صادق جلال العظم ، ونظرية الاستشراق المعكوس

 لا شك أن الحياة الثقافية في سوريا مدينة للدكتور “صادق جلال العظم” ببعض توهجها وتوثبها وحيويتها، ولصادق جلال العظم أيضا نصيب كبير في تشكيل الصورة الراهنة للفكر العربي الحديث لمساهماته النقدية الكثيرة التي قدمها خلال أكثر من ثلث قرن ؛ فمنذ أن أقتحم الدكتور العظم الحركة الثقافية في سوريا في أواسط الستينات، وهو يخوض في ثناياها ناقداً، ومجادلاً، وصانع أفكار، فساهم في هز الفكر العربي الراكد، وفي خلخلة العقلية الخرافية الموروثة، وحاول أن يوقظ ما استطاع، العقول الذاهلة من ذهولها، والكفر الناعس من غفوته، وان يحرض علي الانعتاق والتحرر داعياً، في الوقت نفسه، إلي تقويض جدر الانغلاق، فتمكن من أن يحفر في الثقافة العربية أخاديد وجداول وأنهاراً من النقد والتفكر، والمحاججة، والسجال (1).

 وقد لعب المفكر العربي السوري “صادق جلال العظم” وما يزال دوراً لافتاً في تحريك الحياة الثقافية والفكرية العربية، منذ ستينات القرن الماضي حتي الآن، فكان الناقد لبعض نصوص الكفر العربي والإسلامي، قديمها وحديثها. فكتبه: نقد الفكر الديني، والنقد الذاتي بعد هزيمة 1967م، وذهنية التحريم، ونقد فكر المقاومة، والحب العذري، ومأساة إبليس وغيرها، جاءت كلها في سياق حراك فكري تنويري عربي ارتبط بمشروع تحرري عربي انتهي إلي أزمة، وغلي ما يشبه الإخفاق. وقد لا قت كتابات العظم اهتماماً واسعاً من قبل المفكرين والمثقفين الغربيين والعرب، لأنها خرجت على تكرار السائد من المنظومات القيمية والفكرية والرؤئ التقليدية، بذهابها بعيداً في تفكيك النص التراثي، ونقده والدعوة إلى الأخذ بالعقلانية والمناهج العلمية الحديثة (2).

  تفرد “صادق جلال العظم” في تجربته الفكرية التي جمعت منهجين مهمين: الليبرالية والماركسية في السياق القومي العربي، ما شكل ظاهرة في الدائرة الفكرية والسياسية العربية الناهضة في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين. وفي السياق نفسه، نقد العظم بشجاعة حركة المقاومة الفلسطينية من موقعه المؤيد لها والمساهم فيها، كما نقد حركات الإسلام السياسي وانسداد أفقها أخذاً بالفكر العلماني طريقاً واضحاً ومحدداً لقيام دولة المواطن العربي المدنية، لا دولة العشائر والإثنيات والعصبيات والسياقات اللاديمقراطية (3).

 ولد المفكر العربي السوري صادق جلال العظم بدمشق سنة 1934، ودرس المرحلة الابتدائية بها، والثانوية في المدرسة الإنجيلية بصيدا في لبنان، ثم التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت حيث نال البكالوريوس في الفلسفة 1957. سافر إلى الولايات المتحدة لإكمال دراساته العليا في جامعة ييل فحصل على الماجستير في الآداب ( 1959 ) والدكتوراه في الفلسفة الحديثة ( 1961 )، وكانت رسالة تخرجه عن الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (4).

 وهو مفكر وأستاذ فخري بجامعة دمشق في الفلسفة الأوروبية الحديثة. وعمل أستاذاً جامعياً في الولايات المتحدة قبل أن يعود إلى سوريا ليعمل أستاذا في جامعة دمشق، ثم انتقل للتدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت بين 1963 و 1968. وعمل أستاذاً في جامعة الأردن، كما درّس في كل من الجامعة الأمريكية ببيروت، وجامعات هارفاردونيويور كوبرنستون بأمريكا، وجامعات هومبولت وهامبورغ وأولدنبورغ بألمانيا، وفي جامعة أنتويربببلجيكا، وجامعة توهوكو باليابان. رئيس تحرير مجلة الدارسات العربية التي تصدر في بيروت.. حُوكم بسبب كتابه “نقد الفكر الديني” الصادر عام 1969، وصدر عليه حكم بالسجن مطلع عام 1970 لكن المحكمة أعلنت براءته لاحقاً في العام نفسه (5).

 يوصف بأنه من أبرز “العقلانيين العرب” المنافحين عن العلمانية والديمقرطية، أثارت آراوه جدلا كبيرا وخاض معارك فكرية متعددة بسبب كتاباته، وحُكم عليه بالسجن إثر نشره كتابه “نقد الفكر الديني”، أيد بقوة الثورة السورية (6).

 وهنا في هذا المقال نحاول أن ندرس موقف “جلال صادق العظم” من الاستشراق المعكوس، وقبل أن ندلف في الحديث عن موقفه إزاء هذه القضية نود الإشارة إلي الغالبية العظمي تذهب من الدارسين والمهتمين بالاستشراق إلي تعريف هذا الأخير بموضوعه بالقول بأنه التماس علوم الشرق ولغاته وثقافته وحضارته، تعريف كهذا كما يقول سالم يفوت ينحصر في محاولة تجلية مضمون الجهد الاستشراقي بوصفه طلبا غريبا للشرق. إن الهزة الابستمولوجية التي عرفتها العلوم الإنسانية أمست تفرض ضرورة تعريف الاستشراق بوصفه منهجا شغله المستشرقون علي مادة معرفتهم التي هي الشرق بتحويله إلي موضوعه للدراسة والبحث والتمثيل والتقويم مما جعل الاستشراق يبدع، علي صعيد التصور شرقا، متخيلا لا صلة له بالشرق الحقيقي، يحول الشرق إلى مرآة يقرأ فيها ذاته، فالغرب منذ العصور الوسطي ينظر لذاته كغرب عبر نظرته إلي الشرق المختلف، ولم يفعل الشرقيون في تصديهم للاستشراق بسوي أن كرسوا نفس الآليات الإيديولوجية مما جعلهم لا يفرزون في الغالب، إلا استشراقاً معكوساً يخلق غربا متخيلاً (7).

  ويعود الفضل الى المفكر اليساري السوري “صادق جلال العظم” في صك تعبير “الاستشراق المعكوس”، وذلك في نقده لبعض آراء المفكر الفلسطيني “ادوارد سعيد” عن الاستشراق، سعيد الذى يعد أشهر من بحث وكتب في هذا المجال، ويحلل العظم موقف عدد من المستشرقين المحسوبين على اليسار من أمثال “فرانسوا بورجا” و”الان جريش” وغيرهم، من تعظيم مواقف تيار “الإسلام السياسي” باعتباره ألأكثر تعبيرا عن الهوية المشرقية في مواجهة الأفكار الإمبريالية، وأن شعارات كالديموقراطية والحريات السياسية والنضال الحزبي والنقابي وتحرير المرأة والدفاع عن الأقليات، ما هي إلا أفكار واردة من الغرب الاستعماري وتعبير عن ثقافة وبيئة مغايرة للعالم الثالث وحركات التحرر الوطني، ويرى المفكر السوري أن الاستشراق سقط في «تعظيم» لهذه الأنا الشرقية، وذلك بالتأكيد على الاختلاف الأساسي بين الشرق والغرب، وهذا ما أطلق عليه تعبير “الاستشراق معكوسًا” (8).

  حاول المفكر الراحل” جلال صادق العظم” الرد علىى إدوار سعيد في كتابه “الاستشراق والاستشراق معكوساً” فيقول: إن الذي يريده إدوارد سعيد علي ما يبدو لي، هو أن الصورة الشمولية التي قام الاستشراق الأكاديمي – الثقافي ببنائها عن الشرق، تنطوي أساسا علي مواقف عنصرية تماما من الشرق نفسه، وعلي تفسيرات اختزالية لواقعة، وعلي أحكام تقييمية لا إنسانية بحق شعوبه ومجتمعاته، وعلي آثار المصالح المادية النابعة من منافع إخضاعه واستغلاله ( بعد دراسته وأثنائها). إن هكذا صورة لا يمكن أن تكون ناتجة عن تطبيق أي منهج علمي محايد في معرفة الشرق، أو عن دراسة تتحلي حقاً بالموضوعية العلمية، والاستقلال الفكري، والرغبة المتجردة في البحث عن الحقيقة بالنسبة للموضع الخاضع للدرس والتمحيص (9).

 ويستطرد “جلال صادق العظم” فيقول: “يؤكد “إدوار سعيد” ما في هذه الصورة هو القناعة المحورية التي تنطوي عليها بوجود فارق أساسي وجذري بين الجوهر المزعوم لكل من الطبيعة الشرقية من ناحية والطبيعة الغربية من ناحية ثانية لصالح التفوق الكامل للطبيعة الغربية المزعومة ؛ أي أن الصورة التي بناها الاستشراق الأكاديمي – الثقافي الغربي عن الشرق تقوم علي التبني الكامل لأسطورة الطبائع الثابتة والمتمايزة حكماً عن بعضها بدرجات تفوقها وكمالها ورقيها. وبإمكاننا أن نسمي هذه القناعة بميتافيزيقيا الاستشراق لأنها تفسر الفوارق بين ثقافة وأخري بين شعب وآخر إلخ. بردها إلي طبائع ثابتة وليس إلى صيرورات تاريخية مبتذلة، علي سبيل المثال، تري ميتافيزيقيا الاستشراق ضمنا ( وأحيانا صراحة) أن الخصائص التي تميز المجتمعات الغربية ولغاتها وثقافاتها إلخ هي علي ماهي عليه في التحليل الأخير، لأنها تنساب من طبيعة ” غربية” معينة متفوقة في جوهرها علي باقي الطبائع، وبخاصة علي الطبيعة ” الشرقية” لذلك يؤكد إدوار بأن ” جوهر الاستشراق” هو التمييز الذي لا يمحي بين التفوق الغربي والدونية الشرقية (10).

 ويبدو أن النتيجة المنطقية البعيدة لهذ الاتجاه في تفسير ظاهرة الاستشراق كما يري جلال الدين العظم تقوم علي العودة من الباب الخلفي، إلي أسطورة الطبائع الثابتة ( التي يريدها إدوارد سعيد تدميرها) بخصائصها الجوهرية التي لا تحول ولا تزول، وإلي ميتافيزيقيا الاستشراق ( التي كتب إدوارد سعيد كتابه ليفضحها ويجهز عليها) بمقولتها المطلقتين: الشرق شرق والغرب غرب، ولكل منهما طبيعته الجوهرية المختلفة وخصائصه المميزة. هنا كما يقول جلال العظم لا تعود ظاهرة الاستشراق وليدة شروط تاريخية معينة أو استجابة لمصالح وحاجات حيوية ناشئة وصاعدة، بل تأخذ شكل الإفراز الطبيعي العتيق والمستمر الذي يولده ” العقل الغربي” المفطور بطبيعته، كما يبدو، علي إنتاج وإعادة إنتاج تصورات مشوهة عن واقع الشعوب الأخرى ومحقرة لمجتمعاتها وثقافاتها ولغاتها ودياناتها في سبيل تأكيد ذاته والإعلاء من شأن تفوقه وقوته وسطوته ؛ أي وفقا لهذه الأطروحة يبدو العقل الأوربي الغربي، من الشاعر هوميروس إلي المستشرق هاملتون جيب مرورا بكارل ماركس، وكأنه يتصف بنزعة متأصلة لا يحيد عنه لتشويه الآخر ( الشرق) وتزييف واقعه وتحقير وجوده، كل ذلك في سبيل في سبيل تحييد ذاته والإعلاء من شأنها وتأكيد تفوقها (11).

  ثم يؤكد جلال العظم قائلا: يبدو لي أن هذا المنحى في تفسير أصول ظاهرة الاستشراق وتطورها، مع النتائج المترتبة عليه، يعمل علي إحباط الأهداف الأساسية التي من أجلها وضع إدوارد سعيد دراسته النقدية التي نحن بصددها وذلك في سببين:

أولاً: لأنه يرجعنا بصورة ضمنية إلي نمط من التفكير والتعليل يقوم علي التسليم الصامت بأسطورة الطبائع الثابتة والخصائص الدائمة، وهي الأسطورة التي يفترض بأن إدوارد سعيد قد أعلن الحرب الكلية عليها.

وثانياً: لأنه يعطي ميتافيزيقيا الاستشراق، التي تحول التسميات الجغرافية النسبية إلي مقولات ضرورية مطلقة، نوعا من المصداقية والجدارة يرتبط عادة بالاستمرارية الطويلة والتواصل التاريخي والجذور السحيقة، علما بأن هدف إدوار المعلن في كتابه هو الوصول إلي القضاء نهائيا علي مقولتي “الشرق” و” الغرب ” بالمعني الميتافيزيقي للعبارة، وتجاوز هذه التقسيمات المشحونة بالمواقف العنصرية والتفوقية إلي مستوي إنساني أرقي في النظر إلي تفاعل الثقافات المختلفة بعضها مع بعض وإلي أسلوب تعاطي كل واحدة منها مع غيرها، وذلك باسم إنسانيتنا المشتركة جمعاء (12) ؛ حيث أن الاهتمام بموضوع الاستشراق بوعي علمي ناضج. . يدفعنا إلي الاهتمام بإشكالية الفكر والواقع. . الماضي والحاضر.. الشرق والغرب. . الاستعمار والحرية. . التبعية والاستقلال.. الخ (13).

 والسؤال الآن: كيف يمكن أن نفهم ” الشيء المعكوس”. . لأية ظاهرة !؟! مثلاً، هل يمكن اعتبار ” الحرية” ” استعمارا” و” الاستقلال” تبعية”. . !؟!

  من غير شك، إن الواقع المعيش، هو الذي يمدنا بحقائق الأشياء النسبية، أكثر في غيره، في الغالب، لا سيما حينما نخضعها للتجربة والتطبيق وللتطابق، مثلاً، بين الأقوال والأفعال. . النظريات والتطبيقات الفعلية التجريبية. . إلخ (14). يقول “جلال صادق العظم”: “. . لتوضيح قولة( توماس هوبز) الإنجليزي المشهور بقولته: ” الإنسان ذئب للإنسان” حيث يقول كذلك: بطبيعة الحال لا يخطر في بال الكاتب أن توماس هوبز عايش طرفا من التراكم الرأسمالي البدائي من حياة أوربا الحديثة وعبارته الشهيرة عن الإنسان لا تتكلم في الحقيقة بالمطلق، بل تعبر عن التصور البرجوازي التنافسي التناحري لعلاقات الإنسان بالإنسان الذي أخذ يسود أوروبا في تلك الفترة (15).

 علي أية حال، فإن هذه الأقوال لجلال العظم، تحلل وتناقش إشكالية ” المعكوس” حيث تناول في دراسته “مسألة الاستشراق”، عدة عناصر أو إشكاليات أخري مماثلة، مثل الاستشراق والاستشراق معكوسا”. . وهذه الدراسة التي نجد فيها كذلك هذا القول: ” العلاقة الوثيقة”، والمقلوبة في وقت واحد، التي تربط الاتجاه الإسلامي بالاستشراق” (16).

 لقد حاول جلال العظم في دراسته هذه، مناقشة إشكالية المعكوس من تجربته الخاصة وانطلاقا منهجه المحدد، والقائم علي مفهومين: الأول “ميتافيزيقيا الاستشراق”، والثاني “إبستمولوجيا الاستشراق”. ميتافيزيقيا الاستشراق تعني تحويل واقعة تاريخية متحولة إلى حقيقة أنطولوجية ثابتة لا تتغير. و”إبستمولوجيا الاستشراق” تقول إنه بسبب الطبيعة الثابتة والجامدة للشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية، فإن المناهج العلمية والبحثية التي أنتجها الغرب لا تنطبق عليها، ولا يمكن تحليل مشكلات وظواهر هذه المجتمعات تبعاً للمناهج العلمية والتصورات السوسيولوجية القائمة. وكلاهما يختصان بفعل واشتغال الاستشراق في الذهنية والتصور الغربي. ما يمكن أن نضيفه هنا هو مفهوم آخر يختص بفعل واشتغال أطروحة الاستشراق السعيدية في الشرق ذاته، وتحديداً في الفضاء العربي والإسلامي، وهو «إيديولوجيا الاستشراق»، وأقصد بها: تحول «الاستشراق» إلى إيديولوجيا ناظمة للنظرة إلى الغرب وتعامله مع العرب والمسلمين: كل سياسة، ممارسة، تعامل، احتكاك، تبادل معرفي أو غير معرفي، يوصم بأنه ممارسة استشراقية، وبالتالي يتم إغلاق منافذ الاستفادة من الغرب والانفتاح عليه. والخلاصة هنا أن “إيديولوجيا الاستشراق” نصبت سداً منيعاً يرفض استقبال أي نقد بزعم الدفاع عن الأصالة والذات والهوية. وشكل ذلك انقلاباً معرفياً شاملاً على فكر عصر النهضة ممثلاً بالأفغاني وعبده والكواكبي، وتناغم مع العداء المؤدلج للغرب بدعاوى اكتمال “نموذج الذات” واكتفائه بتاريخه وثقافته وعلومه (17).

  ولا شك أن صادق جلال العظم بنزعته النقدية لكتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد أثار ردود فعل سلبية من بعض المثقفين العرب الذين رأوا في نقده اتهاماً صريحاً لإدوارد سعيد بالعمالة للغرب، وهذا يجعلنا نتساءل: هل بالإمكان قيام حوار ثقافي خصب ومثمر بين الشرقيين والغربيين المعاصرين؟

  في اعتقادي أنه لن يقوم حوار من هذا القبيل إلا من خلال تناول الاستشراق كقضية منهجية في معالجة بعض المسائل التاريخية، والحضارية، والثقافية، يستند إلي تمركز علي الذات، وإلي منظومة قيم هيمنة ذات الباحث وهيمنة منظوريه الحضاري والعرقي، وعليه، فإن الاستشراق ” استجابة للثقافة التي أنتجته أكثر مما استجاب لإرادات المستشرقين كأفراد ذوات ورغباتهم واختياراتهم الشخصية” (18).

 يفرض المقام إذن كما يقول الدكتور سالم يفوت، إذن طرح الاستشراق كقضية، كإشكال، أي كأسلوب منهجي في معالجة القضايا التاريخية، والحضارية، والثقافية للشرق، يستند إلي رؤية معينة قوامها التمركز علي الذات الغربية، وإلي منظومة قيم تكرس هيمنة ذات الباحث وهيمنة منظورة الحضاري. . ليس هذا العيب المنهجي حكرا علي الغرب وحده، فكل حضارة في رؤيتها للغير تبدع هذا الأخير وتخلقه فتجعل منه ” غيراً متخيلاً” يتجلي هذا بوضوح في ” الاستشراق المعكوس “، أي في أغلب الكتابات العربية التي أراد أصحابها منها الرد علي الاستشراق وانتقاده، أو الطعن في أسسه ورؤاه، وهي كتابات تركز علي الذات، ذات مؤلفيها، في الرد علي المركزية العربية، فتخلق من حيث لا تدري مركزية مضادة تذكي وتؤجج ما أصبح يسمي بصراع الحضارات أو المركزيات (19).

 إن كل معرفة بالغير، هي معرفة تقييمية، تستند علي منظومة قيم تتخذها مرجعاً، فتمارس تأثيرها علي الباحث موجهة تعامله مع الموضوع الذي يدرسه واختياره للمفاهيم والفرضيات والوقائع، وبذلك يتكرس انغلاق كل ثقافة علي نفسها (20).

 مراجع المقالة وهوامشها :

 1- صقر أبو فخر (محاور): حوار بلا ضفاف مع الدكتور صادق جلال العظم، مجلة الدراسات الفلسطينية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 32، 1997، ص 30.

3-هاشم قاسم: مقابلة مع صادق جلال العظم، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، مج 32، ع 371، 2010، ص 110.

3-نفس المرجع، ص 1110-111.

4- أحمد عبد الحليم عطية: صادق جلال العظم: دفاعاً عن الفلسفة والعقل، العدد 55، 2017م، ص 131.

5- نفس المرجع، ص 131.

6- نفس المرجع، ص 131.

7-سالم يفوت: الاستشراق: وعي بالذات من خلال الوعي بالآخر، مجلة التنوير، جامعة الزيتونة – المعهد الأعلى لأصول الدين، العدد الثامن، 2006م، ص 63-64.

8-رياض حسن محرم: الإستشراق المعكوس. . والحالة المصرية، الحوار المتمدن – العدد 6068-2018/ 11/29-18:52.

9- جلال صادق العظم: الاستشراق معكوسا، أدب ونقد، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، مج 20 ,ع 2، 2003م، ص 38.

10- نفس المرجع، ص 39.

11- نفس المرجع، ص 40.

12- نفس المرجع، ص 40.

13- نفس المرجع، ص 44-47.

14- بوسلهام الكظ: إشكاليات الاستشراق في كتابين سالم حميش وصادق العظم، الإجتهاد، دار الاجتهاد للأبحاث والترجمة والنشر، مج 13 , ع 50,5، 2001م، ص 373.

15- جلال الدين العظم: الاستشراق والاستشراق معكوساً، دار الحداثة للطباعة والنشر، بيروت، 1981م، ص 52.

16- بوسلهام الكظ: نفس المرجع، ص 373.

17-د. خالد الجروب: الاستشراق بين «سعيد» و«العظم»، جريدة الاتحاد الإماراتية، السبت 22 أبريل 2017.

18- سالم يفوت: الاستشراق: وعي بالذات من خلال الوعي بالآخر، ص 65-66.

19- نفس المرجع، ص 66.

20- نفس المرجع، ص 67.

 

 

مقالات أخرى

نظريّة العدالة كأنصاف عند” راولز”

لمحة عن مظاهر التّسامح والتّطرّف بين المكوّنات الدّينيّة  في المغرب

تسريد القيم

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد