نظرية التصميم الذكي: نقد حاسم للتطور الداروني

الملخّص:

حاولت هذه الدّراسة الكشف عن مفهوم نظرية التصميم الذكي وتاريخها، وأهم أعلامها، وقدّمت مجموعة من الأسس الانتقادية التي وجهتها نظرية التصميم الذكي للنظرية التطورية الداروينية، والتي مثّلت الجانب السلبي للنظرية، مثل: انعدام الأشكال الوسيطة في السجل الأحفوري، وظهور الحياة فجأة بأشكال مختلفة ومعقدة، وأن زمن حدوث التطور المزعوم يحتاج لزمن أطول من زمن حدوث الأرض!، كما بينت الدراسة أن التطور لم يحدث تدريجيا، وأنّ التصميم في الكائنات الحية، حقيقي وليس وهمي، كما يذهب إلى ذلك دعاة التطور الداورني. وقد عرضت الدراسة أدلة التصميم الذكي واكتشاف علامات الذكاء في الدنا DNA، مثلما قدّمت الأدلة التي استشهد بها العلماء على ذلك والتي تمثل الجانب الإيجابي في النظرية. وأخيرًا خلصت الدراسة التي عوّلنا فيها على المنهج التّحليلي النّقدي إلى أن نظرية التصميم الذكي نظرية علمية وليست عقيدة إيمانية ردّا على الاتهامات التي وجهت لها والتي نفت عنها سمة العلمية لتؤكّد في المقابل على أنّها عقيدة إيمانية.

الكلمات المفتاحية: التصميم الذكي – نقد التطور الداروني – اكتشاف علامات الذكاء في الدنا DNA – أدلة التصميم الذكي – التعقيد الغير قابل للاختزال.

Abstract:

The study reveals the concept of intelligent design theory, its history, and its pioneers. It then presents a set of critical foundations that the intelligent design theory has guided to the materialistic evolutionary theory, which was the downside of the theory, such as the absence of intermediate forms in the fossil record, and the sudden emergence of life in various and complex forms, and that the time of the occurrence of evolution needs a longer time than the time of the occurrence of the earth! The study also indicated that the development did not occur gradually, and that design in living things is real and not imaginary. It is also called the advocates of evolution. The study then presents evidence of intelligent design and detects signs of intelligence in DNA which represents the positive side of the theory, as it provides evidence cited by scholars on that. Then, finally, the study shows that the theory of intelligent design is a scientific theory and not a belief in faith. In view of the accusations directed at the theory that it is not a scientific theory but rather a faith doctrine. The researcher used the analytical and critical approach.

Key words: intelligent design – Criticism of Darwinian evolution – Discovery of signs of intelligence in DNA – Evidence for intelligent design – irreducible complexity.


1- مقدمة:

إن أحد أهم الخصائص المثيرة للإعجاب في كوكبنا، هو تنوع الحياة بداخله، وهذا التنوع بالطبع مثير للدهشة والملاحظة، وحتى اليوم اكتشف العلماء أكثر من مليون ونصف نوع حيواني، وقرابة أضعاف هذا الرقم قابلة للاكتشاف، ويتفرّد كل نوع من هذه الحيوانات بخصائص تميزه من الأنواع الأخرى. ويتمّ تحديد نطاق هذا النوع جزئيا عن طريق اللون، والسلوك، والحجم فقط، ولكن غالبا ما نجد تحت الريش والجلد نظمًا محكمة من العضلات والعظام والآلات الكيميائية، في تناسق يتناغم وأداء المهام المعقدة الضرورية من أجل البقاء.

لكن مع كل هذا التنوع الهائل، نجد من ناحية أخرى تشابهات في بنية بعض أنواع الكائنات الحية التي جعلت البعض يعتقد أن أصلها واحد. ومن هنا، راحت نظرية التطور تنتهج هذا التفسير، وأثارت – وما زالت تثير بشكلٍ متزايد– الكثير من الجدال والنقاش وخاصة في أيامنا هذه، وأكثر من أي وقت مضى. وفي الواقع ليس صعبًا أن ندرك سبب جذب قضية التطور هذا المقدار من الانتباه، فهذه الفكرة قد لامست كل ناحية من نواحي الفكر المعاصر. وقولبت هذه النظرية كيفية رؤيتنا لأنفسنا ولعلاقتنا مع العالم المحيط بنا. لقد أحدث قبول الفكرة قبل مائة عام ثورةً فكرية أكثر مما فعلت الثورتين الكوربنيكية أو النيوتنية في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

ولما كانت نظرية التطور ترى أنّ كل هذا التنوع قد نشأ عن طريق الانتخاب الطبيعي من سلف مشترك واحد، فكان عليها أن تقدم لنا الأدلة على ذلك، لكنها حتى الآن لم تستطيع توضيح تلك الثغرات أو تفسيرها. وكلما زاد التقدم العلمي، وخاصة في مجال البيولوجيا، تواجه النظرية الداروينية العديد من التحديات التي قد تكون سببا في زعزعة أركانها. من هنا، جاءت نظرية التصميم الذكي كتفنيد حاسم للنظرية التطورية بالأدلة العلمية التجريبية، ولتثبت أن كل الطبيعة تصرخ بصوت عال بوجود ذكاء خارق قام بتصميمها.

ونظرية التصميم الذكي نظرية علمية، تناقش أصل الحياة وتتحدى بشكل واضح الرؤية المادية للتطور. ولقد ظهرت حركة التصميم الذكي أوائل التسعينات من القرن العشرين، ثم برزت بوصفها نظرية علمية في مقابل نظرية التطور، لتقدم فروضًا علمية تفسّر نشوء الأنواع الحية في ضوء المكتشفات العلمية التي لم تكن متاحة في عهد داروين ولا في فريق الدارونيين الجُدد الذين وضعوا النظرية التركيبية الحديثة التي تتعارض فرضياتها تمامًا مع فرضيات التطور لا من حيث التطور ذاته بل من حيث كيفية حدوثه. فنظرية التصميم إذن لا تتحدى فكرة التطور، بقدر ما تخالف فكرة دارون بأن السبب المنتج للتغير البيولوجي هو عملية آلية مادية عمياء. فالحياة إما أنها قد نشأت نتيجة لعمليات مادية خالصة، أو أن هناك ذكاءً تصميميًّا لعب دورًا في إيجاد الحياة، ويحاجج منظري التصميم على صحة الأخيرة، ويؤكدون على أنّ الكائنات الحية تبدو وكأنها مصممة، لأنها هي بالفعل كذلك.

1 -2- أهداف البحث:

تتركّز أهمية البحث وأهدافه في مستوى أوّل في محاولة توضيح قصور النظرية التطورية الداروينية وكشف زيفها بأدلة حاسمة وبنظرية علمية تجريبية، وتفنيد حججها من خلال عرض نظرية جديدة قائمة على الدليل العلمي، وهي نظرية التصميم الذكي، التي تُثبت أن الكائن الحي لا يمكن أبدًا أن يكون قد نشأ عن طريق التطور الدارويني (التطور المادي العشوائي)، وأنّ كل الكائنات الحية مصممة بذكاء. مثلما يبتغيّا هذا البحث في مستوى ثان تقديم نظرية علمية جديدة للقارئ العربي يستطيع من خلالها فهم قصور النظرية التطورية حتى لا ينخدع بها وبكل أدلتها الزائفة.

1 -3- إشكالية البحث:

 تروم هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة الآتية:

  • ما السبب وراء ظهور الحياة؟ ما السبب وراء ظهور الأنواع؟
  • ما هي نظرية التصميم الذكي؟ وما أهم أهدافها؟
  • هل أنّ نظرية التصميم الذكي نظرية علمية أم عقيدة إيمانية؟
  • هل حدث التطوّر تدريجيًا، أم أن هناك قفزات بينية بين الأنواع؟
  • هل هناك سلفًا مشتركًا بين جميع الكائنات الحية، أم هو تصميم مشترك؟
  • هل التصميم في الكائنات الحية حقيقيًا أم وهميًا؟
  • ما السبب وراء وجود هذا القدر المتنوع من المعلومات البيولوجية؟
  • لماذا لا توجد أشكالا وسيطة بين الكائنات الحية، وكذلك في السجل الأحفوري، كما تدعي الداروينية؟
  • ما أدلة التصميم الذكي في الخلية الحية (الدنا (DNA، وكيف يمكن اكتشافها تجريبيا؟

1 -4- منهج البحث:

 تقتضي طبيعة بحثنا تنوع المناهج التي تساهم في معالجة الإشكالية المطروحة، غير أنّنا آثرنا المنهج “التحليلي النقدي” الذي نعتقد أنّه المنهج الأكثر ملائمة لطبيعة الموضوع والأنسب لتحديد أهداف الدّراسة، حيث “بالنقد” نحاول توضيح قصور النظرية التطورية المادية وضعفها من خلال نظرية التصميم الذكي، و”بالتحليل” نستنطق النص، فتنبعث فيه الحياة من جديد ليُحدثنا من بعد صمت، ويتحول من كونه شيئا جامدًا إلى كائن حيّ. وبالتحليل أيضًا نحاول أن نوضح، ونفسر النصوص الفلسفية في النظرية التي قد يصعب على القارئ أن يقف على مرماها، حتى يستطيع فهمها كلّ من القارئ المتخصص، وغير المتخصص. على أننا سنستثمر في بحثنا المنهج التاريخي متى اقتضت الحاجة ذلك.

2- الطبيعة كلها تصرخ عاليا بوجود ذكاء خارق (فولتير):

2 -1- نظرية التصميم الذكي: مفهومها وتاريخها:

ترى نظرية التصميم الذكي Intelligent Design أن الكائنات الحية والأنظمة الفيزيائية والبيولوجية التي يتم ملاحظتها في الكون قاطبة، تنتج أساسًا من التصميم المقصود والهادف من قبل كائن ذكي، وليس من الصدفة والعمليات الطبيعية الأخرى غير الموجهة [1]. يعدّ هذا المفهوم شكلًا معاصرًا للدليل الغائي بوجود الإله، رغم أن أصحابها لا يهدفون ظاهريًا إلى ذلك كما سنوضح في هذا البحث، ولكنهم يقدمون الدليل على أنه قائم على الأدلة العلمية بدلاً من الأفكار الدينية. وهم يتجنبون الحديث حول ماهية المصمم أو طبيعته. وهي نظرية علمية تقف على قدم المساواة أو تتفوق على النظريات الحالية التي تتعلق بالتطور وأصل الحياة. وجميع مُنظري فكرة التصميم الذكي المعاصرة مرتبطون حاليًا بمعهد دسكفري Discovery Institute، الذي يضم أربعين عالما أكاديميًا – معظمهم على قيد الحياة – يمثلون تخصصات متعددة مثل: الفيزياء وعلم الفلك والكيمياء والبيولوجيا الجزيئية والخلوية، والكيمياء الحيوية، وعلم الأحياء الدقيقة، والرياضيات، وتاريخ وفلسفة العلوم، والقانون، والعلوم السياسية.

وترتكز فكرة التصميم الذكي على مفاهيم أساسية، وهي التعقيدات المتخصصة، والتعقيدات غير القابلة للاختزال والتي تدعي بأن هناك أنظمة بيولوجية معقدة بشكل معين بحيث لا يمكن تكونها عبر طرق طبيعية عشوائية، وهناك أيضًا مفهوم التوافق الدقيق للكون والمقصود به أنّ الكون قد صُقل بعناية ليسمح بظهور الحياة على الأرض. 

قدمت نظرية التصميم لأول مرة، في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي بواسطة مجموعة من العلماء تشارلز ثاکستون Charles Thaxton (ولد 1939م) ووالتر برادلي Walter Bradley (ولد 1943م) و روجر أولسون Roger Olson (ولد 1952م)، في محاولتهم للاستجابة إلى أحد الأسرار الغامضة في علم الأحياء المعاصر، والمتمثل بأصل المعلومات المشفرة في سلاسل الدناDNA . فقد استنتجوا أن خصائص المعلومات المخزنة في الدنا تعطي دليلًا قويًا لتصميم ذكي مسبق ولكنه غير محدد، وعرضوا هذه الفكرة في كتاب (لغز نشأة الحياة؛ إعادة تقييم النظريات الحالية) قاموا بنشره عام 1984م [2].

وبدأ الاستعمال الأول للمصطلح في المؤتمر الذي عقده ثاكستون في يونيو 1988م والذي تمحور حول تعقيد المعلومات الموجودة في الـ DNA. ثم نشر بعدها كتاب “من الباندا والناس” (السؤال الأساسي بخصوص الأصل البيولوجي) Of Pandas and People The Central Question of Biological Origins، للكاتبين بيرسيفال ديفيس Percival Davis، ودين كانيون Dean H. Kenyon. في 1989م، ويعتبر الكتاب الأول الذي يستعمل وبشكل متكرر ومنهجي عبارات “التصميم الذكي”، و”نظرية التصميم” و”أنصار التصميم” ليمثل بداية حركة “التصميم الذكي” المعاصرة. ليس هذا فقط بل اشتمل الكتاب أيضا على حوالي خمسة عشر مصطلحًا جديدًا ليكون معجمًا جديدًا للمصطلحات الخلقية ويواجه نظرية التطور بدون استعمال لغة دينية، ولكن رغم ذلك تعرض لانتقادات كثيرة من قبل التطوريين، واعتبر البعض أنه يدعو للخلقوية وأنه علم زائف [3]. فانتقده مايكل روسMichael Ruse (ولد 1940م)، فيلسوف علم البيولوجيا وفلسفة الدين بقوله: “إن الكتاب ليست له قيمة ومخادع”[4]، يقصد مايكل روس بكلامه أنّ الكتاب يدعو لنظرية الخلق متخفيًا في أسلوب علمي، كما سنوضح تلك النقطة في الجزء الأخير من البحث.

وفي عام 1996م، قدم عالم الكيمياء الحيوية مايكل بيهي Michael Behe (ولد 1952م) طرحاً مفصّلاً للأدلة على التصميم الذكي وقد استعمل فيه مصطلح (الأنظمة المعقدة غير القابلة للاختزال) ويُعد مايكل بيهي أول من استعمل هذا المصطلح، بناءً على اكتشاف تقنية النانو في الخلايا (مثل محرك السوط الجرثومي الشهير حاليا ومحركه الدوار المؤلف من ثلاثين قطعة)، وقد تم بيع أكثر من ربع مليون نسخة من كتابه “صندوق داروين الأسود”Darwin’s Black Box، ويمكن القول إنّ الكتاب استطاع بمفرده تقريبًا أن يجعل لفكرة التصميم الذكي مكانًا على الخارطة العلمية والثقافية [5]. وفي عام 1998م، أتبعه عالم الرياضيات وفلسفة العلم ويليام ديمبسكي William Dembski (ولد 1960م) بنشر عمل مهم عن آليات رصد التصميم “استنتاج التصميم The Design Inference”، وبذلك قدّم طريقة علمية لتمييز آثار الذكاء من آثار العمليات الطبيعية غير الموجهة، فأسس عمله لمؤشرات ثابتة للتصميم الذكي، ولكنه لم يطرح أي حجة لصالح وجود التصميم الذكي في الكائنات الحية بناء على وجود تلك المؤشرات [6].

ومع حلول عام 2005م ظهرت العديد من الكتب والمقالات الممتازة، وعدد من الكتب المحكمة المهمة التي ألمت بنواحٍ مختلفة من النظرية. فقد نشر ويليام أ. ديمبسكي، وجون ناثان ويلزJonathan Wells (ولد 1942م) عام 2007م، كتاب تصميم الحياة The Design of Life (اكتشاف علامات الذكاء في النظم الحية)‏ وهو اسم الطبعة الثالثة من كتاب من الباندا والناس، ويعد هذا الكتاب من أحدث وأقوى ما كتب في الانتقاد العلمي لنظرية التطور التدريجي العشوائي. وقد طور ديمبسكي في كتابه مفهوم التعقيدات المتخصصة كما هو مستعمل الآن كحجة من حجج التصميم الذكي.

في عام 2009م نشر ستيفن ماير Stephen C. Meyer (ولد 1958) كتابه توقيع في الخلية (Signature in the Cell الذي يعتبر أول مرجع شامل لحجة التصميم الذكي المبنية على الدنا. محاولا فك خيوط اللغز الذي لم يتعرض له داروينCharles Robert Darwin (1809 – 1882م) كيف نشأت الحياة؟، وقد طور ماير حجة النظرية التي غالبًا ما يساء فهمها، مستخدما الطريقة التي استعملها داروين نفسه في عرض نظريته للتطور. وكذلك مايكل بيهي الذي بنى حجة التصميم الذكي على أمثلة عديدة من علم النانو في الخلية، أما كتاب ماير فكما يقول هو “يدعم نفس فكرة بيهي لكن على أساس مختلف من الأدلة وهي (المعلومات المخزنة أو الرمز الرقمي) في الدنا والجزيئات الحيوية الأخرى” [7]. وطرح ماير من خلاله رؤية جديدة لواحد من الألغاز المستمرة للبيولوجيا الحديثة، وأثبت فيه أن أدلة التصميم الذكي ليست قائمة على الجهل أو رفض العلم، بل هي قائمة على أدلة علمية ساحقة، تتزايد مع الوقت.

أصبحت نظرية التصميم الذكي تمثل منهجًا علميًا مثمرًا في البحث العلمي في الحاضر والمستقبل، حيث قدمت نموذجًا جيدًا لبعض الاكتشافات الحديثة والمفاجئة في علم الجينات. تلك الاكتشافات التي عجزت وما زالت تعجز في تفسيرها النظرية التطورية وقد عرضت نظرية التصميم الذكي أيضًا موضوعات جديدة في البحث العلمي في العديد من الاختصاصات الفرعية في علم البيولوجيا.

3- الأسس النقدية للداروينية من منظور التصميم الذكي:

هل تطور البشر حقاً من أسلاف شبيهة بالقرود؟ هل تطورت تلك الثدييات من زواحف تطورت بدورها من أسماك؟ وهل كان التطور – إن وجد – تدريجيّا أم متقطعا؟ لو عدنا للوراء لذلك الزمن الغابر، هل سنجد سلفًا تطوريًا لكل الكائنات الحية اليوم؟ هل حدث التطور البيولوجي من هذا السلف المشترك العالمي دون توجيه ذكي وبقوى مادية عمياء فقط؟ هل ظهرت الحياة الأولى بعملية تطور كيميائي استطاعت فيها المادة غير الحية ترتيب نفسها بنفسها ودون توجيه ذكي؟

بناءً على قصة التطور فإن الجواب على هذه الأسئلة (بنعم!)، لكن كيف لنا أن نتأكد من هذه الإجابة؟ للإجابة على هذا السؤال علينا اختبار هذه العملية – التي يفترض أنها أنتجت كل هذا التنوع والتعقيد في الأحياء- في الطبيعة، فبعض العمليات الطبيعية عمياء وتعمل دون هدف أو غاية أو غرض، وبعضها الآخر ذكي يعمل لهدف، وغاية وغرض. إذن، كيف نعرف الفرق بينها؟ وكيف سنفرق بينها فيما يخص الأنظمة البيولوجية؟ ما هي العمليات التي يجب أن تتم في الطبيعة لتظهر شخصاً بذكاء حاد؟ هل هي القوى المادية البحتة أم أن الذكاء مطلوب؟

لا يقدم أنصار الدارونية التطور كنظرية يُمكن مناقشتها والحوار بشأن أدلتها، وإنما يقدّمونها كمسلّمة أو حقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو متعصب. لذا نجد فيليب أي جونسون Phillip E. Johnson (ولد 1940م) الكاتب والمحامي الأمريكي صاحب كتاب “محاكمة دارون” يحاجج بأن الداروينيين الجدد يرفضون وضع أي احتمالية لنظرية التصميم في عين الاعتبار لظنهم بأن مبادئ العلم تمنع ذلك. ولكن لو رفضنا اعتبار فرضية التصميم مبدئيًا، وكان الانتقاد السلبي لنظرية التطور محاججة غير علمية، فعندئذ يقول جونسون: “قواعد المحاججة هذه تجعل من معرفة صدق نظرية التطور ومعرفة الحقيقة حولها أمر غير ممكن” [8]. فإخراج المواقف المعارضة من الاعتبار كنتيجة ضمنية من تعريف حدود الإشكالية قد تكون أحد الأساليب للغلبة في جدال ما إلا أنّ هذا الأمر غير كاف – كما يقول جونسون لإثبات أفضلية النظرية المصونة من النقد. فالنظرية القوية هي التي تستطيع أن تصمد أمام أي نقد يوجه لها، لا أن تهرب من الانتقادات.

فعلى سبيل المثال نجد كارل ساغان Carl Sagan (1934 – 1996م)، وهو من أكبر الداعمين لفكرة التطور، يعتبر أن الطبيعة لوحدها هي التي أنتجت جميع الكائنات الحية بالنظر إلى ما يقوم به الإنسان، حيث يكيف ويهجن النباتات والحيوانات التي يراها نافعة حسب مصلحته أو رغبته له فيقول “إذا كـان الـنـاس قـادريـن عـلـى تـولـيـد أنـواع جـديـدة مـن الـنـبـاتـات والحيوانات، ألا يجدر بالطبيعة أن تفعل أيضًا هذه العمليـة الأخـيـرة الـتـي تعرف بالانتقاء الطبيعي” [9]. ويستطرد في موضع آخر، بعد أن أورد أمثلة على التهجين والانتقاء الصناعي الذي أحدثه الإنسان، ومعتبرًا أن التطور حقيقة مؤكدة وليس نظرية: “إذا استـطـاع الانـتـقـاء الاصـطـنـاعـي أن يحقق هذه التغييرات الرئيسية في فتـرة زمـنـيـة قـصـيـرة، فـمـاذا يـجـب أن يستطيع فعله الانتقاء الطبيعي الذي امتد عمله خـلال مـلـيـارات الـسـنين والجواب هو كل هذا الجمال والتنوع في العالم البيولـوجـي. فـالـتـطـور هـو حقيقة، وليس مجرد نظرية [10].

لكن ساغان هنا قد وقع في تناقض جمّ، فهو لم يسأل نفسه، أن الإنسان الذي قام بتهجين النباتات والحيوانات عن طريق الانتقاء الاصطناعي هو كائن ذكي؟ فلِما يوافق على أن كائنًا ذكيًا بقدر محدود قد هجّن وعدّل في بعض الكائنات (رغم أن هذا التعديل ربما يأتي بنتائج سلبية، كما أنه محدود للغاية، ناهيك عن أنه تعديلًا وليس إبداع وخلق من عدم)، ولم يوافق على أن الكون قاطبة قد صممه وأوجده مصممًا أعلى وأقدر من كل شيء؟

ومع ذلك، كان هناك اعتراضات قوية على التطور أربكت جميع المؤمنين بتلك النظرية، خاصة فكرة تطور عقل الإنسان عن حيوان آخر، التي تدعيها نظرية التطور المادي. ولقد شعر داروين بقوة هذا الاعتراض حيث قال: “يساورني دوما شك مخيف بأن قناعاتي حول تطور العقل البشري من عقل الحيوانات الأدنى ليست ذات قيمة، أو أنها غير موثوقة” [11]. ولتقييم أهمية ملاحظة داروين بشكل جيد يجب أن نطبق الشك الذي عبر عنه هنا (على النظرية التطورية برمتها): فعلى أي أساس نثق بنظرية التطور إن كانت نتيجة للعقل البشري الذي تطور من عقل الحيوانات الأدنى؟ لذا فإن نظرية داروين حول كيفية نشوء العقل البشري لا تتمتع باتساق ذاتي، وبعبارة أخرى، إنها تنفي ذاتها منطقيًا، مما يعني أننا بالقدر الذي نثق فيه بالنظرية كتفسير لأصل البشر فإنّنا بالقدر ذاته ليس لدينا أساس لنضع ثقتنا فيها، بمعنى أنه ما لم نفترض أن مصممًا ذكيًّا قد جعل ملكتنا الفكرية ملائمة للعالم من حولنا، فإن قناعتنا ستكون في ذواتها غير جديرة بالثقة، وبالتالي لن تزودنا بفهم يمكن التعويل عليه في معرفة أصل الإنسان.

إن الشكوك حول قدرة آلية الانتخاب أو الطفرات على التخليق والإبداع أصبحت شائعة جدًا، ولذلك فإن المتحدثين البارزين عن نظرية التطور أصبحوا يؤكدون للعامّة وبشكل دائم على: ” أنّ عدم معرفتنا لكيفيّة حدوث التطور، فإن هذا لا يبرر الشك في وقوعها” أو كما قال عالم الأحافير من جامعة هارفار ستيفن جولد Stephen Jay Gould (1941 – 2002م) “الداروينية الجديدة انتهت تماما، برغم ظهورها كعقيدة أرثوذكسية في الكتب المرجعية”[12].

ونعرض في هذا البحث أهم الأسس التي وجهتها نظرية التصميم الذكي لنظرية التطور الداروني.

3 -1- انعدام الأشكال الوسيطة في السجل الأحفوري:

تفترض نظرية دارون السلف المشترك للأنواع. وتحتاج هذه الفرضية إلى وجود أشكال انتقالية تربط بين أيّ نوعين من الأحياء، ونظرا لاعتماد النظرية الداروينية للتغير التطوري التدريجي، فإنه كلما زادت التباينات بين النوعين زادت الحاجة للأشكال الوسيطة بينهما. إنّ وفرة الأشكال الانتقالية في السجل الأحفوري تقدّم لنا دليلا متينًا مدعومًا بالقرائن يمكن أن تبنى عليه النظرية. لكن دارون لا يملك مثل هذا الدليل، ولم يستطع العلماء منذ زمن دارون اكتشاف الروابط المفقودة، وكما كتب في كتابه “أصل الأنواع”: “لا بد أن يكون عدد التنوعات الوسيطة التي وجدت يومًا ما على الأرض كبيرًا جدًا” [13].

ونجد مايكل دانتون Michael Denton (ولد 1943م) عالم الكيمياء الحيوية البريطاني، صاحب الكتاب الشهير “التطور نظرية في أزمة” Evolution: A Theory in Crisis، يؤكد على هذه النقطة فيقول”: “إنّه على مقتضى كلام “داروين” يلزمُ أن يكونَ هناك البلايين من المخلوقات [14]. وقد قادته حياديته إلى كشف خرافات التطور فيقول في موضع آخر: “إنّ كل نوع من الأحياء يُعد على المستوى الجزيئي فريدًا ووحيدًا وغير مرتبط بوسطاء. ومن ثَم فقد عجزت الجزيئات شأنها شأن المتحجرات عن تقديم الوسطاء الذين يبحث عنهم علماء الأحياء من دعاة التطور منذ زمن طويل. فعلى المستوى الجزيئي، لا يوجد كائن هو جد مشترك أعلى، أو كائن بدائي أو راقٍ مقارنة بأقربائه، ولا يكاد يوجد شك في أنه لو كان هذا الدليل الجزيئي متاحاً قبل قرن من اليوم، فربما لم تكن فكرة التطور العضوي لتجد أي قبول على الإطلاق”[15].

لكن هذا العدد الهائل من الأشكال الوسيطة غير الموجود في السجل الأحفوري، جعل دارون يعترف بالحقيقة التالية: “لماذا لا تمتلئ كل طبقة جيولوجية صخرية بهذه الكائنات الوسيطة؟ لا تظهر طبقات الأرض أي سلاسل من الكائنات المتطورة بشكل تدريجي”. وهذا الاعتراض كما يشبهه دارون بنفسه أنه الأخطر والأوضح على نظريته في التطور. فلقد أعترف بأن غياب تلك الأشكال الوسيطة يخلق مشكلة جدية تعترض نظريته.[16] ويقول أيضا: “أن السجل الجيولوجي إذا أخذ في مجموعه، ظهر على جانب عظيم من النقص، بيد أننا إذا حصرنا البحث في تكوين ذاته، صادفتنا صعاب شتى، يستعصي معها أن نعلم لماذا لا نجد فيه كثيرًا من الضروب المتدانية في التدرج النشوئي، تربط بين الأنواع المتقاربة الأنساب التي وجدت منذ نشأته، وفي آخر عصور تكونه، وهنالك حالات كثيرة تظهرنا على أن نوعا من الأنواع قد يعقب كثيرًا من الضروب، تظهر آثارها الأحفورية في أعلى طبقات التكوين وفي أدناها [17].

وهذه الصور الوسطى إن لم تكن موجودة وانقرضت مثلا فلا بد – كما يقول دارون نفسه – من “أن تكون قد عمرت الأرض في خلال الأزمان الأولى، فإذا كان الانقراض قد مضى بتلك الصور، فلم لا نجد هياكلها العديدة مطمورة في الطبقات، التي تؤلف سطح الكرة الأرضية؟”[18]. ومن هنا دعا دارون العلماء من بعده إلى البحث عن هذه الحلقات المفقودة من السلالات الوسيطة للأنواع، وبلا شك كان اكتشاف تلك الحلقات أمراً صعباً في عهده إلا أنه وحتى الآن ما زالت تلك الحلقات الوسيطة والكثيرة جداً غير مكتشفة حتى يومنا هذا وحتى أن الاكتشافات الحفرية الجديدة أوجدت فجوات جديدة أخرى.

فنتيجة لإيمان دعاة التطور بنبوءة دارون فإنّهم ما زالوا يفتشون عن المتحجرات ويحفرون في كل بقاع الأرض منذ منتصف القرن التاسع عشر، باحثين عن الحلقات المفقودة. وعلى الرغم من جهودهم الحثيثة، لم تُكتشف حتى الآن أية أشكال انتقالية. وقد أثبتت كل المتحجرات المكتشفة أثناء الحفر أنه – على عكس ما يعتقد دعاة التطور – فإن الحياة قد ظهرت على الأرض فجأة في تكوين كامل. وبينما كان دعاة التطور يحاولون أن يثبتوا نظريتهم، تسببوا – دون قصد – في انهيارها!

وقد اعترف عالم المتحجرات الإنكليزي المشهور، ديريك آجر Derek V. Ager (1923 – 1993م)، بهذه الحقيقة على الرغم من كونه أحد دعاة التطور قائلاً: “تتمثل نقطة الخلاف في أننا لو فحصنا سجل المتحجرات بالتفصيل، سواءً على مستوى الترتيب أو الأنواع، فسنكتشف – مراراً وتكراراً – عدم وجود أي تطور تدریجي، بل ما حدث هو انفجار فجائي لمجموعة واحدة على حساب الأخرى.”[19]. ويعلق مارك سيزارنكي Mark Czarnec وهو من دعاة التطور، وعالم المتحجرات، أيضاً قائلاً: “إن المشكلة الأساسية في إثبات النظرية تكمن في سجل المتحجرات؛ أي آثار الأنواع المنقرضة المحفوظة في التكوينات الجغرافية للأرض. ولم يكشف هذا السجل قط أية آثار للأشكال المتوسطة التي افترضها دارون، وعوضا عن ذلك تظهر الأجناس وتختفي فجأة. ويدعم هذا الشذوذ حجة دعاة الخلق القائلة بأن الأنواع قد خلقها الله”!! [20].

كذلك نجد التطوري تيم وايت Tim White (ولد 1950م) وهو أستاذ الأنثروبولوجيا التطورية بجامعة كاليفورنيا يقول بأنّ “المشكلة مع الكثير من علماء الأنثروبولوجيا هي رغبتهم الملحة لإيجاد أسلاف الإنسان، لذلك فإن أي شظايا من العظام تصبح عظاماً لأسلاف الإنسان”[21] فهو يعلق على فضائح تزوير واستخفاف التطوريين بالناس، حيث نجدهم في كل شظية عظام يزعمون أنها حفرية لسلف الإنسان المزعوم دون أي دليل. فهناك من يدعى أنّ الجمجمة تعود إلى رأس قرد وفكها فك إنسان أو العكس وما إلى ذلك.

3 -2- ظهور الحياة فجأة بأشكال مختلفة ومعقدة:

عند دراسة طبقات الأرض وسجل المتحجرات، يتضح أن كل الكائنات الحية قد ظهرت في وقت واحد، ولم تظهر تدريجيًا. وتعتبر أقدم طبقة من طبقات الأرض اكتشفت فيها متحجرات لكائنات حية هي تلك التي تكونت في العصر الكامبري والتي يقدر عمرها بنحو 500-550 مليون سنة. فقد ظهرت الكائنات الحية التي اكتشفت في طبقة العصر الكامبري فجأة في سجل المتحجرات، أي ليس لها أسلاف سابقون. وتخص المتحجرات التي اكتشفت في الصخور الكامبرية قواقع وحيوانات ثلاثيات الفصوص وإسفنجيات ودیدان أرضية وأسماكاً هلامية وقنافذ بحرية، وغيرها من اللافقاريات المعقدة. وقد ظهر هذا الخليط الواسع من الكائنات الحية المكونة من مثل هذا العديد الكبير من الكائنات المعقدة بشكل فجائي جدا لدرجة أن هذا الحدث المدهش يشار إليه في الأدبيات الجيولوجية باسم الانفجار الكامبري. (Cambrian Explosion) [22].

وتتسم معظم أشكال الحياة المكتشفة في هذه الطبقة بنظم معقدة التركيب مثل العين، والخياشيم، وأجهزة الدورة الدموية، والتركيبات الفسيولوجية المتقدمة التي لا تختلف عن نظيراتها الحديثة. فعلى سبيل المثال: يعتبر تركيب عيون الحيوانات ثلاثية الفصوص الممشطة والمكونة من عدسات مزدوجة معجزة في التصميم. ويقول ديفيد روب David Raup (1933 – 2015م)، أستاذ الجيولوجيا في جامعات هارفرد وروتشستر وشیکاغو: “إن عيون ثلاثيات الفصوص تملك تصميما لا يستطيع الإتيان به سوى مهندس بصريات معاصر ذو قابليات كبيرة ومتدرب تدريبا جيدا” [23].

لقد ظهرت هذه اللافقاريات معقدة التركيب فجأة في شكل كامل ودون أي حلقة وصل أو شكل انتقالي يربط بينها وبين الكائنات وحيدة الخلية، التي كانت تمثل قبل اكتشاف اللافقاريات، الشكل الوحيد من أشكال الحياة على الأرض. وقام ريتشارد موناسترسكي، المحرر في مجلة علوم الأرض التي تعتبر إحدى أشهر المطبوعات الخاصة بأدب التطور، بتوضيح ما يأتي عن الانفجار الكامبري الذي جاء بمثابة مفاجأة كبيرة لدعاة التطور: “قبل نصف بليون سنة، ظهرت فجأة- أشكال الحيوانات التي نراها اليوم والتي تتسم بقدر لافت للنظر من التعقيد. وتعد هذه اللحظة، عند بداية العصر الكامبري للأرض بالضبط، أي قبل حوالي 550 مليون سنة، علامة على الانفجار التطوري الذي ملأ البحور بأول كائنات معقدة في العالم. وكانت شعب الحيوانات الكبيرة التي نراها اليوم موجودة بالفعل في أوائل العصر الكامبري، وكانت تتميز عن بعضها البعض بنفس القدر الذي تتميز به عن بعضها البعض اليوم” [24].

فكيف أصبحت الأرض تفيض فجأة بمثل هذا العدد الكبير من أنواع الحيوانات؟ وكيف يمكن أن تكون هذه الأنماط المتميزة من أنواع الأحياء قد ظهرت دون وجود سلف مشترك؟

مازالت هذه الأسئلة تبحث لها عن أجوبة لدى دعاة التطور. وقام عالم الحيوان، ريتشارد دوکنزRichard Dawkins (ولد 1941م) بالتعليق على هذه الحقيقة التي تبطل الجذور الأساسية لكل الحجج التي كان يدافع عنها بقوله: “على سبيل المثال، تعتبر طبقات الصخور الكامبرية التي يبلغ عمرها حوالي 600 مليون سنة) أقدم الطبقات التي وجدنا فيها معظم مجموعات اللافقاريات الأساسية. ولقد عثرنا على العديد منها في شكل متقدم من التطور في أول مرة ظهرت فيها. ويبدو الأمر وكأنها زرعت لتوها هناك دون أن تمر بأي تاريخ تطوري. وغني عن القول إن مظهر عملية الزرع المفاجئ هذا قد أسعد المؤمنين بالخلق” [25].

وقد اضطر دوكنز إلى الاعتراف بأن الانفجار الكامبري دليل قوي على الخلق، لأن الخلق هو الوسيلة الوحيدة لتفسير ظهور الحياة على الأرض في شكل كامل. وقد قام دوغلاس فوتويماDouglas J. Futuyma (ولد1942م)، وهو عالم أحياء شهير من دعاة التطور، بالاعتراف أيضا بهذه الحقيقة قائلا: “إما أن تكون الكائنات الحية قد ظهرت على وجه الأرض وهي كاملة التطور وإما أنها لم تظهر. وإذا لم تكن قد ظهرت في شكل كامل التطور، فلابد أنها قد تطورت من أنواع كانت موجودة من قبل عن طريق عملية تحور ما. وإذا كانت قد ظهرت في شكل كامل التطور، فلا بد أنها قد خلقت بالفعل بواسطة قوة قادرة على كل شيء” [26].

لقد شكل الانفجار الكامبري التحدي الأكبر – وليس الوحيد – لنظرية دارون المعاصرة، حيث نجد نفس الافتقار للأحافير الانتقالية المميزة للانفجار الكامبري عبر السجل الأحفوري، فلو جمعنا كل البيانات الأحفورية من كل العالم، ومن كل الطبقات الصخرية، فلن نقدر على تشكيل سلسلة متدفقة واضحة من المراحل الانتقالية. ومع اكتشاف المزيد من الأحافير، ازدادت أهمية دلالة هذه الفجوات. وفي هذا الصدد قال ستيفن جولد: “إن الندرة الشديدة في الأشكال الانتقالية ضمن السجل الأحفوري مستمرة وكأنها ملازمة لعلم الأحافير [27] ففي نظرية دارون يزداد عدد أفراد شعبة الحيوانات بشكل متدرج عبر الزمن، لكن السجل الأحفوري يظهر أن كل شعب الحيوانات تقريبا ظهرت في نفس الوقت في الانفجار الكامبري، والعدد يتناقص تدريجيًا نظرا للانقراض، والعديد من التقارير التي تم إجرائها حديثا تدعم ذلك [28].

واعترف العالم التطوري رونالد ويست Ronald R. West بأن السجل الأحفوري لا يدعم النظرية التطورية ولكن يقع معظم التطوريون في مغالطة الاستدلال الدائري التي يعتمد عليها كل التطور من أيام داروين إلى اليوم، فيقول: “على عكس ما يكتبه معظم العلماء، فإن سجل الأحافير لا يدعم نظرية داروين، لأننا نستخدم تلك النظرية لتفسير السجلات الحفرية، ولذلك نحن مذنبون بالوقوع في الاستدلال الدائري حين نقول إن السجل الأحفوري يدعم هذه النظرية”[29].

تدفعنا مثل هذه التشابهات الهيكلية، إضافة إلى التقارب الداخلي مثل الدم، وإنتاج اللبن، لتصنيف كل هذه المخلوقات كثدييات على الرغم من اختلافها الخارجي، ولذا اعتبر أوين مثل غيره من البيولوجيين ما قبل داروين، أن الخصائص المتشابهة بين الكائنات مشتقة من نموذج أصلي مشترك A Common Archetype، يمكن فهمه بعدة طرق فإما أن يكون فكرة روحانية مثالية، أو خطة أرادها الخالق، أو شكلاً متجذراً في بنية الطبيعة، أو كائنًا أولاً أصلياً وغيرها الكثير. اعتبر كل من أوين وداروين أن الأصل المشترك هو كائن أولي، لكن أوين لم يكن تطوريًا في تفكيره، حيث اعتبر أن الكائنات مبنية على خطة واحدة، بينما نظر إليها داروين على أنها منحدرة من سلف مشترك. [30] لكن هذه التشابهات بين الكائنات لا تعني إطلاقاً أنها نتجت من أصل مشترك، وإنما نتجت كلها من نفس الأرض لكن بصورة منفصلة كما حدث في الانفجار الكامبري.

3-3- زمن أطول من زمن نشأة الأرض!:

هناك نقطة تعارض أخرى تقع فيها نظرية التطور تقول بأن تحول نوع إلى نوع آخر يحتاج لزمن طويل جداً، فإذا حسبناه سنحتاج إلى زمن أكثر من زمن نشوء الأرض كما يحسبه العلماء مقارنة بعدد الأنواع الموجود به المكتشفة منها وغير المكتشفة حتى الآن، ويكون هذا التحول كذلك صحيحاً إذا كان عمر الكون طويلاً وكبيراً بما يكفي، ولكن كوننا – كما يقول العلماء – لا يتعدى عمره بلايين السنين وهذا يكفي فقط لحدوث شيء قليل الأهمية وعن طريق الصدفة، وليس لحدوث ذاك الكم الهائل من الأنواع الموجودة حولنا.

وهذا ما اعترف به دارون نفسه؛ حيث قال: “إن كل تكوين جيولوجي، إن دل على استدبار حقبة عظيمة من السنين، إلا أني أعتقد أن الأحقاب التي يقطعها ضئيلة إذا قيست بطول الأعصر التي يقطعها تحول نوع حتى يصير نوع آخر، وإني إن كنت على علم بأن اثنين من علماء الأحافير يجدر بنا أن نخصهما بعظيم الاحترام، وهما “برون” و”وودوارد” قد قضيا بأن الزمان الذي يقطعه تجمع أي تكوين جيولوجي يوازي ضعفي، أو ثلاثة أضعاف الزمان الذي يقطعه نشوء أية صورة من الصور النوعية، فإني آنس كثيراً من الصعاب التي تحول دون الوصول إلى أية نتيجة مقطوع بصحتها إزاء ذلك الأمر، ذلك بأننا إذا رأينا نوعاً من الأنواع قد ظهرت آثاره في أوسط تكوين ما، فمن الحماقة أن نمضي معتقدين بأن هذا النوع عينه لم يكن قد نشأ في بقعة أخرى من بقاع الأرض، في خلال زمان سابق على الزمان الذي حدث
فيه ذلك التكوين. وكذلك الحال عندما تختفي آثار نوع قبل ترسب آخر طبقة من طبقات تكوين بذاته، فإن الاعتقاد بأنه قد انقرض في تلك الآونة، لاعتقاد فيه من الحماقة ما لا يقل عما في سابقه [31].

فالقول السابق يبين لنا أن دارون نفسه كان أقل ثقة باعتقاد صحة نظريته. ويقول الفيزيائي الأمريكي ليبسون “عندما قرأت كتاب أصل الأنواع لمست أن دارون نفسه كان أقل ثقة مما كان الناس يصوّرونه في أغلب الأحيان، إذ يوضح الفصل الذي يحمل عنوان صعوبات النظرية -مثلاً- قدراً لا يُستهان به من عدم الثقة بالنفس.. وبوصفي فيزيائيّاً، فقد أثارتني بشكل خاص تعليقاته حول كيفية ظهور العين”[32].

ومن ناحية أخرى، يتشدق مؤيدو التطور بفكرة الزمن الطويل لإظهار التفسيرات المادية للتطور بمظهر معقول. فعلى سبيل المثال ملاحظة الأحيائي جورج والد، والحائز على نوبل، حول أصل الحياة بواسطة التطور الكيميائي الأحيائي، يقول والد: “إن بطل القصة في الحقيقة هو الزمن، الزمن الذي علينا أن نتعامل معه للتطور الحيوي هو بليوني سنة. فما نعتبره مستحيلا على أساس الخبرة البشرية لا معنى له هنا. حين يكون لدينا فترة زمنية طويلة جدًا، يغدو المستحيل ممكنا، والممكن محتملًا، والمحتمل مؤكدًا على أحدنا أن ينتظر فقط وسيقوم الوقت نفسه بعمل المعجزات [33].

ولكن كما سبق وأن أشرنا إلى أن الزمن الكوني لا يكفي للتنوع الهائل الموجود حولنا ليكون ناتجاً عن طريق الصدفة، ولتوضيح هذه النقطة فقد طرح الرياضي الفرنسي إيميل بوريل Émile Borel عام ۱۹۱۳م مثالاً يوضح فيه ذلك بقوله: “لو أن مليون قرداً طبعوا عشر ساعات يومياً على آلة كاتبة فسيكون احتمال كتابتهم لكتب مكتبات العالم أمراً بالغ الضآلة” [34]. أراد بوريل أن يوضح الاحتمال الضئيل جدًا لبعض الأحداث، وأن يستبعد قدرة الكون المادي المعروف بموارده المادية والزمانية على إنتاج مثل هذه الأحداث. كم من الوقت تحتاج القردة لتطبع كل كتب العالم وكم قرداً نحتاج لذلك؟

 هذا ويؤمن بعض الداروينيون الجدد بما يسمى التطور المتوازن المتقطع بدلا من التطور التدريجي الذي كان يفترضه دارون وآمن به كثير من الداروينيين، حتى يخرجوا من دائرة طول الزمن، فنجد أول المدافعين الصاخبين عن هذه الفكرة – فكرة التوازن المتقطع – في بداية السبعينيات. فقد كان عالما المتحجرات الأمريكيان، نایلز إلدردج وستيفن غولد، يدركان جيداً أن مزاعم نظرية الدارونيين الجدد يدحضها سجل المتحجرات تماماً، لأن المتحجرات أثبتت أن الكائنات الحية لم تنشأ بالتطور التدريجي بل ظهرت فجأة بكامل تكوينها. وعاش الدارونيون الجدد – وما زالوا يعيشون – على أمل عزيز بأن الأشكال الانتقالية المفقودة ستكتشف يوما ما. وعلى الرغم من أن غولد وإلدردج كانا يدركان أن هذا الأمل لا أساس له من الصحة، فإنهما لم يتمكنا من التخلي عن اعتقادهما التطوري، لذا قدما نموذجًا جديدًا هو: التوازن المتقطع. ويزعم هذا النموذج أن التطور لم يحدث نتيجة اختلافات صغيرة بل نتيجة تغيرات فجائية كبيرة [35].

ولم يكن هذا النموذج سوى نموذجًا خياليًّا. فعلى سبيل المثال، زعم عالم المتحجرات الأوربي شایندولف (الذي سار على نهجه إلدردج وغولد) أن أول طائر خرج من بيضة إحدى الزواحف كان طفرة هائلة، أي نتيجة مصادفة ضخمة حدثت في التركيب الجيني. وحسب النظرية ذاتها، كان من الممكن أن تتحول بعض الحيوانات البرية إلى حيتان ضخمة إذا تعرضت إلى التحول الفجائي الشامل. وتحتل هذه الادعاءات، المخالفة تمامًا لجميع قوانين علم الوراثة والفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية)، نفس المكانة العلمية التي تحتلها القصص الخيالية التي تدور حول تحول الضفادع إلى أمراء! ومع ذلك، نتيجة لانزعاج بعض علماء المتحجرات المؤمنين بالتطور من الأزمة التي كان يمر بها جزم الدارونيين الجدد، تمسك هؤلاء العلماء بهذه النظرية التي كانت تتميز بأنها أكثر غرابة حتى من الدارونية الجديدة نفسها [36].

في محاولة للرد على منتقدي نظرية التطور قدم عالم الأحياء التطوري “تيم بيرا Tim Berra صورا لنماذج عدّة لسيارات مختلفة وقال “إن قارنا سيارة الكورفيت موديل عام 1953م، مع موديل عام 1954م، مع موديل عام 1955م، وهكذا، فسنحصل على سلسلة من النشوء والارتقاء شديد الوضوح”[37] كما قدم دوكنز أيضا نفس المثال تقريبًا في محاضرة له من سلسلة النشوء في الكون (بعنوان الأشياء المصممة والأشياء الغير مصممة) محاولا إثبات أن الذئب والكلب ينحدران من نفس النوع كطائرتي ركاب متشابهان تم تصميمهم لنفس الغرض، لكن سيارات تيم بيرا وطائرات دوكنز في الحقيقة مصممة بصورة منفصلة وليست منحدرة من بعضها البعض – وإن كانت مصممة من نفس مادة الصنع – وبهذا يكون تيم بيرا ودوكنز قد اثبتا عكس ما يقصده كل منهما، أي أن مجموعة من التشابهات يمكن أن تنجم عن تصميم ذكي بدلا من التطور حتى وإن كانوا متقاربين في تفاصيل دقيقة.

3 -4- سلف مشترك أم تصميم مشترك؟:

هناك اشتراك بين الكائنات الحية في عدة سمات، هذا الاشتراك يجعلنا نتساءل هل سببه التصميم المشترك؟ أم أنه السلف المشترك؟ أم كلاهما؟!.. نحن نعلم أن دعاة التطور المؤمنون منهم والملحدون – وإن كان أكثرهم ملحدون – يرون أن الإنسان لم يولد منفصلا عن الكائنات الأخرى بل هو ناتج عن تطور الأحياء وبالأخص من القرود، لكن ماذا عن دعاة التصميم؟

معظم منظري التصميم الذكي يرفضون فكرة السلف المشترك، ومع ذلك يرون أنه لا يوجد تعارض نظري بين التصميم الذكي والسلف المشترك. يقول جون ويست John G. West (ولد 1964م)، “نائب رئيس معهد ديسكفري: “نحن في معهد ديسكفري منذ زمن طويل، نؤكد على أن التصميم الذكي لا يتعارض مع فكرة أن الكائنات الحية تنحدر من سلف مشترك.. لدينا علماء يقرون فكرة السلف المشترك، مثل عالم البيولوجيا مايكل بيهي وعالم الجينات مايكل دنتون، ولدينا بالطبع علماء يعارضون الفكرة بشدة، في ظني أن التنوع في هذه القضية أمر جيد”. ثم يتابع ويست قائلًا: “في الواقع، لقد قابلت العديد من المتدينين الداعمين للداروينية، الذين يجعلون السلف المشترك موضع الاختبار للحكم على الشخص ما إذا كان “ضد العلم”، الأمر الذي سيترتب عليه أنه لن ينعم بأي حوار حول أدلته العلمية”[38].

فأنصار نظرية التصميم الذكي يحملون تصورات مختلفة عن مدى وجود العلاقات التطورية بين الكائنات الحية، حتى أن بعضهم يقبل بوجود سلف عالمي مشترك وبشجرة داروين العظيمة للحياة، يقول مايكل بيهي في كتابه صندوق دارون الأسود، “يعتقد الكثيرون بأن التشكيك في التطور الدارويني يرادف التأكيد على اعتناق الخلقية – الاعتقاد بأن الله خلق الكون، ومن الشائع الاعتقاد بأن الخلقية تتضمن الاعتقاد بأن أرضا تشكلت منذ حوالي 10 آلاف سنة فقط وهو تفسير حرفي للتوراة مازال منتشرا. وليعلم أنه ليس لدي سبب يجعلني أشك في أن الكون عمره بلايين السنين كما قال الفيزيائيون. بل إني أجد فكرة السلف المشترك – كل الكائنات ذات سلف مشترك – مقنعة بشكل مقبول وليس لدي سبب معين للشك فيها. أحترم جدًا عمل زملائي الذين درسوا تطور الكائنات وسلوكها ضمن إطار تطوري، وأعتقد بأن علماء البيولوجية التطورية قد أسهموا بشكل واسع في فهمنا للعالم”[39].

فمن وجهة نظر التصميم الذكي ليس المهم ما هي المادة التي صنع منها الإنسان (سلف من قرد أو تراب)، لكن المهم هو السبب في تعديل هذه المادة لينتج الإنسان كما هو عليه الآن، ثمّ هل أنّ مصدر هذه التعديلات ذكي أم أنه مجرد عمل القوى المادية الطبيعية العمياء (صدفوي)؟ وبغض النظر عما إذا كان أحدنا مؤمناً بالخلق – كما في جاء في الديانات السماوية – أو ملحداً داروينياً أو أي شيء بينهما فإن الجميع متفق على أن الإنسان لم يخلق من عدم وإنما جاء من مادة أخرى، سابقة عليه. والجميع يعتقد بأن البشر والقرود طيناً معدلاً، هذه هي الحقيقة بغض النظر عما إذا كان البشر قروداً معدلة أم من تراب. يتوافق بعض دعاة التصميم الذكي مع هذه الإمكانية، ويرفضها بعضهم الآخر، إلا أن أنصار التصميم الذكي الذين يقبلون فكرة انحدار الإنسان من الرئيسيات – كأسلاف – لا يقبلون بفكرة أن التطور ناتج بطريقة عشوائية غير موجهة وهي الفكرة التي تدعمها الداروينية.

ولا تعارض نظرية التصميم الذكي بين التصميم المشترك والسلف المشترك. إذ لا يمكن قبول أي منهما لوحده بشكل كامل، كما أنّ توهم التعارض بينهما يجعل أحدهما نافيا للآخر. فمن الممكن منطقيا وجود التصميم المشترك دون وجود الأسلاف المشتركة أو العكس لكنهما ليسا متعارضين إذ يمكن أن يعملا معًا. كما يمكن أن نتصور أن الحياة مؤلفة من وحدات مصممة مرتبة هرميًّا امتلكت عبر التاريخ الطبيعي تغيرات تطورية هامة من خلال عمل القوى الطبيعية ومن خلال توجيه قوة مشرفة ذكية. يبقى السؤال مفتوحا عندها عن حجم هذه التغيرات التطورية [40].

وهذا يقودنا – كما يقول دعاة التصميم – إلى أحد احتمالين حقيقيين، فلئن كان الترجيح بين التصميم المشترك والأسلاف المشتركة ترجيح خاطئ فإن الترجيح بين التصميم الذكي والتطور المادي هو ترجيح صحيح. فالتطور المادي يلتزم الأسلاف المشتركة ويرفض أي تصميم حقيقي في العمليات التطورية. في حين تكافح نظرية التصميم الذكي لإثبات أن التصميم في الأحياء حقيقي وملحوظ تجريبيًا بغض النظر عن حدوثه بالطرق التطورية أو في مراحل تصميم منفصلة. لم ترفع جلسة المحاكمة في القضية بعد [41].

هكذا لم يصل منظرو التصميم الذكي لتوافق حول كيفية ظهور البشر، إلا أنهم متوافقون حول ضرورة الذكاء في تفسير أصله بغض النظر عن العملية التي ظهر من خلالها الإنسان؛ وهم بالتالي يجادلون خصومهم بأن العمليات التطورية غير الموجهة من قبل ذكاء ما غير قادرة على إنتاج المواهب الفكرية العجيبة للبشر، الذين يتمتعون بقدر عال من الذكاء أو الأخلاق الحسنة.

3 -5- التصميم في الكائنات الحية، حقيقي وليس وهميّاً:

يعترف الجميع غالبًا بالتصميم في الكائنات الحية سواءً كانوا من أتباع النظرية التطورية ومؤيدوها أو المعترضين عليها، لكن هذا الاعتراف له اتجاهات مختلفة ومتعددة، فالمؤيدون للنظرية التطورية يعترفون بالتصميم، لكنه بالنسبة لهم تصميم عشوائي أي ناتج طبيعي أو بمعنى آخر تصميم وهمي، أما الرافضين للنظرية التطورية فيعترفون بالتصميم الحقيقي ويُنسبوه للمصمم الذكي. بيد أن هناك أيضًا من يعترف بالنظرية التطورية ولا يعترف بالتصميم، أو من لا يعترف بالنظرية التطورية ولا يعترف بالتصميم أيضاً.

وفيما يلي نقوم بتوضيح هذه النقطة، حيث يصرح منظرو التطور الدارويني دومًا أن ظواهر الكائنات الحية توحي بالتصميم، ويعترف ريتشارد دوكنز فيقول: “علْم الأحياء هو دراسة الأشياء المُعقَّدة التي​​ تبدو ويكأنَّها تمّ تصميمها لغاية مُعيَّنة​​، قد تكون كُتُب الفيزياء مُعقَّدة، ولكن الأجسام والظَّواهر التي يصفها كتاب الفيزياء تُعتبر أبسط من خلية واحدة في جسم مُؤلّفه، بينما يحتوي جسم المُؤلِّف على تريليونات من تلك الخلايا، كثير من هذه الخلايا تختلف عن بعضها البعض ومُنظَّمة مع بِنْيَة مُعقَّدة وتصميم هندسي بالغ الدِّقة لكي تُصبح آلة مُنتِجة قادرة على كتابة كتاب”.[42] ويقول أيضًا في موضع آخر “تبدو الأجسام المُصمَّمة .. مُصمَّمة، لدرجة أنَّ بعض النَّاس – بل رُبَّما للأسف مُعظم النَّاس !!- يعتقدون أنَّ تِلْك الأجسام مُصمَّمة (من قِبل مُصمِّم)؛ لكن هؤلاء النَّاس على خطأ، فالتَّفسير الحقيقي – الانتخاب الطَّبيعي الدَّارويني- مُختلف جِدًّا” [43].

ينتقد دوكنز معظم الناس لأنهم يعتقدون بأن تصميم المشاهد الحقيقية والذي لا ينكره هو – حتى ولو ظاهريًا – بأنه ليس صحيحًا، ولكن إذا سألناه ما سبب هذا التصميم؟ يجيب دوكنز – ومن قبله دارون – بأن “الانتخاب الطبيعي (هذه العملية العمياء وغير الواعية والتلقائية) التي اكتشفها داروين، والتي نعرفها الآن، تعتبر هي التفسير للوجود وللتصميم الغائي – كما يبدو- لكل أشكال الحياة [44]. ثم يستطرد في موقع آخر “ومع ذلك، فإنَّ النَّتائج الحيَّة للانتخاب الطَّبيعي تُثير إعجابنا بشكل كبير بهيئتها التي تبدو مُصمَّمة كما لو كانت من قِبل صانع ساعات مُتخصِّص (أو عظيم)، وتثير إعجابنا بوهم التَّصميم والتخطيط”.[45] ويؤيده في ذلك فرانسيسكو أيالا، الرئيس السابق للجمعية الأمريكية لتقدُّم العُلُوم، قائلاً: “التَّصميم الوظيفي للكائنات الحَيَّة وخصائصها قد يبدو وكأنَّه يُدلِّل على وُجُود مُصمِّم، إلَّا أنَّ​​ أعظم إنجاز لداروين هو إظهار أنَّ التَّنظيم المُوجَّه (لأداء وظيفة مُعيَّنة)​​ للكائنات الحيَّة يُمكن أن يُفسَّر كنتيجة لعملية طبيعية، وهي الانتخاب​​ الطبيعي، دون الحاجة إلى اللُّجوء لخالق أو فاعل خارجي آخر [46].

وهكذا هناك الكثير من علماء التطور يؤيدون هذه الفكرة ويؤمنون بها، حيث يقول فرانسيس كريك Francis Creek (1916 – 2004م) الحائز على جائزة نوبل وأحد مكتشفي بنية الـ DNA مع جيمس واتسون James Watson (ولد 1926م): محذرًا علماء البيولوجيا “يجب أن يتذكروا دومًا أن ما يرونه في الكائنات الحية ليس مصممًا، ولكنه متطور فحسب”. ويصر الداروينيون على أن مظاهر التصميم ُموهمة؛ لأن الآليات التطورية – كالانتخاب الطبيعي – كافية لتفسير التعقيد المشاهد في الكائنات الحية [47].

لكن في الحقيقة ومع كل الاكتشافات العلمية الحديثة تم تأكيد التصميم في الكائنات الحية. وفي المقابل، فهناك العديد من الظواهر الطبيعية ذات الخصائص الدالة على الذكاء في الأنظمة الحية والكون ككل، على سبيل المثال، خواص المعلومات المشفرة في الدنا، والآلات والدوائر المجهرية في الخلايا، والضبط الدقيق في قوانين وثوابت الفيزياء؛ يمكن تفسيرها بشكل أفضل بعزوها إلى مسبب ذكي بدلا من العمليات المادية غير الموجهة. يقول ستيفن ماير مؤكدًا على أن التصميم الذكي هو أصل وجود الخلية والأصل الفاعل فيها دوما: “وقد قادتني دراساتي لمناهج علماء العلوم التاريخية إلى السؤال التالي: ما السبب الحقيقي والفعلي لأصل المعلومات الرقمية في الدنا والرنا ؟ أو ما (السبب الفاعل حاليا) الذي يمكن له أن يحدث مثل هذا الأثر؟ وبناء على خبرتي المطردة ومعرفتي بمحاولات مختلفة حاولت حل هذه الإشكالية عن طريق إجراء تحارب محاكاة حيوية غير موجهة أو باستخدام المحاكاة الحاسوبية، خلصت إلى أنه لا يوجد إلا سبب واحد کافي وفاعل حاليا في الوقت الحاضر لمثل هذه المعلومات ذات الوظائف المتخصصة؛ وهو الذكاء [48].

ونجد نيوتن في كتابه البصريات يثبت التصميم في الكائنات الحية، والكون قاطبة، ويتساءل كذلك عن الغاية التي وجدت لأجلها، وكيفية صنعها بإتقان فيقول: “من أين نشأ كل ذلك النظام والجمال الذي نراه في العالم؟ وما الذي يمنع النجوم من السقوط على بعضها البعض؟ كيف يمكن لأجسام الحيوانات أن يتم إبداعها وصناعتها بكل هذا الفن، وما الغايات التي جمعت لأجلها أجزائهم المتعددة؟ هل صنعت العين بدون مهارة في البصريات والأذن بغير معرفة مسبقة بعلوم الصوتيات؟ وكل هذا يُوضع في محله بشكل صحيح شديد الدقة، ألا يبدو من الظواهر أن هناك كائنًا غير مادي، حي، ذكي، موجود في كل مكان، في الفضاء اللامتناهي، يرى الأشياء عن كثب، ويدركها بشكل كامل، ويفهمها تمامًا من خلال وجودها المباشر له” [49].

في محاولة إثباته لحجة التصميم قدم عالم اللَّاهوت الطَّبيعي ويليام بيلي William Paley (1743-1805)، أفضل صياغة للحُجَّة المنطقية الخاصة بـ “صانع الساعات” وذلك في الصفحات الافتتاحية لكتابه “اللاهوت الطبيعي” عام 1802م، أو، أدلة وجود وصفات الإله المستنبطة من الموجودات في الطبيعة”، يضع بيلي قياسه المشهور فيقول: “عند عُبُور أرض بور، افترض أنني وضعت قدمي على حجر، وسُئلت: “كيف وصل الحجر إلى هناك؟ رُبَّما أجبت​​ -لأي شيء أعرفه عكس ذلك – أنَّ هذا الحجر كان هُناك من البداية، لكن لنفترض أنَّني عثرت على ساعة مطروحة على الأرض، ويجب أن نستفسر عن كيفية مجيء الساعة إلى ذلك المكان؛ وهُنا من الصَّعب التَّفكير في الإجابة التي أعطيتها مُسبقًا والتي تقول أنَّ الساعة –ولأي شيء عرفته- كانت دائمًا هناك. ​​ ولكن لماذا مثل هذه الإجابات لا تصلح على سؤال السَّاعة كما قدمت لسؤال الحجر؟​​ لماذا هذه الإجابة غير مقبولة في الحالة الثانية، كما هي في الأولى؟ لهذا السبب، وليس لغيره، بمعنى: فعندما​​ نفحص​​ الساعة، ندرك (ما لم نتمكن من اكتشافه في الحجر) وهي أن أجزائها المتعددة مُشَكَّلَة ومُجمَّعة لغرضٍ ما…”[50].

         وهذا يعني أن الكون مليء بالإحكام والنظام وهذا موجود بشكل بديهي للجميع، وأن المصمم هو الذي وضع هذا النظام في الكون قاطبة، لكن يرد مؤيدو التطور على هذا التصميم الموجود في الكون بأنه مجرد وهم، وأن مصممه هو صانع ساعات لكنه أعمى! وهو (الانتخاب الطبيعي)، ويعلق ريتشارد دوكنز على قول بيلي فيقول: ” حُجَّة بيلي​​ تُصاغ​​ بإخلاص عاطفي ويتمّ إعلامها من قِبل أفضل علم بيولوجي في عصره، ولكنَّها خاطئة..​​ خاطئة تمامًا وبشكل مجيد​​، وإذا كان من المُمكن القول أنَّ (الانتخاب الطبيعي) يلعب دور صانع السَّاعات في الطبيعة، فهو صانع السَّاعات الأعمى [51].

إذن، هل هذا التصميم حقيقي بالفعل أم أنه مجرد وهم؟ وكيف يمكننا التفريق بين التصميم الحقيقي والوهمي؟

إن إدراكنا لوجود التصميم في الكائنات الحية أمر بديهي وغريزي، بمعنى أن الإنسان بمجرد النظر إلى شيء معيّن يستطيع التفريق بين الشيء المصمم بذكاء والشيء الموجود بطريقة عشوائية وصدفويًا. فإذا نظر الإنسان للكائنات الحية أدرك بالبديهة أنها لا يمكن أن توجد بطريقة عشوائية، وإنما هي مصممة من قِبل مصمم ذكي وواعٍ. وفي هذا الصدد يشير الفيلسوف “جاي ريتشاردز”Jay W. Richards والفلكي “غييرمو غونزاليز” Guillermo Gonzalezفي كتابهما “الكوكب المُميَّز” إلى أنَّ: “مُعظم الأفراد ليس لديهم أدنى فكرة عن كيفية التميز بين كائن مصمم بذكاء وبين كائن آخر أنتجته العمليات الطبيعية، إلا أنهم يدركون ذلك غريزيًا”.[52] وهذا يعني أننا بإدراكنا للأشياء الموجودة حولنا نستطيع بالبديهة أن نميز بين ما هو عشوائيًّا وبين ما هو مصمم بذكاء. ويعلق فضل رنا على ذلك بقوله: “بأنه على الرَّغم من أنَّ كيمياء الحياة تبدو كما لو كانت من إنتاج خالق، إلَّا أنَّ الكثير في المجتمع العلمي يقمع هذا الحدس الواضح” [53].

ولقد كان من أهم أعمال وليم ديمبسكي تقديمه لمعايير علمية يستطيع الإنسان من خلالها التمييز والتفريق بين الأشياء التي جاءت عن طريق التصميم، والأشياء التي جاءت بطريقة عشوائية وصدفوية، أي التي جاءت عن طريق قوى الطبيعة العمياء، فهناك بالفعل أسس علمية ورياضية ومنطقية وراء كيفية التفريق بين الشيء المصنوع بإحكام وإتقان، والشيء الموجود بطريقة عشوائية، لكن الإنسان العادي رغم ذلك يستطيع التمييز بينهما بفطرته وبديهيته دون أدنى جهد منه، حتى لو لم يدرك الكيفية والآلية، ولم يدرس الفلسفة والرياضة أو المنطق، إلا أنه يستطيع إدراك ذلك عن طريق الحدس.

وفي هذا الصدد نجد مايكل بيهي Michael Behe يستنكر كلام دوكنز، ويردّ قائلا: “ولكن قد نسأل، ​​ هل​​ دُحضت حُجَّة ويليم بيلي؟ من الذي أجاب على حُجّته؟ كيف تمّ إنتاج ساعة بدون مُصمِّم ذكي؟ إنَّه لأمرٌ مُثير للدَّهشة، ولكن صحيح أنَّ الحُجَّة الرَّئيسية لبيلي – الذي شُوِّهت سُمعته – لم يتم دحضها؛ فلم يشرح داروين ولا دوكينز، ولا العِلْم ولا الفلسفة، كيف يُمكن إنتاج نظامًا مُعقدًّا غير قابل للاختزال – مثل السَّاعة – دون مُصمِّم” [54]. ثم يؤكد في موضع آخر “بأن هناك نُقطة حاسمة، وغالبًا ما يتِمّ تجاهلها، ​​ وهي أن المظهر الغالب للتَّصميم يؤثِّر بشِدَّة على عِبء البرهان: ففي وُجُود التَّصميم الواضح، يقع عبء البرهان على الشَّخص الذي يُنكر الدَّليل البسيط على عينيه هو” [55]. وكما في المثال الذي ذكره مايكل بيهي، إن وجدنا مخلوقا يشبه البطة ورائحته كرائحتها وصوته كصوتها وملمسه كملمسها ويسبح كسباحتها، فسيكون عبء الدليل على من ينفي أن هذا المخلوق بطة. وهذا يعني أن الشخص المؤمن بالفطرة بأن هناك تصميم وهناك مصمم له لا يحتاج إلى أن يأتي بدليل وإثبات لذلك، لطالما أن التصميم شيئا واضحًا للجميع، أما من يريد نفي ذلك التصميم أو نفي إثبات وجود المصمم فيقع عليه عبء الإثبات، وهذا الإثبات والبرهان لابد أن يكون دليلًا قويًا ومفسرًا لكيفية حدوث ذلك، ولا يكون ذلك مجرد ادعاء، حتى يمكن تقبله.

وهذا يعني أنه يجب على العلم العمل مع الأدلة المتوفرة، وهو المبدأ الوحيد الذي يجب على العلم تبنيه للوصول إلى التفسير الأنسب للظواهر الطبيعية، إن هذا يعني بالضبط أن العلم لا يستطيع تفسير الظواهر بالاحتكام إلى الأدلة المستقبلية الواعدة. لا يمكن استخدام أسباب مادية غير معروفة أو طرق غير مكتشفة لعمل هذه الأسباب لتفسير الظواهر أو لمنع تفسيرها بطريقة أخرى. إن فشل السبب المادي الأعمى في شرح الظاهرة ليفتح باب التساؤل على مصراعيه حول قدرة أي أسباب مادية عمياء على تفسيرها. إذا وجدنا دليلا قويا يدعونا للتفكير بأن الأنظمة الحيوية مصممة، فعند ذلك يصبح التصميم تفسيرا منطقيا لعلم الأحياء.

ولكن على العكس من ذلك يدعي الداروينيون دوما أنه لا وجود لأي دليل يدعم نظرية التصميم في الأحياء. كتب ريتشارد دوكنز في كتابه صانع الساعات الأعمى: “يجب على علماء الأحياء أن يفضلوا النظرية الداروينية على منافسيها حتى لو انعدم الدليل عليها !!”. يتضمن هذا القول بالطبع تفضيل النظرية الداروينية على نظرية التصميم الذكي، لكن تأمل التالي، لقد منحت النظرية الداروينية مناعة ضد إبطال السبب رئيسي وهو أن عالم الأسباب المادية العمياء لا يمكن أن ينقد. لذا يرفض الداروينيون كل أعباء الأدلة المناهضة وهذا يجب أن يحمل أنصار الداروينية أنفسهم على نفس المعايير التي يطالبون أصحاب نظرية التصميم بها، ذلك لأنهم يعترفون بأن الأنظمة الحيوية تبدو منتمية لأصناف الأشياء المصممة بذكاء[56].

إننا في الحقيقة نستطيع إدراك الأشياء المصممة حتى ولو لم نعرف الغرض من وجودها بمجرد النظر فيها، حيث يقول الفيلسوف المُلحد بي سي جونسون: “يمكننا إدراك أن شيئًا ما مصمَم، حتى عندما لا نعرف الغرض من وجوده، إلا إذا كان يشبه الأشياء التي نصنعها للتعبير عن أغراضنا” [57]. ولو نوضح قول جونسون نذكر هذا المثال (فإذا رأى شخصا ما سيارة وقد عاش قبل صناعة السيارات، ولا يعرف ما معنى هذه السيارة، ولِما تستخدم، فهل سيقول إن هذه السيارة نتاج العشوائية أم أنها نتاج تصميم؟ فمن البديهي والفطري سيقول عن هذا الشيء – الذي لا يعرف في الأساس ما الغرض منه – أنه نتاج تصميم ولا يمكن أن يكون نتاج العشوائية والصدفة).

لكن هل الآلات التي صنعها الإنسان تشبه الكائنات البيولوجية لكي نستطيع القياس عليها؟ يعلق فضل رنا على ذلك” تستند حجة صانع الساعات إلى الأسئلة التالية: هل الأنظمة الحية تشبه الأجهزة التي صنعها الإنسان بما يكفي لتبرير هذا القياس؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما مدى قوة هذا القياس، وهل يمكن استخلاص استنتاج عقلاني منه؟”[58]. حاول فضل رنا الرد على من أنكروا حجة صانع الساعات التي قال بها وليام بيلي، حيث قالوا بأن الكائنات الحية وأعضائها ليست شبيهة بالساعات أو الأنظمة الميكانيكية التي صنعها الإنسان، لكن أجساد الكائنات العضوية ليست شبيهة بها.

لكن مع تقدم العلم الطبيعي ثبتت صحة هذا القياس، وثبت أن الأجهزة التي يصنعها الإنسان شبيهة بالميكانيزمات الحيوية، بل إن الأجهزة الحيوية أعقد بكثير من الأجهزة الصناعية، إن التركيب المعقد للخلية الحية لم يكن معروفا أيام دارون، وفي ذلك الوقت كان دعاة التطور يعتقدون أن إرجاع الحياة إلى المصادفات والظروف الطبيعية يعتبر أمرا مقنعا بما فيه الكفاية. ولكن تكنولوجيا القرن العشرين تعمقت في أصغر جسيمات الحياة وكشفت أن الخلية هي أكثر النظم التي واجهتها البشرية تعقيدا [59].

ولكن منتقدي هذا القياس لم يكن في عهدهم تلك الاكتشافات العلمية التي ظهرت في العصر الحالي، ولقد كان ديفيد هيوم أكبر منتقدي هذه الفكرة، ويرد عليه مايكل بيهي بقوله: “إنَّ​​ نقد هيوم لحُجَّة التَّصميم التي تُؤكِّد وُجُود اختلاف جوهري بين الأنظمة الميكانيكية والأنظمة الحيَّة قديم، ​​ قد دمَّره تقدُّم العِلْم الذي اكتشف آلِيَّة الحياة”. [60]، فتقنيَّات النَّانو والتكنولوجيا الحيوية الجديدة المُثيرة –مثل استخدام تكنولوجيا الحاسوب في​​ DNA، وتشفير​​DNA، وتشفير شريط​​ DNA- يقدم​​ مُبرِّرًا لحُجَّة ذكاء الكيمياء الحيوية: حيث تُعزِّز هذه التِّقنيَّات النَّاشئة الفكرة القائلة بأنَّ المعلومات البيوكيميائية هي بالفعل معلومات، وتستخدم تطبيقاتها البياناتِ الموجودة في​​ DNA​​ بنفس الطَّريقة التي يتعامل بها البشر مع المعلومات. [61] فكما نحن نقيس الكمبيوتر كهارد وير وسوفت وير فإنّ الكائن الحي شبيه بالكمبيوتر، وإذا كنا نعرف بأن الكمبيوتر نتاج تصميم، فقطعا لا بد أن يكون هذا الكائن الحي مصمم.

4- دليل التصميم الذكي واكتشاف علامات الذكاء في الدنا DNA:

في عام 1967م شارك عالم الرياضيات الفرنسي مارسيل بول شوتسنبرجرMarcel Paul Schützenberger (1920 – 1996م) في مؤتمر كبير في معهد ويستار بجامعة بنسلفانيا، والذي جمع عددًا كبيرًا من علماء الفيزياء والرياضيات المشهورين من ناحية، وعلماء الحياة من ناحية أخرى. في ذلك المؤتمر، أصبح مارسيل واحدًا من أوائل العلماء المتميزين في العالم الذين أشاروا إلى أن نظرية التطور التي تعتمد على الطفرات التي تحدث بشكل عشوائي لا يمكن أن تكون صحيحة، لأن عدد الطفرات اللازمة لإنشاء التنوع، والوقت اللازم لحدوث هذه الطفرات بالصدفة، تجاوز بآلاف المرات الحجم والوقت الذي كان متاحًا. فقد لاحظ أن الشفرات البشرية على سبيل المثال لا تتوافق فيها العشوائية أبدا مع الوظيفية، فضلا عن التقدم والارتقاء، فعندما نصنع تغيرات عشوائية في برنامج حاسوبي نجد أنها لا تمتلك أي فرصة في إنشاء شفرات بشرية ذات قدرات وظيفية بمعنى أن احتمال صدفة تشكيل برنامج يمكن له إجراء أي عملية حسابية تساوي أكثر من 1/100010 فكل ما يظهر هو مجرد اصطفاف للرموز لا معنى له [62].

يعترف العديد من علماء البيولوجيا التطوريين بعجزهم عن تفسير نشأة المعلومات الغامضة في الخلية وكيفية عملها. وقد تغير مفهوم البيولوجيين نحو فهم الخلية الحية بعد اكتشاف واتسون وكريك لبنية الدنا عام 1953م. حيث كانا أول من أشعلا ثورة البيولوجيا الجزئية بهذا الاكتشاف، وبدأ تسليط الضوء على المعلومات الداخلية الدقيقة جدا في خلايا الكائنات الحية، كما أن هذه المعلومات ستغير وتعيد صياغة التساؤلات التي يجب على الباحثين في أصل الحياة نشأتها أن يقدموا إجابات لها.

كانت هناك اكتشافات عدة لبنية الدنا، إلا أن اكتشاف واتسون وكريك لخصائص الدنا الحاملة للمعلومات كان له فضل كبير في إدراك العلماء الآخذ في التزايد في بعض الأوساط العلمية، وإن كان قد اكتمل تماما في أوساط علمية أخرى أن هناك على الأقل مظهرًا واحدًا من مظاهر التصميم في علم البيولوجيا لم يفسر بعد تفسيرًا وافيًا بالانتقاء الطبيعي أو غيره من الآليات الطبيعية البحتة الأخرى، رغم أن كريك نفسه كان يعتقد بأن التصميم المدرك هذا لم يكن حقيقة وإنما هو وهم. وقد نشرا بحثهما في المجلة العلمية المرموقة الطبيعةNature، تحت عنوان “التركيب الجزيئي للأحماض النووية: بنية الحمض النّوويّ الريبوزي المنقوص الأكسجين Molecular Structure of Nucleic Acids: A Structure for Deoxyribose Nucleic Acid”[63] وقد حصلا بهذا الاكتشاف مع موريس ويلكنز Maurice Wilkins (1916 – 2004م) على جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء عام 1962م [64].

ولم يوضح هذا الاكتشاف بنية الدنا فقط، بل أيضا بين أنه يخزن المعلومات مستخدما أبجدية كيميائية مكونة من أربعة حروف، وأن سلاسل من المواد الكيميائية المتسلسلة بدقة، والتي تسمى الأسس النيوكليوتيدية Nucleotide تخزن وتنقل تعليمات التجميع (المعلومات) اللازمة لبناء جزيئات البروتين المهمة والآليات التي تحتاجها الخلية للبقاء على قيد الحياة. صاغ کريك بالتالي فرضيته الشهيرة، بعدما طورها “فرضية التسلسلsequence hypothesis”، والتي تنص على أن الأجزاء الكيميائية من الدنا (الأسس النيوكليوتيدية) تعمل كالحروف في اللغة المكتوبة، أو كالرموز في شفرة الحاسوب [65]. فكما أن حروف اللغة تكون جملة ذات معنى وأن الرموز الرقمية في الحاسب الآلي تنقل المعلومات عند ترتيبهما، هكذا فإن المعلومات الكيميائية المشفرة في الدنا تتشابه مع هذه العمليات. وهذا ما ذكره أيضًا ريتشارد دوكينز وعالم البرمجيات بيل جيتس.

ومع اكتمال مشروع الجينوم البشري على يد فرنسيس كولينز Francis Collins عام 2000م، ذلك الحدث الذي رفع من درجة الوعي بأهمية المعلومات للكائنات الحية منذ اكتشاف بنية الدنا على يد كريك عام 1953م، وأصبحت الحياة تبدو أكثر غموضا عند النظر إلى حقيقة وجود المعلومات داخل الكائنات الحية، ويرجع ذلك إلى شيءٍ واحدٍ، وهو أنه من الصعب أن نفهم بالضبط ماهية المعلومات داخل الخلية، التي تشبه إلى حد كبير المعلومات المخزنة داخل أجهزة الحاسب.

ولكي نوضح التشابه بين لغة الشفرة الوراثية ولغة الحاسب نورد المثال الذي أورده ستيفن ماير، فإذا أمعنا النظر في هذه الرموز:

AGTCTGGGACGCGCCGCCGCCATGATCATCCCTGTACGCTGCTTCACTTGTGGCAAGATCGTCGGCAACAAGTGGGA

GGCTTACCTGGGGCTGCTGCAGGCCGAGTACACCGAGGGGTGAGGCGCGGGCCGGGGCTAGGGGCTGAGTCCGCCG

TGGGGCGCGGGCCGGGGCTGGGGGCTGAGTCCGCCCTGGGGTGCGCGCCGGGGCGGGAGGCGCAGCGCTGCCTGA

GGCCAGCGCCCCATGAGCAGCTTCAGGCCCGGCTTCTCCAGCCCCGCTCTGGATCTGCTTTCGGGAGAACC

تبدو هذه السلسلة من الأحرف الأبجدية ككتلة من المعلومات المشفرة، وربما تكون جزءًا من نص أو شفرة لآلة، وهذا بالفعل صحيح، ذلك أن هذه السلسلة من الأحرف ليست مجرد تشكيلة عشوائية من الأحرف الأربعة A و T و C , G، ولكنها تمثيل لجزء من سلسلة تعليمات التجميع الوراثية لبناء آلة بروتين رنا RNAبوليميراز التي تعد حاسمة للتعبير الجيني (أو معالجة المعلومات) داخل الخلية.

وهذه السلسلة من الرموز:

010101110110100001100101011011100010000001101001011011100010000001110100011010000110

0101001000000100001101101111011101010111001001110011011001010010000001101111011001100

0100000011010000111010101101101011000010110111000100000011001010111011001100101011011

100111010001110011001000000110100101110100

وهذا التسلسل أيضا ليس مجرد نظم عشوائي للرموز، وإنما هو الكلمات الأولى لإعلان الاستقلال (في مسار الأحداث البشرية…) مكتوبة بالتحويل الثنائي للشفرة الأمريكية القياسية لتبادل المعلومات (أسكي ASCII) [66]. في هذه الشفرة، يُستخدم تسلسل قصير محدد من الصفر والواحد يتوافق مع حروف أبجدية محددة أو أرقام أو علامات ترقيم [67].

نلاحظ هنا أن هاتين القطعتين من المعلومات المشفرة تستخدمان تشابهات مختلفة، فالأولى تستخدم الشفرة الوراثية في الرنا، وتستخدم الثانية شفرة أسكي ASCII المستخدمة في أجهزة الحاسب الآلي، وكلاهما معقد، ويتكونان من تسلسل غير متكرر متخصص للغاية متعلق بالمتطلبات الوظيفية ومتطلبات الاتصال التي يؤديانها، ويفسر هذا التشابه كما ذكرنا في السابق ملاحظة دوكينز وبيل غيتس أن شفرة آلة الجينات تشبه الحاسوب، وهو تشبيه في محله، لكن ماذا نفهم من هذا التشابه بين البرمجيات المعلوماتية وهي منتجات الذكاء الواعي بلا نزاع وبين التسلسل المعلوماتي الموجود في الدنا والجزيئات الحيوية المهمة الأخرى؟ لماذا لم يسأل دوكينز نفسه عن هذا التشابه في لغة البرمجة، ما الذي جعله ينكر التصميم في البرمجة الخلوية رغم أنه يقره في برمجة الحاسوب؟

5- نظرية التصميم الذكي نظرية علمية وليست عقدية إيمانية:

يرفض أصحاب النظرية جميعًا (بما فيهم مؤمنين أم غير ذلك) وسمهم بالخلقيين، فيقول ستيفن ماير وهو من أكبر مناصري النظرية “إن نظرية التصميم الذكي تخالف بشكل أساسي في محتواها ومنهجيتها الخلقوية، والتي تؤسس أطروحاتها على الكتاب المقدس؛ في حين أن نظرية التصميم الذكي تأسست لمحاولة شرح وتفسير بعض الصور والأشكال التي نلاحظها في الطبيعة، والتي تشير باستمرار إلى وجود مسبب بالاعتماد على النظام السببي أحد أهم القوانين التي يقوم عليها عالمنا”[68]. ويقول في موضع آخر “لقد أعطتني سوء السمعة التي حظيت بها منصة لي ولزملائي كنا بأمس الحاجة إليها لننطلق في تصحيح الأفكار المغلوطة حول نظرية التصميم الذكي؛ فقد خلطت العديد من المقالات والتقارير بين التصميم الذكي والخلقية التوراتية بتفسيرها الحرفي لسفر التكوين، في حين ردت مقالات أخرى الأفكار نفسها التي طرحناها في نقدنا، وصورت عملنا على أنه (خذلان للعلم) أو محاولة خبيثة للتحايل على المنع القانوني الذي أقرته المحكمة العليا سنة ۱۹۸۷ ضد تعليم نظرية الخلق في المدارس العامة”[69]. وفي عام 1986م، قدّم ثاكستون في ورقة بحثية [70]، تأكيدًا وضح فيه التصميم الذكي المعلن عنه ولا يُقصد به إله معين وإنما ما تكشفه تعقيدات الدنا هو وجود مصمم لها دون كشف هوية هذا المصمم:

“مع البيانات الجديدة التي وفرتها البيولوجيا الجزيئية، يمكننا أن نجادل الآن لصالح وجود سبب ذكي وراء نشأة الحياة؛ عن طريق قياس شفرة الدنا DNA على اللغة مكتوبة. (لاحظ أني لم أقل إنه يمكننا الاحتجاج على الخلق الإلهي للحياة). فكثير من الخلقويين يرتكبون خطأ القفز من الحدث الواقع قيد الدراسة، إلى إله الكتاب المقدس مباشرة. وانطلاقا من المعطيات العلمية وحدها، يمكننا فقط استنتاج أن التفسير المعقول للحدث هو وجود سبب جوهري. لا يمكننا تعريف ذلك السبب بأكثر من هذا، لا يمكننا الحسم ما إذا كان؛ ساميا أو باطنيا، إله الكتاب المقدس أو كائن ذكي آخر. ربما يمكننا تعريف ذلك العامل بشكل أكبر اعتمادا على حجج أخرى؛ فلسفية أو لاهوتية”[71].

ومن هنا، فإن ما تستنتجه نظرية التصميم الذكي قائمة على أدلة تجريبية؛ إضافة إلى أن استدلالاتها لا تحتكم إلى أي مرجعية دينية. وفيما يخص محتوى النظرية فإنه يختلف أيضا عما يرد في نظرية الخلقيين، فالخلقوية تدافع عن بعض القراءات والتفسيرات في الكتب المقدسة، وتحديدا التي تؤكد على ما جاء في الأديان بأن الإله قد خلق الأرض في مدة معينة. في حين أن، نظرية التصميم الذكي لا تقدم أي تفسير لذلك ولا توضح حقيقة وماهية المصمم، ولا تتحدث عن أي نموذج لتفسير الطول الزمني لأيام الخلق، ولا تقترح أي عمر محتمل للأرض، بدلا من ذلك، فإنها تطرح تفسيرا سببيًا –تعلل من خلاله – التعقيد الملاحظ في الحياة والطبيعة.

6- نتائج البحث:

توصل البحث إلى عدة نتائج كان أهمها:

  • أثبت البحث من خلال عرض نظرية التصميم الذكي أن أصل الكائنات الحية شيء غير مادي، وهو مصمم بذكاء وبتعقيد محدد له غاية وهدف وليس عشوائيًا. 
  • أكدت نظرية التصميم أن التعقيد الموجود بنواة الخلية (الدنا DNA) لا يمكن أن يكون نتاجًا عشوائيا وذلك بالدليل العلمي التجريبي.
  • وجهت نظرية التصميم عدداً من الاعتراضات على نظرية التطور التي أثبتت عجزها، مثل نقص في الحفريات الانتقالية، والفجوات الكبيرة في السجل الأحفوري، والظهور المفاجئ الظاهر من لا شيء للكائنات الحية مثل “الأسماك ذات الزعانف، والطيور ذات الريش، والمناقير، والأجنحة إلخ.
  • فندت نظرية التصميم الذكي إدعاءات التطور الداروني في التطور العشوائي، والسلف المشترك.
  • أظهرت الدراسة أن نظرية التصميم الذكي نظرية علمية وليست دينية، لأنّها لا تشير صراحةً إلى هوية التصميم الذكي، رغم إدعاءات البعض أنها عقيدة إيمانية.
  • أوضحت نظرية التصميم أن نظرية دارون تقوم على الاعتقاد أكثر من كونها نظرية علمية.
  • أثبت أصحاب نظرية التصميم الذكي زيف ادعاءات التطوريين في عثورهم على حلقات وسطى، وكشفت عن كونها غير حقيقية وناتجة إما عن طريق عدم الوعي أو التدليس المتعمد.
  • دعم البحث فكرة أن النظريات العلمية لا يمكن اعتبار صدقها مطلقاً، وأن تقدم العلم سوف يحطم أكثر النظريات اعتقاداً تماماً مثلماً حطمت نظرية كوبرنيقوس نظرية بطليموس في ثبات الأرض، وغيرها من النظريات العلمية التي غيرت مجرى التاريخ.

[1]– The American Heritage Dictionary of the English Language, intelligent Design, (first definition). Boston, Massachusetts: Houghton Mifflin Harcourt.5th Edition, 2010.

[2]– ستيفن ماير: التصميم الذكي (فلسفة وتاريخ النظرية)، ترجمة: محمد طه، عبد الله أبولوز، مركز براهين للأبحاث والدراسات، ط1، 2016، ص10-11.

[3]– Massimo Pigliucci: “Science in the Courtroom: The Case against Intelligent Design” Nonsense on Stilts: How to Tell Science from Bunk. Chicago, IL: University of Chicago Press, 2010, pp. 160–186.

[4]–  Michael Ruse: “They’re Here!”, review Of Pandas and People in Bookwatch Reviews (1989), republished in Reviews of Creationist Books ed Liz Rank Hughes, National Center for Science Education, 1992. p. 41.

[5]– ستيفن ماير: توقيع في الخلية: الدنا وأدلة التصميم الذكي، ترجمة: آلاء حسكي، ومهند التومي، وآخرون، الطبعة الأولى، مركز براهين للأبحاث والدراسات 2017م، ص15.

[6]– المرجع نفسه: ص16.

[7]– المرجع نفسه، ص18.

[8]– ستيفن ماير: التصميم الذكي (فلسفة وتاريخ النظرية)، ص75.

[9]– كارل ساغان: الكون، ترجمة نافع أيوب، مراجعة محمد كامل: 1993، سلسلة عالم المعرفة 178، ص 40.

[10]– المرجع نفسه، ص40.

[11]– Charles Darwin, Letter to W Graham, 1881. In F. Darwin, ed., The Life and Letters of Charles Darwin (New York: D. Appleton & Co., 1905), 1:285.

[12]– ستيفن ماير: التصميم الذكي فلسفة وتاريخ النظرية)، ص27.

[13]– ويليام ديمبسكي، جوناثان ويلز: تصميم الحياة: اكتشاف علامات الذكاء في النظم البيولوجية، ترجمة مؤمن الحسن وآخرون، دار الكاتب للنشر والتوزيع، ط1، 2014م، ص128-129.

[14]–  مايكل دنتون: التطوّر والنشوء والارتقاء نظريّةٌ في أزمة”: ترجمة آلاء حسكي وآخرون، الطبعة الأولى يناير 2017، مركز براهين للأبحاث والدراسات، ص 310

[15]– Michael Denton. Evolution: A Theory in Crisis. London: Burnett Books, 1985, pp. 290-91

[16]– ويليام ديمبسكي، جوناثان ويلز: تصميم الحياة، ص129.

[17]– تشارلز دارون: أصل الأنواع، ترجمة اسماعيل مظهر، مؤسسة هنداوي، 1889م، ص520

[18]– المرجع نفسه، ص309.

[19]–  Derek V. Ager, “The Nature of the Fossil Record”, Proceedings of the British Geological Association, VOL 87, 1976, p. 133.

[20]– Mark Czarnecki, “The Revival Of The Creationist Crusade”, Maclean’s, January 19, 1981, p. 56.

[21]– Tim White: Evolutionary anthropologist -University of California at Berkeley – New Scientist, 1983, p. 199.

[22]– هارون يحيى: خديعة التطور (الانهيار العلمي لنظرية التطور وخلفياتها الايدولوجية)، ترجمة: سليمان بايبارا، مراجعة د. أحمد ممتاز سلطان، واورخان محمد علي. بدون دار نشر، 1999م، ص48.

[23]– David Raup, “Conflicts Between Darwin And Paleontology”, Bulletin, Field Museum Of Natural History, Vol 50, January 1979, p. 24.

[24]– Richard Monastersky, “Mysteries Of The Orient”, Discover, 1993, p. 40.

[25]– Richard Dawkins, The Blind Watchmaker, London: W. W. Norton 1986, P. 229.

[26]– هارون يحيى: خديعة التطور، ص50.

[27]– ويليام ديمبسكي، جوناثان ويلز: تصميم الحياة، ص 136- 137.

[28]– جوناثان ويلز: أيقونات التطور علم أم خرافة؟، ترجمة: موسى ادريس وآخرون، ط1، 2014، مركز براهين، دار الكاتب للنشر والتوزيع، الاسماعيلية، مصر، ص64.

[29]– Ronald R. West, “Paleontology and Uniformitarianism,” in Compass, 1968, p. 216.

[30]– جوناثان ويلز: أيقونات التطور علم أم خرافة؟، ص81.

[31]– تشارلز دارون: أصل الأنواع، ص521.

[32]–  H. S. Lipson, “A Physicist’s View of Darwin’s Theory”, Evolution Trends in Plants, Vol2, No.1, 1988, p. 6.

[33]– George Wald. “The Origin of Life,” in The Physics and Chemistry of Lile, edited by the editors of Scientific American Books (New York: Simon & Schuster, 1955, P12.

[34]– Émile Borel: (Mécanique Statistique Et Irréversibilité), J. Phys. 5e Série, vol. 3, 1913, pp.189-196.

[35]–  هارون يحيى: خديعة التطور، ص36.

[36]– هارون يحيى: خديعة التطور، ص36.

[37]– Tim Berra, Evolution and the Myth of Creationism, Stanford University Press; 1st Edition (June 1, 1990), 117-119.

[38]– John G. West, Debating Common Ancestry, evolutionnews, May 14, 2016.

[39]– مايكل بيهي: صندوق دارون الأسود (تحدي الكيمياء الحيوية لنظرية التطور)، ترجمة: مؤمن الحسن وآخرون، دار الكاتب للنشر والتوزيع، ط1، الإسماعيلية، مصر، 2014، ص23.

[40]-ويليام ديمبسكي، جوناثان ويلز: تصميم الحياة، ص244.

[41]– المرجع نفسه، ص245.

[42]– ريتشارد دوكنز: الدارونية الجديدة (صانع الساعات الأعمى) ، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، الطبعة الثانية، دار العين للنشر، القاهرة 2002م، ص21،22.

[43]– ​​Richard Dawkins,​​ Climbing Mount Improbable, 1996C.​​ p4-5. Cited in: Donald E. Johnson:​​ Probability’s Nature and Nature’s Probability (A Call to Scientific Integrity), Booksurge Publishing 2009, p87.

[44]-​ Richard Dawkins,​​ The Blind Watchmaker​​ (New York: Penguin, 1986),​​ p5. Cited in: Ann Gauger, Douglas Axe & Casey Luskin:​​ Science and Human Origins, Discovery Institute Press, Seattle 2012, p31.

[45]-​​ Dawkins R. (1986).​​ The Blind Watchmaker, Norton, New York, p21. Cited in: Michael J. Behe:​​ Darwin’s Black Box, The Biochemical Challenge to Evolution, Free Press, New York 2006, p264.

[46] – ​Francisco Ayala, “Darwin’s Revolution” in​​ Creative Evolution?!, 1994, p3-5. p323.

[47] -Francis Crick, What Mad Pursuit (New York: Basic Books, 1988), 138.

أورد هذا النص ويليام ديمبسكي، جوناثان ويلز: تصميم الحياة، ص15.

وأورده أيضا: ستيفن ماير: توقيع في الخلية، ص35.

[48]– S. I. Newton: Opticks (A Treatise Of The Reflections, Refractions, Inflections &Colours Of Light)، Based On The Fourth Edition London, Dover Publications, Incو New York 1730, 369-370.

[49]– ستيفن ماير: التصميم الذكي، ص16.

[50]– ​​William Paley,​​ Natural Theology; or, Evidences of the Existence and Attributes of the Deity Collected from the Appearances of Nature, 12th ed. (1802; Weybridge, Surrey, UK: printed by S. Hamilton, 1809), 1–3.

[51]– ​​ Dawkins, R. The Blind Watchmaker, W. W. Norton, London,1985, p5.

[52]– ​​Guillermo Gonzalez and Jay W. Richards,​​ The Privileged Planet:  How Our Place in the Cosmos Is Designed for Discovery​​ (Washington, DC: Regnery, 2004, 293–311.

[53]– ​​Fazale Rana:​​ The Cell’s Design (How Chemistry Reveals the Creator’s Artistry), Kindle Locations, P 165-167.

[54]– ​​Michael J. Behe:​​ Darwin’s Black Box, The Biochemical Challenge to Evolution, Free Press, New York 2006, p213.

[55]– ​ Fazale Rana:​​ The Cell’s Design, P 120-121.​​

[56]– ويليام ديمبسكي، جوناثان ويلز، ص277.

[57]– ​​B. C. Johnson: The Atheist Debater’s Handbook​​ (Buffalo: Prometheus Books, 1981, 45.

[58]-​ Fazale Rana:​​ The Cell’s Design, P 120-121

[59]– هارون يحيى: خديعة التطور، ص107.

[60]– ​​Michael J. Behe:​​ Darwin’s Black Box, The Biochemical Challenge to Evolution, Free Press, New York 2006, p218.

[61]-​​ FazaleRana:​​ The Cell’s, P 243.

[62]– Herbert Wilf, Dominique Foata: “In Memoriam: Marcel-Paul Schützenberger, 1920-1996 ” Electronic Journal of Combinatorics, served from University of Pennsylvania Dept. of Mathematics Server, 12 October 1996.

[63]– J. D. WATSON & F. H. C. CRICK, Molecular Structure of Nucleic Acids: A Structure for Deoxyribose Nucleic Acid, Nature, 171, 25 April, 1953, 737–738.

[64]– The Nobel Prize in Physiology or Medicine: Francis H. C. Crick, James D. Watson and Maurice H. F. Wilkins 1962.

[65]– ستيفن ماير: توقيع في الخلية، ص24.

[66]– ASCII: هي مجموعة رموز ونظام ترميز مبني على الابجدية اللاتينية بالشكل الذي تستخدم به في الإنجليزية الحديثة ولغات غرب أوروبية أخرى. يعتبر معيار ASCII من بين أنظمة تمثيل الرموز في الحاسوب، ويحدد علاقة تناظر بين قيمة رقمية لتتابع البتات وبين رمز أو رسم مستخدم في اللغة المكتوبة. إذ أن الحواسيب تتعامل فقط بإشارات كهربائية إما صفر أو واحد، أي البت (bit) في لغة البرمجة، ويمكن أن تمثل هذه البتات بتسلسلها أرقاما بالنظام الثنائي، ومجموعة من ثمانية بتات تمثل البايت Byte. ومن ثمة ظهرت الحاجة للتعبير عن الحروف والرموز بواسطة الأرقام الثنائية.

– John Wiley and Sons: Digital Electronics: Principles, Devices and Applications. Anil KumarThe Atrium, Southern Gate, Chichester, West Sussex England, copyright, 2007, p. 28.

[67]– ستيفن ماير: توقيع في الخلية، ص39.

[68]–  ستيفن ماير: التصميم الذكي (فلسفة وتاريخ النظرية)، ص11.

[69]– ستيفن ماير: توقيع في الخلية، ص13.

[70]– Charles B. Thaxton, Origin Science: New Rules, New Tools for the Origins Debate (a paper circulated at the annual meeting of the American Scientific affiliation, Houghton College, Houghton, NY, Aug. 8-11, 1986.

[71]– جون بول، مايكل بيهي: إعادة المحاكمة (القصة الخفية لقضية دوفر)، ترجمة: سارة بن عمر، مركز براهين للدراسات والأبحاث، ط1، 2017م، ص25-26.


المراجع:

المراجع العربيّة:

  • تشارلز دارون: أصل الأنواع، ترجمة إسماعيل مظهر، مؤسسة هنداوي، 1889م.
  • جون بول، مايكل بيهي: إعادة المحاكمة (القصة الخفية لقضية دوفر)، ترجمة: سارة بن عمر، مركز براهين للدراسات والأبحاث، ط1، 2017م.
  • جوناثان ويلز: أيقونات التطور علم أم خرافة؟، ترجمة: موسى إدريس وآخرون، ط1، مركز براهين، دار الكاتب للنشر والتوزيع، الإسماعيلية، مصر، 2014.
  • ريتشارد دوكنز: الدارونية الجديدة (صانع الساعات الأعمى)، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، الطبعة الثانية، دار العين للنشر، القاهرة 2002م.
  • ستيفن ماير: التصميم الذكي (فلسفة وتاريخ النظرية)، ترجمة: محمد طه، عبد الله أبولوز، مركز براهين للأبحاث والدراسات، ط1، 2016.
  • ______: توقيع في الخلية: الدنا وأدلة التصميم الذكي، ترجمة: آلاء حسكي، ومهند التومي، وآخرون، الطبعة الأولى، مركز براهين للأبحاث والدراسات 2017م.
  • كارل ساغان: الكون، ترجمة نافع أيوب، مراجعة محمد كامل: 1993، سلسلة عالم المعرفة 178.
  • مايكل بيهي: صندوق دارون الأسود (تحدي الكيمياء الحيوية لنظرية التطور)، ترجمة: مؤمن الحسن وآخرون، دار الكاتب للنشر والتوزيع، ط1، الإسماعيلية، مصر، 2014.
  • مايكل دنتون: التطوّر والنشوء والارتقاء نظريّةٌ في أزمة”: ترجمة آلاء حسكي وآخرون، الطبعة الأولى يناير 2017، مركز براهين للأبحاث والدراسات.
  • ويليام ديمبسكي، جوناثان ويلز: تصميم الحياة: اكتشاف علامات الذكاء في النظم البيولوجية، ترجمة مؤمن الحسن وآخرون، دار الكاتب للنشر والتوزيع، ط1، 2014م.
  • هارون يحيى: خديعة التطور (الانهيار العلمي لنظرية التطور وخلفياتها الايدولوجية)، ترجمة: سليمان بايبارا، مراجعة د. أحمد ممتاز سلطان، واورخان محمد علي. بدون دار نشر، 1999م.

المراجع الأجنبيّة:

  • Charles Darwin, Letter to W Graham, 1881. In F. Darwin, ed., The Life and Letters of Charles Darwin (New York: D. Appleton & Co.,) 1905.
  • Francis Crick, What Mad Pursuit (New York: Basic Books, 1988).
  • Michael Denton. Evolution: A Theory in Crisis. London: Burnett Books, 1985.
  • Michael J. Behe:​​ Darwin’s Black Box, The Biochemical Challenge to Evolution, Free Press, New York 2006.
  • Michael Ruse: “They’re Here!”, review Of Pandas and People in Bookwatch Reviews (1989), republished in Reviews of Creationist Books ed Liz Rank Hughes, National Center for Science Education, 1992.
  • Newton: Opticks (A Treatise Of The Reflections, Refractions, Inflections & Colours Of Light), Based On The Fourth Edition London, Dover Publications, Incو New York 1730.
  • Richard Dawkins,​​ The Blind Watchmaker, Norton, New York, 1986.
  • ____________,​​ Climbing Mount Improbable, 1996C.​​ p4-5. Cited in: Donald E. Johnson:​​ Probability’s Nature and Nature’s Probability (A Call to Scientific Integrity), Booksurge Publishing 2009.
  • The American Heritage Dictionary of the English Language, intelligent Design, (first definition). Boston, Massachusetts: Houghton Mifflin Harcourt.5th Edition, 2010.
  • William Paley,​​ Natural Theology; or, Evidences of the Existence and Attributes of the Deity Collected from the Appearances of Nature, 12th ed. (1802; Weybridge, Surrey, UK: printed by S. Hamilton, 1809).
  • Ann Gauger, Douglas Axe, Casey Luskin:​​ Science and Human Origins, Discovery Institute Press, Seattle 2012.
  • David Raup, “Conflicts Between Darwin And Paleontology”, Bulletin, Field Museum Of Natural History, Vol 50, January 1979.
  • Derek V. Ager, “The Nature of the Fossil Record”, Proceedings of the British Geological Association, VOL 87, 1976.
  • Émile Borel: (Mécanique Statistique Et Irréversibilité), J. Phys. 5eSérie, vol. 3, 1913.
  • Fazale Rana:​​ The Cell’s Design (How Chemistry Reveals the Creator’s Artistry), Kindle Locations.in the Cosmos Is Designed for Discovery​​ (Washington, DC: Regnery, 2004.
  • Francisco Ayala, “Darwin’s Revolution” in​​ Creative Evolution?!, 1994.
  • George Wald. “The Origin of Life,” in The Physics and Chemistry of L {le, edited by the editors of Scientific American Books (New York: Simon & Schuster, 1955.
  • Guillermo Gonzalez and Jay W. Richards,​​ The Privileged Planet: How Our Place.
  • S. Lipson, “A Physicist’s View of Darwin’s Theory”, Evolution Trends in Plants, Vol 2, No. 1, 1988.
  • John G. West, Debating Common Ancestry, evolutionnews, May 14, 2016.
  • Mark Czarnecki, “The Revival Of The Creationist Crusade”, Maclean’s, January 19, 1981.
  • Massimo Pigliucci: “Science in the Courtroom: The Case against Intelligent Design” Nonsense on Stilts: How to Tell Science from Bunk. Chicago, IL: University of Chicago Press, 2010.
  • Richard Monastersky, “Mysteries Of The Orient”, Discover, 1993.
  • Ronald R. West, “Paleontology and Uniformitarianism,” in Compass, 1968.
  • Tim Berra, Evolution and the Myth of Creationism, Stanford University Press; 1st Edition (June 1, 1990).
  • Tim White: Evolutionary anthropologist -University of California at Berkeley – New Scientist, 1983.

مقالات أخرى

أيّ نموذج إيتيقي للإنسانيّة المعاصرة

معطّلات الفهم في الشعر العربي المعاصر

شعريّة اللّباس

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. اقراء المزيد