الحروب الدينية وصعود الدولة بمفهومها الحديث

ملخص:

ينصبّ النّظر في هذا البحث على تفحّص أحد أبرز الأمثلة التاريخيّة حضورا عند مطارحة موضوع العنف الديني وصعود الدولة الحديثة: “الحروب الدينية”. سنوضّح في لحظة أولى، كيف انقسم المسيحيّون إبّان الحماسة الدينيّة في زمن الإصلاح إلى طوائف دينيّة متنازعة، وبدأ الكاثوليك والبروتستانت بالتّناجز والتّهارش، في مُقتتل استمرّ قرنًا من التوتّر والفوضى، وأظهر للغرب الخطر الكامن في الدّين الشّموليّ.

وسنعمل في لحظة ثانية على استدعاء بعض الرؤى التّنظيرية السياسية التي ترى أنّ الحلّ الأنسب لتلك العائقة يكون بالانخراط في منظومة التسامح الديني وصعود الدولة الحديثة، حيث تم تهميش الولاء الكنسي، وأمّنت السلطة الزمنية استئثار وسائل العنف. ومنذ تلك اللحظة أضحى إخفاء الشعور الديني في المجال العام أمرٌ ضروريّ، مكّن الطوائف الدينية من الإتّحاد على أساس الولاء للدّولة ذات السّيادة المدنيّة والحياديّة الدينيّة.

وفي الأخير سننتهي إلى أنّ قصة الحروب الدينيّة ليست مجرّد تاريخ موضوعي، بل هي تلازم أيديولوجي للتغيرات في نُظُمِ السّلطة في أوروبا، وخاصة ارتحال الولاء من السّلطة الروحية إلى السّلطة الزّمنية، فصعود الدولة قد ترافق مع انزياحٍ في القيمة التي يتهارج البشر ويموتون من أجلها. وفي ضوء هذه الصورة، سنكشف مدى لا معقولية الفكرة القائلة بأن انتقال السلطة من الكنيسة إلى الدولة كان فعلا حلا لذلك الكمّ من العنف.

الكلمات المفاتيح: الحروب الدينية، الدولة، الإصلاح البروتستانتي، التّسامح الديني.

Abstract:

This research is based on the analysis of one of the most prominent historical examples presented in the study of religious violence and the rise of the modern state: “Religious wars.”

We will examine in the first moment how in the period of religious reform, Christians were divided into conflicting religious communities, and Catholics and Protestants began to fight, in wars that lasted through a century of tension and chaos, showing the West the danger inherent in public religion.

In a second moment, we will call for some political theories that the solution to this crisis is to engage in the system of religious tolerance and the rise of the modern state.

Ecclesiastical loyalty has been marginalized, and time power has secured the appropriation of means of violence. From that moment on, religious communities were able to unite on the basis of loyalty to a state with civil sovereignty and religious neutrality.

Finally, we will conclude that the story of religious wars is not just an objective history, but an ideological tying of changes in the systems of power in Europe, particularly the shift of loyalty from religious power to temporal power.

Key words: religious wars, state, Protestant reformation, tolerance, peaceful coexistence


1- تمهيد:

إنّ النّاظر في تاريخ الإنسانيّة على وجه العموم وفي التّاريخ الأوروبي على وجه الخصوص، يلاحظ أنّ موجة الحروب التي عرفتها أوروبا في مطلع العصر الحديث، كانت من أعظم المراحل الفارقة في تاريخ المنطقة، ومن أشدّ الأحداث تأثيرا في توجيه التّاريخ الأوروبي والعالمي.

ولئن تسربلت تلك الحروب في غالب أمرها بسربال القداسة والدّين، فإنها تجاوزت كونها مجرّد مثال عهيدٍ على ما يعرف بالعنف الديني، لتستحيل أهميّتها بالنّسبة إلى الغرب العلماني جسامة تأسيسية، تقوم على مفارقة مهمّة في بلورة المفهوم الحديث للدولة، والانتقال العسير للغرب الأوروبي من القروسطي إلى الحداثي. فعندما أَبان أبطال رواية المذاهب الدينيّة المُتَناقِفة بأنهم على استعدادٍ لقتال بعضهم البعض حتى الفناء، بدأ السواد الأعظم يسود المشهد ليجعله معتما تماما، فمنظّري السّياسة كانوا مدركين تمام الإدراك أنّه حتّى وإنَ تحقّق السّلام المدني فإن قوى الدّولة هي الكفيلة بذلك.

فكيف تهيّأت الظّروف الموضوعيّة لاحتدام الحروب الدينيّة؟

وإلى أي مدى استطاع المنظّرون لصعود الدّولة بمفهومها الحديث بلورة توجّهاتهم الفكريّة في خضمّ تلك السيطرة الدينيّة؟

وهل كانت تلك الحروب دينيّة بحتة أم تعدّت ذلك؟

وهل نجح صعود الدّولة فعلا في تحقيق التّسامح الدّينيّ؟

2- المبحث الأول: تفكك وحدة الكنيسة واندلاع الحروب الدينية:

2 -1- المطلب الأول: حركة الإصلاح الديني وإعادة الاعتبار للسلطة الزمنية:

بحلول القرون الوسطى حادت الكنيسة عن مسارها الحقيقيّ وتخلّت عن مصداقيتها التي كانت عليها في قرونها الأولى. ومن يقرأ تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في تلك العصور يقشعر بدنه وترتجف نفسه من هول ما يقرأ[1]. ذلك أنّ فسادها تجاوز كلّ الحدود ولم يقتصر على مجال دون آخر، فكنيسة روما آنذاك ما تدخّلت في شيء إلا وأفسدته.

ومن المعلوم أن باباوات روما وسائر قطيع أكليريكهم، قد وهبوا أنفسهم للشرور والنجاسة والقذارة ومختلف أصناف الجرائم والأفعال الآثمة، حتى صارت طباعهم أشبه بالوحوش الضارية. وليس أكره للمرء من أن يقبع في الوحل النتن فيما يلزمه أن يكون مثالا في النّقاوة والعفاف، ومنه فلا يمكن البتة أن يصبح هؤلاء نوّابا للمسيح لمجرّد كونهم جلسوا على الكرسيّ الذي أضحى عندهم أشبه ما يكون بصنم يعبد.

وفي العصور الوسطى، كانت سلطة البابوية تعتبر العالم كلّه وحدة كنسيّة مترامية الأطراف، مركزها روما[2].

فكانت الدّول الكاثوليكية في مركز القوّة ظاهريّا، حيث كانت تمسك قبضتها على السّلطة الدينيّة والمدنيّة. ولكنها قوّة ظاهرية فحسب، غير مستندة إلى دعم شعبيّ على اختلاف طبقاته بل تهدف إلى تغذية الملكيّة الاستبدادية وتعزيزها، وتثبيت دعائم الإمبراطورية الكنسية، وهو ما ارتأيناه في فرنسا كما في إسبانيا؛ من خلال إذلال الكنيسة للشعب وممارسة مختلف أشكال الاستبداد عليه، وقد اتّجهت القوّة الاستبداديّة إلى محاكم التّفتيش في إسبانيا. كما استخدمت سجن الباستيل لقتل الحريات في فرنسا[3].

في خضم ذاك الظلام المرعب الذي جثم على أوروبا أثناء الفترة الطويلة التي ساد فيها حكم باباوات روما، ما كان لنور الحق أن ينطفئ، وكان على روما إذ طغت أن تجني من الثّمار المرة الشّائكة، حصاد أجيال.. فما استكان إليه الكثيرون لم تستسغه تلك الجماعة التي اِعْتاص عليها القبوع في تلك المنظومة أو حتى التّأقلم معها، إذ تحسّس أفرادها في داخلهم الحاجة إلى حياة أسمى فسعوا إلى إيقاظ ضمائر الناس… أنتجت هذه التّطلعات حماسة فكريّة تمثلت واقِعا في خلق إصلاح دينيّ جذريّ كان المبتغى الذي جاشت به النّفوس المشتاقة إلى رؤية نور الحضارة والتّخلّص من عتمة سواد تلك العصور.

مثّلت مرحلة الإصلاح فترة من التّمرد والاضطراب في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية التي وإن أعطت شعورا لا يتزعزع بالوحدة الدينيّة، إلا أنها اهتزّت بسبب الفضائح والمفاسد وظهور مصلحين جريئين، غير مبالين ولا متخوّفين من تحدّي أيّ شيء قائم.

ولعلّ من بين أهمّ المبادئ البروتستانتيّة المساهمة في إضعاف السّلطان الكنسي والتي روّج لها مارتن لوثر ومن بعده أورليخ زوينجلي وجون كالفن، هي أحقيّة كلّ مؤمن في التّواصل مع الله مباشرة دون وسيط، وأنّ السّيد المسيح جعل جميع المؤمنين كهنة لله، وكلّ من يتوب إلى الله توبة صادقة ينال الغفران دونما حاجة إلى صكوك بشريّة[4].

يلاحظ الباحث، أنه مع الثورة البروتستانتيّة، وفي خضمّ التّرويج لعقيدة كهنوت جميع المؤمنين أضحى لكلّ مؤمن القدرة على تنصيب نفسه حكما على أمور الإيمان. فهذه العقيدة جعلت كلّ إنسان يستشعر في داخله المسؤوليّة تجاه الله، وحرّرت الفرد الغربيّ من السّيطرة الكهنوتيّة، وخلّصته من الخوف الإكليريكي، وأعتقته من السّلطان الكنسي، فلم يعد لسيف الحرمان الرّوحي قوّة تخيفه[5].

كما أعلن جون كالفن في كتابه “أسس الدّين المسيحي”، صراحة شَجَبه إلى تقييد المسيح والرّوح القدس والكنيسة بمكان ما فيصير كلّ من يحتلّه يرى في ذاته نائبا للمسيح وعاهلا للكنيسة في آن، بتعلّة أنّ ذلك المكان كان ذات يوم كرسيّا لبطرس الرّسول، ويهاجم كالفن هذا الأمر بقوله:” إنّ هذا ليس شرانيّا ومهينا للمسيح فقط، بل أبعد ما يكون عن العقلانيّة وأغرب ما يتطرّق إلى الحسّ الفطريّ”.

كما هاجم مصلح جنيف باباوات روما واعتبرهم مصدر أعظم البلايا التي ابتلي بها دين المسيح فقد كانوا طوال تلك القرون باستمرار، إما خلوا من الدّين، أو ألدّ الأعداء له[6]. وقد تزامن انتشار الأفكار البروتستانتية مع تفشي الآراء المعادية لكنيسة روما ورجالاتها. ذلك أنّ السواد الأعظم من مؤمني أوروبا في مطلع العصر الحديث، انعدمت ثقتهم في البابا، وفي صكوك الغفران، وغيرها من المعارف التي سيطرت على الفكر الغربي في العصور الوسطى. ولا مراء في أنّ مشاعر الكراهية تلك قد أضعفت كنيسة روما ومزّقت وحدتها وأدّت إلى تلاشي سلطانها.

وعلى أية حال، فقد كان لتلك الحماسة الدينية التي قادها لوثر ومن بعده زوينجلي وكالفن، ثمار عديدة لعلّ أعظمها: تحطيم النظام الثيوقراطي القاسي، وتحرير الأمم من نيره المستبد، وفتح الطريق أمامها للظّهور وفكّ القيود المكبّلة لها، فما عادت روما عاصمة كلّ الدول، بل أضحى لكلّ دولة كيانها وصيغتها.

وصفوة القول، فإنّ الزلزلة التي أحدثها الثّالوث البروتستانتي في أوروبا أو ما يعرف بحركة الإصلاح الديني قد زادت من الانقسامات الدينيّة وعمّقت أزمة روما الثيولوجيّة وأدخلت عليها مزيدا من التّعقيد. ولا ريب في أنّ القوى الزمنيّة قد استفادت إلى حدّ بعيد من تخريب البناء الفكري القديم.

 فعلى الرّغم من أنّ الإصلاح كان هدفه الدّين في جوهره، ومفاهيمه، وتطبيقه وهو أيضا السّبب الذي قامت من أجله انتفاضته، إلا أنّ الدّائرة السّياسية لم تكن بمنأى عن تلك الآراء الجديدة. وعلّنا لا نبالغ إذا سلّمنا بأنّه لا يمكن لأيّ مذهب سياسيّ في تلك الأزمنة أن يحقّق من النّجاحات السّياسيّة على المدى البعيد، ما يضاهي ما حقّقته الآراء البروتستانتية خاصّة فيما يتعلّق بإعادة الاعتبار لعاهل السّلطة الزمنيّة وتحرير الدّولة من الرّقابة الرّوحية، فمعلّقات مارتن لوثر أو ما يعرف بمقدّماته الثّيولوجيّة لم تلزمه بمهاجمة السّلطات البابوية وحسب، بل أيضا بملء فراغ السّلطة الذي خلّفته تلك المهاجمة عبر ردّ الاعتبار لهيبة الدّولة[7].

وبما أنّ الكنيسة لا تعدو أن تكون سوى جماعة من المؤمنين، فتبعيّة ذلك هي أن تملك السّلطات الدنيويّة الحقّ في احتكار جميع السّلط، بما في ذلك ممارسة السّلطة على الكنيسة ذاتها[8].

تجدر الإشارة إلى أنّ السّياق التّاريخي لتطوّر حركة الإصلاح، يشير بدوره إلى أنّ السّلطة الزّمنيّة لم تكن هي الأخرى بمنأى عن تلك المشاعر تجاه طغيان البابا ورجاله، فما إن تبلور الفكر المعارض في ألمانيا وباقي أمصار أوروبا، حتى وجد هؤلاء الأمراء العلمانيين أنفسهم منجذبين انجذابا متناميا نحو القضيّة البروتستانتيّة.

يقول مارتن لوثر في مقدمّة كتابه “إلى الأمّة المسيحية الألمانيّة النبيلة” مخاطبا الحكام: “مضى وقت الصّمت وجاء وقت الكلام”[9].

 لقد أراد من هذا لفت انتباه الحكّام إلى أنّ وقت الصّمت والطّاعة العمياء، والخضوع الذي لا فائدة منه، قد مضى وجاء الوقت الذي يجب أن يكونوا فيه فاعلين. ودعاهم إلى القيام بواجباتهم الروحية بما أنهم ممثلو السلطة التي أقامها الله من أجل أن تحكم المجتمع المسيحي “كما أن المخطئ، مهما علا شأنه، يجب أن يلقى جزاءه.”

والجدير بالملاحظة هاهنا، أن مارتن لوثر يروّج إلى اصلاحات دينيّة مثقلة بالانعكاسات السياسيّة. إذ أنّ إلغاء السّلطة الكهنوتيّة، يؤدّي ضرورة إلى توسيع نفوذ السّلطة الزمنية، بحيث يجب أن ندع للسلطة الحريّة المطلقة في ممارسة عملها دونما عراقيل في العالم المسيحيّ برمته.

 وغير بعيد عن مارتن لوثر، يرى جون كالفن أنّ للحكم المدني مقاصد عظيمة، فالسلطة الزمنية أوجدت من أجل تعزيز عبادة الله، ومن أجل الدّفاع عن المبادئ الصحيحة للتقوى وعن موقع الكنيسة، وتكييف حياة المؤمنين لضمان العيش المجتمعي، وتشكيل السلوك الاجتماعي بحسب معايير العدالة المدنية، كذلك تحقيق المصالحة بين مختلف الأطراف بغية إرساء السلام وتعزيز الاستقرار. كما يخضع كالفن الدولة الزمنيّة إلى الكنيسة، الممثلة للقلة التقية الورعة التي يعتبرها هبة من الله إلى البشر. فهي تآلف كل الذين يعمل المسيح في داخلهم والذي يجري الروح القدس نعمته فيهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ الكنيسة التي يخضع لها كالفن السلطة الزمنية هي الكنيسة الشرعية المنشودة وهي شركة المخلصين والمختارين منذ الأزل، أما الكنائس المنظورة أو السائدة فهي تتمثل في اجتماع المسيحيين في مكان معين وعلى رغبة واحدة تحت إدارة واحدة وهي القس أو الواعظ وتتلخّص مهامهما في وظائف الوعظ وخدمة الأسرار والتعليم والمحافظة على النظام[10].

ويمكن التسليم بأن روّاد الحركة البروتستانتية -رغم اختلاف بعض رؤاهم السياسية- قد نجحوا في إرساء ثيوقراطية جديدة قوامها الكهنوت العام المشترك، سعيا منهم إلى تحرير ما هو روحي ممّا هو زمني، على نحو مختلف عمّا كان عليه الحال في العصور الوسطى. ومنه فإن التفكير في الاستغناء عن سلطة الدولة سيكون ضربا من الجنون، فعملها بين البشر تضاهي أهمّيّته وظيفة الخبز والماء والشمس والهواء بل إنّها تفوقهم بتميّز بعيد المدى.

ولئن تفشت الأفكار الإصلاحية في جسد أوروبا المنهك، فإن الساحة لم تكن خالية للثالوث البروتستانتي حتى ينشروا ما استساغته عقولهم من أفكار ومبادئ كانوا يرونها سبيل نجاة الأمة المسيحية من ظلمات العصور الوسطى، ونيل مرضاة الله. فالسعي إلى إخضاع الناس ومحق تلك المعتقدات الدينية التقليدية الراسخة في أذهان العامة لقرون عديدة من خلال اجتهادات فردية بتلك الطريقة إنما هو ضرب من الجنون. وبذلك كان من الطبيعي نشوء خلافات عديدة بين البروتستانت وأنصار الكنيسة الكاثوليكية. وكنتيجة حتمية لرفض التسامح مع الآراء المختلفة تأجج العنف في مختلف الأوساط الاجتماعية باسم الدين، وهو ما دفع بالعديد إلى الانخراط في معارك من أجل آراء مذهبية عويصة تجاوزت قدرتهم على الفهم… ليُزجّ بأوروبا في بوتقة دموية عرفت بسنوات الحروب الدينية أو العنف الديني.

2-2- المطلب الثاني: الحروب الدّينية

بدأ العصر الحديث ونائرة الحروب التي كانت خامدة باتت تخيّم في سماء أوروبا. في حين أنّ الدين الذي كان راسخا في قلوب المؤمنين والذاكرة الإنسانية أصبح هو الشارد في التيه… الجميع يعرفه من أين.. لكن لا أحد يعرف إلى أين سينتهي به المطاف في خضم تلك السيطرة الدنيوية، وذلك الجشع الذي حوّل دين المسيح إلى سلاح يسعى كلّ طرف إلى استخدامه على نحو مبيد للطرف الآخر. وهو ما سيحوّل أوروبا في عصر الإصلاح إلى ساحات صراع دموية بسبب الخلافات المذهبية وما ستنتجه من حروب دينية مخلّفة الدمار والخراب وموقدة للهيب الحقد والكراهية والضغينة بين الناس، لتصبح الحياة داخل المجتمع الأوروبي أشبه بالجحيم فيصير الجميع يمقت في الطوائف الدينية نبذهم للآخر خاصة ما كان سائدا بين الكاثوليك والبروتستانت من إحَنٌ وتَهَارُش.

يمكن القول بأن الشعوب الأوروبية في تلك الفترة التي بلغ فيها العنف الديني ذروته، لم تعد متحمسة لإصلاح الكنيسة بقدر تحمسها لعيش حياة طبيعية وسط مجتمعات خالية من التقتيل والصراعات الدموية.

كانت الولايات الألمانية بشقيها البروتستانتي والكاثوليكي خاضعة إلى حكم الإمبراطور شارل الخامس، ملك إسبانيا، وكان أكثر ما عرف به هذا الرجل تعصبه وعدائه الشديد للبروتستانت فترأس الحلف الكاثوليكي المعادي لأنصار الإصلاح. ولكن يبدو أنّ الاعتبارات السياسية كانت تكبح جماح هذا التعصب وتدفعه لعمل مساومات.

ولقد أثار ظهور التّعاليم الإصلاحيّة في الأوساط الألمانيّة حنق الإمبراطور حيث ارتأى أنّ الخلافات الدينيّة التي سببها الوجود البروتستانتي، ساهمت إلى حدّ بعيد في تمزيق أوروبا إلى أشلاء متصارعة، فحاول مرارا عقد المجامع الكنسية ومجالس الأمراء وكبار الدولة محاولا التوفيق والصلح دون جدوى. ورغم ذلك كان يحدوه الأمل في إعادة الوحدة الدينية من خلال مجمع ترنت سنة 1545م، لكن المجلس لم يفلح في حل الخلافات بين الطرفين، حيث رفض البروتستانت الاعتراف بمخرجات ذلك المجمع، ومع سنة 1541م أصبحت الخلافات بين البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية أكثر اتساعا وأعمق أثرا وعندئذ قرر الإمبراطور أنه لا مناص من الاشتباك المسلح لفرض الوحدة الدينية[11].

يبدو بيّنا أنه ومن أجل الحفاظ على وحدة إمبراطورتيه، وتأكيد فرض سطوته على ألمانيا، اتفق شارل الخامس مع البابا على استعمال القوة ضد البروتستانت. وما كانت الأحداث السابقة إلا مجرّد ذرائع للخلاف والمعاكسة اتخذها الإمبراطور من أجل تبرير دبلوماسيته.

اندلعت الحروب الدينية بداية في ألمانيا سنة 1546م، بعد وفاة مارتن لوثر بأشهر قليلة، حيث راح شارل الخامس يحشد جيشا عظيما، وخاض حربا شعواء ضد اللوثريين، فانتشر التقتيل والتحريق، وشرّدت الطوائف البروتستانتية، ووقعت معظم قوات الجيوش البروتستانتية في الأسر، وعلى رأسهم حنا فريديريك نائب حاكم ساكسونيا، حتى أضحت ألمانيا كلّها في قبضة الإمبراطور. ومع ذلك فإنه لم يستغل نصره لغرض حل عقائدي، وظل يسعى لإيجاد تسوية يرضي بها البروتستانت[12].

 بناء على ما سبق نستنتج أنّ الحروب الدينية كانت صراعا سياسيّا في المقام الأول، ظهرت فيها الأطماع الشخصية بشكل جلي، فالخلافات المذهبية التي كانت تمزّق أوروبا إلى أشلاء متناحرة لم تكن اختلافات دينية بقدر ما كانت اختلافات ومصالح سياسية بامتياز، فلم يكن يبدو على معظم الأمراء والحكام الأوروبيين الذين انخرطوا في الصراع أنهم يعملون بإخلاص من أجل عقيدة المسيح، ولم تكن الاضطرابات الدينية التي عمّت أرجاء العالم المسيحي سوى مجرّد ذرائع للخلاف والمعاكسة، اتخذتها أخيلة الأمراء ودبلوماسيتاهم لتحقيق طموحاتهم.

مهما كان المسمى الداعي إلى الحرب، فإنّ الجميع يتفق على أنّ الحروب هي وسيلة دمار نفسي واقتصادي واجتماعي ومعرفي وحتى ديني، حيث أنّ الحروب مهما كانت مسوغاتها ما تلبث إلا أن تتمسك بأي خطاب يمكن أن يزيد من حدتها حتى يهلك الحرث والنّسل والبلاد وينتشر الفساد وتستشري الأوبئة والجرائم، ويميل الناس إلى ارتكاب أشنع المحرّمات ويخفت الضمير الإنساني، ويصبح المال والدين والحكم والبشر هم وقود الحرب، وهذا ما ابتليت به ألمانيا في مطلع العصر الحديث، إلى درجة أمكن القول معها أنّه لم يجلب انهيار الفكرة القائلة بمسيحية موحدة في أي قطر من أقطار أوروبا، عواقب أوخم مما جرّه على ألمانيا[13].

لقد كان لتلك الحرب التي خاضها شارل الخامس ضد الطوائف البروتستانتية أثر مختلف عن بقية الحروب؛ لأنها تُبعت بصلح اعتُبر صوت العقل في زمن الطيش. فبعد انشطار ألمانيا شطرين بروتستانتي وكاثوليكي، واحتدام التشابك بينهما، وسيلان الدماء من مختلف الأطراف، جاء صلح أوجزبورج عام 1555م على شكل تسوية تقرّر فيها ضمان حرية المعتقد الديني في المحافظات البروتستانتية دون تدخل من طرف الإمبراطور، إضافة إلى حرية الانتقال بكامل الأموال إلى مناطق أخرى، تبعًا للمعتقد الذي يريده الفرد، والأهم هو تأكيد بنود الصلح على منع استخدام العنف ضد أتباع المذهبين البروتستانتي أو الكاثوليكي، الأمر الذي يُعدّ تقدمًا كبيرا في شوط الحريات الفردية في حقبة زمنية معقدة.

على أية حال، لقد كان الصراع الديني المسلح داخل ألمانيا صراع على السلطة بشكل مستمر بين السيف الزمني والسيف الروحي. حيث كان حكام ألمانيا على قناعة تامة بأن باباوات روما زجّوا بأنفسهم في غمار الطموحات السياسية من أجل إخضاع السلطة الزمنية لهم، سعيا منهم إلى زيادة رقعة الولايات البابوية. فما إن نجح الإمبراطور في قضاء مآربه السياسية والتخلّص من خصومه الزمنيين حتى سعى جاهدا إلى فتح باب الصلح بين الطائفتين لتعيش ألمانيا قرابة النصف قرن من السلام.

 نأتي الآن إلى الحديث عن الحروب الدينية في فرنسا أين أثار الوجود البروتستانتي حفيظة كنيسة روما، وعلى الرغم من أنّ تلك الحروب أخذت طابعا دينيا فإنها كانت حروبا سياسية للصراع على السلطة بين البروتستانت الفرنسيين وأنصار البابوية. فقد أضحت فرنسا في أواخر القرن السادس عشر ومطلع القرن السابع عشر موطنا لحروب طائفية طاحنة بسبب تداخل السلطات الزمنية في الدين، والسعي إلى توجيه تلك المعارك من أجل خدمة مصالح سياسية.

ترى إلن هوايت أنّ روما لم تتخاذل في إضرام حسد الملوك ومخاوفهم، من انتشار الدين الجديد في فرنسا، حيث أنذر سفراء البابا الملك بأن البروتستانت سيقبلون كلّ النظم المدنية والدينية ويدمّرونها، فإدخال دين جديد يتبعه حتما إدخال حكومة جديدة. كما استغاث اللاهوتيون بتعصبات الشعب فأعلنوا أن العقيدة البروتستانتية “تستميل الناس إلى قبول البدع والجهل، وتسلب الملك محبة رعاياه وولائهم، وتدمّر الكنيسة والدولة”[14].

يبدو أن سياسة روما هي التي هيّأت تلك الظروف الدينية والسياسية التي كانت تسرع بفرنسا إلى الدمار. فقد سممت البابوية عقول الملوك ضد البروتستانت، بحجة أنهم أعداء للتاج وأنّ الفكر الإصلاحي إنما هو عنصر للنزاع يقضي على سلامة الأمة ووفاقها.

ظهرت في تلك الحروب الدسائس والمكائد والمؤامرات والخداع بشكل يتنافى مع الدين تماما، فعلى سبيل المثال راح البروتستانت الفرنسيون يستنجدون بإنجلترا ودعمها ضد الكاثوليك في مقابل تسهيل احتلال إنكلترا للوهافر الفرنسية، في حين التجأ الطرف الكاثوليكي إلى القوات الإسبانية كحليف في الحرب[15].

من أشنع الأحداث الإرهابية في تاريخ الحروب الدينية وأحزنها على الإطلاق، مجزرة يوم القديس بارثليمو، ففي صبيحة يوم 24 أوت سنة 1572م وقعت جرائم كبرى في حق البروتستانت وزعمائهم ولم تقتصر تلك المذبحة على باريس بل هوجم الهيجونوت في الأقاليم الفرنسية أيضا[16].

وتحت إشراف أسرة جيز الكاثوليكية وإلحاح كهنة روما أباح ملك فرنسا تلك الحادثة الإرهابية التي دبّر أمرها بالليل، فسطّرت خطوطا أشدّ سوادا من دجى الليل في سجلات الجرائم وكانت أبشع ما يمكن أن يرتكبه طغاة العصور المخيفة، ولا يزال العالم يذكر بخوف

ورعب عظيمين، مشاهد ذلك الهجوم الدّال على النذالة. والأسوأ أنّ إشارة البدء في تلك المذبحة كانت دقات الأجراس في سكون الليل، حيث كان الآلاف من البروتستانت نائمين باطمئنان في بيوتهم، مستندين إلى عهد الشرف بالأمان من فم مليكهم، فسُحبوا بلا سابق إنذار وقتلوا بكل قسوة.

هكذا خلفت الحروب الدينية في فرنسا من الفوضى والخراب ما خلفته حرب المائة عام في القرن السابق. وكادت الفضيلة أن تختفي، وساد البلاد الحقد ونَهمَةُ الانتقام. كما أكّدت الحروب الدينية أنّ البروتستانت كانوا أقوياء وشجعان، وكانوا مصرّين على المطالبة بالاستقلال السياسي والحرية الدينية، ومتمسكين بحقوقهم وحرياتهم إلى أقصى الحدود وهم دائما على استعداد لحمل السلاح دفاعا عن عقائدهم[17].

لُباب القول إن سيف الاضطهاد قد سحب في فرنسا في مناسبات عديدة من أجل مرافدة العرش وحفظ النبلاء والإبقاء على القوانين من جهة، ومن أجل القضاء على الفكر الجديد والتقرب من كنيسة روما من جهة أخرى.            

3- المبحث الثاني: الدعوة إلى التسامح وصعود الدولة الحديثة:

3 -1- المطلب الأوّل: الدعوة إلى التسامح:

خلال الحروب الدينية وفي ظل انتشار العنف الديني، لم يكن لدى الناس ريب متعلق بالخير الأعلى، أو بالأساس الذي يقوم عليه الالتزام الأخلاقي إزاء القانون الإلهي… إنّما تمثل الهاجس في تساؤل مطروح من عمق الواقع المعيش آنذاك؛ كيف يمكن للمجتمع أن يوجد في ظل هذه العقائد المختلفة؟ وهل يمكن تصور أساس للتسامح الديني؟ فكان الرّفض هو الجواب الحتمي بالنسبة إلى الكثيرين لأن ذلك يعني القبول بالهرطقة في مسائل الأصول، كما يعني تحقق حالة من عدم الوحدة الدينية، فحتى المؤيدين المبكّرين لمبدأ التسامح اعتبروا أنّ انقسام المسيحية كارثة كبرى، إلاّ أنه وجب تقبلها لأنها البديل الممكن لإنهاء الحروب الدينية، ووضع حد للعنف الديني. والسبيل الأوحد لتحقيق التعايش السلمي.

يقوم التعايش في أبعاده الكبرى على حق الاختلاف والتفرد والاستقلالية وتكريس مبدأ التعددية والإيمان بأن تباعد الأفكار واختلافها بين المذاهب لا ينبغي أن يقود إلى الصراعات، كما يقتضي هذا التعايش احترام حق الآخر في التواجد ونشر مبادئه والابتعاد عن سياسات التعنيف والتقتيل. وهو ما يفضي إلى الامتناع عن استخدام القوة والقهر والغطرسة وهذا فكر جديد راق.

ظهرت أولى حركات التسامح في سويسرا البروتستانتية حين تلقى كالفن رسالة من صديقه “زوركيندن” تتضمن نقدا لاذعا لسياسة الرفض والقمع التي لاقاها المعارضين لمذهب كالفن حيث يقول:”لا أكتمك سرا إني من الذين يتمنون أن ينتهي الاعتماد على السيف إلى الأبد، من أجل ردع الضلالات غير الإرادية وحتى الإرادية التي تسيء للإيمان في ديانة المسيح “(الإحالة). ويضيف فيقول:” إذا ما تعلق الأمر بضلال ديني ومروق عن تعاليم العقيدة، من الأفضل للحاكم أن يفرط في التسامح على أن يبالغ في الصرامة وإلا فأين عسانا نتوقف عندما تتسع الهرطقة؟ هل نقرر القضاء على الجماهير؟ وما أدرانا لو أن هذا المذنب سيتوب يوما حتى نعرض أنفسنا جراء التسرع المفرط إلى قتل نفس ربما أصبحت يوما زينة الكنيسة بعد أن كانت عبئا عليها “[18].

كما يؤكد “زوركيندن” على ضرورة العمل على تهدئة النزاعات في قلب المدن، واعتبر أن إنهاك النفس في الشؤون الدينية يعد عبثا لطالما أن حبل السلام الأهلي مضطرب ولم يستتب الأمن بعد.

وتواصلت نداءات التسامح الموجهة لجون كالفن عندما صدر كتاب موجز عنوانه ” مقال في الهراطقة “لكاستيلو الذي ناجى فيه المصلح السويسري إلى التخلي عن سلطة الغطرسة والطغيان، والعمل قصد نشر التسامح في الأوساط المسيحية، مشيرا إلى أنّ السيد المسيح قد أوصى قبيل تركه لهذا العالم أنه سيعود ذات يوم وذات ساعة لا يعلمهما إلا الله، وأنه أمر أتباعه بأن يعدوا ثيابا بيضاء ليلاقوه بها عند عودته تلك، وأنه يقصد بذلك أن يعيشوا حياة مسيحية ملؤها الودّ والتعايش السلمي من غير جدال ولا نزاع… ثم يشير كاستيلو إلى أن الناس تخلوا عن إعداد هذا الثوب الأبيض وتفرغوا للنزاعات والحروب ونبذ الآخر وإن أسباب هذه الجدالات لا تدور حول البحث عن الطريق التي تقودنا للسيد المسيح وحياة الخلاص، بل حول طبيعة المسيح ووظائفه، أين هو؟ وكيف يجلس؟[19].

مهاجمة كاستيلو لكلفن هي في حقيقة الأمر تواصل للنزاع الكائن بين الحركة الإنسانية الداعية إلى التسامح والسلام، والحركة الأصولية المتطرفة للكتاب المقدس، والتي ترى أن السلام الأهلي لا يتم إلا باستئصال الهرطقة والقضاء على أصحابها ماديا، والخضوع الكلي لسلطة دينية واحدة.

من الأصوات التي سئمت الحروب الدينية في مقتبل العصور الحديثة كذلك اللوثري فيليب كاميراريوس، الذي انتقد مرارا توجيه الحروب الدينية سياسيا والمذابح التي خلفتها تلك المعارك. وقد عبر في كتابه “تأملات تاريخية” عن عمق غبطته برؤيته أزواجا ونساء وآباء وأمهات وأولادا وإخوة وأخوات وأقارب آخرين يعتنقون ديانات مختلفة في عدّة أماكن ويعيشون رغم ذلك بسلام وسط عائلاتهم وفي متاجرهم ومقاطعاتهم، ويضطلعون بمهامهم بهدوء.

وقد دعم آراءه بأمثلة تاريخية واستشهد بأقوال وحوادث، من ذلك أنه أورد قصة طريفة عن سليمان القانوني المتوفى عام 1566م، تروي أنّ السّلطان تعرّض ذات يوم لتأنيب الرؤساء الدينيين الذين طالبوه بفرض الوحدة الدينية في دولته بالقوة. وبينما هو يتأمل حديقة مزدانة بالأزهار من كل صنف ولون، ردّ عليهم قائلا: «كما إنّ هذا التنوع الظاهر في الأعشاب والأزهار لا يضير في شيء، بل يجدد النظر والشم على نحو رائع، كذلك تنوع الديانات في إمبراطوريتي لا يشكل عبئا عليّ بل عونا لي، بالأحرى، شرط أن يعيش رعاياي بسلام ويطيعوا أوامري، فالأفضل لي، أن أدعهم يعيشون على طريقتهم ويتبعون الديانة التي يريدون… بدل أن أثير الفتن وأرى دولتي مقفرة شأن حديقة اقتلعنا منها جميع الأزهار ولم نبقي فيها إلا لون واحد لا غير”[20].

واضح أنّ الإصلاح الديني قد قدّم شيئا جديدا في التاريخ الإنساني؛ ” الصدام بين الأصوات التحررية والآراء الأصولية المتطرفة”، والجديد في مثل هذا الصدام أنه أضاف عنصرا مفارقا إلى مفاهيم البشر حول الخير. عنصر وضعهم بين خيارين، إما الصراع المميت، والمستنزف باستمرار للعنصر البشري أو الحرية المتساوية للضمير وحرية الفكر[21].

ولعل ما نلحظه في هذا الصدد هو أنّ روح الاضطهاد زمن الحروب الدينية هي اعتداد جنوني من قبل المتزمتين يجعلهم راغبين في القضاء على كلّ أنواع الاختلاف فقد كان من الأجدر بهؤلاء أن يسعوا جاهدين إلى المحافظة على العنصر البشري وطاعة الله… فإن نهاية العالم لم تحن بعد كما أنّ الإكراه في الدين واستعمال الأسلحة الأرضية في المعارك الروحية إنّما هو ضرب من ضروب الإجرام في حق الدين ذاته.

ويشير جون لوك أيضا في كتابه “رسالة في التسامح” إلى أنّ التسامح بين أولئك الذين يحملون معتقدات مختلفة في أمور الدين، يتّفق تماما مع العهد الجديد الذي أتى به المسيح، كما يتماشى مع مقتضيات العقل الإنساني الحر، حتى إنّه لأمر غريب عند الناس أن يكون المرء أعمى لدرجة لا يرى فيها ضرورة التسامح ومزاياه[22].

بيّنٌ أنّ لوك كان يدعو إلى التسامح وينبذ التعصب، ويرى أنّ الكتاب المقدس يحمل في طياته دعوة إلى التسامح واستخدام العقل، وينتقد العامة لعدم انخراطهم في نظم التسامح.

من هذه الزاوية لا يحق لأي إنسان أن يستسلم لطاعة أولئك الذين يلقون عليه العضات والأوامر، بل عليه التسليم بالقناعات التي يتبناها. ذلك أنّ كلّ إنسان هو السلطان الأعلى والمطلق في إصدار الأحكام بنفسه. فليس من شأن إنسان آخر بل ليس في إمكانه أن يتأثر بمسلكه [23].

وفي ذلك تكريس لمبدأ الحرية الدينية التي تتحدد انطلاقا من رؤية تفاؤلية مفادها أن قراع الآراء الحرة يقود بالضرورة إلى انتصار الحقيقة. ولئن كانت هذه الحرية الدينية تولّد تنوعا في العقيدة مصحوبا ببعض الغموض، فإن هذا الأخير يولد ميلا إلى البحث ورغبة في الاهتداء [24].

وليس ببعيد عن السالف ذكرهم يقف الفرنسي فولتير، الذي استبدّت فلسفته بهوى الناس في صف النافرين من الغلوِّ المذهبي، حيث تناول هو الآخر مسألة التسامح بين الطوائف المتخاصمة في كتابه رسالة في التسامح، حيث يقول “إن العنف المسعور الذي يدفع إليه العقل اللاهوتي المغلق، والغلو في الدين المسيحي المسيء فهمه قد تسبب في سفك الدماء، وفي إنزال الكوارث بإنكلترا، وألمانيا، وفرنسا، فإن تباين الأديان ما عاد اليوم يؤدّي إلى حدوث اضطرابات وقلاقل في تلك الأقطار، فالكاثوليكي والأرثوذكسي الكالفيني واللوثري، أمسوا يعيشون بتآخ في تلك الأقطار، ويساهمون على قدم من المساواة في خدمة مجتمعهم[25].

 عموما ما نسميه فجاجة المجتمعات الأوروبية، التي كانت حاضنة للمنشقين عن كنيسة روما، قدّمت أقوى اعتراض ضد نظرية التسامح الديني والتعايش السلمي بين المذاهب على اختلاف منابعها.

وذلك عائد بالأساس إلى الترسبات الفكرية والحريات المقهورة التي أنتجتها كنيسة روما طوال العصور المظلمة. بيد أنّ تلك الاتهامات قد تتوقف إذا ما انخرطت الكنائس في منظومة التّعايش السلميّ، جاعلة من التسامح أساسا لحريتها، موقنة بأن حرية الضّمير حق طبيعيّ لكلّ إنسان ويخص البروتستانتي كما يخص الكاثوليكي، وأنه لا إكراه في الدين سواء بالقانون أو بالقوة. فعندئذ يتوقف الضمير عن الشكوى وإحداث الصخب.

وإذا ما أزلنا أسباب عدم الرضا والعداوة فلن يبقى ما يؤرق هذه التجمعات أو ما يهدد الوجود البشري ليعم بذلك السلام.

3 -2- المطلب الثاني: صعود الدولة الحديثة

في ظل ازدياد الأمور سوءا كان من الضروري إيجاد حل للخروج من هذه الأزمة ويكون كفيلا بضمان الحفاظ على كيان تلك الحركات ووضع حد للتقاتل والصراع. ونظرا إلى أن البروتستانتية لم تكن عقيدة عالمية، فإن خطر الاضمحلال كان يهددها، فقد كانت تحتاج إلى حماية السياسيين من رؤساء الدول، حيث أدرك الناس أنّ المنازعات الدينية كانت عقيمة وغير حاسمة، ما دام كل من الطرفين كان عاجزا عن القضاء على الآخر. ومن هذا الإدراك السلبي تم فسح المجال لصعود الدولة من أجل تهيئة بيئة ملائمة للتعايش السلمي[26].

تأسيسا على ما سبق نتبيّن أنّ أوروبا شهدت جملة من التطورات، أبرزها تلك الحروب الدينية التي ساهمت إلى حد كبير في توجيه التاريخ السياسي الأوروبي، فقد نشطت العديد من الكتابات، وتبلورت العديد من النظريات السياسية، وبرز رعيل هام من المفكرين السياسيين.

ومن أشهر الكتاب في تلك الفترة “جان بودان” (1529-1596م) الذي أرجع تكوين الدولة إلى التكوين البشري المتألّف من جماعات متآلفة تحكم بواسطة القوى العظمى والعقل. ولقد سعى جون بودان إلى استعادة مكانة السلطة وقوتها، في زمن كان أبعد ما يكون عن ذلك التسامح، حيث كانت أوروبا تعيش آنذاك في عالم مخيف تسوده الصراعات الدينية، حتى إنّ أعتى السلط الزمنية ما كانت لتصمد وتحافظ على قوتها جراء تلك الصراعات وما رافقها من تعصب وتمزق للمجتمعات، وبنى أفكاره على أنّ السبيل إلى تجاوز الحروب الدينية والتجاذبات المذهبية هو الخضوع من جانب الرعية لرأس السلطة، الشيء الذي يجعلهم مواطنين، بغض النظر عن طوائفهم ومعتقداتهم وتقاليدهم وامتيازات البعض منهم، وأكد أنّ الرابطة السياسية يمكن أن تكفي لقيام الدولة، وإن كانت الجماعة السياسية منقسمة على نفسها بسبب فوارق الدين. وعرف بودان السيادة بأنها سلطة عليا على الرعية والمواطنين[27].

إنّ سعي بودان إلى الترويج لفكرة سيادة الدولة، راجع إلى الواقع المرير الذي عايشه في تلك الحقبة الزمنية والذي طغت عليه الحروب والصراعات الدموية في أغلب أقطار أوروبا، ومبرّر ذلك في نظره هو أنّ تلك السيادة ستقضي على المصالح الطبقية وتضاربها، كما ستساعد على استقرار النظام في الدولة الواسعة، فهو ينشد سلطة زمنية محايدة متسامحة دينيا ومتماسكة أخلاقيا، وبذلك فلا يسعنا القول سوى إنّ بودان قد نجح إلى حد بعيد في إخراج نسق فلسفي قائم على المعرفة العلمية خلّص السلطة السياسية من اللاهوت.

وليس ببعيد عن جون بودان، يرى ديفيد هيلد أنّ انتقال السلطة من الكنيسة إلى الدولة، هو الحلّ الوحيد والممكن لعنف الحروب الدينية، وفي هذا السياق يقول: “اكتسب تشكل فكرة الدولة الحديثة قوّة دفع كبرى من الصراع المرير بين الفرق والطوائف الدينية، والذي انتشر عبر غرب أوروبا خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر، ووصل إلى ذروته خلال حرب الثلاثين عاما في ألمانيا”.[28]

يمكن أن نجد عناصر تشكّل الدولة الحديثة كذلك في فكر سبينوزا، حيث تأثرت كتاباته السياسية إلى حد بعيد بالانقسامات والحروب التي ابتليت بها بلده هولندا وبقيّة أوروبا طوال فترة حياته. وفي مقدمة كتابه “رسالة في اللاهوت والسياسة”، يقدم سبينوزا العنف الديني باعتباره المشكلة التي تسعى الرسالة إلى تجاوزها، حيث يتحدث في البداية عن أسباب بعض الحروب والثورات الدينية، ويركز على كيفية وقوع الجماهير الساذجة في قبضة الدوغما الدينية لتصير وقودا لتلك الحروب، أما الحل المقترح من قبله لتلك الصراعات فهو فكرة الحرية الدينية والمذهب القائل بأن على الدولة ذات السيادة أن تمتلك: “الحق في كل شيء، في الشؤون الدنيوية الزمنية والروحية على الحد السواء”. وبذلك تكون السلطات العليا الحاكمة هي مفسرة الدين بالنسبة إلى شعوبها[29].

على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين هؤلاء المنظّرين السياسيين فإنهم توافقوا على تقديم الحروب الدينية بما هي صراع مميت بين الكاثوليك والبروتستانت وقوده الاختلافات العقدية، وفي اعتبار أنّ المخرج من هذه الصراعات كان صعود الدولة العلمانية الحديثة.

هذا وقد استساغ العقل الغربي تلك الأفكار، ولاقت ترحيبا في الأوساط الشعبية، التي سئمت إراقة الدماء في سبيل الدفاع عن أفكار غريبة. إذ أنّ فكرة التعايش السلمي والتسامح الديني في منظور الجماهير الأوروبية، كانت غاية صعبة المنال بل تكاد تكون طوباوية، ولبلوغ تلك الغاية ساندت الجماهير البروتستانتية والكاثوليكية على الحد السواء الفكرة الداعمة لإيجاد سلطة محايدة ذات سيادة قادرة على ضمان حق البقاء والتعددية لجميع المذاهب الدينية ما لم تهدد كل طائفة بقاء غيرها. ولذلك ارتأت الأغلبية أنّ الدولة هي السلطة الكفيلة بتحقيق هذه الغاية.

في الحقيقة نجد بوادر لإعلاء قيمة الدولة في المنظومة الإصلاحية ذاتها، فقد أشرنا سالفا إلى العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية وكيف يجب على رجل الكنيسة أن يخضع بدوره إلى السلطة المدنية في فكر جون كالفن، بما هما كيانان مقدسان لكل منهما وظائف يعنى بها. ولكن على الرغم من تشبيههما بالروح والجسد فإن المسار التاريخي لحركة الإصلاح كان قد اقتضى إعلاء سلطة الدولة على الدين من أجل الحفاظ على حركات الإصلاح ذاتها من الانصهار.

بشكل عام يقدم الناقد المصري محمد عمارة ملخصا لما سبق ذكره، حيث نقل في كتاب “مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا” شهادة ألمانية للقس جوتفرايد كونزلن” فحواها أن الانشقاق الناتج عن الإصلاح الديني وما خلفه من حروب ذات الدوافع المذهبية استدعى ضرورة العيش الموحد في ظل نظام سياسي مشترك على الرغم من اختلاف المذاهب الدينية، فتمخض عن ذلك إعطاء الأولوية للسياسة بتقديمها عن الدين، فكانت هذه الأفضلية للسياسة على مطالب الفئات الدينية هي وحدها التي جعلت تكوين نظام سياسي سلمي للأمم أمرا ممكنا. وعلى هذا النحو يتطور التصور الإنساني للسلام من قيامه على الحقائق الدينية إلى قيامه على ما تكفله الحكومة من أمن وتعايش سلمي متجاوزة بذلك الاختلافات المذهبية التي أصبحت أمورا دينية وكنسية داخلية، وقضايا تخص أسلوب حياة المؤمنين الشخصية الخاصة [30].

يلاحظ الباحث أنّ تلك التّوجهات السياسية ليست بمنأى عن النقد التاريخي. فبإيلاء السيادة للدولة والعيش تحت كيانها في جو يغلب عليه الأمن والسلام، انعدم التقتيل وعم السلام بين المذاهب الدينية، ولكن في المقابل باعدت هذه السيادة الجديدة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية فخلقت نوعا من الاغتراب بين الكنيسة والدولة، ساهم أساسا في ظهور العلمانية.

من هذا المنطلق ارتقى تقديس الوطن إلى مرتبة ما كانت عليه الكنيسة لقرون عديدة، بل أضحى الخضوع إلى السلطة الزمنية أسمى صورة للشعور بالتقوى يستطيع الإنسان أن يظهرها، فلو زالت الدولة لكان معنى ذلك زوال كل شيء[31].

وبسيادة الدولة آنذاك نشأت نزعة لتحويل الكنيسة إلى أداة بيد الدولة، وتحويل رجال الدين إلى جهاز وظيفي في الدولة. وبعد أن كان الدّين هو الوسيط بين المنفعة الخاصّة والخير العام يصبح بالإمكان أن تؤدّي الوطنيّة هذه الوظيفة[32].

4- خلاصات وآفاق:

-انخرط مسيحيو الغرب الأوروبي في بداية العصور الحديثة في حروب قُتِل فيها الجميع، فقاتل المسيحيون بعضهم بعضا، معلنين بذلك عن فشلهم أمام العنف الديني واستسلامهم له، ولم يكن الانتقال التدريجي للولاء من الكنيسة العالمية إلى الدولة العلمانية، أو استبدال سيادة روما بسيادة الدولة، نهاية لسفك الدماء، بل هجرة للمقدّس من الكنيسة إلى الدولة من خلال التأسيس لحروب جديدة بطموحات جديدة والتأسيس لمثال الموت في سبيل الوطن.

– إنّ فسح الفرق الدينية المجال للدولة التي مثلت فضاء التعايش كان في نظر الكثير الحل الأمثل الذي سيمكن من تحرير المفكر الأوروبي من سلطة الخوف، ليصير لكل الحق في الإبداع، وخلق الأفكار في إطار قوانين دستورية تغلب عليها المساواة، وتصير السلطة السياسية هي الكفيلة بمحاسبة المارقين عن هذه القوانين بعيدا عن الصراعات الطائفية.

كيفما دارت الحال، فإن هناك دلائل تاريخية عديدة تبعث الشك في فكرة أنّ ظهور الدولة الحديثة قد أنقذ أوروبا من عنف الدين، فذلك الصعود في تلك الحقبة الزمنية لم يكن إعلانا عن أوروبا أكثر سلاما، فالانتقال من القروسطيّ إلى الحداثيّ، كان انتقالا طويلا، بقدر ما كان عملية معقدة المكاسب والخسائر، وأيا كان هذا التحوّل فإنه حتما لم يكن مسارا تقدميّا من العنف إلى السلام، فلم يكن ممكنا في تلك الفترة وحتى العقود التي تليها بأن نتحدّث عن سلام تام أو أمن كلي في بلدان أوروبا.


[1]– القس فايز فارس: أضواء على الإصلاح الإنجيلي، ط1، دار الثقافة المسيحية، (د ت)، ص 9.

[2]-Ch. Luis De Haller «Histoire de la Réforme dans la suisse occidentale »,p:2,Bibliothèque Saint Libère, 2009.

[3]– عزت زكي: تاريخ المسيحية في عصر الاصلاح، ط، 1دارالجيل للطباعة، القاهرة، مصر، دت، ص 175

[4]– شلبي رؤوف: أضواء على المسيحية، دط، المكتبةالعصرية، لبنان، 1975، ص56

[5]– M. D’aubigné “Jean Calvin Un Des Fondateurs Des Libertés Modernes”. Tom 1, P29, Librairie De Ch. Meyrueis Et Companie, Paris. 1868

[6]– جون كالفن: أسس الدين المسيحي، مج2، تر: اديب عوض وآخرون، ط1، دار منهل الحياة، بيروت لبنان، 2017، ص1069

[7]– M. Luther”Mémoires De Luther” Traduit Et Mis En Ordre Par M. Michelet, Tom1, P58, Sociètè Belge De Librairie, 1837

[8]– كوينتن سكنز: أسس الفكر السياسي الحديث، ج2، تر: حيدر إسماعيل، ط1، المنظمة العربية للترجمة، الحمراء بيروت، 2012، ص30.

[9]– جون جاك شوفالييه: تاريخ الفكر السياسي من المدينة الى الدولة القومية، ج1، ت: محمد صاصيلا، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، 1985، ص258.

[10]– جون كالفن: أسس الديانة المسيحية، ج2، ص1388

[11]– ميلاد مقرحي: تاريخ اوروبا الحديث، ط1، دار الكتب الوطنية، بنغازي ليبيا، 1996، ص92.

[12]– جونولز: موجز تاريخ العالم، تر: عبد العزيز توفيق، دط، مكتبة النهضة، مصر، 2002، ص258

[13]– جونويلز: معالم تاريخ الإنسانية، مج 4، تر: عبد العزيز توفيق، ط2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر،1952، ص29

[14]– إلنهوايت: الصراع العظيم، ت: إسحاق فرج، ط3، دار الشرق الأوسط للطباعة والنشر، لبنان ،1997، ص210.

[15]– جلال يحي: أوروبا في العصور الحديثة، دط، ا لهيئة المصرية العامة للكتاب، دط، مصر، 1981، ص470.

[16]– ميلاد مقرحي: تاريخ أوروبا الحديث، ص106

[17]– المرجع نفسه، الصفحة نفسها

[18]– جوزيف لوكير: تاريخ التسامح في عصر الإصلاح، تر: جورج سليمان، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 2009 ص421

[19]– جوزيف لوكير: تاريخ التسامح في عصر الإصلاح، ص 427

[20]– المرجع نفسه، ص374

[21]– ويليام كافانو: أسطورة العنف الديني: الأيديولوجيا العلمانية وجذور الصراع الحديث، تر: أسامة غاوجي، ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، لبنان، 2017، ص209

[22]– جونلوك: رسالة في التسامح، تر: منى أبوستة، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1997، ص22

[23]– المرجع نفسه، ص 52

[24]– جوزيف لوكير: تاريخ التسامح في عصر الإصلاح، ص469

[25]– فولتير: رسالة في التسامح، تر: هنريت عبودي، ط1، دار بترا للنشر والتوزيع، سوريا، 2009، ص31.

[26]– برتراند رسل: حكمة الغرب، ج2، تر: فؤاد زكريا، دط، عالم المعرفة، الكويت، 1983، ص35

[27]– سباين: تطور الفكر السياسي، الكتاب الثالث، تر: راشد البراوي، دط، دار المعارف، القاهرة، دت، ص557

[28]– وليام كافانو: أسطورة العنف الديني، ص220

[29]– سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة، تر: حسن حنفي، ط1، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2005، ص 426

[30]– محمد عمارة: مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا (شهادة ألمانية، جوتفرايد كونزلن) تر: داليا محمد إبراهيم، دط، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، دت، ص27

[31]– سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة، ص 425

[32]– عزمي بشارة: الدين والعلمانية في سياق تاريخي، ج (1)، ط1، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لبنان، 2013، ص 434.


المراجع:

  1. برتراند، رسل: حكمة الغرب، ج2، تر: فؤاد زكريا، د. ط، عالم المعرفة، الكويت،1983.
  2. جلال، يحي: أوروبا في العصور الحديثة، د. ط، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر،1981
  3. جوزيف، لوكير: تاريخ التسامح في عصر الإصلاح، تر: جورج سليمان، دط، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان،2009
  4. جون جاك، شوفالييه: تاريخ الفكر السياسي من المدينة إلى الدولة القومية، ج1، تر: محمد صاصيلا، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،1985
  5. جون، كالفن: أسس الدين المسيحي، مج2، تر: أديب عوض وآخرون، ط1، دار منهل الحياة، بيروت لبنان،2017
  6. جون، ويلز: معالم تاريخ الإنسانية، مج 4، تر: عبد العزيز توفيق، ط1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر،2002
  7. سباين: تطور الفكر السياسي، الكتاب الثالث، تر: راشد البراوي، د. ط، دار المعارف، القاهرة، دت.
  8. سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة، تر: حسن حنفي، دط، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2005
  9. سكنز، كوينتن: أسس الفكر السياسي الحديث، ج2، ت: حيدر إسماعيل، ط1، المنظمة العربية للترجمة، بيروت،2012
  10. عزت، زكي: تاريخ المسيحية في عصر الإصلاح، د. ط، دار الجيل للطباعة، مصر، دت.
  11. عزمي، بشارة: الدين والعلمانية في سياق تاريخي ج (1)، ط1، المركز العربي للأبحاث لبنان، 2013.
  12. فايز فارس: أضواء على الإصلاح الإنجيلي، ط1، دار الثقافة المسيحية، دت.
  13. فولتير: رسالة في التّسامح، تر: هنريت عبودي، ط1، دار بترا للنشر والتوزيع، سوريا، 2009
  14. محمد، عمارة: مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا (شهادة ألمانية، جوتفرايد كونزلن) تر: داليا -محمد إبراهيم، دط، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، مصر. دت
  15. مقرحي ميلاد: تاريخ أوروبا الحديث، ط1، دار الكتب الوطنية، ليبيا،1996
  16. ويليام كافانو: أسطورة العنف الديني: الأيديولوجية العلمانية وجذور الصراع الحديث، تر: أسامة غاوجي، ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت،2017.
  17. هوايت إلن: الصراع العظيم، تر: إسحاق فرج، ط3، دار الشرق الاوسط للطباعة والنشر، لبنان،1997.
  18. Luis De Haller « Histoire de la Réforme dans la suisse occidentale », Bibliothèque Saint Libère, 2009.– M. D’aubigné “Jean Calvin Un Des Fondateurs Des Libertés Modernes”. Tom 1, Librairie De Ch. Meyrueis Et Companie, Paris. 1868-M. Luther “Mémoires De Luther” Traduit et mis en ordre par M. Michelet, Tom1, Sociètè Belge De Librairie, 1837

مقالات أخرى

تعدّد الطّرق الصّوفيّة

جماليّة التّناصّ في الشّعر الصّوفيّ

“زيارة” الضّريح بإفريقيّة مطلع العصور الوسطى

6 تعليقات

آمنه خالد المطيري 5 يونيو، 2021 - 12:35 م
بالضبط ففي القرون الوسطى شهدت اوروبا العديد من الصراعات الدامية والحروب الدينية ، التي خلّفت وراءها الكثير من الضحايا، وكانت القارة العجوز ممزقة لقسمين، قسم يضم القلة الحاكمة التي تعبث بمقدرات البلاد وتسيطر على الذهب والمال بمساعدة الكنيسة التي كانت تملك وتشارك في الحكم، والقسم الآخر هو غالبية الشعب، والذي شهد الكثير من الحروب الدينية وغيرها، والمجاعات والأوبئة التي كان أبرزها الطاعون، الذي قضى بدوره على حياة الملايين من الفقراء، وترك الشعوب في حالة ممزقة، فانتشر الفقر والجهل بالعالم الخارجي، وأصبح المواطن الأوروبي البسيط لا يملك شيئًا، سوى الوعد بالغنى والراحة في العالم الآخر، لكنه لم يكن أبدًا وعدًا بلا مقابل.  
سفيان حامدي 24 يوليو، 2021 - 1:34 ص
أنرتي، انخرط مسيحيو الغرب الأوروبي في بداية العصور الحديثة في حروب قُتِل فيها الجميع، فقاتل المسيحيون بعضهم بعضا، معلنين بذلك عن فشلهم أمام العنف الديني واستسلامهم له، ولم يكن الانتقال التدريجي للولاء من الكنيسة العالمية إلى الدولة العلمانية، أو استبدال سيادة روما بسيادة الدولة، نهاية لسفك الدماء، بل هجرة للمقدّس من الكنيسة إلى الدولة من خلال التأسيس لحروب جديدة بطموحات جديدة والتأسيس لمثال الموت في سبيل الوطن
نوف فاهد 2 أغسطس، 2021 - 10:16 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اولا أشكر الدكتور علي وطفة على هذا المقال الرائع بكل جوانبه الذي تطرق إليها وأؤيد الدكتور بما قاله حول استغلال السياسيون للدين لتبرير جرائمهم والتقرب نحو عامة الشعب بدعوى الدين لخداعهم وتحقيق مصالحهم الشخصية وفعلاً لطالما كان الدين ستار يغطي الحقيقة فأساس الحروب ماهي الا مطامع شخصية وسببا لتوسيع امبراطوريات ودول لذلك رجال الدين يستغلون اسم الدين تبعا لمصالحهم الشخصية ، فدمرت دول وقتل أناس أبرياء وسرقوا موراد دول أخرى وشتتوا أسر ، فكثير من رجال الدين الذين شوهوا الدين ونسبوا إليه ما لا يدعو إليه وكما قال الشيخ محمد الغزالي :إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم.
نجلاء حسن علي مفرح 5 أغسطس، 2021 - 3:38 ص
الحرب الدينية أو الحرب المقدسة هي حرب مسببة أو مبررة من أساسها بسبب الاختلافات الدينية. في الفترة الحديثة، كثرت النقاشات حول مدى غلبة الجوانب الدينية أو الاقتصادية أو الإثنية في أي صراع ضمن حرب معينة وفقًا لموسوعة الحروب، من بين جميع الصراعات التاريخية المسجلة البالغ عددها 1763 صراعًا، كانت الاختلافات الدينية مسببة بشكل رئيسي فقط في 123، أو 6.98%منها توجد العناصر الدينية بشكل علني في العديد من النزاعات، بما في ذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والحرب الأهلية السورية، والحروب في أفغانستان والعراق، ولكنها توصف بشكل مختلف، مثل اعتبار أنها صراعات أصولية أو تطرف ديني، اعتمادًا على تعاطف الراصد. ومع ذلك، غالبًا ما تخلص الدراسات حول هذه الحالات إلى أن العداوات العرقية تسبب الكثير من النزاعات
شهد محمد الختلان 7 أغسطس، 2021 - 8:44 م
يشيع القول في الأزمنة المعاصرة إن "الدين هو السبب في جميع حروب التاريخ الكبرى"، إذ يستدعي أطراف الحرب الدينية الإله في صفهم، لكن تحليل الحروب الدينية و"المقدسة" عند المؤرخ العلامة ومؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن ابن خلدون (732 – 808هـ) يضع هذه المقولة في مرمى النقد، إذ يراها ظاهرة طبيعية وتاريخية ويميز بين أنواعها، مشيرا للدوافع المركبة والمتشابكة لها وحافظ ابن خلدون على رؤيته العالمية للتاريخ وأحداثه، ومن ثم كان تناوله للحرب والقتال غير تقليدي ولا يشبه تناول الفقهاء في عصره، إذ حافظ على منظور المؤرخ ودارس العبر، وكانت الحرب حاضرة في حياة ابن خلدون كما في كتاباته، ومع ذلك كتب عن الحرب الدينية عند المسلمين وعند المسيحيين ويدور الجدل في أوساط بحثية عن مدى اعتراف ابن خلدون بحروب دينية غير إسلامية وتحديدا الحروب الصليبية التي كتب عنها ابن خلدون سردا لوقائعها وتحليلها في مؤلفه الكبير "كتاب العِبَر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبرتعامل ابن خلدون بواقعية تاريخية مع ظاهرة الحرب باعتبارها حالة بشرية متكررة وطبيعية وكتب في مقدمته "اعلم أنّ الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ برأها الله وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصب لكل منها أهل عصبيته فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطائفتان إحداهما تطلب الانتقام والأخرى تدافع، كانت الحرب وهو أمر طبيعي في البشر لا تخلو عنه أمة ولا جيل
الجازي عمر الهاجري 30 أغسطس، 2021 - 3:06 م
شكرا لك يا دكتور على هذه المقالة الجميلة ، صحيح أن الحروب الدينية هي حرب مسببة أو مبررة من أساسها بسبب الاختلافات الدينية ، جادل بعض المؤرخين بأن ما يسمى «الحروب الدينية» هو «انقسام غربي» إلى حد كبير، واختراع حديث من القرون القليلة الماضية، بحجة أن جميع الحروب المصنفة على أنها «دينية» لها تداعيات علمانية (اقتصادية أو سياسية). جرى التعبير عن آراء مماثلة في وقت مبكر من ستينيات القرن التاسع عشر خلال حرب السنوات السبع والتي اعتُرف بها على نطاق واسع بأنها ذات هدف «ديني»، إذ أشارت تلك الآراء إلى أن الفصائل المتحاربة لم تتوزع بالضرورة على أسس طائفية بقدر ما كانت تتفق مع المصالح العلمانية ،فعلاً لطالما كان الدين ستار يغطي الحقيقة فأساس الحروب ماهي الا مطامع شخصية وسببا لتوسيع امبراطوريات ودول لذلك رجال الدين يستغلون اسم الدين تبعا لمصالحهم الشخصية ، فدمرت دول وقتل أناس أبرياء وسرقوا موراد دول أخرى وشتتوا أسر .
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد