الذي يتحول الى الاخوان ويتبنى اكثر المواقف رجعية في المراة والمجتمع وتكفير عموم المصريين
(34) علاء الاسواني ،عمارة يعقوبيان ،القاهرة ،مكتبة مدبولي ،2005،ص.49
(35) علاء الاسواني ،عمارة يعقوبيان ص.49
(36) الشميسي ،ص.148
(37)الشميسي،ص.53
(38) الشميسي ،ص.59
(39) جروح الذاكرة ،ص.96
(40) جروح الذاكرة ،ص.97
(41) جروح الذاكرة ،ص.132
(42) جروح الذاكرة ،ص.219
(43) الشميسي ،ص.63
(44) العدامة ،ص.10
(45) عبدالله القصيمي ،هذه هي الأغلال ،بيروت ،منشورات دار الجمل ،ص.77
(46) hamadi redissi .le pacte de nejd .p.320
(47) جروح الذاكرة ،ص.176
ملخص البحث:
الأديب تركي الحمد أديب سعودي جعل من تمدد الفكر الوهابي في المملكة مادة لخطابه الروائي .
في زمن كتابة رواياته (أواسط التسعينات وما بعدها )وقع منعها من الرواج وحورب الرجل في أفكاره ونظرته الى الواقع باعتباره خصما لدودا للوهابية وللثقافة المتولدة عنها والتي ألقت بظلالها على المجتمع السعودي وفي اشد مناطقه رخاوة :في التعليم ،وفي المسجد .
وهذا الأديب يستقرأ الواقع عبر شخوصه على مدى جيل كامل من السبعينات إلى بداية الألفية الثالثة وهو ينظر أيضا إلى المابعد ،الى استعادة المجتمع في السعودية لثقافته الأصلية ولهويته المطموسة في أدبيات وشرائع الوهابية .
كلمات مفاتيح
الوهابية /نجد/الفنون /الجنة /النار /الفلسفة
الغاية من هذا البحث :
ان الرواية بوصفها كتابة ادبية يمكن ان تكون وسيطا جماليا وفكريا مهما للتعبير عن تحول السلفية المتشددة في السعودية من الهامش الى المركز،من الريف والبوادي الى قلب المدن الحديثة .
الكاتب الروائي وعالم الاجتماع السعودي تركي الحمد يبين لنا الميكانيزمات التي سمحت للوهابية يالتمدد والانتشار في المجتمع السعودي مع ما يترتب عن ذلك من مفاعيل ايديولوجية وسياسية باتت تهدد هذا المجتمع في وحدته .