بقلم JAN Palkiewicz أستاذ في جامعة كوبيك مونتريال . ترجمة د.علي أسعد وطفة(1)
مقدمة :
منذ عقد من الزمن نشر إدكار موران EDGAR MORIN كتابه المثير: ” من أجل الخروج من القرن العشرين Pour Sortir Du Xxième Siècle ” وهو في هذا الكتاب يشير إلى عدد من المشكلات المعرفية الكبرى ولا سيما قضية البحث عن أفكار خلاقة مبدعة وأصيلة، وهو يؤكد في هذا الاستقصاء الحداثي لقضايا التكنولوجيا الإعجازية على أهمية الإنسان بأبعاده المعرفية والإبداعية. ومن ثم يلح على أهمية تحليل فعاليات التفكير عند الإنسان التي تنطوي على الجوانب التالية :
1-الموازنة والتريث والتأمل والنظر إلى موضوع التفكير من زوايا متعددة.
2- تحليل قضية التفكير نفسها وهذا يعني تغذية المعرفة بالتفكير ما بعد المعرفي وتغذية التفكير بالمعرفة([2]).
فالتفكير في عملية التفكير نفسها يعني البحث في مصدر التفكير نفسه، أي في العمليات الذهنية عينها، والسؤال الذي يطرحه في هذا السياق هو: هل يمكن للتكنولوجيا أن تساهم في عملية إنماء العمليات العقلية والذهنية في مختلف مستوياتها وتجلياتها؟
لقد حققت التكنولوجيا المعرفية تقدما هائلا في القرن العشرين ولا سيما فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وحمل هذا التقدم كثيرا من الخير والرّفاه للإنسانية، ولا سيما في مجال التكنولوجيا المعرفية وفي مجال معالجة المعلومات. ويقف الإنسان المعاصر حائرا أمام هذا المد الأسطوري للتكنولوجيا المعرفية أمام هذه التدفقات العبقرية للتكنولوجية المعرفية الفذة.
وهنا يبرز سؤال آخر جديد هو : ما المستقبل الذي تخبئه هذه التكنولوجيا لملايين العمال غير المتخصصين ؟ وفي مواجهة هذا السؤال الصعب يمكن القول بأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن نأمله من هذه التكنولوجيا هو إحداث تحول كبير في طريقة توظيف قدراتنا العقلية والذهنية . وبعبارة أخرى يمكن القول إن العمل على توظيف هذه المصادر المعرفية الجديدة أمر مرهون بالنظام التربوي، فخلال الخمسة والعشرين سنة السابقة كان النموذج المعتمد هو نوع من البيداغوجيا التلقينية بأبعادها الثلاثية التي تتمثل في الآتي:
1- معارف جامدة تحول إلى التلاميذ،
2- توسط المعلم بين المتعلم والمعرفة،
3- ترديد التلميذ واستظهاره لما يفرضه المعلم.
وكان لهذه التربية التقليدية دائما مرتبة الأهمية ولا سيما في داخل الجامعات، ويكفي اليوم أن نمر في داخل ممرات جامعاتنا المحترمة لندرك جيدا إلى أي حد تسود ظاهرة الأستاذ الملقن والطلاب الذين يسجلون الملاحظات والاختيارات التي تعتمد على الذاكرة. ويبدو اليوم أن تربية أخرى جديدة بثقافة جديدة بدأت تسجل حضورها في داخل هذه المؤسسات التعليمية، وهذه الثقافة مستوحاة من إعادة التنظيم الصناعي المتمركز حول أولوية الزبائن. فالمؤسسات التي تؤكد أهمية نماء الفكر والفعل الذهني يأخذ فيها الطالب أولوية مركزية، حيث يكون هو المسؤول عن تعلمه وتأهيله وتكامل معارفه، وهو إذ يتلقى مساعدة من المعلمين والمرشدين فعليه في سياق ذلك أن يعي جيدا برامج تأهيله ويباشر نشاطات تعلمه، فهو ينمو من داخل المؤسسة التعليمية، حيث ينطلق الجميع من رؤية مشتركة هي التجديد الذهني والعصف الدماغي وذلك عبر فريق عمل من المدرسين والمتخصصين التربويين. وتأسيسا على هذه الرؤية يمكن لنا العمل على تطوير رؤية جديدة تشمل عناصر متجددة لهذا المنهج التربوي الذي ينطلق من التكنولوجيا التربوية الجديدة ويستند إلى فهم عميق وشامل للنشاطات الذهنية والعقلية.
النموذج الوظيفي للعمليات الذهنية:
تأخذ الوظائف العقلية صورة نظام من العمليات الذهنية المعقدة ، وهناك عدد كبير من التفسيرات التي أعطيت إلى هذه العمليات التي تأخذ كما يعتقد جان بياجيه 1948 صورة تحولات قابلة للانعكاس الخاص ببنية ما، والتي يمكنها أن تتحول من صورة إلى أخرى بشكلها أو مضمونها. وفي هذا الصدد يصور لونير كان([3]) العمليات العقلية كأفعال داخلية تعتمل في أعماق الذات وهي أفعال تحويلية واعية وإرادية ومنظمة في الآن الواحد، وتتم فعالية هذه العمليات وفقا لنموذجية محددة اجتماعيا وثقافيا، وتأخذ هذه النموذجية صورة نموذج متحول متصاعد، وتؤدي هذه العمليات العقلية في النهاية إلى بناء المعرفة.
أما علماء بيولوجيا الأعصاب فإنهم يعتقدون بأن العمليات العقلية هي تحولات في مستوى التوازنات العصبية، وبالاستناد إلى هذه المعطيات ولا سيما النموذج الوظيفي للعمليات العقلية عند لونيركان يمكن لي أن أقدم نموذجا آخر يستند إلى النموذج الادراكي الذي يقوم على أساس الدلالة والمعرفة والإجراء، فالنموذج الذي يبحث عن الإنسان بصورة مستمرة يعطي معنى للعالم الخارجي الذي يحيط به وللعالم الداخلي لشخصيته. ومن أجل أن يؤكد الإنسان على التكامل بين حياته وبين المعنى الذي يعطيه لهذه الحياة فإن الإنسان يبني ذهنيا تصورات ومعارف تسمح له بالتكيف مع ما يحدث، وبالتالي فإن بناء هذه التصورات وهذه المعارف يحدث عبر عمليات عقلية مختلفة وعلى مدى الحياة. إن الإنسان يسعى إلى تحقيق أهداف ذات مغزى بالنسبة له، وبالتالي فإن الإشباعات البيولوجية ليست كافية بالنسبة للإنسان وفي هذا السياق يرى أتلان([4]) بأن عمليات بناء المعاني تخضع إلى منطق تكيف يبدو وكأنه قد تأصل في عمق البنية البيولوجية للإنسان ويظهر على شكل تنظيم ذاتي([5]).
إن النموذج الذي تسعى هذه الدراسة إلى بنائه يتكامل مع المستويات الأربعة للعمليات العقلية المشار إليها عند لونيركان ([6]). ولكنه ينطلق أيضا من المعطيات العصبية البيولوجية بوصفها تبريرات لأصول أنتربولوجية ونفيسة وفلسفية عند لونيركان، ففي داخل البرمجة الوراثية نجد غريزة البقاء التي تدفع الإنسان للتكيف مع الوسط الذي يعيش فيه، وكذلك نجد غريزة المحافظة على الهوية الإنسانية التي تتميز بخاصية التفوق، وكذلك نجد في الوراثة البعد المزدوج الذي يميز الإنسان : بعد التكيف وبعد التفوق وهو بعد المحافظة على الهوية الفردية والجمعية([7]). وبالنسبة لمعلوماتنا الحالية فإن العمليات العقلية تجري في الدماغ ([8]).
ومن هذا المنطلق يؤكد كل من هانز HANS-KOSTERLITZوجون هيكس([9]) وجودتحولات عصبية مسؤولة عن هذه العمليات، وهذه التحولات العصبية تعمل على تحويل المعلومات عبر خلايا الدماغ، وهذه الفرضية تساند رأي لونيركان حول العمليات العقلية الفئوية المتحولة التي توجه التفكير. ولكن العمليات الذهنية لا تنتج عن التحويلات العصبية فحسب بل إن هذه العمليات تؤكد على ضرورة فعل تيار إليكتروبيولوجي، وهو فعل الخلايا المستقبلة التي تؤكد تكامل المعطيات داخل خلايا الدماغ، فالمعلومات هي بناءات ناجمة عن التبادل الحادث بين نظام الدماغ المركزي وبين الوسط الخارجي عبر عمليات عقلية.
إن عملية تشكل البنية الداخلية هي نتاج لمركبين متمايزين هما: البنية العامة المحدودة وراثيا التي تمثل البنية الأساسية التحتية، والبنية الوراثية الفوقية النامية تحت تأثير الوسط الخارجي والوسط الداخلي، وهذا يقتضي نوعا من التوازن الدينامي في عملية تبادل المعلومات بين النظام العصبي والوسط([10]). ومع ذلك فإن هذه العملية لا تحدث بشكل آلي وطبيعي ولكنها تحدث بصورة واعية وذكية وعقلانية([11]). فنحن ومن أجل معالجة المعلومات يوجد لدينا فناءان مختلفان كما يعتقد بوشكين([12]) : يتكون الأول من الرموز والعلاقات بين الرموز، وبالتالي فإن أساليب استخدام الرموز تكون غالبا محدودة وهذا الشيء يحدث أيضا في منظومة العلاقات بين الرموز، وانطلاقا من هذه البنية تتكون البنى المنطقية، أما الفناء الثاني فيتكون من مجموعة السمات الخاصة بالأشياء والموضوعات الخارجية وهي السمات التي تسمح بعملية بناء تصورات متجانسة وترتيبات إحصائية لمختلف الموضوعات الخارجية وذلك في داخل الإنسان المفكر، وبالتالي فإن هذه البنية المبدئية الدينامية للتماثل تسمح باكتشاف خصوصيات جديدة في عناصر الوسط وبناء علاقات جديدة غير معروفة، وبالتالي فإن هذه التناظرات مع علاقاتها تشكل تصورات، وهذه التصورات تترك بصماتها وطابعها على البنية الثانية، فهي تسمح بدينامية الإبداع واكتشاف علاقات جديدة، ومع ذلك فهذه البنية لا يمكنها أن تؤكد النشاط الذهني وذلك لأنها لا تظهر إلا في حالة انتقالها من حالة الكمون إلى حالة الفعل. فالبنية الثانية تشير إلى الخصوصيات وإلى العلاقات والروابط، أما البنية الأولى فتعنى بالصيغ وتشكلها وتحددها لاحقا في بيان واضح، ومع ذلك فالبنيتان متكاملتان، فالإنسان من غير البيئة الثانية قد يكون فعالا ولكن ليس مبدعا وسلوكه سيكون محددا وسيكون بمثابة الآلة الإلكترونية.
هذا وتسمح المعطيات التجريبية لبوشكين([13]) لنا بالقول أن البيئة الثانية (الخارجية) هي صيغة تخضع لصورة هرمية بمستويات مختلفة، ففي المستوى الأول الذي يرتبط بالعالم الخارجي يتم بناء التصورات، التي تمتلك بدورها جملة من السمات التي تخص هذه الحالة المجسدة أو تلك، وفي الرحلة اللاحقة فإن التصورات التي تشكلت سابقا تأخذ علاقات مع التصورات القائمة بصورة مسبقة في الذاكرة، وفي هذه العملية فإن عدد خصوصيات التصورات الأولى يتناقض ويتقلص، وما يتبقى منها سيتجه نحو تحقيق أهداف الكائن الإنساني. وفي المستوى الثالث تتجسد بنية العلاقات، وهذا ما يعطي لبنية التصورات قليلا جدا من الخصائص الفطرية أو الأولية، وذلك هو المستوى التجريدي والتأملي، وأخيرا يمثل المستوى الأخير استراتيجيات الفعل التي تتشكل عبر العلاقات البنائية للمستوى السابق.
وهذه العمليات في مستوياتها الأربعة تنتج المعلومات الواقعية والمفاهيم والقرارات التي تخزن في الذاكرة بالمعنى العام غير المحدد: الذاكرة المرحلية، والذاكرة الأدبية، والذاكرة الإجرائية، الذاكرة الاستراتيجية.
فالنظام المركزي وفقا لهذا النموذج يشتمل على عدة عمليات معرفية في مستويات أربعة: عمليات معرفية ما ورائية ( ما بعد المعرفة )، معرفة المعرفة، وذلك عبر عملية ثنائية لبنية المعرفة، ومن ثم عمليات متسامية عالية، ومن ثم مجموعة البنى الاستنادية التي نسميها عمليات إشراقية الشكل. وهنا يمكن القول بأن معرفة المعرفة Connaissance de la connaissance تتمايز عن الوعي نفسه.
فمعرفة الذات – وهي بنية مزدوجة- تتمثل في التجربة والفهم والحكم الذي يقوم على أساس الخبرة والتجربة. أما الوعي فهو فيتمثل في تجربة المعرفة Expérience de la connaissance وهذا يعني تجربة التجربة Expérience de l’expérience وتجربة الفهم والحكم([14]). فالعمليات العقلية في صورتها المتسامية Transcendantal قلما خضعت للدراسة والبحث في المستوى العلمي، وقد شكل هذا المجال حقلا خاصا ومميزا للجماعات والمنظمات السرية، وهي مع ذلك ليس لها خصوصية روحية ومع ذلك فهي الإجابة عن السؤال الأبدي الذي يمتلكنا والذي ينتقل إلينا وراثيا من جيل إلى جيل كما تنتقل غريزة المحافظة على البقاء والتي تجسد في القدرة على التكيف، فالتفوق على الذات هو نتاج توجه مقصود وداع.
فالعمليات العقلية كما قلنا يمكنها أن تتم وفقا لطريقة فئوية من التكيف ترتبط بالوسط الاجتماعي الثقافي أو وفقا لطريقة متسامية مستقلة عن الوسط، ففي الطريقة المتسامية تؤدي العمليات العقلية (التي شرحناها بمفاهيم عصبية بيولوجية) إلى توجهات خاصة بالبحث عن معنى، وإلى تساؤلات نعطيها إجابات متفوقة، ويتم ذلك في داخل البعد المعرفي أحيانا، وفي داخل البعد الانفعالي في بعض الأحيان، وفي البعد الأخلاقي أحيانا أخرى. ففي المستوى المعرفي يحدث هذا التسامي عندما تتحول المعرفة من مستوى الأمبيريقية إلى مستواها التقريري، وذلك هو المتطلب الطبيعي للمعرفة الإنسانية، متطلب التجاوز الواعي والذاتي والعقلي للمعطيات باتجاه الحقيقة ومن ثم باتجاه الكائن ([15]).
إن ما يتم تجاوزه لا يبقى في الخلف، فهناك إضافة واتحاد من العناصر المتلاحقة، فالتجاوز هو انطلاقة كلية موضوعية وقوية تترجم نفسها في النشاطات المعرفية البنيوية التي تتحول إلى صيغة موضوعية وإلى فعل ينطوي على خصوصيات متنوعة للمعرفة البسيطة. وإمكانية المعرفة الإنسانية توجد في صورة انطلاقة لا حدود لها تتجه نحو السمو وإلى عملية تجاوز للذات، وبالتالي فإن هذه الانطلاقة غير المحددة توجه العملية نحو الكائن نفسه([16]). وفي نقلة من مستوى لآخر في مستويات المعرفة نجد نوعا من التغير لحالة نوعية([17]). ففي المستوى الأول يتحرر المرء من السيطرة البسيطة للمعنى، وفي المستوى الثاني يطرح الكائن أسئلة، وتكون هذه الأسئلة في البداية كاشفة عن الفهم، أما الإجابات فهي التي تؤكد الوحدة وتشكل العلاقات وتصنف وتعمم وتطرح فرضيات، وفي المستوى الثالث تأتي الأسئلة التي تكشف عن حالة التأمل، وبالتالي فإن الانطلاق من الذات يشتمل على دلالة جديدة، فهو يكشف عن الحقيقة نفسها، وفي المستوى الرابع فإن تجاوز الذات الذي كان تجاوزا معرفيا يتحول إلى صيغة تجاوز أخلاقي، ويتجسد ذلك في نسق الفعل، ولا يقف الأمر هنا عند طرح الأسئلة، بل يتجاوز ذلك إلى تقديم إجابات حيث تجري أمور الحياة وفقا لها، وهذا التجاوز للذات في المستوى الأخلاقي يشتمل على إمكانية الخير والكياسة والتعاون والحب الحقيقي .
إن إنجاز النسق الأخلاقي لا يبقى في مستوى المعرفة بل ينطلق إلى الفعل، وهنا تتحول العمليات الفعلية إلى عمليات متساندة، وتتحول إلى إجابة تدفعنا إلى اختيار موضوع أو شخص أو موضوعات نسعى إلى تجاوزها والتسامي فوقها.
هنا كما يتضح ميزنا بين العمليات العقلية الإشراقية، وهذه العمليات تصدر عن بنية تتشكل من مداخل اتصالية تجمع بين جملة الأنظمة المعرفية، وتلك هي دورات قائمة على نحو جيني. ولكن وعلى خلاف الدورات المسجلة في نظامنا الوراثي فهذه العمليات ليست جامدة، بل تعمل على تحويل المعلومات وتنشطها، وتعمل على إنتاج وتوسيع دوائر الاستقطاب ….الخ. وهذا المجال يشكل حقلا قلما خضع للدراسة. هذه الاعتبارات والأفكار التي حررناها عن الوظائف العقلية يمكنها أن تقودنا إلى التساؤل عن التأثير الذي يمكن للتكنولوجيا التربوية أن تمارسه في هذه الوظائف.
تكنولوجيا النمو الذهني:
طرحت التكنولوجيا التربوية الحديثة إشكالية النمو الذهني، أو إشكالية نمو الذكاء، وهذا يعني أن الوظائف العقلية هي نتاج لعمليات ذهنية تتم عبر نموذج معرفي هو النموذج الذي أسميناه النموذج ما بعد المعرفي، أو النموذج المتسامي، ولكن ماذا يعني تطوير هذه العمليات؟
ففي مستوى تطورنا يتم الانتقال من مستوى إلى آخر، وبالتالي فإن الانتقال من مستوى إلى آخر عبر مسار وجودنا يمكن أن يشكل حالة من حالات التطور. فالانتقال مثلا من نقطة A إلى نقطة B في هذا المسار يجسد طريق التطور، ويمكن لهذا التطور أن يأخذ أيضا صورة نوعية، وفي وضعية تطور العمليات العقلية فإن ذلك يتحدد على نحو نوعي مثل : الانتقال من المستوى التجريبي إلى المستوى التجريدي، ولكن هذا التنوع ليس كافيا، بل يجب أن يتم على أساس التكامل بين المستويين، فمفهوم التكامل الذي يوظف في مختلف المستويات يمكنه أن يأخذ دلالات مختلفة. فمن بين العمليات العقلية تعني عملية التكامل بإيجاد علاقات مع العمليات الأخرى مع تأكيد خصوصية هذه العمليات، فالنموذج الوظيفي للعمليات العقلية يمثل ويجسد عمليات المستويات الأربعة (التي سبق لنا ذكرها) في مستوى التفكير، ولذلك فإن التوظيف الخاص بالعمليات الذهنية يتطلب عملية تعلم وتدريب.
وفي هذا الصدد يقترح باري([18]) نموذجا استراتيجيا لهذه الغاية ويقترح منهجا لاثنتي عشرة سنة من التعليم الإجباري. فالتكنولوجيا التربوية المتمثلة في الحاسوب ليست موجهة مباشرة نحو تطوير العمليات العقلية التي أعدت من اجل تطوير المعارف، فالمعارف هي نتاج عمليات ذهنية متخصصة، وهنا يحدد باكيت ([19]) مستويات التعليم التي يمكنها بناء المعلومات بمساعدة التكنولوجيا الخاصة، فالتعليم يمكن أن يكون تمهيدا لبناء علاقات وتناظرات واستخدام الاستدلال والكشف وبناء النماذج المعرفية .
فالمعارف المتطابقة تأخذ صورة ظواهر معرفية ومفاهيم وإجراءات، بينما تأخذ التكنولوجيا صورة برامج وأنظمة خبرة وبرامج ذكية، وبالتالي فإن تنظيم هذه الظواهر يعطي أنواعا من التكنولوجيا الخاصة لتطوير المعرفة، ويمكن لنا أن نستنتج وفقا لذلك أن تطور المعارف يؤدي إلى تطور العمليات العقلية، وهذا صحيح بمعيار ما تكون عملية بناء هذه المعارف عن طريق التلاميذ أنفسهم وليس عن طريق المعلم.
إن تطوير العمليات العقلية والوظائف العقلية تكون حالة مؤكدة عندما يتعهد المعلم أو المربي الطلاب والتلاميذ في سياق أنظمة إجرائية معرفية.
إن تدخل المعلم هو عملية بناء وتكوين للفكر التجريبي والتجريدي والعقلاني، فالتكنولوجيا المستخدمة هي نوع من التنمية الكشفية وتنظيم قوانين الفعل، وفي الواقع فإن هذه التكنولوجيا تشكل مناهج خاصة مستوحاة من المنهج الأمبيريقي التجريبي العام([20]) فالمنهج الأمبيريقي يشكل محاولة لبناء موضوع الدراسة بمساعدة العمليات العقلية الأمبيريقية والتجريدية، وهو ينطبق على مختلف المجالات ويؤكد عبر عملية تطبيقه نحو بناء عملية النماء العقلي (تمييز،تكامل، تنوع) والعمليات العقلية. ففي عمليات النمو الذهني توجد هنا مخططات معرفية كما أشرنا، ومن السهولة بمكان تحديد ووصف هذه المخططات المعرفية، كما هو من السهولة بمكان أيضا أن نحدد عمليات ومخططات ما بعد العمليات المعرفية، والتي تسمى بعمليات على عمليات Ce sont des opérations sur des opérations ونحن لا يمكننا أن ندرك العمليات إلا من خلال موضوعاتها (فهي عمليات متحولة) وفي الآداب الجارية يجري الخلط بين العمليات ما بعد المعرفيةmeta-cognitives مع عمليات الوظائف مثل : التنظيم الذاتي auto-régulation، والتخطيط، والتقويم، والرقابة، والإدراك. ولقد تعرضنا لذلك عندما قدمنا لنموذج العلميات العقلية، ونحن نواجه نفس المشكلة فيما يخص العمليات السامية، وهذا المجال أصبح موضوعا لمختلف التيارات التي بدأت تنافس علماء النفس والمحللين النفسيين، فالسمو التربوي يرتبط بتوجهات إنسانية من أجل امتلاك الحقيقة والذكاء والخير والحق، وهذه التوجيهات مشتركة من قبل جميع الكائنات الإنسانية وذلك وفقا لتفسيرات اجتماعية ثقافية مختلفة، فالحديث عن التكنولوجيا الخاصة في هذا المجال يمكننا من عرض تقنيات التوسط، ومختلف أشكال اليوغا … الخ .
وفي النهاية يمكن أن نذكر بعض النقاط حول الوظائف العقلية ودور التكنولوجيات الجديدة في العملية التربوية وبناء الذكاء:
1- إن تطوير العمليات العقلية يعني في الواقع التمييز بينها، ومن ثم تحقيق التكامل.
2- يمكننا بناء مخططات غير وراثية بمساعدة التكنولوجيا وهذا الحقل لا حدود له.
3- يجب ألا نسمح للتطور التكنولوجي في أن يتحول إلى حالة عبودية واستلاب.
4- يمكن للتكنولوجيا التربوية أن تطبق على مختلف جوانب النظام التربوي.
5- إن التكنولوجيا الأكثر أصالة هي التي تؤكد على اللقاء الشخصي بين التلميذ والمعلم.
[1] Communication au mini-colloque du Cipte, Québec, Octobre 1996 JAN Palkiewicz
[2]Morin,E. (1984), Pour sortir du Xxiéme siècle, Fermand Nathan,Paris.
[3] Lonergan , B(1978), pour une méthode en théologie , Montréal , Fides.
[4] Atlan,H.(1974), Conscience et Désirs dans les systèmes auto-organisateurs,in E.morin et M.piattelli-palmarini (ED), L’unité de l’ homme : le cerveau humain, Paris , seuil.
[5] Atlan,H.(1974), Conscience et Désirs Ibide , p197.
[6] Lonergan , B(1978), pour une méthode en théologie , Montréal , Fides.
[7] Goldman,J.(1977),marxisme science humaines, Paris, gallimard.
[8] Paquette.G (1991), Mètaconnaissance dans la environnements d’apprentissage, thèse de doctorat en informatique, université de Maine
[9] Hughes.J (1978), Les morphines du cerveau, in la recherche, no. 93, octobre 1978.
[10] Paillard,J.(1985), Intelligence artificielle et neurosciences, in cognitive 85: de intelligence artificielle aux bioscience, Paris, centre d’études des systèmes et du techniques avancées.
[11] Longergan,b. (1991), les voies d’une méthodologie philosophique, Montréal, fides. Le Moigne, J.L.(1977), La théorie du système général, Paris, P.U.F.
[12] Pouchkine,W.N. (1971), Psychologie i Cybernetyka, Wydawnictwo szkilne I pedagogiczne.
[13] POUCHKINE,W.N. (1971), Psychologia I Cybernetyka, Wydawnictwo szkilne I pedagogiczne.
[14] Longergan, B. (1991Ov.cite .p54.
[15] Longergan, B. (1991), même source .p59.
[16] Longergan, B. (1991), Ov. cite .p60.
De Chardine,T. (1955), le Phénomène Humain, Paris, seuil.[17]
[18] Gagnè, R.m., Briggs,, L.J. (1988), Principles of instructional designe, marzano,R.I. et al dimensions of thinking, a framework for curriculum of instruction, alexandria, the association for supervision and curriculum developmemt.
[19] Paquette.G (1991) , Mètaconnaissance dans la environnements d’apprentissage, thèse de doctorat en informatique, universitè dde maine
[20] lonergan,B(1978), pour une méthode en théologie, Montréal, fides.
82 تعليقات