الحرية في عصر النهضة العربية

Scholars in the Abode of Wisdom, a science academy, Baghdad, Iraq, 14th century. Between the 8th and 13th centuries, Baghdad was a large wealthy city and one of the foremost centres of learning of the Islamic world. In 1258 Baghdad was sacked by the Mongols, who destroyed large areas of the city and reputedly massacred some 800,000 of its inhabitants. Courtesy Iraq Petroleum Company. (Photo by Ann Ronan Pictures/Print Collector/Getty Images)

ملخص:

يهدف هذا العمل إلى الغوص على مفهوم الحرية عند بعض أعلام النهضة العربية. فقد شهد هذا العصر التقاء المفهوم الليبرالي للحرية بالمعاني التراثية لهذه القيمة. ويبدو أن أعلام النهضة العربية عجزوا -في معظمهم – عن تمثّل المفهوم في عمقه الفلسفي وبُعده الحقوقي لأسباب تاريخية وسياسية ودينية معقّدة.

الكلمات المفاتيح: الحرية، الفكر الليبرالي، أعلام النهضة العربية، المفهوم والشعار، التمثّل المبتور

Summary:

 this research aims to deepen the concept of freedom of some luminaries of the Arab renaissance. This era witnessed the confluence of the liberal concept of freedom and the heritage meanings of this value. It appears that Arab renaissance notables – most of them – failed to represent the concept in its philosophical depth and legal dimension for complex historical, political and religious reasons.


1- مقدمة:

عرف العرب مع نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر صدمة نجمت عن تعرّفهم إلى الآخر الأوربي. كان هذا التعرف عبر الارساليات والرحلات حينا، وعبر الغزو الأوربي ممثلا في البدء بحملة نابليون بونابرت على مصر. هذا الاحتكاك بالآخر الاوربي جعل المفكر العربي ينتبه الى الفرق الكبير بين عالمه الذي لا يزال يرزح تحت وطأة الثقافة الوسطوية وثقافة الآخر التي عرفت نقلة نوعية في نمط الفكر وطبيعة الحياة وفي الموقف من الطبيعة والإنسان والعالم. وآلى بعض المفكرين العرب على أنفسهم أن يشخّصوا أسباب هذه الهوة العميقة بين مجتمع لم يتخلص من عهود انحطاط طويلة ومجتمع أوربي يتقدّم باطراد وبقوة. بيد أن جبهات النضال كانت متعددة منها الاجتماعي ومنها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها التربوي والثقافي… مما حدا بمعظمهم الى اختزال القضايا المتداخلة في موضوع واحد رئيسي هو الموضوع السياسي وفي قضية السلطة تحديدا، واعتبروا سائر القضايا متفرعة عنها. وقد يكون هذا التوجه ناجما أصلا عن موروث فكري يرى أن حالات الأمن والرفاه والتطور منوطة بالسلطة السياسية، خصوصا إذا ما قارنوا بين نظام الخلافة وما اقترن به من طبائع الاستبداد والأنظمة السياسية الحديثة التي تبلورت في أوربا منذ النهضة الأوربية وظهور فلاسفة الأنوار وما اقترنت به من قيم الحرية.

لقد ظهرت الدعوات الى الحرية منذ عصر النهضة العربية عبر كتابات أعلام كثر من أولهم رفاعة رافع الطهطاوي (تـ 1873) وخير الدين التونسي (تـ 1889) وأديب اسحاق (تـ 1885) وعبد الرحمان الكواكبي (تـ 1902) … لكن هل مثّل مفهوم الحرية كما تصوره أعلام النهضة العربية مفهوما فلسفيا له عمقه في ما حصل في العالم من تطور فكري واجتماعي وسياسي وقانوني أم إنه ظلّ عندهم يجرّ المعاني التراثية ولا يخرج عمّا قرره الفقهاء والمتكلمون قديما؟ وهل نجم في العالم العربي والإسلامي من التحولات السياسية والطفرات العلمية ما يسمح بصياغة مفهوم تاريخي جديد للحرية شأن ما حصل في العالم الأوربي؟ وهل كان لاطلاع المصلحين العرب على التجارب الغربية في معانقة الحريات وخصوصا ما اتصل منها بالثورة الفرنسية، صدى في كتاباتهم وتصوراتهم دلّت على تمثل للحقائق التاريخية والمعرفية في محاضنها الأصلية؟

2- في تحديد مفهوم النهضة وسياقها:

دأب المؤرخون والباحثون على تحديد بداية عصر النهضة العربية بحملة نابليون بونابرت على مصر وما نجم عنها من دهشة وصدمة أيقظتا الوعي الجمعي العربي والإسلامي على البون الشاسع بين حضارة الأنا وحضارة الآخر. بيد أن قراءة أكثر إنصافا للتاريخ تبيّن أن الامبراطورية العثمانية كانت قد شرعت بعد في إصلاحات تسترفد من مبادئ الثورة الفرنسية وتنزع نحو تقوية الأسطول العثماني عبر تأسيس المدارس الحربية وتوجيه الارساليات والبعثات نحو أوربا ثم في وقت لاحق عبر استقدام الخبراء من فرنسا ولاسيما في عصر محمد علي.

لكن الوعي الذاتي بضرورة التغيير لم يكن بالعمق الذي يسمح بتحول كبير في السياق العام للفكر والمجتمع، فكانت حملة نابليون بمثابة الرجة العنيفة التي استحثّت جهود الاصلاح والتفكير في الحلول.

يمتد عصر النهضة العربية فعليا من بداية القرن الثامن عشر إلى فترة ما بين الحربين العالميتين. لكن رهانات النهضة من تقدم وحرية وكرامة لم تُستكمل حتى زمننا هذا في كثير من البلاد العربية إن لم نقل فيها جميعا. فلقد أرادت النهضة أن تكون تجاوزا لعصور الانحدار والظلام منذ تاريخ سقوط بغداد وحتى القرن الثامن عشر، وهي عصور مثلت ” تقيدا بالنصوص التي في الكتب الموروثة دون مباشرة الطبيعة بتسليط العقل عليها واستخراج المعارف منها وسيادة للعقائد على المعارف والتليد على الطارف واكتفاء بالثقافة الدينية دون الثقافة المدنية وثيوقراطية الدولة أي الدولة الدينية دون الدولة المدنية”[1]. فالواقع أن العرب ظلوا لأزمنة بعيدين عن العلم التجريبي وتحليل قوانين الطبيعة وصرفوا كل همهم في العلوم النقلية حتى تجاوزنا الآخر وتجاوزنا التاريخ.

كان العرب على يقين بأنهم متخلفون عن أوربا، نرى ذلك في كتاب “أقوم المسالك” لخير الدين أو في كتاب “تخليص الإبريز للطهطاوي أو في “الساق على الساق” لفارس الشدياق. ولكنهم كانوا على وعي أيضا بأنهم ضمن الحكم العثماني هم أكثر عددا وأكثر استهدافا من الترك والأوربيين على حدّ سواء. لذلك فقد شعروا بمسؤولية استعادة المجد الحضاري الذي ورثوه عن أسلافهم العرب المسلمين. لقد تبين لهم أن الاستبداد ونظام الحكم المطلق جرّ الى تخلف في جميع مستويات الحياة، لأن المواطن غير الآمن على كسبه وماله، ويكون إلى ذلك مهددا في مصدر ثروته، لا يمكن له أن يبدع أو يساهم في نهضة بلده. وهذا التخلف الاقتصادي الناتج عن مصادرة أرزاق الناس وإغراق السوق المحلية بالبضائع الأوربية المستوردة زاد من تبعية البلاد للإقطاع العسكري أو لجهات أجنبية وسقط الفلاحون والحرفيون في ديون ثقيلة وارتهنوا للبنوك “وربما استدانوا لغير الأمور الضرورية وغرّهم- والهوى غرار- أن بعض الدول بأوروبا يستقرض المال، من غير إعمال فكر في ذلك”[2].

إن نفاد خزائن الدولة الاسلامية بسبب ارتفاع أجر الجند وتراكم الديون وسيطرة المنتج الأوربي على الأسواق المحلية، فاقم الاستبداد وعمّق سياسة القهر والحكم المطلق، مما أدى الى قيام الثورات والانتفاضات الشعبية التي أهمها ثورة علي بن غذاهم في تونس وثورة عرابي باشا في مصر.

إن هذا الوضع المتردّي اقتصاديا والضعيف عسكريا (خاصة بعد هزيمة القرم) والمتخلف ثقافيا واجتماعيا رغم جهود الإصلاح والتعليم، انتهى إلى حلول الاستعمار. وكان لا بد من تفكير في سبل الخلاص وفي تحديد الموقف من موضوعين سيكونان قطب الرحى في توجيه فكر كل الإصلاحيين العرب، وهما علاقتنا بتراثنا الإسلامي من جهة، وعلاقتنا بالآخر المستعمر والمتقدم من جهة أخرى. وقد عبر شكيب أرسلان عن جوهر القضية عندما تساءل: لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟

قد يكون من غير الإنصاف ولا من باب الدقة العلمية تصنيف الرواد العرب في عصر النهضة حسب تيارات فكرية محددة. فجميعهم كان ينظر إلى أوربا بوصفها أنموذجا. وباستثناء المسيحيين العرب، فإن الجميع كان مرتبطا بالثقافة الدينية الاسلامية بشكل أو بآخر، حريصا على المواءمة بين مقتضيات الوجود الامبراطوري للعثمانيين والمحمول الإسلامي للخلافة من جهة والاسترفاد من الآخر الغربي من جهة ثانية. على أننا يمكن أن نصنف المفكرين العرب زمن النهضة وفق توجهات عامة أربعة[3]:

توجه أول: بارك الإصلاحات العثمانية مثل خط شريف كل خانة ولكنه رأى أنها غير كافية. كان رواد هذا التوجه منبهرين بما يحصل في أوربا وأرادوا أن يقتدوا بالإفرنج، وأن يبينوا مظاهر التمدن الأوربي والأسباب التي مكنت الآخر من القفزة الحضارية الهامة التي حققها. وفي هذا السياق سعى “كل من خير الدين التونسي ورفاعة رافع الطهطاوي إلى توكيد أن ما يدعوان إليه من أخذ عن الغرب، إنما هو إحياء لماضي الشريعة الاسلامية أخذه منا الغرب وبقينا نحن – نتيجة إغلاق باب الاجتهاد- قانعين بما وصل إليه السلف دون محاولة لتطويره، فطوّر الغرب بدلا عنا”[4]. وهكذا بدا لخير الدين أن يدعو رجالات عصره في العلم والسياسة إلى “التماس ما يمكنهم من الوسائل الموصلة الى حسن حال الأمة الإسلامية، وهم اهل الحل والعقد عنده الذين يباشرون العمل على جعل الحكم دستوريا مقيدا بقانون مع احترام تامّ للشريعة.

هو إذن هذا التوجه السلفي الذي يروم في العموم أن يرى ذاته الماضية زمن مجدها في مرآة حضارة الآخر.

توجه ثان: يمثله أساسا جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وقد نجم عن ظروف تاريخية مستجدّة أهمها تنامي الحضور الأوربي وتصاعد التسلط الغربي على الامبراطورية العثمانية، وهو ما جعل نظرة الانبهار بأوربا لدى الرواد الأوائل تتحول إلى توجس وحذر. وإذن لم يغب الاعجاب بثقافة الآخر كليا. وقد كان مشروع الأفغاني اتخاذ الاسلام دينا لله ومدنيّة بين البشر ودعا الى وحدة بين كل المسلمين اجتهد في تطبيقها على أرض الواقع بالاجتماع بالشباب المسلم ليكون درعا أمام الامبريالية الغربية. وكتب مع محمد عبده نصوصا في الجريدة التي أسّساها باسم “العروة الوثقى” من أجل إحياء الاسلام الصافي الجامع بين الشريعة والعقل خدمة لبناء الأمة الإسلامية. واعتبر عبده أن المدنية الأوربية موجودة في الإسلام منذ نشأته، ولكن المسلمين أضاعوها بتناحرهم وتركهم لدينهم فيما اغتنمها الأوربيون وصاروا بها متطورين ومهيمنين على العالم. لذلك لا أمل عند الأفغاني إلا بوجود رابطة إسلامية شاملة تحت نفوذ حاكم مسلم عادل يترك الاستبداد والظلم أو مستبد عادل كما اقترح محمد عبده.

توجه ثالث: يمكن القول إنه ناجم عن قراءتين مختلفتين لفكر الأفغاني العملي السياسي ولمشروع عبده الحضاري. إنه توجه جمع تيارا سلفيا تمثله مجلة المنار وصاحبها محمد رشيد رضا (تلميذ عبده) اعتبر الإصلاح الذي دعا إليه الرجلان إحياء لثقافة السلف في مقاومة البدع واستعادة أحكام الشرع، في مواجهة تيار علماني يمثله المسيحيون العرب أساسا (شميل، أنطون..) الذين نادوا بضرورة فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية والعمل على تحقيق الدولة الديموقراطية التي تضمن استقرار المجتمعات وتطورها، والإقبال على العلوم الدنيوية التي من شأنها أن تنهض بالعرب اقتداء بنهضة أوربا الحديثة.

توجه رابع: نجم عن موقفين متقابلين من العلاقة مع الغرب. شقّ أول اعتبر الآخر عدوّا استعماريا وصليبيا كافرا، ونجمت عن هذا الموقف المتصلب نزعة أصولية مغالية في العداء للغرب يمثلها أساسا فكر الإخوان المسلمين من حسن البنا إلى سيد قطب، ونزعة مهادنة إزاء الآخر دون أن تفقد صلتها بفكر الشيخ محمد عبده يمثلها تيار من العلمانية الإسلامية لعل أشهر أعلامه علي عبد الرازق وطه حسين وأحمد لطفي السيد وحسين هيكل. وقد وجد هذا الشق الثاني سندا من المسيحيين العرب فيما وجد الشق الأول سندا في قاعدة شعبية عريضة يمثلها إسلام بسيط وعامي تحوّل بدروس البنا وقطب والمودودي إلى إيديولوجية عنيفة وخطيرة تهدّد أسس الدولة.

3- مفهوم الحرية عند بعض أعلام النهضة العربية:

هيمن في الثقافة العربية والإسلامية القديمة مفهوم الحرية في معناه الطبيعي، وكان الحر في معنى نقيض العبد. وعبرت المنظومات الفلسفية والكلامية القديمة عن معنى الحرية من خلال حرية العبد في اختيار أفعاله التي يحاسب عليها يوم القيامة. لكن الحرية في معناها الليبرالي الحديث وفي دلالتها السياسية والاقتصادية وفي حواشيهما المادية والدنيوية سيكون مجالها فكرة الحرية الليبرالية التي سيقدمها الغرب وسيتلقاها العرب والمسلمون في القرنين 18م و19م. سيترك العرب والمسلمون شيئا فشيئا جدالهم حول المفهوم الطبيعي والميتافيزيقي للحرية ليحصروا اهتمامهم في الحرية في سياق الدولة والاقتصاد على وجه التحديد. وهذا الأمر سيكون نتاج حملة بونابرت على مصر ونتاج البعثات العلمية والديبلوماسية الى أوربا الى جانب إنشاء المدارس الحديثة.

3 -1- مفهوم الحرية في فكر رفاعة الطهطاوي:

كان الطهطاوي من أوائل من حاول تفسير مصطلح “حرية” وإدخاله الى المجال التداولي العربي، واجتهد في أن يجد له مرادفا في التراث العربي الاسلامي حتى بدا له أن أقرب المفاهيم الى ذاك المصطلح هو العدل والانصاف. وهذا ما يبرر ترجمته للدستور الفرنسي في كتابه “تخليص الابريز”. إلى جانب ذلك خصص فصلا في كتابه “المرشد الأمين” حدّد فيه معنى الحرية، وبيّن أنها حالة فطرية في الإنسان وانتهى إلى أنها “من حيث هي رخصة العمل المباح من دون مانع غير مباح ولا معارض محظور. فحقوق جميع أهالي المملكة المتمدنة، ترجع الى الحرية. فتتّصف المملكة بالنسبة الى الهيئة الاجتماعية بأنها مملكة متحصلة على حريتها، ويتصف كل فرد من أفراد هذه الهيئة بأنه حر يباح له أن يتنقل من دار الى دار ومن جهة الى جهة بدون مضايقة مضايق ولا إكراه مكره، وأن يتصرف في نفسه ووقته وشغله فلا يمنعه من ذلك إلا المانع المحدود بالشرع أو السياسة مما تستدعيه أصول مملكته العادلة. ومن حقوق الحرية الأهلية ألاّ يُجبر إنسان على أن يُنفى من بلده أو يُعاقب فيها إلاّ بحكم شرعي أو سياسي مطابق لأصول مملكته وألاّ يُضيّق عليه في التصرف في ماله كما يشاء أو لا يحجر عليه إلاّ بأحكام بلده وألاّ يكتم رأيه في شيء بشرط ألاّ يُخلّ ما يقول أو يكتم بقوانين بلده”[5].

إنّ هذا التعريف هو من بواكير التعريفات العربية الموضوعة لمفهوم الحرية في العصر الحديث. لقد كان يمجّد الحرية الموصوفة في فرنسا وإن كان يعتبر الغرب بلاد الكفر ودينه الإسلامي أحسن الأديان، وذلك من أجل أن يسرّب المفاهيم الغربية الحديثة بكثير من الحيطة والتقية حتى لا يخوض مواجهة مع تقاليد مجتمعه. فحريتهم هي “عدلنا” و “إنصافنا” الإسلاميان. لقد ترجم كلمة Liberté الفرنسية ولكنه لم يستطع أن يترجم مدلولها المتوهج والمتفجر بالحواف المدنية والسياسية والأنطولوجية. وكان عليه أن يجد وسيطا بين الكلمة الفرنسية ومرادفها العربي فأدخل العدل والانصاف. وهذه النقلة لم تسمح بتقريب المفهوم فقط، بل جعلتهم يحسّون نبض المفهوم وأن يدفع عن نفسه تهمة التفرنج[6]. بيد أن استبدال الحرية بالعدل والانصاف لا يجب أن يحجب عنا رغبته في أن يستبدل المخاطَب. فالحديث عن الحرية تحريك لهمم المحكوم والحديث عن العدل استحثاث لهمة الحاكم، والحديث عن الحرية دعوة للمطالبة بالحق أما الحديث عن العدل فمناشدة للحاكم في نطاق فقه النصيحة.

إن ترجمة موادّ الدستور الفرنسي، كان اكتشافا ثوريا في عين القارئ بالعربية وقت صدور الكتاب. ولكن ربما كانت تعليقات الطهطاوي على تلك المواد أكثر ثورية. ومصدر الثورية هنا وهناك، ” هو أن القارئ المصري في عام 1834م، كان يعيش في إطار دولة يكاد المرء ألاّ يميّز بينها وبين شخص حاكمها. وكان محمد علي في آن واحد المالك الوحيد للصناعات والتاجر الوحيد. ولا شك أن القارئ المصري قد أدرك، بالمقارنة مع سلطات الملك الفرنسي، أن والي مصر كان كذلك المشرّع الوحيد والحاصل بمفرده على السلطة”[7].

إن كلام الطهطاوي عن “الشٌّرطة” ليس دفاعا عن الدستور الفرنسي لسنة 1818م فقط، وإنما هو عرض لنظام في الحكم لا يقوم إلا على العقل دون تدخل من الشريعة الدينية وأن هذا النظام يقود الى العدل والحرية وخير الإنسان وإن لم يستند الى النص الديني. ثم إن هذا النظام فيه مشاركة، ويعني ذلك رفض الانظمة الاستبدادية. وفيه حرية الرأي وحرية الصحافة وحرية التملك وحرية التنقل وهذه جميعا هي الضامنة لا شكّ للكرامة الانسانية. فإذا كان الأمر على هذا النحو فلمَ لا نأخذ بهذا النظام؟ لعلّ هذا هو المطلب المسكوت عنه في خطاب الطهطاوي الذي يبدو بدا كا لو أنّه مجرد وصف لعالم مختلف. ولم يأل الطهطاوي جهدا في الاستشهاد بأقوال الحكماء وبترديد عبارة “العقل” و”أصحاب العقول” كأنما يمهد لتصور معلمن للحكم أو يبشّر بقبول تدريجي للعلمنة.

بقي أن ننبه على أمر في شأن الحرية الدينية. فهي لا تعني عند رفاعة الطهطاوي ما تعنيه في الثقافة الغربية من اختيار حرّ للدين أو اختيار حر بين الاعتقاد واللااعتقاد. إنها “تساوي عنده ما يسمى تخصيصا باسم “حق الاجتهاد” في الدين. فهو يعرفها كالتالي: والحرية الدينية هي حرية العقيدة والرأي والمذهب بشرط ألاّ تخرج عن أصل الدين”. ويضرب أمثلة عليها بآراء الأشاعرة والماتريدية في العقائد وبآراء أرباب المذاهب المجتهدين في الفروع”[8].وكيف له أن يتحدث في موضوع الحرية الدينية وهو مازال يكفّر من يخالفه العقيدة، وأنّى له ذلك وهو الشيخ الأزهري المتباهي بدينه المُفاخر بنبيّه المعتزّ بلغته، لغة القرآن.

3 -2- مفهوم الحرية عند خير الدين التونسي:

ممّا لا شكّ فيه أن سلطات العسكر العثماني خلال القرن التاسع عشر قد اتسعت وتمدّدت في الحكم وأن دور البدو الرحّل ودور القبائل قد تقهقر اقتصاديا وسياسيا “وأصبح مفهوم إصلاح الإدارة ونظام الحكم في جهاز الدولة العثمانية وسيلة لتقوية سلطتها داخليا وخارجيا لمجابهة مختلف تحديات الدولة الأوربية الاستعمارية وحماية الجماعات الاسلامية من خطر التدخل الاوربي”[9]. وكان استبداد العثمانيين وسلبهم لحرية الأفراد، قد ساق الى ارتفاع الأصوات المنادية بالإصلاح والمطالبة باتخاذ اجراءات اقتصادية وسياسية تحدّ من تسلط السلطان العثماني وحاشيته وعساكره وتشجّع المبادرات الفردية في الاقتصاد وتنادي بحكم مقيد بقانون. ومن أولى الكتابات في هذا الموضوع ما سطّره خير الدين التونسي في كتابه “أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك”.

يرتكز مفهوم الحرية عند خير الدين على استلهام أصول هذا المفهوم من الفكر الليبرالي الغربي. وهو في العموم ذلك الفكر الذي ينادي بالحرية الفردية في معناها الوجودي والسياسي وينادي على الخصوص بالحرية الاقتصادية التي نظّر لها أعلام كُثُر في الغرب مثل ريكاردو وآدم سميث وجون ستيوارت ميل. فقد ركّز هؤلاء الأعلام على حق الفرد ضدّ الدولة المستبدّة، لأنّ حرية الفرد هي حرية طبيعية لا بدّ من حمايتها بالقانون، ولأن الحريات الفردية هي أصل المجتمع، وهي حقوق بديهية وطبيعية من أجل أن يكون الفرد منتجا ومبدعا. وإذن فحرية التصرف في المال والنفس والجسد وحرية التعبير والاعتقاد وحرية الإنتاج ومراكمة الثروة هي جوهر الحرية الليبرالية. إنها مجموع الحريات الشخصية والسياسية والاقتصادية. وفي مسؤولية الدولة أن تضمن هذه الحريات وتحافظ على هذه الحقوق.

انتصر خير الدين التونسي في كتابه “أقوم المسالك” للحرية في معناها الليبرالي وذلك عبر مساجلة ضمنية مع التصورات التقليدية. لقد نبّه على أن الاسلام كان قد استوعب مفهوم الحرية الذي صار عنوان الحضارة الغربية المعاصرة، ذلك أن “الحرية والهمّة الانسانية اللتين هما منشأ كل صنع غريب غريزتان في أهل الاسلام مستمدّتان مما تكسبه شريعتهم من فنون التهذيب”[10]. إن العمران – حسب خير الدين الذي كثيرا ما يعود إلى معجم ابن خلدون – لا يتأسس في أي مملكة مهما كان دينها وموطنها ومهما كانت ثقافتها ونظمها إلا على قيمة الحرية وقيمة العدل. فلا التقدّم الحضاري ولا النموّ الاقتصادي يمكن أن يتحقق بغياب الحرية والعدل. فمن أهمّ “ما اجتباه الأوربيون من دوحة الحرية تسهيل المواصلة بالطرق الحديدية وتعاضد الجمعيات المتجرية. فبالجمعيات تتسع دوائر رؤوس الأموال فتأتي الأرباح على قدرها”[11].

ويبدو خير الدين كما لو أنّه لا يشعر بالحاجة إلى التنظير المعمق لمفهوم الحرية لاعتقاده بأصالتها، في مستوى التصوّر العميق، في تراثه الاسلامي. بيد أن ذلك لم يمنع تفطّنه إلى بعض وجوه الاختلاف في سياقها السياسي والمدني والاقتصادي، وذلك ما دعاه إلى تفسير معنى الحرية الشخصية بوصفها “إطلاق تصرّف الانسان في ذاته وكسبه مع أمنه على نفسه وعرضه وماله ومساواته لأبناء جنسه لدى الحكم بحيث أن الانسان لا يخشى هضيمة في ذاته ولا في سائر حقوقه”[12]. كما استدعى الأمر تفسير معنى الحرية السياسية بما هي “تطلب الرعايا التداخل في السياسات الملكية والمباحثة في ما هو أصلح للمملكة”[13]. إن هذه الحريات –في رأي خير الدين- لم تكن غائبة عن الثقافة الاسلامية الكلاسيكية. بيد أن مجال الاختلاف عن سياق الثقافة الأوربية الحديثة كامن في شكل التنظيم وفي درجة تقبل المحكومين لها. فقد سبق للخليفة عمر بن الخطاب أن أعطى الحرية للرعية في نقده وتقويم اعوجاجه. وما لاحظه خير الدين هو أن إعطاء الحرية بهذا الشكل القديم لسائر الناس يمكن أن يكون مدعاة “لتشتيت الآراء وحصول الهرج”[14]. لكنه لم يُلاحظ أن الحرية كانت فيما مضى –فضلا عن اختلاف السياق المعرفي والتاريخي- هبة وفضلا ولم تكن استحقاقا وحقاّ. وهو لهذا السبب لا يجد حرجا من المقارنة بين مجلس النواب وما سماه الفقهاء “أهل الحل والعقد”.

ومع ذلك، يمكن القول إن خير الدين التونسي اجتهد في أن يستوعب الفهم الليبرالي للحرية خصوصا حين لم ينغمس في الفهم القديم للحرية كما ساقه الفقهاء والمتكلمون وانصرف متوسعا في الحديث عن الحرية الاقتصادية والحرية السياسية وحرية التعبير والصحافة، وقد سماها “حرية المطبعة”[15]، بما هي تحرر في مستوى التفكير والتعبير والنشر والمعارضة. “ويبقى خير الدين متأثرا بسيرة الملوك الأوربيين من حيث درجة إعطاء هذه الحرية والتفاوت فيما بينهم على حسب تقدّم الأمة المحكومة من حيث درجة العلوم والمعارف والقدرة على تحقيق المصلحة في الحكم”[16]. وهو يعترف بأن الأمة الاسلامية في عصره قادرة، بفضل ما بقي لها من أصول تمدنها القديم وبعاداتها المأثورة لها عن إسلامها، إذا أُذكيت حريتها الكامنة بتنظيمات مضبوطة، أن تعانق الفهم الغربي الحديث للحرية وتنافس شريعتهم في ذلك.

ورغم كل هذا، هل كان خير الدين – وهو رجل سياسة وفعل قبل كل شيء – قادرا على تقديم قراءة نقدية للتصوّر الليبرالي للحرية ولطبيعة مطابقته للمرحلة التاريخية التي مرت بها الامبراطورية العثمانية؟

3-3 الحرية في فكر الكواكبي:

من أهم ما ألّف عبد الرحمان الكواكبي (1854-1902) في موضوع الحرية كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”. وهو كتاب يبيّن فيه الكواكبي حجم الاستبداد المترسخ في الذهنية العربية والإسلامية على وجه الخصوص ولاسيما في تجلياته السياسية والدينية وما يتبع ذلك من عسف يتضاعف بتحالف الدين والسياسة.

وكان الكواكبي قد ألمع إلى موضوع الحرية في كتاب “أم القرى”. فقد نبّه “الاجتماع الثاني” بين ثلة من المفكرين المسلمين على أن “البلية فقدنا الحرية”[17]، ولطول غيابها نسيها الناس واستوحشوها. وقد ساق تعريفا للحرية مفاده “أن يكون الانسان مختارا في قوله وفعله لا يعترضه مانع ظالم. ومن فروع الحرية تساوي الحقوق ومحاسبة الحكام باعتبار أنهم وكلاء وعدم الرهبة في المطالبة وبذل النصيحة، ومنها حرية التعليم وحرية الخطابة والمطبوعات وحرية المباحثات العلمية ومنها العدالة بأسرها حتى لا يخشى إنسان من ظالم أو غاصب أو غدار مختال. ومنها الأمن على الدين والأرواح والأمن على الشرف والأعراض والأمن على العلم واستثماره”[18]. وهكذا بدت الحرية مقترنة بالعدل والأمن لأن الانعتاق يستلزم الشعور بالاطمئنان أن الخيارات الحرة لا تستتبع عقابا أو انتقاما، كأنه يلمّح إلى ما يحفّ بالحق في الحرية من مخاطر حين لا تكون مؤسسات قوية تحميها وترعاها. ذلك أن الحرية “أعزّ شيء على الانسان بعد حياته، وأن بفقدانها تفقد الآمال وتبطل الأعمال وتموت النفوس وتتعطل الشرائع وتختلّ القوانين”[19]. فهي التي تهب المرء دافعا نحو البناء والتعمير وتحثه على مقاومة الظلم والجرأة على النصح والنقد، “والحاصل أن فقدنا الحرية هو سبب الفتور والتقاعس عن كل صعب وميسور”[20]. وإن تدهور حال الأمة الاسلامية ناجم عن الطغيان والاستبداد واضمحلال الإرادة الحرة وتعوّد الناس على الهوان خصوصا في الشأن السياسي والديني.

لقد عرّف الكواكبي السياسة في كتاب “طبائع الاستبداد” بأنها ” إدارة الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة”[21]، والحكمة هي حاصل الحرية والعدل. ورأى أن أول أبواب الحديث في موضوع السياسة هو الحديث في الاستبداد بوصفه “التصرف في الشؤون المشتركة بمقتضى الهوى”[22]. ونبّه إلى معظم الاشكاليات التي تحفّ بهذه القضية من قبيل تطرّقه لأسباب الاستبداد ودواعيه وطبائعه وطرائق التخلص منه. وقدّم الكواكبي تعريفات مقتضبة لغوية ونفسية وفلسفية وحقوقية من وجهات نظر مختلفة تدل على محاولة للإلمام بالموضوع من نواحيه كافة. وحديثه عن الشأن السياسي بأنه إدارة الشأن العام بالحكمة دالّ – فيما نرى- على تبرّم بالحكم المطلق وتوجّه نحو الدولة الدستورية وايمان بمبدإ فصل السلطات. لكنه لا يعتبر ذلك كافيا ليعصم الأمة من العسف والتسلط. ذلك أن صفة الاستبداد كما تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة، فإنها يمكن أن تشمل أيضا “الحاكم الفرد المقيد الوارث أو المنتخب متى كان غير محاسب. وكذلك تشمل حكومة الجمع ولو منتخبا لأن الاشتراك في الرأي لا يدفع الاستبداد وإنما قد يُعدّله نوعا وقد يكون أحكم وأضرّ من استبداد الفرد”[23]. وهذا الكلام فيه تأثّر واضح بما كتبه جون ستيوارت ميل في كتابه “عن الحرية” حين عرّف الحرية ثمّ حين نبّه إلى مخاطر استبداد الأغلبية. بل إن الكواكبي حذّر كذلك من “الحكومة الدستورية المفرّقة فيها قوة التشريع عن قوة التنفيذ لأن ذلك أيضا لا يرفع الاستبداد ولا يخففه ما لم يكن المنفذون مسؤولين لدى المشرعين، وهؤلاء مسؤولون لدى الأمة التي تعرف أن تراقب وأن تتقاضى الحساب”[24]. فأهم عاصم من الاستبداد حسب الكواكبي هو وعي الشعوب بحقوقها ومحاسبتها لحكامها. فالكمّ الهائل من الدساتير والقوانين قد لا يكون ضمانة كافية للتمتع بالحرية ونفي الطغيان. وما تواصل بلاد الإنجليز في التنعم بأفانين الحرية والعدل- حسب الكواكبي – إلا من باب يقظة الأمة الإنجليزية استثناء من بين الأنظمة العالمية التي قد تبدأ ديموقراطية حتى إذا تراخت قبضة الرقابة الشعبية وفترت همم الناس عن محاسبة الحكام، تحولت تدريجيا إلى أشكال مختلفة من الاستبداد.

أما علاقة الاستبداد الديني بالاستبداد السياسي فمتينة. فقد ” تضافرت آراء أكثر المحررين السياسيين من الافرنج على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني والبعض القليل منهم يقول: إن لم يكن هناك توليد فلا شك أنهما أخوان أو صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة على التعاون لتذليل الانسان. والمشاكلة بينهما ظاهرة من أن أحدهما حاكم في عالم القلوب والآخر متحكم في مملكة الأجساد”[25]. هما إذن شكلان متضايفان للاستبداد ويستدعي أحدهما الآخر ويدلان في النهاية على تصلّب في السياسة وتخثّر في الدين وفكاك أحدهما من الآخر قد يكون المدخل الرئيسي للإصلاح.

لقد استهلّ الكواكبي تحليلاته المسهبة لتجليات الاستبداد وتمظهراته ببيان هذا الرابط بين الديني والسياسي. ونبّه على أن المستبدّ طالما وظّف الدين لترسيخ نفوذه السياسي حتى جاء الاسلام وأنشأ نظامه العادل وحارب الظلم والحكم المطلق، ثم أشار إلى ما حصل بعد ذلك من نكوص عن مشروع النبيّ ودولة الخلافة الراشدة حين رجع الاستبداد وأناخ بكلكله على الأمة الاسلامية رغم أن الدين الاسلامي براء من ذلك. وبصرف النظر عن هذه القراءة التمجيدية للإسلام وللعصر التأسيسي التي نفهم منها منافحة الشيخ عن عقيدته وتراثه، فإن الكواكبي حاول بكل جدية وفي عمل رائد في الفكر السياسي، أن يحلل تمفصلات القوة القهرية التي حكمت الأمم والشعوب وأن يضع إصبعه على بعض مراكز الداء ولاسيما هذا الحس العلماني المنبه على خطر التحالف بين الدين والسياسة. بل إنه لم يدّخر جهدا في تفصيل تجليات الاستبداد في بعض مرتكزات الاجتماع والحياة كالمال والعلم والتربية والأخلاق. كانت عُدّته القراءة والاقتباس وقد ذكر ذلك في مواضع عدة، منها تأثره بكتابات المفكر الايطالي ألفيري فيتورياVittoria. لكن فضل الكواكبي أنه صهر ما يعتمل في واقعه وما شهده تاريخه مع ما قرأه عن الأمم الأخرى، وصاغ عمله الريادي بما يقيم الدليل على حقيقة النهضة العربية. ويكفيه شرفا أنه قدّم مقترحات جادة للتخلص من الاستبداد وفهم أن أصل الداء يكمن في تلك “الحكومة التي لا توجد بينها وبين الأمة رابطة معينة معلومة مصونة بقانون نافذ الحكم…وأنه لا عبرة بمن يتولى السلطة أيا كان ولا بعهده على مراعاة الدين والتقوى والحق والشرف والعدالة ومقتضيات المصلحة العامة وأمثال ذلك من القضايا الكلية المبهمة التي تدور على ألسنة كل برّ وفاجر وما هي في الحقيقة إلا كلام فارغ لأن المجرم لا يعدم تأويلا ولأن من طبيعة القوة الاعتساف”[26]. وإنما العبرة بالمؤسسات وتحديد الحقوق والواجبات وتدقيق المفاهيم السياسية والقانونية والتفريق بين السلطات في خمسة وعشرين مبحثا ذكرها الكواكبي تمهيدا لنظام يحقق الحرية والعدل والكرامة الانسانية.

3 -4- الحرية في فكر أديب إسحاق:

عموما، كان المسيحيون العرب- لاعتبارات تاريخية وثقافية عديدة – أقرب إلى روح العصر الحديث وأدعى إلى تمثل مكتسبات الحداثة. وقد تجلى ذلك في دعوة أمين الريحاني في “الريحانيات” إلى التساهل الديني وحرية المعتقد، كما تجلى في حرص فرح أنطون على الفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية.

ويعتبر أديب اسحاق أحد أهم المفكرين الذين ناضلوا من أجل الحرية والديموقراطية، سواء عن طريق الصحافة أو عن طريق العمل السياسي. ورغم تأثره بالفلسفة السياسية لعصر الأنوار فإنه كان يُؤثر الحياة الدستورية على فكرة الثورة بالشكل الذي جعله ينادي بالتأسيس الديموقراطي وينتصر للقانون ويؤمن بالحرية في نطاق ذلك القانون. لهذا فإن أديب اسحاق، لم يكن ميّالا إلى حرية رعناء لا تفقه كنهها وعمقها الشعوب خصوصا أنه ينطلق من معاينة لضروب الجهل والتخلف والفكر الأسطوري.

ومع ذلك فقد دأب على تقديس قيمة الحرية حتى اشترط قبل الحديث عنها تطهّرا نفسيا وأخلاقيا. إن الحرية – في نظره – “ثالوث موحد الذات متلازم الصفات، يكون بمظهر الوجود فيقال له الحرية الطبيعية وبمظهر الاجتماع فيعرف بالحرية المدنية وبمظهر العلائق الجامعة فيسمى بالحرية السياسية”[27]. وهو لا يخفي تأثره بأعلام الفلسفة الأنوارية من مثل مونتين ومونتسكيو. لكنه لا يتورع عن نقدهم أيضا. كما أنه لا يسكت عن بعض من يزعم الحرية وهو من أعدائها. فيسخر من الحرية المزعومة في بعض الأنظمة الاستبدادية التي ينيخ عليها طغاة السياسة وحرّاس الشريعة، لأن “أهل السلطة الاستبدادية حيث كانوا ومن حيث كانوا، يفترون على الحرية كذبا في تعريفها بالطاعة العمياء والتسليم المطلق بمقال زيد مرويا عن حكاية عمرو مسندا إلى رواية بكر مؤيدا بمنام خالد. فهي بموجب هذا الحد فناء الذهن وموت القوة الحاكمة وخروج الانسان عن مقام الانسان”[28].

وتحضر المرجعية الكانطية في فكر أديب اسحاق بيّنة جلية لاسيما بالرجوع إلى نص كانط الشهير عن معوّقات الفكر[29]. فالمرء تتسلط على إرادته إكراهات التعليم وضغوطات القانون والعرف، فتنتهي إلى أن تسلبه حريته. غير أن ذلك لا يعني أن نضرب عرض الحائط بكل قيد، بل أن يكون القانون فيصلا “من حيث أنه يذهب بحرية فرد من القوم ولكن من وجه أنه يحفظ حرية الكل”[30].

إنه إذا كان الحكام ميّالين بالطبع إلى الاستبداد، فإن الشعوب نزّاعة بالفطرة إلى التحرر. ولأن الحرية هي توأم المساواة فإن الامتيازات والحرية يتخالفان في نظر أديب اسحاق. ولعله لهذا الاعتبار تبدو الحرية السياسية صعبة المنال مادام دأب الحكام الشره إلى التفاضل والتمايز. فلو اعتقدوا في الحرية اعتقادا راسخا لحرصوا على المساواة بين الجميع. لكن العيان دال على خلاف ذلك. ولهذه الأسباب ينتشر التعصب ويكثر التبرم بالحريات.

وقد أورد أديب اسحاق تعريفا للتعصب- عدو الحرية – يبدو له دارجا في الانشاء العربي من حيث أنه هو “الغلو في الدين والرأي حدّ التحامل على من خالفهما بشيء فيما يدين وما يرى”، وتعريفا للتساهل (التسامح) من حيث هو “الاعتدال في المذهب والمعتقد على ضدّ ذلك الغلوّ”[31]. وهذان التعريفان –في نظره- يفتقران إلى الدقة. فهو بوعي إيبستولوجي حادّ يرى أن كلا التعريفين لا يستغرق المراد منهما لأن الأول توسع لغوي بلا ضابط والثاني خروج عن الحد اللغوي لأنه لا يأتي على حقيقة التساهل في المعنى الذي صاغته الفلسفة الأنوارية والنزعة الانسانية في أوربا. لذلك فهو يسوق تعريفا أكثر ملاءمة مع تصوراته الحديثة يكون التعصب بمقتضاها ” غلو المرء في اعتقاد الصحة بما يراه وإغراقه في استنكار ما يكون على ضدّ ذلك الرأي حتى يحمله الإغراق والغلوّ على اقتياد الناس لرأيه بقوة ومنعهم من إظهار ما يعتقدون ذهابا مع الهوى في ادعاء الكمال لنفسه وإثبات النقص لمخالفيه من سائر الخلق”[32]. فالتعصب يتجاوز الغلو في المعتقد والفكر والتحامل على المخالف في الرأي إلى دفع الآخر بالقوة حتى يتبنى رأينا ومنعه بالقوة من التعبير عن رأيه بحرية غرورا بادعاء الكمال فينا وزعم النقص في من سوانا. كل ذلك دليل على أن التعصب ليس مجرد احساس أو مجرد نزعة خلقية وإنما قد يتحول إلى عنف مادي محسوس أيضا. أما التسامح عند أديب اسحاق فهو متأسس على رضا المرء بما يعتقده صوابا واحترام رأي الغير مهما كان ومعاملة الناس بما يريد أن يعاملوه به. فهو على إثبات الصواب لما يراه لا يقطع بلزوم الخطأ في رأي سواه ولا يمنع الناس من إظهار ما يعتقدون. وموقفه هذا متوفر على حظ لا بأس به من الحداثة الفكرية لأنه يتجاوز مبدأ الرضا إلى قيمة الاحترام.

لقد تبيّن لنا أن أديب اسحاق من أوائل من كان لهم قصب السبق في معانقة القيم الحديثة في نسغها الأنواري وعمقها الفلسفي حين ذهب إلى أن التسامح يتجاوز مسألة الايمان بالاحترام والاعتقاد في حق الغير في التعبير عن رأيه لأن هذا الصنف من التسامح قد يكون المرء منقادا إليه رغبة أو رهبة أو اشفاقا وتفضلا. إنما لا بدّ من أن يكون هذا الأمر “قياما بواجب من العدل والحق”[33]، لأنه تسامح ثلاثي الأبعاد أحدها أخلاقي من جهة النفس والثاني سياسي حقوقي من جهة الناس والثالث فلسفي لاهوتي من جهة الحقيقة، والحقيقة هي الله. فقد قال “ترتليانوس الكلامي: ليس من البر ولا التقوى أن تسلب حرية الناس في أمور الدين فإن الله سبحانه وتعالى منزّه عن أن يريد أن يُعبد اضطرارا”[34].

4- خاتمة:

إننا نعتقد أن الحرية زمن النهضة العربية لم تتأسس مفهوما حديثا بقدر ما كانت شعارا “يهدف فقط إلى رفع حواجز أمام الشخصية بدون اهتمام بتأصيل وتنظير مفهوم الحرية”[35]. كانت الحاجة اليها براغماتية متصلة بفكر الإصلاح فكان استعمال كلمة “حرية” لا يُعنى كثيرا بالتحقق من المرجعيات ولهذا وجدنا “كل مقال حول الحرية أصيلا كان أو مستوردا، قديما كان أو معاصرا، عاما كان أو خاصا، سهلا كان أو معقدا”[36].

كان عصر النهضة حافلا بالتحولات. وهي تحولات دلت على تخلّق عناصر جديدة صلب العالم العتيق وعلى بداية تغلغل الحداثة رغم ممانعة الرؤية الكلاسيكية للعالم. فكان ذلك عنوان وعي شقيّ لدى النخبة عبرت عنه برغبتها في الاصلاح العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. أنشئت مدارس حديثة وانتشر التعليم وراجت الصحف ونوقشت قضايا اللغة والمرأة والدين والسياسة والتشريع. ونفق سوق الفكر الإحيائي للثقافة العربية. وظهر الاقتباس ملاذا من الفوات التاريخي ونشدانا للحاق بعالم المعرفة والتقدم. ورغم أن أطروحة الاقتباس التي هرع إليها العقل النهضوي تتضمن شجاعة في مغادرة الأنا التاريخي الدوغمائي “فإنها كشفت عن أمر نقيض وهو أن اعتبار الحضارات بنى تشتغل داخل أنساقها الخاصة والحميمة يمنع من إمكانية تحويل الاقتباس مشروعا حقيقيا للتمدن”[37]. وكانت أوربا قبلة المثقفين العرب، لكنها كانت النموذج والعدوّ الصليبي والمستعمر في آن واحد.

حاول المصلحون العرب من المسلمين البرهنة على أن الحرية والمساواة في أوربا ليستا غريبتين عن الثقافة العربية وأن شريعة المسلمين حافلة بالقيم التي تتزعمها الحداثة، معرضين عن حقيقة حركية المفاهيم وما هي مشحونة به من زخم معرفي تكتسبه بفضل التطور العلمي والقطائع المعرفية وعما حفل به التاريخ العربي والاسلامي من نظم وتشريعات مناقضة للحريات، خصوصا في شؤون الحكم وقوانين الأحوال الشخصية.

وكان المسيحيون العرب، في مقابل ذلك ألصق بروح الحداثة وأقرب إلى مفهوم الحرية في دلالته الأنوارية. لكنهم لم يكونوا يمثلون قوة ضغط حقيقية أمام الكثرة المسلمة من جهة ولأنهم لم يتخلصوا في معظمهم هم أيضا، من ربط الحقوق بالموضوع الميتافيزيقي. فهذا فرنسيس مراش بعد أن يُشيد بالحرية المدنية المتأسسة على العقل البشري والإرادة الحرة للإنسان في فرنسا، يذهب إلى أن مملكة الحرية “لم تقم إلا عند قيام مملكة الروح، والدين يحتل مكانة عظيمة في هذه المملكة لأن مملكة الروح وحدها تستطيع كبح جماح الشر وضمان الحرية البشرية”[38].

هل كان لدى أعلام النهضة العربية هذا الوعي بالحرية كما تشكّل في الغرب؟ في تقديري، إن وعيهم بالحرية الليبرالية لم يتجلّ في فهم أبعادها وأغوارها التاريخية بقدر ما كان في محاولة تفهّم سياقها المعرفي. في المستوى المعرفي، الحرية الليبرالية هي الحرية الاقتصادية وحرية الفكر والتعبير والاعتقاد. دعا أعلام النهضة العربية إلى هذه القيم، لكنهم كيّفوا هذه المعاني بحسب فهومهم، كلّ واحد تمثّلها وفق تكوينه العلمي ومنزلته الاجتماعية وميولاته الايديولوجية. العلماني رآها أساسا في فصل السلطة الدينية عن السلطة الزمنية بعبارة فرح انطون، والسلفي فهمها باشتقاق معاني التحرر والتسامح من القيم الدينية الموروثة.

كانت الثورة الفرنسية ثورة دينية بالأساس. لا بمعنى أنها قامت ضد سلطة الكنيسة بل بمعنى أنها اعتمدت طرائق الثورات الدينية. قامت على التبشير والانتشار بالكيفية التي تنتشر بها الأديان، تسري إلى كل طبقات المجتمع مغرية بقيمها الكونية بصرف النظر عن انتماءات الناس وطبقاتهم واعتقاداتهم كما الأديان التي تبشر بالخير المطلق لكل انسان مهما كان جنسه أو عرقه أو لونه. “والواقع أن المستبدين أنفسهم لا ينكرون سموّ الحرية، وكل ما هنالك أنهم لا يريدونها إلاّ لأنفسهم مؤكدين أن كافة الآخرين غير جديرين بها على الاطلاق. وهكذا فإن الخلاف لا يدور حول الرأي الذي ينبغي أن نتبنّاه عن الحرية بل حول شدّة أو قلّة التقدير الذي نكنّه للبشر”[39]. فهل كان لدى الأعلام العرب هذا التقدير للبشر والاعتبار للأفراد بوصفهم أفرادا؟ لقد تحفّظ خير الدين من الحريات السياسية رغم إعجابه بها وكذلك كان موقف محمد عبده. أما المسيحيون العرب فاعتبروا المسألة مجرد فصل بين الشأن الديني والشأن السياسي على أهمية الأمر.

ما لم يحدث في العالم العربي ولم يدركه أعلام النهضة هو الواقع التاريخي للثورة الفرنسية/النموذج التي أسست بشكل مركزي لقيمة الحرية الغربية. إنها منح القوة للسلطة العامة وإعطاء الكلمة وحق تقرير المصير للبشر. فليست الحرية مجرد دعوة تبشير بل هي عاصفة تغيير. في مستوى العمق الاجتماعي لم يحدث شيء يُذكر يجعل التبشير بالحرية دينا للاعتناق. ولعله لهذا السبب مال كثير من أعلام النهضة إلى استبدال المطالبة بالحرية بالمطالبة بالعدل والمساواة. “وفي حين أن أحد هذين الميلين (الميل إلى الحرية) يُغيّر بلا انقطاع مظهره فيتقلص وينمو ويقوى ويضعف وفقا للتطورات يبقى الآخر (الميل إلى المساواة) كما هو دائما مرتبطا بنفس الهدف، بنفس الحماس العنيد وأحيانا الأعمى، مستعدا للتضحية بكل شيء لأولئك الذين سمحوا له بإشباع نفسه ومستعدا لأن يزوّد الحكومة التي يرغب في أن تحابيه وتتملقه بالعادات والأفكار والقوانين التي يحتاج الاستبداد إليها ليحكم”[40].

شهد عصر النهضة نقاشات جادة بين المنتصرين للرؤية الدينية والمنتصرين للرؤية العلمانية. بعضهم يرى القيم موضوعا دينيا بالأساس مدنيا بالاستتباع، والبعض الآخر يراها موضوعا مدنيا بالأساس دينيا بالاستتباع. إن التعارض زمن النهضة العربية لم يكن – في تقديرنا – بين العلم والدين بقدر ما كان بين الفكر الاسلامي والفكر السياسي الحديث. وإذا كانت الحاجة أكيدة اليوم إلى أنسنة القانون بالدفاع المستمرّ عن العدالة والحرية فإن الحاجة آكد إلى إجراء هذه المفاهيم في سياق رؤية أخلاقية وسياسية قادرة على جعل احترام القانون نابعا من الشعور الراسخ بالواجب وتعبيرا عن الايمان بالقيم المشتركة. وربما يستدعي ذلك الحرص على مأسسة القيم انتصارا للنظام ونشدانا للسعادة بما هي أقصى الحالات التي يثبت فيها الإنسان إنّيته في ضرب من الرضى النفسي والعقلي.


[1]– موسى، سلامة (1962) ما هي النهضة، (الطبعة 1)، ص 112-113.

[2]– ا بن ابي الضياف، أحمد (1965) اتحاف اهل الزمان باخبار ملوك تونس وعهد الأمان، طبعة كتابة الدولة للشؤون الثقافية، ج 1 ص 55.

[3]– السماوي، أحمد، (1988) الاستبداد والحرية في فكر النهضة، دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع، ص ص 22-34.

[4]– المرجع نفسه، ص 23.

[5]– الطهطاوي، رفاعة، (2012) المرشد الأمين للبنات والبنين، تقديم منى أحمد زكي، الباب الخامس، الفصل السادس، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، ص 273.           

[6]– القرني، عزت، العدالة والحرية في فجر النهضة العربية، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، عدد30، ص 32.

[7]– المرجع نفسه، ص33.

[8]–  المرجع نفسه، ص 58.

[9]– المراكشي، محمد صالح (1992) قراءات في الفكر العربي الحديث والمعاصر، الدار التونسية للنشر، ص 192.

[10]– التونسي، خير الدين، (2012) أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، ص 67.

[11]– المصدر نفسه، ص 119.

[12]– المصدر نفسه، ص 116.

[13]–  المصدر نفسه.

[14]– المصدر نفسه، ص 117.

[15]– المصدر نفسه.

[16]– المراكشي، قراءات في الفكر العربي الحديث والمعاصر، ص 202.

[17]– الكواكبي، عبد الرحمان، (1970) الأعمال الكاملة، جمع وتحقيق محمد عمارة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ص 153.

[18]– المصدر نفسه، ص 154.

[19]– المصدر نفسه.

[20]– المصدر نفسه، ص 156.

[21]– المصدر نفسه، ص 334.

[22]– المصدر نفسه.

[23]–  المصدر نفسه، ص 338.

[24]–  المصدر نفسه، ص 338-339.

[25]– المصدر نفسه، ص 342.

[26]– المصدر نفسه، ص 429.

[27]– اسحاق، أديب، (1886) الدرر: منتخبات طيب الذكر الخالد الأثر أديب اسحاق، جمعها جرجس ميخائيل نحاس، الاسكندرية: مطبعة جريدة المحروسة، ص 3.

[28]– المصدر نفسه، ص 4.

[29]-Kant, Qu’est ce que s’orienter dans la pensée ? (2002) Tr.Fr. Philonenko Alexis, Ed Vrin, PP 86-87.

[30]– اسحاق، أديب، الدرر، ص 6.

[31]– المصدر نفسه، ص 7.

[32]– المصدر نفسه، ص 8.

[33]– المصدر نفسه، ص 11.

[34]– المصدر نفسه.

[35]– العروي، عبد الله،)1998) مفهوم الحرية، (ط 6) المركز الثقافي العربي، ص 35.

[36]– المرجع نفسه، ص 36.

[37]– مولى، علي الصالح، (2014) الاقتباس مفهوما نهضويا: مقاربة تحليلية للفكر الاصلاحي في القرن التاسع عشر، مجلة “كان” التاريخية السنة السابعة، العدد 24، ص 86.

[38]– مراش، فرنسيس، (2012)، غابة الحق، القاهرة: مطبعة هنداوي، ص 30.

[39]– دو توكفيل، ألكسي، (2010) النظام القديم والثورة الفرنسية، ترجمة وتقديم خليل كلفت، المركز القومي للترجمة، )الطبعة 1(، ص 54-55.

[40]–  المرجع نفسه، ص 369.

مقالات أخرى

تعدّد الطّرق الصّوفيّة

جماليّة التّناصّ في الشّعر الصّوفيّ

“زيارة” الضّريح بإفريقيّة مطلع العصور الوسطى

4 تعليقات

نوره عبدالله العجمي 4 أبريل، 2021 - 2:43 م
مقالة جداً جداً رائعة فالحريه حُدد تعريفه الذي نتفهمه في عصرنا الحالي في عصر التنوير، وكانت الفكرة ببساطة هي التخلص من التعصب للعقيدة والفكرة والتخلص من التعميم والأحكام المسبقة. حسب ايمانويل كانت فإن هذا يعني: خروج الإنسان من سباته العقلي الذي وضع نفسه بنفسه فيه. عن طريق استخدام العقل، كذلك الحرية أيضا إحدى أهم قضايا الشعوب وهي من أهم الأوتار التي يعزف عليها السياسيون، فالكل يطمح لاستقلال بلاده وأن يكون شعبه حرا في اتخاذ القرارات لمصلحة الشعب أو الجماعة أو المجتمع الذي ينتمي إليه 👍🏻.
عائشة جابر الونده 12 يونيو، 2021 - 5:28 م
مقالة مفيده جدا يعطيك العافيه دكتور الحريه شي جميل ومهم في حياة كل شخص ، وهو من اهم الاشياء التي تسعى كل دوله للحصول عليها في عصرنا الحالي ، وحدد تعريفه في عصر التنوير ، وكانت تعريفه البسيط هو التخلص من التعصب والعقيده والفكرة. والتخلص من التعميم والاحكام المسبقة ، فالله تعالىخلق الناس أحراراً ولم يجعلهم عبيداً للعبيد، وأعطاهم إرادة ومشيئة واختياراً، فالأصل في الوجود الحرية وما تعنيه من تخلص من القيود، وتحرر من التعقيدات غير المبررة، فالفرد مسؤول على اتخاذ قراراته، وتحديد خياراته وفقاً لما يراه مناسباً له، دون الإجبار والإكراه على شيء معين فلذلك نعرف ان الحريه مهمه جدا.
الجوهره 29 يونيو، 2021 - 1:54 ص
ما من شيء في الوجود اعز على الانسان من حريته, وهذا ما حمل كل مفكر اخلاقي في التاريخ الانساني على مدح الحرية وتمجيدها. كما يذكر الفيلسوف الاخلاقي البريطاني الليتواني الاصل “اشعبا برلبن”، وعلى الرغم من شيوع المصطلح وانتشاره الا انه كشأن بقية المصطلحات الكبرى يحمل دلالات وتفسيرات ومعان كثيرة فاقت المئتين كما سجلها مؤرخو الفكر, وذلك لما يستبطنه هذا المفهوم من ابعاد متكاثرة ومتنوعة اجتماعية وسياسية وفلسفية.
اسماء شبيب العازمي 6 سبتمبر، 2021 - 4:48 م
ان حاجة الشعوب العربية والاسلامية الى النهضة وضرورة التغيير والابداع لا يمكن ان تنجز دون اعادة الاعتبار لمفهوم الحرية ليصبح ممارسة حية تتجاوز السجال والجدال النظري حول الحرية والليبرالية في ظل العولمة باعتبارها مرادفة للهيمنة تعمل على سيادة “حرية القدرة” على حساب “حرية الارادة” يجب الا يدفعا سلوك الليبرالية المعولمة المعظَّم للقدرة في شكلها الرأسمالي المتوحش الى الانزواء والرفض وانما ينبغي مراجعة مجلة الافكار التي وضعها رواد عصر النهضة والتشديد على ضرورة الربط بين الحرية الفردية والعقلانية والعدل في اطار المسؤولية الاجتماعية التي تحافظ على الانسان وتضعه في قلب الاولويات والاهتمامات.
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد