الأسمائيّة الأدبيّة

الملخص:

تعتبر الأسمائية onomastic علما من العلوم التي صنعتها اللسانيات، وبدت موصولة بعدد من العلوم الأخرى كعلم الاجتماع وعلم اللهجات والتاريخ والأدب…. وراكمت جهازا من المصطلحات الدقيقة الخاصة بها من خلال كثرة الدراسات المعقودة عليها والباحثة في خصائصها وعلاقاتها بالعلوم المجاورة لها. وتعنى الدّراسة ببيان أهم الوظائف التي أدتها الأسمائية. فقد استطاع هذا العلم بتطور اللسانيات أن يرسخ صلاته بأجناس الأدب فتعددت لذلك اهتماماتها وضروب تخصصاتها فصار الحديث جاريا على” الأسمائية الروائية” و”أسمائية الشعر” و” أسمائية المسرح”… ويهدف هذا البحث أيضا إلى إبراز أهم أنواعها وأجلى مقارباتها للنصوص الأدبية شعرا ونثرا مستعينة أساسا بالمنجز اللساني.

الكلمات المفاتيح: أسمائية، شعر، لسانيات، التاريخ، وظيفة.

Abstract:

The Onomastics is considered as a science that linguistics has coined. It seems to be linked to a multiple of other sciences like Sociology, Dialectology, History and Literature… According to the plethora of researches which have studied its characteristics and relationship with the sciences adjacent to it, the Onomastics accumulates a system of accurate terminologies. The present paper seeks to display the most important functions that the Onomastics has performed. Thanks to the evolution of Linguistics, this science can establish strong links with literary genres. And because of its concerns and multidisciplinary, it has become possible to talk about “the Onomastics of the novel”, “the Onomastics of the poetry” and “the Onomastics of the drama”… Briefly, this paper aims to highlight its major types and obvious approaches to the literary texts – be it poetry or prose -, making use of the linguistic achievement in particular.

 Key words: Onomastics, poetry, Linguistics, History, function.


1- المقدمة:

إذا جوّدنا النظر في مصطلح الأسمائيّة ودقّقنا البصر في ما سيق له من حدود وتعريفات نذكرها فيما يتلو ألفينا أنّ تعريف هذا العلم الذي له وشيجة متينة تصله بعلوم أخرى- وثيق العلاقة بالأدب وأجناسه، يستدعيه النقاد في دراسته ويتخذون منه عولا في كشف عالم الاسم ودواعي التسمية التي كثيرا ما نبش في أصولها أهل النقد واللسانيون وعمقوا الحفر فيها. فهذا العلم- من هذه الوجهة، طال الرواية [1] والشعر [2] وغيرهما من الأجناس- ويلحظ المتعقب لحضور هذا المصطلح في عوالم الأدب والنقد واللسانيات دون عناء أنّ ركما من المصطلحات واسعا توافر له، ودقق أنواعه ومرجعياته ومهماته، ويشي بداهة بتلكم الوشائج التي تربطه باللسانيات وأجناس الأدب.

ويمكننا أن نلّوح- قبل تعريف هذا العلم- إلى مظاهر اختراقه الكبير للآداب والفنون والأجناس الأدبية، وحلوله فيها حلولا تبوأ به منزلة سنيا، ولاح متشعّبا إلى أصناف ووجوه وحقول شتى أبان بها صلاحيّته في درسها والتعامل معها والوصول منها إلى نتائج لا تُخطئها عين كاشفة فقد التقطنا من المظان التي تحرّينا فيها- رواج هذا المصطلح بما هو عيار على علم عتيد- حايثه وصدر عنه مصطلحات ترجّحه بين علوم اللسان والمعجم وغيرهما من العلوم القائمة في المعرفة البشرية وأجناس أدبية أكبّ على مدارستها:

2- مصطلح الأسمائية: الأنواع والصنوف:

مصطلح الأسمائية- الأنواع والصنوف

المصطلح

مرجعه

الأسمائية التقليدية

L’onomastique traditionnelle

[Baylon et Fabre, p 5]

الأسمائية الحديثة

L’onomastique moderne

[Baylon et Fabre, p 48]

الأسمائية الصغرى

L’onomastique mineure

[Baylon et Fabre, p 48]

الأسمائية الرومانية

L’onomastique romaine

[Muret, p 79]

الأسمائية اللّسانية

L’onomastique linguistique

[زكية دحماني، ص 181]

 

علاقة الأسمائية بالأجناس الأدبية

المصطلح

مرجعه

الأسمائية الأدبية

L’onomastique littéraire

[Mainguenau p 5]

الأسمائية الروائية

L’onomastique romanesque

[Baudelle p 1/270]

الشعر الأسمائي

La poésie onomastique

[Armelle p 247]

الروائي الأسمائي

Romancier onomaturgue

[Baudelle 1/54]

الأسمائيةالروسنيه

L’onomastique proustienne

[Barthes p 128]

 

استدعاء الأسمائية المصطلحات اللسانية والبنيوية

المصطلح

مرجعه

النظام الأسمائي

Le système onomastique

[R. Barthes- Proust p 121-128]

الدال الأسمائي

Le signifiant onomastique

[Baudelle 2/592]

التبرير الأسمائي

La motivation onomastique

[Baudelle 2/576]

المادة الأسمائية

Le matériau onomastique

[Baylon et Fabre p 245]

المدونة الأسمائية

Le corpus onomastique

[Baudelle 2/599]

البنية الأسمائية

La structure onomastique

[Anna Carlestedel p 145]

الاستخدام الأسمائي

L’usage onomastique

[Anna Carlstedel p 149]

العمل الأسمائي

L’acte onomastique

[Baylon et Fabre p 88]

الإيحاء الأسمائي

La connotation onomastique

[Baudelle 2/563]

المكون الأسمائي

La composante onomastique

[Greimas et Courtes Dictionnaire raisonne p 261]

 

الأسمائية منهجا

المصطلح

مرجعه

المقاربة الأسمائية

L’approche onomastique

[Veronica Gonzalez p 10]

التحليل الأسمائي

L’analyse onomastique

[Veronica Gonzalez p 245]

البحث الأسمائي

La recherche onomastique

[Baylon et Fabre, p 81]

 

مصطلحات أخرى متعلقة بالأسمائية

المصطلح

مرجعه

الشعرية والأسمائية

Poétique et onomastique

François Rigolot [Poétique n° 18-1974]

الثراء الأسمائي

La richesse onomastique

[Anna Carlstedt p 148]

الخلق الأسمائي

La création onomastique

[Anna Carlstedt p 153]

الاستراتيجية الأسمائية

La stratégie onomastique

[Anna Carlstedt p 148]

السحر الأسمائي

Sortilège onomastique

[Anna Carlstedt p 64]

 

ولا جرم أن هذه الأخلاط من المصطلحات الحائمة حول الأسمائية والمشدودة إليها تجعلنا- بداءة- نقرّ بأنّ الأسمائية استمدت صفة العلم من خلال هذه الحشود من الاصطلاحات المتصلة بها والتي تشي بأن لكل علم جهازا من المصطلحات الدّقاق تسطر منهجه وتبني مفهومه وتشكل مجال اشتغاله، وبدت روافد هذا العلم ومرجعياته عديدة اغتنى بها المصطلح واستند إليها فضلا عن كونها- أي الأسمائية نهجا ومقاربة- تنفتح على النصوص الأدبية بمختلف أشكالها لتستكشف أسئلتها وتدقّق في بنيان أسمائها وجذور التسميات وحقائقها وتصانيفها وتحدد استراتيجية العمل فيها.

3- حدّ الأسمائية:

سعينا قبل إلى بيان ثراء الجهاز المصطلحي الذي رافق نشأة الأسمائية وكشف علاقتها بالعلوم الأخرى لاسيما اللسانيات- كما سنرى فيما يتلو بيد أن التعريفات التي صاغها أغلب الباحثين في الأسمائية- Les onomasticiens تؤكد تشعّب هذا العلم ونهله من مشارب علمية تجاوره، فمن التعاريف التي نتج عنها البحث في الأسمائية حدّها بأنها ” دراسة أسماء الأماكن والأشخاص” وسوّته علما لأسماء الأعلام Science des noms propres[3] ووسّع كومبرو Comproux ميدان الأسمائية فبدا ميالا إلى جعله مغطيا- في مفهومها الأعم “سماء الطائرات وشفرة الحلاقة والروبو والأشخاص والمحلات[4]، وبناء على هذا المفهوم نجلُو مقصد كومبرو في وصل الأسمائية بالبحث في أعلام المكان وأعلام الشخص فضلا عن أشياء أخرى لا نلاحقها في بحوث لسانية ومنطقية أخرى كشفرة الحلاقة مثلا- التي جعلها كومبرو مثالا من أمثلة الدرس الأسمائي.

إن جان ديبواJ. Dubois وجماعته يعرّفون الأسمائية بكونها “شعبة Branche من المعجمية Lexicologie تدرس أصول أسماء الأعلام”[5] أما بودال Baudelle فقد أقر بعلائقها باللسانيات إذ هي “قسم من اللغة ومظهر من مظاهر السنن”[6] ونلحظ أنّ قريماس Greimas وكورتاس Courtes في قاموس السيميوطيقيا ينأيان عن هذه الحدود فعندهما – تعنى الأسمائية من وجهة مّا التنظيم الداخلي للخطاب “مكونا فرعيا للصورانية Figurativation وتسعف في إعادة إنتاج أثر الواقع.

وإذا كان لفيف من درّاس اللسانيات والباحثين في المعجمية يصرّحون بأن الأسمائيّة إذ تتغيّا الاشتغال على المكوّن الأسمائي ترسيخا تاريخيّا Ancrage historique لمرجع خارجي وإعادة إنتاج أثر المعنى لا الواقع باعتبارها مبحثا معجميا ضمن ما ألفوه من معاجم في الأسماء الأعلام والأشخاص فإنهم – في ذلك – يجمعون على أنّ الأسمائية ” دراسة الاسم العلم درسًا لغويا في ثباته وتحوله والنّظر في أحكامه الصرفية وفي ما يلحق به من متغيّرات سياقية، تكسبه شحنات دلالية كان خاليا منها خارج النص ومن المهام الأخرى المنوطة بعهدة الأسمائية والمحمولة على أن تجود النظر فيها الفحص عن الدواعي التي حدت بالمبدعين والأدباء إلى اصطفاء أسماء أعلام مكان وأعلام أشخاص بعينها، وإدراجها في المنظومة الإبداعية والنسوج الشعرية والسردية، والنزوع إلى تعليل ذلك الاختيار وتسويغه، وتسعى إلى بيان أثر الأسماء الأعلام في وظيفة النصوص الأدبية وما يطرأ على بناها من التغيرات وما يعتريها من تبدلات صوتية وصرفية ومعجمية تتغير بها ملامح تلك البُنى وتفتح محجّات على المتلقي وترسم من ثم فرادة المبدع الذي يخلق التسمية ويؤسسها بما أنه صانع أسماء الأعلام Forgeur de Np. إنّ الأسمائية بهذا المعنى تمثل قسما من اللسانيات، ثم تراكمت لها حشود من المصطلحات المخصوصة صارت وقفا عليها وتحولت أدوات بحث بما هي علم- في أصول الأسماء- داخل الأشكال الإبداعية والأجناس الأدبية لأنها اكتسبت طرقا خاصة و”صارت لها” إشكالياتها ومناهج عملها تمد الناقد بمعلومات حول دور الاسم العلم في الأثر الأدبي وحول دلالته الإخبارية والتضمينية ودلالته الرمزية [7].

4- مجالات الدرس الأسمائي:

يرى جان دي بوا وجماعته أنّ الأسمائية تنكّب على دراسته أسماء الأعلام قاطبة ولذلك فمدارها درس أعلام الأشخاص L’anthroponymie وكذا أعلام الأماكن La toponymie[8] وهما القطبان اللذان تجري- حولهما- الدراسات والمقاربات الأسمائية، ومن خلالهما انعقدت كثرة من البحوث وقد عرّب إبراهيم بن مراد المصطلح الأوّل بالأعلامية “Anthroponymie”[9] وجعل مصطلح المواقعية رديفا للثاني Toponymie وفاقا لمضمونه ومعناه واكتفى جمال الحضري بترجمة المصطلح الأوّل المذكور بـ”دراسة أسماء الأشخاص” وهو عند مونان “قسم من المعجمية يدرس تطورّ الأسماء”[10] وتأسيسا على هذا –لئن اختلفت المصطلحات المعرّبة للمصطلحين المذكورين الدالين على أعلام الأماكن وأعلام الأشخاص- فإن حدّهما وتعريفهما في المصنفات والقواميس لم يخطئ سبله بل بقي محتفظا بدلالاتهما رغم صيغ الترجمة وطرائقها. ومن غير شك تحوج أسماء الأعلام ومنها أعلام الأماكن- عالم أسماء الأعلام La toponymiste إلى الإلمام بعدد كبير وفير من المواد التي تذّلل صعابا كأداء جمة لفهم مدلولاتها والمقاصد منها، وتضطر الباحث إلى استعداد طويل لمقاربته الأسمائية [11]. أمّا درس أعلام الأشخاص فإنه بدا معقودا على درس جذور أسماء الأعلام وتاريخها [12] وقد انبرت له الأسمائية الأدبية عموما والأسمائية الروائية والشعرية حصرا- لمعالجة قضاياه ووجوه انشائيته والمثال الأبرز عليها الأسمائية البروستي L’onomastique proustienne[13] وكان للبنيوي والسميوطيقي الفرنسي رولان بارك [ت 1980] إسهامات جليلة عميقة الأثر في البحوث الأسمائية، وقد تصدّى في دراسته “بروست والأسماء Proust et les noms” لتوظيف الأسماء الأعلام وبيان دواعي اختيارها والتحولات الصرفية والصوتية التي اعترتها. ولئن- كان البحث الأسمائي في الأدب وأجناسه قد استحكم في العقود الأخيرة وتشعّب. ومازال الإكباب على الفحص عن علائق الأدب بالأسماء الأعلام متّصلا وتمحّض له مصطلح الاسم الأسمائيLe nom onomastique فإنّ تسعاء جمهور من النقاد واللسانيين- إلى ضبط صنافته لبعض الأسماء الأعلام وسّع من مجالة البحث فيه وهي:

– أعلام الماء hydronymie (من اللفظ اليوناني ماء Hydro) وتطول دراسته مجاري المياه Les cours d’eau والأحواض الصغيرة Pièces d’eau.

– أعلام الجبال L’oronymie (من اللفظ اليوناني جبال Oros) وتهتم بدراسة الجبال والأكم والصخور…

-أعلام الطرقات والسبل L’odonymie (من اللفظ اليوناني طريق Odos)[14].

وإجمالا نلحظ أنّ هذه التصنيفات التي تحريناها وذكرنا طرفا منها- إنما تنخرط في مدار أعلام المكان- وهو المبحث الأوسع والأكبر الذي تترصّع فيه هذه الأعلام الصغرى وهي مدرّات البحث في الأعلام- وإن بدت ضيقة متخصصة معقودة على فرع واحد من أصل- وهي بلا شكّ- تفيد درّاس الأدب والشعر خاصة لكثرة هذه المواضع فيه وانفتاحه عليها إذ هي فيه أشبع وفي ثنياته أظهر…

5- علاقة الأسمائية بالعلوم المجاورة:

لمّا كانت الأسمائية- بالتسمية والتخصّص- والانفتاح على غيرها من العلوم علما حديثا غضّ الإهاب إذ ترتد نشأته إلى القرن التاسع عشر حسب كمبرو Camprous وإن طالعتنا بعض البحوث الحديثة جدا- بأن له جذورا ضاربة في القدم نقع عليها في كتاب الاشتقاق لابن دريد [ت 321] على سبيل المثال لا الحصر[15] فقد جنحت بعض الدراسات الموصولة بالأسمائية والمنشغلة بقضاياها- إلى الفحص عن أهم ما يشدّها من روابط وعلائق إلى العلوم الأخرى المجاورة لها التي امتاحت عليها وامتحّت منها ما به تشكلت أجهزتها من المصطلحات وأرصدتها من الأدوات، وأفادت منها في ما وُسم بالمقاربة الأسمائية L’approche onomastique. ومن ثمّ فإننا نتعقب حثيثا إشارات وافة بالغرض، والقصد إلى ضروب الصلات تربط “الأسمائية” بالعلوم اللسانية نذكر إلماحا إلى بعض ما شفّت عنه البحوث المؤسسة على شواغلها وصلاتها بدراسة الأسماء منها:

-الأسمائية: نظام/بحث لساني Discipline linguistique [16].

-الأسمائية تدرس أعلام الأشخاص والأماكن وتصدر عن اللسانيات والأسلوبية [17].

-الأسمائية قسم من المعجمية Lexicologie [18].

-الأسمائية الجيدة تحوج إلى أسس لسانية [19].

-للأسمائية صلات بميادين أخرى من العلوم الإنسانية مثل الميدان السوسيولساني[20].

-للأسمائية علائق بعلم الاشتقاق La science de l’étymologie وعلم أسباب نشأة الأعلام L’étiologie [21] ولذلك تحدث كومبرو عن علم أسباب نشأة الأسماء L’étiologie onomastique.

-الأسمائية متصلة بالجغرافيا وهما متذاوبان متراشحان[22].

-الأسمائية موصولة بالتاريخ وعلم الاجتماع [23].

-للأسمائية صلات بالنحو التاريخي وعلم الدلالة La sémantique [24].

-للأسمائية وشائج يعلم اللهجات Dialectologie [25].

ندرك حينئذ من خلال تشعب صلات الأسمائية بعلوم أخرى كثيرة تعرب عن كثرة من شداة المعرفة بها، والفهم بمجالات دراستها أنها علم استقام له حشد من المصطلحات والمفاهيم واسترفدت عددا من العلوم كشفت الدراسات التطبيقية التي أجريت على أرصدة من الأعلام، نجاعتها في درك آليات اشتغالها وتوفقها في بيان فوائد جمّة متصلة بها والنفاذ إلى نتائج صائبة استمدت صلاحيتها من هاتيك العلوم مثل علم اللهجات وعلم الاشتقاق وعلم الاجتماع واللسانيات- هكذا تضرب الأسمائية بعروقها في ميادين، وذهب زعم بعض الدارسين إلى أنها غريبة عنها وليست من مجالات بحثها.

وأفضى استرفاد هذه العلوم إلى معرفة جذور أسماء الأعلام وتاريخها وأصولها ودلالتها والتحولات التي طرأت عليها والشعوب التي اصطنعتها وتداولتها ووجوه استخدامها في ما اصطلح عليه بالاستخدام الأسمائيL’usage onomastique [26]. ونلحظ كذلك في مدار الأدب شياع مصطلح الاستخدام الشعري L’usage poétique بل انصرفت بعض البحوث المهتمة بمدارسة الأعلام إلى أن الحقول المعرفيّة المتنوعة التي ولجتها الأسمائية في درسها للأسماء الأعلام لم تكن بمعزل عن التطورات الطارئة المتسارعة التي اقتحمت حمى اللسانيات وفروعها كالأسلوبية وعلم الدلالة والمعجمية ونحو ذلك مما يشغل بال الباحث الأسمائي L’onomasticien  الذي يعتبر هذه العلوم الفرعية المتولدة عن اللسانيات- عُدته وآلته في التصدي للأسماء الأعلام قاطبة ومباشرة لتقصّي خصائصها وأصولها ومنابتها الأولى. ومن هنا، فلئن كانت الأسمائية ناهضة فقط على “أسس لسانية جادة” [27] باعتبارها “علما معقدا ومصب علوم عداد فإنها لبثت مع ذلك، علما حدوده غائمة غير محددة لأنه فقد هويته- وعطلت قيمته بكثرة ما تواردت عليه من علوم وما استدعى من آليات بحث- بدت به هاتيك العلوم فاقدة لخيط ناظم سالك يهدي- غاية الهداية- إلى صلة بيّنة واضحة بالأسمائية ولعل ذلك جرأ بعض الدارسين على جعل الأسمائية مزعجة gênante) للعقل (…) بالنسبة إلى بعض علماء اللسان [28].

6- وظائف الأسمائية:

يبدو أن علما ما من العلوم – إذا عطل من الوظيفة أو الوظائف- المنوطة به فإنه سيعطل حتما من الفائدة والنجاعة. لأن فهم أصوله وتوجهاته والمصادر التي نهل منها وغائيات نشأته- لن تظل كافية لرسم حدود هذا العلم وجوهره- ما لم يتعزز بوظائف تلقى عند جمهور المتلقين والمهمومين به- صدى وهوى والحق، أن الأسمائية لم تصفر لكونها علما حديثا استنفرت علوما أخرى ساندة لها مؤصلة لغاياتها- من وظائف تبيّنها الباحثون واللّسانيون سواء في المعقود من البحوث عليها مطلقا أو في ما اختصت به الأسمائية الأدبية الروائية أو الشعرية- إذ لم تعدم- هي الأخرى وظائف. وقد ألحت البحوث على الاستخدام الأسمائي الذي صدر عن مقاصد المنشئين وصناع الأدب عامة، فعنوا به غاية العناية لذلك فالاستخدام الرمزي L’emploi symbolique والاستخدام الواقعي L’emploi réaliste [29] هما هدفا التوظيف الأسمائي بل هما الوظيفتان اللتان اصطنعتا للأسماء الأعلام ناهيك بوظائف أخرى رشحت عن البحوث الأسمائية مثل التهكّم Cocasserie والإغراب Bizarrerie. وتبعا لذلك يلمح كومبرو إلى أن روايات بلزاك Balzac لم تعطل من القيمة الرمزية بل كانت هذه الوظيفة سداها وعلى هذا الأساس، فُتن سان أنتونيون San Antonio بالتهكم، في حين أولع ريمون كونوR. Queneau في أعماله بالغراباتLes Bizarrerie [30]. إن الأسمائية باعتبارها مجمع علوم استقطبتها في مسيرتها البحثية- استطاعت النفاذ بكفاية عالية- إلى حشد من الوظائف رافقت اهتماماتها بالنصوص الأدبية التي استظهرت فيها تلك الغائيات والوظائف.

ولعل من أبين هاتيك الوظائف وأجلاها هي ما أشار إليه شتراوس في مصنفه الفكر البرّي وهي: التمييز tentification والتصنيف Classifier والتعريف Définir socialement[31] وهذه الوظائف وإن بدت كلاًّ على الأنتروبولوجيا وعلى خزينها المصطلحي الذي نحته أعلامها للاسم العلم- فإن اندفاقه في مجاري الأدب بأجناسه المتنوعة بدا جليا وبينا ولا يحوج إلى دراسة، ينضاف إلى ذلك أن جمهور المتلقين ينزع بفضوله إلى كشف غموض الأسماء Les mystères des noms أي أعلام الأشخاص وأعلام المكان التي تهيأت أن تكون شواهد- على الأحياء والأموات- وقد ذكر شتراوس ذلك في المظان فضلا عن وظائف أخرى أعلق بالاسم العلم وأظهر صلة به إذ إنّ الاسم العلم يوظف للتذكر réminiscence ولبيان سلطة التجوهرPouvoir d’essentialisation وسلطة الشاهد Pouvoir de citation[32].

 وتبدو الوظائف التي حايثت الاسم العلم متعددة طالت مجالات بحثية متنوعة كالأنتروبولوجيا واللسانيات فاصطناع الوظائف للاسم العلم مرتهن بجدة هذه العلوم وجديتها وإحكام توظيفها لما يظهر في الثقافة الغربية.

ولا شك أن للاسم العلم وظيفة عرفانية يدلف منها إلى غور الذاكرة ويرحل في مسالك الماضي وكنه أثره في فهم الإنسان للعالم ومقولة أشيائه وابتكاره التسميات. إلى جانب ذلك- لم يخل الاسم العلم من وظيفة حجاجية Argumentative يصير بها الاسم العلم سلطة إقناع تحمل على التبكيت والكشف عن معتقدات المخاطب بالمعنى الحجاجي للمعتقد Croyances على هذا الأساس نهضت الأسمائية البروستية- في عالم الرواية- بنصيب وافر من الوظائف ألمح إليها ميشال أرمان M. Erman[33] منها أن الأسمائية تتيح ذلك اللعب على الدال C.Jeu sur le signifiant (أي الوظيفة اللعبية Fonction ludique /fonction poétique) من خلال التناغم Euphonie أي المتعة التنغيمات الألفاظ Le plaisir des sonorites في مدار القيمة الجمالية La valeur esthétique المنغرسة في أصل الخلق الأسمائي La création onomastique، تنجلي بها الضغوطات التي يحياها الإنسان ويتحرر بمقتضاها من أسر القلق والتوتر، غير أن الوظيفة والكنائية Fonction métonymique تلوح أوصل بالأدب وأكثر دورانا حوله – فقد سبق لشتراوس أن حدد دورها في اصطناع الأسماء الأعلام مع الاستعارة وتستدعي أنا كارلستد شعر نوسترادام  Nostradam، مثلا للإلماع إلى هذه الوظيفة الظاهرة في تركيم صور البحر وغوامضه حيث تنهض أسماء مثل كاستور Castor وبيليكيس Pulux بوظيفة كنائية يتجاور فيها الإسمان مع صور النار لـ سانت ألم Saint Elme وكوكب crinite التي تعني Astre Chevelu نجم مشعّر لأن Stell a crimit في اللاتينية هي مذنّب Comette [34] وفي هذا المساق الكنائي يتّضح المدلول الاشتقاقي مثلما أشرنا Le signifie étymologique الذي به يتأسس البعد الكنائي ويترسخ ذلك أن اللفظ Peron في اللاتينية يفيد اتصالي مع resonner avec وهو بالكناية القناع Masque[35] من هنا نفهم استرفاد الأسمائية للاشتقاق ظهيرا لفهم الأسماء الأعلام وما يترصع فيها من الدلالات المؤسسة على الكناية، ولعلنا إذا أمعنا النظر في ما يلوح في البحوث من وظائف مرصودة للأسمائية ظهرت لنا في غضونها وظيفتان هما الوظيفة الإسنادية ونظيرتها التصنيفية فهما تساهمان – بقدر كبير- في تردد/تموج Flotter الشخوص الروائية وردها إلى مدلول اشتقاقي لاستقطاب الدلالات الملابسة لها وإدراج الاسم العلم في محضنه الثقافي والاجتماعي وبذلك يتبدّى الثراء الأسمائيLa richesse onomastique المركوز في الاسم العلم المحقق لضرب من الجمالية الثانوية في نصوص الأدب…ويقع الناظر في وظائف الأسمائية متى سعى إلى تدبرها- على وظيفة أخرى هي الوظيفة التأويلية حيث تقتضي- الأسماء الأعلام في بعض السياقات المخصوصة إلى جهد تأويلي مكثف كشفا عن حزم دلالتها وإيحاءاتها الأسمائيةLa connotation onomastique الحالة في أبنتيها الصوتية والصرفية وعليه تجزم فيرونيكا قنزاليز V-Conzalez بوجود قصدية واضحة في اختيار الأسماء الأعلام إذ أن انتخابها وتخيرها يُحوج إلى البحث عن صلاحية الاسم- الذي سيختار لإعادة ضروب التبرير الأسمائيRemotivassion onomastique وهو تبرير توجهه تلك القصدية المتخفية وراء الاستخدام الأسمائي- للاسم العلم- ومسوغ ذلك أن مناط دراسة الأعلام هو درس آليات الاشتغال النصي لها باحثة في اشتقاقات الاسم العلم وأبعاده الإحاليّة والدلالية وما يشحن به الأسماء والأعلام من معان مضمرة.

7- الخاتمة:

نلحظ في الدرس الأسمائي تعدد الوظائف التي تضطلع بها الأسمائيّة والتي تتحرّك في فضاء أفكار كلود ليفي شتراوس المبثوثة أوزاعا في كتابه الفكر البري التي أشرنا إلى مظاهر منها طي عملنا، لقد ترجحت الوظائف اللصيقة بالأسمائية بين الوظيفة الإحالية التي تصل الدال الأسمائي بالمرجع المحيل عليه والوظيفة الكنائية وهي الأعلق بإنشائية الأدب وأجناسه ذلك أن هذه الوظيفة الأكثر اطرادا في الشعر والرواية خصوصا لما تلقيه فيهما من ظلال جمالية فنية ترقى بالأدب وتوفر له بسطا من الإنشائية معجبا. وإن كاشفتنا “أنا كلستاد” باتساع الوظيفة الكنائية لتؤشر على معنى آخر هو “تلخيص” الأحداث أو كشف مراحل تاريخية كاملة[36] هو إجراء فني جمالي أوغل في شعاب الرؤية وأقوى جريانا على المواد الأسمائيةLe matériau onomastique بما يوفره من إمتاع والتذاذ للقارئ ومن الواضح أن وظائف أخرى ألمحنا إليها كالتصنيف والتعريف والتمييز تشف عنها الأسمائية في النصوص الإبداعية عامة وتشي حقا بأنّ تواصلا قويا- يتجلى للدارس أنّى جاس خلال الأعمال المؤسسة كأعمال شتراوس وما ترتْ فيها من وظائف الأعلام- والنّصوص الأدبية التي تشتغل عليها الأسمائية وتتصدى لها بالدرس والبحث والفسر.

والجهاز المصطلحي الذي توفره للأسمائية باعتبارها علما يدرس أصول أسماء الأعلام وتبين أثر هاتيك الأسماء في الوظيفة الأدبية للنصوص وما يعتري بناها من عميق التحوّلات والتبدلات الصرفية والمعجمية والدلالية يزوّد دارس الأدب بمفاتيح نفهم بها كثرة من أسرار نشأة النصوص الأدبية وإنشائيتها.


1- Jean Doubois et all: Dictionnaire de linguistique, p 346.

2- Greimas et Courter: Dictionnaire raisonnée de la sémiotique p.

[3]–  Baylon et Fabre: Op.cit, p 9.

[4]– Baylon et Fabre: Op.cit, p 7.

[5]– Jeun Dubois et all Dictionnaire de linguistique p 346.

[6]– Baudelle: sémantique de le l’onomastique romanesque,1/190.

[7]– Baylon et Fabre: Op.cit, p 17

[8]– Jeun Dubois et all Op. cit. p 346

[9]–  زكية السائح دحماني: الأسمائية في اللسانيات. ص 16.

[10]–  جورج مونان م م ص

[11]– Baylon et Fabre Les noms de lieux. p 6.

[12]– جورج مونان، قاموس اللسانيات، ص 37 (بالفرنسية).

[13]– Roland Barthes: Le degre zero de lecriture p 128.

[14]– Baylon et Fabre op cit p 5

[15]– Baudelle : Op. cit, p 1/64.

[16]– Baylon et Fabre: Les noms de lieux, p 15.

[17]– Ibid, p 5.

[18]– Ibid, p 13 et p 24.

[19]– Ibid, p 12.

[20]– HerreYannik : L’importance des noms, p 1.

[21]– Baylon et Fabre: Op. cit, p 25.

[22]– Ibid, p 100.

[23]– Anna Carlstedel :Op. cit, p 149.

[24]– Michel Erman: L’onomastique littéraire, p 239.

[25]– Baylon et Fabre: Op. cit, p 17.

[26]– Baylon et Fabre: Op. cit, p 6.

[27]– Ibid, p 19.

[28]– Anna Carlestedet: Op. cit, p 348.

[29]– M. Erman : L’onomastique littéraire, p 239.

[30]– HerveYannik: Op. cit, p 3.

[31]– Molino. Le nom proper dans la langue- langage n 66-1982 p 17.

[32]– Anna Carlestedel: Op. cit, p 48.

[33]– Veronica Gonzalez: Approche onomastique des grandes marques de Jacques Poulin, p 10.

[34]– Anna Carlestedel: Op. cit, p 48.

[35]– Veronica Gonzalez : Approche onomastique des grandes marques de Jacques Poulin, p 10.

[36]– Anna Carlestedel: Op. cit, p 49.


المراجع:

  1. دحماني زكيّة: الأسمائية في اللسانيات الحديثة: النظرية والتطبيق، منشورات الجامعة التونسية.
  2. ستروس كلود ليفي: الفكر البرّي: تعريب نظير جاهل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر- بيروت- 2004.
  3. Barthes Roland : Le degré zéro de l’écriture suivi de nouveau essais critique- éd du Seuil, Paris, 1972.
  4. Baudelle Yves : Sémantique de l’onomastique romanesque, 2 tomes, Université de la Sorbonne nouvelle, Paris III, Thèse doctorat, Paris, 1989.
  5. Baylon Christian et Fabre Paul : Les noms de lieu et de personnes- éd- Formand- Nattran – Paris, 1982.
  6. Carlstedt Anna : La poésie oraculaire de Nustradamus- Université Stockholm- Thèse de Doctorat- 2005.
  7. Cassirer Ernst : Essai sur l’homme. TradNorhbert Massa-Call sens commun, Paris, 1975.
  8. Dubois Jean et al : Dictionnaire de linguistique- éd- Larousse- Paris, 1994.
  9. Erman Michel : Poétique du personnage proustien poétique, N° 124, Nov. 2000.
  10. Gonzalez Veronica- Approche onomastique de les grandes Marées : Cédille, 2010.
  11. Lefebvre Armelle : La poésie dans la recherche du temps perdu.
  12. Muret: (Ernest) ; Les noms de lieux- librairie Ernest de roux-Paris-1960
  13. Riglot François : Poétique et onomastique Poétique n 18 ; 1974.

 

 

 

 

مقالات أخرى

تعدّد الطّرق الصّوفيّة

جماليّة التّناصّ في الشّعر الصّوفيّ

“زيارة” الضّريح بإفريقيّة مطلع العصور الوسطى

1 تعليق

شهد محمد الختلان 8 أغسطس، 2021 - 8:07 م
نَقْعٌ كثير أثارته الروائية البريطانية "جيه كيه رولنغ" (مؤلفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة) حينما ألفت رواية أو "نداء الوقواق" باسم مستعار مذكّر؛ "روبرت غالبريث". صدرت الرواية، وبيع منها عدد متواضع جدا (3 آلاف نسخة تقريبا) قبل أن تًكتشف الحيلة، وتفضح صحيفة التايمز البريطانية السر. لاشتباه في هوية المؤلف الجديد على الساحة الأدبية جاء من وصف الملابس في الرواية والذي كان دقيقا بشكل لا يحسنه الرجال، كما أن الوكيل الأدبي الذي تتعامل مع رولنغ هو الوكيل نفسه الذي تعامل معه "غالبريث" رولنغ تقول أنها فعلت ذلك كي تتحرر من التوقعات المسبقة، وتجرّب الكتابة في صنف أدبي جديد (رواية بوليسية)، فتتلقى تعليقات القراء دون تزييف نظرا لمكانتها الأدبية. إلا أنّ بعض الخبثاء لمّحوا أنّ الأمر كله مدبّر، وأن رولنغ فعلت هذا عمدا كي تثير زوبعة وتزيد شعبيتها، وأن كشف هوية مؤلف الرواية جاء بإيعاز منها!لا يهمنا تمحيص نية رولنغ، بل يهمنا أن نعرف ماذا حدث بُعيد أن عرف الجمهور أنّ روبرت غالبريث هو في الحقيقة الروائية الشهيرة جيه كيه رولنغ. بالنظر إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعا المنشورة في ملحق Saturday Review الصادر عن جريدة التايمز بتاريخ 3 أغسطس 2013، نجد أن رولنغ تصدّرت قائمة الأدب الخيالي "" ذات الغلاف العادي عن روايتها التي كتبتها باسمها الحقيقي، كما أنها تتصدر قائمة كتب التخييل ذات الغلاف السميك بروايتها "نداء الوقواق" التي كتبتها بالاسم المستعار الذي كُشف سره! الرواية التي قبل أن يُعرف أنها مؤلفتها، لم يلتفت إليها أحد الأمر يصبح أكثر إيلاما حينما نعلم أن رولنغ -متخفية باسم "غالبيرث"- عانت بعض الشيء في نشر الرواية، فقد رفضتها بعض دور النشر! وبعض دور النشر هذه –حين افتضح الأمر- تجرأ على الاعتراف بذلك، والبعض الآخر آثر الصمت/السلامة. وهذا يشي بأن المعايير في صناعة النشر -حتى في الغرب- ليست عادلة دوما، وأن النجومية والشهرة هي الطريق السريعة للنشر وليست الموهبة.
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد